الإيجاز والرمز في لغتنا الجميلة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         همسة في آذان الشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          من آداب الدعاء... إثبـــات الحمـــد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 3015 )           »          الاستعمار وأساليبه في تمكين الاستشراق الحلقة الرابعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 609 )           »          قواعد عقاب الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 45 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 55 - عددالزوار : 15795 )           »          توجيهات منهجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          القاعدة الأوفى في الأسماء الحسنى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-10-2020, 05:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي الإيجاز والرمز في لغتنا الجميلة

الإيجاز والرمز في لغتنا الجميلة


إبراهيم عبدالعزيز السمري



الإيجاز والرمز في لغتنا الجميلة
قراءة جديدة لحركة الفتحة على آخر الماضي




الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيد المرسلين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:

لا تزال لغتنا العربيَّة الأصيلة تبوح بأسرارها المكنونة، وتكشفُ عن جواهرها الدفينة، وتفتح مناجمها العتيقة لكل من أراد أن يسبر أغوارها، ويغوص في بحارها باحثًا عن لآلئها؛ فقديمًا كشفت عن بعضِ أسرارها لعُلمائنا الأفذاذ من أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي، وسيبويه، والأخفش، والزجاج، والفراء، وأبي علي الفارسي، وابن جني، وعبدالقاهر الجرجاني... وغيرهم.

وفي عصرنا الحديث فتحت بعض كنوزها، ومنحت بعض أسرارها لأساتذة أكْفَاء، ومشايخ أجلاء، وشعراء عظماء، أحبوها فأحبتهم، ومنحوها جُهْدَهم، فأغدقت عليهم من خيراتها، ولا تزالُ تفيض بهذا العطاء إلى يومنا هذا.

وعشقًا في هذه اللُّغة الجميلة رأيت أنْ أسلكَ سبيلَ المحبين لها؛ لأنهل من نبعها الدَّفَّاق، أو أقبس من نورِها الوضاء قبسًا يُعينني على فَهْم بعض أسرارها، أو أهتدي به في ظلمات الضَّجيج الناجم عن التخبُّط بين اللُّغات الزَّائفة التي تعملقت في وقت توارت فيه العربية؛ بسبب ضعف أهلها.

فتعالَ معي - أخي القارئ - نتنزه في ربوع العربية حينًا من الوقت، نستنشق أريجها العطر، ونقطف من جناها أطيب الثمر، تعالَ نتناول من أفكارها الجمَّة فكرة واحدة؛ كيلا نتوه بين الأفكار، ولا نتخبط بين الأسوار.

ولقد اخترت لك فكرة جديدة بعض الشيء، ولعلها لجدتها توقعنا في شيء من الحرج مع بعض المحافظين المتشددين الذين يُردِّدون بين الحين والحين أنَّ النحو العربي قد شاط واحترق، وليس لأحد أنْ يأتِيَ فيه بجديد؛ لكنَّها العربية لا تفتأ تنادي عشاقها هاكم أسراري، وهاكم كنوزي، تعالوا فاغترفوا مني:
أَنَا الْبَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ فَهَلْ سَاءَلُوا الْغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي

فكرتنا تتحدث عن جانب من جوانب الإيجاز في اللُّغة العربية، وبالأخص جانب استخدام الحركات الإعرابيَّة كرموز ودلائل على معانٍ ووظائف نحوية وتركيبية ودلالية.

فمن المعلوم أنَّ من خصائص لُغتنا العربية "الإعراب"، ومعناه في الأصل: الإفصاح، يقال: أعرب الرجل عن حاجته إذا أبان عمَّا في نفسه، والإعراب يرتبط بالمعنى، ويوضح المراد لنفهم ما في نفس القائل والكاتب، والإعراب يكون بالحركات: "الفتحة، والضمة، والكسرة"، وتسمى بالعلامات الأصلية، وبما يقابلها من حروف "الألف، والواو، والياء"، وتسمى بالعلامات الفرعية.

والحركات في اللغة قسمان:
قسم يدخل في بنية الكلمة، كحركة الراء في رَسول، وقرَن ويقرِن، وقسم يدخل على الكلمة، ويتبدل تبعًا للوظيفة النَّحوية، والنوعان لهما معانٍ، فبالنوع الأول تتبين لنا بالحركة صيغة الكلمة، فنميز بين الاسم والفعل كـ"فرَح" الاسم، و"فَرِحَ" الفعل، وبين نوعين من أنواع الاسم كـ"فرِح" صيغة المبالغة، و"فَرَح" المصدر، وبين فعل معلوم الفاعل "كَتَب"، وآخر مجهول الفاعل "كُتِب"، وبالنَّوع الثاني نستدلُّ على الوظيفة، فنعرف من قام بالفعل، ومَن وَقَعَ عليه الفعل، ومن نخبر عنه، وما الخبر الذي نخبر به، فحركات الإعراب ليست شيئًا زائدًا أو ثانويًّا؛ لكنَّها تؤدي وظيفة أساسية في اللغة؛ إذ بها يتضح المعنى ويظهر، وعن طريقها نعرف الصِّلة النحوية بين الكلمة والأخرى في الجملة الواحدة، وهذه هي وظيفة النحو: أنْ يبين لنا صلات الكلمات في الجملة، وبفضل الإعراب نستطيع التقديم والتأخير في الجملة وَفْقَ ما يناسب المعنى، ويعطيه دلالات أعمق، مع المحافظة على مَراتب الكلمات، فالفاعل يبقى فاعلاً وإنْ أخَّرناه، والمفعول يبقى مفعولاً وإن قدمناه؛ لكنَّا نكون قد حظينا بمعانٍ جديدة، وإن تأمَّلنا فيما تقدم، ظهر لنا أنَّ الإعراب نفسه هو ضرب من ضروب الإيجاز في اللغة؛ لأنَّنا بالحركات نكتسب معانِيَ جديدةً دون أن نضطر لزيادة حجم الكلمة، أو رفدها بمقاطع أخرى أو بأفعال مساعدة.

تأمَّل معي هذا المثال: "ما أحسن زيد"، وكيف أنَّ معنى الجملة يتغير تبعًا لتغير الحركات: فتقول: "ما أحسنَ زيدًا!"، إن أردتَ التعجُّب، بفتح نون "أحسنَ"، على أنه فعل ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره "هو" يعود على "ما"، ونصب "زيد" على المفعوليَّة، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ "ما".

وتقول: "ما أحسنُ زيدٍ؟"، إن أردتَ الاستفهام، بضم نون "أحسن"، على أنه خبر للمبتدأ "ما"، وجرِّ زيد بالإضافة، والمعنى: أيُّ أجزاء زيدٍ حسنٌ؟

وتقول: "ما أحسنَ زيدٌ"، إن أردتَ النفي، بفتح نون "أحسن"، على أنه فعلٌ ماضٍ، ورفع "زيد" على الفاعلية، والمعنى: لم يقع من زيد إحسان.

فتأمل - رعاك الله - هذه المعاني التي لا تتميز إلا بالإعراب.

وإليك مثالاً آخر يؤكد أهمية الحركة، وأهمية الإعراب في تغيير معنى الجمل:
أحضر عبدالملك بن مروان رجلاً يرى رأيَ الخوارج، فأمر بقتله، فقال: ألستَ القائل:

فَمِنَّا حُصَيْنٌ والْبَطِينُ وَقَعْنَبٌ وَمِنَّا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ شَبِيبُ

فقال: لم أقل ذلك يا أمير المؤمنين، وإنَّما قلتُ: "ومنَّا أميرَ المؤمنين شبيبُ"، فقَبِل قولَه وعفا عنه.

وهذا الجواب في نهاية الحسن، فإنه إذا كان قوله: "ومنا أميرُ المؤمنين شبيبُ"، برفع "أمير"، كان أميرُ: مبتدأً مؤخرًا، وشبيبٌ: بدلاً أو عطفَ بيان منه؛ وعلى ذلك فيكون شبيبٌ هو أميرَ المؤمنين، وإذا نصب "أمير"، كان معناه: "ومنا يا أميرَ المؤمنين شبيب"، وهكذا درأ عن نفسه القتل بصرف الإعراب عن الرفع إلى النصب[1].

إننا في هذا المقال نلج بابًا جديدًا بعيدًا عن حركات الإعراب، التي تدخل الأسماء، ونتطرق إلى الحركات التي تلحق الأفعال، وبالتحديد الفعل الماضي فحسب؛ حتَّى لا يطول المقام، ويسأم القراء من جفاء الأفكار؛ إذ إنَّ الموضوع المختار ليس أدبيًّا؛ ولكنه موضوع في صميم فلسفة اللغة يكتظ بالأفكار والدلائل والبراهين، بعيدًا عن الصور والخيالات والأساليب الرصينة المشوقة والآخذة بالقلوب قبل العقول.

وظيفة الفتحة الموجودة على آخر الفعل الماضي:
من الأمور البَدهية لدى علماء النحو: أنَّ الفتحة على آخر الفعل الماضي علامة بناء فحسب؛ لكن العقل يتساءل: لماذا كان الفعل الماضي مبنيًّا؟ وما مفهوم البناء؟

إذا كان مفهوم البناء عند النحاة هو لزوم آخر الكلمة حركة واحدة، مهما تغير موقعها أو العوامل الداخلة عليها، فبمَ نفسِّر اختلاف الحركات على آخر الفعل الماضي في قولك: "ذهبَ، ذهبُوا، ذهبْنا"؟

قالوا: إن الأصلَ في بناء الماضي هو الفتح، والسكون عارض لدفع توالي أربع متحركات، والضم عارض لمناسبة واو الجماعة.

هذا ما قاله علماؤنا الأقدمون، ولا نزال نلهج به؛ لكن الحقيقة قد تكون غير ذلك، نعم لقد اجتهدوا أيَّما اجتهاد، ولنا أن نجتهد مثلما اجتهدوا، فقد يوافقنا الصواب، ويُحالفنا التوفيق.

إننا لا نرى - كالآخرين - أنَّ الفتحة في الفعل الماضي مُجرد علامة، أو دليل على بناء الفعل وحسب؛ ولكنها دليل ورمز صريح على الفاعل المفرد الغائب؛ إذ إنَّ العربية في مسيرة تطورها كانت تجنح دائمًا إلى الإيجاز والرمز والتيسير، فكما أن الحركات لها وظيفة في الأسماء، فكذلك للحركات وظيفة في الأفعال.

وقد توقف بعضُ الباحثين المعاصرين أمام هذه المسألة، وأراد أن يربط بين الفتحة في الماضي، وضمير الغائب؛ لكنَّه تراجعَ في حيرة واضطراب؛ يقول "جورجي زيدان": "وأما مميز الجنس، ويحصل به التمييز بين المذكر والمؤنث، فإنَّه مقصور في الغالب على الحركات، ويتضح ذلك جليًّا في النعوت التي تؤنَّث وتذكر، فإننا بقولنا: "حسنْ " و"حسنةْ" لا تمييز بين الجنسين إلاَّ بالفتح المسند بالتاء، التي تلفظ هاءً عند الوقف"[2].

ونراه في موضع آخر يقول: "لا يوجد في الغائب ضمائر مُتَّصلة مرفوعة خاصَّة بالماضي، والفتحة في الماضي أصلها مجهول، ومعناها غامض"[3].

أمَّا أستاذنا الدكتور "رمضان عبد التواب"، فكان أكثرَ جرأة وصراحة حين قرر بأن الفتحة دالٌّ، ومدلوله الغائب المذكر؛ يقول: "في اللغات السامية الجنوبية تنتهي الأفعال الماضية بالفتحة القصيرة "a ": "كتبَ" في العربية، وكذلك Katala في الحبشية، حتَّى اللهجات الحبشية المعاصرة - ومن بينها الأمهارية - لا تزال تحتفظ بهذه الفتحة القصيرة، وإن تطورت في بعضها إلى كسرة ممالة...".

"والدَّليل على أصالة هذه الفتحة القَصيرة في آخر الماضي المسند للغائب المفرد: أنَّا نراها مرة أخرى في اللغات السامية الشَّمالية، قبل اتِّصال الفعل ببعض ضمائر النصب؛ ذلك لأنَّ تلك الفتحة القصيرة لن تكونَ في هذه الحالة في آخر الكلمة بل في وسطها، والعناصر اللغوية القديمة كثيرًا ما تظهر عند اتِّصال الأفعال بضمائر النصب"[4].

وإننا إذا تتبعنا ضمير الرَّفع المنفصل للمفرد الغائب في أمهات اللُّغات السامية، نجده ينتهي إمَّا بفتحة قصيرة، كما في العربية والسِّريانية، وإما بفتحة طويلة كما في العبرية؛ فضمير المفرد الغائب في العربية "هُوَ"، وفي السريانية "هُوَ"، وفي العبرية הּוּאָ "هوا"، فالفتحة إذًا أصلية فيه، سواء كانت قصيرة أم طويلة، فلا عجب أن نَجدهم يأخذون الحركة يضعونها آخر الفعل الماضي للدلالة على الضمير المفرد الغائب.

وقد يقول قائل: لمَ لا يجعلون الهاء بديلاً للحركة - أعني الفتحة - والجواب: إنَّهم قد جعلوا الهاء ضميرًا للنصب في نحو: "ضربَهُ، وضربْتُهُ"، فإذا جعلوها في الرفع، حدث اللبس، وإنَّما تسعى اللغة لأمن اللبس؛ لأن من أغراضها البيان والتوضيح.

لم يبقَ إذًا مجال للشك في كون الحركة القصيرة "الفتحة" في آخر الماضي رمزًا ودليلاً على الفاعل الغائب المذكر.

إنَّ وجود هذه الفتحة في آخر الماضي قد أدَّى بالنُّحاة إلى أن يجعلوها علامة بناء فيه، وراحوا يقدرون فاعلاً مستترًا للفعل الماضي المسند للمفرد الغائب؛ ظنًّا منهم أنَّ الفعل على هذه الصورة قد خلا من الدلالة على الفاعل؛ لكن الحقيقة أنَّ صيغة الفعل الماضي ليست خالية تمامًا من اللواحق؛ إذ إن الفتحة التي في آخر الفعل لاحقة حقيقية تدُلُّ على ما دلت عليه زميلاتها من اللواحق الأخرى.

وإذا كانت الألف - وهي مصوت طويل - تدل على التثنية، فلماذا لا تدل الفتحة - وهي مصوت قصير - على الإفراد، علمًا أنَّ الفتحة تعادل نصف الألف وهي من جنسها؟!

وإذا كان المرء يَجد صُعُوبة في قبول هذه الفكرة، فلأن علم الرَّسم العربي يبرز المصوتات الطويلة دون القصيرة، بمعنى أننا نكتب الألف دون الفتحة، ونكتب الواو دون الضمة، والياء دون الكسرة، أمَّا من حيث النطق، فلا تقلّ الوظائف التي تؤديها المصوتات القصيرة في شيء عن تلك الوظائف التي تؤديها مثيلاتها من المصوتات الطويلة، ومن ثم لا مناصَ لنا من أن نقرر أنَّ الفتحة في "قالَ" هي لاحقة حقيقية تدل على ما دَلَّت عليه بقية اللواحق مع الشخص الغائب؛ أي: على الجنس والعدد.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعضَ الباحثين المعاصرين قد توقف كثيرًا أمام الفعل الماضي المسند إلى المفرد الغائب، فقرَّر بعد جهد وبحث وتمحيص أن الألف في الفعل الأجوف هي الفاعل؛ يقول الدكتور "أحمد الحمو": "إذا كانت هذه اللواحق الخمسة[5] تدل على الجنس والعدد فقط، فما الذي يدل على الشخص الغائب إذًا؟ إذ لا بد من دال يدل عليه، وجوابنا: أنَّ الألف التي في وسط الفعل "قال" هي الدال الممكن الوحيد على الشخص الغائب، ونستطيع أن نبرهن على ذلك بأنَّه حيثُ دلَّت اللواحق على الشخص، لم تظهر هذه الألف، فهي لم تظهر عند إسناد الفعل إلى الشخص المتكلم؛ لأنَّ لواحق الفعل تدل عليه بالمثل، بل لم تظهر عند إسناد الفعل إلى الشخص الغائب في جمع الإناث؛ لأنَّ نون النسوة قد دلَّت عليه.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أنَّ الألف دخيلة على الفعل مثلما أنَّ اللواحق دخيلة عليه أيضًا؛ أي: إنَّ الألف لم تنشأ عن انقلاب الواو في "قول"، ولا عن انقلاب الياء في "بيع"، بل أضيفت هذه الألف إلى الفعل من خارجه، وهذا يُلغي فكرة "الإعلال بالقلب" من الأساس"[6].

ونحن إذا سلمنا بما ذهب إليه هذا الباحثُ، فما الدليل على الغائب في الأفعال الآتية: "ضرب، ضربتْ، ضَرَبَا، ضربتا، ضربوا"؟

ويبدو أنَّ الباحث قد سأل نفسه هذا السؤال، فيجيبُ بقوله: "بخصوص الفعل الصَّحيح مثل: "صعد، ضرب"، يبدو للوهلة الأولى أنْ لا دال على الشخص الغائب؛ لأنَّ لواحق الفعل عند إسناده إلى الشخص الغائب لا تدل إلا على العدد والجنس، فما الدليلُ على الشخص إذًا؟ والجواب هو "الدال صفر"، والدال صفر بالمفهوم اللساني الحديث يعني خلو إحدى الصيغ من دال منطوق بالمقارنة مع صيغ أخرى تشتمل على دال خاص بها، فإذا كانت صيغ الفعل الماضي تشتمل على دالٍّ على الشخص عند إسناده إلى ضمائر المتكلم والمخاطب، وهو الدال المتمثل باللواحق، فإن خُلُوَّ صيغة الفعل الماضي من دال خاص بها عند إسناده إلى الشَّخص الغائب هو دال بحد ذاته، وهذا ما يُسمَّى بالدال صفر.

وهنا قد يرد إلى الذهن الاعتراض التالي: ما الفرقُ إذًا بين أن نقول بالدال صفر أو بالضمير المستتر، ما دام الدال على الشَّخص الغائب غير موجود في الحالتين؟ والجواب على ذلك: أنَّه اختلاف من حيثُ المبدأ، فالقول بالضمير المستتر يعني القول بوجود شيء غير موجود أصلاً، أمَّا القول بالدال صفر، فهو إقرار بعدم الوجود، ومن ثم اعتبار عدم الوجود هذا دالاًّ بحد ذاته"[7].

وكأنَّه بهذا التفسير يَحمل الأصلَ على الفرع، فالأصل أن يأتي الفعل صحيحًا، وهو الأكثر شيوعًا في العربية، فيجعل الدال فيه صفرًا، ويضع علامة كبيرة ودالاًّ واضحًا في الأفعال المعتلة، فيجعل الألف المنقلبة عن أصل هي الدليل على الشخص الغائب.

وإذا كان الباحث قد أراد بتفسيره هذا أنْ يهرب من قضية الإعلال والإبدال، أو بالأحرى يسعى إلى نسفها وإلغائها من كتب النَّحو، فهو مع هذا قد أضاف جديدًا للدراسات اللغوية، حين قرَّر أن الفتحة في آخر الماضي ليست علامة بناء، وإنَّما هي رمز للعدد والجنس، ونحن نزيد على قوله بأنها رمز للغيبة أيضًا.

ألاَ تراها تظهر مع الفِعْل المتصل بتاء التَّأنيث، ومع ألف الاثنين ولا تظهر مع المتَّصل بتاء الفاعل "تاء المخاطب، أو تاء المخاطبة، أو تاء المتكلم"، أو "نا" الدالة على الفاعلين؟ لأن هذه الضَّمائر دلائل على العدد والجنس والحضور.

إنَّ الفتحةَ الموجودة على آخر الفعل الماضي تظهر عند إسناده إلى المفرد الغائب، والمفردة الغائبة، ومثنى الغائب، ومثنى الغائبة، ثم تحولت إلى ضمة عند إسناده إلى ضمير الغائبين فقط، وهي مسألة صوتية لمناسبة واو الجماعة، تأمل الأمثلة الآتية:
أ- "خرجَ، خرجَتْ، خرجَا، خرجَتا، خرجوا".
ب- "خرجْتُ، خرجْتَ، خرجْتِ، خرجْنا، خرجْتما، خرجْتم، خرجْتن".

بمقارنة أمثلة المجموعة "أ" بأمثلة المجموعة "ب"، نستنتج أنَّ الفتحة قد اختفت في أمثلة المجموعة "ب" عند إسناد الفعل لضمائر المخاطب؛ لأنَّ الضمير فيه دلالة على الحضور، وكذلك عند إسناده إلى ضمير المتكلم أو ضمير المتكلمين اختفت الفتحة؛ لأنَّ الضمائر هنا تدل على الحضور، وهذا يدُلُّ على أن الفتحة فيها دلالة واضحة على الغيبة؛ حيثُ إنَّها لا تجتمع وضمائر الحاضر في وقت واحد.

وثم دليل آخر يُؤكِّد ما ذهبنا إليه من أن الفتحة في الماضي دالٌّ على الفاعل المفرد المذكر، وهو أننا إذا ألقينا نظرة إلى فعل الأمر عند اتِّصاله بنون التوكيد، فسوف نلاحظ أنَّ الضمير الأصلي يختفي، وتنوب الحركة عنه، وتصبح هي الرمزَ الوحيد على الفاعل، ونستعرض في هذا المقام أمثلة للفعل الأمر عند اتصاله بنون التوكيد وقبل اتِّصاله بها:
أ- "اضربْ، اضربوا، اضربي، اضربا، اضربن"، هذه أمثلة للفعل الأمر متَّصل بفاعله دون اتِّصاله بنون التوكيد.
ب- "اضربَنَّ، اضربُنَّ، اضربِنَّ، اضربانِّ، اضربنانِّ"، وهذه أمثلة للفعل الأمر المتصل بنون التوكيد.

نُلاحظ من خلال أمثلة المجموعة "ب" باستثناء الصيغتين الأخيرتين أنَّ الشكل الكتابي للفعل في الصيغ الثلاث واحد، ولا يفرق بينها سوى الحركة الواقعة على لام الفعل.

نستنبط من هذه الأمثلة أنَّ الفتحة رمز للفاعل المفرد المذكر، والضمة رمز للفاعل الجمع المذكر، والكسرة رمز للفاعلة المفردة المؤنثة.

أليس في هذا دليل آخر يؤكد ما قرَّرناه من أن الفتحة في آخر الماضي دليل على الفاعل المفرد المذكر؟

كل هذه الأمثلة والدلائل نسوقها للتأكيد على عظمة لُغتنا العربية، التي تتميز دون غيرها من اللغات بالإيجاز، وبالدِّقَّة في استخدام الرمز الذي يدل على المدلول الذي وضع له دون لبس أو إبهام.


ـــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: عبدالحميد ضحا، علاقة المعنى بالإعراب، مقال منشور على موقع الألوكة الإلكتروني، بتاريخ 22/12/2008م
[2] جورجي زيدان، الفلسفة اللغوية، ص115، ط. دار الهلال.
[3] المرجع السابق، ص121.
[4] د. رمضان عبدالتواب، المدخل إلى علم اللغة، ص267 وما بعدها، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط/2 1985م.
[5] يقصد باللواحق الخمسة: إسناد الفعل إلى "المفرد الغائب، والمفردة الغائبة، ومثنى الغائب، ومثنى الغائبة، وجمع الغائبين": "قالَ، قالَتْ، قالا، قالتا، قالوا".
[6] د. أحمد الحمو، محاولة ألسنية في الإعلال، مقال بمجلة عالم الفكر، المجلد العشرون، العدد الثالث 1989م، ص174.
[7] د. أحمد الحمو، مرجع سابق، ص185.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.40 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]