دروس رمضانية - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4416 - عددالزوار : 852404 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3947 - عددالزوار : 387709 )           »          هل لليهود تراث عريق في القدس وفلسطين؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 1051 )           »          أوليــاء اللــه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          المشكلات النفسية عند الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          هل المديرون بحاجة للحب؟هل تحب وظيفتك ومكان عملك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          وأنت راكع وساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          لماذا تصاب المرأة بالقولون العصبي بــعد الــزواج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          لطائف تأخير إجابة الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 12-02-2020, 02:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

ليلة القدر فرصة العمر (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)


للأئمة والدعاة




الحمد لله عالم السر والجهر، وقاصم الجبابرة بالعز والقهر، محصي قطرات الماء وهو يجري في النهر، فضَّل بعض المخلوقات على بعضٍ حتى أوقات الدهر ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3][1]، وبعد:

فإن مِن فضلِ الله على الصائمين القائمين: أن رزقهم ليلة القدر، فمَن فاته الخير في العشرين الأوائل، فليجدد العزم في العشر الأواخر؛ فإن فيها ليلة هي خير مِن ألف شهر، ولعظم وقدر ليلة القدر، أنزل الله سورة في القرآن، وسماها سورة القدر، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾[القدر: 1 - 5].

قال أبو بكر الوراق: سميت ليلة القدر؛ لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، على رسولٍ ذي قدر، لأمة لها قدر.



والمتأمل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن قيام رمضان، يرى أنه أفرده بحديث، فقال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))[2]، ثم أفرد قيام ليلة القدر بحديث، فقال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))[3].



فضائل ليلة القدر:

الفضيلة الأولى: أن الله أنزل فيها القرآن مِن اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، وجعله هدى للناس ومنهج حياة، كما أنه أنزل في الليل؛ لأنه زمان المناجاة، ومهبط النفحات، وفيه فراغ القلوب، وأفضل من النهار.



الفضيلة الثانية: الاستفهام عن الشيء يدل على التفخيم والتعظيم، فاستفهم بقوله: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 2].



الفضيلة الثالثة: هي خيرٌ من ألف شهر، وألف شهر يعدل: 83 سنة وأربعة أشهر، بل هي خير منها، وإذا قدرنا ساعات ليلةٍ بـ: 8 ساعات، فتكون الـ: 8 ساعات خيرًا مِن ألف شهر؛ أي: 8 ساعات خير من 83 سنة وأربعة أشهر، مع العلم أن مجموع 83 سنة وأربعة أشهر = 1000 شهر، و8 ساعات خير من 1000 شهر.

1000 شهر X 30 يوم= 30.000 يوم X 24 ساعة=720.000 ساعة.

أي: إن ليلة القدر - 8 ساعات - خيرٌ من 720.000 ساعة...تخيل هذا الثواب العظيم من الرب الكريم.



الفضيلة الرابعة: أخبرنا ربنا أن الملائكة تتنزل فيها، وعبر بقوله: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ [القدر: 4]، فتمتلئ الأرضُ بهم حتى تضيق بهم، ثم قال: ﴿ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾ [القدر: 4]، وفيه تخصيص لجبريل؛ لشرفِه ومكانته.



الفضيلة الخامسة: وصفها بأنها سلام؛ لكثرة مَن يسلم فيها من الشرور والآثام.

قال أبو عثمان النهدي: كانوا يعظمون ثلاث عشراتٍ: العشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من المحرم[4].

لذا؛ كان قتادة - رحمه الله - يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا دخل رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا دخل العشر ختم في كل ليلة مرة.



اقتدِ بحبيبك صلى الله عليه وسلم:

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشرُ شدَّ مِئزره، وأحيا ليله، وأيقَظ أهله)[5].

وعن عطاءٍ، قال: دخلتُ أنا وعبيد بن عميرٍ على عائشة فقالت لعبيد بن عميرٍ: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمَّه كما قال الأول: زُرْ غِبًّا، تَزْدَدْ حُبًّا، قال: فقالت: دعونا من رطانتكم هذه، قال ابن عميرٍ: أخبرينا بأعجب شيءٍ رأيتِه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسكتت، ثم قالت: لما كان ليلةٌ من الليالي، قال: ((يا عائشة، ذَرِيني أتعبَّد الليلة لربي))، قلت: والله إني لأحب قُربَك، وأحب ما سرك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، فجاء بلالٌ يؤذِنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، لمَ تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟! قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا، لقد نزلت عليَّ الليلة آيةٌ ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 190]"[6].



فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يترك الفراش ليقيم الليل، ويصف قدميه بين يدي ربه؛ حتى يحقق منزلة الشكر، فهل أنت مستعد لتشد مئزرك، ولتحيي ليلك، ولتوقظ أهلك؟!



كان أبو مسلم الخولاني قد علق سوطًا في مسجد بيته يخوف به نفسه، وكان يقول لنفسه: قومي؛ فوالله لأزحفن بك زحفًا حتى يكون الكلل منك لا مني، فإذا دخلت الفترة تناول سوطه وضرب به ساقه، ويقول: أنت أولى بالضرب من دابتي، وكان يقول: أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا، كلا، والله لنزاحمنَّهم عليه زحامًا؛ حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالًا[7].



يارجالَ الليلِ، جدوا

رُبَّ صوتٍ لا يُرَدُّ



لا يقوم الليلَ إلا

مَن له عزمٌ وجِدُّ






ولحبِّ ثابتٍ البناني للصلاة وقيام الليل، كان يقول: "اللهم إن كنت أذنت لأحدٍ أن يصلي لك في قبره، فأْذِنْ لي أن أصلي في قبري"[8].



عن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عجِب ربنا تبارك وتعالى من رجلين: من رجلٍ ثار من لحافه وفراشه من بين حيه وأهله إلى صلاته، فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى عبدي هذا، قام من بين فراشه ولحافه من بين حيه وأهله إلى صلاته، رغبةً فيما عندي، وشفقةً مما عندي، ورجلٍ غزا في سبيل الله ففر أصحابه، وعلم ما عليه في الفرار، وما له في الرجوع، فرجع حتى أهريق دمه، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي هذا، رجع رغبةً فيما عندي، وشفقةً مما عندي))[9].



وصية عملية:

إذا مضت عشرون من رمضان، فقد مضى الثلثان، وبقي الثلث، والثلث كبير وكثير؛ فاغتنِمِ الفرصةَ!

♦♦♦♦♦




السؤال الحادي والعشرون: زَيْدان، أحدهما: ذكر اسمه في القرآن، والآخر: جمَع القرآن، فمن هما؟

الجواب:

أما الأول الذي ذكر اسمه في القرآن، فهو: زيد بن حارثة رضي الله عنه.

والآخر الذي جمع القرآن، هو: زيد بن ثابت رضي الله عنه.

♦♦♦♦♦




خاطرة (بعد الفجر): آداب الجوار:

إن الجارَ له حق على جاره، ومن حقوقه أن يحسن إليه، ويشاركه أفراحه وأحزانه، ويفتقده إذا غاب، ويجيبه إذا دعاه، والإحسان إلى الجار وصية من الله؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ [النساء: 36]، ومِن السعادة أن يكون الجار صالحًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربعٌ من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء))[10].



وللجوار آداب وأحكام، وهي:

1- أَحِبَّ لجارك ما تحب لنفسك:

عن أنسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لجاره - أو قال: لأخيه - ما يحب لنفسه))[11].

عن عبدالله بن عمرٍو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الأصحاب عند الله خيرُهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره))[12].

وأراد جارٌ لأبي حمزة السكري أن يبيع داره، فقيل له: بكم؟ فقال: ألفين ثمن الدار، وألفين جوار أبي حمزة، قال: فبلغ ذلك أبا حمزة، فوجَّه إلى جاره بأربعة آلاف، فقال: لا تَبِعْ دارَك[13].



2- أحسِنْ إلى جارك:

عن أبي شريحٍ الخزاعي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِرِ، فليُحسِنْ إلى جاره..))[14].



ومِن الإحسان: أن تسأَلَ عنه إذا غاب، وإذا مرِض فعُدْه، وإذا مات فاتبَعْه، وأن تتعهده بالطعام والشراب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا طبخ أحدكم قِدرًا، فليُكثِرْ مرَقَها، ثم ليناول جاره منها))[15].



ومِن الإحسان: أن تعود عليه إن كان فقيرًا بالطعام والغذاء؛ عن ابن عباسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن الذي يشبَعُ وجاره جائعٌ إلى جنبِه))[16].



ومن الإحسان: أن تعرض عليه المال إن كان في ضائقة مالية، أو يجهز ابنته، وشعرت بأنه في حاجة لمساعدة، فإن كان في استطاعتك فبادر بالخير، فإن كان من أهل الصدقة، فهو مِن أَوْلى الناس بها.

وأن تشاركه آلامه وآماله؛ ففي حُزنه واسِه، وشد مِن أَزْره، وفي فرحه هنِّئْه، وساعده على إتمام فرحته.



والإحسان إلى جيراننا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكما جاء عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلِّم مَن يعمل بهن؟!))، فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعد خمسًا، وقال: ((اتق المحارم تكن أعبدَ الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسِنْ إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تُكثِر الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب))[17].



3- لا تؤذِ جارَك:

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فلا يؤذِ جاره...))[18].

إن إيذاء الجار قد يكون سببًا في دخول النار، أو سببًا في دخول الجنة، فأيها الجار،أيَّهما تختار؟! عن أبي هريرة، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، إن فلانةَ يذكر من كثرة صلاتها، وصيامها، وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار))، قال: يا رسول الله، فإن فلانةَ يذكر من قلة صيامها، وصدقتها، وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في الجنة))[19].



ومِن الأذى: إزعاجه بالأصوات العالية الصاخبة، وإلقاء القمامة أمام بيته، ومن الأدب الجميل: أن يكف الجار أذاه عن جاره، وأن يحتمل أذى جاره؛ فقد يبيع الجار داره لِما يتعرض له:



يلومونني أن بِعْت بالرُّخْص منزلي

ولم يعلَموا جارًا هناك يُنغِّصُ



فقلتُ لهم: كفُّوا الملامَ فإنما

بجيرانها تَغْلو الديارُ وترخُصُ






أرشد النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه إلى سلوك يفعله إذا آذاه جارُه، حين جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه جارًا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مراتٍ: ((اصبِرْ))، ثم قال له في الرابعة - أو الثالثة -: ((اطرح متاعك في الطريق))، قال: فجعل الناس يمرون عليه فيقولون: ما لك؟ قال: آذاه جاره، فجعلوا يقولون: لعنه الله، فجاء جاره، فقال: ترُدُّ متاعك ولا أوذيك أبدًا"[20].



4- اعرِضْ عليه بيتَك إذا أردتَ بيعه:

عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن كانت له أرضٌ فأراد بيعها، فليعرضها على جاره))[21].

فإذا أراد الجار أن يغير بيته، وينتقل إلى بيت آخر، فليعرضه على جاره قبل أن يعرضه على غيره؛ فقد تكون لديه استطاعة للشراء، أو يأتي بأحدٍ يعرفه ليشتريه؛ حرصًا منه ألا يشتري أحدٌ لا يعرفه، فتكون العداوات والخصومات.



جاء في الإحياء: أن ابن المقفع بلغه أن جارًا له يبيع داره في دَيْنٍ ركبه، وكان يجلس في ظل داره، فقال: ما قمتُ إذًا بحرمة ظل داره إن باعها معدمًا، فدفع إليه ثمن الدار وقال: لا تَبِعْها.



وقديمًا قالوا: (الجار قبل الدار)، وآسية امرأة فرعون، عندما سألت ربها، سألته الجار قبل الدار، فقالت: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ﴾ [التحريم: 11].



5- انصَحْ جارك:

النصيحة من حقوق المسلمين، وهي في حق الجيران أكيدة وعظيمة، فمِن حق جارك عليك أن تقدم له النصيحة، ولا تبخل بها عليه، وأن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وأن تأخذ بيده إلى الخير.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: مِن حق الجار أن تبسط إليه معروفك، وتكف عنه آذاك.

يقال: إن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيامة، فيقول: يا رب، سَلْ هذا: لِمَ منَعني معروفه، وسَدَّ بابه دوني؟!



6- راعِ حرمة الجوار:

فلا يطلق الجار عينه على نساء جيرانه، فليس من المروءة أن تنظر إلى نساء جيرانك، لكن غُضَّ بصرك عنهن؛ فمن أخلاق الجاهلية أنهم كانوا يحافظون على أعراض الجيران؛ يقول عنترة:

وأغُضُّ طَرْفي إن بَدَتْ لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها



عن عبدالله، قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: ((أن تجعل لله ندًّا وهو خلَقك))،قلت: إن ذلك لعظيمٌ، قلت: ثم أي؟ قال: ((وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعَمَ معك))،قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تزانيَ حليلةَ جارك))[22]..فوجب على الجار أن يحفظ جاره؛ في عِرضه، ونَفْسه، وأهله، وأولاده، وماله.



تمت آداب الجوار، بحمد الله وتوفيقه وعونه

♦♦♦♦♦

درس الفقه:

1- حُكم التهنئة بدخول رمضان:

لا حرجَ بالتهنئة بدخول رمضان، بل هي مشروعة ومستحبة؛ قال ربنا: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، وفيها تعبير عن مظهر من مظاهر فرحة المسلمين بقدوم مناسبة جديدة، وشهر فضيل، قال ابن حجر: "ويحتج لعموم التهنئة لِما يحدُثُ من نعمةٍ أو يندفع من نقمةٍ بمشروعية سجود الشكر والتعزية، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالكٍ في قصة توبته لما تخلَّف عن غزوة تبوك: أنه لما بُشِّر بقَبول توبته ومضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه طلحة بن عبيدالله فهنأه"[23]... فلا مانع شرعًا من التهنئة بقدوم رمضان أو دخول العيد، وكل مناسبة دينية، ثم يجاب المهنئ بأحسنَ منها، أو يُرَدُّ عليه بمثلها.



2- هل يجوز إفطار صائم من كفارة اليمين؟

إذا لزم المسلمَ كفارةُ يمين، فلا بأس أن يخرجها إطعامًا للصائمين، بشرط أن يراعى فيه الفقير والمسكين؛ كما نصت الآية: ﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾ [المائدة: 89].



3- إذا كانت الشياطين مسلسلةً ومقيدةً في رمضان، فكيف تكون المعاصي؟

جاء في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب جهنم، وسُلْسِلت الشياطين))، فكيف نجمع بين تسلسل الشياطين وبين ما يصدر من بعض المذنبين؟! يوضح الإمام القرطبي، فيقول: "فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرًا؟! فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك، فالجواب: أنها إنما تقل عن الصائمين الصومَ الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين، وهم المردة، لا كلهم، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس؛ فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره؛ إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم ألا يقَعَ شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين؛ كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية"[24].

إذًا.. فلا تعارض بين تصفيد الشياطين ووقوع المعاصي، لكن عملها في رمضان يكون أقل من غيره.

والله أعلم.

♦♦♦♦♦




نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان

دار الصفوة بالقاهرة





[1] من كتاب التبصرة، لابن الجوزي، ج2/ ص91، المجلس الثامن، في ذكر العشر وليلة القدر، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط1/ 1406 هـ = 1986 م.




[2] البخاري (37)، مسلم (759).




[3] البخاري (1901).




[4] التبصرة، لابن الجوزي، (ج2، ص124).




[5] البخاري (2024).




[6] صحيح ابن حبان (620)، وقال الأناؤوط: إسناده صحيح.




[7] الإحياء (ج4، ص411).




[8] الإحياء (ج4، ص409).




[9] مسند أبي يعلى (5361)، وإسناده صحيح.




[10] ابن حبان (4032)، وصححه الأرناؤوط.




[11] مسلم (45).




[12] ابن حبان (518)، وصححه الأرناؤوط.




[13] سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، (ج7، ص69)، دار الحديث - القاهرة، 1427ه = 2006م.




[14] مسلم (48).




[15] المعجم الأوسط للطبراني (3591)، وذكره الألباني في صحيح الجامع (676).




[16] مسند أبي يعلى (2699)، ومستدرك الحاكم (2166) عن عائشة، وإسناده حسن.




[17] مسند أحمد (8095)، الترمذي (2305)، وحسنه الألباني.




[18] البخاري (6018).




[19] مسند أحمد (9675)، وابن حبان (5764)، وإسناده حسن.




[20] مسند أبي يعلى (6630)، وابن حبان (520)، وإسناده حسن.





[21] ابن ماجه (2493)، والمعجم الكبير للطبراني (11780)، وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره.




[22] البخاري (4477)، مسلم (86).




[23] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، (ج1، ص569).




[24] فتح الباري ج4، ص114.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 12-02-2020, 02:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

أنفق ينفق عليك (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان


(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة



الحمد لله مجزل العطايا ومسبل النعم، رافع البلايا ودافع النقم، يعلم الخفايا ويرى ما في الظُّلَم، نحمده تعالى ونشكره خلقنا من العدم، وأمدنا بالنعم، وبعد:
فإن الإنفاق قربةٌ إلى الله، وظلةٌ للعباد يوم العرض على الله؛ فالمؤمن ينفق ويجود، ويعطي فيفوز، وهو الذي يثق فيما عند الكريم؛ فقد قال: ï´؟ مَا عِنْدَكُمْ يَï»؟نْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ï´¾ [النحل: 96].

إن الكريم صفة من صفات رب العالمين سبحانه وتعالى، كما أن الجود والكرم من صفات سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وكان في رمضان أجود من غيره، فكما جاء عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجودُ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلةٍ في رمضان، حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام، كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة)[1].

والمؤمن يتأدب بأدب الله، ويسلك مسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينفق حتى لا يكون ممن يبخل، ويجود فلا ينتظر من يسأل، ويعطي عطاء الواثق الجزل.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس، ما حرَم أحدًا، ولا قال لأحد: لا.
ما قال: "لا" قطُّ إلا في تشهُّده ♦♦♦ لولا التشهُّدُ كانت لاءَه نَعَمُ

فكان صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وهذا وصف المتصدق عليهم، فقالوا: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلِموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة"[2].

وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه، قال: جاءت امرأةٌ ببردةٍ، قال: أتدرون ما البردة؟ فقيل له: نعم، هي الشملة منسوجٌ في حاشيتها، قالت: يا رسول الله، إني نسجتُ هذه بيدي أكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فقال رجلٌ من القوم: يا رسول الله، اكسنيها،فقال: ((نعم))،فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس، ثم رجع، فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إياه، لقد علمت أنه لا يرد سائلًا، فقال الرجل: والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهلٌ: فكانت كفَنَه[3].

إن البخل ليس من صفات المؤمن؛ فهو صفة من صفات المنافقين؛ قال تعالى: ï´؟ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ï´¾ [التوبة: 67].

وقد يكون مِن صفات اليهود؛ قال تعالى: ï´؟ الَّذِينَï»؟ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ï´¾ [النساء: 37].

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السخيُّ قريبٌ من الله، قريبٌ من الجنة، قريبٌ من الناس، بعيدٌ من النار، والبخيل بعيدٌ من الله، بعيدٌ من الجنة، بعيدٌ من الناس، قريبٌ من النار، والجاهل السخي أحب إلى الله عز وجل من عابدٍ بخيلٍ))[4]، فربُّك يحب كل سخيٍ كريم جَوَاد منفق، وهو قريبٌ من الجنة وبعيد من النار، ويكره كل بخيل شحيح ممسك، وهو بعيد عن الجنة وقريب من النار.

ويُظهِر عيبَ المرء في الناس بُخلُه
ويستُرُه عنهم جميعًا سَخاؤُه

تَغَطَّ بأثواب السَّخاء فإنني
أرى كلَّ عيبٍ والسخاء غِطاؤُه


يقول بعض السلف: "الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك".

يقول عبيد بن عمير: "يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، وأعرى ما كانوا قط، فمَن أطعم لله أشبعه الله، ومن سقى لله سقاه الله، ومن كسا لله كساه الله".

يحكى أن بعض الشعراء امتدح ملكًا جَوَادًا فأعطاه جائزة سنية، فخرج بها من عنده ووزعها على الناس، وأنشد يقول:
لَمَسْتُ بكفِّي كفَّه أبتغي الغِنى ♦♦♦ ولم أَدْرِ أن الجودَ مِن كفِّه يُعْدي

فبلغ ذلك الملك فأضعف له الجائزة.

وقال ابن عبدالبر: "كان عبدالله بن جعفر كريمًا، جَوَادًا ظريفًا، خليقًا عفيفًا سخيًّا، يسمى بحر الجود، ويقال: إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه، ولم يكن مسلم يبلغ مبلغه في الجود، وعوتب في ذلك، فقال: إن الله عودني عادة، وعودت الناس عادة، فأخاف إن قطعتها قُطعت عني"[5]، وقال المدائني: "أول مَن سنَّ القِرى إبراهيم الخليل عليه السلام،وأول من هشَم الثريد هاشمٌ،وأول من فطَّر جيرانه على طعامه في الإسلام عبيدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما، وهو أول من وضع موائده على الطريق، وكان إذا خرج من بيته طعامٌ لا يعاود منه شيءٌ، فإن لم يجد من يأكله تركه على الطريق"[6].

أخي الصائم، إذا أردت أن يظلك شيء يوم القيامة، يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق، فعليك بالصدقة؛ فإنها تُظِلُّ صاحبها؛ عن عقبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرجل في ظل صدقته حتى يقضى بين الناسِ))[7].

تذكر إخوانك من الفقراء والمساكين الصائمين؛ فأطعِمِ الجائع، وأسعد البائس، وواسِ اليتيم، وابذل للأرامل والمحتاجين، وكن أبًا لهم، ورحيمًا بهم، وعطوفًا عليهم.

فلا تغرنك الدنيا، ولا تشغلك الأموال، فرعون: الذي تولى أكبر المناصب، كيف كانت نهايته؟! يُعرَض على النار غدوًّا وعشيًّا، وأمية بن خلف: الذي كان يكسر ماله بالفؤوس من الذهب والفضة، أين مصيره؟! فليس لك من مالك إلا ما تصدقتَ به، ونفعت به الناس، وأطعمتَ الجائعين، وأفطرت الصائمين، وواسيتَ المحتاجين؛ فأنفِقْ في رمضانَ لتكون من المحسنين.

وصية عملية:
كُنْ ممن يُنفِق فيُخلَف عليه، ولا تكُنْ ممن يُمسِك فيُتلَف له.
♦♦♦


السؤال العشرون: اذكُرْ أسماءَ الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه عليهم السلام:
الجواب: خمسة كتب، هي:
نزلت الصحف على سيدنا إبراهيم عليه السلام، والزَّبُور على سيدنا داود عليه السلام، والتوراة على سيدنا موسى عليه السلام، والإنجيل على سيدنا عيسى عليه السلام، والقرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب الصدقة:
إن الصدقة من الأعمال التي يحبها الله عز وجل، ويحبها رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لذا فعلى المؤمن أن يفعل ما يحبه الله ورسوله، ممتثلًا في ذلك الآداب والفضائل، ومنها:
1- إخلاص النية:
فهي شرط وأساس لقبول أي عمل، ولا ننسَ أن أول حديث في صحيح البخاري عن النية، وهو حديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات))، وقال عنه الإمام الشافعي: هذا الحديث ثلث العلم، ويدخل في سبعين بابًا من الفقه، ويشير الحديث إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل ومردود على صاحبه.

فالمتصدق وجب عليه أن يستحضر نيته قبل أن يتصدق، فلا يتصدق مباهاة، أو مفاخرة، أو ليقول الناس: إنه كريم وجَوَاد، وإنما يتصدق لله.

2- إخراج الزكاة الواجبة قبل النافلة:
فإن وجبَتِ الزكاة في ماله، وجب عليه أن يخرج الزكاة الواجبة أولًا قبل النافلة - الصدقة - والمسارعة إلى ذلك؛ فالواجبة ركن من أركان الإسلام الخمسة، ولا يصح أن يقدِّم النافلة على الفريضة، وكما جاء في الحديث القدسي: ((وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضتُ عليه...))[8].

ونقل ابن حجر عن ابن بطال قوله: "إن الخير ينبغي أن يبادر به؛ فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود، زاد غيرُه: وهو أخلَص للذِّمة، وأنفى للحاجة، وأبعد من المطل المذموم، وأرضى للربِّ، وأمحى للذَّنْب"[9].

3- أن تكون الصدقة مِن حلال:
فالحلال شرط في قبول الصدقة؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا الطيب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ï´؟ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ï´¾ [المؤمنون: 51]، وقال: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَï»؟ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ï´¾ [البقرة: 172]..."[10].

4- تحري المستحقين للصدقة:
قال حجة الإسلام - الغزالي -: "أن يطلب لصدقته مَن تزكو به الصدقة"، فحريٌّ به أن يتحرى الفقراء، والمساكين، والمرضى، والمحتاجين، والأيتام، والأرامل، والغارمين، وقد ذكر الله المستحقين للزكاة، فقال: ï´؟ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ï´¾ [التوبة: 60].

5- عدم المنِّ على المتصدَّق عليه:
فليس مِن أخلاق المتصدِّق أن يمُنَّ على مَن تصدق عليه، فإن فعل فقد أبطَل صدقته، وأذهب نفقته؛ قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ï´¾ [البقرة: 264]؛ عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنَّان الذي لا يعطي شيئًا إلا مَنَّه، والمُنفِّق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبِل إزاره))[11].

وليحذَرِ الرجوع في صدقته؛ فإن هذا ليس من فعل الكرام؛ عن ابن عباسٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يعود في قيئه فيأكله))[12].

6- إخفاء الصدقة:
كلما كانت الصدقة سرًّا، كان ثوابها أعظمَ أجرًا؛ قال تعالى: ï´؟ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ï´¾ [البقرة: 271].

ومِن السبعة الذين يظلهم الله في ظله: ((... ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شِمالُه ما تنفق يمينه...))[13].

وعلة الإخفاء: التخلص من الرياء والسمعة؛ يقول الغزالي: "بالَغَ في فضل الإخفاء جماعةٌ، حتى اجتهدوا ألا يعرف القابض المعطي، فكان بعضهم يلقيه في يد أعمى، وبعضهم يلقيه في طريق الفقير وفي موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطي، وبعضهم كان يصره في ثوب الفقير وهو نائم، وبعضهم كان يوصل إلى يد الفقير على يد غيره، بحيث لا يعرف المعطي، وكان يستكتم المتوسط شأنه، ويوصيه بألا يفشيه"[14]، وكان أهل المدينة يقولون: (ما فقدنا صدقة السر حتى مات عليُّ بن الحسين)[15].

7- الصدقة ولو بالقليل:
قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ï´¾ [التوبة: 79]، وعن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقل، وابدَأْ بمن تعول))[16].

فلا تحتقر المعروف مهما قل، ولا تستصغر الصدقة مهما صغرت، فرُبَّ درهمٍ سبق ألف درهم، ورُبَّ جنيهٍ واحد كان سببًا في دخولك الجنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا النار ولو بشق تمرةٍ، فمن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ))[17].

جاء في الإحياء أن ابن مسعود قال: إن رجلًا عبَدَ الله سبعين سنة، ثم أصاب فاحشة، فأحبط عمله، ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف، فغفر الله له ذنبه، وردَّ عليه عمل السبعين سنة.

8- التصدُّق مما تحب:
فلو كنت تحب المال، فتصدق بالمال، ولو كنت محبًّا للتمر فتصدق به؛ قال تعالى: ï´؟ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ï´¾ [آل عمران: 92].

كان عبدالله بن عمر يتصدق بالسكَّر، ويقول: سمعت الله يقول: ï´؟ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ï´¾ [آل عمران: 92]، والله يعلم أني أحب السُّكَّر.

وذكر الغزالي عن مجاهد في قول الله عز وجل: ï´؟ وَيُطْعِمُï»؟ونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ï´¾ [الإنسان: 8]، فقال: وهم يشتهونه.

9- الاهتمام بالأرحام والقرابة:
عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح))[18]... والكاشح: المضمر العداوة في باطنه، وعن سلمان بن عامرٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الصدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرحم اثنتان؛ صدقةٌ وصِلةٌ))[19].

ذكر الإمام الغزالي من صفات المتصدق عليه: أن تبحث عن ذوي الأرحام والأقاب، فقال: "أن يكون من الأقارب وذوي الأرحام فتكون صدقةً وصلة رحمٍ، وفي صلة الرحم من الثواب ما لا يحصى، قال علي رضي الله عنه: لأن أصل أخًا من إخواني بدرهمٍ أحب إلي من أن أتصدق بعشرين درهمًا، ولأَنْ أصِلَه بعشرين درهمًا أحب إلي من أن أتصدق بمائة درهمٍ، ولأن أصله بمائة درهم أحب إلي من أن أعتق رقبة"[20].
♦♦♦


درس الفقه:
1- حُكم من يصوم ولا يصلي:
يجب أن نعلم أن الصلاة ليست شرطًا في صحة الصوم، وعليه فمن صام من غير صلاة، فصيامه صحيح، لكنه يأثم؛ لارتكابه كبيرة من الكبائر، وهي ترك الصلاة.

ومن الناحية العملية: لو أننا قلنا لتارك الصلاة: صومك غير صحيح، ولا فائدة من صيامك بغير صلاة، فلربما ترك الصيام، فلا صام ولا صلى، لكن عندما يصوم ربما يدفعه إلى الصلاة، وكما قالوا: "ما لا يدرك كله، لا يترك كله".

2- حُكم وضع النقط في الأنف والأذن:
أولًا: النقط في الأنف: إذا لم يتجاوز الخيشوم فلا ضرر، "وإن وصل إلى الدماغ أفطر بلا خلاف"[21].
ثانيًا: النقط في الأذن: قالوا: "والتقطير في باطن الأذن مفطرٌ، وإن لم يصل إلى الدماغ مفطرٌ في الأصح، قال في شرح البهجة: لأنه نافذٌ إلى داخل قحف الرأس وهو جوفٌ"[22].

3- حكم استعمال الحقن الوريدية أو في العضل للعلاج أو للتقوية:
الراجح من أقوال العلماء أن الحقن الوريدية أو العضلية، لا تبطل الصيام، فالعبرة بالمفطر ما دخل من طريق معتاد كالجوف، والحقن لا تصل إلى الجوف، ما لم تكن حقن جلوكوز مغذية.

4- حكم استعمال الحقن الشرجية:
يرى الجمهور أنها تفسد الصوم؛ لأن بها سائلًا يصل إلى الجوف، والماليكة يرون أنها لا تفطر، ولهم رأي يقولون فيه بالكراهة مع استحباب القضاء.
وعليه: فالأولى أن يقضي خروجًا من الخلاف على رأي الجمهور.

5- حكم استعمال معجون الأسنان:
استعمال السواك للصائم جائز، ويكره بعد الزوال - بعد الظهر - عند الإمام الشافعي، ويقاس عليه استعمال المعجون، مع مضمضة الفم جيدًا بعد استعماله، حتى لا يذهب أثره إلى الحلق.
والله أعلم.


يراجع كتاب: نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام
لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، والصادر عن دار الصفوة بالقاهرة.


[1] البخاري (1902)، مسلم (2308).

[2] مسلم (2312).

[3] البخاري (2093).

[4] الترمذي (1961)، وقال: حديث غريب.

[5] الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبر، (ج3، ص882)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1/ 412هـ = 1992 م.

[6] غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، للسفاريني (ج2، ص150).

[7] مسند أحمد (17333)، وأبي يعلى (1766)، وإسناده صحيح.

[8] البخاري (6502).

[9] فتح الباري (ج3، ص299).

[10]مسلم (1015).

[11] مسلم (106).

[12] مسلم (1622).

[13] البخاري (1423)، مسلم (1031).

[14] الإحياء (ج1، ص215).

[15] حلية الأولياء (ج3، ص136).

[16] صحيح ابن حبان (3346).

[17] البخاري (6563)، مسلم (1016).

[18] مسند أحمد (23530)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

[19] الترمذي (658)، وحسنه، والنسائي (2582)، وابن ماجه (1844).

[20] الإحياء (ج1، ص220).

[21] المجموع شرح المهذب، للإمام النووي، (ج6، ص313).

[22] انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للخطيب الشربيني، (ج2، ص156)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لشهاب الدين الرملي، (ج3، 167)، دار الفكر - بيروت، تاريخ الطبعة: 1404هـ = 1984م.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 12-02-2020, 02:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

إيجابية الصائم (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة



الحمد لله ذي العرش المجيد، والبطش الشديد، الفعال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بنار تلظى بدوام الوقيد، المكرم سبحانه وتعالى لمن أطاعة واتقاه بجنات لا ينفَد نعيمها ولا يغيب، فسبحان الذي قسم خلقه قسمين وجعلهم فريقين فمنهم شقي وسعيد، من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلامٍ للعبيد، أما بعد:
فإن مِن صفات المؤمن أن يكون إيجابيًّا، لا سلبيًّا؛ فالمؤمن يتجاوب ويتفاعل ويتعاون ويغير ويجدد ويفكر ويؤثر ويخطط ويعطي ويترك بصمة، ويحول الحُلم إلى واقع وحقيقة، وليس المؤمن بالسلبي المنعزل المنكمش المتطفل المتقوقع الكسول؛ لذا كان من المناسب أن نتحدث عن الصائم الإيجابي؛ لأن الصوم دعوة للإيجابية ومحاربة السلبية.

الإيجابية في القرآن والسنَّة:
إن الآية التي تُعَدُّ عنوانًا للإيجابية، هي قوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ï´¾ [الأنفال: 24].

كما أن الإيجابية طريق الجنة؛ قال ربنا: ï´؟ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ï´¾ [الرعد: 18].

وفي عدم الإيجابية - السلبية: ضد الإيجابية - اتباعٌ للهوى؛ قال ربنا: ï´؟ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ï´¾ [القصص: 50].

وقد رسم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معالم الإيجابية في حديث جامع ومانع ونافع وشامل، فقال: ((مَثَل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجَوا، ونجَوا جميعًا))[1].

وفيه بيان أهمية ومكانة المسؤولية الاجتماعية، وضرورة التعاون من الجميع، والتجاوب من الكل، الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والشباب والفتيات، والغني والفقير؛ لنجاة المجتمع والأمة، ولنحذر كل الحذر مِن السلبية، فتكون النتيجة أن يغرق المجتمع، وتهلِكَ الأمة.

ويأتي حديث آخر ليؤكد على تحقيق الإيجابية حتى آخر لحظة في حياتك؛ عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلةٌ، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها، فليفعَل))[2].

فلا تكن سلبيًّا، وتقل: سأفعل لمن؟ بل الإيجابية تفرض عليك أن تفعل الخير ليستفيدَ منه الغير؛ فالإيجابي هو الذي يظهر أثره، وإن لم يظهر شخصُه.

نماذج الإيجابيين:
النموذج الأول: مؤمن آل فرعون:
قال تعالى: ï´؟ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ï´¾ [غافر: 28].

إن السياق القرآني ما زاد على وصفه بأنه مؤمن من آل فرعون، وإنما قال عنه: رجل مؤمن، قام بمواقف رجولية إيجابية، وكأن الذي يقوم بالمواقف الإيجابية يوصف بالرجولة، فكم من ذكورة لكن يندر فيها الرجولة، فهذا الرجل المؤمن تحرك بعمق إيمانه، وإيجابية رجولته، وهمة رسالته، وحرصه على أمته.

وفي وصف آخرَ، يقول ربنا: ï´؟ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ï´¾ [القصص: 20].

يأتي الوصف المشترك بين الآيتين على أنه رجل، ثم زادت الآية الثانية أنه جاء من أقصى المدينة، وكانت عادة الأزمنة السابقة أنه لا يسكن أقصا المدينة إلا بسطاء الناس وضعفاؤهم، ثم قال: ï´؟ يَسْعَى ï´¾، ولم يقل: يمشي؛ لأن الإيجابي يسعى ويسارع، ولا يفتُرُ ويتكاسَل.

وفي دِيننا عبادة السعي بين الصفا والمروة، التي تؤدى في الحج والعمرة، وأصلها: إيجابية السيدة هاجر وسعيها بحثًا عن الماء لرضيعها إسماعيل، كما أن الله طلب منا أن نسعى في طاعته ونبادر إلى عبادته، فقال: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ï´¾ [الجمعة: 9].

النموذج الثاني: إيجابية الهدهد:
لقد تحدَّث القرآن الكريم عن الهدهد في سورة النمل؛ يقول ربنا: ï´؟ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ï´¾ [النمل: 20 - 25].

امتاز هذا الطائرُ الصغير - الهدهد - بالإيجابية العالية، فكانت لديه تضحية وصبر وتطلع إلى التغيير، وغَيرة على الإسلام، فاستعمل خبرته وبذل جهده وقدرته، فقطع المسافة من فلسطين حيث مُلك نبي الله سليمان، إلى اليمن حيث مملكة سبأ، وعبادة غير الله، وتقدر هذه المسافة بـ: 1800 كم ذهابًا، ومثلها إيابًا.
وكانت النتيجة: أن أسلمت مملكة سبأ كلها، بإيجابية طائر الهدهد.

النموذج الثالث: إيجابية الصِّدِّيق رضي الله عنه:
عن أبي الدرداء قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمشي أمام أبي بكرٍ فقال: ((يا أبا الدرداء، أتمشي أمام من هو خيرٌ منك في الدنيا والآخرة؟ ما طلعت الشمس ولا غرَبت على أحدٍ بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكرٍ))[3].

إنه الأول في الإسلام، والأول بعد رسول الإسلام، وأول الخلفاء، وأول من جمع القرآن، أول من يدخل الجنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأول في الصدقة، والأول في الجهاد، والأول في المسارعة إلى الخيرات، والأول في الهمة العالية، فهو إيجابي من الدرجة الأولى.
مَن لي بمثلِ سيرك المُدلَّل ♦♦♦ تمشي رويدًا وتجي في الأوَّلِ

مِن مظاهر إيجابيته:
إن حياة أبي بكر رضي الله عنه كلها إيجابية، فما عرفت السلبية طريقًا إلى حياته، فبمجرد أن أسلم حمل همَّ الدعوة، وأخذ ينطق وينطلق بها في الناس، وفي أول تحركه أسلم معه: عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم الزبير بن العوام رضي الله عنه، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وطلحة بن عبيدالله رضي الله عنه، وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه..وهؤلاء الخمسة كلهم من العشرة المبشرين للجنة..ولا شك أنهم في ميزان حسنات أبي بكر رضي الله عنه..كما أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قد فتح مصر،فكل مسلم في مصر في ميزان حسناته.

ولم يتوقَّف أبو بكر رضي الله عنه عند هذا الحد؛ فالإيجابيون لا يعرفون الحد، ولا يتوقفون عند العد، فهم يحبون المد، إنهم في حركة دائبة، وهمة دائمة، والنفوس هائمة، والعيون غير نائمة، ازداد تحرك أبي بكر رضي الله عنه، فأسلم معه: أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وعثمان بن مظعون رضي الله عنه، والأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه، وأبو سلمة رضي الله عنه - زوج أم سلمة.

الفرق بين الإيجابي والسلبي:
كالفرق بين الصفر والواحد الصحيح، كالفرق بين الليل والنهار؛ قال تعالى: ï´؟ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [النحل: 75].

مراتب الإيجابية:
1- الإيجابية السلبية: وهو الذييتأثر بقلبه، لكن لا يهتم بعمل ولا يسعى للتغيير.

2- الإيجابية المحفزة: كل إنسانلديه خير، لكن يحتاج لشخص آخر يحفزه، وأقرب مثال: مشورة أم سلمة في صلح الحديببة.

3- الإيجابية الذاتية: يقوم بواجبه دون مساعدة الآخرين، فهو يعرف الواجبات التي عليه، كموقف الحباب بن المنذر يوم بدر.

4- الإيجابية المحفزة: الشخص الذي يحفز الآخرين، ويحب الخير لهم، كالطُّفَيل بن عمرو الدوسي عندما أسلم.

5- الإيجابية العليا: يفعل البعض الدور الذي عليه، وقد يدعو إلى فعل شيء، فلا يقوم به مَن دعاهم، فيقوم بنفسه بما دعاهم إليه، كفعل الصحابية الجليلة أم عمارة يوم أحد، فالجهاد والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مهام الرجال، لكن لما فروا ثبتت وظلت تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.[4]

كيف تكون إيجابيًّا؟!
1. الاستعاذة من الكسل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهَرَم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)).

2. التوكُّل على الله والثقة بالنفس: استعِنْ بالله ولا تعجِزْ؛ قال تعالى: ï´؟ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ï´¾ [آل عمران: 159].

3. الأمل والتفاؤل: قل ولا تقل، قل: سأفعل، ولا تقل: لا أستطيع.. قل: سأنجح، ولا تقل: هذا فشل.. واحذَرِ التشاؤم؛ فليس مِن أخلاق المسلمين.

4. لا تُصاحِب السلبيين: ولا تجالس المحبطين، واحذَر المثبِّطين، الإيجابي: يحب العمل، والسلبي يركن إلى الكسل.. الإيجابي: يهتم بنفسه، والسلبي: ينشغل بعيوب غيره.. الإيجابي: يسعى للتغيير، والسلبي: يرضى باليسير.. الإيجابي: لديه طموحات وأهداف، والسلبي: لا يطمح لأي شيء.. الإيجابي: يسارع ويبادر، والسلبي: يتباطَأُ ويغادر.. الإيجابي: يسابق ليكون في المقدمة، والسلبي: لا يَشغَله وإن كان في المؤخرة.

أعِدْ مِن مشرق التوحيد نورًا
يتمُّ به اتحادُ العالَمينا

وأنت العطرُ في رَوْض المعالي
فكيف تظَلُّ محتَبَسًا دَفِينا

وأنت نسيمُه فاحمِلْ شذاه
ولا تحمِلْ غبارَ الخاملينا

وأرسِلْ شعلةَ الإيمانِ شمسًا
وصُغْ مِن ذرةٍ جبلًا حصينا

وكن في قمةِ الطوفان مَوْجًا
ومُزْنًا يُمطِرُ الغيثَ الهَتُونا


وصية عملية:
إذا كان أبو بكر قد تحرك وأتى بغير المسلمين، فهل تحركت لتأتي بمسلمين غير ملتزمين؟!
•••


السؤال الثالث والعشرون: مَن هو ذو النورين، ومَن هو ذو النور؟
الجواب:
ذو النورين: عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ذو النور: الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه.
•••

خاطرة (بعد الفجر): آداب صلة الرحِم:
جعَل الله صلة الأرحام من أجلِّ الأمور وأعظمها، وصلة الأرحام طريق إلى الجنان، وقطعها موصل إلى غضب الديان، فإياك ثم إياك أن تكون قاطعًا لرحمك، وهنيئًا ثم هنيئًا لك وصلُك، وتلك منزلة الأرحام عند من خلق الأنام؛ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله خلق الخَلْق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضَيْنَ أن أصل مَن وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك))، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فاقرؤوا إن شئتم: ï´؟ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ï´¾ [محمد: 22]))[5].

وإليكم آدابَ وأحكام صلة الأرحام:
1- جدِّد النية واحتسب الأجر:
فلو أن المسلم العاقل، فطن إلى ما أعده الله للواصلين، ما ترك الصلة أبدًا، فمن خلال البحث في سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وقفت على عدد من الأحاديث، لعلها تكون عدة دافعة للمقصرين في صلة الرحم، ومنها:
صلة الرحم تزيد الرزق، وتطيل العمر: عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((مَن سرَّه أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصِلْ رحِمَه))[6].

والسؤال هنا: كيف تكون الزيادة في الرزق والتأخير في العمر؟! يجيب عنها الإمام النووي، فيقول: "وبسط الرزق توسيعه وكثرته، وقيل: البركة فيه، وأما التأخير في الأجل: ففيه سؤال مشهور، وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص؛ ï´؟ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ï´¾ [الأعراف: 34]، وأجاب العلماء بأجوبة، الصحيح منها: أن هذه الزيادة بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك، والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة، إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زِيدَ له أربعون، وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك، وهو مِن معنى قوله تعالى: ï´؟ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ï´¾ [الرعد: 39]، فيه النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره، ولا زيادة، بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة، وهو مراد الحديث"[7].

سبب في دخول الجنة: عن عبدالله بن سلامٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعِموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيامٌ، تدخلوا الجنة بسلامٍ))[8].

تدفَع مِيتة السوء: عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن سرَّه أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه مِيتة السوء، فليتقِ الله وليصِلْ رحِمَه))[9].

سبب في قبول الأعمال: عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أعمال بني آدم تُعرَض كل خميسٍ ليلة الجمعة، فلا يُقبَل عملُ قاطعِ رحمٍ))[10].

مِن أحب الأعمال إلى الله: عن قتادة، عن رجلٍ من خثعم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في نفرٍ من أصحابه، قال: قلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: ((نعم))،قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((إيمانٌ بالله))،قال: قلت: يا رسول الله، ثم مَهْ؟ قال: ((ثم صلة الرحم))،قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: ((الإشراك بالله))،قال: قلت: يا رسول الله، ثم مَهْ؟ قال: ((ثم قطيعة الرحم))،قال: قلت: يا رسول الله، ثم مَهْ؟ قال: ((ثم الأمر بالمنكَر، والنهي عن المعروف))[11].

وصية النبي صلى الله عليه وسلم: عن أبي ذر، قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصالٍ مِن الخير؛ أوصاني بألا أنظُرَ إلى مَن هو فوقي، وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم، وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأوصاني ألا أخاف في الله لومة لائمٍ، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرًّا، وأوصاني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها كنزٌ من كنوز الجنة"[12].

النجاة من عقوبة الدنيا والآخرة: عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنبٍ أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مِن البَغْي وقطيعةِ الرَّحِم))[13].

وقال عمرو بن دينار: "ما مِن خطوة بعد الفريضة أعظم أجرًا من خطوة إلى ذي الرحم".

2- ابدَأْ بالأقرب فالأقرب:
فلو نويتَ زيارة أقاربك وصلة أرحامك، فمن السنة أن تبدأ بالأقرب فالأقرب، فابدأ بالأبوين، ثم بأقاربهما، ثم إخوتك، ثم بالأعمام والعمات، والأخوال والخالات، ثم بأبنائهم، ثم الأقرب فالأقرب، ولا تنسَ أصدقاء أبيك؛ فهو مِن بر والدك، قال القاضي عياض: "ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة على الجملة، وقطعها كبيرة، ولكن الصلة درجات، بعضها فوق بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها ولو بالسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا بحكم القدرة على الصلة وحاجتها إليها، فمنها ما يتعين ويلزم، ومنها ما يستحب ويرغب فيه، وليس من لم يبلغ أقصى الصلة يسمى قاطعًا، ولا من قصر عما ينبغي له ويقدِر عليه يسمَّى واصلًا"[14].

وعن أبي رمثة، قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: ((بَرَّ أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك))[15]، وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، مَن أبَرُّ؟ قال: ((أمك))، قال: قلت: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: قلت: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: قلت: ثم من؟ قال: ((ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب))[16].

فأحسِنْ إلى أقاربك، وتواصل معهم قدر استطاعتك، وتفقد أحوالهم، وتصدق على فقيرهم، واهتم بكل ما يقوِّي العلاقات الأسرية.
انتبه: لا تنس أن تصحب ولدك معك؛ حتى يتعرف على أقاربه، ويكون امتدادًا وخلفًا لك في الصلة.

3- معرفة الأنساب:
فقد يهتم البعض بصلة مَن يعرفهم فقط، بل هذا فِعل الكثيرين، فيقوم بزياة أقرب الأقارب، ويترك غيرهم، ما دام أنه لا يعرفهم، ولعل من السنن المهجورة: أن تتعرَّف على أقارب لم تكن تعرفهم، فتتواصل معهم وتزورهم، فهذا من حقهم عليك، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلةَ الرحم محبةٌ في الأهل، مثراةٌ في المال، منسأةٌ في الأثر))[17].

وهذا - بلا شك - يزيد العلاقات، وينمي الروابط، ويعمق روح التوادد والتراحم في مجتمعاتنا، كما أن فيه بسطةً وسَعة في الأرزاق والأموال، وبركة في الأعمار والآجال.

4- احذَرِ القطيعة:
إن مفهوم الصلة هو أن تصِلَ مَن قطعك، أما إذا وصلت من وصلك، فأنت بذلك مكافئٌ لا واصل، والذي أرشدنا إلى ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبدالله بن عمرٍو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها))[18].

وكيلا ينسى الإنسان؛ فعليه أن يحدد يومًا معلومًا أسبوعيًّا يزور فيه أقاربه، وإن عجز عن الذهاب بشخصه إليهم، فمن الوسائل ما يغني، بالمراسلة عبر الإنترنت، أو بالمكالمة الهاتفية.

عن أبي هريرة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: ((لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمتَ على ذلك))[19].

وحسبُك من ذلٍّ وسُوءِ صنيعةٍ
مناواةُ ذي القربى وإن قيل: قاطعُ

ولكن أواسيه وأنسى عيوبه
لترجِعَه يومًا إليَّ الرواجعُ

ولا يستوي في الحكمِ عبدانِ؛ واصلٌ
وعبدٌ لأرحام القرابة قاطعُ


وقد توعَّد اللهُ القاطعين لأرحامهم، فقال: ï´؟ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ï´¾ [محمد: 22، 23]، وقال: ï´؟ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ï´¾ [الرعد: 25].

فالعاقل العاقل هو الذي يبادر بصلة رحمه، وإن قطعت، ويدفع ما بينه وبين رحمه بالإحسان والقربى.

وسائلُ مقترحةٌ في صلة الرحم:
تحديد يوم كل أسبوع أو أسبوعين، لمن هم في المكان القريب، أو يوم في الشهر لمن في المكان البعيد.
إعدادُ مسابقات وأسئلة عامة، ورصد هدايا وجوائز؛ لتحفيز وتشجيع الصبيان والأطفال.
الحرص على الحضور في الحالات الطارئة؛ كمناسبة حفل زواج، أو حفل تخرج، أو عملية جراحية، أو بناء بيت جديد، وأي مشكلة عارضة.
عمل دليل هاتفي للعائلة، يجمع أرقام تليفونات العائلة؛ ليسهل التواصل فيما بينهم.
الاهتمام بالأيتام والمعاقين، وكذا الأرامل والمطلقات؛ حتى لا يشعروا بعجزٍ أو نقص.
الأخذ في الاعتبار أن كل ما سبق يجب أن يراعى فيه الحشمة والوقار، وعدم الاختلاط، وتحريم المصافحة لغير المحارم.
•••


درس الفقه:
1- أفطَر في بلد غير الذي صام فيه، ما الحكم؟
فلو أن مسلمًا بدأ صيامه - على سبيل المثال - في القاهرة، ثم غادرها فأفطر في الإسكندرية، أو وطن غير وطن، فاختلف التوقيت بين البلد الذي تسحر فيه، وبدأ فيه صومه، وبين البلد الذي سيفطر فيه، فالعلماء يقولون: صومه صحيح؛ فالعبرة بوقت ومكان الإفطار، لا بفرق التوقيت، كما أن الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

2- هل هناك عدد معين لصلاة التراويح؟
فقد تجد بعض المساجد تصلي إحدى عشرة ركعة، وأخرى تصلي عشرين ركعة[20]، نحن أمام حديث عند البخاي، ونصه أن السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعةً، يصلي أربعًا، فلا تسَلْ عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسَلْ عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا)[21].

وعن ابن عمر: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الليل مَثْنى مَثْنى))[22].

فهذا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الإمام الترمذي في ذلك أن العلماء "اختلفوا في قيام رمضان، فرأى بعضهم: أن يصلي إحدى وأربعين ركعةً مع الوتر، وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة، وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر، وعلي، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ركعةً، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي"، وقال الشافعي: (وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعةً)، وقال أحمد: (رُوي في هذا ألوانٌ، ولم يقض فيه بشيءٍ)"[23].

والحاصل: أنه ليس للتراويح عدد معين من الركعات، فلا ينكر على من صلى إحدى عشرة ركعة، أو من صلى عشرين ركعة، أو إحدى وأربعين، ويترك لأهل كل بلد أن يفعلوا ما يناسبهم؛ فالأمر واسع.

3- ما الحكم لو حاضت المرأة قبل المغرب؟
إذا نزل دم الحيض على المرأة قبل المغرب ولو بقليل، صارت مفطرة وفسد صومها، ووجب عليها القضاء.
والله أعلم.

نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام
لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة


[1] البخاري (2493) عن النعمان بن بشير.

[2] أحمد (12981)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

[3] فضائل الصحابة (135)، للإمام أحمد بن حنبل.

[4] البخاري (6367)، مسلم (2706).

[5] البخاري (5987)، مسلم (2554).

[6] البخاري (2067).

[7] شرح النووي على مسلم (ج16، ص114).

[8] ابن ماجه (3251)، وأحمد (23784)، وصححه الأرناؤوط.

[9] مسند أحمد (1212)، وصححه الشيخ/ أحمد شاكر.

[10] أحمد (10272)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.

[11] مسند أبي يعلى (6839)، وذكره الألباني في صحيح الجامع (166).

[12] صحيح ابن حبان (449)، وقال الأرناؤوط: حديث صحيح.

[13] أبو داود (4902)، والترمذي (2511)، وابن ماجه (4211)، وقال الترمذي: هذا حديثٌ صحيحٌ.

[14] شرح صحيح مسلم، للقاضي عياض، (ج8، ص20)، تحقيق: الدكتور يحيى إسماعيل، دار الوفاء، مصر، ط 1/ 1419 هـ = 1998 م.

[15] مستدرك الحاكم (7245).

[16] أبو داود (5139)، والترمذي (1897)، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ.

[17] الترمذي (1979)، وأحمد (8868)، ومستدرك الحاكم (7248)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الذهبي.


[18] البخاري (5991).

[19] مسلم (2558).

[20] عمِلت في ماليزيا عام 2010م وما بعده، وكنت إمامًا في التراويح، بعدد ثلاث وعشرين ركعة، مثنى مثنى، ثم نوتر بثلاث.

[21] البخاري (1147).

[22] البخاري (990) مسلم (749).

[23] سنن الترمذي (ج3، ص160).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 12-02-2020, 02:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

أبواب الجنة (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان




(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة



الحمد لله المتفضل بالجود والإحسان، والمنعِم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان، أنعم علينا بإنزال هذا القرآن، هدًى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ونصر نبينا محمدًا صلى الله عليه وآله وأصحابه ببدر وسماه يوم الفرقان، وأعزه بفتح مكة أم القرى وتطهيرها من الأصنام والأوثان، وبعد:
فإن رمضان طريق إلى الجنة، وبقدوم رمضان تفتح أبواب الجنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة))[1]، وقد أُمرنا بالمسارعة إلى الجنة، والمسابقة إليها؛ قال ربنا: ï´؟ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ï´¾} [آل عمران: 133]، وقال تعالى: ï´؟ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ï´¾ [الحديد: 21].

وأخبَرنا القرآن الكريم أن للجنة أبوابًا؛ قال تعالى: ï´؟ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ï´¾ [الزمر: 73] ، كما أن للنار أبوابًا؛ قال تعالى: ï´؟ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ï´¾ [الزمر: 71].

وبين الآيتين لمسات ولمحات:
أولها: ذكر في الأولى ï´؟ ربهم ï´¾، وهم الذين يساقون إلى الجنة ولقاء الله، ولم يذكرها في الثانية؛ حيث سوقهم إلى النار وعذاب الله، كما أن كلمة ï´؟ ربهم ï´¾ فيها تكريم ورحمة، فلا تأتي مع من يساقون إلى العذاب.

ثانيها: جاءت الواو مع أهل الجنة، ولم تأتِ مع أهل النار، فإن أهل النار عند وصولهم إلى جهنم تكون موصدة ومغلقة، فتفتح أبوابها فجأة، فيأتيهم العذاب بغتة، أما أهل الجنة: فإنهم يجدون ريح الجنة على مسيرة خمسمائة عام، كما أن الأبواب مفتحة قبل وصولهم إليها.
وهذا يُذكرنا بآيتين في القرآن؛ آية تؤكد أن أبواب الجنة مفتحة، فقال في سورة (ص): ï´؟ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ï´¾ [ص: 50]، وآية تؤكد أن أبواب النار مغلقة وموصدة، ففي (الهمزة): ï´؟ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ï´¾ [الهمزة: 8، 9].

باب في الجنة خاص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم:
ولعل هذا من تكريم الله لأمة محمد، أن خصها بباب في الجنة، تدخل منه وحدها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((باب أمتي الذي يدخلون منه الجنةَ عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثًا، ثم إنهم ليضغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول))[2].

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي)) فقال أبو بكرٍ: يا رسول الله، وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما إنك يا أبا بكرٍ أول من يدخل الجنة من أمتي))[3]؛ لذا قال ابن القيم: "ولهذه الأمة باب مختص بهم يدخلون منه دون سائر الأمم"[4].

وإذا كانت آيات القرآن وأحاديث النبي العدنان، تؤكد أن للجنة أبوابًا، فقد جاء في السنة أيضًا ما يبين عدد الأبواب، وأنها ثمانية؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبدُ الله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء))[5].

عن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبدُ الله، وابن أَمَتِه، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، وأن الجنة حق، والنار حق - أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء))[6].

فما حقيقة تلك الأبواب الثمانية؟
منها أربعة ذكرت في حديث واحد؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَن أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله، هذا خيرٌ، فمن كان من أهل الصلاة دُعِي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعِي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعِي من باب الريَّان، ومن كان من أهل الصدقة دُعِي من باب الصدقة))، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورةٍ، فهل يدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟! قال: ((نعم، وأرجو أن تكونَ منهم))[7].

ففي هذا الحديث الشريف أربعة أبواب، وهي: باب للصلاة، وباب للجهاد، وباب للصيام، وباب للصدقة، يبقى أربعة أبواب، قال أحد العلماء: "وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى،فمنها: باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس؛ رواه أحمد عن روح بن عبادة عن الأشعث عن الحسن مرسلًا: إن لله بابًا في الجنة لا يدخله إلا من عفا من مظلمة،ومنها: الباب الأيمن، وهو: باب المتوكلين، الذي يدخل منه مَن لا حساب عليه ولا عذاب.
وأما الثالث فلعله باب الذِّكر؛ فإن عند الترمذي ما يومئ إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم"[8].

وذكر القرطبي قائلًا: "قال القاضي عياض: ذكر مسلم في هذا الحديث من أبواب الجنة أربعة، وزاد غيره بقية الثمانية، فذكر منها: باب التوبة، وباب الكاظمين الغيظ، وباب الراضين، والباب الأيمن الذي يدخل منه مَن لا حساب عليه"[9].

الباب الخامس: الباب الأيمن، جاء في الحديث عن أبي هريرة، "يقال: يا محمد، أدخل الجنة مِن أمتك مَن لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة"[10].

الباب السادس: باب الوالد: عن أبي الدرداء، قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة))؛ فأضِعْ ذلك الباب أو احفَظْه"[11].
الباب السابع: باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، أو باب الحج.
الباب الثامن: باب الذِّكر، أو باب العلم أو الراضين أو التوبة.
فتكون الأبواب الثمانية: (الأول): باب الصلاة، (الثاني): باب الجهاد، (الثالث): باب الصيام، (الرابع): باب الصدقة، (الخامس): الباب الأيمن، (السادس): باب الوالد، (السابع): باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس أو باب الحج، (الثامن): باب الذكر، أو باب العلم، أو باب الراضين، أو باب التوبة.

وأود أن أضيف إلى ذاكرتك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بالمسافة التي بين الأبواب، فقال: ((والذي نفس محمدٍ بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبُصرى))[12].

وأعجبني تعليق لعالم الإعجاز العلمي - الدكتور عبدالمجيد الزنداني - على هذا الحديث، في محاضرة له بعنوان: (معجزة سعة باب الجنة)، فقال: "المصراعين"؛ أي: سعة باب الجنة، "ما بين مكة وهجر"، وهجر: قطر والبحرين الآن - شرق الجزيرة العربية - وبُصرى: تقع على الحدود الأردنية - شمال الجزيرة - والمسافة بينهما متساوية، وتقدر بـ: "1273 كم"...ومع كل هذه المسافة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وليأتين عليها يومٌ وهو كظيظٌ من الزحام))[13].

جاء عن أحد السلف، عندما قرأ قوله تعالى: ï´؟ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ï´¾ [آل عمران: 133] بكى، فقيل: قد أبكتك آية ما يُبكَى عند مثلها، إنها آية رحمة، فقال: وما ينفعني أو يغني عني عرضها إن لم يكن لي فيها موضع قدم.

ثم اعلَمْ أن لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب، قال ابن القيم نقلًا عن عبدالله بن غياث عن الفزاري: "لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب: فباب يدخل عليه منه زواره من الملائكة، وباب يدخل عليه منه أزواجه من الحور العين، وباب مقفل فيما بينه وبين أهل النار يفتحه إذا شاء ينظر إليهم؛ لتعظُمَ النعمة عليه، وباب فيما بينه وبين دار السلام يدخل منه على ربه إذا شاء"[14].
وصية عملية:
اختَرْ لنفسك بابًا، تدخل منه يوم القيامة، وإن أردت أن تسابق أبا بكر، فاصنَعْ ما صنعه أبو بكر؛ حتى يكتب لك الدخول من الأبواب الثمانية.
♦♦♦♦♦


السؤال الرابع والعشرون:
بنتُ الخليفةِ والخليفةُ جَدُّها *** وأُختُ الخلائفِ والخليفةُ زوجُها
فمن هي؟
الجواب: هي: فاطمة بنت عبدالملك بن مروان، وجدها: مروان بن الحكم، وإخوتها: الوليد وسليمان وهشام أولاد عبدالملك، وزوجها: عمر بن عبدالعزيز.
♦♦♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب الهاتف:
لا يخلو بيتٌ مسلم من هاتف - أرضي أو محمول - وهذا الهواتف أجهزة معدة للكلام والتواصل مع الآخرين، وهي نعمة من نعم الله علينا، يقوم بدور كبير، ويؤدي مهامَّ عظيمة، بل يوفر وقتًا وجهدًا ومالًا، وهذه النعمة لها أحكام وآداب، أذكرها في العناصر التالية:
1- مراعاة أوقات الاتصال:
على المتصل أن يراعيَ الوقت الذي يقوم بالاتصال فيه، فيبتعد عن الأوقات المبكرة والمتأخرة؛ فالاتصال يشبه القيام بالزيارة - سبق الحديث عن آداب الزيارة - فالذي يزور يختار الوقت المناسب.

2- الاعتدال في رنات الاتصال:
وهذا يُشبِه آداب الاستئذان - سبق الحديث عن آداب الاستئذان - فإذا ذهب أحدهم ليستأذن، فالسنَّةُ تقول: عليه أن يستأذن ثلاثًا، فيدق الباب، أو يرن الجرس، فإن أذن له، وإلا فليرجع، وهنا: على المتصل أن يقوم بعدد ثلاث رنات، ولا يزيد عنها، ويستثنى ما لو كان هناك أمر ضروري.

3- البدء بالسلام قبل الكلام:
وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يبدأ المتكلم بالسلام قبل الكلام؛ فعن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السلام قبل الكلام))[15].
ومن تمامها أن تختمها بالسلام، لا كما يفعل البعض، فيقول في ختام المكالمة: (لا إله إلا الله)، فيرد عليه الآخر: (محمد رسول الله)، أو يقول: (قل هو الله أحد)، كلُّ هذا لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4- عدم إطالة المكالمة لغير حاجة:
فالمسلم لا يلغو ولا يتكلم فيما ليس فيه فائدة، فليعرض الإنسان عن كثرة الكلام في الهاتف؛ قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ï´¾ [المؤمنون: 3]، والتنبيه في ذلك يكون أكثر للنساء؛ فقد تتكلم مع صديقتها أو جارتها في مسائل غير مفيدة، وتمتد المكالمة أحيانًا إلى ساعة أو يزيد، ونحن مأمورون جميعًا بالاقتصاد والاعتدال في كل شيء، ونهينا عن الإسراف والتبذير.
والإسلام يكره الكلام في غير حاجة؛ عن المغيرةِ بن شعبةَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إياكم وقيل وقال، ومنع وهات، ووأد البنات، وعقوق الأمهات، وإضاعة المال))[16].

5- وضع السماعة برفق:
وهذه من أخلاق ديننا الحنيف؛ أن يكون الرفق في كل شيء، ومنه بعد نهاية المكالمة: أن يضع سماعة الهاتف برفق لا بعنف، فيظن الآخر شيئًا.

6- غلق الهاتف عند دخول المسجد:
يُعَد هذا الأدب من آداب المسجد - سبق الحديث عن آداب المسجد - أنه على من قصد المسجد، إما أن يغلق هاتفه، أو يجعله على وضع الصامت، حتى يتأدب بأدب بيوت الله، وألا يشوش على المصلين، ولا يفسد صلاتهم، ولو افترضنا أنه نسي فرنَّ الهاتف أثناء الصلاة، فلا مانع شرعًا من إخراج هاتفه وغلقه، فلا يتركه حتى يفرغ من صلاته.

7- تجنب التسمع على الآخر:
فمِن حُسن إسلام المرء: أن يترك التنصت على الآخرين، ولا شك أن هذا يرفضه الناس ويكرهونه؛ عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ومن استمع إلى حديث قومٍ، وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أُذنه الآنُكُ يوم القيامة ...))[17]، والآنُك: الرَّصاص المذاب.

8- الكلام بصوت معتدل:
ما أجمل الاعتدال في حياتنا؛ في عباداتنا، وسلوكنا، ومعاملاتنا، ومشاعرنا، وكلامنا! فلا إفراط ولا تفريط، والوسطية من سمات أمتنا؛ فالقصد مطلوب، والغض مرغوب؛ قال تعالى: ï´؟ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ï´¾ [لقمان: 19].
فمَن تكلم في هاتفه - رجلًا أو امرأة - فلا يرفع صوته، وبخاصة في الأماكن العامة ووسائل المواصلات.

9- عدم استعمال هاتف الآخر إلا بإذنه:
فليس من أخلاق المسلم أن يستعمل أغراض غيره إلا بإذنه، فأحيانًا يأخذ الرجل هاتف صديقه، أو أخيه، فيفتحه ويتطلع لما فيه، ويتصفح محتوياته، ومن المتوقع أن يكون عليه أمور خاصة لا يقبل صاحبه أن يراها أحد، فهي محتويات شخصية.
وفي استعمال هواتف الآخرين، تطفلٌ مذموم، وكشفٌ للمستور، وفضول غير محمود.

10- عدم المباهاة بالهاتف:
وهذا سلوك لا يناسب المسلم، كأن يتفاخر بهاتفه أمام زملائه، أو ممن يحب لفت الأنظار، أو يتصنع المكالمة الوهمية أمام الناس، وقد أعده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزور، فقال صلى الله عليه وسلم: ((المتشبِّعُ بما لم يُعْطَ كلابسِ ثوبَيْ زورٍ))[18].

11- التحذير من تسجيل المكالمات:
فلو تم تسجيل مكالمة بدون إذن الطرف الآخر، فهذه خيانة واضحة، وتُعَد مِن باب المكر، وعدم حفظ الأمانات، وربنا نهانا عن خيانة الله ورسوله والمؤمنين، فقال: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [الأنفال: 27]، والمؤمن مؤتَمَن على أعراض الناس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والمؤمن مَن أَمِنَه الناس على دمائِهم وأموالهم))[19].

12- التأكُّد مِن غلق الهاتف في الاجتماعات أو اللقاءات:
ففيه إيذاء للحاضرين، فلا يليق أن يترك هاتفه يرن، أو يعبث به أمام الحاضرين، والأكثر من ذلك أن يرد البعض على المتصل، وهذا ينافي أدب المجلس؛ قال أبو تمام:
مَن لي بإنسانٍ إذا أغضبْتهُ
وجهِلْتُ كان الحِلْمُ ردَّ جوابِه

وتراه يُصغي للحديثِ بسَمْعِه
وبقَلْبِه، ولعلَّه أَدْرَى به

فإن الأمر ضروريٌّ؛ فعليه أن يستأذن الحاضرين للرد على المكالمة، أو يبتعد عنهم قليلًا.

آداب الوسائل - الفيس بوك، الواتس آب، التويتر، الفايبر، التانجو، وغيرها -:
♦ التثبت من نشر المعلومة: فيجب أن يتحرى ما ينشره، وبخاصة لو كان حديثًا نبويًّا، فتجد كثيرًا من الناس يتلقى رسالة، يعجبه مضمونها، فيسارع إلى نشرها، وقد تكون حديثًا موضوعًا أو مكذوبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

♦ تجنُّب الحسابات الوهمية: ربما يلجأ بعض الشباب لعمل حسابات وهمية، وقد يُنشئ حسابًا يجذب به صداقات الفتيات، وتكون المراسلات والمكالمات، إلى غيرها مِن الخديعة.

♦ عدم تضييع الوقت: قد يستسلم البعض لهذه الوسائل التواصيلة، فيسلم نفسه للوقت، فيجره إلى أن تمضي ساعة وساعتان، وربما اليوم كله، يخرج من شيء فيدخل في آخر.

♦ الحرص على نشرِ ما يفيد الآخرين: لو أن كل مستخدم للفيس والواتس له هدف فيما ينشره، أن يكون فيه إفادة قيمة وإضافة جيدة للآخرين، ما كانت هذه الغثاءات التي تنشر على تلك الصفحات.

♦ الاعتدال في المشاركات: فمما يسبب الملل: أن تجد شخصًا ينشر ويشارك أكثر من منشور، فيكون النتيجة من الآخر أنه لا يقبل على شيء واحد منها؛ لأنه استكثرها، وتكفي المشاركة بمهمة أو مهمتين على الأكثر.

♦ عدم إضافة الغرباء: فلا تُقبِل على إضافة الغرباء إلى مجموعة جديدة، أو عمل "تاغ" له أو مشاركة لمنشور، إلا بإذنه.

♦ شبكات النت للآخرين: احذر ثم احذر أن تكون في مكان عام، وتستعمل شبكات النت الخاصة بالآخرين - واي فاي - بدون إذن صاحبها.

♦ كن مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر: فلا ينبغي للمستخدم أن يشارك في نشر رذيلة، أو يساعد في إشاعة الخبر الكاذب، وحتى يكون مفتاحًا للخير، فليمتثل قوله: ï´؟ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ï´¾[الحجرات: 6].
♦♦♦♦♦


درس الفقه: الاعتكاف: تعريفه: لغة واصطلاحًا:
لغة: الافتعال، من عكف على الشيء عكوفًا وعكفًا، وهو حبس النفس على شيء، والملازمة له، خيرًا كان أو شرًّا؛ يقول تعالى: ï´؟ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ï´¾ [البقرة: 187]، وقال تعالى: ï´؟ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ï´¾ [الأنبياء: 52].
شرعًا: بالنظر في مذاهب الأئمة الأربعة، نجد تقاربًا في تعريفهم للاعتكاف، ومنها تعريف الشافعية، وهو: اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية[20].

الأدلة على مشروعية الاعتكاف:
إذا أحببنا أن ندلل على مشروعية الاعتكاف، ننظر في الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
أولًا: مشروعية الاعتكاف من القرآن الكريم: قوله تعالى: ï´؟ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ï´¾ [البقرة: 187]، وقوله تعالى: ï´؟ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ï´¾ [البقرة: 125].

ثانيًا: مشروعيته من السنة النبوية: عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده)[21].
كان الزهري يقول: "عجبًا مِن الناس كيف تركوا الاعتكاف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قُبِض"[22].

ثالثًا: مشروعيته بإجماع الأمة:
أجمعت الأمة على مشروعية الاعتكاف، قال النووي في المجموع: "فالاعتكاف سنَّةٌ بالإجماع".

حُكم الاعتكاف:
قال العلماء: الاعتكاف سنَّة، في رمضان في العشر الأواخر؛ لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنه يستحب فعله في كل وقت في غير رمضان، وقد يكون واجبًا إذا نذره المسلم وأوجبه على نفسه.

شروطه: يشترط في الاعتكاف:
النية: فهو عبادة من العبادات، فلا تصح إلا بنية مخصوصة.
الإسلام: فلا يصح الاعتكاف من غير المسلم.
العاقل: فلا يصح من المجنون؛ لأنه ليس من أهل التكليف، ويصح اعتكاف الصبي المميز.
الطهارة من الحدث الأكبر: فلا يصح الاعتكاف من الرجل الجُنُب، ولا من المرأة الحائض أو النفساء.
إذن الزوج: فلا تعكتف المرأة إلا بإذن زوجها.
المسجد: فالاعتكاف لا يكون إلا في المسجد للرجل والمرأة، وعند المالكية والشافعية والحنابلة: لا يصح للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها، وعند أبي حنيفة يصح.

مدته:
قال الإمام النووي: "الصحيح المشهور من مذهبنا أنه يصح كثيره وقليله، ولو لحظة، وهو مذهب داود، والمشهور عن أحمد، وروايةٌ عن أبي حنيفة، وقال مالكٌ وأبو حنيفة في المشهور عنه: أقله يومٌ بكماله، بِناءً على أصلهما في اشتراط الصوم"[23].

فيصح الاعتكاف القليل والكثير، كما هو رأي الشافعي وأحمد، فلو دخلت المسجد فانْوِ الاعتكاف، ولو كانت المدة يسيرة، وإذا أردت الخروج من الخلاف فيستحب أن تعتكف يومًا على رأي مالك وأبي حنيفة، كما اتفق العلماء على أنه لا حد لأكثره.

ومن نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، فيستحب الدخول قبل غروب شمس ليلة الحادي والعشرين، وله الخروج بعد غروب شمس ليلة العيد، وإن بات ليلة العيد في معكتفه، وخرج منه إلى المصلى كان أفضل، وبه قال النووي؛ انتهى.
والله أعلم.

نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان
دار الصفوة بالقاهرة.

[1] البخاري (1898)، مسلم (1079).

[2] الترمذي (2548)، وقال: حديثٌ غريبٌ.

[3] أبو داود (4652)، وضعفه الألباني.

[4] حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم، ص62، مطبعة المدني، القاهرة.

[5] مسلم (234).

[6] البخاري (3435)، مسلم (28).

[7] البخاري (1897)، مسلم (1027).

[8] انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر العيني، (ج16، ص183)، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

[9] التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي، تحقيق ودراسة: الدكتور: الصادق بن محمد بن إبراهيم، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ص954.

[10] مسلم (194).

[11] الترمذي (1900)، وابن ماجه (3663)، وقال الترمذي: حديثٌ صحيحٌ.

[12] مسلم (194).

[13] مسلم (2967).

[14] حادي الأرواح، لابن القيم، ص61.

[15] الترمذي (2699)، وحسنه الألباني.

[16] مسند أحمد (18230)، وصححه الأرناؤوط.

[17] البخاري (7042).

[18] البخاري (5219)، مسلم (2129).

[19] الترمذي (2627)، والنسائي (4995)، وقال الترمذي: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".


[20] المجموع، للنووي، (ج6، ص474).

[21] البخاري (2026)، مسلم (1172).

[22] عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني، (ج11، ص140)، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

[23] انظر: المجموع، (ج6، ص491).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 12-02-2020, 02:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

العفو (درس رمضاني)
الشيخ أحمد علوان





العَفْو

(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لم يزل عليًّا، ولم يزل في علاهسميًّا، قطرةٌ من بحر جوده تملأ الأرض ريًّا، من أطاعه دخل الجنة ولو كان عبدًا حبشيًّا، ومن عصاه دخل النار ولو حرًّا قرشيًّا، أنزلعلى نبيه ومصطفاه قولًا بهيًّا، فقال: ï´؟ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ï´¾ [مريم: 63]، وبعد:
فإن العَفْوَ مِن أجمل أخلاق الإسلام، وجب على أهل الإسلام أن يتخلقوا به، وهو الخلق الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة - رضي الله عنها - وللأمة كلها، أن يدعوا به في ليلة القدر.

♦ لماذا العفو في ليلة القدر؟
♦ العفو في القرآن والسنة.
♦ نماذج في العفو.
♦ ماذا عن عفو الله عز وجل؟

لماذا العفو في ليلة القدر؟
يقول ابنُ رجب - رحمه الله - في لطائف المعارف: "وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملًا صالحًا ولا حالًا ولا مقالًا، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنِب المقصِّر".

يا ربِّ عبدُك قد أتا
ك وقد أساء وقد هفَا

حمَل الذنوبَ على الذنو
بِ الموبقاتِ وأسرفَا

وقدِ استجار بذَيْل عَفْ
وِكِ مِن عقابك مُلْحِفَا

ربِّ اعفُ عنه وعافِه
فلأنتَ أَوْلى مَن عفَا


أما عن الدعاء الذي ندعو به إذا وافقنا ليلة القدر، فقد جاء عن السيدة عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنكَ عفُوٌّ تحب العَفْو؛ فاعفُ عني))[1].

العفو في القرآن الكريم:
قال تعالى: ï´؟ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ï´¾ [البقرة: 237].

وقال أيضًا: ï´؟ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [آل عمران: 133، 134].

وقال: ï´؟ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ï´¾ [الأعراف: 199].

وقال تعالى: ï´؟ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ï´¾ [الشورى: 40].

وقال: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [التغابن: 14].

فأخلاقنا ينبغي أن تكون مشتملة على عفو وصفح وتسامح، فهكذا المؤمن الخلوق صاحب الخُلق الحميد، فالأخلاق هي زينة المؤمن، وأجمل ما يزين الإنسانَ أخلاقُه.

العفو في السنة النبوية:
1- عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله))[2].

2- عن ابن عمر، قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَع هؤلاء الدعوات، حين يمسي وحين يصبح: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استُرْ عوراتي، وآمِنْ روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بك أن أُغتالَ من تحتي))[3].

3- قام أبو بكرٍ الصديق على المنبر ثم بكى، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول على المنبر ثم بكى، فقال: ((اسألوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقين خيرًا من العافية))[4].

4- عن أنس بن مالكٍ قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ قال: ((سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة))،ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ قال: ((سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة))،ثم أتاه في اليوم الثالث فقال: يا نبي الله، أي الدعاء أفضل؟ قال: ((سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فقد أفلَحْتَ))[5].

5- عن عائشة، قالت: فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً من الفراش، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: ((اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك))[6].

6- عن عبدالله بن عمر، قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّلِ عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك))[7].

وقال الشافعي:
لما عفوتُ ولم أحقِدْ على أحدٍ
أرَحْت نفسِيَ مِن همِّ العداواتِ

إني أُحيِّي عدوي عند رؤيتِه
لأدفَع الشرَّ عني بالتحياتِ

وأملأ الوجهُ بِشرًا حين مَقْدَمِه
كأنما قد حشَا قلبي مَوَدَّاتي


نماذجُ في العفو:
إن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: اللهم إني تصدقت بعرضي على من نالني من خَلقك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أين المتصدق بعرضه البارحة؟))، قال: أنا يا رسول الله، قال: ((إن الله تعالى قد قَبِل صدقتَك))[8].

عن ابن عباسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ فيقول: أين العافون عن الناس؟ هلموا إلى ربكم خذوا أجوركم، وحق على كل مسلمٍ إذا عفا أن يدخله الله الجنة))[9].

كانت جاريةٌ لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء يتهيأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله عز وجل يقول: ï´؟ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ï´¾ [آل عمران: 134]، فقال لها: قد كظمتُ غيظي، قالت: ï´؟ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ï´¾ [آل عمران: 134]، قال: قد عفا الله عنك، قالت: ï´؟ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [آل عمران: 134]، قال: فاذهبي فأنت حرة لوجه الله[10].

إذا أردت عفو الله، فاعفُ عن الناس:
كلام قيِّم للإمام ابن القيم: "اعلم أن لك ذنوبًا بينك وبين الله، تخاف عواقبها، وترجوه أن يعفوَ عنها ويغفرها لك ويهَبَها لك، ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى ينعم عليك ويكرمك ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله، فإذا كنت ترجو هذا من ربك أن يقابل به إساءتك، فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه وتقابل به إساءتهم! ليعاملك الله هذه المعاملة؛ فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك، يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك؛ جزاءً وفاقًا، فانتقم بعد ذلك أو اعفُ، وأحسِنْ أو اترك، فكما تدين تدان، وكما تفعل مع عباده يفعل معك" [11].

سامِحْ أخاك إذا خلَطْ
منه الإصابة بالغلط

وتجافَ عن تعنيفه
إن زاغ يومًا أو قسَطْ

واعلَمْ بأنك إن طلَبْ
تَ مهذَّبًا رُمْتَ الشَّطَطْ

ولو انتقَدْتَ بني الزما
نِ وجَدْتَ أكثَرَهم سَقَطْ

مَن ذا الذي ما ساء قَطْ
طُ ومَن له الحسنى فقط


ماذا عن عفو الله عز وجل؟
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال: ((رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب، خُذْ لي مظلِمتي من أخي، فقال الله للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبقَ من حسناته شيءٌ؟ قال: يا رب، فليحمل من أوزاري))، قال: وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: ((إن ذاك اليوم عظيمٌ يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفَعْ بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه، فقال: يا رب، أرى مدائن من ذهبٍ وقصورًا من ذهب مكللةً باللؤلؤ، لأي نبي هذا، أو لأي صِدِّيقٍ هذا، أو لأي شهيدٍ هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب، ومن يملِك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب، فإني قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم؛ فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين))[12].

وصية عملية:
اعفُ عن الناس حتى يعفوَ الله عنك، وتجاوز عنهم حتى يتجاوز الله عنك؛ فالإحسانُ جزاؤه الإحسان.
•••


السؤال السابع والعشرون: رجل قتل خير الناس وشر الناس، فمَن هو؟
الجواب: الصحابي: وحشي بن حرب، الذي قال: قتلت بحربتي هذه خير الناس وشر الناس، فخير الناس: حمزة بن عبدالمطلب، وشر الناس: مسيلِمة الكذَّاب.
•••


خاطرة (بعد الفجر): آداب دخول المنزل:
1- ابدَأْ بالسلام:
هذه تحيتنا نحن المسلمين، لا عوض لنا عنها، فليس مقبولًا أن تكون التحية مستوردة من الغرب، فعلينا أن نعتز بديننا، وبتحية إسلامنا، فلنقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولا نستبدل بها أخرى.

قال الله تعالى: ï´؟ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ï´¾ [النور: 61]، يقول قتادة: بيتك إذا دخلته، فقل: سلام عليكم، وعن الزهري مثله[13].

وعن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثةٌ كلهم ضامنٌ على الله عز وجل: رجلٌ خرج غازيًا في سبيل الله، فهو ضامنٌ على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجرٍ وغنيمةٍ، ورجلٌ راح إلى المسجد، فهو ضامنٌ على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجرٍ وغنيمةٍ، ورجلٌ دخل بيته بسلامٍ فهو ضامنٌ على الله عز وجل))[14].

وإذا دخلت بيتًا ليس فيه أحد، فلتسلم عند الدخول، ولتقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، كما جاء عن مجاهد وقتادة، أنهما قالا: "إذا دخلت بيتًا ليس فيه أحدٌ، فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإن الملائكةَ ترد عليك"[15].

2- سَمِّ الله:
إن ذِكر الله على كل حال، ومنه عند دخول المنزل، وتظهر بركة الذكر دائمًا، ومنها عند دخول المنزل؛ فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء عن جابر بن عبدالله، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم، ولا عَشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعَشاء))[16].

3- التلطف عند الدخول:
إنه الرفق الذي يجب أن يكون في كل شيء؛ في تعاملاتنا، وكلامنا، وحركاتنا، وكذا عند دخولنا بيوتنا، وفي شتى مناحي حياتنا، فالرفق لا يكون في شيء إلا رفعه وزانه، ولا ينزع من شيء إلا وضَعه وشانه، فإذا دخل أحدنا بيته، فليتلطف عند الدخول، فليس من أخلاق المؤمن أن يكون فظًّا أو غليظًا أو سخَّابًا، أو مزعجًا، وإنما يدخل متلطفًا رحيمًا، وهذا هو هدي رسول الله، الذي بينه لنا الإمام ابن القيم - رحمه الله - إذ يقول: "لم يكن صلى الله عليه وسلم ليفجأ أهله بغتةً يتخونهم، ولكن كان يدخل على أهله على علمٍ منهم بدخوله، وكان يسلم عليهم"[17].

4- الدخول بالرِّجْل اليمنى:
لم يرِدْ نصٌّ صريحٌ أو صحيح في ذلك، لكن من باب التيمن في كل شيء أن يبدأ الداخل باليمنى، وغالبًا ما تقدم اليمين في كل ما هو من باب التكريم؛ كالوضوء والطعام والمصافحة وغيره، بخلاف تقديم اليسار فيما ضد ذلك، واستحب العلماء أن يبدأ الداخل بيته بالرِّجل اليمنى، فقال بعض العلماء: "وأما المنزل فيقدم يمناه دخولًا وخروجًا؛ إذ لا أذى ولا عبادة، ويظهر أن علة تقديم اليمنى في الخروج والدخول تكرمتها بتقدمها"[18].

5- استعمال السواك:
ما أجملك يا رسول الله؟! وما أحسنك؟! إنه الذوق العالي، والأدب الجم، والسلوك الرفيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يبرز الاهتمام بأمر الزوجة، وهو يبدأ بالسواك عند دخول بيته، حتى إذا تكلم مع إحدى زوجاته، أو اقترب منها، أو تعامل مع أولاده، لا يشَمُّون منه إلا ريحًا طيبة كريمة، إنها مراعاة الآخرين، وحسن طليعة النبيين الطيبين، والذي يجب على الأتباع أن يسلكوا نهج كل فضيل ونبيل؛ عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك)[19].

6- صلاة ركعتين عند الدخول والخروج:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خرجت من منزلك، فصل ركعتين، تمنعانك مخرج السوء، وإذا دخلت إلى منزلك، فصل ركعتين، يمنعانك مدخل السوء))[20].

فمن السنَّة التي نتعلمها: أن نصلي ركعتين عندما ندخل البيت، وركعتين إذا أردنا الخروج.

7- دعاء دخول المنزل:
إن تعاليم ديننا الحنيف تجعلنا على علاقة دائمة ومتصلة بربنا، فعند دخول المنزل نذكره وندعوه، وعند الخروج منه نذكره وندعوه، ومما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدعية عند دخول المنزل:
عن أبي مالكٍ الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ولج الرجل بيته، فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله))[21].

8- دعاء الخروج من المنزل:
عن أم سلمة، قالت: ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طَرْفَه إلى السماء فقال: ((اللهم أعوذ بك أن أَضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ، أو أَظلِمَ أو أُظلَمَ، أو أجهَلَ أو يُجهَلَ عليَّ))[22].

وعن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال إذا خرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كُفِيت، ووُقِيت، وتنحَّى عنه الشيطانُ))[23].

وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا خرج الرجل من باب بيته، أو من باب داره، كان معه ملكان موكلان به، فإذا قال: بسم الله، قالا: هُديت، وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، قالا: وُقِيت، وإذا قال: توكلتُ على الله، قالا: كُفيت، قال: فيلقاه قريناه فيقولان: ماذا تريدانِ من رجلٍ قد هُدِي وكُفِي ووُقِي؟))[24].

فإذا ذكرتَ الله عند خروجك فقد حفِظتَ نفسك وكفيتها ووقيتها؛ لأنك اعتمدت على من لا تضيع عنده الأنفس، ولا تَضِلُّ عنده الودائع.



درس الفقه: مصارف زكاة الفطر:
زكاة الفطر تخرُجُ للفقراء والمساكين؛ لحديث ابن عباسٍ، قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةً للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقةٌ من الصدقات)[25]، وهذا قول الإمام مالك، ورجحه الشوكاني بقوله: "هذه زكاةٌ خاصةٌ لطُهرة الصائم من اللغو والرفث، ولإغناء الفقراء في ذلك اليوم، فمَصرِفه الفقراء، ولا يصح التمسك بعموم: ï´؟ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ï´¾ [التوبة: 60]"[26].

ويرى بعض العلماء جوازَ صرفها لباقي الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في هذه الآية؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ï´¾ [التوبة: 60]، باعتبار أن زكاةَ الفطر زكاةٌ من الزكوات.

على مَن تجب وعمَّن تجب؟
تجب على المسلم الحر المالك لمقدار صاع، يزيد عن قوته وقوت عياله يومًا وليلة.
تجب عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته؛ كزوجتِه، وأبنائه، وخدَمِه، ومَن يتولى أمرهم ويقوم بالإنفاق عليهم.

حُكم إخراج القيمة:
إخراج زكاة الفطر طعامًا أو حبوبًا - من الأصناف الواردة في الحديث - هو الأصل الذي جاءت به النصوص من السنة النبوية المطهرة، وعليه جمهور فقهاء المذاهب، مع العلم بأن إخراجَ القيمة جائزٌ شرعًا، ومجزئٌ فعلًا، وبه قال السادة الأحناف، وعددٌ من التابعين، وجماعة من أهل العلم قديمًا وحديثًا - كالبخاري وسعيد بن المسيب وابن تيمية وابن القيم - ذهَبوا إلى جواز إخراج القيمة، إذا دعت حاجة الفقير لذلك - إذ المقصود من الزكاة إغناء الفقير، وهو يحصل بالقيمة، وهو أقرب إلى حاجة الفقير وأنفع له، وقد تساعده القيمة في تحقيق أغراضه، وشراء حاجياته، فقد جربنا ورأينا بأعيننا الفقير الذي تصدق عليه بالحبوب، يذهب إلى التجار، فيبيعها بأبخس الأثمان.

قال عمر رضي الله عنه: "إذا أوسع الله عليكم، فأوسعوا على أنفسكم".

حُكم نقل الزكاة:
الأصل في الزكاة أن تخرج في مكان الإقامة؛ لتحقيق معنى التكافل الاجتماعي، إلا إذا كانت هناك مصلحة تقتضي ذلك؛ كإعطائها لمن هو أكثر حاجة، وأشد فقرًا، أو لذي قرابة، فلا بأس.

نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام
لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة


[1] الترمذي (3513)، وابن ماجه (3850)، وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

[2] مسلم (2588).

[3] أبو داود (5074)، وابن ماجه (3871)، وأحمد (47859)، وصححه الأرناؤوط.

[4] الترمذي (3558)، وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

[5] ابن ماجه (3848)، وقال الأرناؤوط: حسن لغيره.

[6] مسلم (486).

[7] مسلم (2739).

[8] شعب الإيمان للبيهقي (7729)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4634)، وقال: رواه البزار، وفيه كثير بن عبدالله، وهو ضعيفٌ.

[9] الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك، لابن شاهين، (519).

[10] تاريخ دمشق لابن عساكر، (ج41، ص387)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر، 1415 ه = 1995 م.

[11] بدائع الفوائد، لابن القيم (ج2، ص244)، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

[12] مستدرك الحاكم (87818)، وقال: حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[13] شرح السنة للبغوي (ج12، ص284).

[14] أبو داود (2494)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

[15] شرح السنة للبغوي (ج12، ص284).

[16] مسلم (2018).

[17] زاد المعاد في هدي خير العباد (ج2، ص347).

[18] شرح مختصر خليل للخرشي، لمحمد بن عبدالله الخرشي المالكي، (ج1، ص146) دار الفكر للطباعة - بيروت، (بدون).

[19] مسلم (253).

[20] البزار (8567)، وذكره الألباني في صحيح الجامع (505).

[21] أبو داود (5096)، وضعفه الأرناؤوط.

[22] أبو داود (5094)، وصححه الأرناؤوط.

[23] الترمذي (3426)، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

[24] ابن ماجه (3886)، وقال الأرناؤوط: حسن لغيره.


[25] أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.

[26] السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، للإمام الشوكاني، ص268 بتصرف، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 12-02-2020, 02:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

رمضان يعلمنا الإرادة (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان





(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة




الحمد لله الواحد المعبود، عم بحكمته الوجود، وشملت رحمته كل موجود، أحمده سبحانه وأشكره، وهو بكل لسان محمود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغفور الودود، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود، وبعد:
فإن رمضان يغرس العزيمة، ويبني الإرادة؛ فالمسلم في رمضان يخالف العادات التي اعتادها، ويبتعد عن المألوفات التي أَلِفَها، ويتجنب الرغبات التي رغبها، فيستيقظ كل يوم قبيل الفجر، للسحور وصلاة الفجر، ويمتنع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لمدة ثلاثين يومًا، ويمسك لسانه عن قبيح الأقوال، وأفعاله عن مساوئ الأخلاق، وفي ذلك تقويةٌ للإرادة، وتحسينٌ للعزيمة.


والمسلم الصائم يستطيع في رمضان أن يعوِّد نفسه على كل ما هو خير، إن صمَدَت إرادته، وقويت عزيمته، فمن السهل أن يترك التدخين، وأن يحافظ على صلاة الفجر، ولا يُغفل الصلوات الخمس، ويداوم على قراءة القرآن؛ فإن علماء النفس يرون أن أي إنسان يريد التغيير، فإنه يجب أن يكرر من 6 إلى 21 مرة، حتى يحدِث تغييرًا حقيقيًّا في حياته، فشهر رمضان من 29 إلى 30 يومًا، يمسك فيها عن الطعام والشراب، فلا يأكل ولا يشرب، ولا يغتاب ولا يفسق، أليست هذه برمجة على الإرادة؟!


يقول الرافعي - رحمه الله - عن رمضان: فانظر في أي قانون من القوانين، وفي أي أمة من الأمم، تجد ثلاثين يومًا من كل سنة قد فرضت فرضًا لتربية الشعب ومزاولته فكرة نفسية واحدة بخصائصها وملابساتها، حتى تستقر وترسخ وتعود جزءًا من عمل الإنسان، لا خيالًا يمر برأسه مَرًّا....ثم ختم كلامه قائلًا: ألا ما أعظمك يا شهر رمضان! لو عرفك العالم حق معرفتك لسماك: (مدرسة الثلاثين يومًا)[1].


إن إرادة الصائم تقتضي المحافظة على الوقت، والصيامَ حقَّ الصيام، والقيام حق القيام، وعدم تفويت الفرصة؛ قال تعالى: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ï´¾ [الفرقان: 62].


إن الإرادة استعداد وإعداد؛ قال ربنا: ï´؟ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ï´¾ [التوبة: 46]، والإرادة سعيٌ وهمة؛ قال تعالى: ï´؟ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ï´¾ [الإسراء: 19].


إن الطالب الذي يريد أن ينجح في دراسته، يجتهد في دروسه، ويسهر ليله، ويغتنم وقته، ويجاهد نفسه؛ ليحقِّق هدفه، ويُسعِد أهله، فكلما قويت تلك الأفكار عنده، قويت الإرادة لديه؛ فالصائم أشبه بالطالب، الطالب يحقق النجاح الدراسي، والصائم يحقق النجاح الإيماني، وكلما كان الصائم صاحب هدف واضح من صومه، كانت الإرادة واضحة في إصراره وهمته العالية في الصيام والقيام، ويمتثل قول الشاعر:
لأستسهلَنَّ الصَّعْب أو أُدرِكَ المنى ♦♦♦ فما انقادَتِ الآمالُ إلا لصابرِ

أما أصحاب الإرادة الضعيفة، والعزيمة الهزيلة، فلا يبالون بوقت من ليل أو نهار يضيع هنا أو هناك، ويصدُقُ فيهم قول الشاعر:
ومَن رام العُلا مِن غيرِ كَدٍّ
أضاع العُمْرَ في طلَب المُحالِ

تروم العزَّ ثم تنامُ ليلًا
يغوص البحرَ مَن طلَب اللآلي



إن كل مسلم لديه إرادة، لكنها تتفاوت من شخص لآخر، قال حاتمٌ الأصم: إذا رأيت المريد يريد غير مراده، فاعلَمْ أنه أظهر نذالته.


مِن صفات المريد: أن يكون نومه غلبةً، وأكله فاقةً، وكلامه ضرورةً؛ فصاحب الإرادة لا ينام إلا إذا غلبه النوم، ولا يأكل إلا إذا احتاج أن يسد رمقه، ولا يتكلم إلا إذا اضطر للكلام، فهو حريص على وقته، جديرٌ بالحفاظ على حياتِه.
وقيل: مَن لم تصح إرادته ابتداءً، فإنه لا يزيده مرور الأيام عليه إلا إدبارًا.


كيف تقوِّي إرادتك؟
لا شك أن الإرادة مرتبطة بالإيمان، فإذا قوِيَ إيمان المسلم قوِيَتْ إرادته؛ قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [العنكبوت: 69]، وتقوية الإرادة لها عوامل:
أولها: التربية ومجاهدة النفس:
تعلَّمْ من رمضان التعود على العادات الحسنة؛ تعود على قراءة القرآن، والصيام، والدعاء، وقيام الليل، والتصدق على الفقراء، وصلة الأرحام، وكف الأذى، والإحسان إلى الناس، وكَظْم الغيظ، وكف اللسان.


ثانيها: المداومة على الطاعات:
فتلك وصية الله لحبيبه، حين قال: ï´؟ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ï´¾ [الحجر: 99]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بادِروا بالأعمال))، وكما قالت السيدة عائشة: (كان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدومها، وإن قَلَّ).


ثالثها: المسارعة وعدم التردد:
مِن أخلاق أصحاب الإرادة: أنهم يسارعون إلى الخيرات؛ قال ربنا: ï´؟ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ï´¾ [المؤمنون: 61].
وهذا واضح في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففي غزوة أُحُدٍ أشار على الصحابة في الخروج، فبعضهم قال بالخروج، وآخرون بعدم الخروج، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي مَن قالوا بالخروج، فلبِس لَأْمَةَ الحرب، فجاؤوه خشية أن يكونوا أكرهوا الرسول على الخروج، فقال لهم: ((إنه ليس لنبي إذا لبِس لَأْمَتَه أن يضَعَها حتى يقاتل)).


أيها الصائم، إذا أردت التغيير، فعليك بالإرادة، وإذا عزمت أن تحجز مكانًا لك في الجنة، فإنها الإرادة، وإذا هممت أن تعتق رقبتك من النار، فعانِقِ الإرادة.
إنها فرصة كبيرة لأن تجعل مِن رمضان انطلاقة بالإرادة والعزيمة، فانطلق نحو التغيير؛فتلك فرصتك في رمضان..

لا تَقُلْ: مِنْ أين أَبْدَأْ = طاعةُ الله البدايَهْ لا تقُلْ: أَيْنَ طريقي = شِرْعةُ الله الهدايَهْ لا تقُلْ: أين نعيمي = جنَّةُ الله الكفايَهْ لا تقُلْ: في الغدِ أَبْدَأْ = ربما تأتي النهايَهْ


وصية عملية:
صاحب الإرادة يقول: سأستعين بالله وأفعل إن شاء الله، ولا يقل: لا أستطيع؛ فالعاجز: هو من يقول: لا أفعل، ولا أستطيع، وصاحب الإرادةهو الذي يستعين ويتوكل على رب العالمين.
♦♦♦


السؤال السادس والعشرون: كم رمضان صام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: صام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات.
قال النووي في المجموع: "صام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنين؛ لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة".
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب الصلاة:
1- إخلاص النية:
إن الإخلاص في العمل يتطلب إفراد الله سبحانه وتعالى بالقصد في الطاعة، وتنقية القلب من كل ما يعكره؛ فالإخلاص لازم ومقرون بأي عمل؛ قال تعالى: ï´؟ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ï´¾ [الأنعام: 162، 163].


وقد تكون النية الصادقة أصدقَ مِن عمل كثير، ورب عمل كثير يضيعه عدم صدق النية؛ فالإخلاص مع قليل العمل محمود ومرفوع، وعدم الإخلاص مع كثير العمل مذموم وموضوع؛ عن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن: يا رسول الله، أوصِني، قال: ((أخلص دينك، يَكْفِك العملُ القليل))[2].


قال بعض الحكماء: (مَثَل مَن يعمل الطاعاتِ للرياء والسمعة كمثل رجلٍ خرج إلى السوق وملأ كيسه حصاةً، فيقول الناس: ما أملأ كيسَ هذا الرجل! ولا منفعةَ له سوى مقالة الناس، ولو أراد أن يشتري له شيئًا لا يعطى به شيئًا، كذلك الذي عمل للرياء والسمعة لا منفعة له مِن عمله سوى مقالة الناس، ولا ثوابَ له في الآخرة؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ï´¾ [الفرقان: 23]، يعني الأعمال التي عملوها لغير وجه الله تعالى، أبطَلْنا ثوابها، وجعَلْناها كالهباء المنثور، وهو الغبار الذي يُرَى في شعاع الشمس)[3].


2- الصلاة على وقتها:
إن الله سبحانه وتعالى وقَّت للصلاة أوقاتًا تؤدى فيها، ومن تعمد تأخيرها فقد أثم وعصى الله؛ قال ربنا: ï´؟ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ï´¾ [النساء: 103].
وعندما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، ماذا قال؟!
عن عبدالله بن مسعود، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قال: ثم أي؟ قال: ((ثم بر الوالدين))، قال: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قال: حدثني بهن، ولو استزدتُه لزادني[4].


واحذَرْ تعمُّد تأخير الصلاة؛ فقد توعد الله مَن يؤخر الصلاة عن وقتها بالويل، فقال: ï´؟ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ï´¾ [الماعون: 4، 5].


ذكَر الإمام ابن كثير في تفسيره: أن عطاء بن دينارٍ قال: والحمد لله الذي قال: ï´؟ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ï´¾ [الماعون: 5]، ولم يقل: في صلاتهم ساهون.


3- الصلاة في جماعة:
لقد امتدح الله عُمَّار المساجد، فقال: ï´؟ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ï´¾ [التوبة: 18].


كما وصف ربنا الذين لا تَشغَلهم الدنيا عن صلاة الجماعة بأنهم رجال، فقال سبحانه وتعالى: ï´؟ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ï´¾ [النور: 37].


إن فضلَ صلاة الجماعة عظيمٌ، والأجر عليها جزيل وكريم، والأحاديث على ذلك كثيرة، منها:
عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذِّ بسبعٍ وعشرين درجةً))[5].


عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشًى، فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصليها ثم ينام))، وفي رواية أبي كريبٍ: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعةٍ))[6].


عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن غَدا إلى المسجد، أو راح، أعد الله له في الجنة نزلًا كلما غدا أو راح))[7].


عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيتٍ من بيوت الله ليقضي فريضةً من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئةً، والأخرى ترفع درجةً))[8].


إنه لموقفٌ عجيب!
(عن عبيدالله بن عمر القواريري رضي الله عنه، قال: لم تكن تفوتني صلاة العشاء في الجماعة قط، فنزل بي ليلةً ضيفٌ، فشُغلت بسببه وفاتتني صلاة العشاء في الجماعة، فخرجت أطلب الصلاة في مساجد البصرة فوجدت الناس كلهم قد صلوا، وعلقت المساجد، فرجعت إلى بيتي، وقلت: قد ورد في الحديث: ((إن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجةً))، فصليت العشاء سبعًا وعشرين مرةً، ثم نمت، فرأيت في المنام كأني مع قوم على خيل وأنا أيضًا على فرس، ونحن نستبق وأنا أركض فرسي فلا ألحقهم، فالتفت إليَّ أحدهم، فقال لي: لا تتعب فرسك فلست تلحقنا، قلت: ولم؟ قال: لأنا صلينا العشاء في جماعة وأنت صليت وحدك، فانتبهت وأنا مغموم حزين لذلك)[9].


4- التبكير والصف الأول:
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهَموا ...))[10].


وتلكم نماذجُ مِن حياة السلف وحرصهم على التبكير وحضور الصف الأول؛ فقد رُوِي أنهم: كانوا يُعَزُّون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى، ويعزون سبعًا إذا فاتتهم الجماعة.

قال سعيد بن المسيب: ما أذن مؤذن منذ عشرين سنة إلا وأنا في المسجد.
وقد أعد الله لمن يحافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يومًا براءتين؛ فكما جاء عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يومًا في جماعةٍ يدرك التكبيرة الأولى، كُتب له براءتان: براءةٌ من النار، وبراءةٌ من النفاق))[11].


5- الزينة عند الصلاة:
إذا أراد المسلم أن يقف بين يدي الله للصلاة، فعليه أن يتزين ويتجمل للقاء ربه؛ فهو الذي أمرنا بذلك فقال: ï´؟ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ï´¾ [الأعراف: 31].


ويذكر الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية، قوله: "ولهذه الآية، وما ورد في معناها من السنَّة، يستحب التجمُّل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد، والطيب؛ لأنه مِن الزينة، والسواك؛ لأنه من تمام ذلك، ومن أفضل الثياب: البَياض".


إن رب العالمين أحق بالزينة والجمال؛ جاء عن ابن جريجٍ قال: (أخبرني نافعٌ: أن ابن عمر كساه ثوبين وهو غلامٌ، قال: فدخل المسجد فوجده يصلي متوشحًا به في ثوبٍ، فقال: أليس لك ثوبانِ تلبَسُهما؟، فقلت: بلى،فقال: أرأيتَ لو أني أرسلتك إلى وراء الدار لكنت لابسهما؟، قال: نعم، قال: فالله أحقُّ أن تتزين له أم الناس؟، قال نافعٌ: فقلت: بل اللهُ)[12].


6- النافلة في البيت:
إن مِن أفضل صلاة العبد ما يصليها في بيته، وهي صلاة النافلة، أما الفريضة فمكانها في المسجد؛ عن زيد بن ثابتٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرةً في المسجد من حصيرٍ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناسٌ، ثم فقدوا صوته ليلةً، فظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، فقال: ((ما زال بكم الذي رأيتُ مِن صنيعكم، حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا الصلاةَ المكتوبة))[13].


ويعلق العلماء على ذلك، فيقول النووي: "المراد النافلة، وجميع أحاديث الباب تقتضيه، ولا يجوز حمله على الفريضة، وإنما حث على النافلة، والتطوع في البيت أفضل، ولأن الصلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص،وأبعد من الرياء، وهو من عمل السر، وفعله في المسجد علانيةٌ، والسر أفضل"[14].
وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورًا))[15].


7- عليكم بالسكينة:
مِن آداب الصلاة: أن يأتي المصلي إلى المسجد بسكينة، كما أنه إذا صلى في بيته يتجهز للصلاة بسكينة ووقار، لا بإسراع أو جري؛ فعن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا نودي بالصلاة فأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا))[16].


يقول الملا علي القاري: (مَن خاف التكبيرة الأولى، فقيل: إنه يسرع، فإن عمر رضي الله عنه سمع الإقامة بالبقيع فأسرع إلى المسجد، وقيل: إنه يهرول، ومنهم من اختار أن يمشي على وقارٍ للحديث؛ لأن من قصد الصلاة فكأنه في الصلاة، وذلك إذا لم يقع منه تقصيرٌ، والأظهر الإسراع مع السكينة دون العَدْوِ؛ إحرازًا للفضيلتين)[17].


8- الخشوع في الصلاة:
إن مِن أهم الآداب الخشوع في الصلاة؛ فإنه لا يرفع للمسلم شيءٌ من صلاته، إلا بقدر خشوعه فيها، ومن صفات المؤمنين: أنهم يخشعون في صلاتهم؛ قال تعالى: ï´؟ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ï´¾ [المؤمنون: 1، 2].


ومِن المُعِينات على الخشوع: أن تصلي صلاة مودع؛ أي: كأنها آخر صلاة تؤديها؛ عن أبي أيوب، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، علمني، وأوجز، قال: ((إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودعٍ، ولا تكلم بكلامٍ تعتذر منه، وأجمِعِ اليأسَ عما في أيدي الناس))[18].


وثواب المصلي بقدر حضوره وخشوعه في صلاته؛ عن عمار بن ياسرٍ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عُشر صلاته، تُسعها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، رُبعها، ثُلثها، نِصفها))[19].


ومما يعين المرء على الخشوع في صلاته أيضًا: الاستعداد الجيد للصلاة، والشعور بما أنت مقبل عليه، واستحضار عظمة الله في نفسك، والطمأنينة في أداء ما تقوم به من أركان وهيئات، وتذكر الموت، وسل نفسك:هل صلاتي التي أصليها ستشفع لي عند ربي؟! أم ستُرَد علي؟! وعليك بتدبر الآيات التي تقرؤها، والأذكار والأدعية التي تدعو بها، ثم اعلم بأنك تناجي ربك، وربك يجيبك، فانظر بماذا تناجيه، اسمع إلى حبيبك صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((إن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله تبارك وتعالى قِبَل وجهه))[20].


ويروى عن حاتم الأصم - رحمه الله - أنه سئل عن صلاته فقال: (إذا حانت الصلاة، أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شِمالي، وملَك الموت ورائي، أظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبِّر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعًا بتواضع، وأسجد سجودًا بتخشُّع، وأقعد على الورك الأيسر، وأفرش ظهر قدمها، وأنصب القدم اليمنى على الإبهام، وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا)[21].


9- أذكار بعد الصلاة:
تنوعت أذكار ما بعد الصلاة وتعددت، فلنقتصر على بعضها؛ فهي معلومة لدى الجميع، ومنها: عن ثوبان، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال: ((اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام)) قال الوليد: فقلت للأوزاعي: "كيف الاستغفار؟ قال: تقول: أستغفر الله، أستغفر الله"[22].


كتَب المغيرةُ بن شعبة إلى معاوية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة وسلَّم، قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ، اللهم لا مانع لما أعطيتَ، ولا معطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ))[23].


عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سبَّح الله في دبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمِد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر اللهَ ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعةٌ وتسعون، وقال: تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ - غُفِرت خطاياه، وإن كانت مِثلَ زَبَدِ البحر))[24].


عن عقبة بن عامرٍ، قال: (أمَرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوِّذات دبر كل صلاةٍ)[25].
والمعوذات، هي: ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾ [الإخلاص: 1]، ï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ï´¾ [الفلق: 1]، ï´؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ï´¾ [الناس: 1].


عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاةٍ مكتوبةٍ، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت))[26].


عن معاذ بن جبلٍ: أن رسول صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، وقال: ((يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك))، فقال: ((أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاةٍ تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك))[27].


10- عليك بالسترة:
عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلى أحدكم، فليصل إلى سترةٍ، وليَدْنُ منها، ولا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن جاء أحدٌ يمر فليقاتله؛ فإنه شيطانٌ))[28].


قال المناوي: (أي إذا صلى أحدكم فرضًا أو نفلًا، فليصلِّ إلى سترة؛ من نحو سارية أو عصًا، ولو أدق من رمح، فإن فقد ما ينصبه، بسط مصلًّى كسجادة، فإن لم يجد خط خطًّا طولًا، وخص من إطلاق السترة ما نهي عن استقباله من آدمي ونحوه)[29].


11- الحرص على سنن الصلاة:
وكل سنة في الصلاة ينبغي أن يأتي بها المصلي ما استطاع، حتى يكون قد صلى كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع العلم بأن الإتيان بالسنن من تمام الصلاة، وتركها لا يبطل الصلاة؛ فالسنن قد يغفُلُ عنها البعض، أو تغيب عن الآخرين، وقد تكون السنة فعلية، وقد تكون قولية، ولا مجال للحديث عن كل سنة تفصيلًا؛ فالمقام لا يناسب، غير أنها قد تكون سنة عند بعضهم، واجبة عند غيرهم، والتعرض لها يكون على سبيل الإجمال: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، كما يسن رفعها عند الركوع والرفع منه، وعند القيام للركعة الثالثة بعد التشهد الأوسط، وأن يضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، وأن يقول دعاء الاستفتاح، وأن يستعيذ قبل القرءة، وأن يسوي ظهره في الركوع، والسجود على سبعة أعظم - الجبهة، واليدين، والركبتين، والقدمين، مستقبلًا بأطراف أصابع قدميه القبلة - فأركان الصلاة وواجباتها وسننها يجمعها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي جاء فيه عن أبي سليمان مالك بن الحويرث، قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلةً، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألَنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رفيقًا رحيمًا، فقال: ((ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم ومُرُوهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة، فليؤذِّنْ لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم))[30].
♦♦♦


درس الفقه: أحكام زكاة الفطر:
متى شُرعت؟
شُرعت زكاة الفطر في شعبان في السنة الثانية من الهجرة، في العام الذي فُرض فيه صوم رمضان.


أدلتها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (فرَض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ على العبد والحر، والذَّكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)[31].


عن ابن عباسٍ، قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةً للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقةٌ من الصدقات)[32].


أما مقدارها فأربعة آصُع: والصاع = أربعة أمداد، والمُدُّ: ملء اليدين المتوسطتين، ويساوي عند الجمهور: 510 جرام...ويعدل الصاع عند أبي حنيفة: 3.25 كجم، وعند الجمهور: 2.400 كجم، فيكون وزنها: 2.5 كجم تقريبًا.

حُكمها:
واجبة على كل مسلم، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، قادر عليها وقته، وتجب بالفِطر من رمضان.


حِكمتها:
طُهرة للصائم مما وقع فيه من لغو ورفث، قال وكيع بن الجراح: "زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة، تجبُرُ نقصان الصوم، كما يجبر السجود نقصان الصلاة".
إغناء الفقراء والمساكين عن السؤال؛ لقولهصلى الله عليه وسلم: ((أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم)).
إظهار الجود والكرم، وغرس روح المواساة والإحسان إلى الفقير.


وقتها:
الشافعية والحنابلة: يرون أنها تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، والحنفية يقولون: تجب بدخول فجر يوم العيد...والمالكية: أجازوا إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين....وعند الشافعية: يجوز تقديمها من أول الشهر.


واتفقوا على أن زكاة الفطر إذا وجبت لا تسقط بتأخيرها، بل هي دَينٌ في ذمته، يلزمه قضاؤها، كما أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد. والله أعلم.


نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام
لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، والصادر عن دار الصفوة بالقاهرة


[1] وحي القلم، للأديب/ مصطفى صادق الرافعي، (ج2، ص63)، بعنوان: شهر للثورة.. فلسفة الصيام، المكتبة العصرية، صيدا - بيروت.

[2] مستدرك الحاكم (7844)، وضعَّفه الألباني.

[3] تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين، للسمرقندي، ص25، حققه وعلق عليه: يوسف علي بديوي، دار ابن كثير، دمشق - بيروت، ط3/ 1421 هـ = 2000 م.

[4] البخاري (5970)، مسلم (85).

[5] متفق عليه.

[6] مسلم (662).

[7] مسلم (669).

[8] مسلم (666).

[9] الكبائر، للإمام الذهبي، ص32.

[10] سبق تخريجه في آداب الأذان.

[11] الترمذي (241)، وحسنه الشيخ/ أحمد شاكر.

[12] شرح صحيح البخاري، لابن بطال، (ج2، ص18).

[13] البخاري (7290)، مسلم (781).

[14] انظر: شرح النووي على مسلم (ج6، ص67)، والمغني لابن قدامة (ج2، ص104) بتصرف.

[15] البخاري (432).

[16] مسلم (602).

[17] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، الملا علي القاري، (ج2، ص578)، دار الفكر، بيروت - لبنان، ط1/ 1422ه = 2002م.

[18] ابن ماجه (4171)، وأحمد (23498)، وحسنه الألباني.

[19] أبو داود (796)، وسنن النسائي (615)، وقال الأرناؤوط: حديث صحيح.

[20] مسلم (3008).

[21] إحياء علوم الدين، (ج1، ص151).

[22] مسلم (591).

[23] مسلم (591).

[24] مسلم (597).

[25] النسائي (1336)، وصححه الألباني.

[26] السنن الكبرى للنسائي (9848)، ومعجم الطبراني، وعمل اليوم والليلة لابن السني، وأورده الألباني في الصحيحة (972).

[27] أبو داود (1522)، وابن حبان (2020)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

[28] أبو داود (698)، وابن ماجه (954)، وقال الألباني: حسن صحيح.

[29] فيض القدير، للمناوي (ج1، ص389).


[30] البخاري (6008).

[31] البخاري (1503).

[32] أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 12-02-2020, 02:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

رمضان يعلمنا التعاون والصلة (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان




(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة



الحمد لله الذي لم يزَلْ عليمًا قديرًا، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس كافةً بشيرًا ونذيرًا، وعلى آل محمدٍ وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
فإن رمضان خير وسيلةٍ لغرس التعاون بين أفراد المجتمع، ومن صور التعاون بين المسلمين في رمضان: كثرة المساعدات والمساهمات عند الإفطار، فالشباب والفتيات يقفون على حافة الطريق ليعطوا المارة شيئًا من المشروبات أو المطعومات قبيل المغرب، ومن الناس من يعمد إلى نصب موائد الطعام، وآخر يقوم بتجهيز ما يسمى بالحقائب الغذائية - وتعرف بشنطة رمضان - وصنف منهم يعد وجبات جاهزة ويوزعها على الفقراء والمحتاجين، والجميل في مظاهر التعاون الرمضاني هو التواصل الأسري، بدعوة بعضهم بعضًا على الإفطار، فعلى سبيل المثال: لو أن أسرة بها أربعة أفراد بالإضافة إلى الأب والأم، والأب والأم في بيت مستقل، وكل فرد من الأسرة له بيته المستقل، فلو تنوعت الدعوات والاجتماعات بينهم، كل أسرة تذهب إلى الأخرى، لوجدت ما يزيد عن أربع أو خمس مرات اجتمعوا فيها على الطعام، وهذا في شهر واحد، وغالبًا ما يكون في رمضان، وليس في غيره - إلا الأسرة المواظبة على ذلك - ويضاف إلى التراحم والتوادد بين الأسر التواصل بين الأصدقاء والأحباب، وكلها معانٍ سامية ومشاعر راقية يسعى الإسلام بتعاليمه لتأصيلها وترسيخها في نفوس أتباعه، كما أنها تساعد على وحدة المجتمع وتقوية روابطه وسواعده.

إذًا، فرمضانُ فرصةٌ كبيرة لتحقيق التعاون بين المسلمين، فهو قيمة إسلامية كبيرة، دعا إليها القرآن الكريم وأمر بها؛ قال ربنا: ï´؟ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ï´¾ [المائدة: 2].

وعلَّق الإمام القرطبي قائلًا: "وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى؛ أي: ليُعِنْ بعضكم بعضًا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه، وهذا موافق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الدالُّ على الخير كفاعله))، وقد قيل: الدال على الشر كصانعه"[1].

وكما أن التعاون أمرٌ قرآني فهو ضرورة اجتماعية، وحاجة أساسية، لا غنى للمجتمع عنها، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))[2]...ومن يريد العون من الله، فليُعِن الناس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))[3].

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتدح الأشعريين؛ لتعاونهم في أمر الطعام؛ فعن أبي موسى، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحدٍ، ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم))[4].

ثم تأتي المواقف النبوية لتجسِّد مدى صورة التعاون النبوي في الأسرة والمجتمع؛ في الأسرة يعين أهله، ويقوم على خدمتهم، عندما سُئلت السيدة عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله - تعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة)[5].

ومع المجتمع تصفه السيدة خديجة؛ عندما عاد من لقاء الوحي به أول مرة، فقال: ((أي خديجة، ما لي؟ لقد خشيتُ على نفسي))، فأخبرها الخبر، قالت خديجة: كلا، أبشِرْ؛ فوالله لا يخزيك الله أبدًا؛ فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمِل الكَلَّ، وتَكسِب المعدوم، وتَقْري الضيف، وتُعين على نوائب الحق"[6].

ويُفهم من كلام السيدة خديجة: أن مَن يبذل الخير للناس، ويتعاون معهم، ويسعى في خدمتهم، هو كفيلٌ بإزاحة الأذى عنه، وبُعْد المكروه؛ لفعله المعروف.

ويصف عثمان رضي الله عنه تعاون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: "إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، فكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير"[7].

وقيل:
لولا التعاونُ بين الناسِ ما شرُفَتْ ♦♦♦ نَفْسٌ ولا ازْدهَرَتْ أرضٌ بعُمرانِ

ولا ننسَ أن التعاون من شِيم الأنبياء عليهم السلام؛ فسيدنا إبراهيم عليه السلام لما أُمر ببناء الكعبة، طلب من ابنه إسماعيل عليه السلام أن يعينه ويساعده في هذه المهمة الإلهية، فقال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك[8].

وطلب سيدنا موسى عليه السلام من ربه أن يجعل أخاه هارون معه ليُعِينه في أمر الدعوة، ويحكي القرآن هذا الطلبَ، فيقول: ï´؟ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ï´¾ [طه: 29 - 32]، فيستجيب الله لطلبه، ï´؟ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ï´¾ [طه: 36].

وإليكم هذه القصة الرائعة:
عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى صاحب بز فاشترى منه قميصًا بأربعة دراهم، فخرج وهو عليه، فإذا رجلٌ من الأنصار، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، اكسني قميصًا، كساك الله من ثياب الجنة، فنزع القميص فكساه إياه، ثم رجع إلى صاحب الحانوت فاشترى منه قميصًا بأربعة دراهم، وبقي معه درهمان، فإذا هو بجاريةٍ في الطريق تبكي، فقال: ((ما يبكيك؟))، فقالت: يا رسول الله، دفع إليَّ أهلي درهمين أشتري بهما دقيقًا فهلكا، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم إليها الدرهمين الباقيين، ثم ولت وهي تبكي فدعاها، فقال: ((ما يُبكيك وقد أخذت الدرهمين؟))، قالت: أخاف أن يضربوني، فمشى معها إلى أهلها، فسلَّم، فعرفوا صوته، ثم عاد فسلم، ثم عاد فسلم، ثم عاد فثلث فردوا، فقال: ((أسمعتم أول السلام؟))، قالوا: نعم، لكن أحببنا أن تزيدنا من السلام، فما أشخصك بأبينا وأمنا؟ قال: ((أشفقت هذه الجارية أن تضربوها))، قال صاحبها: فهي حرةٌ لوجه الله؛ لممشاك معها؛ فبشرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بالخير والجنة، ثم قال: ((لقد بارك الله في العشرة؛ كسا الله نبيه قميصًا، ورجلًا من الأنصار قميصًا، وأعتق الله منها رقبةً، وأحمد اللهَ؛ هو الذي رزقنا هذا بقدرته))[9].

يتفاوت الناس في أمر التعاون فيما بينهم، يقول الماوردي: "تنقسم أحوال الناس إلى أربعة أقسام: منهم من يعين ويستعين، ومنهم من لا يعين ولا يستعين، ومنهم من يستعين ولا يعين، ومنهم من يعين ولا يستعين، فأما المعين والمستعين: فهو معاوض منصف يؤدي ما عليه، ويستوفي ما له، وأما من لا يعين ولا يستعين: فهو منازل قد منع خيره، وقمع شره، وأما من يستعين ولا يعين: فهو لئيم كَلٌّ، ومَهين مستذل، وأما من يعين ولا يستعين: فهو كريم الطبع، مشكور الصنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء؛ فهذا أشرف الإخوان نفسًا، وأكرمهم طبعًا"[10].

عن أبي ذر، قال: سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: ((الإيمان بالله))، فقلت: يا نبي الله، مع الإيمان عملٌ؟ قال: ((أن ترضخ مما خولك الله، أو ترضخ مما رزقك الله))، قلت: يا نبي الله، فإن كان فقيرًا لا يجد ما يرضخ؟ قال: ((يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر))، قلت: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؟ قال: ((فليُعِنِ الأخرقَ))، قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع؟ قال: ((فليُعِنْ مظلومًا))، قلت: يا نبي الله، أرأيت إن كان ضعيفًا لا يستطيع أن يعين مظلومًا؟ قال: ((ما تريد أن تترك لصاحبك من خيرٍ، ليُمسِكْ أذاه عن الناس))، قلت: يا رسول الله، أرأيت إن فعل هذا يدخل الجنة؟ قال: ((ما من مؤمنٍ يصيب خصلةً من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تُدخِله الجنة))[11].

وفي النهاية، أود أن أذكركم أننا نمتلك ما يسمى بمنظمة التعاون الإسلامي، التي تأسست عام 1969م، وتضم (57) دولة ذات غالبية مسلمة من منطقة الوطن العربي وإفريقيا وجنوب شرق آسيا، والسؤال: ماذا قدمت هذه المنظمة التعاونية المسلمة للإسلام والمسلمين؟

وصية عملية:
اعلَمْ أنك قليلٌ بنفسك، كثيرٌ بغيرك، فتعاوَنْ حتى تُعانَ.
♦♦♦

السؤال الخامس والعشرون: اذكر اسم السورة التي لم تبدأ بالبسملة، والسبب:
الجواب: هي سورة التوبة، والسبب:
عن عبدالله بن عباسٍ، قال: سمعتُ أبي يقول: سألت عليَّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: لِمَ لَمْ تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: لأن (بسم الله الرحمن الرحيم أمانٌ، وبراءةُ نزلت بالسيف، ليس فيها أمانٌ)؛ مستدرك الحاكم (3273).
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب الأذان:
إن الأذان من أعظم شعائر الإسلام، به نسمع التكبير والشهادتين، وبه يكون النداء، لنؤدي أعظم عبادة لله، وهي الصلاة، وتلك الشعيرة الإسلامية - الأذان - لها آدابها وأحكامها، وهي:
1- النية الحسنة:
إن العبد لا يثاب على عمل إلا بنيته، فكل عمل مفتقر إلى نية، واعلم أنه كلما كثرت النوايا، كثرت الحسنات والعطايا مِن رب البرايا، يقول صاحب الإحياء: (وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة؛ فإن الطاعة الواحدة يمكن أن ينوي بها خيراتٍ كثيرةً، فيكون له بكل نيةٍ ثوابٌ؛ إذ كل واحدة منها حسنة، ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها)[12]، ومن أبرز وأهم النوايا التي ينبغي أن يستحضرها المؤذن:
المؤذنون أطول الناس أعناقًا: عن معاوية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة))[13].

القرعة على الأذان: عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا...))[14].

الشيطان يفِرُّ من صوت الأذان: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراطٌ، فإذا قُضي أقبل، فإذا ثُوِّب بها أدبر، فإذا قُضي أقبل، حتى يخطِرَ بين الإنسان وقلبه، فيقول: اذكر كذا وكذا، حتى لا يدري أثلاثًا صلى أم أربعًا، فإذا لم يدرِ ثلاثًا صلى أو أربعًا، سجد سجدتي السهو))[15].

دعاء النبي للمؤذن بالمغفرة: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإمام ضامنٌ، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشِدِ الأئمة، واغفِرْ للمؤذنين))[16].

الجنة لمن أذن ثنتي عشرة سنة: عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أذَّن ثنتي عشرة سنةً، وجبت له الجنة، وكُتب له بتأذينه في كل يومٍ ستون حسنةً، ولكل إقامةٍ ثلاثون حسنةً))[17].

للمؤذن أجر من صلى معه: عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤذن يُغفَر له مدى صوته، وأجره مثل أجر من صلى معه))[18].

كل شيءٍ يشهد للمؤذن: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((المؤذن يغفر له مدى صوته، ويَشهَد له كل رطبٍ ويابسٍ، وشاهد الصلاة يكتب له خمسٌ وعشرون صلاةً، ويُكفَّر عنه ما بينهما))[19].

2- الطهارة:
يُستحَب للمؤذن أن يكون على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر، وهي في الأقامة آكَدُ؛ لاتصالها بالصلاة، والدليل على استحباب الطهارة في الأذان هو ما جاء عن المهاجر بن قنفذٍ: أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلَّم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: ((إني كرهتُ أن أذكر الله عز وجل إلا على طُهرٍ، أو قال: على طهارةٍ))[20].

وجه الاستدلال هنا: أنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يذكر الله على غير طهارة، فالأذان ذكر لله، فاستحب له الطهارة، وإن أذن المحدِث، فجائز مع الكراهة.

3- الأذان قائمًا:
فهو مستحبٌّ، وأجمع العلماء على ذلك، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا، فقال له: ((يا بلال، قُمْ فنادِ بالصلاة))[21].

4- استقبال القِبلة:
يُسَنُّ استقبال القبلة للمؤذن؛ حيث إن مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستقبلون القبلة؛ عن ابن سيرين، قال: (إذا أذن المؤذن استقبل القِبلة)[22]، وقال ابن رجب: "والسنَّة عند جمهور العلماء أن يؤذن مستقبل القِبلة"[23]، مع العلم أنه لو لم يستقبل القبلة صح أذانه مع الكراهة.

5- أن يكون المؤذن حسَنَ الصوت:
وهذا أدب مهم ومطلوب، وهو أن الذي يؤذن يكون صوته حسنًا نديًّا، يحبه من يسمعه، وهذا الحديث تأصيل للمطالبة بمن يمتلك صوتًا حسنًا أن يرفع الأذان؛ فقد جاء عن عبدالله بن زيدٍ، قال: لما أصبحنا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالرؤيا، فقال: ((إن هذه لرؤيا حق، فقُمْ مع بلالٍ فإنه أندى وأمد صوتًا منك، فألقِ عليه ما قيل لك، ولينادِ بذلك))[24].
فينبغي أن يكون صوت المؤذن صيتًا - عالي الصوت - نديًّا؛ حتى لا ينفر الناس من الأذان.

6- الالتفات يمينًا ويسارًا:
عن أبي جحيفة، قال: "وأذن بلالٌ، قال: فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا - يقول: يمينًا وشِمالًا - يقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح"[25].
قال ابن رجب - رحمه الله -: "ويدير وجهه في قول: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) يمينًا وشمالًا"[26].

وقال النووي - رحمه الله -: "واختلفوا في كيفية التفاتِه على مذاهبَ، وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا، أصحها - وهو قول الجمهور -: أنه يقول: حيَّ على الصلاة مرتين عن يمينه، ثم يقول عن يساره مرتين: حيَّ على الفلاح، والثاني: يقول عن يمينه: حيَّ على الصلاة مرة، ثم مرة عن يساره، ثم يقول: حيَّ على الفلاح مرة عن يمينه، ثم مرة عن يساره، والثالث: يقول عن يمينه: حيَّ على الصلاة، ثم يعود إلى القِبلة، ثم يعود إلى الالتفات عن يمينه، فيقول: حيَّ على الصلاة، ثم يلتفت عن يساره، فيقول: حيَّ على الفلاح، ثم يعود إلى القبلة، ويلتفت عن يساره فيقول: حيَّ على الفلاح"[27].

7- وضع الإصبع في الأذن:
فمن السنَّة أن يضع المؤذن إصبعيه في أذنيه؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا أن يجعل إصبعيه في أذنيه، وقال: ((إنه أرفَعُ لصوتك))[28].
وقال ابن الهمام: "ولأنه أبلغ في الإعلام، فإن لم يفعل فحسنٌ؛ لأنها ليست بسنةٍ أصليةٍ"[29].

8- الترديد لمن يسمع الأذان:
عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ؛ فإنه مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا...))[30].

والترديد يكون بالتكرار خلف المؤذن، في كل ما يقول، إلا عند قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلابالله.

تنبيه: يسن الترجيع في جميع الأوقات، وهو أن يقول الشهادتين سرًّا قبل الجهر بهما، أما التثويب: فهو أن يقول المؤذن في أذان الفجر فقط بعد حي على الفلاح: الصلاةُ خيرٌ من النوم.

9- أذكار بعد الأذان:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة))[31].

ويضاف إليه هذا: ما جاء عن سعد بن أبي وقاصٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربًّا، وبمحمدٍ رسولًا، وبالإسلام دينًا، غُفِر له ذنبه))[32].

مع استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان؛ عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا...))[33].

10- الدعاء بين الأذان والإقامة:
احرِصْ على الدعاء بعد الأذان وقبل الإقامة؛ فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدعاء بينهما مستجاب؛ فعن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُرَدُّ الدعاء بين الأذان والإقامة))[34].
♦♦♦


درس الفقه:
ما يجوز للمعتكف فعله:
يجوز الخروج لحاجة كبولٍ وغائط.
يجوز الخروج لغسل الاحتلام.
يجوز الأكل والشرب والنوم في المسجد، بشرط المحافظة على نظافته.

مبطلات الاعتكاف:
الخروج بلا عذر شرعي؛ كالخروج للبيع والشراء، أو لغير حاجة طبيعية، تقول السيدة عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ إذا كان معتكفًا"[35].
ذهاب العقل: سواءٌ كان بجنون أو بسُكْر.
الحيض والنفاس؛ لزوال تحقق شرط الطهارة.
الجماع؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ï´¾ [البقرة: 187].
المباشرة بشهوة؛ كالقُبْلة واللَّمْس وغيره.
الرِّدة؛ لقوله تعالى: ï´؟ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ï´¾ [الزمر: 65].

آداب الاعتكاف:
1. يُستحَب الإكثار من النوافل، والتقرب إلى الله بشتى أنواع العبادات التي يستطيع أن يؤديها في المسجد.
2. الانشغال بذكر الله، والدعاء، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3. الحرص على تلاوة القرآن الكريم، والهمة العالية في ختمه أكثر من مرة.
4. الإمساك عن الكلام الكثير، والبعد عن اللغو والحديث فيما لا يعنيه.
5. عدم تضييع الوقت في المسجد، فلا ينام كثيرًا، ولا يقضي وقته بدون عبادة أو طاعة.
6. يستحب أن يكون صائمًا، وبه قالت السيدة عائشة، وابن عباس، وهو مذهب مالك.
7. يستحب أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكَف في المسجد الجامع.

حُكم قضاء الاعتكاف:
إن كان قد نذر الاعتكاف، فخرج منه، وجب عليه القضاء، وإن كان تطوعًا فلا يجب قضاؤه، بل يستحب.
والله أعلم.


نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان
دار الصفوة بالقاهرة


[1] تفسير القرطبي (ج6، ص46).

[2] مسلم (2586).

[3] مسلم (2699).

[4] البخاري (2486)، مسلم (2500).

[5] البخاري (676).

[6] البخاري (4953)، مسلم (160).

[7] مسند أحمد (504)، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن.

[8] البخاري (3364).

[9] المعجم الكبير للطبراني (13607).

[10] أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص171، 172 باختصار، دار مكتبة الحياة، تاريخ الطبعة: 1986م.

[11] شعب الإيمان (3057).

[12] إحياء علوم الدين (ج4، ص370).

[13] مسلم (387).

[14] البخاري (2689)، مسلم (437).

[15] البخاري (3285).

[16] أبو داود (517)، والترمذي (207)، وأحمد (7805)، وقال العلامة أحمد شاكر: إسناده صحيح.

[17] ابن ماجه (728)، والمعجم الأوسط للطبراني (8733)، وحسنه الأرناؤوط.

[18] المعجم الكبير للطبراني (7942)، وأورده الألباني في صحيح الجامع (6643).

[19] أبو داود (515)، وابن ماجه (724)، وأحمد (6201)، وصححه الأرناؤوط.

[20] أبو داود (17)، وأحمد (19034)، والحاكم (592)، وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين.

[21] متفق عليه.

[22] مصنف ابن أبي شيبة (2184).

[23] فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن رجب، (ج5، ص378)، مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة النبوية، ط1/ 1417 هـ = 1996 م.

[24] أبو داود (499)، والترمذي (189)، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

[25] متفق عليه.

[26] فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن رجب (ج5، ص378).

[27] شرح النووي على مسلم (ج4، ص219).

[28] ابن ماجه (710)، والمعجم الصغير للطبراني (1170)، ومستدرك الحاكم (6554)، وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره.


[29] فتح القدير، للكمال بن الهمام، (ج1، ص245)، دار الفكر، بدون طبعة وتاريخ.

[30] مسلم (384).

[31] البخاري (614، 4719).

[32] مسلم (386).

[33] سبق تخريجه.

[34] أبو داود (521)، والترمذي (212)، وقال: حديث أنسٍ حديثٌ حسنٌ.

[35] متفق عليه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 12-02-2020, 02:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

فضل من أدرك رمضان (درس رمضاني)
الشيخ أحمد علوان




(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله ولي التوفيق، وهادي مَن استهداه لأقوم الطريق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الداعين وإمام الهادين، ورضي الله عن أصحابه الغر الميامين وسلم تسليمًا، وبعد:
فإدراك رمضان نعمة من المنعم سبحانه وتعالى على المنعَم عليه، فكم من أناس كانوا معنا رمضان الماضي، لكن سبق القدر، فكانوا في عالم آخر غير عالمنا، فاستشعِرْ تلك النعمة، وكن ممن أحسن الصيام والقيام، واسأل نفسك: هل أنا في هذا العام كالعام الماضي أم أفضل؟ هل أحسنت هذا العام واجتهدت أم أسأت وقصرت؟ هل يا ترى سيكون إدراكي لرمضان سببًا في أن أحصِّل ما وعدني به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من صلى الصلوات الخمس، وأدى الزكاة، وصام رمضان وقامه، سيكون مع الصديقين والشهداء؛ عن عمرو بن مرة الجهني، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان، وقمته، فممن أنا؟، قال: ((من الصِّدِّيقين والشهداء))[1].

كما أن من أدرك رمضان قد يسبق درجة الشهيد في سبيل الله، بفضل صيامه وقيامه، وصلاته وسجوده؛ عن طلحة بن عبيدالله: أن رجلين من بَلِيٍّ قدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعًا، فكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستُشهد، ثم مكث الآخر بعده سنةً، ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام: بينا أنا عند باب الجنة، إذا أنا بهما، فخرج خارجٌ من الجنة، فأذن للذي توفي الآخِرَ منهما، ثم خرج، فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلي، فقال: ارجع؛ فإنك لم يأنِ لك بعدُ، فأصبح طلحة يحدث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وحدثوه الحديث، فقال: ((من أي ذلك تعجبون؟)) فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا، ثم استشهد، ودخل هذا الآخِرُ الجنة قبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أليس قد مكث هذا بعده سنةً؟))، قالوا: بلى، قال: ((وأدرك رمضان فصام، وصلى كذا وكذا من سجدةٍ في السنة؟))، قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض))[2].

فإدراك رمضان منَّةٌ كبرى، ونعمةٌ عظمى، فبإدراكه وصيام نهاره وقيام ليله، تسبق الشهداءَ في سبيل الله.
ويتأكد وعد الله عز وجل بأن الذي يصوم رمضان كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة؛ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها))، قالوا: يا رسول الله، أفلا ننبئ الناس بذلك؟ قال: ((إن في الجنة مائة درجةٍ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسَلُوه الفِردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهارُ الجنة))[3].

وقال بعض السلف: إذا حضر الرجلَ الموتُ، يقال للملك: شَمَّ رأسه، قال: أجد في رأسه القرآن، قال: شَمَّ قلبه، قال: أجد في قلبه الصيام، قال: شَمَّ قدميه، قال: أجد في قدميه القيام، قال: حفِظ نفسه، فحفظه الله[4].

ثم احذر أن تكون ممن أدرك رمضان فلم يغفر لك، أو أن تكون ممن أدرك رمضان، فانسلخ ولم تكتب من أهل الجنة، أو أدرك رمضان فمضى ولم تعتق رقبتك من النار، فهؤلاء يصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رغِم أنف رجلٍ ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنف رجلٍ دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجلٍ أدرك عنده أبواه الكِبَرَ فلم يُدخِلاه الجنة))[5].

قال المناوي: "أي: رغِم أنف مَن علم أنه لو كف نفسه عن الشهوات شهرًا في كل سنة، وأتى بما وظف له فيه من صيام وقيام، غفر له ما سلف من الذنوب فقصر ولم يفعل حتى انسلخ الشهر ومضى، فمن وجد فرصة عظيمة بأن قام فيه إيمانًا واحتسابًا عظمه الله، ومن لم يعظمه حقره الله وأهانه"[6].

ومِن عظيم كرم الله أن الذي يدرك رمضان فيقوم بحقه، يغفر له ما بين الرمضانين؛ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنب الكبائر))[7].

فتلك بشارة عظيمة، وهي أنك لو صمت رمضان، يغفر الله لك ما فعلته من ذنوب وصغائر منذ رمضان الماضي، فهل بعد هذا كرم؟! وهل بعد ذلك فضل؟! فلا تضيع الفرصة، ولا تحرم نفسك؛ فإن من حُرِم هذا الخير فقد حُرِم.

قطف الثمرات في شهر الخيرات:
قال السري السقطي: "السَّنة شجرةٌ، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، وأنفاس العباد ثمرتها، فشهر رجبٍ أيام توريقها، وشعبان أيام تفريعها، ورمضان أيام قطفها، والمؤمنون قطافها،هذه الأشهر الثلاث المعظمة كالجمرات الثلاث، فرجبٌ كأول جمرةٍ تحمى بها العزائم، وشعبان كالثانية تذوب فيها مياه العيون، ورمضان كالثالثة تورق فيها أشجار المجاهدات، وأي شجرةٍ لم تورق في الربيع قطعت للحطب! فيا من قد ذهبت عنه هذه الأشهر وما تغير، أحسَن الله عزاءك!"[8].

أيها الصائم..
كن ولا تكن..كن ممن طال عمرهم وحسن عملهم؛ فهؤلاء من خيار الناس.
ولا تكن ممن طال عمرهم وساء عملهم، وهؤلاء من شرار الناس.
كن ولا تكن..كن حريصًا على أن تعتق رقبتك من النار، وتكتب من أهل الجنان.
ولا تكن ممن لم يَشغَله العتق من النيران، وعدم الفوز بمنازل في الجنان.
كن ولا تكن..كن ممن قاموا التراويح، ولم ينصرفوا حتى ينصرف إمامه، فكُتب له قيام ليلة.
ولا تكن ممن صلى ركعتين أو أربعًا ثم انصرف، فلم يكتب له إلا ما صلى.
كن ولا تكن..كن من الصائمين القائمين المحتسبين المتهجِّدين المجتهدين المتصدِّقين الذاكرين.
ولا تكن من الصائمين النائمين المفرِّطين الممسكين عن الصدقة وذكر رب العالمين.
رمضان فرصةٌ لا تعوض..فهنيئًا لمن أدركه، وأَمْرَه إلى الله فوَّض...
♦♦♦


السؤال التاسع والعشرون: من هم شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: شعراء الرسول ثلاثة، وهم:
"حسان بن ثابت، وعبدالله بن رواحة، وكعب بن مالك".

عن محمد بن سيرين، قال،كان شعراء المسلمين: حسان بن ثابتٍ، وعبدالله بن رواحة، وكعب بن مالكٍ، فكان كعبٌ يخوفهم الحرب، وعبدالله يعيرهم بالكفر، وكان حسان يقبل على الأنساب.
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب الرؤى والأحلام:
إن كل إنسان على وجه البسيطة ينام، وما من نائم إلا ويرى رؤًى أو أحلامًا، وما يراه الإنسان في منامه، جعل الإسلام للتعامل معه آدابًا وأحكامًا، ولا يصح الاستهانة أو التقليل من شأن الرؤى؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مِن هَدْيه إذا أصبح أن يسأل أصحابه رضي الله عنهم هل رأى أحد رؤيا؟!؛ عن سمرة بن جندبٍ، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه فقال: ((هل رأى أحدٌ منكم البارحة رؤيا؟))[9].

وما يراه الإنسان في منامه، لا يخرج عن إحدى ثلاث، كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ((.... والرؤيا ثلاثةٌ: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدِّث المرء نفسه...))[10].

ويمكن تقسيم الآداب إلى: آداب عامة، وآداب متعلقة بالرؤيا الصالحة، وآداب متعلقة بالرؤيا السيئة، وإليكم بيانها:
أولًا: آداب عامة:
1. قص الرؤيا على من لديه خبرة بتأويل الأحلام:
فمَن رأى رؤيا وأراد تأويلها، وجَب عليه أن يأتي من كان على دراية وخبرة بتأويل الأحلام وتعبيرها، وعلى من أتاه ليعبر له رؤياه، وليس من ذوي الخبرة والتخصص، فليقل كما قال رجال الملك: ï´؟ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ï´¾ [يوسف: 43، 44].

وأوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بألا تقص الرؤيا إلا على أهل العلم، فقال: ((لا تقص الرؤيا إلا على عالمٍ أو ناصحٍ))[11].

وسُئل الإمام مالك: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ قال: أبالنبوة يلعب؟! [12]، ولعل ما دفعه إلى ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رؤيا المؤمن جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة))[13].

تعليق:
مكَث رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته ثلاثًا وعشرين عامًا، وبُدئ الوحي بالرؤيا الصادقة، وظل ستة أشهر، أي نصف عام، ثم كان الوحي باليقظة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، فلو حسبنا مدة الوحي بالمنام - وهي نصف عام - إلى مدة الوحي باليقظة - وهي ثلاثة وعشرون عامًا - فتكون النسبة: واحدًا إلى ستة وأربعين.

2. عدم التعجُّل في تأويلها:
يستحسن أن من يرى رؤيا في منامه، أن يتمهل في تأويلها ولا يتعجل، وإن سأل فليسأل أهل الذِّكر، ولا يكثر السؤال، فيكثر التأويل، فيكون ما لا يحب، فالرؤيا - كما نعلم - لأول معبر لها؛ عن أبي رزينٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرؤيا على رِجل طائرٍ ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت))، قال: وأحسبه قال: ((ولا تقصها إلا على وادٍّ، أو ذي رأيٍ))[14].

وعن عائشة، قالت: كانت امرأةٌ من أهل المدينة لها زوجٌ تاجرٌ يختلف، فكانت ترى رؤيا كلما غاب عنها زوجها، وقلما يغيب إلا تركها حاملًا، فتأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: إن زوجي خرج تاجرًا وتركني حاملًا، فرأيت فيما يرى النائم أن سارية بيتي انكسرت، وأني ولدت غلامًا أعور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيرٌ، يرجع زوجك عليك إن شاء الله تعالى صالحًا، وتلدين غلامًا برًّا))، فكانت تراها مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ذلك لها، فيرجع زوجها، وتلد غلامًا، فجاءت يومًا كما كانت تأتيه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائبٌ - وقد رأت تلك الرؤيا، فقلت لها: عمَّ تسألين رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أمَةَ الله؟ فقالت: رؤيا كنت أراها فآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله عنها فيقول: خيرًا، فيكون كما قال، فقلت: فأخبريني ما هي؟ قالت: حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرضها عليه كما كنت أعرض، قالت: فوالله ما تركتها حتى أخبرتني، فقلت: والله لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك، وتلدين غلامًا فاجرًا، فقعدت تبكي، وقالت: ما لي حين عرضت عليك رؤياي؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ((ما لها يا عائشة؟))، فأخبرته الخبر وما تأولت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مه يا عائشة!))، إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خيرٍ؛ فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها، قالت: فمات والله زوجها، ولا أراها إلا ولدَتْ غلامًا فاجرًا[15].

فعوقبت بكثرة سؤالها، وطلبها تأويل رؤياها أكثر من مرة، ولم تكتفِ بما فسره لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3. عدم الكذب في قص الرؤيا:
فإذا قصصت رؤياك على المعبر، فقص ما رأيت، ولا تقل ما لم يحدث، واحذَرِ الكذب في قص رؤياك؛ فإن ذلك يُعَدُّ مِن الفِرَى؛ فعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن مِن أَفْرَى الفِرَى أن يُرِيَ عينيه ما لم تَرَ))[16]، وعن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من تحلَّم كاذبًا، كُلِّف يوم القيامة أن يعقد بين شَعِيرتين ولن يعقِدَ بينهما))[17].

ثانيًا: آداب الرؤيا الصالحة:
1. احمَدِ الله عليها:
إذا رأى الإنسان ما يحب، فليحمد الله، ويقل: الحمد لله؛ فتلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي قال: ((إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمَدِ الله عليها، وليُحدِّث بها...))[18].

2. لا تُخبِر بها إلا مَن تحب:
وهذا نتعلمه من قصة سيدنا يوسف مع أبيه يعقوب - عليهما السلام - فلما رأى يوسف الرؤيا، وجاء إلى أبيه ليقصها عليه، أجابه أبوه بألا يخبر بها أحدًا من إخوته؛ حتى لا يحقدوا عليه؛ قال تعالى: ï´؟ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ï´¾ [يوسف: 5].
وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ((.... فإن رأى رؤيا حسنةً، فليُبشِر، ولا يخبر إلا من يحب))[19].

3. تفاءَلْ بها ولا تتشاءَم:
ففي الحديث السابق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فليُبشِر)؛ فلا داعي للقلق، ولا مجال للخوف والهلع، وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: "أما بعد فإني آمركم بما أمركم به القرآن، وأنهاكم عما نهاكم عنه محمد صلى الله عليه وسلم، وآمركم باتباع الفقه والسنة، والتفهم في العربية، وإذا رأى أحدكم رؤيا فقصها على أخيه، فليقل: خيرًا لنا، وشرًّا لأعدائنا"[20]...أي: يُظهر تفاؤله بها واستبشاره بها خيرًا، وأنها خيرٌ للمسلمين، شرٌّ على أعدائهم.

ثالثًا: آداب الرؤيا السيئة:
1. اسأَلِ الله خيرها، واستعِذْ به من شرها:
فما كان خيرًا، فاحمد الله عليه، واسأله خيرها، وما كان غير ذلك، فتعوَّذ بالله منه، ولا تخبر به أحدًا، فكما جاء عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها، فليتحول وليتفل عن يساره ثلاثًا، وليسأل الله من خيرها، وليتعوذ بالله من شرها))[21].

2. الاستعاذة بالله من الشيطان:
فالرؤيا الحسنة من الله، والحُلْم من الشيطان، فإذا كان الحُلْم من الشيطان، وأردت أن يبتعد عنك، ولا يوسوس لك، فاستعذ بالله منه، وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فهذه سنَّة الحبيب صلى الله عليه وسلم، إذ قال: ((فمن رأى رؤيا فكَرِهَ منها شيئًا فلينفث عن يساره، وليتعوذ بالله من الشيطان...))[22].

3. لا تخبر بها أحدًا:
قال رسول الله: ((.... وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحدٍ؛ فإنها لا تضره))[23].

وحدَث أن رجلًا رأى رؤيا غير حسنة، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقصها عليه، ويؤولها له، فبماذا رد عليه رسول الله؟ عن جابرٍ، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي قطع، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يحدث به الناس))[24].

4. أن تتفل عن يسارك ثلاثًا:
وفيه تحقير للشيطان، وطردٌ له، فعندما تتفل عن يسارك يخنس ويرجع؛ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها، فليتحول وليتفل عن يساره ثلاثًا...))[25].

5. تحوَّلْ عن جنبك الذي كنت عليه:
فإذا رأيت رؤية لا تحبها، فلو كنت نائمًا على الجنب الأيمن نَمْ على ظهرك، تفاؤلًا بأن يتغير حالك من السيئ إلى الأحسن؛ فالحديث الذي سبق ذكره في الأدب السابق يحث على ذلك؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فليتحول)، وإن كنت فزعًا فقم لصلاة ركعتين؛ مصداقًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقُمْ فليُصَلِّ...))[26].
♦♦♦


درس الفقه: مسائل متفرقة:
حُكم إخراج صدقة الفطر عن العمال:
لا يلزم صاحبَ الشركة أو المصنع أن يزكي عن عماله، بل الأصل أنها تجب في حقهم، إذا كانوا ممن يملِكون ما يزيد عن قوتهم وقوت عيالهم.

حكم الزيادة على صدقة الفطر:
الواجب إخراج المقدار الذي حددته السنة النبوية، وهو الصاع، الذي يزن: 2.5 تقريبًا، وإذا أراد أن يزيد عليه، فهو خير للفقراء، ورصيد له في ميزان حسناته؛ قال ربنا: ï´؟ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ï´¾ [المزمل: 20].

حُكم قول المأموم: نشهد، حقًّا، يا ألله، عند مواضع معينة في الدعاء:
السنة أن يقول المأموم: آمين، فلم يرد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم هذه الكلمات، وهذا رأي الإمام النووي، يقول: "وأما الثناء وهو قوله: فإنك تقضي ولا يقضى عليك إلى آخره، فيشاركه في قوله، أو يسكت، والمشاركة أولى؛ لأنه ثناءٌ وذكرٌ لا يليق فيه التأمين"[27].
وعليه: فيستحب مشاركة الإمام فيما يقوله، لا أن يقول: حقًّا، ونشهد، ويا ألله؛ فهذا ليس بمشروع، ولا فيه أثر.

حكم تقديم وقت الإمساك، وتأخير وقت الإفطار:
قد يعمِد البعض إلى الإمساك عن الطعام والشراب قبل أذان الفجر بدقائق، بل نجد بعض التقاويم تضع خانة للإمساك، وهذا كله غير صحيح؛ فالأصل هو الطعام حتى أذان الفجر؛ قال تعالى: ï´؟ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ï´¾ [البقرة: 187].

كما أن تعمُّدَ تأخير الإفطار حتى ينتهي المؤذن من أذان المغرب، أو حتى يصل إلى الشهادتين، أيضًا مما لا أصل له في السنة، وللإمام ابن حجر كلام نفيس في هذا، فيقول: "من البدع المنكرة: ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام؛ زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت، زعموا فأخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنَّة"[28].

والله أعلم.
نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان
دار الصفوة بالقاهرة


[1] صحيح ابن حبان (3438)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[2] سنن ابن ماجه (3925)، وصححه الألباني.

[3] البخاري (7423).

[4] جامع العلوم والحكم، لابن رجب، (ج2، ص468).

[5] أحمد (7444)، والترمذي (3545)، وقال الألباني: حسن صحيح.

[6] فيض القدير، (ج4، ص34).

[7] مسلم (233).

[8] التبصرة، لابن الجوزي (ج2، ص78).

[9] مسلم (2275).

[10] مسلم (2263).

[11] الترمذي (2280)، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

[12] شرح زروق على متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني، تأليف: شهاب الدين أبي العباس، المعروف بزروق، اعتنى به: أحمد فريد المزيدي، (ج2، ص1108)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط1/ 1427ه = 2006 م.

[13] البخاري (6987)، مسلم (2264).

[14] أبو داود (5020)، وابن ماجه (3914)، وأحمد (16182)، وقال الأرناؤوط: حسن لغيره.

[15] سنن الدارمي (2209)، وحسَّن الحافظ ابن حجر إسناده في الفتح (ج12، ص432).

[16] البخاري (7043).

[17] الترمذي (2283)، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ.

[18] البخاري (6985).

[19] مسلم (2261).

[20] شرح السنة، للبغوي (ج12، ص207، 208).


[21] ابن ماجه (3910)، وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره.

[22] مسلم (2261).

[23] سبق تخريجه.

[24] مسلم (2268).

[25] سبق تخريجه.

[26] مسلم (2263).

[27] المجموع، للنووي، (ج3، ص503).

[28] فتح الباري، لابن حجر (ج4، ص199).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 12-02-2020, 02:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية

ولعلكم تشكرون (درس رمضاني)


الشيخ أحمد علوان






(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله رب العالمين، لك الحمد ربنا بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبَتَّ عدوَّنا، وبسطت رزقنا، وأظهرت أمننا، وجمعت فرقتنا، وأحسنت معافاتنا، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا؛ فلك الحمد على ذلك كثيرًا، كما تنعم كثيرًا، وبعد:
فإن الشكر نصف الإيمان؛ فالإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شُكر، وبتأملنا في آيات الصيام، نرى أن الله سبحانه وتعالى ختم الآية التي تتحدث عن شهر رمضان بالشكر، فقال: ï´؟ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ï´¾ [البقرة: 185]، وفي هذا لفت الأنظار لكل من صام وقام، وكل من أكرمه الله بشهر رمضان: أن يشكُرَ الله على تلك النعمة؛ فقد حرم منها غيرك، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أن نقول بعد كل صلاة، كما علم معاذ بن جبل حين أخذ بيده وقال: ((يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك))، فقال: ((أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر كل صلاةٍ تقول: اللهم أعني على ذِكرك، وشكرك، وحسن عبادتك))[1].
أَوْليتَني نِعمًا أبوح بشُكرِها
وكفَيْتَني كلَّ الأمور بأَسْرِها

فلأشكُرَنَّكَ ما حَيِيتُ وإن أَمُتْ
فلَتَشْكرَنَّك أَعْظُمي في قبرِها



الشكور: اسمٌ مِن أسماء الله عز وجل، وقد وصف نفسه فقال: ï´؟ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ï´¾ [فاطر: 34]، ولما كانت صفة الشكر من أحب الصفات، كان المتصف بها من الخَلْق مِن أحب الناس إليه.


الشكر في القرآن الكريم:
إن الله قرن الشكر بذكره، فقال: ï´؟ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ï´¾ [البقرة: 152]، كما قرنه بالإيمان، فقال: ï´؟ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ï´¾ [النساء: 147]، ووعَد الله بالمزيد لمن شكره، فقال: ï´؟ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ï´¾ [إبراهيم: 7]، وقال: ï´؟ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 144]، وقال: ï´؟ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 145]، وأخبرنا أن رضاه في شكره: ï´؟ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ï´¾ [الزمر: 7].


وأن الشكر هو الغاية من الخلق: ï´؟ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ï´¾ [النحل: 78]، وأول وصية من الله للإنسان: ï´؟ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ï´¾ [لقمان: 14].


إن مِن المهام التي يقوم بها إبليس اللعين قطع الطريق على الشاكرين؛ ï´؟ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ï´¾ [الأعراف: 17].


الشُّكر من صفات الأنبياء عليهم السلام:
لقد وصف الله سيدنا نوحًا عليه السلام فقال: ï´؟ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ï´¾ [الإسراء: 3].
والسبب - كما قال مجاهد -: لم يأكل شيئًا إلا حمد الله عليه، ولم يشرب شرابًا إلا حمد الله عليه، ولم يبطش بشيء قط إلا حمد الله عليه؛ فأثنى الله أنه كان عبدًا شكورًا.


ووصف سيدنا إبراهيم عليه السلام بالشكر، فقال ربنا: ï´؟ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [النحل: 120، 121].


وأمر سيدنا موسى عليه السلام بالشكر، فقال: ï´؟ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ï´¾ [الأعراف: 144]، وعن أبي الجلد، قال: قرأت في مسألة موسى عليه السلام أنه قال: "يا رب، كيف لي أن أشكرك وأصغر نعمةٍ وضعتها عندي من نعمك لا يجازي بها عملي كله؟ قال: فأتاه الوحي: (أن يا موسى الآن شكرتَني)[2].


أمر آل داود عليه السلام بالشكر، فقال: ï´؟ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ï´¾ [سبأ: 13]، وعن الحسن، قال: قال داود عليه السلام: (إلهي، لو أن لكل شعرةٍ مني لسانين يسبحانك الليل والنهار ما قضيتُ نعمةً من نعمك)[3].


ويؤمر سيد الشاكرين صلى الله عليه وسلم من رب العالمين سبحانه وتعالى بالشكر، ï´؟ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ï´¾ [الزمر: 66].


وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسلم على رجل، فرد عليه الرجل السلام، فقال عمر للرجل: كيف أنت؟ قال الرجل: أحمد الله إليك، قال عمر: هذا أردتُ منك.


وكان علي رضي الله عنه إذا دخل الخلاء قال: بسم الله الحافظ المؤدي، وإذا خرج مسح بيديه بطنه ثم قال: يا لها من نعمةٍ لو يعلم العبادُ شكرَها[4].
وكان عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه يقول: قيدوا نِعَمَ الله بشُكرها.


قال رجلٌ لأبي حازمٍ: ما شُكر العينين يا أبا حازمٍ؟ قال: إن رأيت بهما خيرًا أعلنتَه، وإن رأيت بهما شرًّا سترتَه، قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعتَ بهما خيرًا وعيتَه، وإن سمعت بهما شرًّا دفعتَه، قال: فما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقًّا لله هو فيهما، قال: فما هو شكر البطن؟ قال: أن يكون أسفله طعامًا، وأعلاه علمًا، قال: فما شكر الفَرْج؟ قال: كما قال: ï´؟ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ï´¾ [المؤمنون: 6] إلى قوله: ï´؟ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ï´¾ [المؤمنون: 7]، قال: فما شكر الرِّجْلين؟ قال: إذا رأيت حيًّا غبطته استعملت بهما عمله، وإن رأيت ميتًا مقته كففتهما عن عمله، وأنت شاكرٌ لله، فأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمَثَله كمَثَل رجلٍ له كساءٌ، فأخذ بطرفه ولم يلبَسْه، فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد، والثلج والمطر"[5].


إذا أردت أن تؤدي شكر يومك، فعليك بهذا الدعاء؛ عن عبدالله بن غنامٍ البياضي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك الحمد، ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته))[6].


عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((خرج من عندي خليلي جبريل آنفًا فقال: يا محمد، والذي بعثك بالحق إن لله عبدًا من عبيده عبَدَ الله تعالى خمسمائة سنةٍ...فنجد له في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل فيقول له الرب: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: رب، بل بعملي، فيقول الرب: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: يا رب، بل بعملي، فيقول الرب: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: رب، بل بعملي، فيقول الله عز وجل للملائكة: قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله، فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنةٍ، وبقيت نعمة الجسد فضلًا عليه، فيقول: أدخلوا عبدي النار، قال: فيجر إلى النار، فينادي: رب، برحمتك أدخلني الجنة، فيقول: ردوه، فيوقف بين يديه، فيقول: يا عبدي، من خلقك ولم تك شيئًا؟ فيقول: أنت يا رب، فيقول: كان ذلك من قِبَلِك أو برحمتي؟ فيقول: بل برحمتك،فيقول: مَن قوَّاك لعبادة خمسمائة عامٍ؟ فيقول: أنت يا رب، فيقول: من أنزلك في جبلٍ وسط اللجة وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح، وأخرج لك كل ليلةٍ رمانةً، وإنما تخرج مرةً في السنة، وسألتني أن أقبضك ساجدًا ففعلت ذلك بك؟ فيقول: أنت يا رب، فقال الله عز وجل: فذلك برحمتي، وبرحمتي أدخلك الجنة))[7].


عن خالد بن معدان، سمعت عبدالملك بن مروان، يقول: "ما قال عبدٌ كلمةً أحب إليه وأبلغ في الشكر عنده من أن يقول: الحمد لله الذي أنعَم علينا، وهدانا للإسلام"[8].


سأل رجلٌ عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: ألست من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبدالله: ألك امرأةٌ تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكنٌ تسكنه؟ قال: نعم،قال: فأنت من الأغنياء،قال: فإني لي خادمًا؟ قال: فأنت من الملوك[9]... وقال الحسن البصري: هل الملك إلا مركبٌ وخادمٌ ودارٌ؟![10].
قال بكر المزني: (يا بنَ آدم، إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك، فغمض عينيك).


ما أجمل هذه الكلمات؟!
ما أُعطي أحدٌ أربعةً فمُنِع أربعةً، ما أُعطي أحدٌ الشكر فمُنِع الزيادة؛ لأن الله تعالى يقول: ï´؟ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ï´¾ [إبراهيم: 7]، وما أعطي أحدٌ الدعاء فمُنِع الإجابة،لأن الله يقول: ï´؟ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ ï´¾ [غافر: 60]، وما أعطي أحدٌ الاستغفار، ثم منع المغفرة؛ لأن الله عز وجل يقول: ï´؟ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ï´¾ [نوح: 10]، وما أعطي أحدٌ التوبة فمنع التقبل؛ لأن الله عز وجل يقول: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ï´¾ [الشورى: 25].


تأمَّل نِعَم الله عليك!
التنفس: في اليوم 15000 لتر أكسجين...والمثانة: لولاها لنزلت نقطتان من البول في كل عشرين ثانية..
الشعر في رأس الإنسان: 300 ألف شعرة، لكل شعرة وريد وشريان وعصب وعضلة وغدة دهنية وغدة صبغية..
العين: في ماء العين مادة ضد التجمُّد، فلو ذهبت مثلًا إلى منطقة مثل فنلندا - تقع في بلاد الشمال، ويجاورها السويد والنرويج، في فصل الشتاء يكون الجو باردًا، وتصل درجة الحرارة تحت الصفر - فما موقف ماء العين؟ هل يتجمد؟ هل يفقد الإنسان بصره؟ هي محفوظة بسبب ماء العين الذي يضاد التجمد.


وآلات التصوير مثلًا - خاصة الآلات الاحترافية -: فيها عشرة آلاف مستقبل ضوئي، وفي شبكة العين 100 مليون مستقبل ضوئي، وتستطيع العين أن تفرق بين 8 مليون لون.


الماء: لا طعم له ولا لون ولا رائحة، والماء الذي نشربه عذبٌ، وماء الأذن مرٌّ، وماء العين مالحٌ، وماء الفم عَذْبٌ.


الأنف: به سطوح متداخلة، حتى يكون طريق الهواء في الدخول طويلًا؛ فالإنسان يحتاج إلى هواء يتناسب مع درجة حرارة الجسم، فلو استنشق هواء - درجة حرارته صفر - فيدخل بدرجة حرارة 37 درجة بفضل هذه السطوح.


بالإضافة إلى أن السطوح مغطاة بطبقة مخاطية حتى تصطاد الغبار، فيصل الهواء دافئًا نقيًّا، كما أن عدد الأعصاب الشمية: 20 مليون عصب.
الأذن: فالأذن الواحدة تسمع بها، والاثنان تحدد بهما الاتجاه.


النوم: وزن الجسم، ووزن الهيكل العظمي مع العضلات يضغط فتضيق الأوعية، وتضعف التروية، وأنت نائم مستغرق في النوم يأتي أمر من الدماغ فتقلب، وقد تقلب 38 مرة، مرة على اليمين، ومرة على اليسار.


كما أن أنسب هيئة في النوم: النوم على الشق الأيمن، فالرئة اليسرى أصغر وأخف، والكبد أكبر أعضاء الجسم مستقر على جهة الأرض، والهضم يكون بسرعة، قال بعضهم: النوم على الظَّهر نومة الأمراء، والنوم على البطن نومة الشياطين، والنوم على الشق الأيسر نومة الأغنياء؛ لكثرة أكلهم، والنوم على الشق الأيمن نومة العلماء.


الأرض والشمس: يقول ربنا: ï´؟ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ï´¾ [الرحمن: 5]، فلو أن الشمس اقتربت منا لاحترقنا، ولو ابتعدت عنا لتجمَّدْنا.
فلو شاهَدَتْ عيناك مِن حُسْننا الذي
رأَوْه لَمَا ولَّيْتَ عنَّا لغيرنا

ولو سمِعَتْ أُذْناك حُسنَ خطابنا
خلَعْتَ ثيابَ العُجْبِ عنك وجئتَنا

ولو ذُقتَ مِن طَعْمِ المحبَّةِ ذرةً
عذَرْتَ الذي أضحى قتيلًا بحبِّنا

ولو نسَمَتْ مِن قُرْبنا لك نسْمةٌ
لَمِتَّ غريبًا واشتياقًا لقُربِنا

ولو لاح مِن أنوارِنا لك لائحٌ
ترَكْتَ جميعَ الكائناتِ لأجلِنا




وصية عملية:
تعوَّد أن تقول: الحمد لله...بعد الطعام، قل: الحمد لله..بعد الشرب، قل: الحمد لله..بعد الاستيقاظ من النوم، قل: الحمد لله..بعد اللباس قل: الحمد لله..بعد الفطور في الصيام، قل: الحمد لله..بعد وصولك إلى البيت، قل: الحمد لله..بعد نظرك في المرآة، قل: الحمد لله..واحمَد الله على كل حال.
♦♦♦


السؤال الثامن والعشرون: كم مرة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتمر؟
الجواب:
"حج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرةً واحدة، واعتمر أربع مرات".


قال ابن القيم في زاد المعاد: "لا خلاف أنه لم يحج بعد هجرته إلى المدينة سوى حجةٍ واحدةٍ، وهي حجة الوداع، ولا خلاف أنها كانت سنةَ عَشْرٍ".


جاء في الصحيحين، عن أنسٍ، قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عُمَرٍ، كلهن في ذي القعدة، إلا التي كانت مع حجته: عمرةً من الحديبية في ذي القعدة، وعمرةً من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرةً من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنينٍ في ذي القعدة، وعمرةً مع حجته".
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آداب السوق:
إن الأسواق لا يستغني عنها الناس، فمنها طعامهم، ومنها شرابهم، وعليها تقوم حياتهم، حيث البيع والشراء، والمعاملات بين الناس، فالأسواق لها أهمية كبرى في دنيا البشر، فهي تعد عصب الحياة، وقد ينتشر فيها الغش والخداع، وإخلاف الموعد، والإعراض عن ذكر الله عز وجل، فإذا كانت بتلك الصفات فهي من أبغض الأماكن إلى الله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها))[11]، ولما كانت الناس في حاجة إلى الأسواق، لزمهم التعرف على آدابها، فأسواقنا لها آداب في شريعتنا، وهي:
1- دعاء دخول السوق:
وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد منا أن نكون على صلة بالله عز وجل في مثل هذه الأماكن التي تنتشر فيها المخالفات، فابدأ بذكر الله عند دخولك، فجميلٌ أن تذكر اللهَ والناس غافلون، وتأمل عِظَم الأجر من الله؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيءٍ قديرٌ - كتب الله له ألف ألف حسنةٍ، ومحا عنه ألف ألف سيئةٍ، ورفع له ألف ألف درجةٍ))[12].


2- عدم الذهاب إلى الأسواق إلا لحاجة:
إن مثل هذه الأماكن لا ينبغي للإنسان أن يذهب إليها، إلا إذا احتاج إليها؛ فهي كما قال النووي: "محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وإخلاف الوعد والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه"[13].


وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: "لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها؛ فإنها معركة الشيطان، وبها ينصِبُ رايته"[14].


3- غض البصر:
إن المترسخ في الأذهان: أن الأسواق هي محل وجود النساء؛ حيث شراء الخضروات والفواكه، وحاجيات البيوت، فهن أدرى بذلك من أزواجهن غالبًا، فإذا ذهب الرجل فوجب عليه أن يغض بصره، ولا يطلق العنان لعينيه؛ فقد أُمِرنا بغض البصر؛ فكُفَّ بصرك عن عورات النساء، إن كنت بائعًا أو مشتريًا.


4- خفض الصوت:
فقد يكثر اللغط وترتفع الأصوات، ويكون الضجيج ويحدث الإزعاج، والمسلم لا يرضى بذلك، وإنما يقتصد في صوته، فمما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه "ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا سخابٍ في الأسواق..."[15]،السَّخَّاب: هو الذي يرفع صوته على الناس.


ويأتي تحذير من الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه: ((إياكم وهيشاتِ الأسواق))[16]الهيشات: ارتفاع الأصوات واللَّغَط.


5- كف الأذى:
فإياك أن تؤذيَ أحدًا بفعلك أو بقولك؛ فالمسلم مَن يسلم الناس منه، وجاء النهي عنه صريحًا على لسان حبيبنا صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا مرَّ أحدكم في مسجدنا، أو في سوقنا، ومعه نبلٌ، فليمسك على نصالها، - أو قال: فليقبض بكفه - أن يصيب أحدًا من المسلمين منها شيءٌ))[17].


6- السماحة في البيع والشراء:
إنه لخُلقٌ عظيم، لو توافر في أسواقنا لتغيَّر حال تجارنا؛ فالسماحة أصل في المعاملة، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مَن سامَح وتسامح، فقال: ((رحِم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى))[18].


ومِن السماحة: أن يُقِيل[19] البائعُ المشتريَ؛ أي: إذا رد المشتري السلعة للبائع، على البائع أن يقبَلَها إذا لم يكن بها عيب، فإقالتك في الدنيا، تضمن لك إقالة عند الله في الآخرة؛ ((مَن أقال مسلمًا، أقاله الله عثرته يوم القيامة))[20].


ومن يسمح اليوم، يسمح له في الغد، ((اسمَحْ، يُسمَحْ لك))[21].


وتلك صورةٌ في السماحة رائعة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اشترى رجلٌ من رجلٍ عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرةً فيها ذهبٌ، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتَعْ منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجلٍ، فقال الذي تحاكَما إليه: ألكما ولدٌ؟ قال أحدهما: لي غلامٌ، وقال الآخر: لي جاريةٌ، قال: أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا))[22].


7- عدم الانشغال عن طاعة الله:
فالآيات الكريمات تؤكد هذا المعنى؛ قال ربنا: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [الجمعة: 9].


ومِن صفات الرجال: أنهم لا يَشغَلهم البيع والشراء عن الصلاة؛ قال ربنا: ï´؟ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ï´¾ [النور: 37].


8- تجنُّب كثرة الحلف:
يجب على البائع ألا يتعرض للحلف كثيرًا؛ فهو مذموم في البيع والشراء.


قد يبيع السلعة بحلفه، لكن يقابله عدم البركة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحلِفُ مَنْفَقةٌ للسلعة، مَمْحَقةٌ للربح))[23].


وإياكثم إياكأن تحلِفَ على سلعة كذبًا، فإن فعلت فتلك عقوبتك؛ عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ))، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: ((المسبِل، والمنَّان، والمُنفِّق سلعته بالحلف الكاذب))[24].


9- الزَمِ الصدق في المعاملة:
خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال: ((يا معشر التجار))، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: ((إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا، إلا من اتقى الله، وبَرَّ، وصدَق))[25].


وهنا بيان للتجار، بأنهم يبعثون يوم القيامة فجارًا، واستُثني منهم من اتقى وبر وصدق؛ فالصدق منجٍ للتجار، بل من لزم الصدق من التجار، فإنه يحشر مع النبيين والصِّدِّيقين والشهداء؛ عن أبي سعيدٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين، والصِّدِّيقين، والشهداء))[26].


10- احذَرِ الغش والمكر:
على كل تاجر، أن يراعي الأمانة فيما يبيع، وألا يغش المشتري، ولا يدلس عليه؛ عن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، - أو قال: حتى يتفرقا - فإن صدَقا وبيَّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتَما وكذَبا، مُحِقَتْ بركةُ بيعهما))[27].


قال الإمام الغزالي في الإحياء: (أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول: من ترون لي أن أعامل من الناس، فيقال له: عامل من شئت، ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون: عامل من شئت إلا فلانًا وفلانًا، ثم أتى زمان آخر فكان يقال: لا تعامل أحدًا إلا فلانًا وفلانًا، وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضًا، وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون، إنا لله وإنا إليه راجعون).


هذه أسواق الدنيا، فكيف بسوق الجنة؟!
عن أنس بن مالكٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة لسوقًا، يأتونها كل جمعةٍ، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنًا وجمالًا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنًا وجمالًا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بَعدنا حسنًا وجمالًا، فيقولون: وأنتم واللهِ لقد ازددتم بَعدنا حسنًا وجمالًا))[28].
♦♦♦


درس الفقه: أحكام متعلقة بزكاة الفِطر:
مَن تجب عليهم؟!
"لا تجب زكاة الفطر عن الميت الذي مات قبل غروب شمس آخر يومٍ من رمضان؛ لأن الميت ليس من أهل الوجوب، ولا يجب إخراج زكاة الفطر عن الجنين إذا لم يولد قبل مغرب ليلة العيد، كما ذهب إلى ذلك جماهير أهل العلم، فالجنين لا يثبت له أحكام الدنيا إلا في الإرث والوصية بشرط خروجه حيًّا، لكن من أخرجها عنه فحسن؛ لأن بعض العلماء - كالإمام أحمد - استحب ذلك"[29].

أحكام مهمة:
لو مات مَن وجبت عليه زكاة الفطر قبل أدائها، أُخرجت مِن تركته.
لا تجب زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه، وإنما يستحب عند الحنابلة.
يجب إخراجها عن المطلَّقة طلاقًا رجعيًّا.
لا تُخرَج زكاة الفطر لأهل الذمة؛ أي: لا تعطى لغير المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدقةٌ تؤخَذ مِن أغنيائهم، وتُرَد على فقرائِهم)).
يجوز إعطاؤها لشخص واحد إذا كان يستحقها، أو توزيعها على أكثر من شخص.
لو كان المسلم مغتربًا، فعليه إخراجها في محل إقامته، وإن نقلها إلى بلده أو غيره، صحَّتْ وأجزأَتْ.
مَن وجبت عليه ولم يؤدها قبل صلاة العيد، لم تسقط عنه، بل هي باقية في ذمته، ويأثم بتأخيرها.
يجوز إعطاؤها للأخ والأخت، أو لأحد الأقارب، إن كان مستحقًّا لها.
لو كان للابن أو البنت كسبٌ ومالٌ أخرج كل واحد عن نفسه، وإن أخرج الأب عنهما فجائز.
والله أعلم.

نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان
دار الصفوة بالقاهرة


[1] أبو داود (1522)، والنسائي (1303)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

[2] الشكر، لابن أبي الدنيا، ص7، المحقق: بدر البدر، المكتب الإسلامي، الكويت، ط3/ 1400ه = 1980م.

[3] المرجع السابق نفسه، ص13.

[4] الشكر، لابن أبي الدنيا، ص9.

[5] عدة الصابرين وذخيرة الشاكين، لابن القيم، ص134، دار ابن كثير، دمشق، ط3/ 1409ه = 1989م.

[6] أبو داود (5073)، وسنن النسائي (9750)، وصحيح ابن حبان (861)، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن.

[7] مستدرك الحاكم (7637)، شعب الإيمان (4300)، وقال الحاكم: حديثٌ صحيح الإسناد.

[8] عدة الصابرين، ص126.

[9] الترغيب والترهيب، للمنذري، (ج4، ص165، ح19)، ضبط أحاديثه وعلق عليه: مصطفى محمد عمارة، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط3/ 1388 هـ = 1968 م.

[10] تفسير ابن كثير، (ج3، ص73).

[11] مسلم (671).

[12] الترمذي (3428)، وحسنه الألباني.

[13] شرح النووي على مسلم (ج5، ص171).

[14] مسلم (2451).

[15] البخاري (2125).

[16] مسلم (432).

[17] البخاري (7075)، مسلم (2615).

[18] البخاري (2076).

[19] يقال: أقاله يُقيله إقالةً، وتكون الإقالة في البيعة والعهد، بخلاف: قال يقيل، وقال القوم قيلًا وقائلةً وقيلولةً، والقيلولة نومة نصف النهار؛ انظر: لسان العرب، لابن منظور، (ج11، ص577، ص580) فصل القاف،بتصرف.

[20] ابن ماجه (2199)، وأبو داود (3460)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

[21] مسند أحمد (2233)، وقال العلامة أحمد شاكر: إسناده صحيح.

[22] البخاري (3472)، مسلم (1721).

[23] البخاري (2087)، مسلم (1606).

[24] مسلم (106).

[25] ابن ماجه، والترمذي وقال: حسنٌ صحيحٌ.

[26] الترمذي (1209)، وقال: حديثٌ حسنٌ.

[27] متفق عليه.

[28] مسلم (2833).


[29] من كتاب أحكام الصيام، ص104.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 354.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 348.57 كيلو بايت... تم توفير 5.62 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]