دروس رمضانية - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858450 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 392894 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215493 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-02-2020, 01:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي دروس رمضانية

السحور (من دروس رمضان وأحكام الصيام)


الشيخ أحمد علوان
للأئمة والدعاة



الحمد لله ولي التوفيق، ومهدي من استهداه لأقوم الطريق، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ، سيد الداعين وإمام الهادين، ورضي الله عن أصحابه الغرِّ الميامين، وبعد...

فإننا سنعيش في هذا اللقاء، ولمدة ثمانية لقاءات، مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي يومه من سحوره مروراً بصلاة الفجر وصلاة الضحى والصلوات الخمس والمحافظة على النوافل وذكر الله، وقراءة القرآن إلى تناول الفطور والدعاء عنده، وختاماً بصلاة التراويح ثم السمر والحديث مع الأهل.

ويأتي اللقاء الأول مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، والحديث عن السحور، حيث كان يبدأ يومه في رمضان بحرصه على تناول وجبة السحور، حيث رغب فيها، فكما جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِصلى الله عليه وسلم: [السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ][1].

وسمَّى رسولُ اللهصلى الله عليه وسلم السحورَ غذاءً مباركًا، يقول عِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَة، دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّحُورِ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: «هَلُمَّ إِلَى هَذَا الْغِذَاءِ الْمُبَارَكِ»[2].

كما أن السحور بركة أعطانا الله إياها، فعن عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ، يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَسَحَّرُ، فَقَالَ: «إِنَّهَا بَرَكَةٌ أَعْطَاكُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا فَلَا تَدَعُوهُ»[3].
وقفة!!!
لك أن تتخيل وأنت تجلس على الطعام، ونويت به أن يقويك على الصيام، ففي طعامك بركة، ولو كان قليلاً، ثم أزيدك من الشعر بيتاً، أن الله وملائكته يصلون عليك وأنت تتسحر.. ما هذا النعيم من رب العالمين!!... فهل بعد تلك الأُجور.. تترك السَّحُور؟!

بَيْنَ السحور والفجر:
لقد نقل لنا صحابة رسول الله رضي الله عنهم المدة بين سحوره وصلاة الفجر، كما دار في هذا الحديث الذي جاء فيه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ: «تَسَحَّرَا فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا، قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلاَةِ، فَصَلَّى»، قُلْنَا لِأَنَسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: «قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً»[4].

إِنَّ مما نقله الصحابة رضي الله عنهم أنَّ بين سحوره صلى الله عليه وسلم وبين صلاة الفجر قدر قراءة خمسين آية من القرآن الكريم، أي ما يعادل: (عشر دقائق)، ويستفاد من الحديث استحباب تأخير السحور، وليس معناه أن الصائم يُمسك عن الطعام قبل الأذان بعشر دقائق، لكن له أن يأكل حتى يؤذن للفجر.

يقول الإمام النووي-رحمه الله-: [ اتفق أصحابنا وغيرهم من العلماء على أن السحور سنة، وأن تأخيره أفضل، وعلى أن تعجيل الفطر سنة بعد تحقق غروب الشمس، ودليل ذلك كله الأحاديث الصحيحة، ولأن فيهما إعانة على الصوم، ولأن فيهما مخالفة للكفار ][5].
ويؤكده أيضاً ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم:[لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا أَخَّرُوا السَّحُورَ، وَعَجَّلُوا الْفِطْرَ ][6].

وكان للفجر أذانان الأول لبلال، والثاني لابن مكتوم-رضي الله عنهما-، فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، أَنَّ بِلاَلًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ»[7]، وليُمسك عن الطعام بمجرد الأذان؛ لأنه لا يجوز تأخير السحور إلى وقت الأذان أو بعده.

وقد بَيَّنَ لنا رسولُ اللهصلى الله عليه وسلم أن السحور هو الفصل بيننا وبين أهل الكتاب، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ»[8].

فاحرص أخي الصائم على تناول السحور، واستحضر النية في سحورك، حتى يُصلي عليك ربك وتُصلي عليك ملائكته، ويكون عليك بركة من الله، واستن بسنة رسول الله، ففيها الخير والنجاة.

وصيَّة عملية:
لا تنس أن تترك وقتًا بين السحور وصلاة الفجر؛ لتقوم فتتوضأ وتصلي ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر، فهذا وقت السحر، وهو أفضل أوقات قيام الليل، ومناجاة رب العالمين.

♦♦♦

السؤال الثاني: من هُنَّ زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى عشرة امرأة، وهن على الترتيب:
1- خديجة بنت خويلد، 2- سودة بنت زمعة، 3- عائشة بنت أبي بكر الصديق، 4-زينب بنت جحش، 5-حفصة بنت عمر، 6- أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، 7- أم سلمة هند بنت أبي أمية، 8- جويرية بنت الحارث، 9- صفية بنت حيي بن أخطب، 10-ميمونة بنت الحارث، 11- زينب بنت خزيمة. فهؤلاء بنى بهن، وتوفيت منهن اثنتان: [خديجة بنت خويلد، زينب بنت خزيمة ] فيكون قدمات عن تسع.

وعقد على اثنتين ولم يدخل بهما: أسماء بنت النعمان الكندية، وعمرة بنت زيد الكلابية.. وأما ملك اليمين: مارية القبطية، ريحانة بنت زيد القرظية.
♦♦♦


خاطرة ( بعد الفجر ):آداب الطعام:
على المسلم أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أراد أن يفعل، فإذا أراد أن يصوم فليتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يصوم، وإذا أراد أن يطعم فليطالع حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان يأكل، فأسوتنا وقدوتنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث هنا عن آداب الطعام، هي كالآتي:
1- النية الصالحة:
ينبغي لكل من طلب الطعام، أو وُضع أمامه الطعام، أن ينوي لماذا أنا آكل؟ حتى يكون طعامه في ميزان حسناته، وهذا الأدب-استحضار النية-مطلوب قبل أي عمل.

2- أكل الحلال:
وهذه وصية الله عز وجل لأنبيائه ورسله*، فقال تعالى: ï´؟ يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ï´¾ [المؤمنون: 51].
ووصيته للمؤمنين، ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ï´¾ [البقرة: 172].
فاعلم أيها المؤمن أن من الواجب عليك أن تتحرى الحلال في مطعمك ومشربك وملبسك، وفي كل أمور حياتك، وشتى تحركاتك، ومختلف اتجاهاتك، فربك طيب لا يقبل الطيب.

3- تجنب الأكل في أواني الذهب والفضة:
إن ديننا حرم علينا سبل الإسراف والتبذير، واستعمال أواني الذهب والفضة في الطعام يعد من قبيل الإسراف، غير أننا نُهينا عن الأكل والشرب فيها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلاَ الدِّيبَاجَ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ»[9].
4- أَجِب الدعوة:
فمن حق المسلم على أخيه المسلم أن يجيب الدعوة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ» قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ
وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ»[10].
5- عدم الإسراف:
فإن الله سبحانه وتعالى نهانا عن الإسراف في الطعام والشراب، فقال ربنا: ï´؟ وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ï´¾ [الأعراف: 31].

والنبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الْآدَمِيِّ، لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ»[11].
وقال سول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»[12].

6- الاجتماع على الطعام:
فديننا يعلمنا الجماعة حتى في الطعام، وهذا لا شك يجلب البركة لأصحابها، فقد جاء أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ، قَالَ: «فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ»[13].

7- اغسل يدك قبل الأكل وبعده:
وفي هذا دلالة كبيرة على الاهتمام بصحة الإنسان، بأن يغسل يديه قبل الأكل وبعد أن يفرغ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ، وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ»[14].

8- المؤمن لا يعيب طعاماً:
على المسلم أن يقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم في ألا يعيب الطعام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا عَابَ رَسُولُ اللهِصلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، كَانَ إِذَا اشْتَهَى شَيْئًا أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ»[15].

9- سَمِّ الله وكل بيمينك:
من السنة قبل كل فعل، أن تبدأ ببسم الله، فهي البركة، وكل عمل لا يبدأ فيه بالبسملة، فهو مبتور ومقطوع، فسَمِّ الله قبل الطعام، وقل: ( بسم الله )، ولا تخالف في ذلك، فتقول: ( بسم الله الرحمن الرحيم )، فقد أمرنا أن نتبع ونهينا أن نبتدع، فالزم السنة، فإذا نسيَ أن يُسمَّيَ في أوله، جاز له أن يُسمي متى تذكَّر، فقد جاء عَنْ عَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ»[16].
جاء عن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي
الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم:«يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»[17].

وليحذر مخالفة السنة، فقد يأتي البعض-على سبيل المثال-، وفي إحدى يديه كوب الشرب، وفي الأخرى بسكويت أو قطعة من الكيك، فيأكل باليمين، ثم يرفع الشرب بالشمال، هو مخالف للسنة، فالسنة أن تأكل باليمين ثم تشرب باليمين، وقد يفعل من يزعمون الإتيكيت، فيمسك الملعقة بشماله والسكين أو الشوكة بيمينه، فيقطع اللحم باليمين، ويرفع اللقمة بشماله، كل هذه مخالفات، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على رجل تكبر عنده على الأكل باليمين، جاء عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ»، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: «لَا اسْتَطَعْتَ»، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ[18].

10- الأكل من جوانب الصحفة:
فما أجمل السنة النبوية، ومنها أن الإنسان إذا أكل فليأكل من الجوانب ولا يأكل من حافة الصحفة أو جانبها، فكما سبق في حديث عمر بن سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه أن يأكل مما يليه، ويؤكد ذلك ما جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«كُلُوا فِي الْقَصْعَةِ مِنْ جَوَانِبِهَا، وَلا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي وَسَطِهَا»[19].

11- التقط الطعام الساقط على الأرض:
لقد حرص ديننا أن نحافظ على كل شيء، حتى ما يسقط من الإنسان عند الطعام، فليأخذه ولا يتركه ما استطاع إلى ذلك، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ»[20].

12- أطعم زوجتك:
إنه الحنان النبوي، والذوق الإسلامي، أن يضع الزوج زوجته بيده، فإن فعل فله بذلك أجر، وكتبت له صدقة، فمما أوصى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه قائلاً:«...وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ...»[21].

13- ماذا تفعل لو وقع الذباب؟
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً»[22].

14- احْمَد الله بعد الطعام:
فالحمد لله بعد الاستيقاظ، والحمد له بعد الطعام، والحمد له بعد الشراب، والحمد له بعد اللباس، والحمد في كل حال، والأدعية بعد الطعام، متنوعة ومتعددة، أذكر بعضها، وخذ منها ما شئت:
عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ»[23].

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ - وَقَالَ مَرَّةً: إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ - قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مَكْفُورٍ»وَقَالَ مَرَّةً: «الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى، رَبَّنَا»[24].

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رُفِعَتِ المَائِدَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا»[25].

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ،..."[26].

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ رَجُلٌ خَدَمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِ سِنِينَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامُهُ يَقُولُ: "بِسْمِ اللهِ"، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ: "اللهُمَّ أَطْعَمْتَ وَأَسْقَيْتَ، وَأَغْنَيْتَ وَأَقْنَيْتَ، وَهَدَيْتَ وَأَحْيَيْتَ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَعْطَيْتَ"[27].

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ»[28].

15- اُدْع لصاحب الطعام:
فمن باب شكر الآخرين، فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك إذا طعمت عند أحد من الناس، فادع له بالخير والبركة، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ»[29].

16- اجتنب الثوم والبصل قبل الصلاة:
لا مانع شرعاً من أكل البصل والثوم بوجه العموم، لكن احذرهما إذا أردت الصلاة، فإذا كان وقت الصلاة قريبًا، فلا تأكلهما، أو إذا أكلت أحدهما، وجب عليك أن تُذهب أثرهما، حتى لا تؤذي الآخرين برائحة فمك، ولا تتأذى منك الملائكة، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ»[30].
دخلت أحد المساجد، فرأيت رجلاً يقف منفردًا في مؤخرة المسجد، وترك الصفوف المتقدمة، فلما فرغنا من الصلاة، سلمت عليه وسألته: لمَ لمْ تُصلِّ بجوارنا في الصفوف؟ فأجابني: لأنني أكلت البصل قبل الصلاة، فالذي دفعه للمخالفة وترك الصفوف، هو أنه خالف فأكل المحذور، دعني أقول: إن كنت حريصًا على عدم أذى الناس، فقد آذيت الملائكة، فهي تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.

17- لا تنم بعد الأكل مباشرة:
فتلك ظاهرةٌ غير صحيةٍ، وهي أن يتعمد البعض أن ينام بعد الأكل مباشرة، وهذا يضر بجسم الإنسان، وقد حذَّر الأطباء من ذلك، بل أشار إليه قبلهم، طبيبُ القلوب صلى الله عليه وسلم حيث جاء عَنْ السيدة عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَذِيبُوا طَعَامَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ، وَلَا تَنَامُوا عَلَيْهِ فَتَقْسُوَا قُلُوبُكُمْ»[31].
♦♦♦

درس الفقه:
أنواع الصيام: الصوم أنواع: واجب، وحرام، ومكروه، وتطوع[32]:
نتعرف أولاً على الأحكام التكليفية والتي تَنقسِم إلى خمسة أقسام، وهي: الواجب، الحرام، المُباح، المندوب، والمكروه"، قال صاحب نظم الورقات[33]:
والواجب المحكوم بالثوابِ
في فعله، والترك بالعقابِ

والندب ما في فعله الثوابُ
ولم يكن في تركه عقابُ

وليس في المُباح من ثوابِ
فعلاً وتَركًا بل ولا عِقابِ

وضابطُ المَكروه عكسُ ما نُدب
كذلك الحرام عَكسُ ما يَجبِ

النوع الأول: الصوم الواجب:
تعريف الواجب: هو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه.

والصيام الواجب، ثلاثة أقسام:
الأول: ما يجب للزمان نفسه وهو صوم شهر رمضان.
الثاني: ما يجب لعلة وهو صيام الكفارات، ومثاله: [ كفارة اليمين-صيام ثلاثة أيام-، كفارة الظهار، القتل الخطأ، الجماع في نهار رمضان].
الثالث: ما يجب بإيجاب الإنسان ذلك على نفسه، وهو صيام النذر.

النوع الثاني: الصوم الحرام:
تعريف الحرام: هو ما يُثاب تاركه امتثالاً، ويَستحِقُّ العقابَ فاعلُه.
عند الجمهور أو المكروه تحريماً عند الحنفية: وأنواع الصوم الحرام هي:
أولاً: صيام المرأة نفلاً بغير إذن زوجها وهو حاضر:
إلا إذا لم يكن محتاجاً لها كأن كان غائباً أو محرماً بحج أو عمرة أو معتكفاً، لما جاء عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَصُومُ المَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ»[34]، ولأن حق الزوج فرضٌ، لا يجوز تركه لنفل، فلو صامت بغير إذنه صح، وإن كان حراماً كالصلاة في دار مغصوبة، وللزوج أن يفطرها، لقيام حقه واحتياجه، وهذا الصوم مكروه تنزيهاً عند الحنفية.

ثانياً: صوم يوم الشك:
وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تردد الناس في كونه من رمضان، واختلفوا في حكمه، مع اتفاقهم على
عدم الكراهة وإباحة صومه إن صادف عادة للمسلم بصوم تطوع كيوم.
يقول عمار بن ياسر رضي الله عنه:«من صام يوم الشك، قد عصى أبا القاسمصلى الله عليه وسلم »[35]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُقَدِّمُوا صَوْمَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ، وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمٌ يَصُومُهُ رَجُلٌ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الصَّوْمَ»[36].

والخلاصة في حكم يوم الشك أنه: "مكروه عند الجمهور، ورأى أكثرهم إن صامه وكان من شهر رمضان، أن يقضي يوماً مكانه، فإن صامه لموافقته عادة له جاز الصيام حينئذ بدون كراهة، والعمل على هذا عند أهل العلم"[37].

ثالثاً: صيام يومي العيدين وأيام التشريق[38]:
وهذا اتفاق بين العلماء على تحريم صيام يوم عيد الفطر وعيد الأضحى، ويُضاف إليها أيام التشريق الثلاثة-اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة-أي الثلاثة أيام التي تلي عيد الأضحى، فعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ صَوْمِ هَذَيْنِ اليَوْمَيْنِ، أَمَّا يَوْمُ الفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صَوْمِكُمْ وَعِيدٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا يَوْمُ الأَضْحَى فَكُلُوا مِنْ لُحُومِ نُسُكِكُمْ»[39].

فهذا نص صريح صحيح في تحريم صيام العيدين، أما ما جاء في تحريم صيام أيام التشريق، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ يَطُوفُ فِي مِنًى «أَنْ لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»[40]، "وأجاز أصحاب الشافعي صيام أيام التشريق، فيما له سبب، من نذر أو كفارة أو قضاء، أما ما لا سبب له، فلا يجوز فيها بلا خلاف"[41].

وعليه: يحرم صيام التطوع يوم عيد الفطر-أما اليوم الثاني لعيد الفطر فيجوز-، ويوم عيد الأضحى والأيام الثلاثة التي تليها، أما ما له سبب فجائز الصيام في أيام التشريق وليس في يومي العيدين.

رابعاً: صيام الحائض والنفساء:
لا يصح صيام الحائض أو النفساء، وإن صامت إحداهما فصيامها غير صحيح، وعليها قضاء ما صامته.
والله أعلم

يراجع كتاب: نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، والصادر عن دار الصفوة بالقاهرة.


[1] مسند الإمام أحمد (11086)، حديث صحيح.

[2] مصنف ابن أبي شيبة، ومسند الإمام أحمد.

[3] سنن النسائي(2162)، وقال الألباني: صحيح.

[4] البخاري(576).

[5] انظر: المجموع، (ج6، ص360).

[6] مسند الإمام أحمد(21507).

[7] البخاري(1918).

[8] مسلم(1096).

[9] البخاري( 5426)، ومسلم(2067 ).

[10] مسلم(2162).

[11] الترمذي(3349)، وقال الألباني: صحيح.

[12] البخاري(5393)، مسلم(2061).

[13] أبو داود(3467)، وابن ماجة(3286)، وحسنه الألباني.

[14] أبو داود،(3761)، والترمذي (1846) وقال الألباني: ضعيف.

[15] البخاري(5409)، مسلم(2064).

[16] أبو داود(3767)، الترمذي(1858).

[17] البخاري(5376)، مسلم(2022).

[18] مسلم(2021).

[19] مسند أحمد (2439)، وإسناده صحيح.

[20] مسلم (2033).

[21] البخاري(2742)، مسلم(1628).

[22] البخاري(3220).

[23] أبو داود(4023)، والترمذي(3458)، وابن ماجة(3285)، ومسند أحمد(15632)، وحسنه الألباني.

[24] البخاري(5459).

[25] سنن الترمذي(34569، وقال: حسن صحيح.

[26] أبو داود(3730)، والترمذي(3455)، وقال: حديث حسن.

[27] مسند أحمد(16595)، وصححه الأرناؤوط.

[28] أبو داود(3850)، والترمذي(3457)، وابن ماجة(3283)، وأحمد(11276).

[29] أبو داود(3854)، وقال الألباني: صحيح.

[30] البخاري(7359)، ومسلم(564).

[31] المعجم الأوسط للطبراني(4952).

[32] الفقه الإسلامي وأدلته، أ.د. وهبه الزحيلي، ( ج3، ص14 وما بعدها) باختصار.

[33] لصاحبها: شرف الدين يحيى العمريطي-رحمه الله-.

[34] البخاري(5192).

[35] رواه أصحاب السنن الأربعة.

[36] سنن أبي داود(2335)، وقال الألباني: صحيح.

[37] انظر: فقه السنة(ج1،ص314)، الفقه الإسلامي وأدلته، ج3، ص17).


[38] للمزيد، انظر: الفقه على المذاهب الأربعة، تأليف: عبدالرحمن الجزيري، (ج1، ص504، 505)، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ط2/1424ه=2003م.

[39] سنن الترمذي(771)، وسنن ابن ماجة (1722)، وقال الترمذي: حديث صحيح.

[40] مسند أحمد (10664)، حديث صحيح.

[41] فقه السنة(ج1، ص313).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-02-2020, 02:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

أول ليلة في رمضان





















(من دروس رمضان وأحكام الصيام)





للأئمة والدعاة





الشيخ أحمد علوان




الحمد لله المعروف بالإحسان، المحمود بكل لسان، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، والصلاة والسلام على رسول الإسلام، وهادي الأنام، أفضل من صلى وصام، ونام وقام، وطاف بالبيت الحرام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد...







فقد أقبل علينا شهر من أفضل الشهور عند الله، شهر ينتظره المؤمنون كل عام، شهر الحسنات، والنفحات، والبركات، والعطاءات، من رب البريّات، شهر تتنزل فيه الرحمات من رب الأرض والسماوات، شهر تغلق فيه النيران وتفتح فيه الجنات.







وهذه أول ليلة لنا من هذا الشهر، فأحسنوا استقباله، وأكرموا هلاله، وأروا الله من أنفسكم خيرًا.







أحبتي في الله:



إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن أول ليلة من رمضان، تصفد فيها الشياطين، وتغلق أبواب النيران، وتفتح أبواب الجنان، فكما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ»[1].







نقل الإمام ابن حجر عن الإمام القرطبي: [فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرًا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك، فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كُلهم، كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس، فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية][2].







فمن الواجب على الصائم في رمضان، أن يغتنمه، وأن يحرص على كل دقيقة، حتى يخرج منه بعتق من النيران، وقصراً في جنة الرحمن، فإذا أردت أخي الصائم أن تكون من الفائزين في رمضان، فعليك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقتدِ به، واهتدِ بهديه، فلو نظرنا إلى هدي حبيبنا صلى الله عليه وسلم في رمضان فهو كما وصفه الإمام ابن القيم، فقال:[وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحيانا؛ ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة][3].







وقد وصف الإمام ابن الجوزي شهر رمضان بهذه الكلمات، فقال: [مثل الشُّهُور الاثني عشر كَمثل أَوْلَاد يَعْقُوب عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم السَّلَام، وَشهر رَمَضَان بَين الشُّهُور كيوسف بَين إخْوَته، فَكَمَا أَن يُوسُفَ أحبُ الْأَوْلَاد إِلَى يَعْقُوب، كَذَلِك رَمَضَان أحب الشُّهُور إِلَى علام الغيوب] [4].







فاحرص على اغتنام هذا الشهر، وانظر ما هو الهدف الذي تريد أن تخرج به من رمضان، وما هو الحال الذي تحب أن تذكر به عند الله، وأي عمل تود أن ترفعه ملائكة الرحمن، فيذكرون اسمك عند الله، فيصير لك صيت وذكر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا لَهُ صِيتٌ فِي السَّمَاءِ، فَإِذَا كَانَ صِيتُهُ فِي السَّمَاءِ حَسَنًا وُضِعَ فِي الْأَرْضِ، وَإِذَا كَانَ صِيتُهُ فِي السَّمَاءِ سَيِّئًا وُضِعَ فِي الْأَرْضِ»[5].







أيها الصائم!!! جدد النية، واشحذ الهمة، وامتثل قول القائل:





سأصرف همتي بالكل عما

نهاني الله من أمر المِزاح




إلى شهر الخضوع مع الخشوع

إلى شهر العفاف مع الصلاح




يُجازى الصائمون إذا استقاموا

بدار الخلد والحور الملاح




وبالغفران من رب عظيم

وبالملك الكبير بلا براح









وصيَّة عملية:



استقبل شهر رمضان بركعتين لله تخلو فيهما بنفسك، وتناجي فيهما ربك، وتدعوه أن يغفر لك ما مضى، حتى تستقبل الشهر وصحيفتك نقية بيضاء.



♦ ♦ ♦







السؤال الأول: من هم العشرة المبُشَّرون بالجنة؟



الجواب: [أبوبكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيدالله، الزبير بن العوام، عبدالرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، سعيد بن زيد، أبوعبيدة بن الجراح رضي الله عنهم ].



♦ ♦ ♦







خاطرة (بعد الفجر):



(آداب الصيام): وهي كالآتي:



1-إخلاص النية: فالصائم يجب عليه أن يستحضر النية التي من أجلها يصوم رمضان، حتى يأخذ الأجر كاملاً، ويحصل أعلى درجة من الثواب، فكلما أخلص عمله كلما كان هذا أرفع لدرجته عند ربه، وأرجى لقبول صومه، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ»[6].







2- السَّحُور: من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يحافظ على تناول السحور، وحَثَّ الأمة عليه، فقال:«تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»[7]،كما أن السحور هو الفصل بين صيام المسلمين وصيام أهل الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ»[8]، فمن السنة أن يتسحر المسلمون ولو على جرعة ماء أو على تمرات، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ»[9]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ»[10].







3- تأخير السَّحُور وتعجيل الفطور: فتلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يؤخر السحور قبل الفجر، ويعجل بالفطر بعد المغرب، فقد قال رَسُولَ اللَّهصلى الله عليه وسلم:«عجلوا الإفطار وأخروا السحور»[11].







4- حفظ اللسان والجوارح: فعلى الصائم أن يحفظ لسانه، من كل لغو ورفث، وأن يجنب صومه الزلل واللمم، حتى يُرفع صومه إلى ربه ليس فيه ما ينقص أجره، فإطلاق العنان للسان في الصيام، لا شك أنه يقلل من أجر الصيام، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»[12]، وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن من سابك أو نال منك وأنت صائم، فتأدب بأدب الصوم، ولا ترد عليه الإساءة بالإساءة، فقال صلى الله عليه وسلم: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ»[13]، كما عليه أن يحفظ كل جوارحه مما يخرق الصوم.







5-الفطر على رطب أو تمر أو ماء: ففيه بلا شك تهيئة للمعدة على تناول الطعام، ويقلل الجوع، ويُساعد على عدم امتلاء البطن، عن ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ»[14].







6- عدم الإسراف في الفطور: فالمؤمن مطالب دائماً أن يحرص على التوازن في كل شيء، فإذا أكل فلا يسرف في الأكل، وإذا شرب فلا يسرف في الشراب، وعلى الصائم ألا يُكثر من الطعام عند الإفطار حتى يستطيع القيام لصلاة التراويح، ولا تتثاقل رأسه عن أداء الصلاة.







7- الدعاء عند الفطر: فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءًا نقوله عند الإفطار، فكما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»[15]، كما أن للصائم عند فطره دعوة لا ترد،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ»[16].



♦ ♦ ♦







درس الفقه:



تعريف الصيام، حكمة مشروعيته، أركانه، متى فرض رمضان؟ كيفية الصيام قبل الإسلام.



الصوم: لغة: الإمساك. وشرعاً: الإمساك عن المُفَطِّر على وجه مخصوص من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.



متى فرض صيام رمضان؟ فُرض صومُ رمضان بعد صرف القبلة إلى الكعبة لعشر من شعبان في السنة الثانية من الهجرة بسنة ونصف إجماعاً [17].







حكمة مشروعيته: شرع الله الصيام لحِكَم، منها:



تحقيق تقوى الله: قال تعالى: ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 183].



التحلي بالإخلاص: فالصائم لا يطلع على صومه إلا الله.



يساعد الصائم على التخلق بالصبر ومكارم الأخلاق.



يحقق للجسد بوجه عام، وللجهاز الهضمي بوجه خاص الصحة والعافية.



فالصيام مدرسة روحية وتربوية وصحية وخلقية.







دليل مشروعيته: من القرآن الكريم، قوله تعالى: ï´؟ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ï´¾ [البقرة: 185]، ومن السنة النبوية، «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»[18]، فصيام رمضان واجب بالكتاب والسنة والإجماع، وأحد أركان الإسلام.







أركان الصوم: للصوم ركنان:



الركن الأول: النية: "ويشترط إيقاعها ليلاً قبل الفجر عند الجمهور، لكنها تصح عند الحنفية في الصوم المعين قبل الزوال، ومجرد التسحر من أجل الصوم يُعَدُّ نيَّة مجزئة؛ لأن السحور في نفسه إنما جُعِل للصوم، بشرط عدم رفض نية الصيام بعد التسحر، ويكون لكل يوم من رمضان نِيَّة مُسْتَقِلَّة تسبقه، وأجاز الإمام مالك صوم الشهر كله بنيَّة واحدة في أوله.أما إذا كان الصوم غير واجب فيجوز تأخير النية لما بعد الفجر، لمن لم يأت بمُفَطِّرٍ وأراد أن يكمل اليوم صائمًا تطوعًا فله ذلك"[19].







الركن الثاني: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.



كيفية الصيام قبل الإسلام:



يمكن تلخيص ذلك من كتاب (زاد المسير في علم التفسير)، في تعليق صاحبه على قوله تعالى: ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 183]. فقال: "وفي الذين من قبلنا ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم أهل الكتاب، والثاني: أنهم النصارى، والثالث: أنهم جميع أهل الملل، وفي موضع التشبيه في كاف (كَما كُتِبَ) قولان: أحدهما: أن التشبيه في حكم الصوم وصفته، لا في عدده، والثاني: أن التشبيه في عدد الأيام، ثم في ذلك قولان: أحدهما: أنه فرض على هذه الأمة صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقد كان ذلك فرضاً على من قبلهم، والثاني: أنه فرض على من قبلنا صوم رمضان بعينه، قال ابن عباس: فقدم النصارى يوماً ثم يوماً، وأخَّروا يوماً، ثم قالوا: نقدم عشراً ونؤخر عشراً، وقال السُّدي عن أشياخه: اشتد على النصارى صوم رمضان، فجعل يتقلب عليهم في الشتاء والصيف، فلمّا رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياماً في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا: نزيد عشرين يوماً نكفر بها ما صنعنا، فعلى هذا تكون الآية محكمة غير منسوخة"[20].







وزاد الإمام القرطبي الأمر إيضاحاً، فقال:"التشبيه يرجع إلى وقت الصوم وقدر الصوم، فإن الله تعالى كتب على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فغيروا، وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفاه الله أن يزيد في صومهم عشرة أيام ففعل، فصار صوم النصارى خمسين يومًا، فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع، واختار هذا القول النحاس وقال: وهو الأشبه بما في الآية"[21].







وذكر الإمام ابن كثير في تفسيره، قائلاً:"روي أن الصيام كان أولاً كما كان عليه الأمم قبلنا، من كل شهر ثلاثة أيام، عن معاذ، وابن مسعود، وابن عباس، وعطاء، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وزاد: لم يزل هذا مشروعًا من زمان نوح إلى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان"[22].







ويتضح مما سبق:



أولاً: أن الصيام كان معروفاً لدى الأمم السابقة قبل الإسلام.







ثانياً: قال القرطبي: فرض صيام رمضان على قوم موسى وعيسى، فغيروا وزادوا، وقال ابن كثير: إن الصيام كان ثلاثة أيام من كل شهر، ثم نُسخ برمضان.







ثالثاً: يرى ابن الجوزي أن الصيام كان يشبه صيامنا في الحكم -أي فرضيته- والصفة -الامتناع عن الطعام والشراب-، وليس العدد -أي ثلاثين يوماً-.







والحاصل:



أن الصيام كان موجوداً لدى الأمم قبل الإسلام، وإن اختلف العلماء في كيفيته وصفته، فالشاهد أن كل الديانات صامت، وجميع الأمم السابقة أمسكت عن الطعام والشراب مدة من الزمن - قلَّت أم كثرت -.



والله أعلم.







من كتاب: نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان - دار الصفوة بالقاهرة






[1] سنن الترمذي (682)، وسنن ابن ماجة (1642)، وقال الألباني: صحيح.




[2] انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج4/ ص114، دار المعرفة - بيروت، 1379هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب.




[3] زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، (ج2/ ص31)، مؤسسة الرسالة، بيروت - مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، ط27 / 1415هـ = 1994م.




[4] بستان الواعظين ورياض السامعين، لابن الجوزي، ص230، تحقيق: أيمن البحيري، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت - لبنان، ط2/ 1419 هـ= 1998م.




[5] المعجم الأوسط، للطبراني، ( 5248).




[6] سنن النسائي (3140)، وقال الألباني: حسن صحيح.




[7] البخاري (1923)، ومسلم (1095) عن أنس بن مالك.




[8] مسلم (1096)، عن عمرو بن العاص.




[9] مسند أبي يعلى (3340)، وصحيح ابن حبان(3476)، وإسناده حسن.




[10] سنن أبي داود (2345)، وقال الألباني: صحيح.




[11] صحيح الجامع الصغير (3989) عن أم حكيم.




[12] البخاري (1903) عن أبي هريرة.




[13] البخاري (1894) عن أبي هريرة.




[14] سنن أبي داود (2356)، وسنن الترمذي (696)، ومسند أحمد (12676)، وقال الألباني: صحيح.




[15] سنن أبي داود (2357)، وقال الألباني: حسن.




[16] سنن ابن ماجة (1753)، والمعجم الكبير للطبراني (14343)، وعلق محمد فؤاد عبدالباقي: إسناده صحيح.




[17] انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، ج3، ص13، الأستاذ الدكتور/وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ، دار الفكر - سوريَّة - دمشق، ط4.




[18] البخاري (8)، ومسلم (16).




[19] راجع: كتاب الصيام، ص24، الصادر عن دار الإفتاء المصرية، لعام 1436هـ.




[20] انظر: زاد المسير في علم التفسير، للإمام ابن الجوزي، (ج1، ص140)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1/ 1422 هـ.




[21] تفسير القرطبي، (ج2، ص274)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2 /1964 م.




[22] تفسير ابن كثير، (ج1، ص497)، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2/1420هـ = 1999 م.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-02-2020, 02:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

صلاة الفجر في المسجد (من دروس رمضان وأحكام الصيام)
الشيخ أحمد علوان




للأئمة والدعاة


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام وكفى بها نعمة، الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان وكفى بها نعمة، الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة القرآن وكفى بها نعمة، الحمد لله الذي أنعم علينا بأن جعَلنا من أمة خير الأنام محمد، أما بعد:
فما زلنا نعيش مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، ومع اللقاء الثاني والحديث عن صلاة الفجر، ثم صلاة الضحى، فبعد أن يتسحر يستعد لصلاة الفجر، وليحرص على أن يصليها في جماعة المسجد، وإليكم فضلها.

الثمرات العشر لصلاة الفجر

1- النور التام يوم القيامة:

عن بريدة الأسلمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد، بالنور التام يوم القيامة))[1].


2- ركعتا الفجر خير من الدنيا:

عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها))[2]، يعني سنة الفجر، فإذا كانت ركعتا الفجر خيرًا من الدنيا وما فيها، فكيف بصلاة الفجر؟!


3- شهادة الملائكة:

قال تعالى: ï´؟ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ï´¾ [الإسراء: 78]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر، قال: فيجتمعون في صلاة الفجر، قال: فتصعد ملائكة الليل، وتثبُتُ ملائكة النهار، قال: ويجتمعون في صلاة العصر، قال: فيصعد ملائكة النهار، وتثبت ملائكة الليل، قال: فيسألهم ربهم: كيف تركتم عبادي؟ قال: فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون))[3].


4- دخول الجنة والنجاة من النار:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يلِجَ النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها)) - يعني الفجر والعصر[4]، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم ((مَن صلى البَرْدَيْنِ دخل الجنة))[5].


5- أجر قيام الليل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى العشاء في جماعةٍ فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعةٍ فكأنما صلى الليل كله))[6].

6- دعاء الملائكة:

عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن صلى الفجر ثم جلس في مصلاه، صلَّتْ عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفِرْ له، اللهم ارحَمْه))[7].


7- في ذمة الله وحِفظه:

عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيءٍ فيدركه فيكبه في نار جهنم)) [8].


8- أجر حجة وعمرة:

عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صلى الغداة - الفجر - في جماعةٍ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ تامةٍ تامةٍ تامةٍ))[9].


9- البراءة من النفاق:

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أثقل صلاةٍ على المنافقين صلاة العِشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجالٍ معهم حزمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار))[10].


10- رؤية الله يوم القيامة:

عنجرير بن عبدالله، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلةً - يعني البدر - فقال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغلَبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا))، ثم قرأ: ï´؟ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ï´¾ [ق: 39][11]...


وإذا أردتَ أن تصبح طيب النفس نشيطًا، فعليك بصلاة الفجر؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((يعقِدُ الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عُقَدٍ إذا نام، بكل عقدةٍ يضرب عليك ليلًا طويلًا، فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدةٌ، وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان، فإذا صلى انحلت العُقَد، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))[12].

أخي الصائم، لا تنسَ صلاة الضحى بعد شروق الشمس بقدر رمح - أي ما يعدل (20) دقيقة - فهي سنَّة مؤكدة عن رسول الله..

وجاء في فضل صلاة الضحى: عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقةٌ؛ فكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تحميدةٍ صدقةٌ، وكل تهليلةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى))[13].

وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة، حين قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لا أدعهن في سفرٍ ولا حضرٍ: ركعتي الضحى، وصوم ثلاثة أيامٍ من الشهر، وألا أنام إلا على وترٍ"[14].

وإن زدتَ في عدد الركعات، فهو خيرٌ لك: عن نعيم بن همارٍ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يقول الله عز وجل: يا بن آدم، لا تعجزني من أربع ركعاتٍ في أول نهارك، أَكْفِكَ آخرَه))[15].

أقلها وأكثرها:
المتفق عليه أن أقل عدد لصلاة الضحى: ركعتان، أما أكثرها: فيرى المالكية والحنابلة أن أكثر صلاة الضحى ثمان ركعات، ويرى الحنفية والشافعية وأحمد - في رواية عنه - أن أكثرها اثنتا عشرة ركعة، ويسلم من ركعتين[16]، ثم الراحة قليلًا قبل ذهابك إلى العمل؛ حتى تستطيع أن تواصل يومك.

وصية عملية:
ما أجملَ أن تمكث في المسجد بعد صلاة الفجر، فتملأ هذا الوقت بالأذكار والاستغفار، وتلاوة القرآن، حتى تطلع الشمس، فهذا يعدِل حجةً وعمرة.
♦♦♦

السؤال الثالث: مَن هنَّ مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: قال ابن القيم: "فمنهن ثُوَيبة مولاة أبي لهب، أرضعَتْه أيامًا، وأرضعت معه أبا سلمة عبدالله بن عبدالأسد المخزومي بلبن ابنها مسروح، وأرضعت معهما عمه حمزة بن عبدالمطلب،ثم أرضعته حليمة السعدية بلبن ابنها عبدالله أخي أنيسة وجدامة وهي الشيماء، أولاد الحارث بن عبدالعزى بن رفاعة السعدي، وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، وكان عمه حمزة مسترضعًا في بني سعد بن بكرٍ، فأرضعت أمُّه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يومًا وهو عند أمه حليمة، فكان حمزة رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين: من جهة ثويبة، ومن جهة السعدية"[17].

وعليه: فيكون مَن أرضعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع نسوة: أمه آمنة بنت وهب، ثم ثويبة مولاة أبي لهب - أول من أرضعته بعد أمه - ثم حليمة السعدية، ثم امرأة من بني سعد.
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب النوم:
1- استحضِرْ نية النوم:
فقد سبق أن بينا وأكدنا على أمر النية؛ فهي شرطٌ قبل أي عمل، ومهمة قبل الشروع في أي واجب، فعلى المسلم أن يستحضر نيته عند النوم، ويسأل نفسه: لماذا سأنام؟ وما النية التي أستحضرها للنوم؟ فإذا فعل ذلك كان نومه بعد استحضار النية في ميزان حسناته.

2- الوضوء قبل النوم:
عن البراء بن عازبٍ، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأَ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنتُ بكتابك الذي أنزلت، وبنبيِّك الذي أرسلت، فإن متَّ من ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به))،قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: اللهم آمنتُ بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: ((لا، ونبيك الذي أرسلت))[18].

3- النوم على الشق الأيمن:
من حديث البراء السابق، بعد أن أوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء، قال له: ((ثم اضطجع على شقك الأيمن..)).

4- ضَعْ يدَك اليمنى تحت خدك الأيمن:
عن حفصةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: ((اللهم قِنِي عذابَك يوم تبعث عبادك)) ثلاث مِرارٍ[19].

5- دعاء قبل النوم:
وبعد أن أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم البراء بالوضوء، ثم الاضطجاع على الشق الأيمن، طلب منه أن يقول دعاء قبل النوم، وهو: ((اللهم أسلمتُ وجهي إليك، وفوضتُ أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن متَّ من ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به))، قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: ((لا، ونبيك الذي أرسلت)).

وعن أنسٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه، قال: ((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافيَ له ولا مُؤويَ))[20].

6- قراءة بعض القرآن قبل النوم:
عن جابرٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ ï´؟ الم * تَنْزِيلُ ï´¾ [السجدة: 1، 2]، ï´؟ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ï´¾ [الملك: 1]))[21].

وعن العرباض بن سارية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ المسبحات، ويقول: ((فيها آيةٌ خيرٌ من ألف آيةٍ))[22]، وفي رواية ثالثة، قالت عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر"[23].

وبجمع الروايات المتقدمة، يتضح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السجدة، والمُلْك، والمسبِّحات - السور التي تبدأ بـ: سبَّح، أو يُسبِّح - وسورة الإسراء والزمر، وكل هذه مستحبات، فمن فعلها كانت له، وإلا فلا شيء عليه.

7- صلاة الوتر:
عن أبي هريرة، قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لا أدعهن في سفرٍ ولا حضرٍ: ركعتي الضحى، وصوم ثلاثة أيامٍ من الشهر، وألا أنام إلا على وترٍ"[24].

8- قراءة المعوِّذات ومسح الجسد بها:
عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلةٍ جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾ [الإخلاص: 1]، ï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ï´¾[الفلق: 1]، ï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ï´¾ [الناس: 1]، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مراتٍ"[25].

9- احذَرِ النومَ على بطنك:
عن أبي هريرة، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا مضطجعًا على بطنه فقال: ((إن هذه ضِجْعةٌ لا يحبها الله))[26].

10- أذكار النوم:
ومنها: عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربِّ وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))[27].

ومنها: عن حذيفة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام قال: ((باسمك اللهم أموت وأحيا))، وإذا استيقظ من منامه قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور))[28].

ومنها: كان عبدالله بن عمر إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم أنتَ خلقتَ نفسي، وأنت تتوفاها، لك محياها ومماتها، اللهم إن توفيتَها فاغفر لها، وإن أحييتَها فاحفظها، اللهم إني أسألك العافية، فقال له رجلٌ من ولده: يا أبة، أكان عمر يقول هذا؟ قال: بل خيرٌ من عمر كان يقوله، قال: فظننا أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم [29].

ومنها: عن البراء بن عازبٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا فلانُ، إذا أويتَ إلى فراشك فقل: اللهم أسلمتُ نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإنك إن مت في ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت أجرًا))[30].

11- قراءة آية الكرسي وأواخر البقرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((صدقك وهو كَذُوبٌ، ذاك شيطانٌ))[31].

وعن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآيتان من آخر سورة البقرة، مَن قرأهما في ليلةٍ كفَتاه))[32].

12- ما يقال عند الفزع أثناء النوم:
عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا فزع أحدكم في النوم، فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومِن همزات الشياطين وأن يحضرونِ، فإنها لن تضرَّه))[33].

13- لا تنَمْ بعد أكل، ولا تسرف في نوم:
فأكلك قبل النوم قد يعوق قيام الليل، والاستيقاظ لصلاة الفجر، أما الإسراف فنحن منهيُّون عنه بكل صُوَره، وفي جميع ما يتعلق به، فلا تسرف في الطعام ولا في الشراب، ولا تسرف في النوم، أو الراحة، فكل شيء بتوازن واعتدال.

14- لا تنَمْ وحدك:
فلو أن إنسانًا لا يحب الوحدة، ويخاف من العزلة، فليجتنب النوم منفردًا في بيت؛ حتى لا يتلاعب به الشيطان؛ فذلك مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوَحْدة؛ أن يبيت الرجل وحده، أو يسافر وحده"[34].

15- حاسِبْ نفسك قبل أن تنام:
وهذا مِن أجمل ما تختم به يومك، فبعد أن مضى يومك وانتهى وفعلت فيه ما فعلت، قد تذكر ذنبًا وقد لا تذكر، وقد تكون تعمَّدت فعل معصية، أو أخطأت فلم تدرِ ما المعصية، فاخلُ بنفسك قبل نومك، واستغفر الله مما تعمدت ومما أخطأت، حتى تنام وأنت مطمئن، ولتكن هذه المحاسبة دافعةً لك في أن تستقبل يومًا جديدًا بعد الاستيقاظ، وتتذكر أنك حاسبت نفسك.

16- لا تنَمْ وفي قلبك غلٌّ لأحد.
♦♦♦


درس الفقه: النوع الثالث: الصوم المكروه:
تعريف المكروه: هو ما يثاب تاركه امتثالًا، ولا يعاقب فاعله.

والصيام المكروه أنواع، وإليك أخي الصائم بيانها:
أولًا: صوم الدهر:
لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صام مَن صام الأبد))[35]؛ فصيام الدهر - أي السنة - كله مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: إفراد يوم الجمعة بالصوم:
يرى الجمهور أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصيام، إلا إذا صام يومًا قبله أو يومًا بعده، ويخرج من الكراهة إذا وافق أيامًا مسنونة؛ كيوم عرفة أو عاشوراء، والدليل هو: ما جاء عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا يوم الجمعة، إلا وقبله يومٌ أو بعده يومٌ))[36].

ثالثًا: إفراد يوم السبت:
فقد اتفق علماؤنا على كراهة إفراد يوم السبت بالصيام؛ وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افتُرِض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبةٍ، أو عود شجرةٍ، فليمضُغْه))[37].

فصيام يوم السبت منفردًا، متفقٌ على كراهته عند الحنفية والشافعية والحنابلة، بخلاف المالكية.

رابعًا: صيام الوصال:
وكيفية الوصال: أن يصل يومين دون أن يفطر وقت المغرب؛ عن أنسٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تواصلوا))، قالوا: إنك تواصل؟! قال: ((لست كأحدٍ منكم؛ إني أُطعَمُ، وأسقى، أو إني أَبِيت أُطعَمُ وأسقى))[38].

النوع الرابع: الصوم المندوب أو التطوع:
تعريف المندوب: هو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.

تعريف التطوع: هو التقرُّب إلى الله تعالى بما ليس بفرض مِن العبادات، وهو مأخوذ من قوله تعالى: ï´؟ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ï´¾ [البقرة: 184]، وصيام التطوع كما يلي:
أولًا: صيام الست من شوال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوالٍ، كان كصيام الدهر))[39]، ويجوز صيامها متتابعة - وهو الأفضل - كما يجوز صيامها متفرقةً.

ثانيًا: العشر الأوائل من ذي الحجة:
عن هُنَيدة بن خالدٍ، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، أول اثنين من الشهر والخميس"[40].

ثالثًا: يوم عرفة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صيامُ يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفِّرَ السنةَ التي قبله، والسنةَ التي بعده))[41].

وبالتأمل: نصل إلى أن صيامَ يوم واحد كعرفة يكفِّرُ ذنوب 730 يومًا، فالسنة تعدل: 365 يومًا.

رابعًا: عاشوراء:
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجَدهم يصومون يومًا، يعني عاشوراء، فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ، وهو يومٌ نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرًا لله، فقال: ((أنا أَوْلى بموسى منهم))؛ فصامه، وأمَر بصيامه[42].

فضله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفِّرَ السنةَ التي قبله))[43].

مراتب صيام يوم عاشوراء:
المرتبة الأولى: صوم ثلاثة أيام: التاسع، والعاشر، والحادي عشر.
المرتبة الثانية: صوم التاسع والعاشر، المرتبة الثالثة: صوم عاشوراء فقط.

خامسًا: صوم يومَيِ الاثنين والخميس:
عن عائشة، قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صوم الاثنين والخميس"[44]، وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تُعرَض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يُعرَضَ عملي وأنا صائمٌ))[45].

سادسًا: ثلاثة أيام من كل شهر - الأيام البِيض -:
أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وسُمِّيت بالأيام البيض؛ لابيضاضِ القمر ليلًا، والشمس نهارًا، وأجرها كصوم الدهر؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لا أدعهن حتى أموت: "صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، وصلاة الضحى، ونومٍ على وِترٍ))[46].

سابعًا: صيام يوم وإفطار يوم - أفضل صيام التطوع -:
عن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحبَّ الصيام إلى الله صيامُ داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يومًا، ويُفطِر يومًا))[47].

ثامنًا: صيام أكثرِ شعبانَ:
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يُفطِر، ويُفطِر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضانَ، وما رأيته في شهرٍ أكثرَ منه صيامًا في شعبان"[48].

وعن أسامة بن زيدٍ، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرَك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟! قال: ((ذلك شهرٌ يغفُلُ الناس عنه بين رجبٍ ورمضان، وهو شهرٌ ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ فأحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائمٌ))[49].

وأحب أن أذكِّرَ نفسي وإياكم بفضل صيام يوم تطوعًا لله؛ وذلك لِما جاء عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صام يومًا في سبيل الله، باعَد اللهُ وجهَه عن النار سبعين خريفًا))[50].
والله أعلم
♦♦♦


1) يراجع كتاب: نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، والصادر عن دار الصفوة بالقاهرة.


[1] أبو داود 561، والترمذي 223، وقال الألباني: صحيح.

[2] مسلم 725.

[3] مسند أحمد 9151، وإسناده صحيح.

[4] مسلم 634.

[5] متفق عليه.

[6] مسلم 656.

[7] مسند أحمد 125، وإسناده حسن.

[8] مسلم 657.

[9] الترمذي 586، وحسنه الألباني.

[10] مسلم 651.

[11] البخاري 554 ومسلم 633.

[12] متفق عليه.

[13] مسلم 720.

[14] أبو داود 1432، وصححه الأرناؤوط.

[15] أبو داود 1289، وقال الأرناؤوط: صحيح.

[16] انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، ج27، ص225، 226 باختصار، الصادرة عن: "وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية" بالكويت، دار الصفوة - مصر، ط1/ من 1404 - 1427ه.

[17] انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، للإمام ابن القيم، ج1/ ص81، 82، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، ط27/ 1415ه/ 1994م.

[18] البخاري 247، 6311، ومسلم 2710.

[19] أبو داود 5045، وصححه الألباني.

[20] مسلم 2715.

[21] الترمذي 2892، وأحمد 14659، حديث صحيح.

[22] الترمذي 3406، وحسنه الألباني.

[23] الترمذي 2920، وقال: حسن غريب.

[24] أبو داود 1432، وصححه الأرناؤوط.

[25] البخاري 5017.

[26] الترمذي 2768، وقال الألباني: حسن صحيح.

[27] البخاري 6320.

[28] البخاري 6324.

[29] صحيح ابن حبان 5541، ومسند أبي يعلى 5676، وإسناده صحيح.

[30] البخاري 7488.

[31] البخاري 3275.

[32] البخاري 4008 ، ومسلم 807.

[33] الترمذي 3528، وحسنه الألباني.

[34] مسند أحمد 5650، وقال العلامة/ أحمد محمد شاكر: إسناده صحيح.

[35] البخاري 1977، مسلم 1159.

[36] مسند أحمد 10424، وإسناده صحيح.

[37] سنن أبي داود، وقال الألباني: صحيح.

[38] البخاري 1961.

[39] مسلم 1164.

[40] سنن أبي داود 2437، وقال الألباني: صحيح.

[41] مسلم 1162.

[42] البخاري 3397.

[43] مسلم 1162.

[44] سنن الترمذي 745، وقال الألباني: صحيح.

[45] سنن الترمذي 747، وقال الألباني: صحيح.


[46] البخاري 1178.

[47] مسلم 1159.

[48] مسلم 1156.

[49] سنن النسائي 2357، وقال الألباني: حسن.

[50] البخاري 2840، مسلم 1153.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-02-2020, 02:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

الصلوات الخمس في أوقاتها


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة



الحمد لله ذي الفضل والإنعام، أوجَب الصيام على أمة الإسلام، وجعله أحد أركان الدين العِظام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل مَن صلى وصام، وخير من أطاع أمر ربه واستقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، أما بعد:
فقد انتهينا في اللقاء السابق من الحديث عن صلاة الفجر وفضلها، وعن صلاة الضحى وثوابها، ونحن نسير في ذلك كله على خطى حبيبنا صلى الله عليه وسلم، ونحن الليلة على موعد مع اللقاء الثالث من حلقات مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، ولقاء الليلة - بمشيئة الله - عن المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، عسى أن تكون هذه الكلمات خطوة على الطريق، في عدم تأخير الصلاة، أو دافعًا للمحافظة على الصلوات في المسجد؛ قال الله تعالى: ï´؟ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ï´¾ [النساء: 103].

فضل المحافظة على الصلوات الخمس:
1- مِن أفضل الأعمال:
عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: ((الصلاة لوقتها، وبرُّ الوالدينِ، ثم الجهاد في سبيل الله))[1].

2- طريق إلى الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابيًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: دلني على عملٍ إذا عملتُه دخلت الجنة، قال: ((تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)) قال: والذي نفسي بيده، لا أَزيدُ على هذا، فلما ولى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا))[2].

3- تمحو الخطايا وتكفِّر الذنوب:
عن أبي هريرة: أنه سمِع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أرأيتم لو أن نَهَرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يومٍ خمسًا، ما تقول: ذلك يُبقي مِن درنه؟!)) قالوا: لا يُبقي مِن درنه شيئًا، قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله به الخطايا))[3].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّراتٌ ما بينهن إذا اجتنب الكبائر))[4].

4- نُزُلًا في الجنة:
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن غدا إلى المسجد وراح، أعَدَّ الله له نُزُلَه من الجنة كلما غدا أو راح))[5].

5- الصلاة نورٌ:
عن أبي مالكٍ الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأان - أو تملأ - ما بين السموات والأرض، والصلاة نورٌ، والصدقة برهانٌ، والصبر ضياءٌ، والقرآن حجةٌ لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايعٌ نفسه فمعتقها، أو مُوبِقها))[6].

6- الفوز بالفِرْدوس:
قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ï´¾ [المؤمنون: 9 - 11].

7- ثواب الجماعة وصلاة الملائكة:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه، خمسًا وعشرين ضعفًا؛ وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوةً، إلا رفعت له بها درجةٌ، وحط عنه بها خطيئةٌ، فإذا صلى، لم تزل الملائكة تصلي عليه، ما دام في مصلاه: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاةٍ ما انتظر الصلاة))[7].

8- مع الصِّدِّيقين والشهداء:
جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وأديتُ الزكاة، وصمت رمضان، وقمته، فممن أنا؟، قال: ((مِن الصديقين والشهداء))[8].

وما ذكرته، فهو غيض من فيض، وفيما تقدم الكفاية، ولننتقل إلى الكلام عما بعد الفريضة، وهي السنة، فإذا كان الله قد فرض علينا الصلوات الخمس، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سن لنا نوافل وركعات تابعة للفرائض، هي من أحب ما يتقرب به العبدُ إلى الله عز وجل؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قال: مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجْله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكرَه مَساءَتَه))[9].

أما عن عددها، فقد جاء عن أم حبيبة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبدٍ مسلمٍ يصلي لله كل يومٍ ثنتي عشرة ركعةً تطوعًا، غير فريضةٍ، إلا بنى الله له بيتًا في الجنة، أو إلا بُنِيَ له بيتٌ في الجنة))، قالت أم حبيبة: "فما برحتُ أصليهن بعدُ"[10].

وإليك بيانها: "ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء"، فإذا أردت أن تبني لنفسك بيتًا في الجنة، فما عليك إلا أن تصلي هذه الركعات..

وصية عملية:
لا تُفوِّتِ الصلوات الخمس في المسجد مع الجماعة الأولى، بل اجعَلْ هدفك حضور تكبيرة الإحرام، واحرص على أداء شيءٍ من النوافل في بيتك ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
♦♦♦


السؤال الرابع: مَن هم مؤذِّنو رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟
1- بلال بن رباح رضي الله عنه: أول مَن أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل على نفسه ألا يؤذِّنَ لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم عمرُ الشامَ أمره أن يؤذن، وقال: لستَ بالموضع الذي كنتَ تؤذن فيه للنبي صلى الله عليه وسلم، فأذَّن، فبكى عمر والمسلمون، وذكروا النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعوا أذانه، وتوفي بالشام سنة 20هـ.

2- عمرو بن أم مكتوم رضي الله عنه: كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو من المهاجرين الأوائل، توفي في خلافة عمر رضي الله عنه.

3- سعد بن عائذ القرظ رضي الله عنه: مولى عمار بن ياسر، جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنًا بقُباء، فلما مات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وترك بلال الأذان، نقله أبو بكر رضي الله عنه إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي سنة 74 هـ.

4- أبو محذورة - أوس بن معير - رضي الله عنه: كان مؤذنَ الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة، ومات بها سنة 59 هـ.
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب المسجد:
إن المساجد هي بيوت الله عز وجل في الأرض، وما أجملَ عمارتَها! وعمارتها تكون بطاعة الله؛ وذلك بذكر الله، والصلاة، والقيام، والاعتكاف، وقراءة القرآن؛ قال ربنا: ï´؟ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ï´¾ [النور: 36، 37].

وبيوتُ الله مِن آكَدِ الأماكن التي ينبغي أن تراعى فيها الآداب والسلوكيات، ومنها:
1- استحضار النية:
وهذا - كما سبق - في كل عمل يقدم عليه المسلم، يجب عليه أن يجدد النية، وأن يخلص في استحضارها لله رب العالمين؛ فارتيادُ المساجد يحتاج إلى إخلاص؛ فالإخلاص شرط في قبول أي عمل، وإلا فقد يبذل المرء من جهده الأوقات، ويمشي المسافات، ويسير الخطوات، ثم هو لم يقبل عمله، أو صار عمله غير تام؛ وذلك لأنه لم يخلص العمل لله.

2- السعي بالسكينة:
فمن أراد أن يذهب إلى المسجد، فعليه أن يلزم الهدوء والطمأنينة، ولا يحدِث جلبة أو تشويشًا على الناس؛ فهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته؛ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا ثُوِّبَ للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا؛ فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاةٍ))[11]، فالمسلم غير مطالب بالجري أو الهرولة التي تضيع الخشوع، أو تفسد على الناس صلاتهم.

3- الدعاء عند المشي للمسجد:
يُستحبُّ لِمَن خرج من بيته قاصدًا المسجد أن يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، الذي جاء فيه عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: ((اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، واجعل لي نورًا))[12].

4- الدخول باليمنى والخروج باليسرى:
لقد دلت السنة المطهرة قولًا وفعلًا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحَبَّ التيمن في كل شيء، ومنه عند دخول المسجد؛ عن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله؛ في طُهوره، وترجُّله، وتنعُّله"[13].

وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "مِن السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برِجْلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برِجْلك اليسرى"[14].

5- دعاء دخول المسجد والخروج منه:
فقد علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لكل مقام ما نذكر الله به، وما ندعو الله عنده، ومن ذلك أنه علمنا ماذا نقول عند دخول المسجد وعند الخروج منه؛ عن أبي أسيدٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد، فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك))[15].

وفي رواية: أن تصلي وتسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل دعاء الدخول والخروج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتَحْ لي أبواب رحمتك))[16].

وفي رواية ثالثة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلِّمْ على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم اعصِمْني من الشيطان الرجيم))[17].

وفي رواية رابعة، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهِه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم))، قال: أَقَطْ؟ قلت: نعم، قال: فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حُفِظ مني سائرَ اليوم[18].

6- تحية المسجد:
إن لكل شيء تحية، وتحية المسجد أن تبدأ بصلاة ركعتين قبل أن تجلس؛ عن أبي قتادةَ بنِ رِبعيٍّ الأنصاري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))[19].

7- عدم اللَّغْو:
وهذا قد يكون بالكلام فيما لا فائدة منه؛ كالحديث في أمور الدنيا كثيرًا، وعقد الحلقات بين الناس للأمور الدنيوية، والمساجد لم تُبْنَ لذلك، وتعمُّد إكثار الناس من الحديث الدنيوي مخالف لآداب المسجد، وفي ذلك ما جاء عن عبدالله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيكون في آخر الزمان قومٌ يجلسون في المساجك2د حلقًا حلقًا، إمامهم الدنيا، فلا تجالسوهم؛ فإنه ليس لله فيهم حاجةٌ))[20].

8- عدم التشويش على المصلين:
إن مِن ضوابط الخشوع في المسجد: ألا يشوش أحد على أحد، ولو بالقراءة، فكل واحد في المسجد إما ذاكرٌ لله، أو مصلٍّ، أو قارئٌ للقرآن، فمن حقِّ كلِّ إنسان أن يعبد ربه بخشوع، ولا يفسد أحد عليه عبادته؛ عن أبي سعيدٍ، قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر، وقال: ((ألا إن كلكم مناجٍ ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعضٍ في القراءة))، أو قال: ((في الصلاة))[21].

ونحذر من رفع الصوت بكلام الدنيا، ولعب الأطفال في المساجد، وكلام البعض في الهواتف بصوت عالٍ، وقد يكون التشويش من خارج المسجد كذلك، بالآلات الصناعية وغيرها، أثناء إقامة الصلاة، وهذه وغيرها من الأصوات فيها مخالفة لتعاليم الإسلام.

9- الزينة عند الذهاب للمسجد:
فمِن صفات المؤمن أنه يهتم دائمًا بمظهره، ويتجمل عند خروجه من منزله، ويسعى لأن يكون كالشامة في الناس، ويكون اهتمامه أكثر عند الذهاب للقاء الله ومناجاته؛ فليأخذ بالزينة وحسن المظهر إذا ذهب إلى المسجد؛ قال ربنا: ï´؟ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ï´¾ [الأعراف: 31].

ويترتب عليه: اهتمام الإنسان برائحته:
فلا يَشَمُّ منه أحد إلا رائحة طيبة؛ حتى لا ينفِرَ المصلون منه؛ كما لو أكل البصل والثوم قبل الصلاة[22]، أو رائحة التدخين التي قد تنبعث من فمه، أو رائحة العرق في فصل الصيف، التي قد يشَمُّها من يصلي بجواره، أو رائحة الجوارب الصيفية، فيتأذى منه الناس، بل تتأذى منه الملائكة قبل أن يتأذى منه أحد.

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَن أكل ثومًا أو بصلًا، فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته))[23].

10- تنظيف المساجد:
فهذا أمر ينبغي أن يسعى إليه كل مصلٍّ؛ فالمسجد للجميع، وعلى الجميع أن يحرصوا على نظافته، وإزالة الأذى منه؛ عن عائشة، قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظَّفَ وتطيَّبَ))[24].

وعن أبي هريرة: أن رجلًا أسود أو امرأةً سوداء كان يقُمُّ المسجد، فمات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: مات، قال: ((أفلا كنتم آذنتموني به، دُلُّوني على قبره - أو قال: قبرها - فأتى قبرها فصلى عليها))[25]، وزاد مسلم: ((إن هذه القبور مملوءةٌ ظلمةً على أهلها، وإن الله عز وجل ينوِّرُها بصلاتي عليهم)).

11- ألا يلتزم المصلي بمكان واحد:
فمما استحدثه البعض أنه يحجز لنفسه مكانًا في المسجد، لا يجلس فيه غيره، أو أن يخصص لنفسه موضعًا لا يصلي فيه إلا هو، حتى وإن جاء إلى المسجد متأخرًا، فمعروف أنه لفلان، وقد يصل الأمر إلى أن صاحب المكان إذا جاء متأخرًا، وجلس أحدٌ في مكانه الخاص، فلا يتورع أن يقيمه منه، وفي ذلك كله مخالفةٌ للسنة النبوية وهَدْي السلف الصالح، بل وفيه توطين كتوطين البعير؛ عن عبدالرحمن بن شبل، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وعن فرشة السبع، وأن يوطِّن الرجل المكان الذي يصلي فيه كما يوطن البعير"[26].

12- ألا ننشُدَ الضالة بالمسجد:
إن بيوتَ الله تقام فيها العبادات، ويرفع فيها الأذان، ويصلي فيها المسلمون، ويقرؤون القرآن، ويذكرون الله، ويعتكفون فيها، وليس لإنشاد الضالة، أو النداء بشيء غير الأذان؛ فقد بين رسول الله أن المساجد لم تُبْنَ لذلك؛ فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سمع رجلًا ينشد ضالةً في المسجد، فليقل: لا ردَّها الله عليك؛ فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا))[27].

هذا، وقد جوَّز بعض العلماء أن تعلَّق ورقةٌ مكتوبٌ فيها الشيء المفقود، ولتكن على جدار المسجد، إن لم تكن هناك طرق أخرى، والله أعلم.
♦♦♦


درس الفقه:
شروط وجوب الصوم:
اشترط الفقهاء لوجوب الصوم شروطًا خمسة، هي ما يأتي:
الأول: الإسلام: وفيه تفصيل:
فهو شرط وجوب عند الحنفية، شرطُ صحة عند الجمهور، فلا يجب الصوم على الكافر، ولا يطالب بالقضاء عند الأولين، ولا يصح صوم الكافر بحال - ولو مرتدًّا - عند الآخرين، وليس عليه القضاء عندهم أيضًا.

ومنشأ الخلاف: مخاطبة الكفار بفروع الشريعة، فعند الحنفية: أن الكفارَ غيرُ مخاطبين بفروع الشريعة التي هي عبادات، وعند الجمهور: الكفار مخاطَبون بفروع الشريعة في حال كفرهم، بمعنى أنه يجب عليهم الإسلام، ثم الصوم؛ إذ لا يصح الصوم؛ لأنه عبادة بدنية محضة تفتقر إلى النية، فكان من شرطه الإسلام، كالصلاة، ويزاد في عقوبتهم في الآخرة بسبب ذلك، ولكن لا يطالبون بفعلها في حال كفرهم، فتنحصر ثمرة الخلاف في مضاعفة العذاب في الآخرة، فعند الحنفية: العذاب واحد على الكفر، وعند الجمهور يضاعف العذاب؛ على الكفر، وعلى ترك التكاليف الشرعية.

فإن أسلم الكافر في شهر رمضان، صام ما يستقبل من بقية شهره، وليس عليه قضاء ما سبق بالاتفاق؛ لقوله تعالى: ï´؟ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ï´¾ [الأنفال: 38]، ولأن في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيرًا عن الإسلام، والرِّدة تمنَع صحة الصوم؛ لقوله تعالى: ï´؟ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ï´¾ [الزمر: 65].

أما إن أسلم الكافر في أثناء النهار، فيلزمه عند الحنابلة إمساكُ بقية اليوم، وقضاؤه؛ لأنه أدرك جزءًا من وقت العبادة، فلزمته، كما لو أدرك جزءًا من وقت الصلاة، ويستحب الكف عن الأكل عند الحنفية والمالكية والشافعية؛ مراعاةً لحرمة أو لحق الوقت بالتشبه بالصائمين، كما يستحب القضاء عند المالكية، ولا يلزم عند الحنفية، ولا قضاء عليه في الأصح عند الشافعية؛ لعدم التمكُّن مِن زمن يسَعُ الأداء، ولا يلزمه إمساك بقية النهار في الأصح؛ لأنه أفطر لعذر؛ فأشبَهَ المسافر والمريض، لكن إن أسلم المرتد، وجب عليه عند الشافعية والحنابلة قضاء ما تركه في حال الكفر؛ لأنه التزم ذلك بالإسلام، فلم يسقط ذلك بالردة، كحقوق الآدميين[28].

الثاني: العقل:
غيرُ العاقل لا يصح توجيه الخطاب إليه، فلا يجب الصوم على المجنون، أو المغمَى عليه، أو مَن زال عقله بسُكْرٍ وغيره، لكن يلزمه أن يقضي بعد أن يُفِيقَ؛ لِما جاء عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل))[29].

الثالث: البلوغ:
فالبلوغ شرط من شروط الوجوب، وهو أن يكون المسلم العاقل المخاطب بالغًا، وهو سن التكليف، وإلا فلا تكليف على المسلم العاقل غير البالغ؛ لأن الصبي يُعَدُّ عاجزًا، والعجز يعُوقُ التكاليف.

ويجبُ عند الفقهاء أن يُعوَّدَ الصبيان على الصيام عند بلوغ سبع سنوات، إذا استطاعوا ذلك، وأن يضربوا إذا بلغوا عشر سنوات، قياسًا على أمر الصلاة؛ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْرٍ، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع))[30].

"وإذا كان للغلام عَشْر سنين، وأطاق الصيام، أخذ به، يعني: أنه يُلزَم الصيامَ، يؤمر به ويضرب على تركه؛ ليتمرن عليه، ويتعوده، كما يلزم الصلاة ويؤمر بها، وممن ذهب إلى أنه يؤمر بالصيام إذا أطاقه: عطاءٌ، والحسن، وابن سيرين، والزهري، وقتادة، والشافعي"[31].

الرابع والخامس: القدرة والإقامة:
فالذي لا يستطيع ولا يقدِر على الصيام، لا يجب عليه، وغير القادر وغير المقيم لهما أن يُفطِرا، وإن صاما صحَّ صيامُهما؛ قال تعالى: ï´؟ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [البقرة: 184]، وإن أفطَرا وجَب عليهما القضاء، فإذا كانت عدم القدرة ممتدة - كالشيخ الهرِمِ الذي لا يستطيع الصيام، أو المريض مرضًا مزمنًا لا يبرَأُ منه - فهذا يفطر ولا قضاء عليه؛ لأنه لا يتمكن من القضاء، وعليه الفدية، وهي: أن يطعم عن كل يوم مسكينًا.

قال الإمام النووي: "الشيخ الكبير الذي يُجهِدُه الصوم؛ أي: يلحَقُه به مشقةٌ شديدةٌ، والمريض الذي لا يُرجَى بُرؤُه - لا صومَ عليهما بلا خلافٍ، وسيأتي نقل ابن المنذر الإجماع فيه، ويلزمهما الفِديةُ على أصح القولين، المريض العاجز عن الصوم لمرضٍ يرجى زواله لا يلزمه الصوم في الحال، ويلزمه القضاء"[32].
والله أعلم


نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان - دار الصفوة بالقاهرة


[1] البخاري (7534).

[2] البخاري (1397)، مسلم (15).

[3] البخاري 528.

[4] مسلم (233).

[5] البخاري (662)، مسلم (669).

[6] مسلم (223).

[7] البخاري (647).

[8] صحيح ابن حبان (3438).

[9] البخاري (6502).

[10] مسلم (728).

[11] مسلم (602).

[12] البخاري (6316)، ومسلم (763).

[13] البخاري (426)، ومسلم (268).

[14] مستدرك الحاكم (791)، وقال: صحيح على شرط مسلم.

[15] مسلم (713).

[16] أبو داود (465)، وصححه الألباني.

[17] سنن ابن ماجه (773)، وقال الألباني: صحيح.

[18] سنن أبي داود (466)، والحديث صحيح.

[19] البخاري (444)، مسلم (714).

[20] المعجم الكبير للطبراني (10452)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

[21] سنن أبي داود (1332)، وصححه الألباني.

[22] أذكر أنني دخلت يومًا مسجدًا، فوجدت رجلًا يصلي وحده في آخر المسجد، فلما فرغنا سلمت عليه وسألته: لماذا صليت وحدك خلف الصفوف؟ فأجاب: لأنني أكلت بصلًا قبل أن آتي إلى المسجد.

[23] البخاري (7359)، مسلم (564).

[24] أبو داود (455)، والترمذي (594)، وصححه الألباني.

[25] البخاري (458)، مسلم (956).

[26] أبو داود (862)، والنسائي (1112)، وابن ماجه (1429)، وحسنه الألباني.


[27] مسلم (568).

[28] راجع: الفقه الإسلامي وأدلته، (ج3، ص1663، ص1664).

[29] سنن أبي داود (4403)، وقال الألباني: صحيح.

[30] أبو داود (495)، ومسند أحمد، والدارقطني، ومستدرك الحاكم، وقال الألباني: حسن صحيح.

[31] المغني، لابن قدامة، (ج3/ ص131)، مكتبة القاهرة، تاريخ النشر: 1388ه = 1968م.

[32] انظر: المجموع، للإمام النووي، (ج6، 261)، حققه وعلق عليه: محمد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد، جدة -المملكة العربية السعودية.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-02-2020, 02:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

ذكر الله في رمضان


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)


للأئمة والدعاة




الحمد لله الذي لم يزل عالمًا قديرًا، حيًّا قيومًا سميعًا بصيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأكبِّرُه تكبيرًا، وصلى الله على محمد الذي أرسله إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا، وعلى آل محمد وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا[1]، أما بعد:

فقد عِشْنا في ثلاث حلقات مضت مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، وهذا هو اللقاء الرابع من تلك الحلقات النبوية، وهو بعنوان: (ذِكْر الله في رمضانَ).

حبيبي الصائم:

احرِصْ على الإكثار من ذكر الله عز وجل، وكذا أذكار الأحوال، عند دخولك البيت والخروج منه، وعند دخول المسجد وخروجك منه، وعند لباسك، وغيرها من أذكار اليوم، وكذلك الأذكار المطلقة، من تسبيح وتهليل، وتكبير وتحميد، ثم الدعاء؛ فهو مع ذِكر الله من أفضل العبادات في رمضان وفي غيره من الشهور.



إن ذكر الله عز وجل من أجلِّ وأعظم ما يتقرب به المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، فيا حبذا لو واظب الصائم على ذكر الله، وجعل له وردًا يوميًّا؛ كتلاوة القرآن الكريم.



فمن باب الإكثار من ذكر الله: أن تهتم بأذكار الأحوال، بأن تجعل لك مذكرًا يذكرك أن تقول أذكار الخروج من المنزل ودخوله، وأذكار دخول المسجد والخروج منه، وأذكار اللباس، وأذكار النظر في المرآة، وأذكار دخول الخلاء لقضاء الحاجة، وأذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار ما قبل الطعام وبعده ... إلخ.



ويضاف إلى أذكار الأحوال: الأذكار المطلَقة، وغير المقيدة بمكان أو وقت أو حال، فيا حبذا لو تجعل لك وردًا من الأذكار؛ كالقرآن الكريم، وكأن تذكر الله في اليوم 1000 مرة، كأن تقول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ألف مرة، أو أن تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ألف مرة، أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وغيرها من الأذكار التي دلت عليها السنة المطهرة، ولا تنسَ أن الأعمالَ في رمضان مضاعَفة، فإذا استكثرت فربُّك أكثرُ وأطيب.



إن ذِكر الله عز وجل هو العبادة الوحيدة التي أمرنا بالإكثار منها؛ قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ï´¾ [الأحزاب: 41].

ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "إن الله لم يفرض على عباده فريضةً إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذَر أهلها في حال عذرٍ، غيرَ الذِّكر؛ فإن الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذِرْ أحدًا في تركه، إلا مغلوبًا على تركه، فقال: ï´؟ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ï´¾ [آل عمران: 191] بالليل والنهار، في البَرِّ والبحر، وفي السَّفر والحضر، والغِنى والفقر، والصحة والسقم، والسر والعلانية، وعلى كل حالٍ، وقال: ï´؟ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ï´¾ [الأحزاب: 42]، فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكتُه، والأحاديث والآيات والآثار في الحث على ذكر الله كثيرةٌ جدًّا، وفي هذه الآية الكريمة الحثُّ على الإكثار من ذلك"[2].



هل لك أن تسابق هؤلاء في ذِكر الله عز وجل؟!

قيل لأبي الدرداء: كم تسبِّحُ في كل يوم؟ قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع[3].

وعن عكرمة: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يسبِّحُ اللهَ في كل يوم اثنَيْ عشَرَ ألفَ تسبيحةٍ، ويقول: أسبِّحُ بقدرِ دِيَتِي[4].

أما أبو مسلم الخَوْلاني: فكان يرفع صوته بالتكبير حتى مع الصبيان، ويقول: اذكُرِ اللهَ حتى يرى الجاهلُ أنه مجنون[5].

♦♦♦♦♦

السؤال الخامس: اذكُرْ عَشْرَ معاركَ وقعَتْ في رمضان:

غزوة بدر: وكانت يوم 17 رمضان، عام 2ه.

فتح مكة: 23 رمضان، عام 8ه.

معركة البويب: 13ه، بقيادة المثنى بن حارثة.

معركة القادسية: 15 ه، بقيادة سعد بن أبي وقاص.

فتح بلاد الأندلس: 92 ه، بقيادة طارق بن زياد.

فتح عمورية: 17 رمضان، 223ه، بقيادة المعتصم.

معركة الزلاقة: 479ه، بقيادة يوسف بن تاشفين.

موقعة حطين: عام 583 ه = 1187م، بقيادة صلاح الدين الأيوبي.

عين جالوت: عام 658ه = 1260م، بقيادة سيف الدين قُطُز.

معركة العاشر من رمضان: عام 1393ه = السادس من أكتوبر 1973م.

♦♦♦♦♦




خاطرة (بعد الفجر): آداب الجمعة:

إن يوم الجمعة من أفضل أيام الأسبوع، بل من أفضل الأيام عند الله عز وجل؛ فعلى المسلم أن يتحلى بآدابه، وهي:

1-قراءة سورة الكهف:

عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له مِن النور ما بين الجمعتين))[6]، وعليه: يُستحبُّ قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، أو ليلتها.



2- الإكثار مِن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الصلاةَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أفضلِ ما يتقرَّب به الإنسان إلى الله، وذلك في كل وقت، وفي يوم الجمعة آكَدُ وأفضل؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مِن أفضل أيامكم يومَ الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة؛ فأكثروا علَيَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضةٌ عليَّ))، قال: قالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرَض صلاتنا عليك وقد أرِمْتَ - بلِيتَ -؟ فقال: ((إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء))[7].



وإذا أردتَ - أخي وحبيبي - أن يُذكَر اسمك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما عليك إلا أن تصلي عليه؛ فلقد وكل الله به ملكًا يبلغه من يصلي عليه من أمته؛ فهو الذي قال صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا الصلاة عليَّ؛ فإن الله وكل بي ملكًا عند قبري، فإذا صلى عليَّ رجلٌ من أمتي، قال لي ذلك الملَك: يا محمدُ، إن فلان بن فلانٍ صلى عليك الساعة))[8].



3- قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة:

حيث كان مِن هَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر: ï´؟ الم * تَنْزِيلُ ï´¾ السجدة، و ï´؟ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ï´¾))[9].



4- الاغتسال يوم الجمعة:

فقد جاء عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((غُسلُ يوم الجمعة واجبٌ على كل محتلمٍ))[10].

وغُسل الجمعة ليس واجبًا باتفاق العلماء؛ فالوجوب هنا مصروفٌ إلى الندب بأحاديث أخرى؛ منها ما جاء عند الإمام مسلم، وفيه: ((لو اغتسلتم يوم الجمعة))، وفي ذلك يعلق الإمام ابن حجر فيقول: "وعلى هذا الجواب عوَّل أكثر المصنفين في هذه المسألة؛ كابن خزيمة والطبري والطحاوي وابن حبان وابن عبدالبر، وهلم جرًّا، وزاد بعضهم فيه أن مَن حضر من الصحابة وافقوهما على ذلك، فكان إجماعًا منهم على أن الغسل ليس شرطًا في صحة الصلاة، وهو استدلال قوي، وقد نقَل الخطابي وغيرُه الإجماع على أن صلاة الجمعة بدون الغسل مجزئة"[11].



وعليه، فالغسل يوم الجمعة من السنن والمستحبات، اللهم إذا ظهر منه ما يؤذي الناس؛ فوجب عليه حينئذٍ أن يغتسل ويتزين للجمعة، والمعلوم أن صفة غسل الجمعة كغسل الجنابة.



5- مس الطِّيبِ:

يحرص دِيننا الحنيف دائمًا وأبدًا على أن يظهر أتباعُه في أفضل صورة وأجمل مظهر؛ فحث الإسلام على التجمُّل والتزيُّن والتطيُّب في يوم الجمعة، وفي ذلك ما جاء عن عبدالرحمن بن أبي سعيدٍ الخدري، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((غُسل يوم الجمعة على كل محتلمٍ، وسواكٌ، ويمس من الطِّيب ما قدر عليه))[12].



6- استعمال السواك:

إن مِن كمال الزينة وتمام الطليعة: أن تكون رائحة الفم كذلك نظيفة؛ فجاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهتم بأمر السواك، وتؤكد على أنه مطهِّر للفم؛ جاء عند البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السواك مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرب))، وتنوعت الروايات في الحث على استعماله، منها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن أشقَّ على أمتي أو على الناس، لأمرتُهم بالسواك مع كل صلاةٍ))[13]، وعنه أيضًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((...عند كل وُضوءٍ))[14].



7- التبكير للصلاة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بَدَنةً، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرةً، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجةً، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضةً، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذِّكر))[15].



ولو لم يكن في التبكير إلى الجمعة غير هذا الحديث لكفى، وهو ما جاء عن أوس بن أوسٍ الثقفي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن غسَّل يوم الجمعة واغتسل، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغُ، كان له بكل خطوةٍ عمل سنةٍ، أجر صيامها وقيامها))[16].



(مَن غسل): رُوِي مشددًا ومخففًا؛ أي: جامَع امرأته قبل الخروج إلى الصلاة، (واغتسل)؛ أي: للجمعة.

(بكَّر): أتى الصلاة أول وقتها، وكل من أسرع إلى شيء فقد بكَّر إليه.

(وابتكر)؛ أي: أدرك أول الخطبة،(ولم يلغُ)؛ أي: لم يتكلم،وهذا الحديث يشتمل على:

♦ سنة الغسل يوم الجمعة.

♦ التبكير إلى الجمعة، والمشي إليها، إلا إذا كان المسجد بعيدًا، فلا بأس بالركوب.

♦ الدنو من الإمام والجلوس في الصفوف الأولى؛ فقد يأتي البعض إلى المسجد مبكرًا، ويجلس في مؤخر الصفوف، وهذا مخالف للسنَّة.

♦ الإنصات والاستماع للخطبة، وعدم الانشغال بما يخرجه عن ذلك، فربما يتحدث البعض مع مجاوره، أو يعبث بشيء معه كهاتفه وغيره، وهذا مخالف لآداب الجمعة والخطبة، قال ابن قدامة: "ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة؛ فلا يجوز الكلام لأحد من الحاضرين، ونهى عن ذلك عثمانُ وابنُ عمر، وقال ابن مسعود: إذا رأيته يتكلم والإمام يخطب، فاقرع رأسه بالعصا، وكره ذلك عامةُ أهل العلم"[17].

♦ عظم الأجر لِمَن فعَل هذا بأن الله يكتب له: أجر عمل صيام سنة وقيامها؛ أي: يكتب له ثواب: صيام 365 يومًا، وقيام 365 ليلة..



8- عدم تخطِّي الرقاب:

حذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من تخطِّي الرقاب يوم الجمعة؛ عن عبدالله بن بُسْرٍ: جاء رجلٌ يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجلِسْ؛ فقد آذَيْتَ))[18].



وقال النووي في المجموع: "ينهى الداخل إلى المسجد يوم الجمعة وغيره عن تخطي رقاب الناس من غير ضرورةٍ، وإن كان غير إمامٍ ورأى فرجةً قدامهم لا يصلها إلا بالتخطي قال الأصحاب: لم يُكرَهِ التخطي؛ لأن الجالسين وراءها مفرطون بتركها، وسواءٌ وجد غيرها أم لا، وسواءٌ كانت قريبةً أم بعيدةً، لكن يستحب إن كان له موضعٌ غيرها ألا يتخطَّى"[19].



9- نافلة الجمعة: والحديث فيها عن مسألتين:

الأولى: تحية المسجد:

من السنَّة لمن دخل المسجد أن يصليَ ركعتين قبل أن يجلس؛ فللداخل ذلك، سواءٌ قبل الخطبة أو أثناءها، أما قبل الخطبة فلعموم لفظ الحديث: عن أبي قتادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دخلتُ المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ بين ظَهْرانَيِ الناس، قال: فجلست، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟))، قال: فقلت: يا رسول الله، رأيتُك جالسًا والناس جلوسٌ، قال: ((فإذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلِسْ حتى يركع ركعتين))[20].

ولخصوص السبب: عن جابر بن عبدالله، قال: جاء رجلٌ والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: ((أصليت يا فلان؟))، قال: لا، قال: ((قُمْ فاركَعْ ركعتين))[21].

وعليه، فإذا دخل أحدٌ المسجدَ في وقت الجمعة أو غيرها، فيستحب له صلاة ركعتَين تحية المسجد، فإذا دخل أثناء الخطبة صلى ركعتين خفيفتين، قال النووي: "مذهبنا أنه يستحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويخففهما، ويُكرَه له تركهما"[22].



الثانية: هل للجمعة سنَّة قبلية وبعدية؟

قال الإمام النووي: "تسن قبلها وبعدها صلاةٌ، وأقلها ركعتان قبلها وركعتان بعدها، والأكمل أربعٌ قبلها وأربعٌ بعدها، والعمدة فيها حديث عبدالله بن مغفلٍ: ((بين كل أذانين صلاةٌ))[23]، والقياس على الظهر، وأن عبدالله بن مسعودٍ كان يصلي قبل الجمعة أربعًا، وإليه ذهب سفيان الثوري وابن المبارك، وأما السنة البعدية: فجاء عن الإمام الشافعي أنه يُصلَّى بعد الجمعة ركعتانِ، ودليله ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته[24]، وفي رواية: ((إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصلِّ بعدها أربعًا))[25]"[26].



والحاصل: أن النافلة بعد الجمعة راتبة ومؤكدة كالظهر، وأنها تصلى ركعتين في البيت، وأربعًا في المسجد، أما سنَّة قبل الجمعة إذا كان الإمام الشافعي يرى للجمعة سنة قبلية، فهناك من خالفه، وقال: إنه ليس للجمعة سنة قبلية، ونخرج من هذا بأن السنة القبيلة ليست مؤكدة، فمن فعلها لم ينكر عليه، ومن تركها لم ينكر عليه، ويلخص ابن تيمية المسألة في السنة القبلية، فيقول: "فتكون الصلاة جائزةً حسنةً، وليست سنةً راتبةً"[27].



10- عدم اللَّغْو والعبث أثناء الخطبة:

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن اللغو والعبث أثناء الخطبة، فمن الشباب من يتكلم مع زميله أو يمزح معه أثناء الخطبة، ومنهم من يعبث بهاتفه المحمول، وآخر يقرأ جريدة أو مجلة إذا جلس خارج المسجد.



فمن عبث أثناء الخطبة أو لغا، فإن هذا يضيع أجره، ((ومن مس الحصى فقد لغا))[28]، حتى لو بالقليل، ((إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت))[29]... واللغو: هو الكلام المُلْغى الباطل، فمَن لغا في الخطبة، فقد ترك الأدب، وسقط ثواب جمعته.



11- تحرِّي ساعة الإجابة:

عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: ((فيه ساعةٌ، لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ، وهو قائمٌ يصلي، يسأل الله تعالى شيئًا، إلا أعطاه إياه))[30].



والعلماء على أنها آخر ساعة بعد العصر؛ فعن جابر بن عبدالله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يوم الجمعة ثنتا عشرة - يريد - ساعةً، لا يوجد مسلمٌ يسأل الله عز وجل شيئًا، إلا آتاه الله عز وجل؛ فالتمِسوها آخر ساعةٍ بعد العصر))[31]، فاحرص على آداب الجمعة، وتحلَّ بفضائلِها وأحكامِها.

♦♦♦♦♦




درس الفقه:

أولًا: الفرق بين شرط الوجوب[32] وشرط الصحة[33]: إذا لم يوجد شرط الوجوب، فإن الصيام لا يبطل، بخلاف شرط الصحة؛ فعدم وجوده يمنع صحة الصيام؛ إذ صحة الصيام متوقفة على شروط الصحة، فلا يكون الصيام صحيحًا بدونها.



ثانيًا: شروط صحة الصوم:

نذكر أقوال الأئمة الأربعة، ثم نجمع بينها:

اشترط الحنفية لصحة الصوم شرطين:

أولهما: النية؛ فإنها لا تصح إلا من مسلم، ولا أداء الصوم إلا بالنية؛ تمييزًا للعبادات عن العادات.

ثانيهما: الخلو عما ينافي الصوم من حيض ونفاس، وعما يفسده،فإذا حاضت المرأةُ أفطرَتْ وقضَتْ.



وعند المالكية: شروط صحة فقط، وشرط وجوب وصحة معًا.

فأما شروط الصحة فقط، فثلاثة:

أولها: النية، ثانيها: الإسلام، فلا يصح من الكافر،ثالثها: الزمان القابل للصوم، فلا يصح في يوم العيد.

وأما شرط الوجوب مع الصحة، فثلاثة أيضًا:

أولها: العقل، فلا يجب على المجنون أو المغمَى عليه، ولا يصح منهما.

ثانيها: النقاء من دم الحيض والنفاس، فلا يجب الصوم عليهما، ولا يصح منهما.

ثالثها: دخول شهر رمضان، فلا يجب صوم رمضان قبل ثبوت الشهر، ولا يصح.



واشترط الشافعية أربعة شروط:

الأول: الإسلام حال الصيام، فلا يصح من كافر، ولا مرتد.

الثاني: التمييز، فلا يصح من غيره.

الثالث: الخلو من الحيض والنفاس والولادة وقت الصوم.

الرابع: كون الوقت قابلًا للصوم، فلا يصح صيام أيام العيد أو أيام التشريق.



واشترط الحنابلة كالمالكية شروط صحة فقط، وشرط وجوب وصحة معًا، وإليك بيانها:

شروط الصحة فقط:

الأول: النية.

الثاني: انقطاع دم الحيض.

الثالث: انقطاع دم النفاس.

شروط الوجوب والصحة معًا:

الأول: الإسلام.

الثاني: العقل.

الثالث: التمييز.



ويظهَر مِن كلام الأئمة الأربعة أنهم اتفقوا في شروط صحة الصوم على الآتي:

النية، والطهارة من الحيض والنفاس، والإسلام، والعقل، والزمن القابل للصيام، وأما الإسلام فهو شرط صحة عند الجمهور، وشرط وجوب عند الحنفية كما بينا[34].



يراجع كتاب: «نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام»

لفضيلة الشيخ: أحمد علوان - دار الصفوة بالقاهرة



[1] مقدمة كتاب "نزهة النظر شرح نخبة الفكر"، للإمام ابن حجر.



[2] تفسير ابن كثير، (ج6، ص386).



[3] سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، ج2، ص348، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط3/ 1405 هـ = 1985 م.



[4] المرجع نفسه، ج2، ص610.



[5] المرجع السابق، ج4، ص10.



[6] مستدرك الحاكم (3392)، والسنن الكبرى للبيهقي (5996)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.



[7] أبو داود (1531)، والنسائي (1374)، وابن ماجه (1085)، عن أوس بن أوس.



[8] صحيح الجامع (1207).



[9] البخاري (1068)، ومسلم (879).



[10] البخاري (879) ومسلم (846).



[11] فتح الباري، ج2، ص361.



[12] مسلم (846).



[13] البخاري (887)، وفي رواية لمسلم: ((لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةٍ))، رقم (252).



[14] ذكره البخاري في: "باب سواك الرَّطْب واليابس للصائم".



[15] البخاري (881)، ومسلم (850).



[16] سنن الترمذي (496)، سنن ابن ماجه (1087)، ومسند أحمد (16962)، وإسناده صحيح.



[17] المغني لابن قدامة، ج2، ص237.



[18] أبو داود (1118)، والنسائي (1399)، وابن ماجه (1115)، وأحمد (17674)، وصححه الأرناؤوط.



[19] المجموع للإمام النووي، ج4، ص546 بتصرف.



[20] مسلم (714).



[21] البخاري (930)، وعند مسلم: "جاء سليكٌ الغطفاني يوم الجمعة" (875).



[22] المجموع، (ج4، ص552).



[23] البخاري (624) ومسلم (838).



[24] مسلم (882).



[25] مسلم (881).



[26] راجع: المجموع للنووي، (ج4، ص9، 10) باختصار.



[27] الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، (ج2، ص354) بتصرف يسير، دار الكتب العلمية، ط1/ 1408ه = 1987م.




[28] مسلم (857).



[29] البخاري (934)، ومسلم (851).



[30] البخاري (935)، ومسلم (852).



[31] أبو داود (1048)، وصححه الألباني.



[32] هو: ما لا يدخل تحت قدرة المكلف، ولا يكلف الإتيان به.



[33] هو: ما يدخل تحت قدرة المكلف، وفي استطاعته الإتيان به.




[34] راجع: الفقه على المذاهب الأربعة، ج1، (ص496 - 498) (باختصار).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-02-2020, 02:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

الدعاء في رمضان (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان




(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله فاطر السموات والأرَضين، الذي تكفل لنا بحفظ الملة والدِّين، أرسل لنا خير الثقلين وأفضل الخلق أجمعين، إمام النبيين والمرسلين، الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، ومكَّن له في ربوع الأرض مشارقها ومغاربها ليبلغ هذا الدين، وبعد:
فقد عِشْنا في الحلقة الماضية من حلقات: مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان "مع ذكر الله في رمضان"، وهذا هو اللقاء الخامس، وهو بعنوان: (الدعاء في رمضان).

أما عن الدعاء في رمضان، فلا يخفى علينا أن الله أعقب آيات الصيام في القرآن الكريم، بآية الدعاء، فقال: ï´؟ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ï´¾ [البقرة: 186].

وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ما يؤكد على مكانة الدعاء وعلاقته بالصيام، وأكدت السنَّة أن من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء: دعاء الصائم عند فطره؛ فعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر))[1].

الهمة العالية في الدعاء:
همة الفاروق عمرَ:
"عن حفصة، قالت: سمعت عمر يقول: اللهم قتلًا في سبيلك، ووفاة ببلد نبيك، قالت: قلت: وأنى يكون هذا؟ قال: يأتي به اللهُ إذا شاء"[2].

فقد مات عمر شهيدًا في سبيل الله، عندما طعنه أبو لؤلوة المجوسي وهو يصلي بالناس الفجر في المسجد، ثم استأذن أن يدفن مع صاحبيه - رسول الله وأبي بكر، وتحققت دعوتُه.

همة ابن مسعود:
عن عبدالله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بين أبي بكرٍ وعمر، وعبدالله يصلي، فافتتح النساء فسحلها - قراءة متتابعة متصلة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل، فليقرَأْه على قراءة ابن أم عبدٍ))، ثم تقدم يسأل، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ))، فقال فيما سأل: اللهم إني أسألك إيمانًا لا يرتد، ونعيمًا لا ينفَد، ومرافقة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد، قال: فأتى عمرُ رضي الله عنه عبدالله ليبشره، فوجد أبا بكرٍ رضوان الله عليه قد سبقه، فقال: إن فعلتَ، لقد كنتَ سباقًا بالخير[3].

الشافعي يعلم همة الدعاء:
ويروى أن الإمام الشافعي كان يطوف حول الكعبة، فسمع رجلًا يقول: يا ربي، هل أنت راضٍ عني؟ قال: يا هذا، هل أنتَ راضٍ عن الله حتى يرضى الله عنك؟ قال الرجل: وكيف أرضى عن الله؟ قال الشافعي: إذا كان سرورُكَ بالنقمة كسرورِكَ بالنعمة، فقد رضِيتَ عن الله.
♦♦♦

السؤال السادس: كم مرةً ذُكِر اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن؟
تكرَّر اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم أربع مرات، وترتيبها كالتالي:
الموضع الأول: قال تعالى: ï´؟ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 144].

الموضع الثاني: قال تعالى: ï´؟ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 40].

الموضع الثالث: قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ï´¾ [محمد: 2].

الموضع الرابع: قال تعالى: ï´؟ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ï´¾ [الفتح: 29].
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب الدعاء:
إن عبادة الدعاء يحبها الله عز وجل؛ فهو سبحانه يحب أن يسمع صوت عباده، ينادونه ويناجونه، ويتضرعون إليه ويلجؤون إليه، ويستعينون به ويلوذون بجَنابه، ويُكثرون من سؤاله؛ لذا فسوف أستعين بالله هنا على ذكر آداب الدعاء كما جاءت في القرآن والسنَّة، وجمعت فيها خمسة عشر أدبًا.
1- النية: ذكرت سابقًا أهمية هذا الأدب في كل طلب، وأن قبول الأعمال مرهون بإخلاص النيات، فكلما أخصلت لربك كان هذا أرجى لقَبول عملك، فجدِّدْ نيتَك، واستحضر قلبك عند الدعاء.

2- الطهارة: هي أدب وليست شرطًا، بمعنى أنه يجوز أن يدعوَ بلا وضوء، ولكن إن كان على طهارة فهو أفضل؛ فهو يكلِّمُ ربه، ويناجي خالقَه.

3- البَدْء بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن فَضالة بن عبيدٍ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاته لم يمجِّدِ الله تعالى، ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عَجِلَ هذا))، ثم دعاه فقال له - أو لغيره -: ((إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعدُ بما شاء))[4].

4- رفعُ اليدين واستقبال القِبلة: عن سلمان الفارسي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله حييٌّ كريمٌ، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين))[5]، وفي هذا الحديث دليل على مشروعية رفع اليدين في الدعاء.

5- ابدأ بالدعاء لنفسك، أولًا ثم اجمع: وقد أشار القرآن لمثل هذا، قال ربُّنا: ï´؟ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ï´¾ [الأعراف: 151].
وهذه سنَّة أيضًا نتعلَّمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان مِن هديِه صلى الله عليه وسلم أنه "إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه: رحمة الله علينا، وعلى أخي كذا"[6].

6- اليقين بالإجابة: بأن تكون على يقين أن الله قريب منك، مستجيب لدعوتك؛ فهو الذي قال في كتابه: ï´؟ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ï´¾ [البقرة: 186].
وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا تأكيده على ذلك، فقد قال: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ))[7].

7- عدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحِمٍ: عن جبير بن نفيرٍ: أن عبادة بن الصامت حدَّثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما على الأرض مسلمٌ يدعو الله بدعوةٍ إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ))، فقال رجلٌ من القوم: إذن نُكثِرَ، قال: ((اللهُ أكثَرُ))[8].

8- عدم الاعتداء في الدعاء: قال الله تعالى: ï´؟ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ï´¾ [الأعراف: 55].
وقد أخبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون أناسٌ يعتدون في الدعاء؛ عن أبي نعامة، عن ابنٍ لسعدٍ، أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة، ونعيمها، وبهجتها، وكذا، وكذا، وأعوذ بك من النار، وسلاسلها، وأغلالها، وكذا، وكذا، فقال: يا بني، إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيكون قومٌ يعتدون في الدعاء))؛ فإياك أن تكونَ منهم، إنك إن أعطيت الجنة أُعطيتَها وما فيها من الخير، وإن أُعِذْتَ مِن النار أُعِذْتَ منها وما فيها من الشر[9].

9- عدم استعجال الإجابة: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ، ما لم يستعجل)) قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: ((قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجيب لي، فيستحسِرُ عند ذلك ويدَعُ الدعاء))[10].

10- إظهار الذل والخضوع بين يدي الله: فإظهار الذل والمسكنة بين يدي الله، قريب من إجابة الدعاء، وهذا يذكِّرُنا بموقف النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يومَ بَدْرٍ؛ أن من أسباب النصر على المشركين: التذللَ لله والخضوع له؛ قال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ï´¾ [آل عمران: 123].

11- الإلحاح في الدعاء: كما وصف عبدالله بن مسعود دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "وكان إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا"[11].

12- تحرِّي أوقاتِ الإجابة، وهي: عند سماع النداء - الأذان - وبين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل، وآخر ساعة من نهار يوم الجمعة؛ فقد جاء في الحديث أن يوم الجمعة فيه ساعة إجابة، ودُبُر الصلوات المكتوبة، وعند نزول المطر، وعند التقاء الجيشين، وعند شرب ماء زمزم، وعند سماع صياح الديكة، وعند المريض، وفي السجود، وعند إفطار الصائم، ويوم عرفة، وعند الكعبة.

13- تجنُّب موانع الإجابة: كأكل الحرام، والربا، وأكل أموال الناس بالباطل؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمَر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ï´؟ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ï´¾ [المؤمنون: 51]، وقال: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ï´¾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعَثَ أغبَرَ، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعَمُه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام؛ فأنَّى يستجاب لذلك؟!))[12].

14- الإكثار من الدعاء وقت الرخاء: فقد حكى لنا القرآن عن نبي الله يونس عليه السلام: أنه كان مِن الذين يذكرون الله كثيرًا وقت الرخاء، فنجاه الله وقت الشدة؛ قال ربُّنا: ï´؟ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ï´¾ [الصافات: 143، 144].
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليُكثِرِ الدعاءَ في الرخاء))[13].

15- الختام بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن علي قال: "كل دعاءٍ محجوبٌ حتى يصلَّى على محمدٍ وآلِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم"[14].

وقال أبو سليمان الداراني - رحمه الله -: "مَن أراد أن يسأل الله حاجة، فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن اللهَ عز وجل يقبل الصلاتينِ، وهو أكرمُ مِن أن يدَعَ ما بينهما"[15].
أدِمِ الصلاة على الحبيبْ
فصلاتُه نورٌ وطيبْ

وادْعُ الإلهَ بها تجِدْ
ه دائمًا هو يستجيب

فإذا دعوتَ الله في
أمرٍ عظيمٍ أو عصيب

فابدَأْ دعاءك واختتِمْ
هُ بالصلاة على الحبيب

♦♦♦


درس الفقه: أقوال الأئمة في تبييت النية:
قالوا: "يشترط تبييت النية ليلًا قبل الفجر عند الجمهور، لكنها تصح عند الحنفية في الصوم المعين قبل الزوال، ومجرد التسحر من أجل الصوم يُعَد نية مجزئة؛ لأن السَّحور في نفسه إنما جُعل للصوم، بشرط عدم رفض نية الصيام بعد التسحر، ويكون لكل يوم من رمضان نية مستقلة تسبقه، وأجاز الإمام مالك صوم الشهر كله بنية واحدة في أوله، أما إذا كان الصوم غير واجب فيجوز تأخير النية لِما بعد الفجر، لمن لم يأت بمفطر وأراد أن يكمل اليوم صائمًا تطوعًا فله ذلك"[16].

ودليل شرط النية في الفرض: ما جاء عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن لم يُجمِعِ الصيامَ قبل الفجر، فلا صيام له))[17].

ودليل عدم اشتراط النية في التطوع: ما ورد عن عائشة أم المؤمنين، قالت: دخَل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فقال: ((هل عندكم شيءٌ؟))، فقلنا: لا، قال: ((فإني إذًا صائمٌ))[18].

قال الإمام النووي: "وفيه دليلٌ لمذهب الجمهور؛ أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل زوال الشمس"[19].

وذكر البخاري في صحيحه بابًا بعنوان: (باب إذا نوى بالنهار صومًا)، وذكر فيه: "وقالت أم الدرداء: كان أبو الدرداء يقول: "عندكم طعامٌ؟"، فإن قلنا: لا، قال: "فإني صائمٌ يومي هذا"، وفعَله أبو طَلحةَ، وأبو هريرة، وابن عباسٍ، وحذيفة رضي الله عنهم"[20].

نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان
دار الصفوة بالقاهرة.


[1] السنن الكبرى للبيهقي (6392)، وصححه الألباني.

[2] المعجم الأوسط للطبراني (2795).

[3] مسند أحمد (4255)، وقال العلامة أحمد شاكر: إسناده صحيح.

[4] أبو داود (1481)، والترمذي (3477)، وقال: حسن صحيح.

[5] الترمذي (3556)، وقال الألباني: صحيح.

[6] صحيح مسلم (2380).

[7] الترمذي (3479)، وقال الألباني: حسن.

[8] الترمذي (3573)، وقال: حسن صحيح.

[9] أبو داود (1480)، وقال الأرناؤوط: حسن.

[10] مسلم (2735).

[11] مسلم (1794).

[12] مسلم (1015).

[13] الترمذي (3382)، وحسنه الألباني.

[14] المعجم الأوسط للطبراني (721)، وذكره الألباني في الصحيحة، رقم (2035).

[15] إحياء علوم الدين، للإمام أبي حامد الغزالي، (ج1، ص307)، دار المعرفة - بيروت.


[16] انظر: كتاب الصيام، ص23، الصادر عن دار الإفتاء المصرية.

[17] أبو داود (2454)، والترمذي (2333)، والنسائي (730)، وصححه الألباني.

[18] مسلم (1154).

[19] شرح النووي على مسلم، (ج8، ص35)، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط2/ 1392ه.

[20] البخاري، (ج3، ص23).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-02-2020, 02:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

القرآن في رمضان (درس رمضاني)
الشيخ أحمد علوان




(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي خلق الأرض والسموات، الحمد لله الذي علِمَ العَثَرات، فسترها على أهلها وأنزل الرحمات، ثم غفرها لهم ومحا عنهم السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: له الحمد ما تعاقبت الخطوات، وله الحمد عدد حبات الرمال في الفَلَوات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: عدد ذرات الهواء في الأرض والسموات، وعدد الحركات والسكنات، وبعد:
فلقاؤنا يتجدد مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، وهذا هو اللقاء السادس، الذي سيكون حول القرآن في رمضان؛ فالقرآن الكريم من أفضل العبادات التي قد يؤديها الصائم في رمضان؛ فالصيامُ والقرآن مترابطانِ متجاوران؛ فقد قرنهما النبي صلى الله عليه وسلم معًا؛ فقد جاء عن عبدالله بن عمرٍو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يَشفعانِ للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعتُه الطعامَ والشهوات بالنهار؛ فشفِّعْني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النوم بالليل؛ فشفِّعْني فيه))، قال: ((فيُشَفَّعانِ))[1].

كما أن شهر رمضان هو الشهر الذي نزل فيه القرآن؛ قال ربنا: ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ï´¾ [البقرة: 185].

لذا؛ كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ليدارسه القرآن؛ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلةٍ في شهر رمضان حتى ينسلخ، يَعرِض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة"[2].

فعلى الصائم أن يدارس القرآن كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدارسه، وأن تكون معايشته للقرآن في رمضان أكثر من غيره؛ فرمضانُ هو شهر القرآن، فليكن همك وهمتك أن تختم القرآن أكثر من مرة في رمضان، وإن كانت الأحاديث الواردة في هذا الباب بعضها يشير إلى عدم قراءة القرآن في أقل من ثلاث ليال، وبعضها يشير إلى سبعة أيام، وأخرى عشرة أيام، وللعلماء في كم تختم القرآن كلام وأفهام؛ فقد قال الإمام النووي - رحمه الله -: "أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك، وإنما هو بحسب النشاط والقوة، فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص"[3].

يا ترى كم ختمة ختمتَ هذا العام؟!
إذا كان العلماء يرون أن عدد مرات ختم القرآن في رمضان لا تقدير له، ويختلف باختلاف نشاط الصائم وهمته، فنقل لنا التاريخ الهمةَ العالية للسلف الصالح مع القرآن في رمضان، أذكر بعضها[4] حتى يكون في ذلك حافزٌ:
كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليالٍ، وبعضهم في كل سبع، منهم قتادة، وبعضهم في كل عشرة، منهم أبو رجاء العُطاردي.

كان قتادة يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة.

كان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه.

كان مالكٌ إذا دخل رمضان يفِرُّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقبِل على تلاوة القرآن من المصحف.

كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن.

ومِن السلف مَن ختم القرآن في ركعة، أو في يوم وليلة؛ فالذين ختموا القرآن في ركعة: عثمان بن عفان، تميمٌ الدَّاريُّ، سعيد بن جبير، ومجاهد، والذين ختموه في يوم وليلة مثل الشافعي.

قد يعجَب البعض من هؤلاء، ويقول: كيف هذا في مِثل هذا؟! وهل لأحد أن يعقل هذا؟!
أقول: إن وقع مثل هذا، فقد يستبعد العوام هذا، لكن ليس من الغريب أو العجيب أن يفعل الخواص هذا؛ فربك يعطي من يشاء، ويفتح لمن يشاء، فصاروا مشعلًا في العلم والعمل، ونبراسًا في الدعوة إلى الله، لم يكن همهم حشو البطون، ولا الإغراق في النعم، وإنما بذل الجهد والسعي في شحذ الهمم، ثم هل لأحد أن ينكر الكرامات للأولياء والصالحين الذين عاشوا في القمم.

تلك همة السلف وحالهم مع القرآن، فهل ستزاحمهم وتنافسهم؟ وكم ختمة ستقرأ هذا العام؟ ويا ترى هل سيكون حالك مع القرآن بعد رمضان كحالِكَ الآن في رمضان؟ أم ستهجره بعد أن يمضي رمضان؟ وأي نوع من الهجر سيكون؟ هل ستهجر تلاوته أم سماعه أم تدبره أم العمل به؟!

حبيبي، ما هو شعورك عندما تمر في ختمتك وتلاوتك على هذه الآية: ï´؟ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ï´¾ [الفرقان: 30].

تعالَوْا معًا نتذكرأنواع هجر القرآن، وانظر هل أنت منهم!
يقول الإمام ابن القيم: "هجر القرآن أنواع، أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به، والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يُفيد اليقين، وأن أدلتَه لفظية لا تحصِّل العلم، والرابع: هجر تدبُّره وتفهُّمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه، والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به"[5].

وصية عملية:
ما رأيك لو حملت مصحفك الخاص معك، فقرأت منه في وسائل المواصلات، ومكان العمل، فتلك فرصة تساعدك على قراءة أكبر قدر ممكن.
♦ ♦ ♦

السؤال السابع: كم عدد الأنبياء والرسل؟
سأل أبو ذر رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كم وفى عدة الأنبياء؟ قال: ((مائة ألفٍ وأربعةٌ وعشرون ألفًا، الرسلُ من ذلك ثلاثمائةٍ وخمسة عشر جمًّا غفيرًا))[6].

ومن خلال الحديث: يكون عدد الأنبياء: (124) ألف نبي، وعدد الرسل: (315) رسولًا.
♦ ♦ ♦

خاطرة (بعد الفجر): آداب تلاوة القرآن:
إن تلاوة القرآن الكريم لها آداب وأحكام، على القارئ أن يتحلى بها ويتأدب بها، منها:
1- استحضار النية:
فالنية شرط في قبول كل عمل، فمتى صحت نيتك صح عملك، فقُبِلت تلاوتك للقرآن، سَلْ نفسك: لماذا سأقرأ؟ فإن كانت قراءتك لله فامضِ، وإلا فجدِّدْ نيتك؛ حتى تكون صالحة خالصة لله، ويكون عملك مقبولًا مأجورًا مشكورًا.

2- الطهارة:
فمن الأدب عند تلاوة القرآن: أن تكون على وضوء، وإن كانت هذه المسألة اختلف فيها العلماء كثيرًا، لكن أرى من الأكمل والأفضل أن تتوضأ قبل القراءة، وإن قرأت بغير وضوء، فلا إثم عليك، وهذا كله متعلق بالحدث الأصغر، يقول الإمام النووي: "أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدِثِ، والأفضل أنه يتطهر لها، قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط: ولا نقول: قراءة المحدِثِ مكروهةٌ؛ فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مع الحدث"[7]، ويقرأ من حفظه، أما مس المصحف بغير وضوء، فلا يفعل، سواء كان على حدث أصغر أو أكبر؛ عملًا بقول عليٍّ رضي الله عنه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم قرأ شيئًا من القرآن، ثم قال: هذا لمن ليس بجنبٍ، فأما الجنب فلا، ولا آية"[8].

وهنا نتفق: أن قراءة القرآن في الحدَث الأصغر جائزة بدون وضوء، أما مس المصحف فلا يجوز لغير المتوضأ، سواء في الحدث الأصغر أو الأكبر.

وبالنسبة لقراءة القرآن في الحدث الأكبر؛ كالرجل الجنب، أو المرأة الحائض: فلا يقرأ من المصحف أو غيره؛ لحديثِ علي المتقدم، وهذا رأي الجمهور، وهو المنع، ويوجد رأي بالجواز، وفي المسألة خلاف بين الأئمة الأربعة، فمن أراد المزيد فليراجع كتب الفقه.

3- استقبال القبلة: وهو من الأدب، وليس من الواجب.

4- استعمال السواك:
حتى يجعل رائحة الفم طيبة؛ عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليَسْتَكْ؛ فإن أحدكم إذا قرأ في صلاةٍ وضع ملَكٌ فاه على فيه، فلا يخرج مِن فيه شيءٌ إلا دخل فمَ الملَك"[9].

5- تحسين الصوت:
عن أبي هريرة: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((ما أذِنَ اللهُ لشيءٍ ما أذِنَ لنبي حسَنِ الصوت يتغنى بالقرآن، يجهر به))[10]، وعن البراء بن عازبٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زيِّنوا القرآنَ بأصواتكم))[11].

فعلى قارئ القرآن أن يجتهد في تحسين صوته؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على ذلك؛ كما جاء عن أبي موسى الأشعري أنه قال: استمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءتي من الليل، فلما أصبحت، قال: ((يا أبا موسى، استمعتُ قراءتك الليلة، لقد أوتيتَ مِزمارًا من مزامير آل داود))، قلت: يا رسول الله، لو علمتُ مكانك، لحبَّرْتُ لك تحبيرًا[12].

6- تعاهُد القرآن:
فقد أوصانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نتعاهد القرآن بالقراءة؛ عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعاهدوا القرآن؛ فوالذي نفسي بيده، لهو أشدُّ تفصِّيًا من الإبل في عُقُلِها))[13].

وتعاهُدُ القرآن: هو المواظبة على تلاوته، والاهتمام بحفظه وتحفيظه للأولاد، (أشد تفصِّيًا)؛ أي: أسرع خروجًا، (عُقُلها): جمع عِقال، وهو الحبل الذي يُعقَل به البعير.

والشاهد من الحديث: أن القرآن قد ينساه صاحبه إذا لم يحافظ على قراءته ويتعاهَدْ وِرْدَه.

7- السؤال والاستعاذة:
فمِن هَدْيِه صلى الله عليه وسلم أنه إذا مر بآية فيها رحمة سأل الله، وإذا مر بآية فيها خوف استعاذ بالله، فكما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا مر بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبح، وإذا مر بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذٍ تعوَّذ"[14].

8- التدبُّر:
وهو أهمُّ الآدابِ؛ أن يتدبرَ القارئ ما يقرؤه ويتلوه؛ فقد قال ربنا عز وجل: ï´؟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ï´¾ [محمد: 24]، وقال أيضًا: ï´؟ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ï´¾ [ص: 29].

9- سجود التلاوة:
وهو سنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة، قال: "يا أيها الناس، إنا نمرُّ بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومَن لم يسجد فلا إثم عليه"، ولم يسجد عمر رضي الله عنه، وزاد نافعٌ، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "إن الله لم يفرض السجودَ إلا أن نشاء"[15].

10- الاجتماع على مجالس القراءة:
إن مِن أجملِ ما يقوم به عُمَّارُ المساجد إقامة مجالس للتلاوة، ثم ما أجمل أن يقوم بذلك الآباء والأمهات مع أبنائهم في البيوت، ويجتمعوا على كتاب الله، وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوابَ مَن فعل ذلك، فقال: ((... وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارَسونه بينهم، إلا نزلَتْ عليهم السكينةُ، وغشِيَتهم الرحمة، وحفَّتْهم الملائكة، وذكَرهم اللهُ فيمَن عنده، ومَن بطَّأ به عملُه، لم يُسرِعْ به نسَبُه))[16].

تلك عشرة كاملة في آداب تلاوة القرآن الكريم وأحكامِ قراءته.
♦ ♦ ♦

درس الفقه: سُنَن الصيام ومستحباته:
يستحب للصائم ما يأتي:
1- السَّحور:
فمن السنَّة للصائم أن يتسحَّر، حتى يستعين بسحوره على صيام النهار؛ عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((استعينوا بطعام السحَر على صيام النهار، وبالقيلولة على قيام الليل))[17].

وحتى يحقِّق سنَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيام، ومن سنن السَّحور:
أن يحافظ عليه، ولو على جرعة من ماء؛ عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السَّحور أَكلةٌ بركةٌ؛ فلا تدَعوه، ولو أن يجرَعَ أحدكم جَرعةً من ماءٍ...))[18].

ومنها تأخير السحور؛ عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال أمتي بخيرٍ ما عجَّلوا الإفطار، وأخَّروا السحور))[19]،وعن عائشة تقول: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن الوِصال في الصيام، ويأمر بتبكير الإفطار، وتأخير السحور"[20].

2- تعجيل الفطر:
ومِن سنن الصيام أن يعجِّل الفِطر؛ عن سهل بن سعدٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا يزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطر))[21].

ومن السنَّة في الفطور: أن تفطِر على رُطَب، فإن لم تجد فعلى تمر، فإن لم تجد فعلى ماء؛ عن ثابتٍ البُنانيِّ: أنه سمع أنس بن مالكٍ يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفطِر على رطباتٍ قبل أن يصليَ، فإن لم تكن رطباتٌ، فعلى تمراتٍ، فإن لم تكن حسَا حسَواتٍ من ماءٍ"[22].

3- الدعاء عند الفِطر:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند فطره: ((اللهم لك صُمْتُ، وعلى رزقك أفطرت))[23]، ((ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله))[24].

وإذا دُعِيَ للإفطار عند أحد، فليدعُ له بهذا الدعاء، "أفطَر عندكم الصائمون، وأكَل طعامَكم الأبرارُ، وصلَّتْ عليكم الملائكة"[25].

4- إفطار صائم:
عن زيد بن خالدٍ الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن فطَّر صائمًا، كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا))[26].

5- الطهارة من الحدَث الأكبر قبل الفجر:
فعلى الرجل أن يغتسل من الجنابة، والمرأة من الحيض والنفاس، متى تمكن من ذلك قبل الفجر؛ ليكونَ على طُهْر من أول الصوم.

والفقهاء متفقون على أن الخلوَّ من الطهارة ليس شرطًا في الصوم؛ فكما جاء عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يصبح جُنبًا من جماع، ثم يصوم؛ فعن عائشة، وأم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنبٌ من أهله، ثم يغتسل، ويصوم[27].

6- حِفظ اللسان والجوارح:
لكيلا يضيع أجرك أيها الصائم، فاحفظ لسانك وجوارحك؛ حتى لا يقل الأجر، وينقص ثواب الصيام، حتى لو نالك أحدٌ بسوء، فعليك بما أوصاك به رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يومُ صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يجهل، فإن جهل عليه أحدٌ فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ))[28].

فالصائم إن لم يحفَظْ لسانه من الكذب والغِيبة والنميمة وفضول الكلام وكثرة الحلف، أو أطلَق العنان لبصره فنظر إلى الحرام، أو لأذنه فسمعت الحرام، أو ليده فتناولت الحرام، أو لرِجله فمشت إلى الحرام - فهذا كله قد يذهَب بالصوم، فلا يكون للصائم إلا الجوع والعطش؛ جاء عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر))[29].

وفي ذلك قيل: "فكم من صائمٍ عن الطعام مفطر بالكلام، دائب على القيام مؤذٍ للأنام؛ فهو من لسانه وفعله موزور، وعلى صيامه وقيامه غيرُ مأجور"[30].

وقيل:
إذا لم يكُنْ في السمع مني تصاوُنٌ
وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صَمْتُï»؟

فحظي إذًا من صومِيَ الجوعُ والظما
فإن قلتُ: إنِّي صمتُ يومي فما صُمْتُ


نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة


[1] مسند أحمد (6626)، وقال العلامة أحمد شاكر: إسناده صحيح.

[2] البخاري (4997).

[3] فتح الباري، ج9، ص97.

[4] راجع: لطائف المعارف، لابن رجب الحنبلي، (ج1، ص171)، دار ابن حزم للطباعة والنشر، ط1/ 1424هـ = 2004م.

[5] الفوائد، لابن القيم، ص82، دار الكتب العلمية - بيروت، ط2/ 1393 هـ = 1973 م.

[6] أحمد (22288)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، رقم (5737).

[7] انظر: المجموع شرح المهذب، للإمام النووي، (ج2، ص69)، دار الفكر.

[8] مسند أحمد (872)، وقال العلامة أحمد شاكر: إسناده صحيح.

[9] شعب الإيمان للبيهقي (1938)، وذكره الألباني في صحيح الجامع (720).

[10] البخاري (7544)، مسلم (792).

[11] أبو داود (1468)، والنسائي (1015)، وصححه الألباني.

[12] صحيح ابن حبان (7197).

[13] البخاري (5033).

[14] مسلم (772).

[15] البخاري (1077).

[16] مسلم (2699).

[17] سنن ابن ماجه (1693)، ومستدرك الحاكم (1551)، وإسناده ضعيف.

[18] مسند أحمد (11396)، وصححه الأرناؤوط.

[19] مسند أحمد (21312)، وضعفه الأرناؤوط.

[20] مسند أبي يعلى (4367)، وإسناده صحيح.

[21] متفق عليه.

[22] سبق تخريجه.

[23] أبو داود (2358)، وضعفه الألباني.


[24] أبو داود (2357)، ومستدرك الحاكم (1536)، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.

[25] أبو داود (3854 )، وابن ماجه (1747)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: صحيح.

[26] الترمذي (807)، وقال: حسن صحيح.

[27] متفق عليه.

[28] ابن ماجه (1691)، ومسند أحمد (7840)، وصححه الألباني.

[29] ابن ماجه (1690)، وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط.

[30] بستان الواعظين ورياض السامعين، لابن الجوزي، ص226.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12-02-2020, 02:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

إفطار النبي صلى الله عليه وسلم وقيامه (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان




(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله ولي التوفيق، وهادي مَن استهداه لأقوم طريق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الداعين وإمام الهادين، ورضي الله عن أصحابه الغر الميامين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
فهذا هو اللقاء السابع من لقاءات: مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، وحديثنا هذه المرة عن كيفية إفطار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولماذا الفِطر على تمرات؟ ثم كيف كان يقيم الليل؟ وما هو هَدْيه في التراويح؟

على أي شيء يفطر صلى الله عليه وسلم؟ وماذا يقول عند فطره؟

قد جاءت الأحاديث تؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُفطِر على رُطَب، أو تمر، أو ماء؛ فعن أنس بن مالكٍ يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفطر على رطباتٍ قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطباتٌ، فعلى تمراتٍ، فإن لم تكن حسَا حسَواتٍ من ماءٍ"[1].

لماذا التمر؟
قالوا: إن سكَّر التمر أسرع سكَّر على الإطلاق، ينتقل من الفم إلى الدم في عَشْر دقائق، فإذا أكلتَ ثلاث تمرات وصل سكرها إلى مركز الشبع في الدماغ، وبعد أكل التمرات الثلاث بعَشْر دقائق تكون قد صليت المغرب، فتشعر أنك شبعان، فتأكل باعتدال،فلا تأكل كثيرًا،فتستطيع أن تصلي التراويح بخشوع وطمأنينة.

قيام النبي صلى الله عليه وسلم:
كان أول عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتراويح أنه خرج ذات ليلة ليصلي في المسجد، فصلى خلفه الصحابة رضي الله عنهم، ثم الليلة الثانية، ثم الثالثة، وكان عدد الصحابة يزداد في كل ليلة، فخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُفرَض عليهم فيعجِزوا عنها، وفي ذلك ما جاء عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلةٍ من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناس، فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلَّوْا معه، فأصبح الناس، فتحدثوا، فكثُر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، فتشهد، ثم قال: ((أما بعد، فإنه لم يخفَ عليَّ مكانُكم، لكني خشيت أن تُفرَضَ عليكم، فتَعجِزوا عنها))[2].

عدد ركعات التراويح:
سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عَشْرة ركعةً، يصلي أربعًا، فلا تسَلْ عن حُسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسَلْ عن حُسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا"[3].

هَدْيُ النبي صلى الله عليه وسلم في قيامه؟
كان يبدأُ صلاته بالسواك؛عن حذيفة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشُوصُ فاهُ بالسواك[4].

وكان إذا صلى وحده يُطيل صلاته؛عن حذيفة، قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعةٍ، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلًا، إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مرَّ بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذٍ تعوَّذ، ثم ركع، فجعل يقول: ((سبحان ربي العظيم))، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: ((سمع الله لمن حمده))، ثم قام طويلًا قريبًا مما ركع، ثم سجد، فقال: ((سبحان ربي الأعلى))، فكان سجوده قريبًا من قيامه[5].

ومن هَدْيه: أنه كان يبدأ الصلاة بركعتين خفيفتين؛ فعن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي، افتتح صلاته بركعتينِ خفيفتين[6].

وإذا أردتَ أن يُكتَب لك قيام ليلة:
فاحرِصْ على أن تصلي التراويح كاملة مع الإمام؛ حتى يُكتَب لك قيام ليلة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِبَ له قيام ليلةٍ))[7].

وصية عملية:
إذا أردتَ أن تأخذ ثواب صيام يوم آخر، فعليك بإفطار صائم، فمن فطَّر صائمًا فله مثل أجره، لا ينقص من أجره شيء؛ فساهم في إفطار الصائم، وشارِكْ بنقودك في موائد الإفطار، أو اصنَعْ طعامًا لفردٍ أو أسرة.
♦♦♦


السؤال الثامن: كم مرة ذُكِرت مِصرُ صراحةً في القرآن الكريم؟
ذُكرت مِصر صراحة في القرآن الكريم في أربعة مواضع، وترتيبها كالتالي:
الموضع الأول: قال تعالى: ï´؟ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [يونس: 87].

الموضع الثاني: قال تعالى: ï´؟ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [يوسف: 21].

الموضع الثالث: قال تعالى: ï´؟ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ï´¾ [يوسف: 99].

الموضع الرابع: قال تعالى: ï´؟ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ï´¾ [الزخرف: 51].

أما موضع البقرة، فقال تعالى: ï´؟ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ï´¾ [البقرة: 61].

يقول القرطبي - رحمه الله -: "فمَن صرفها أراد مِصرًا من الأمصار غيرَ معيَّن، وروى عكرمة عن ابن عباس، قال: مِصرًا من هذه الأمصار"[8].

إذًا، من الممكن أن يكون المعنى أي مصرٍ من الأمصار، ومن الممكن أن تكون مصر التي عاش فيها فرعون، لكن الثابت في القرآن الكريم: أن مِصْرَ التي لم تنون هي عَلَمٌ على مِصرَ التي نعيش فيها، أما ï´؟ مِصْرًا ï´¾ بالتنوين فتعني كل وادٍ فيه زرع.
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): أدب الاستخارة:
مِن الآداب التي لا يستغني عنها كل مسلم، وهي أن يسأل الله سبحانه وتعالى أن يختار له الأفضل والأَخْيَر، وإليك تعريفها عند العلماء.

لغة: "خار الله لك؛ أي: أعطاك ما هو خيرٌ لك، والخِيرة، بسكون الياء: الاسم من ذلك، ومنه دعاء الاستخارة: اللهم خِرْ لي؛ أي: اختَرْ لي أصلح الأمرين، واجعل لي الخيرة فيه،واستخار اللهَ: طلب منه الخِيرة"[9].

اصطلاحًا: "طلب الاختيار؛ أي: طلب صرف الهمة لما هو المختار عند الله والأولى، بالصلاة، أو الدعاء الوارد في الاستخارة"[10].

وصلاة الاستخارة سنةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليلها ما جاء عن جابرٍ رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كالسورة من القرآن: ((إذا همَّ بالأمر فليركع ركعتين ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدِر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلَم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاقدُرْه لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصرِفْه عني واصرفني عنه، واقدُرْ لي الخير حيث كان، ثم رضِّني به، ويسمي حاجته))[11].

متى يحتاج المسلم إلى الاستخارة؟
إذا أقدم على فعل شيء، وتحير فيه؛ كقدومه على شراء منزل، وعرض عليه أكثر من منزل، فأخذ يسأل ويستشير، وكانت الحيرة، فليلجأ إلى ربه، وربه يختار له الأفضل، وليكن واثقًا بأن تدبير الله له أحسنُ مِن تدبيره لنفسه، واختيار الله له أحسن، وفي ذلك يقول ابن تيمية: "وما اشتبه أمره على العبد، فعليه بالاستخارة المشروعة؛ فما ندِم مَن استخار الله تعالى، وليُكثِرْ من ذلك، ومن الدعاء؛ فإنه مِفتاح كل خير"[12].

وإليك كيفية أدائها: توضَّأ وضوءَك للصلاة، ثم انوِ أنك تصلي الاستخارة، وهي ركعتان، تقرأ في الأولى بسورة (الكافرون)، وفي الثانية بسورة: ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾، وبعد التسليم ارفع يديك، وادعُ الله بالدعاء الوارد في الحديث المتقدم لجابر.

أما آدابها، فهي:
1- أن يفعلَها في أي أمر، ويعوِّد نفسه الاعتماد على الله في كل أحوالِه وأمورِه، وهذا واضح وجليٌّ مِن الحديث، وهو أن جابرًا قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا الاستخارةَ في الأمور كلها".

2- يأتي بالاستخارة في المباحات، ولا يأتي بها في ترك واجب، أو في فعل محرَّم، أو مكروه؛ فقد قال ابنُ حجر عن ابن أبي جمرة: "فإن الواجب والمستحب لا يُستخار في فعلهما، والحرام والمكروه لا يُستخار في تركهما؛ فانحصَر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارَض منه أمرانِ أيهما يبدأ به"[13].

3- أن يعزِمَ في طلبه، ويطلب بيقين أن الله سيختار له ما هو أفضل له، وأن يُظهِر الافتقار لله، والانكسار له، والحاجة إليه، وأنه - أي العبدَ - لا حول له ولا قوة إلا بالله.

4- ألا يكونَ المستخير قد اختار لنفسه سلفًا؛ فلو اختار مسبقًا وارتاح لحاجته، واطمأنَّتْ نفسُه، واستقرت عزيمته - فليس في حاجة للاستخارة.

5- يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى سورة (الكافرون)، وفي الركعة الثانية سورة: ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص شيئًا معينًا يقرأ في الاستخارة، لكن استحب بعض أهل العلم - كالإمام النووي، فهو اجتهاد منهم، ليس عليه دليل، وللمستخير أن يقرأ بغيرهما.

6- أن يُصليَ ركعتينِ من غير الفريضة، وأن يدعوَ بدعاء الاستخارة عقب الفراغ من الركعتين، ويجوز بعد التشهُّد وقبل السلام، فإذا جاء عند قوله: (اللهم إن كنتَ تعلم أن هذا الأمر)، هنا: يسمي الشيء الذي يستخير فيه؛ كأن يقول: اللهم إن كنت تعلم أن شرائي سيارة كذا (خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري...)، ثم يكمل الدعاء..

7- ابدَأْ دعاءَك بالحمد لله، والثناء عليه، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعاء الاستخارة، فإذا فرغت منه، فاختِمْ بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

8- يجوز إعادة الاستخارة أكثر من مرة، فإذا فعلها مرةً، ولم ينشرح صدره وظل مترددًا، فله الإعادة مرة ثانية وثالثة، حتى يتبين له شيء، ولأنه كان مِن عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دعا دعا ثلاثًا، فإذا لم يظهر له شيء، قالوا: له أن يستشير أهل الخبرة؛ فقد يجعل اللهُ الاختيارَ في الاستشارة.

وهنا سؤال: أيهما يقدم:الاستخارة أم الاستشارة؟!
اختلف العلماء في تقديم إحداهما، وإليك ما قاله ابن عثيمين: "والصحيح أن المقدَّم الاستخارة؛ فقدِّم أولًا الاستخارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا همَّ أحدكم بالأمر فليصلِّ ركعتين)).. إلى آخره، ثم إذا كررتها ثلاث مرات ولم يتبين لك الأمر، فاستشِرْ، ثم ما أشير عليك به، فخُذْ به"[14].

عن سعدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مِن سعادة ابن آدم: رضاه بما قضى اللهُ له، ومِن شقاوة ابن آدم: تركُه استخارةَ الله، ومِن شقاوة ابن آدم: سَخَطُه بما قضى الله له))[15].

ومما قاله الإمام الحسين بن علي - رضي الله عنهما -: "مَن اتَّكَل على حسن اختيار الله له، لم يتمَنَّ غيرَ ما اختار اللهُ له"[16].

هل يُشترَط أن يرى رؤيا بعد الاستخارة؟
والراجح: أنه لا يُشترَط أن يرى رؤيا بعد الاستخارة، ولا يلزم للاستخارة رؤيا أو حُلم؛ فلم يثبُتْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الاستخارةَ تتحقق بالرؤى، وإنما بانشراح الصدر، وتيسير الأمر، والله أعلم.
♦♦♦


درس الفقه: ما يباح للصائم فِعلُه:
مِن الأمور التي يباح للصائم أن يفعلها ما يأتي:
أولًا: يباح له ما لا يمكن الاحتراز منه، مثل: غبار الطريق، بَلْع الريق.

ثانيًا: المضمضة والاستنشاق، مع عدم المبالغة فيهما؛ عن لَقِيط بن صبرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بالِغْ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا))[17].

ثالثًا: الاغتسال؛ فقد قال أبو بكر: "لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعَرْجِ يصُبُّ على رأسه الماء وهو صائمٌ من العطش، أو مِن الحر"[18].

العَرْج: بفتح العين وسكون الراء: قريةٌ جامعة على طريق مكةَ، بينها وبين المدينة تسعةٌ وتسعون فَرْسَخًا، وهي في الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة، وسُمِّيَت العَرْجَ بتعريج السيول بها.

وقد نقَلت إحدى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يُدرِكه الفجر وهو جنبٌ من أهله، ثم يغتسل، ويصوم[19].

رابعًا: استعمال السواك، لكن قبل الزوال؛ أي: الظُّهْر.

خامسًا: الحُقَن، سواء في العضل أو الوريد، إلا الحقنة الشرجية؛ فإنها تُفطِر عند الجمهور، إلا المالكية، فمكروهة.

سادسًا: الاكتحال، عن أنس بن مالك أنه "كان يكتحل وهو صائمٌ"[20].

سابعًا: القُبلة، لِمَن ملَك نفسه؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلُ وهو صائمٌ، ويباشر وهو صائمٌ، ولكنه أملَكُكم لإِرْبِه[21]، وإذا خاف أن تحرك شهوته، فإنه يكره له ذلك، والأولى تركها.

ثامنًا: استعمال العِطْر والروائح الطَّيبة، قال ابن تيمية: "وشَمُّ الروائح الطيبةِ لا بأسَ به للصائم"[22].

نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة


[1] سبق تخريجه.

[2] البخاري (2012)، مسلم (761).

[3] البخاري (1147).

[4] البخاري (245)، مسلم (255).

[5] مسلم (772).

[6] مسلم (767).

[7] أبو داود (1375)، والنسائي (1364)، وصححه الألباني.

[8] تفسير القرطبي، (ج1، ص429)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط2/ 1384ه = 1964 م.

[9] لسان العرب، لابن منظور، (ج4، ص267)، فصل الخاء المعجمة، دار صادر - بيروت، ط3/ 1414 هـ.

[10] انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، (ج3، ص241).

[11] البخاري (3682).

[12] انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، (ج10، ص661)، تحقيق: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ = 1995م.

[13] فتح الباري، لابن حجر، (ج11، ص184).

[14] شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين، (ج4، ص162)، دار الوطن للنشر، الرياض، ط/ 1426 هـ.

[15] الترمذي (2151)، وضعَّفه الألباني.

[16] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم، (ج2، ص175)، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي - بيروت، ط3/ 1416 هـ = 1996م.

[17] أبو داود (2366)، والترمذي (788)، والنسائي (87)، وابن ماجه (407)، وقال الترمذي: حسن صحيح.

[18] أبو داود (2365)، ومسند أحمد (23223)، وإسناده صحيح.

[19] البخاري (1926).

[20] أبو داود (2378)، وقال الأرناؤوط: حسن موقوف.

[21] مسلم (1106).

[22] انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية، ج5، ص376، دار الكتب العلمية، ط1/ 1408هـ = 1987م.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12-02-2020, 02:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

السمر مع الأهل ثم النوم (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)


للأئمة والدعاة




الحمد لله الذي أسبَغ نِعَمه علينا باطنةً وظاهرة، والذي لم تزَلْ ألطافه على عباده متوالية ومتظاهرة، أحمده حمدَ عبدٍ لم تزل ألطافه عليه متتابعة متواترة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: شهادةً أرجو بها النجاة في الدار الآخرة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: صاحب الآيات والمعجزات الباهرة، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه النجوم الزاهرة، وبعد:

فمع اللقاءِ الثامن والأخير مِن لقاءات: مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، وسيكون الحديث فيه عن السمَر والحديث مع الأهل، فهذا مِن حق الأهل عليه، بعد حق الله تعالى، فبعد أن يفرغ المسلم من حقوق الله، فصام النهار وقام الليل، اتجه إلى حقوق بيته وأهله، فجلس معهم وتحدث إليهم، ثم ينام مبكرًا ليستيقظ قبل الفجر، حتى يقوم ليله، أو ليتسحَّر.



ومِن الأدلة التي توضِّح معالم الحياة النبوية الأسرية، وتحقيق السكنى والمودة والرحمة في بيوتات رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: بتُّ عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعةً، ثم رقد..."[1].



وما جاء عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مِن أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنَهم خُلقًا، وألطَفَهم بأهلِه))[2].



وحديث أم زرع[3] خير شاهد وأوضح دليل على إصغائه لأهله، وهو معروف بطوله؛ ففيه إحدى عشر قصة، قصَّتها السيدة عائشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظل يسمعها حتى فرغت، فاستنبط العلماء من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتصف بحُسن المعاشرة مع الأهل، وندب السمر والحديث معهن.



وإليكم هذا الحديث، الذي فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمانَ وبين أبي الدرداء، فزار سلمانُ أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذِّلةً، فقال: ما شأنُكِ متبذِّلةً؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا، قال: فلما جاء أبو الدرداء قرَّب إليه طعامًا، فقال: كُلْ؛ فإني صائمٌ، قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم، فقال له سَلْمان: نَمْ، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال له: نَمْ، فنام، فلما كان عند الصبح، قال له سَلْمان: قُمِ الآن، فقاما فصليَا، فقال: "إن لنفسك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولضيفِك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا؛ فأعطِ كلَّ ذي حق حقَّه"، فأتيَا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك، فقال له: ((صدَق سَلْمانُ))[4].



فمِن حق أهلك عليك أن تجلس معهم، وأن تسامرهم، ولتحذَرْ معهم الغِيبةَ والنميمة والوقوع في أعراض الناس؛ فهذا ينقص الأجر والثواب، وأنصحك أن تأخذ ساعة من النوم حتى تستطيع القيام لصلاة الفجر، والمكث في المسجد بعده، وقراءة الأذكار...



وقال عليٌّ رضي الله عنه: سَلُّوا هذه النفوس ساعةً بعد ساعة؛ فإنها تصدَأُ كما يصدَأُ الحديد.



وصية عملية:

اجلِسْ مع أهلك ولو ساعة في اليوم، فمن حقها عليك أن تستمع إليها، وأن تسمَعَ منك، بشرط عدم الخوض في أعراض أحد، ولا الكلام في أمور تجرُّ إلى معاصٍ وذنوب.

♦♦♦




السؤال التاسع: ما هي كتب السنَّة الستَّة؟

كتب السنَّة الستَّة، هي بالترتيب:

صحيح البخاري: توفي عام 256هـ.

صحيح مسلم: توفي عام 261هـ.

سنن أبي داود: توفي عام 275هـ.

سنن الترمذي: توفي عام 279هـ.

سنن النسائي: توفي عام 300هـ، وقيل: 303هـ.

سنن ابن ماجه: توفي عام 273هـ.



ويضاف إليها: ثلاثة أخرى، فتصبح تسعة، لتُعرَفَ عند أهل الحديث بالكتب التسعة، وهي:

مسند أحمد: توفي عام 241هـ.

موطأ مالك: توفي عام 179هـ.

سنن الدارمي: توفي عام 255هـ.

♦♦♦




خاطرة (بعد الفجر): (آداب التثاؤب):

إن مِن شمولية تعاليم الإسلام: أنه لم يترُكْ لنا شيئًا إلا بيَّن لنا أحكامَه وآدابه، كما أن رسولنا وحبيبنا بهَدْيِه وفِعله وسنَّته، والتي نقلها عنه صحابته رضي الله عنهم، وكان من حرصهم وملازمتهم له: أن يصوروا كيف كان يأكل، كيف كان ينام، ومما علمه الرسول للصحابة: آدابُ التثاؤب، وهي:

1- ضَعْ يدَك على فمك عند التثاؤب:

إن التثاؤب ناتج الكسل، أو منتوجه، وما كان طريقه أو نتيجته الكسل فللشيطان فيه واسطة وطريق؛ لذا جاءت معظم الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعو كل من يتثاءب أن يضَعَ يدَه على فمه، أو يكظم تثاؤبه، وألا يرفع صوته، ولا يقول: آه آه.. وكلها تحذيرات لئلا يضحك منه الشيطان، أو يدخل في فم الإنسان..



وهذا هو الهَدْي النبوي، الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم منذ 1437هـ؛ فعن عبدالرحمن بن أبي سعيدٍ، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تثاءب أحدكم، فليُمسِكْ بيده؛ فإن الشيطانَ يدخُلُ))[5].



كيف يدخل الشيطان؟!

يوضِّح ذلك الإمام ابن حجر فيقول: "يحتمل أن يراد به الدخول حقيقة، وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم، لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرًا الله تعالى، والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكرٍ، فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة، ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه؛ لأن مِن شأن مَن دخَل في شيء أن يكونَ متمكنًا منه"[6]، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يدَه على فمه؛ حتى لا يدخل الشيطانُ بأحد الطريقين، وليس تغطية الفم باليد فقط، بل تكون بغطاء الرأس أيضًا، أو بالكم وغيره.



صفة وَضْع اليد على الفم:

يوضِّح لنا ذلك الإمام السفاريني بقوله: "إن غطَّيْتَ فمك في التثاؤب بيدك اليسرى فبظاهرها، وإن كان بيدك اليمنى فبباطنها، قال: والحكمة في ذلك؛ لأن اليسرى لِمَا خبُث، ولا أخبث من الشيطان، وإذا وضع اليمنى فبطنها؛ لأنه أبلغ في الغطاء، واليسرى معدةٌ لدفع الشيطان، وإذا غطى بظهر اليسرى فبطنها مُعدٌّ للدفع"[7].



2- لا تقل: آه آه عند التثاؤب:

ومِن تمام آداب التثاؤب، وعدم وصول الشيطان إليك: ألا تقول: آه آه؛ فالشيطانُ يضحَكُ منها؛ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العُطَاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يدَه على فيه، وإذا قال: آه آه، فإن الشيطانَ يضحك من جوفه...))[8].



3- لا ترفع صوتك:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يحب العُطَاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمِد الله، فحقٌّ على كل مسلمٍ سمِعه أن يُشمِّتَه، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فليرُدَّه ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان))[9].



4- اكظِمِ التثاؤب قدرَ استطاعتِك:

ويكون الكَظْم بضم الشَّفَتين، وإلا فباليد كما بينت آنفًا؛ عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدُكم فليكظِمْ ما استطاع))[10].



وفيه إشارات:

أولها: جمالُ المظهَر، إذ لو تخيلت المتثائب وهو يفتح فاه، مظهر فيه ما فيه.

ثانيها: إذا فتح فاه قد تخرج رائحةُ الفم، فيتأذى منها مَن يشَمُّها.

ثالثها: منع دخول الحشرات إلى الفم.

رابعها: قال بعض العلماء: وفيه وقاية من حدوث خلع في المفصل الفكي الصدغي، الذي قد ينتج بسبب الحركة المفاجئة للفك السفلي.



5- أن تستعيذ بالله من الشيطان:

لم يرِدْ نصٌّ صريح في السنَّة النبوية يقول بالاستعاذة عند التثاؤب، ولكن لما كان التثاؤب من الشيطان، استحبَّ العلماء أن نستعيذ بالله من الشيطان؛ لقول الله تعالى: ï´؟ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ï´¾ [الأعراف: 200].



وحاصله: إذا قال المتثائب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلا حرج في ذلك، إن شاء الله.



لطيفة:

ذكر ابن حجر عن بعض العلماء: مِن الخصائص النبوية: أنه ما تثاءب نبيٌّ قط.

♦♦♦




درس الفقه: مكروهات الصيام:

ذكرنا آنفًا ما يباح للصائم فعله، وهنا نذكر ما يكره فعله، وذلك كالتالي:

1- المبالغة في المضمضة والاستنشاق.

2- القُبْلة التي تحرك الشهوة، وكذا المباشرة والمعانقة، ومقدِّمات الجِماع، وما يخشى منه تحريك الساكن.

3- الوِصال في الصوم؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الوِصال رحمةً لهم، فقالوا: إنك تواصل؟! قال: ((إني لستُ كهيئتكم؛ إني يُطعِمُني ربي ويَسقين))[11].

4- الإكثار من النوم بالنهار، والانشغال باللهو واللعب، والترفُّه بالمباحات.

5- استعمال السواك بعد الزوال - أي بعد الظهر - وذلك عند الشافعية، خلافًا للجمهور، فليس بمكروه.

6- ذوق الطعام لغير حاجة، خوفًا من أن يصل منه شيء إلى الجوف، وشم ما لا حاجة به، فيصل شيءٌ منه إلى الحلق؛ كالبخور وغيره.

7- مضغ العِلْك - اللبان.

8- ترك الصائم بقية طعام بين أسنانه، خشية أن يجري ريقه بشيء منه إلى جوفه.

9- الحجامة؛ لأنها قد تُضعِف الصائم، وإليك أقوال الأئمة في الحجامة للصائم:

قال ابن قدامة: "يرى الحنابلة أن الحجامة يُفطِر بها الحاجم والمحجوم، وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: يجوز للصائم أن يحتجم، ولا يفطر"[12].

والله أعلم.



نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة





[1] البخاري (4569)، مسلم (763).




[2] الترمذي (2612)، ومسند أحمد (24204)، وقال الترمذي: حديث حسن.




[3] البخاري (5189)، ومسلم (2448)، والنسائي (9093).




[4] الترمذي (2413)، وقال: حسن صحيح.




[5] مسلم (2995).




[6] فتح الباري، لابن حجر، (ج10، ص612).




[7] غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، للعلامة السفاريني الحنبلي، (ج1، ص452)، مؤسسة قرطبة - مصر، ط2/ 1414 هـ= 1993م.





[8] الترمذي (2746)، وقال: (هذا حديثٌ حسنٌ).




[9] البخاري (6223).




[10] مسلم (2994).




[11] البخاري (1964)، مسلم (1105).




[12] المغني، لابن قدامة، (ج3، ص120) بتصرف.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12-02-2020, 02:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (من دروس رمضان وأحكام الصيام)
الشيخ أحمد علوان




(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله الذي خلق الخَلْق بقدرته، وأعزهم بدينه، وميزهم بأحكامه، وأكرمهم بنبيه محمد، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، خير الأنام، مسك الختام، وشفيع الخلائق يوم الزحام، وبعد:
فإننا الليلة على موعد مع خير الخَلْق، وحبيب الحق، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولنأخذ صفة من صفاته؛ فقد كان علي رضي الله عنه إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن رآه بديهةً هابه، ومَن خالطه معرفةً أحَبَّه"[1].


وهذه الصفةُ من أجلِّ الصفات التي اتصف بها نبينا صلى الله عليه وسلم؛ أن الذي يراه لأول وهلة يرى المهابة والوقار، والذي يخالطه يحبه ويعرف كرم أخلاقه وجمال سلوكه.


والمؤمن مطالَب بأن يقتبس من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو القدوة والأسوة، وليكن المؤمن حريصًا على أن تعلو المهابةُ وجهَه، ويظهَر الوقار على ملامحه، ثم إذا خالطه أحد أحبه، ولا يظهر منه ما يخالف وقاره، مع التفرقة بين المهابة والكِبْر؛ فقد قال ابن القيم: "والفرق بين المهابة والكِبْر: أن المهابة أثرٌ من آثار امتلاء القلب بعظمة الله ومحبته وإجلاله، فإذا امتلأ القلب بذلك حل فيه النور، ونزلت عليه السكينة، وألبس رداء الهيبة، فاكتسى وجهه الحلاوة والمهابة ... وأما الكِبْر فأثر مِن آثار العُجب والبَغي من قلب قد امتلأ بالجهل والظلم، ترحلت منه العبودية، ونزل عليه المقت، فنظرُه إلى الناس شزر، ومشيُه بينهم تبختر، ومعاملته لهم معاملة الاستئثار لا الإيثار ولا الإنصاف، ذاهب بنفسه تيهًا، لا يبدأ مَن لقيه بالسلام، وإن ردَّ عليه رأى أنه قد بالغ في الإنعام عليه..."[2].


والمهابة تكون بتعظيم الله، وإجلاله، وإقامة حدوده، واتِّباع نبيه صلى الله عليه وسلم، والسير على طريقته، والكِبْرُ مناقض له، فيكون بالجهل والعُجب بالنفس، وعدم الخوف من الله، والبُعد عن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وإذا طالَعْنا حياةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذنا بعض المواقف التي تثبت مَهابته وتبيِّن وقاره، وهي كثيرة، ومنها:
الحديث الأول: عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: "وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد أُلقيَتْ عليه المهابةُ"[3].


الحديث الثاني: عن أبي مسعودٍ، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فكلمه، فجعل ترعد فرائصه، فقال له: ((هوِّنْ عليك؛ فإني لست بملِكٍ، إنما أنا ابن امرأةٍ تأكل القديد))[4].


الحديث الثالث: عن عمرو بن العاص، قال: "وما كان أحدٌ أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلَّ في عينيَّ منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوتُ أن أكون من أهل الجنة ..."[5].


الحديث الرابع: في وصف هند بن أبي هالة للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخمًا مفخمًا، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ..."[6].


وهذه الأحاديث دليل على المهابة والوقار، وأما ما جاء في المخالطة والحب له صلى الله عليه وسلم، فمنها: حب زيد بن حارثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان أبو زيد لما فقده - أي فقد ابنه زيدًا - قال شعرًا يبكيه به:
بكيت على زيدٍ ولم أدرِ ما فعَلْ ♦♦♦ أحيٌّ فيرجى أم أتى دونَه الأَجَلْ؟


فخرج حارثةُ وكعب ابنا شراحيل لفدائه، وقدما مكة، فسألا عن النبي، فقيل: في المسجد، فدخلا عليه فقالا: يا بن عبدالله، يا بن عبدالمطلب، يا بن هاشم، يا بن سيدِ قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه؛ تفكُّون العاني، وتُطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنُنْ علينا، وأحسن إلينا في فدائه، "فإنا سنرفع لك في الفداء"، قال: من هو؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا غير ذلك؟ قالوا: وما هو؟ قال: أدعُوه فأُخيِّره، فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على مَن اختارني، قالا: قد زِدْتنا على النصف، وأحسنت، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، قال: من هذا؟ قال: هذا أبي، وهذا عمي، قال: فأنا مَن قد علمتَ ورأيت صحبتي لك، فاخترني أو اخترهما، فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا؛ أنت مني مكان الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد! تختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك؟! قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا"[7].


إن موقف زيد بن حارثة مع أبيه وعمه لهو أكبرُ دليلٍ على عُمق محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن خالَطه وعاشَره فرأى أن هذه المخالطة ليس من السهل تركها، ولا تقديم شيء عليها، وهذه هي الأخلاق النبوية صلى الله على النبي وسلم؛ أن يهابَه الناس ثم يحبوه.


إن أتباعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أن يعملوا بمقتضى تحقيق الوقار؛ بتحقيق خوفهم من الله؛ فقد قيل: (مَن خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخَفْ من الله أخافه الله من كل شيء).


فالله عز وجل قد يمنحك الهيبة بقدر إخلاصك له، وتواضعك لله، فمن تواضع لله رفعه، ومن تكبَّر وضَعه.


موقف الحسَن البَصري مع الحَجَّاج:
"بنى الحجاج بناءً في واسط - مدينة بين البصرة والكوفة - ونادى الحَجَّاجُ الناسَ أن يخرجوا لينظروا إليها، فسارع الحسن البصري وخرج في وسط الجموع الغفيرة، فوقف فيهم خطيبًا، فقال: لقد نظرنا فيما ابتنى أخبث الأخبثين، فوجدنا أن فرعون شيد أعظم مما شيد، وبنى أعلى مما بنى، ثم أهلك الله فرعون، ليت الحَجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه، وأن أهل الأرض قد غروه، فلما سمع الحجاج مقالة الحسن البصري، اقتصر على قوله: حسبك يا أبا سعيد، حسبك، فرد عليه الحسن البصري: لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيننه للناس، ولا يكتمونه، ولم يملِكِ الحجاج أن يفعل للحسن شيئًا وانصرف، وفي اليوم التالي عاتب جنده وحراسه ووبخهم وعنَّفهم قائلًا لهم: تبًّا لكم وسحقًا! يقوم عبد من عبيد أهل البصرة، ويقول فينا ما شاء أن يقول، ثم لا يجد فيكم من يرده أو ينكر عليه، والله لأسقينكم من دمه يا معشر الجبناء.


واستدعى الحسنَ لينكِّل به وسط حرسه وجنوده، وجاء الحسن وهو يدعو ربه أن يكفيه شر الحجاج، وأن يجعل نقمته بردًا وسلامًا، كما جعل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم الخليل - عليه السلام، فدخل الحسن على الحجاج، ولم يعبأ بما رأى، ولم يهزه منظر السيف والنطع والسياف، بل كان في عزة المؤمن، ووقار الداعي إلى الله، فهابه الحجاج، وأقبل عليه يرحب به، ويدنيه من مجلسه، ويوسع له، هذا ما حدث في وسط دهشة واستغراب الحرس والجنود... وطفق الحجاج يسأل الحسن عن بعض أمور الدين، والحسن يجيبه عن كل مسألة بثقة العالم الرباني، لا يتتعتع، ولا يهتز، حتى انفض المجلس، وأحسن الحجاج للحسن، وطيَّبه"[8].


موقف الشيخ سعيد الحلبي مع إبراهيم باشا:
"كان الشيخ سعيد الحلبي - عالم الشام في عصره - في درسه مادًّا رِجْليه، فدخل عليه جبار الشام، إبراهيم باشا ابن "محمد علي" صاحب مصر، فلم يتحرك له، ولم يقبض رجليه، ولم يبدل قعدته، فتألم الباشا، ولكنه كتم ألمه، ولما خرج، بعث إليه بصرة فيها ألف ليرة ذهبية، فردها الشيخ، وقال للرسول الذي جاءه بها: قل للباشا: إن الذي يمد رِجليه لا يمد يده"[9].


وتلك مهابة العلماء العاملين، ووقار المخلِصين المخلَصين، وهيبة الأولياء الصالحين، بأن يلقي الخالق إجلال الخَلْق لهم.


وبالنظر إلى الحياة العملية، ومخالطة الناس، فعلى الإنسان المسلم أن يهتم بالجوهر كما يهتم بالمظهر؛ فقد ترى بعضهم منتفخًا معجبًا بنفسه، فإذا خالطته ندمت على قربك منه، وفي ذلك قيل:
لا يغرنك مِن المرء قميصٌ رقعه
أو إزارٌ فوق كعب الساق منه رفعه

أو جبينٌ لاح فيه أثرٌ قد قلعه
ولدى الدرهم فانظر غيَّه أو ورَعَه



وشهِد عند عمر رضي الله عنه شاهدٌ، فقال: ائتني بمن يعرفك، فأتاه برجل فأثنى عليه خيرًا، فقال عمر: أنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه؟ قال: لا، فقال: كنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ فقال: لا، قال: فعاملتَه بالدينار والدرهم الذي يستبين به ورع الرجل؟ قال: لا، قال: أظنك رأيته قائمًا في المسجد يهمهم بالقرآن يخفض رأسه طورًا ويرفعه أخرى! قال: نعم، فقال: اذهب فلست تعرفه، وقال للرجل: اذهب فأتِني بمن يعرفك[10].


وصية عملية:
كن وَقورًا ودودًا مألوفًا؛ فتلك شيمة المؤمن؛ أن يألَفَ ويؤلف، فلا خير فيمَن لا يألَفُ ولا يؤلَفُ.
♦♦♦


السؤال العاشر: مَن هو الصحابي الذي قال: دُلَّني على السوق؟
الجواب:
هو: عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه.
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب العُطاس:
إذا كان التثاؤب مِن الشيطان، فإن العُطاس من الله؛ فالتثاؤب مذموم، والعطاس محبوب، وكما سبق الحديث عن آداب التثاؤب، فنتحدث هنا عن آداب العطاس، وهي:
1- ألا يرفع الصوت بالعطاس:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا عطس أحدكم فليضَعْ كفيه على وجهه، وليخفِضْ صوته))[11].


2- أن يضع يده أو كمه على فمه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطَس وضَع يده أو ثوبه على فيه، وخفَض أو غضَّ بها صوته[12].


3- أن يحمَدَ الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا عطَس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويُصلِح بالكم))[13].


4- أن يشمَّت العاطس بعد الحمد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يحب العطاس، ويكرَه التثاؤب، فإذا عطس فحمِد الله، فحقٌّ على كل مسلمٍ سمِعه أن يشمِّتَه ...))[14].


وصيغة التشميت - كما جاءت في حديث الأدب السابق - أن يقول للعاطس: يرحمك الله.


5- لا يشمَّت مَن لم يحمد الله:
عن أبي بردة، قال: دخلت على أبي موسى وهو في بيت بنت الفضل بن عباسٍ، فعطستُ فلم يشمِّتني، وعطسَتْ فشمَّتها، فرجعتُ إلى أمي فأخبرتها، فلما جاءها قالت: عطس عندك ابني فلم تشمِّتْه، وعطست فشمَّتَّها، فقال: إن ابنك عطس فلم يحمد الله، فلم أشمِّتْه، وعطَست فحمِدت الله، فشمَّتُّها؛ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا عطس أحدكم فحمد الله، فشمِّتُوه، فإن لم يحمد الله، فلا تشمِّتوه))[15].


لكن يجوز أن تذكِّرَه بالحمد بعد العطاس إذا هو نسي ولم يقل.


6- لا يشمَّت العاطس أثناء الصلاة:
إذا عطس المصلي في صلاته، فله أن يحمَد الله سرًّا، ولا يرد عليه أحد، وإليك حالة واقعية بين الصحابة في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: بَيْنا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجلٌ من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكْلَ أُمِّياه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعَلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمِّتونني لكني سكتُّ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه؛ فوالله، ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن))[16].


وقال الإمام النووي - رحمه الله -: "وأما العاطس في الصلاة، فيستحب له أن يحمد الله تعالى سرًّا، هذا مذهبنا، وبه قال مالك وغيره، وعن ابن عمر والنخعي وأحمد أنه يجهر به، والأول أظهر؛ لأنه ذِكرٌ، والسنَّة في الأذكار في الصلاة الإسرار"[17].


7- لا تشميت بعد ثلاث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا عطس أحدكم فليشمِّتْه جليسُه، وإن زاد على ثلاثٍ فهو مزكومٌ، ولا تشميت بعد ثلاث مراتٍ))[18].


8- هل يشمَّت غيرُ المسلم؟
عن أبي بردة، عن أبيه، قال: كانت اليهود تَعاطَسُ عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاءَ أن يقول لها: يرحمكم الله، فكان يقول: ((يهديكم الله، ويصلح بالكم))[19].
♦♦♦


درس الفقه: (الأعذار المبيحة للفطر):
يُباح للصائم أن يُفطِر لهذه الأعذار، وأهمها ما يلي، وقد نظمها بعضهم بقوله:
وعوارضُ الصوم التي قد يغتَفَرْ
للمرءِ فيها الفِطْر تِسْعٌ تُسْتَطَرْ

حَبَلٌ وإرْضاع وإكْراهٌ سَفَرْ
مَرَضٌ جِهادٌ جَوعةٌ عَطَشٌ كِبَرْ


أولًا: الحمل والرضاعة:
فالمرأة الحامل أو المرضعة إن خافَتْ على نفسها يباح لها الفطر، وفيه تفصيل:
إن خافَتْ على نفسها، فإنه يجوز لها أن تفطر، ويجب عليها القضاء، والعلة: أنها تدخُلُ في حُكم المريض.
أما لو خافت على جنينها دون نفسها، فلها الفطر، وعليها مع القضاء الفِدية، والحنفية يقولون بالقضاء فقط، ولا فِدية.


ثانيًا: السفر:
بشرط أن يكون مباحًا، مع العلم بأن المسافة التي يجوز له أن يفطر فيها، أن تكون: أربعة بُرُد، وقدرها العلماء بنحو: 48 ميلًا تقريبًا، وهي تعدل: 83.5 كم فأكثر، سواء تحققت المشقة أم لا؛ لعموم قوله تعالى: ï´؟ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ï´¾ [البقرة: 184].


ولِما جاء عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكةَ في رمضان، فصام حتى بلغ كُرَاع الغَميم، فصام الناس، ثم دعا بقدحٍ من ماءٍ فرفعه، حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاةُ، أولئك العصاة))[20].


(كُرَاع الغَميم): بضم الكاف، والغميم: بفتح الغين المعجمة: اسم وادٍ أمام عسفان، وهو مِن أموال أعالي المدينة.


ويعلِّق الإمام الشوكاني بقوله: "وفيه دليل على أنه يجوز للمسافر أن يُفطِرَ بعد أن نوى الصيام من الليل، وهو قولُ الجمهور"[21].


"والصوم عند الحنفية والشافعية أفضلُ للمسافر إن لم يتضرر، وقال الحنابلة: يُسَنُّ الفِطر، ويُكرَه الصوم في حالة سفر القصر، ولو بلا مشقة، ورأي الحنفية والشافعية أَوْلى؛ عملًا بقول الله تعالى: ï´؟ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ï´¾ [البقرة: 184][22].


ثالثًا: العجز عن الصيام:
وله أسباب، منها: كِبَر السن، أو المشقة الشديدة؛ كالجوع والعطش، أو المرض، الذي يحصل بسببه مشقة أو هلاك؛ لقوله تعالى: ï´؟ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ï´¾ [البقرة: 184].


فأما كبير السن والمريض مرضًا مزمنًا، فإنهما يفطران وعليهما الفدية؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ï´¾ [البقرة: 184].


ومقدار الفدية: المُدُّ عن كل يوم، وهو: مقدار ملء اليدين المتوسطتين، من غير قبضهما، ويساوي عند الجمهور: (510) جرام من القمح[23].


أما المريض الذي يرجى شفاؤه، أو الجائع الذي زالت عنه المشقة، فوجب عليهما القضاء، ولا فِدية.
والله أعلم.


نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة


[1] الترمذي (3638)، ومصنف ابن أبي شيبة (3180)، وشعب الإيمان للبيهقي (1350).

[2] انظر: الروح، لابن القيم، ص264، مكتبة الصفا، ط1/ 1422 = 2002م.

[3] مسلم (1000).

[4] سنن ابن ماجه (3312)، وصححه الأرناؤوط.

[5] مسلم (121).

[6] المعجم الكبير للطبراني (414)، وشعب الإيمان للبيهقي (1362).

[7] انظر: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، تأليف: تقي الدين المقريزي، (ج6، ص304، 305) باختصار، تحقيق: محمد عبدالحميد النميسي، دار الكتب العلمية - بيروت، ط1/ 1420 هـ = 1999م.

[8] أبراج الزجاج في سيرة الحجاج، لعبدالرحمن بن سعيد القحطاني، ص117، 118 باختصار، مطبعة سفير، الرياض.

[9] علو الهمة، للدكتور/ محمد إسماعيل المقدم، ص113، دار القمة - دار الإيمان، مصر، 2004 م.

[10] إحياء علوم الدين، للإمام أبي حامد الغزالي، (ج2، ص82)، ربع العبادات، كتاب آداب الكسب والمعاش.

[11] مستدرك الحاكم (7684)، وقال: صحيح الإسناد.

[12] أبو داود (5029)، ومسند أحمد (9662)، وقال الأرناؤوط: صحيح.

[13] البخاري (6224).

[14] البخاري (6223).

[15] مسلم (2992).

[16] مسلم (537).

[17] شرح النووي على مسلم (ج5، ص21).


[18] صحيح الجامع (684).

[19] أبو داود (5038)، الترمذي (2739)، وقال: حسن صحيح.

[20] مسلم (1114).

[21] نيل الأوطار، للشوكاني، (ج4، ص269)، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، مصر، ط1/ 1413هـ = 1993م.

[22] انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، (ج3، ص1696) بتصرف.

[23] انظر: المكاييل والموازين الشرعية، للدكتور: علي جمعة، ص36 بتصرف، القدس للإعلان والنشر، القاهرة، ط2/ 1421هـ = 2001م.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 341.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 335.67 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]