الفرار - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855202 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 390030 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-10-2020, 11:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي الفرار

الفرار (1)


د. خاطر الشافعي





"فلنرحَل إذًا مِن هذا العالَم المُتناقض بكل ما فيه، ولْنختَرْ فِراقًا نحن عليه مُجبَرون، فأينما ذهبْنا فستذهب معنا أمانينا، ولن تستطيع جحافل الظلم أن تقهرَ نزعةَ التمرد على القهر داخلنا، وربما وجدنا هناك خيارًا أفضلَ لا وجود فيه للمتناقضات!"... بقرار الرحيل المُلحِّ على الرجل بدا الرجلُ شاحبًا رغم ثورة الحُلم داخله؛ فقد أيقَن أن الغُربة التي يعيشها بين ذويه، لا مكان فيها لتحقيقِ حُلمه أن يحيا كإنسانٍ يحترم وجوده، ويدرك حِكمة خَلقه، ويوقن أن هذه الحياةَ ما هي إلا ممرٌّ للآخرة، وأصبح كلُّ همه كيف يكون الممرُّ آمنًا رغم المخاطر، سهلًا رغم الصعاب؟!

بعنفٍ - لاحدَّ له - داهمت الرجلَ سيولُ الأسئلة، وبين كِفَّتَيِ الميزان وجد نفسه يترنَّح، هل يُعَدُّ تقصيرًا منه قرارُه بالرحيل؟! وهل غياب العدل معناه تركُ الباب مفتوحًا لمخالب الظُّلم تنهش في جسد المبادئ؟! وهل يُعَد الرحيلُ فرارًا من المعركة بين ما هو كائن وما هو مُفتَرَض أن يكون؟!

"لا عليك، ماذا بوسعك أن تفعل؟!"، هكذا حدَّثَتْه نفسه، تواسي فيه انكسارًا وحزنًا وهمًّا لا حدَّ له؛ فقد أعيَتْه الحِيَل، وضرَبَت في جذور وجوده معاوِل القهرِ والتهميش والإقصاء، لدرجة أشعَرَتْه أنه يمشي فوق الماء، ويطير في الهواء، مذعورًا مَدْحورًا!

لَم يكن قرار الرجل بالرحيل فِرارًا بقدرِ ما كان إقرارًا منه بالرفض وعدم الخنوع؛ إذ ماذا يفعل وقد تكالَبَت عليه الخُطوب، وتعالَتْ صيحاتُ الباطل، وانزوى الحقُّ على استحياءٍ في ذاك الجانبِ اللامرئيِّ من حيِّز الوجود، وصار المُهرولون بين أروقةِ الباطل أبطالًا، والمُتسلِّقون فوق جُثَث المُصلِحين دعاةَ سلامٍ وحياة؟!

"لا تُرهِق نفسك، ألَمْ أُخبِرْك أنك غريب؟ والغريب لا بد له من دَفْع الضريبة، والضريبة لا بد لها من جُباة!"، هكذا تحاولُ النَّفس مواساته؛ فقد حفرت بصمة وجودِه على شاطئ الحياة أخاديد الدموع، فما يكاد يقفُ على عجزٍ منه وتقصير إلاَّ واغرورقَتْ عيناه بدموعٍ ترثي تقصيرَه وعجزه، مع أنها في الأصلِ تبكي تطاولَ الآخَرين وإجحافَهم، وجحودَهم ونكرانهم!

"هوِّن عليك؛ فلك قِبلة هم يجهلونها"، هكذا النفس تحاوره؛ فقد أيقنَتْ أن قِبلة الرجلِ مغايرة تمامًا لِقبلة مَن يعاشر؛ فهم قبلتهم الدُّنيا بمتاعها وغرورها، وهو قِبلته الآخرة بنعيمها وجنانها؛ ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، وفيها يقول ابن كثير: "يقول تعالى مخبرًا عن حقارةِ الدنيا وزوالِها وانقضائها، وأنها لا دوامَ لها، وغاية ما فيها لهوٌ ولعب: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾ [العنكبوت: 64]؛ أي: الحياة الدائمة الحق التي لا زوالَ لها ولا انقضاءَ، بل هي مستمرةٌ أبَدَ الآباد.

وقوله: ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]؛ أي: لآثَروا ما يَبْقى على ما يَفْنى".

"فليكن فرارًا إذًا وليس رحيلًا!"، هكذا تذكَّر قولَ الحقِّ - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50]، وفي "مدارج السالكين" (1/469 - 481) للعلامة ابن القيم كلامٌ مطول مفيدٌ عن منزلة "الفرار" من منازل السائرين، وقال القرطبي - رحمه الله -: لَمَّا تقدم ما جرى من تكذيبِ أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم لذلك، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمدُ؛ أي: قُلْ لقومك: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50]؛ أي: فِرُّوا مِن معاصيه إلى طاعته، وقال ابنُ عباس: فِرُّوا إلى الله بالتوبةِ من ذنوبكم، وعنه: فِرُّوا منه إليه، واعمَلوا بطاعته، وقال محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفَّان: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾: اخرُجوا إلى مكةَ، وقال الحسين بن الفضل: احتَرِزوا من كلِّ شيء دون الله، فمَن فرَّ إلى غيره لم يمتنع منه، وقال أبو بكر الوراق: فِرُّوا من طاعةِ الشيطان إلى طاعة الرحمن، وقال الجُنَيد: الشيطانُ داعٍ إلى الباطل، ففِرُّوا إلى اللهِ يمنَعْكم منه، وقال ذو النُّون المِصري: ففِرُّوا من الجهلِ إلى العلم، ومِن الكفر إلى الشُّكر، وقال عمرُو بن عثمان: فِرُّوا من أنفسِكم إلى ربِّكم، وقال أيضًا: فِرُّوا إلى ما سبق لكم مِن الله، ولا تعتمدوا على حركاتِكم، وقال سهل بن عبدالله: فِرُّوا مما سوى اللهِ إلى الله؛ ﴿ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50]؛ أي: أُنذِرُكم عقابَه على الكفر والمعصية"؛ الجامع لأحكام القرآن (17/53 - 54).

"سأفرُّ إلى ربي"، هكذا كان قراره الأخير, وما أجمَلَه مِن قرارٍ!

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-10-2020, 09:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفرار

الفرار (2)


د. خاطر الشافعي






استجمع الرجل قُواه الخائرة مِن همِّ الحاضر، واستحضر معنى الفرار، واعترَت مُحيَّاه ابتسامة أمل وهو يستشعر جمال فراره؛ فما يَعرفه أن المرء يفرُّ من وليس إلى؛ فالكلمة مُرتبِطة في وجدانه بالخوف والهلَع، وهو يتذكَّر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه:((لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفرَّ من المجذوم كما تفرُّ مِن الأسد))[1]، وقارَن بين فرار المذعور هربًا من براثن مرض أو مَخالب أسد، وبين فراره من جحيم المعاصي وجبال الذنوب؛ وسأَل نفسه: أيهما أولى بالحرص عليه: الدنيا أم الآخرة؟! وإذا كان الفرار من المجذوم أو الأسد حرصًا على الحياة، فكيف لا يفرُّ إلى الله حرصًا على الآخرة؟!

إذًا ما أجمله من قرار؛ قرار الفرار إلى الله!
"هل تظن الفرار إلى الله سهلاً؟!"؛ و"هل كل فارٍّ يَصِل؟!" هكذا دارت الأسئلة في خلده؛ فهو يُدرِك أن هناك من الشياطين جنسًا يَتراءى للناس، ويتغوَّل لهم تغولاً[2]، ليُضلَّهم عن الطريق ويُهلكهم، فشمَّر الرجل عن ساعديه، وتوضَّأ، فهو يؤمن أن طريق الطاعة مليء بالأشواك، وأن النار محفوفة بالشهوات، وتذكَّر قول الحق - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [الأحزاب: 16]؛ جاء في تفسير الطبري: القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [الأحزاب: 16] يقول تعالى ذِكرُه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لهؤلاء الذين يَستأذنوك في الانصراف عنك، ويقولون: ﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾: ﴿ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ﴾ يقول: لأنَّ ذلك أو ما كتب الله منهما، واصلٌ إليكم بكل حال، كرهتُم أو أحببتم، ﴿ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾، يقول: وإذا فررتُم من الموت أو القتل لم يزد فرارُكم ذلك في أعماركم وآجالكم، بل إنما تمتَّعون في هذه الدنيا إلى الوقت الذي كتب لكم، ثم يأتيكم ما كتب لكم وعليكم، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذِكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثَنا سعيد، عن قتادة: ﴿ قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 16]، وإنما الدنيا كلها قليل.

حدَّثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رَزين، عن ربيع بن خيثم: ﴿ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ قال: إلى آجالهم.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبدالرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، عن ربيع بن خيثم: ﴿ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ قال: ما بينهم وبين الأجل.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبدالرحمن قالا: ثنا سفيان، عن منصور، عن الأعمش، عن أبي رَزين، عن الربيع بن خيثم مثله، إلا أنه قال: ما بينهم وبين آجالهم.

حدَّثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن أبي رزين، أنه قال في هذه الآية: ﴿ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا ﴾ [التوبة: 82]، قال: ليَضحكوا في الدنيا قليلاً، وليبكوا في النار كثيرًا، وقال في هذه الآية: ﴿ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 16] قال: إلى آجالهم، أحد هذين الحديثين رفعه إلى ربيع بن خيثم.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن الأعمش، عن أبي رزين، عن الربيع بن خيثم: ﴿ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 16] قال: الأجل، ورُفِع قوله: ﴿ تُمَتَّعُونَ ﴾ ولم يُنصَب بـ: "إِذًا"؛ للواو التي معها؛ وذلك أنه إذا كان قبلها واو، كان معنى "إذًا" التأخير بعد الفعل، كأنه قيل: ولو فروا لا يُمتَّعون إلا قليلاً إذًا، وقد يُنصَب بها أحيانًا، وإن كان معها واو; لأن الفعل متروك، فكأنها لأول الكلام.

"إذًا، الرحلة ليسَت سهلة، ولا بد من استيعاب معنى الفرار ومغزاه، مدلوله ومعوقاته، سبله ومغزاه"، هكذا تُحادث الرجلَ نفسُه المهمومة، وهو يَغوص في تفسير الفرار، ويدوس جمر الواقع بما يختزن من مفهومٍ لجدوى مقاومة العجز والتقصير، ويُقاوم بكل ما يمتلك من قوة إيمانية محاولات تغريبه عن دينه، وقيمه ومبادئه، وهو يرى مخالب القهر تنهَش فيها بلا هوادة ولا رحمة، ومن دون وازع من ضمير أو دين، وهو يقارن ما هو كائن بما هو مُفترَض أن يكون!


ترى ماذا سيَفعل وقد أخذ قراره بالفرار؟!


[1] - صحيح البخاري في الطب 5707.

[2] - يتلوَّن لهم تلوُّنًا.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-10-2020, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفرار

الفرار (3)


د. خاطر الشافعي





سأفرُّ إلى ربِّي مهما كانت الصعاب، ومهما برقت في سماء الأماني الغالية شهواتُ الدنيا الفانية، وسأقهر شياطين الإغراء؛ فأنا صوب الهدف السامي أسير، ولن أكون أبدًا للدنيا وفتنتها أسيرًا، وحتمًا سأدكُّ قلاع المعاصي دكًّا دكًّا، ومهما راودتني عن نفسي الأفكار أن أسبح مع تيار الشهوات، فلن أجد مبادئ الطاعة قيودًا تُدميني؛ لأني أؤمن أنها قيودٌ تحجبني عن المعاصي، وتنقُلُني من ضيق الدنيا إلى رحابة الآخرة: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، "... هكذا استمر الرجلُ في حواره مع نفسه وهو يخطو أولى خطواتِه في الطريقِ إلى الله.

أخَذ الرجل يردد الآية بعمقٍ كبير، وقارَن بين (الحياة الدنيا) و(الدار الآخرة)، قارن بين (اللهو واللعب)، و(الجنة والنار)، وفي معنى الآية: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾ [العنكبوت: 64] يقول (ابن العثيمين) في فتاوى (نور على الدرب، الجزء: 5، الصفحة 2: ذكَر الله سبحانه وتعالى قبل هذا: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ﴾ [العنكبوت: 64]، لعب بالأبدان، ولَهْوٌ بالقلوب، وبيَّن أن الدار الآخرة هي الحيوان، يعني الحياةَ الكاملة التي ليس فيها نقص، وهذا كقوله تعالى: ﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]؛ فالحياةُ الحقيقية هي حياة الآخرة؛ لأنها حياةٌ ليس بعدها موت، فصارت هي الحياةَ الحقيقية، وهذا هو معنى قوله: ﴿ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾؛ أي: لَهِيَ الحياةُ الكاملة مِن كل وجهٍ"[1].

وأدرك الرجلُ أن من يقف على هذه الحقيقة، فهو على دربِ الحِكمة يسيرُ؛ ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]، وفيها قال ابن كثير: وقوله: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ﴾: قال عليُّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني المعرفةَ بالقرآن؛ ناسخِه ومنسوخِه، ومُحكَمِه ومتشابِهِه، ومُقدَّمِه ومُؤخَّرِه، وحلاله وحرامه، وأمثاله.

وروى جُوَيبر، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعًا: الحِكمة: القرآن، يعني: تفسيرَه، قال ابن عباس: فإنه قد قرَأه البرُّ والفاجرُ؛ رواه ابن مَرْدَويه.

وقال ابنُ أبي نجيح، عن مجاهد: يعني بالحكمةِ: الإصابةَ في القول.

وقال ليثُ بنُ أبي سُليم، عن مجاهد: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 269] ليست بالنبوة، ولكنه العِلمُ والفقهُ والقرآنُ.

وقال أبو العاليةِ: الحكمة: خشية الله؛ فإن خشيةَ اللهِ رأسُ كلِّ حِكمةٍ.

وقد روى ابن مَرْدَويه، من طريق بقيَّةَ، عن عثمان بن زُفَرَ الجُهنيِّ، عن أبي عمارٍ الأسدي، عن ابن مسعود مرفوعًا: "رأس الحكمةِ مخافةُ الله".

وقال أبو العاليةِ في رواية عنه: الحكمة: الكتاب والفَهْم.

وقال إبراهيم النَّخَعيُّ: الحِكمة: الفهم، وقال أبو مالك: الحكمة: السُّنَّة.

وقال ابن وهب، عن مالك، قال زيدُ بن أسلَمَ: الحكمة: العقل، قال مالك: وإنه لَيقعُ في قلبي أن الحكمةَ هو الفقهُ في دِين الله، وأمر يُدخله اللهُ في القلوب من رحمته وفضله، ومما يبيِّن ذلك أنك تجد الرجلَ عاقلاً في أمر الدنيا ذَا نظَرٍ فيها، وتجد آخرَ ضعيفًا في أمر دنياه، عالِمًا بأمرِ دِينه، بصيرًا به، يؤتيه الله إياه، ويحرِمُه هذا؛ فالحكمة: الفقهُ في دين الله.

وقال السُّدِّيُّ: الحكمة: النبوة.

والصحيح أن الحكمةَ - كما قاله الجمهور - لا تختصُّ بالنبوة، بل هي أعمُّ منها، وأعلاها النبوة، والرسالة أخصُّ، ولكنْ لأتباع الأنبياء حظٌّ من الخير على سبيل التَّبَع؛ كما جاء في بعض الأحاديث: "مَن حفِظ القرآن فقد أُدرِجَتِ النبوة بين كتِفيه، غيرَ أنه لا يوحى إليه"؛ رواه وكيع بن الجرَّاح في تفسيره، عن إسماعيل بن رافع عن رجلٍ لم يُسمِّه، عن عبدالله بن عمر قوله.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ويزيد قالا: حدثنا إسماعيل يعني ابن أبي خالد، عن قيس وهو ابن أبي حازم، عن ابن مسعود قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسَدَ إلا في اثنتين: رجلٍ آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكَتِه في الحق، ورجلٍ آتاه الله حِكمة فهو يقضي بها ويُعلِّمُها)).

وهكذا رواه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه مِن طُرق متعددة عن إسماعيل بن أبي خالد، به.

وقوله: ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]؛ أي: وما ينتفعُ بالموعظة والتَّذكار إلا مَن له لبٌّ وعقل يعي به الخطاب ومعنى الكلام"[2].

وسَرَتْ في نفس الرجل طمأنينةٌ بعدما أدرك الفارق بين الحياة والآخرة، وأيهما أحق بالفرار منه أو إليه، وأيقَن أنه من الحكمة الفرارُ من الضِّيق إلى السَّعة، ومن الفاني إلى الباقي، ومن كلِّ ما سوى الله إلى الله، فوَحْدَه السعيدُ مَن خاف يومَ الوعيد، ومَن لَم يكن شِعاره في الدنيا (هل من مزيد!).

وداهمه السؤال الصعب: مَن في فراره الشقيُّ ومَن السعيد؟!

تُرَى بماذا سوف يجيب؟!


[1] ابن العثيمين رحمه الله تعالى.

[2] تفسير ابن كثير.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.67 كيلو بايت... تم توفير 2.81 كيلو بايت...بمعدل (3.50%)]