براعة الوصف في شعر ابن الرومي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 439 - عددالزوار : 12561 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12854 - عددالزوار : 227453 )           »          لتنعمي بالحياة مع ( حماتك) عامليها كوالدتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الدعوة في ساعة الأزمات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          إلى ولدي الجامعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          كيف عامل النبي صلى الله عليه وسلم خدمه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          نصائح ذهبية في الامتحانات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          عجيب أمر هذا الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          المستقبل لهذا الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الحسين عليه السلام في ذكرى استشهاده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي
التسجيل التعليمـــات التقويم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-09-2023, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,934
الدولة : Egypt
افتراضي براعة الوصف في شعر ابن الرومي

براعة الوصف في شعر ابن الرومي
جواد عامر

يعتبر الوصف واحدًا من أغراض الشعر العربي، إن لم نقل إنه الغرض الأساس الذي تنبني عليه بقية الأغراض، فالفخر والرثاء والغزل والمدح والهجاء، لا يُمكنها أن تكون أبوابًا قائمة الذات دون الوصف الذي يقيم لَبناتها، لكنه يستطيع أن يستقل بنفسه، ويَستلها من قراب الأغراض المختلفة؛ ليكون غرضًا لذاته وبذاته، وهنا تكمُن درجات عُسره على صانع الشعر، لذلك لا نستغرب إذا وجدنا فطاحلة الشعراء العرب يجيدون غرضًا دون غرض، ويبرعون في باب، ولا يستطيعون الإجادة في باب آخر، يتعسر على قرائحهم، فقد رأينا الشعراء المداحين المجيدين كالبحتري الذي لا يُتقن الهجاء كابن الرومي، فكان يتهيَّب منه، ويرجوه ألا يهجوه؛ لأنه لا يستطيع مجاراتاه، وشعراء آخرون يجيدون الغزل وهم من الفخر والرثاء أبعدُ، فقد كان ابن الرومي شاعرًا وصَّافًا متسمًا بالدقة في نقل صورة العالم الخارجي، دقة لم يمتلكها شاعر في العصر العباسي، جعلت ابن الرومي حقيقة أبرع شاعر في الوصف في العصر العباسي، خاصة أن موصوفاته لم تكن تتوقف عند حدود الأشياء المألوفة كمناظر الطبيعة من نهر وهلال وجبل، فهذه عناصر حفل بها الشعر العربي، وإنما كانت موصوفاته ملتقطة من الهوامش الاجتماعية التي قد لا يلتفت إليها الشاعر على الإطلاق، ليجد فيها السامع متعة فريدةً من نوعها، فيَنقله ابن الرومي إلى عالم بديع من الوصف الدقيق والعجيب مانحًا إياه التصوير الفوتوغرافي بأبعاده عبر اللغة الواصفة التي لا تدع للقارئ أي إحساس بالنقص الذي قد تتركه فجوة أو ثغرة في التصوير.

إنها ميزات خاصة اتَّصف بها شعر ابن الرومي، فهجاؤه لا بد أن يحمل المتلقي على الضحك إلى حد القهقهة لِما يحمله من تصويرات كاريكاتورية كأنما هو صحفي ينتقد الواقع والأشياء بلغة الكاريكاتور المعاصرة؛ يقول ابن الرومي في معلمٍ يُعلم الصبية وكان مغنيًا يثير النفور والإزعاج في نفس الشاعر[1]:
أبو سليمانَ لا تُرضِي طريقتُه
لا في غناءٍ ولا تعليمِ صِبْيانِ
له إذا جاوبَ الطُّنبورَ مُحْتفلًا
ضَرْبٌ بمصْرَ وصوتٌ في خُراسانِ
عُواءُ كَلْبٍ على أوتارِ مِندَفَةٍ
في قُبْحِ قردٍ وفي اسْتكْبارِ هامانِ
وتحْسَبُ العيْنُ فَكَّيْهِ إذا اخْتلفَا
عنْد التَّنغُّم فَكَّيْ بغلِ طَحَّانِ


وفي معرض آخر قال عن رجل يُدعى عيسى وكان بخيلًا[2]:
يُقَتِّرُ عيسَى على نفْسِهِ
وليْسَ بباقٍ ولا خالدِ
فلو يستطيعُ لتَقْتييرِهِ
تنفَّسَ منْ مِنْخَرٍ واحدِ


صور من هذا النوع وغيرها كثيرة لا بد أنها ستحملك على الضحك، لما تحتويه من دقة تصويرية بليغة، تحملها بداعة الوصف القائم على عمق النظر، وإدراك الأجزاء الملاحظة غاية الإدراك بما لا يترك جزئية تنفلت من عقال التصوير، فالمعلم غير مرضية طريقته في التدريس، وغير ممتع صوته في الغناء المتسم بالنَّشاز والشتات عبر الجغرافيا البعيدة المستحيلة من باب التهويل المضحك، فالصوت في مصر والآخر في خراسان، وهو كعواء الكلب المزعج، لينتقل ببراعة منقطعة النظير إلى وصف الشكل المستقبح غاية الاستقباح الذي لا ينكر (صورة القرد)، وما يبعث عليه من ضحك هستيري أحيانًا، ووصف الطبع وهو الاستكبار والعجب ملبسًا إياه عباءة رمز تاريخي مشتهر هو هامان، فيجمع في البيت الرابع بين صورته المستقبحة الشبيهة بالبغل في لحظة تحرُّك الفكين للنطق بصورة الصوت المنبعث من الفكين عند طحن الشعير، وما أشبهه مثلًا، نقل بارع ومكتمل الصورة الكاريكاتورية لا يستطيعه إلا كبار الشعراء، يظهر أكثر في البيتين المواليين؛ حيث نقل صورة البخل بشكل عجيب وغريب قلما يفكِّر فيه شاعر أو إنسان حتى، صورة التقتير من المنخر الواحد حفاظًا على الهواء الذي هو ملك للجميع وهبة ربانية لا ينازع أحدٌ فيها أحدًا.

والمثير في شعر الوصف عند ابن الرومي كما أسلفنا الذكر، هو تناوله لموصوفات قلما يلتفت إليها، وهذا راجع إلى رهافة حسِّه ويقظة الشعور عنده أكثر من غيره، وحبه للأشياء التي كان يعرض لها، وقدرته على الإحاطة بدقائقها، ومن نادر شعره الوصفي، وكان قد حضر مائدة أبي بكر الباقطاني، فأكل ما أكل، ثم وصف ذلك كله مركزًا على وصفه الدجاج والقطائف والثرائد[3]:
وسَميطَةٍ صفراءَ دينَارِيةٍ
ثَمنًا ولوْنا وزفَّها لكَ حَزورُ
عَظُمَتْ فكادتْ أنْ تكونَ إوَزَّةً
وغلَتْ فكادَ إهابُها يَتفَطَّرُ
طَفِقَت تجودُ بذَوْبِها جَوْذابةٌ
فأتَى لبابِ اللَّوْزِ فيها السكَّرُ
ظَلْنا نُقَشِّرُ جِلْدَها عنْ لحْمِها
فكأنَّ تِبرًا عنْ لُجيْنٍ يُقَشَّرُ
وتقدَّمَتْها قبلَ ذاكَ ثرائدُ
مثلُ الرِّياضِ بمثلِ ذلك تصْدُرُ
ومُرَقَّقَاتٌ كلُّهُنَّ مُزَخرَفٌ
بالبيضِ منها ملبسٌ ومُدَثَّرُ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 82.17 كيلو بايت... تم توفير 1.75 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]