العبيد بين الشكران والجحود - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855319 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 390138 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-07-2020, 12:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي العبيد بين الشكران والجحود

العبيد بين الشكران والجحود


عراقي محمود حامد







بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم.














وبعدُ،



فإنَّ الله تعالى أكْرَمَنَا - نحن معاشر بني آدم - وفضَّلنا على سائر المخلوقات؛ قال - جل في علاه -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].







وسَخَّر لنا ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ علينا نعِمَه الظاهرة والباطنة؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20].







وآتانا مِنْ كل ما سألناه، ومن كل خير لَم نسأله؛ قال سبحانه: ﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ [إبراهيم: 34].







وتكرَّم علينا بالعقل الذي هو مناط التكليف، وهدانا النجدَيْن، ويسرنا لأحد السبيلَيْن، وتفضَّل علينا - نحن المسلمين - بنِعمة الهداية للدين الحق من غير أن نسأله، وأعطانا النِّعم التي نرفل فيها صباح مساء، بل في كل طرفة عين وانتباهتها، وأقل من ذلك.







فنعمُه علينا لا تزال تترى، وأفضاله سبحانه علينا تغمرنا، ولن نستطيع لها إحصاءً؛ قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، ومع ذلك لا نقدرها قدرها، ولا يشكره عليها منَّا إلا القليل، كما قال سبحانه: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].







مع أنَّه - جلَّ في عُلاه - وَعَد الشاكر بالمزيد، فلن يشكر مجانًا، بل إن مَن أحب النِّعمة وتعلَّق بها، وخاف زوالها عنه، فما عليه إلا أن يشكره سبحانه عليها ليزيده مِنْ فَضْله؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].







والمتدبر في الآيتين اللتين تُعلمانا أننا لا نستطيع إحصاء نعَم الله علينا، يجد أن الله تعالى يقول في الآية الأولى: ﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].







أما الثانية فيقول فيها الحق سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].







وفي ذلك يقول العلامة الشنقيطي - رحمه الله -: "قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن بني آدم لا يقدرون على إحصاء نعَم الله لكثْرتها عليهم، وأتْبع ذلك بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، فدلَّ ذلك على تقصير بني آدم في شُكر تلك النِّعم، وأن الله يغفر لمن تاب منهم، ويغفر لمن شاء أن يغفر له ذلك التقصير في شكر النِّعم، وبين هذا المفهوم المشار إليه هنا بقوله: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]"[1].







ولا يظنن ظانٌّ أن شكره سبحانه عسيرٌ، ويحتاج إلى العمل الكثير والذكر الطويل، بل هو من أيسر ما يكون، ومع يُسره فرِضا الله متعلِّق به؛ قَالَ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فيحمده عليها، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَة فيحمده عليها[2].







قال المُناوي - رحمه الله -: "عبَّر بالمرَّة إشعارًا بأنَّ الأكل والشرب يستحقُّ الحمد عليه وإنْ قلَّ، وهذا تنويهٌ عظيم بمقام الشكر"[3].







وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عند شرحه لهذا الحديث: "ففي هذا دليلٌ على أن رضا الله - عز وجل - قد يُنال بأدنى سبب، قد يُنال بهذا السبب اليسير ولله الحمد، يرضى الله عن الإنسان إذا انتهى من الأكْل قال: الحمد لله، وإذا انتهى من الشرب قال: الحمد لله"[4].







فلله أيضًا على هذا التيسير الفضْل والمنَّة؛ إذ جعل شكره يسيرًا، وجعل رضاه في الاعتراف لصاحب الفضل بفضله، وتعظيم النعمة وإن دقَّت، كما كان هذا وصف الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ[5].







وقد رُوي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هذا ورزقنيه من غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ[6].







ألا فليعلم العبدُ أن أغنى الناس الراضي بما قَسَمه الله له؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: وارضَ بما قسم الله لك تكنْ أغنى الناس[7].







وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ[8]، فهذا هو الفالح على الحقيقة.







وأن الدُّنيا ما هي إلا أكلة ونومة وعافية بدن؛ مصداقًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَن أصبح منكم آمنًا في سرْبه، مُعافًى في جسده، عنده قوتُ يومه؛ فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها[9].







ومَن نظر لأحوالنا ووازنها بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - وجُلِّ أصحابه، يعلم يقينًا أننا - بالنسبة لهم فيما خوَّلنا الله من متاع الدنيا - ملوكٌ، بلا أدنى مبالغة؛ فمَنْ مِنَّا بات طاويًا، ومن منا ربط على بطنه حجرًا أو حجرين من الجوع، ورضي بذلك، ولم يسخط، وأحب ذلك وطلبه، ودعا به: اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا[10].







فسبب البلاء الذي نحياه سخطُنا على خالقنا، مع ما منَّ به علينا من نعَم نعجز عن حصرها، وشكايتنا إياه لمن لا يملك لنفسه - فضلاً عن أن يملك لغيره - نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، وصار هذا السخط والضجر من الحياة ومن فيها وما فيها لا يكاد يخلو منه مجلس.







الكلُّ يشتكي، الكل يعترض ويسخط، ويدَّعي أنه يستحق أكثر مما أوتي، إلا من رحم ربك - وقليل ما هم - كأنه يُطالب الله بما وجب له عنده - والعياذ بالله.







ولم يعلم أن الله لا يجب عليه شيء إلا ما أوجبه بنفسه على نفسه - جل في علاه - وأن الله قد زكَّى ومدح مَن رضي به وعنه، ورضي عنهم، وقرن الزيادة بالشكر، ولا يكون هذا إلا بعد اعتراف لله بالجميل، ونسبة التقصير للعبد في أداء ما عليه وجب، والعجز عن شكر ما له وُهِب.







قال أبو عبيدة الخواص - رحمه الله -:





سُبْحَانَ مَنْ لَوْ سَجَدْنَا بِالعُيُونِ لَهُ

عَلَى حِمَى الشَّوْكِ وَالمَحْمِي مِنَ الإِبَرِ




لَمْ نَبْلُغِ العُشْرَ مِنْ مِعْشَارِ نِعْمَتِهِ

وَلا العَشِيرَ وَلا عُشْرًا مِنَ العُشُرِ [11]












وقد صاغ هذه المعاني شيخُ الإسلام - طيَّب الله ثراه - في أبيات رقيقة رقراقة، تفيض ذُلاًّ واطِّراحًا بين يدي الوهَّاب سبحانه، فقال:





أَنَا الفَقِيرُ إِلَى رَبِّ البَرِيَّاتِ

أَنَا المُسَيْكِينُ فِي مَجْمُوعِ حَالاَتِي




أَنَا الظَّلُومُ لِنَفْسِي وَهْيَ ظَالِمَتِي

وَالخَيْرُ إِنْ يَأْتِنَا مِنْ عِنْدِهُ يَاتِي




لَا أَسْتَطِيعُ لِنَفْسِي جَلْبَ مَنْفَعَةٍ

وَلاَ عَنِ النَّفْسِ لِي دَفْعَ المَضَرَّاتِ




وَلَيْسَ لِي دُونَهُ مَوْلًى يُدَبِّرُنِي

وَلاَ شَفِيعٌ إِذَا حَاطَتْ خَطِيئَاتِي




إِلاَّ بِإِذْنٍ مِنَ الرَّحْمَنِ خَالِقِنَا

إِلَى الشَّفِيعِ كَمَا قَدْ جَا فِي الاَيَاتِ




وَلَسْتُ أَمْلِكُ شَيْئًا دُونَهُ أَبَدًا

وَلاَ شَرِيكٌ أَنَا فِي بَعْضِ ذَرَّاتِي




وَلاَ ظَهِيرَ لَهُ كَيْ يَسْتَعِينَ بِهِ

كَمَا يَكونُ لِأَرْبَابِ الوَلايَاتِ




وَالفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَات لازِمٍ أَبَدًا

كَمَا الغِنَى أَبَدًا وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي




وَهَذِه الحَالُ حَالُ الخَلْقِ أَجْمَعِهِمْ

وَكُلُّهُمْ عِنْدَهُ عَبْدٌ لَهُ آتِي









وَالحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ الكَوْنِ أَجْمَعِهِ

مَا كَانَ مِنْهُ وَمَا مِنْ بَعْدُ قَدْ يَاتِي [12]












فالاعترافُ بالنِّعم مع العجز عن شكرها هو عينُ شكرها؛ يقول الإمام ابن كثير: وقد روي في الأثر: أن داود - عليه السلام - قال: يا ربّ، كيف أشكرك وشكري لك نعمةٌ منك عليَّ؟ فقال الله تعالى: الآن شكَرْتني يا داود، أي: حين اعترفتَ بالتقصير عن أداء شكر النِّعَم.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-07-2020, 12:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العبيد بين الشكران والجحود






وقال الشافعي - رحمه الله -: الحمد لله الذي لا يُؤدى شكرُ نعمة من نعمه إلا بنعمة تُوجِب على مُؤدي ماضي نِعَمه بأدائها نعمة حادثة توجب عليه شكره بها.







وقال القائل في ذلك:





لَوْ كُلُّ جَارِحَةٍ مِنِّي لهَا لُغَةٌ

تُثْنِي عَلَيكَ بِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنِ




لَكَانَ مَا زَادَ شُكْرِي إِذْ شَكَرْتُ بِهِ

إِلَيْكَ أَبْلغَ فِي الإِحْسَانِ وَالمِنَنِ [13]












هذا، وقد أعلمنا سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - أن ما عند الله مِنْ خير وبركة لا يُنال إلا بطاعته؛ إذ قال: ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرِّب من النار إلا وقد نهيتكم عنه؛ فلا يستبطئن أحدٌ منكم رزقَه، فإن جبريل ألقى في رُوعي أن أحدًا منكم لن يخرجَ من الدنيا حتى يستكملَ رزقه؛ فاتَّقوا الله - أيها الناس - وأجملوا في الطلَب؛ فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعْصية الله؛ فإنَّ الله لا يُنال فضلُه بمعصيته[14].







ألا فلنفتش في أنفسنا وجناياتنا؛ فإنه لَم ينزل بلاءٌ من السماء إلا بذنبٍ، ولا يُكشف إلا بتوبة، ولنعلم أن ما وقع من غلاءٍ ووباء وبلاء هو بسبب إعراضنا وجحودنا؛ قال تعالى: ï´؟ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ï´¾ [الشورى: 30]، وقال: ï´؟ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [آل عمران: 165].







يقول ابن عجيبة في تفسيره: "يقول الحقُّ - جلَّ جلاله -: أَحِينَ أصابتكم مصيبة يوم أُحُد بقتْل سبعين منكم، وقد أصبتم مثليها يوم بدْر، فقتلتم سبعين وأسرْتم سبعين، قُلتم: أنَّى هذا؟ أي: من أين أصابنا هذا البلاء، وقد وُعِدنا النصر؟! قل لهم: هو من عند أنفسكم؛ أي: مما اقترفتْه أنفسكم من مخالفة المركز، والنصر الموعود كان مشروطًا بالثبات والطاعة، فلما اختل الشرط اختل المشروط، إن الله على كل شيء قدير؛ فيَقدِر على النصر بشرْط وبغيره، لكن حكمته اقتضتْ وُجُود الأسباب والشروط[15].







فإذا كان بسبب مُخالفة واحدةٍ تحولتْ نعمة النَّصْر إلى مصيبة الهزيمة، وتحوَّلتْ نعمة العافية إلى قتْل سبعين مِنْ خيرة الأصحاب - عليهمُ الرِّضوان - على رأسهم سيد الشهَداء حمزة - رضي الله عنه - وخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المعركة جريحًا، وقد كسرتْ رباعيته، وشُج وجهُه، ودخلتْ حلقتان من حلقات المغفر في وجنتيه - صلى الله عليه وسلم - فماذا نستحقُّ نحن مع الموبقات التي تُقْتَرف كل لحظة؟!








لذلك لو عامَلَنَا الله بما نستحقُّ لأَخَذَنا مع أول مُخالفة: ï´؟ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ï´¾ [النحل: 61].





إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا

فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ




وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ

فَإِنَّ الإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَمْ












قال ابن القيم رحمه الله: "وقال تعالى: ï´؟ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ï´¾ [الأنفال: 53]، فأخْبَر سبحانه أنَّه لا يُغيِّر نعمَه التي أنعم بها على أحدٍ حتى يكون هو الذي يُغيِّر ما بنَفْسه، فيُغيِّر طاعةَ الله بمعصيته، وشكرَه بكُفره، وأسبابَ رضاه بأسباب سخطه، فإذا غيَّرَ غُيِّر عليه جزاء وفاقًا، وما ربُّك بظلاَّم للعبيد؛ فإن غيَّر المعصية بالطاعة غيَّر اللهُ عليه العقوبة بالعافية، والذُّلَّ بالعزِّ؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ï´¾ [الرعد: 11]"[16].







فعلينا ألا نُزكِّي أنفسنا، بل نقول كما قال عطاء - رحمه الله - وكان إذا أصابتهم ريح أو برق أو غلاء طعام، قال: "هذا من أجلي يصيبهم؛ لو مات عطاء لاسْتراح الناس"[17].







كلٌّ يصرخ على نفسه، قائلاً:



ويحك يا نفسُ! أنتِ سببُ البلاء الحَالِّ بأرض المسلمين من غلاءٍ ووباء.



ويحك يا نفسُ! أنتِ سبب ضياع مقدساتنا، وانتقاص أرضنا، وانتهاك حُرُماتنا.



ويحك يا نفسُ! لا تعترفين بالفضْل لواهبه.



ويحك يا نفسُ! لا تشكرين الله على نعَمِه الكثيرة الجليلة، وإن حدث فنَزْر يسير لا يكافئ عشير عشر معشار ما به عليَّ تفضل.



ويحك يا نفسُ! لا تستعملين المستحفَظ فيما استحفظ له.



ويحك يا نفسُ! لا تدْعِين الله أن يحفظ عليكِ نعمه، وأن يمتعكِ بها ما بقيتِ.



ويحك يا نفسُ! بماذا ستجيبين ربَّك إذا سألك عما لم تستطيعى عدَّه من نعَمه عليكِ.





بَادِرْ فَقَدْ أَسْمَعَكَ الصَّوْتُ

إِنْ لَمْ تُبَادِرْ فَهوُ الفَوْتُ




مَنْ لَمْ تَزُلْ نِعْمَتُهُ قَبْلَهُ

أَزالَ عَنْهُ النِّعْمَةَ المَوْتُ












ï´؟ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ï´¾ [النمل: 19].







ï´؟ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ï´¾ [الأحقاف: 15].







والحمد لله رب العالمين.






[1] "أضواء البيان" 2/ 362.




[2] أخرجه مسلم 4915 من حديث أنس - رضي الله عنه.




[3] "التيسير بشرح الجامع الصغير" 1/ 528.




[4] "شرح رياض الصالحين" 1/ 157.




[5] أخرجه الطبراني في "الكبير" 22/ 155 حديث 18265، والبيهقي في "شُعَب الإيمان" 2/ 154 حديث 1430.




[6] أخرجه الترمذي 3380، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" 3458.




[7] أخرجه الترمذي 2227 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" 100.




[8] أخرجه مسلم 1746 من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما.




[9] حسنه الألباني في "الصحيحة" 2318.




[10] أخرجه مسلم 5979 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.




[11] "لطائف المعارف" ص 310.




[12] "المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 1/ 144.




[13] "تفسير ابن كثير" 4/ 512.




[14] أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 13/ 227 حديث 35473 من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 1700.




[15] "إحياء علوم الدين" 4/ 186.




[16] "الجواب الكافي" ص 29.




[17] "البحر المديد" 1/ 360.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 94.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 92.49 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]