|
|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
سحابة لسان عابرة (قصة)
سحابة لسان عابرة (قصة) محمد رحو أبو رفيف مرَّت أيام الأسبوع كلُّها سعادة وحُبور، أيام صيفيَّة يغمرها السرور من كلِّ جانب، لم يكن فيها ما يكدِّر صفوَ الحياة، ولا ينغِّصُ لذَّة العيش، سوى ما بدا من تصرُّفات من أحمد، فقد بدا هذه الأيام عصبيَّ المِزاج، إذا تحدَّث نبا، وإذا سكت أوجمَ، فظهر على شِدقَيْه زبدٌ أبيض، تحسبُه موجًا هادرًا، حين تتفرَّس مُحيَّاه تجده مكشِّرًا عن أنياب الغضبِ، وهو المعروف بقهقهاته العجيبة التي تجلب أنظار زبائن المقهى، والمشهود له بالاتِّزان في الحديث، والتورُّع عن السبِّ والشتم ونَهْشِ الأعراض، لقد ساءني في الحقيقة حالُه، فحتى قهوة المساء لم يَعُدْ يستلذُّها، ولا يحس بنشوتِها كما كان، فقد كانت جودة مذاقها تدفعُه إلى التقاطِ صورة لها يتقاسمُها مع أصدقائه على شبكة التواصل الاجتماعي بعد أن يحيِّيَهم بتحيته المعهودة: "مساؤكم بُن!"، التي أصبحت مألوفةً بين أصدقائه لا يتداولون اسمَه إلا مقرونًا بهذه العبارة التي كادت أن تصبحَ لقبًا له، فحين يكثرُ "الأحمدون" يميَّز هو بصاحب الفنجان. لم أكن أبلغُ من الشجاعة ما يجعلُني أفاتحُه في الموضوع، وأستفسره عن هذا التحوُّل السلوكي الرهيب، لقد وَجِلْتُ من انتفاضتِه وغضبه، أو أن يكون الوقتُ غيرَ مناسب للمطارحة، أخشى ما أخشاه أن يزيدَه السؤال عنادًا؛ فيَزْوَرَّ عني، ويهجر المقهى الذي يجمع أجزاءنا، خمَّنت أن أشرك فريدًا في الموضوع؛ وهو أقرب المقربين إليه، وحافظُ أسراره؛ لعلِّي أحصل منه على ما يُبدِّد حيرتي، ويضعُ حدًّا لأسئلتي، لكن كيف أعثر على فريد؟ وأين سأجدُه؟ وهو الذي زوى وجهَه عن المقهى وأصدقائه بسبب قِيمِهم المُهتزَّة، ومواقفهم غير الثابتة، أتراه يكون قد جالسَ أحمد هذا الأسبوع؟ وراعَتْه حالتُه كما راعتني؟ حَصَلتُ على هاتفه، وفي أول اتصال أخبرني أنه لم يسبقْ له أن اتَّصل به، أو جالسه منذ زمانٍ، لكن رآه بدايةَ هذا الأسبوع وبالضبط خلال يوم الثلاثاء، حين قيام السوق الأسبوعي بالمدينة، رمَقَه في السوق منحنيًا في زحمة من الناس، يُنقِّب في كومة تضم آلافًا من طقوم الأسنان المستعملةِ، يجرِّبون مقاساتها على أفواههم، ويشترون ما تلاءم منها بأثمنة مناسبة. أعادني هذا الخبر إلى أيَّام خلَتْ، أيام كان يشتكي فيها أحمدُ كلما جالستُه بتحطُّمِ أسنانه، ورغبته الملحَّة في استبدالها كلِّيَّةً، لكن قلَّةَ ذات اليد كانت تحولُ دون تحقيقِ رغبته، فكَّرت مليًّا، فحَمِدْتُ اللهَ أنني كتمْتُ السؤال في نفسي، وكَظَمْتُ حيرتي، قرَّرت بعد ذلك ألا أدخل في لعبة سين وجيم، وأنتظر حتى يستأنسَ طقم الأسنان الغريب بشخصيَّة أحمد المتَّزنة وأخلاقه الرفيعة، فتلك سحابةُ لسانٍ عابرةٌ.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |