من أمالي الحرم: واجعله الوارث منا - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجامع في أحكام صفة الصلاة للدبيان 3 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          دور المسجد في بناء المجتمع الإنساني المتماسك السليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ملامح الشخصية الحضارية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          المثنى بن حارثة الشيباني فارس الفرسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أدب الحديث على الهاتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          المدرسة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أثر صحبة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 94 - عددالزوار : 74465 )           »          علمني هؤلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الحب المفقود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-12-2021, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي من أمالي الحرم: واجعله الوارث منا

من أمالي الحرم: واجعله الوارث منا


أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز





الحمدُ لله، وأفضل الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعدُ:
من دعاء القنوت الذي دعا به إمام الحرم المكي في العشر الأواخر الدعاء المأثور " وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا"، وهو مما دار النقاش حوله في "مجلس العشر الأواخر" في مكة المكرمة بحضور العلماء وطلبه، وفحوى النقاش كانت: لماذا كان الضمير في قوله " وأجعله" بالمفرد علماً أن المذكور قبله بصيغة الجمع مع تنوعه؟ فتنوعت الآراء وتعددت كلها منطلقة من النصوص واختلاف الفاظ الحديث ومسنديه إلى النبي صلى الله عليه وسلم آخذين بنظر الاعتبار قواعد اللغة العربية وفنونها واساليبها، وبعد تمام المجلس اقترح علي الشيخ الفاضل نظام يعقوبي أن أجمع أقوال العلماء في هذا الموضوع بعد عرض الروايات في الباب واختلافها، وكيف خرجها شراح الحديث بما يتوافق مع علوم اللغة العربية، فشددت العزم على ذلك بعد التوكل على الله وبه أستعنت، فأقول:
قال الترمذي:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا»[1].

وأخرجه عن أبن عمر أبن أبي الدنيا بلفظ: « وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا» [2]، والدينوري بلفظ: (... وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا، وَاجْعَلْ ذَلِكَ الْوَارِثَ مِنَّا »[3]، والحاكم وَزَاد فِي أَوله «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي»، وبلفظ: «...وَبَارِكْ لِي فِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي »[4].

ومن طريق نافع عن ابن عمر أخرجه ابن أبي المبارك [5]، والبزاربلفظ: «... اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَبْصَارِنَا وَأَسْمَاعِنَا وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا»[6]، والنسائي[7]، والطبراني بلفظ: « وَبَارِكْ فِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي »[8]، وابن السني [9]

ومما ينبغي ان يعلم ان هذا الدعاء ورد من مسانيد متعددة بمناسبات مختلفة ومنها:
فمن مسند عائشة، أخرجه الترمذي[10]، وأبو يعلى الموصلي [11]، والحاكم[12]بلفظ: قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي جَسَدِي، وَعَافِنِي فِي بَصَرِي، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ، الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ»، وأخرجه الطبراني[13]، وابن السني[14] بلفظ: «اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وَانْصُرْنِي عَلَى عَدُوِّي، وَأَرِنِي فِيهِ ثَأْرِي».

ومن مسند أ بي هريرة، أخرجه الترمذي[15]،، والبخاري في " الادب المفرد"[16]، بلفظ: «اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَ مِنِّي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ يَظْلِمُنِي، وَخُذْ مِنْهُ بِثَأْرِي»، وأخرجه البزار[17]، والطبراني[18]، والحاكم[19]؛بلفظ: «...وَأَمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي...».

ومن مسند الزبير أخرجه معمر بن راشد بلفظ:« اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ عَدُوِّي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي»[20].
ومن مسند عبد الله بن الشخير أخرجه البزار بلفظ: «اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنِّي»[21].

ومن مسند علي أخرجه الطبراني[22]، والحاكم[23] بلفظ:: « اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي حَتَّى تَجْعَلَهُ الْوَارِثَ مِنِّي، وَعَافِنِي فِي دِينِي، وَاحْشُرْنِي عَلَى مَا أَحْيَيْتَنِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مِنْ ظَلَمَنِي حَتَّى تُرِيَنِي مِنْهُ ثَأْرِي».

ومن مسند سعد بن زرارة أخرجه الطبراني بلفظ: «اللَّهُمَّ انْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، وَأَرِنِي ثَأْرِي مِمَّنْ ظَلَمَنِي، وَعَافِنِي فِي جَسَدِي، وَمَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي مَا أَبْقَيْتَنِي وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي»[24].

ومن مسند أنس رَضِيَ الله عَنْهُ أخرجه ابن السني[25]، والحاكم[26]، بلفظ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَصَابَ الرَّمَدُ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنِّي، وَأَرِنِي فِي الْعَدُوِّ ثَأْرِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي»[27].

وتبين من سوق الأحاديث السابقة ما يأتي:
رواية حديث الباب الجمع للثلاثة(السمع، والبصر، والقوة)، والضمير العائد عليها بالمفرد وهي رواية المشهورة بلفظ: (وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا)، وهي محل الأشكال، أما باقي الروايات فلا اشكال فيها ولا سيما رواية المثنى، أو عود الضمير المفرد على المفرد، من هنا اجتهد شراح الحديث لبيان هذا الأمر فقالوا:
قال البغوي: قَوْلُهُ: «وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا» أَيْ: أَبْقِهِ مَعِي حَتَّى أَمُوتَ، قِيلَ: أَرَادَ بِالسَّمْعِ وَعْيَ مَا يُسْمَعُ وَالْعَمَلَ بِهِ، وَبِالْبَصْرِ الاعْتِبَارَ بِمَا يَرَى، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بَقَاءَ السَّمْعِ وَالْبَصْرِ بَعْدَ الْكِبَرِ وَانْحِلالِ الْقُوَى، فَيَكُونُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَارِثَيْ سَائِرِ الْقُوَى، وَالْبَاقِيَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَدَّ الْهَاءَ إِلَى الإِمْتَاعِ، فَلِذَلِكَ وَحَّدَهُ، فَقَالَ: «وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا»[28].

وقال السيوطي: الضمير في "اجعله" للمصدر كما في قولك: زيدٌ أظنه منطلق، أي اجعل الجعل. و"الوارث" هو المفعول الأول، و"منَّا" في موضع المفعول الثاني، على معنى واجعل الوراث من نسلِنَا، لا كلالة عنَّا، كما قال تعالى، حكاية عن دعوة زكريا: ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ [مريم: 5، 6] وقيل: الضمير للتمتع الذي دل عليه، ومتِّعنا، ومعناه: اجعل تمتعنا بها باقيًا عنَّا مورُوثًا لمن بعدنا، أو محفوظًا لنا إلى يوم الحاجة، وهو المفعول الأول، "والوارث" مفعول ثان، و"منَّا" صلة له[29].

وقيل: الضمير لما سبق من الأسماع، والأبصار، والقوة، وإفراده، وتذكيره على تأويل المذكور،، والمعني بوراثتها لزومها له عند موته لزوم الوارث له[30].

وقال علي القاري: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَصْدَرِ أَيْ أَفَعَلَ الْفَعْلَةَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا فَالْفِعْلُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ اللَّازِمِ[31].

وقال المناوي: أَي: اجْعَل تَمَتعنَا بهَا بَاقِيا عَنَّا موروثا لمن بَعدنَا أَو مَحْفُوظًا لنا ليَوْم الْحَاجة[32].
وقال الشوكاني: اجْعَل التَّمَتُّع بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة هُوَ الْوَارِث منا، أَو إِلَى مصدر اجْعَل، أي: اجْعَل هَذَا الْجعل الْوَارِث منا، أَو الضَّمِير بِمَعْنى اسْم الْإِشَارَة وَقد وَقع مثل هَذَا فِي الْكتاب الْعَزِيز كثيرا [33].

ونقل المباركفوري عن العلماء قولهم فقال: قَالَ بن الْمَلَكِ التَّمَتُّعُ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ إِبْقَاؤُهُمَا صَحِيحَيْنِ إِلَى الْمَوْتِ مَا أَحْيَيْتَنَا أَيْ مُدَّةَ حَيَاتِنَا وَإِنَّمَا خَصَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ بِالتَّمْتِيعِ مِنَ الْحَوَاسِّ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْمُوَصِّلَةَ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ إِنَّمَا تَحْصُلُ مِنْ طَرِيقِهِمَا لِأَنَّ الْبَرَاهِينَ إِنَّمَا تَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنَ الْآيَاتِ وَذَلِكَ بِطَرِيقِ السَّمْعِ أَوْ مِنَ الْآيَاتِ الْمَنْصُوبَةِ فِي الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ فَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْبَصَرِ فَسَأَلَ التَّمْتِيعَ بِهِمَا حَذَرًا مِنَ الِانْخِرَاطِ فِي سِلْكِ الَّذِينَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً وَلَمَّا حَصَلَتِ الْمَعْرِفَةُ بِالْأَوَّلَيْنِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعِبَادَةُ فَسَأَلَ الْقُوَّةَ لِيَتَمَكَّنَ بِهَا مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْقُوَّةِ قُوَّةُ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالْحَوَاسِّ أَوْ جَمِيعِهَا فَيَكُونُ تَعْمِيمًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَاجْعَلْهُ أَيِ الْمَذْكُورَ مِنَ الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْقُوَّةِ الْوَارِثَ أَيِ الْبَاقِيَ مِنَّا أَيْ بِأَنْ يَبْقَى إِلَى الْمَوْتِ والضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ اجْعَلْهُ لِلْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْجَعْلُ أَيِ اجْعَلِ الجعل وعلى هذا الوارث مفعول أول ومنا مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيِ اجْعَلِ الْوَارِثَ مِنْ نَسْلِنَا لَا كَلَالَةً خَارِجَةً مِنَّا وَالْكَلَالَةُ قَرَابَةٌ لَيْسَتْ مِنْ جِهَةِ الْوِلَادَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ قَدْ يُضْمَرُ وَلَكِنْ لَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنَ اللَّفْظِ وَلَا يَنْسَاقُ الذِّهْنُ إِلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَالثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ لِلتَّمَتُّعِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ مَتِّعْنَا وَالْمَعْنَى اجْعَلْ تَمَتُّعَنَا بِهَا بَاقِيًا مَأْثُورًا فِيمَنْ بَعْدَنَا لِأَنَّ وَارِثَ الْمَرْءِ لَا يَكُونُ إِلَّا الَّذِي يَبْقَى بَعْدَهُ فالمفعول الثاني الوارث وهو الْمَعْنَى يُشْبِهُ سُؤَالَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَى نَبِيِّنَا عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين وَقِيلَ مَعْنَى وِرَاثَتِهِ دَوَامُهُ إِلَى يَوْمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ إِنَّمَا يَكُونُ بَاقِيًا فِي الدُّنْيَا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْقُوَى بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَمِثْلُ هَذَا شَائِعٌ فِي الْعِبَارَاتِ لَا كَثِيرَ تَكَلُّفٍ فِيهَا وَإِنَّمَا التَّكَلُّفُ فِيمَا قِيلَ إِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ وَيَدُلُّ عَلَى ذلك على وُجُودُ الْحُكْمِ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ تَقَارَبَا فِي مَعْنَيَيْهِمَا فَإِنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى الْآخَرِ وَالْمَعْنَى بِوِرَاثَتِهَا لُزُومُهَا إِلَى مَوْتِهِ لِأَنَّ الْوَارِثَ مَنْ يَلْزَمُ إِلَى مَوْتِهِ[34]

تبين لي ملخص ما ذكر الآتي:
1- رَدَّ الْهَاءَ في قوله: (أجعله) إِلَى الإِمْتَاعِ، فَلِذَلِكَ وَحَّدَهُ، أَي: اجْعَل تَمَتعنَا بهَا بَاقِيا عَنَّا موروثا لمن بَعدنَا أَو مَحْفُوظًا لنا ليَوْم الْحَاجة، وهو المفعول الأول، "والوارث" مفعول ثان، و"منَّا" صلة له، أو أي اجعل ما متعتنا به (الوارث)، أي الباقي (منا)، أي بأن يبقى إلى الموت، ومَعْنَى الوراثة لُزُومهَا لَهُ عِنْد مَوته لُزُوم الْوَارِث لَهُ فَكَأَنَّهَا لما لم تذْهب إِلَّا بذهابه وَلم تفقد إِلَّا بِمَوْتِهِ بَاقِيَة والنفع بهَا مُسْتَمر وَهَذَا الْمَعْنى قد أَفَادَهُ قَوْله: (مَا أَحْيَيْتَنَا)، وَلكنه زَاده تَأْكِيدًا وتقريرا.

2- الضمير في "اجعله" للمصدر كما في قولك: زيدٌ أظنه منطلق، أي اجعل الجعل، فَالْفِعْلُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ اللَّازِمِ. و"الوارث" هو المفعول الأول، و"منَّا" في موضع المفعول الثاني، على معنى واجعل الوراث من نسلِنَا، لا كلالة عنَّا، والكلالة قرابة ليست من جهة الولادة كما قال تعالى، حكاية عن دعوة زكريا: ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ [مريم: 5، 6].

3- أَو الضَّمِير بِمَعْنى اسْم الْإِشَارَة [35]، أي: هذا المذكور.

وبعد عرض وأقول العلماء تبين لي الأتي:
أن الضمير يعود إلى الأثر أي: أجعل أثر السمع، وأثر البصر، وأثر القوة باق بعد موتنا بقرينه قوله صلى الله عليه وسلم: (الوارث)، لا يكون ذلك الا بعد الموت، بعد انتقال العبد من دار الدنيا الى دار الأخرة، فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندعو الله ان يمتعنا بهذه الأشياء في حياتنا وان يبقي أثرها بعد موتنا لتكون مدعاة لغيرنا على طاعة الله، أو تعينهم على طاعة الله، أو توظيف ذلك الأثر لينتفع به الخلائق بعد موتنا كالصدقة الجارية وغيرها، والملاحظ أن النص ذكر التمتع بها في الدنيا بقولهمَا أَحْيَيْتَنَا)، ثم قال: (وأجعله الوارث منا)، أي: اجعل التمتع بها في الحياة الدنيا وبأثرها بعد الموت؛وهو ما ذكره الأجلة؛ بقوله: (اجْعَل تَمَتعنَا بهَا بَاقِيا عَنَّا موروثا لمن بَعدنَا)، وهو ما يتناسب مع قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12]، فـ(قدموا) في الحياة الدنيا، و(واثارهم)، بعد موتهم،فاخبرنا المولى أنه يكتب ما قدم الأنسان في حياته وآثاره بعد موته وهذا من كرم الله بتنزيله الاثار منزلة ما قدمه العبد، وهذا ما نفهمه من قوله صلى الله عليه وسلم: "منا "، أي: الوراثة تكون منا وليس خارجة عنا؛ وهو ما عبر عنه الافاضل بقولهم: (لا كلالة عنَّا)، فاثر السمع والبصر والقوة منا وليس من غيرنا، والله أعلم بالصواب.

وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على سيّدنا مُحمّد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين


[1] سنن الترمذي ت شاكر (5 / 528): (3502)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ.

[2] اليقين لابن أبي الدنيا (1 / 31): (2).

[3] المجالسة وجواهر العلم (3 / 99): (725).

[4] المستدرك على الصحيحين للحاكم (1 / 709): (1934)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ".

[5] (1 / 144): (431).

[6] مسند البزار = البحر الزخار (12 / 243): (5989)، وقال: هَذَا الْكَلامُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم بِهَذَا اللَّفْظِ إلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْر لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَإنَّما يُكْتَبُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا يَتَفَرَّدُ به.

[7] السنن الكبرى: (9 / 154): (10161)، و عمل اليوم والليلة: (1 / 310): (401).

[8] المعجم الصغير للطبراني (2 / 109): (866)، وقال: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ نَافِعٍ إِلَّا خَالِدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، وَبُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجُّ، والدعاء: (1 / 535): (1911)

[9] (364هـ) (1 / 394): (446).

[10] سنن الترمذي ت شاكر (5 / 518): (3480)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ» سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ شَيْئًا.

[11] مسند أبي يعلى الموصلي (8 / 145): (4690)، [حكم حسين سليم أسد]: رجاله ثقات.

[12] المستدرك على الصحيحين للحاكم (1 / 711): (1941)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إِنْ سَلِمَ سَمَاعُ حَبِيبٍ مِنْ عُرْوَةَ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ".

[13] الدعاء للطبراني (1 / 428): (1453).

[14] عمل اليوم والليلة لابن السني (1 / 666).

[15] سنن الترمذي ت شاكر (5 / 583)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ».

[16] الأدب المفرد مخرجا (1 / 226): (650).

[17] مسند البزار = البحر الزخار (14 / 331): (8003)، وقال: وهذا الحديث لا نحفظه من حديث مُحَمد بن عَمْرو إلاَّ من حديث المحاربي.

[18] الدعاء للطبراني (1 / 421): (1424)، و المعجم الأوسط (6 / 120): (5982)، وقال: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ عَمَّارُ بْنُ طَالُوتَ ".

[19] المستدرك على الصحيحين للحاكم (1 / 704): (1918)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، و (2 / 154): (2630)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، وقال الذهبي: على شرط مسلم.

[20] جامع معمر بن راشد (10 / 441): (19640).

[21] مسند البزار = البحر الزخار (6 / 259): (2294)، وقال: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

[22] الدعاء للطبراني (1 / 416): (1410)، والمعجم الأوسط (8 / 36): (7884)، وقال: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدَيثَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ "، والمعجم الصغير للطبراني (2 / 225): (1070)، وقال: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، تَفَرَّدَ بِهِ دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، وَلَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

[23] المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 709): (1933)،وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ هَذَا الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَهُوَ حُسَيْنٌ الْأَصْغَرُ الَّذِي أَدْرَكَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَرَوَى عَنْهُ حَدِيثَ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ "، وقال الضياء المقدسي: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقِيلَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. ينظر: الأحاديث المختارة (2 / 299): (679).

[24] الدعاء للطبراني (1 / 426): (1448).

[25] عمل اليوم والليلة لابن السني (1 / 514): (565).

[26] عمل اليوم والليلة لابن السني (1 / 514): (565).


[27] المستدرك على الصحيحين للحاكم (4 / 459): (8272)، وقال الذهبي: فيه ضعيفان.

[28] شرح السنة للبغوي (5 / 175).

[29] ينظر قوت المغتذي على جامع الترمذي (2 / 861).

[30] قوت المغتذي على جامع الترمذي (2 / 861).

[31] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6 / 2375).

[32] التيسير بشرح الجامع الصغير (1 / 218).

[33] تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (1 / 453).

[34] ينظر مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8 / 258)، و تحفة الأحوذي (9/ 334).

[35] تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (1 / 453).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.80 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]