|
|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#51
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
__________________
|
#52
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ هُوَ الْجَزَرِيُّ عَنْ أَبِي وَاصِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ : " لَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ " وَقَالَ نَافِعٌ : أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَانْطَلَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ فَتَزَوَّجَهَا لِيَحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ فَقَالَ : لَا إِلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ " ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) يَعْنِي يَعْلَمُونَ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ . ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 231 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُدْعَى ثَابِتَ بْنَ يَسَارٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إِذَا قَرُبَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ مُضَارَّتَهَا . . [ ص: 275 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) أَيْ أَشْرَفْنَ عَلَى أَنْ يَبِنَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إِذَا انْقَضَتْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ إِمْسَاكُهَا فَالْبُلُوغُ هَاهُنَا بُلُوغُ مُقَارَبَةٍ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا ( فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) حَقِيقَةُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْبُلُوغُ يَتَنَاوَلُ الْمَعْنَيَيْنِ يُقَالُ : بَلَغَ الْمَدِينَةَ إِذَا قَرُبَ مِنْهَا وَإِذَا دَخَلَهَا ) ( فَأَمْسِكُوهُنَّ ) أَيْ رَاجَعُوهُنَّ ) ( بِمَعْرُوفٍ ) قِيلَ الْمُرَاجَعَةُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ لَا بِالْوَطْءِ . ( أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) أَيِ اتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ فَيَكُنَّ أَمْلَكَ بِأَنْفُسِهِنَّ ( وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) أَيْ لَا تَقْصِدُوا بِالرَّجْعَةِ الْمُضَارَّةَ بِتَطْوِيلِ الْحَبْسِ ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) أَيْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ) قَالَ الْكَلْبِيُّ : يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى : " فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ " وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ فَهُوَ مُتَّخِذٌ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقُولُ : كُنْتُ لَاعِبًا وَيُعْتِقُ وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ [ وَيَنْكِحُ وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ مَاهَكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ " . ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) بِالْإِيمَانِ ( وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ ) يَعْنِي : الْقُرْآنَ ) ( وَالْحِكْمَةَ ) يَعْنِي : السُّنَّةَ وَقِيلَ : مَوَاعِظُ الْقُرْآنِ ( يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . [ ص: 276 ] ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( 232 ) ) ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) نَزَلَتْ فِي جَمِيلَةَ بِنْتِ يَسَارٍ أُخْتِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الْمُزَنِيِّ كَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْبَدَّاحِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَجْلَانَ فَطَلَّقَهَا . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا فَقُلْتُ لَهُ : زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا؟ لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ) فَقُلْتُ : الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَزَوَّجْتُهَا إِيَّاهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) أَيِ انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ ( فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ) أَيْ لَا تَمْنَعُوهُنَّ عَنِ النِّكَاحِ وَالْعَضْلُ : الْمَنْعُ وَأَصْلُهُ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ يُقَالُ : عَضَلَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا نَشِبَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَضَاقَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ وَالدَّاءُ الْعُضَالُ الَّذِي لَا يُطَاقُ وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ إِذْ لَوْ كَانَتْ تَمْلِكُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَضْلٌ وَلَا لِنَهْيِ الْوَلِيِّ عَنِ الْعَضْلِ مَعْنًى وَقِيلَ : الْآيَةُ خِطَابٌ مَعَ الْأَزْوَاجِ لِمَنْعِهِمْ مِنَ الْإِضْرَارِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْآيَةِ خِطَابٌ مَعَهُمْ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ . ( إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) بِعَقْدٍ حَلَالٍ وَمَهْرٍ جَائِزٍ ) ( ذَلِكَ ) أَيْ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَ مِنَ النَّهْيِ ( يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُوَحَّدًا وَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُخَاطَبَةِ الْجَمْعِ : ذَلِكُمْ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى تَوَهَّمُوا أَنَّ الْكَافَ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ وَلَيْسَ بِكَافِ خِطَابٍ فَقَالُوا ذَلِكَ فَإِذَا قَالُوا هَذَا كَانَتِ الْكَافُ مُوَحَّدَةً مَنْصُوبَةً فِي الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ ، وَالْمُذَكَّرِ قِيلَ هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ وَحَّدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ( ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ ) أَيْ خَيْرٌ لَكُمْ ) ( وَأَطْهَرُ ) لِقُلُوبِكُمْ مِنَ الرِّيبَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَاقَةُ حُبٍّ لَمْ يؤمن أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمَا وَلَمْ يؤمن مِنَ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَسْبِقَ إِلَى قُلُوبِهِمْ مِنْهُمَا مَا لَعَلَّهُمَا أَنْ يَكُونَا بَرِيئَيْنِ مِنْ ذَلِكَ فَيَأْثَمُونَ ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) أَيْ يَعْلَمُ مِنْ حُبِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ . [ ص: 277 ] ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 233 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ) يَعْنِي : الْمُطَلَّقَاتُ اللَّاتِي لَهُنَّ أَوْلَادٌ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ يُرْضِعْنَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ لَا أَمْرُ إِيجَابٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ الْإِرْضَاعُ إِذَا كَانَ يُوجَدُ مَنْ تُرْضِعُ الْوَلَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ : " فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ " ( - الطَّلَاقِ ) فَإِنْ رَغِبَتِ الْأُمُّ فِي الْإِرْضَاعِ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا ( حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) أَيْ سَنَتَيْنِ وَذَكَرَ الْكَمَالَ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ " ( 196 - الْبَقَرَةِ ) وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ كَامِلَيْنِ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُسَمِّي بَعْضَ الْحَوَلِ حَوْلًا وَبَعْضَ الشَّهْرِ شَهْرًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ) ( 197 - الْبَقَرَةِ ) وَإِنَّمَا هُوَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ وَقَالَ : ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ( 203 - الْبَقَرَةِ ) وَإِنَّمَا يُتَعَجَّلُ فِي يَوْمٍ وَبَعْضِ يَوْمٍ وَيُقَالُ أَقَامَ فُلَانٌ بِمَوْضِعِ كَذَا حَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا أَقَامَ بِهِ حَوْلًا وَبَعْضَ آخَرَ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمَا حَوْلَانِ كَامِلَانِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِّ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ حَدٌّ لِبَعْضِ الْمَوْلُودِينَ فَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا تُرْضِعُهُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا تُرْضِعُهُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ شَهْرًا وَإِنْ وَضَعَتْ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا تُرْضِعُهُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ شَهْرًا وَإِنْ وَضَعَتْ لِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا تُرْضِعُهُ عِشْرِينَ شَهْرًا كُلُّ ذَلِكَ تَمَامُ ثَلَاثِينَ شَهْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ) ( 15 - الْأَحْقَافِ ) . وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ حَدٌّ لِكُلِّ مَوْلُودٍ بِأَيِّ وَقْتٍ وُلِدَ لَا يَنْقُصُ رَضَاعُهُ عَنْ حَوْلَيْنِ إِلَّا بِاتِّفَاقِ الْأَبَوَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَرَادَ الْفِطَامَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ ) وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالثَّوْرِيِّ وَرِوَايَةُ الْوَالِبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقِيلَ : الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ : بَيَانُ أَنَّ الرَّضَاعَ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ مَا يَكُونُ فِي الْحَوْلَيْنِ فَلَا يَحْرُمُ مَا يَكُونُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ قَالَ قَتَادَةُ : فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْوَالِدَاتِ إِرْضَاعَ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ثُمَّ أَنْزَلَ التَّخْفِيفَ فَقَالَ : ( لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) أَيْ هَذَا مُنْتَهَى الرَّضَاعَةِ وَلَيْسَ فِيهَا دُونَ ذَلِكَ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مِقْدَارِ صَلَاحِ الصَّبِيِّ وَمَا يَعِيشُ بِهِ ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ) يَعْنِي الْأَبَ ) ( رِزْقُهُنَّ ) طَعَامُهُنَّ ) ( وَكِسْوَتُهُنَّ ) لِبَاسُهُنَّ ) ( بِالْمَعْرُوفِ ) أَيْ عَلَى قَدْرِ الْمَيْسَرَةِ ( لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ) أَيْ طَاقَتَهَا ( لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ [ ص: 278 ] وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ بِرَفْعِ الرَّاءِ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ ) ( لَا تُكَلَّفُ ) وَأَصْلُهُ تُضَارِرْ فَأُدْغِمَتِ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ تُضَارَّ بِنَصْبِ الرَّاءِ وَقَالُوا : لَمَّا أُدْغِمَتِ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ حُرِّكَتْ إِلَى أَخَفِّ الْحَرَكَاتِ وَهُوَ النَّصْبُ وَمَعْنَى الْآيَةِ ( لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ) فَيُنْزَعُ الْوَلَدُ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا بَعْدَ أَنْ رَضِيَتْ بِإِرْضَاعِهِ ( وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) أَيْ لَا تُلْقِيهِ الْمَرْأَةُ إِلَى أَبِيهِ بَعْدَمَا أَلِفَهَا تُضَارُّهُ بِذَلِكَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ( لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ ) فَتُكْرَهُ عَلَى إِرْضَاعِهِ إِذَا كَرِهَتْ إِرْضَاعَهُ وَقَبِلَ الصَّبِيُّ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا ( وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) فَيُحْتَمَلُ أَنْ تُعْطَى الْأُمُّ أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ لَهَا إِذَا لَمْ يَرْتَضِعْ مِنْ غَيْرِهَا . فَعَلَى هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَصْلُ الْكَلِمَةِ لَا تُضَارِرْ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْأُولَى عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ وَالْوَالِدَةُ وَالْمَوْلُودُ لَهُ مَفْعُولَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ لَهُمَا وَتَكُونُ تُضَارَّ بِمَعْنَى تُضَارِرْ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ وَالْمَعْنَى ( لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ ) فَتَأْبَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا لِيَشُقَّ عَلَى أَبِيهِ ( وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ ) أَيْ لَا يُضَارَّ الْأَبُ أُمَّ الصَّبِيِّ فَيَنْزِعُهُ مِنْهَا وَيَمْنَعُهَا مِنْ إِرْضَاعِهِ وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ يَرْجِعُ الْإِضْرَارُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ يُضَارُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِسَبَبِ الْوَلَدِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضِّرَارُ رَاجِعًا إِلَى الصَّبِيِّ أَيْ لَا يُضَارَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّبِيَّ فَلَا تُرْضِعُهُ الْأُمُّ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ لَا يُنْفِقُ الْأَبُ أَوْ يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْأُمِّ حَتَّى يُضَرَّ بِالصَّبِيِّ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْبَاءُ زَائِدَةً وَمَعْنَاهُ ( لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ) وَلَا أَبٌ بِوَلَدِهِ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ مَرْوِيَّةٌ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْوَارِثِ فَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ وَارِثُ الصَّبِيِّ مَعْنَاهُ : وَعَلَى وَارِثِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَلَهُ مَالٌ وَرِثَهُ مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى أَبِيهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّ وَارِثٍ هُوَ مِنْ وَرَثَتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ عَصَبَةُ الصَّبِيِّ مِنَ الرِّجَالِ مِثْلُ : الْجَدِّ وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ قَالُوا : إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ أُجْبِرَتْ عَصَبَتُهُ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَرْضِعُوهُ وَقِيلَ : هُوَ وَارِثُ الصَّبِيِّ مَنْ كَانَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ : وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالُوا : يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِ كُلُّ وَارِثٍ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ عَصَبَةً كَانُوا أَوْ غَيْرَهُمْ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ وَرَثَةِ الْمَوْلُودِ فَمَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِثْلُ ابْنِ الْعَمِّ وَالْمَوْلَى فَغَيْرُ مُرَادٍ بِالْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَارِثِ هُوَ الصَّبِيُّ نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ وَارِثُ أَبِيهِ الْمُتَوَفَّى تَكُونُ أُجْرَةُ رَضَاعِهِ وَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْأُمِّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الصَّبِيِّ إِلَّا الْوَالِدَانِ وَهُوُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقِيلَ هُوَ الْبَاقِي مِنْ وَالِدَيِ الْمَوْلُودِ بَعْدَ وَفَاةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا كَانَ عَلَى الْأَبِ مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ . وَقِيلَ : لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّفَقَةَ بَلْ مَعْنَاهُ وَعَلَى الْوَارِثِ تَرْكُ الْمُضَارَّةِ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ ( فَإِنْ أَرَادَا ) يَعْنِي الْوَالِدَيْنِ ) ( فِصَالًا ) فِطَامًا قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ( عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا ) أَيِ اتِّفَاقِ الْوَالِدَيْنِ [ ص: 279 ] ) ( وَتَشَاوُرٍ ) أَيْ يُشَاوِرُونَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى يُخْبِرُوا أَنَّ الْفِطَامَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ وَالْمُشَاوَرَةُ اسْتِخْرَاجُ الرَّأْيِ ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) أَيْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا فِي الْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ( وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ ) أَيْ لِأَوْلَادِكُمْ مَرَاضِعَ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِمْ إِذَا أَبَتْ أُمَّهَاتُهُمْ يُرْضِعْنَهُمْ أَوْ تَعْذُرُ لِعِلَّةٍ بِهِنَّ أَيِ : انْقِطَاعُ لَبَنٍ أَوْ أَرَدْنَ النِّكَاحَ ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ ) إِلَى أُمَّهَاتِهِمْ ( مَا آتَيْتُمْ ) مَا سَمَّيْتُمْ لَهُنَّ مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ بِقَدْرِ مَا أَرْضَعْنَ وَقِيلَ إِذَا سَلَّمْتُمْ أُجُورَ الْمَرَاضِعِ إِلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ( مَا آتَيْتُمْ ) وَفِي الرُّومِ " وَمَا أَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا " ( 39 - الرُّومِ ) بِقَصْرِ الْأَلْفِ وَمَعْنَاهُ مَا فَعَلْتُمْ يُقَالُ : أَتَيْتُ جَمِيلًا إِذَا فَعَلْتُهُ فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ لَا بِمَعْنَى تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ يَعْنِي إِذَا سَلَّمْتُمْ لِأَمْرِهِ وَانْقَدْتُمْ لِحُكْمِهِ وَقِيلَ إِذَا سَلَّمْتُمْ لِلِاسْتِرْضَاعِ عَنْ تَرَاضٍ وَاتِّفَاقٍ دُونَ الضِّرَارِ ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .
__________________
|
#53
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
__________________
|
#54
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ) أَيْ لَا تُحَقِّقُوا الْعَزْمَ عَلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ أَيْ : حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَسَمَّاهَا اللَّهُ كِتَابًا لِأَنَّهَا فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " كُتِبَ عَلَيْكُمُ " أَيْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) أَيْ فَخَافُوا اللَّهَ ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ . ( لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ( 236 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) أَيْ وَلَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَلَمْ تَفْرِضُوا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَتِّعْهَا وَلَوْ بِقَلَنْسُوَتِكَ " قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " مَا لَمْ تَمَاسُّوهُنَّ " بِالْأَلْفِ هَاهُنَا وَفِي الْأَحْزَابِ عَلَى الْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّ بَدَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُلَاقِي بَدَنَ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا " ( 3 - الْمُجَادَلَةِ ) وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ) ( تَمَسُّوهُنَّ ) [ ص: 284 ] بِلَا أَلِفٍ لِأَنَّ الْغِشْيَانَ يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الرَّجُلِ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ " ( 47 - آلِ عِمْرَانَ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى ( أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) أَيْ تُوجِبُوا لَهُنَّ صَدَاقًا فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْوَجْهُ فِي نَفْيِ الْجُنَاحِ عَنِ الْمُطَلِّقِ قِيلَ : الطَّلَاقُ قَطْعُ سَبَبِ الْوَصْلَةِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ " أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ " . فَنَفَى الْجُنَاحَ عَنْهُ إِذَا كَانَ الْفِرَاقُ أَرْوَحَ مِنَ الْإِمْسَاكِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا سَبِيلَ لِلنِّسَاءِ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ بِصَدَاقٍ وَلَا نَفَقَةٍ ، وَقِيلَ : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي تَطْلِيقِهِنَّ قَبْلَ الْمَسِيسِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتُمْ حَائِضًا كَانَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ طَاهِرًا لِأَنَّهُ لَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِهِنَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ ) ( وَمَتِّعُوهُنَّ ) أَيْ أَعْطُوهُنَّ مِنْ مَالِكُمْ مَا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ وَالْمُتْعَةُ وَالْمَتَاعُ مَا يُتَبَلَّغُ بِهِ مِنَ الزَّادِ ( عَلَى الْمُوسِعِ ) أَيْ عَلَى الْغَنِيِّ ( قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ ) أَيِ الْفَقِيرِ ) ( قَدَرُهُ ) أَيْ إِمْكَانُهُ وَطَاقَتُهُ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ قَدَرُهُ بِفَتْحِ الدَّالِّ فِيهِمَا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِهِمَا وَهُمَا لُغَتَانِ وَقِيلَ : الْقَدْرُ بِسُكُونِ الدَّالِ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ الِاسْمُ مَتَاعًا : نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ مَتِّعُوهُنَّ ( مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ) أَيْ بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ ( حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) وَبَيَانُ حُكْمِ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَا مُتْعَةَ لَهَا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا مُتْعَةَ لَهَا لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ " ( 241 - الْبَقَرَةِ ) وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا الْمَهْرَ بِمُقَابَلَةِ مَا أُتْلِفَ عَلَيْهَا مِنْ مَنْفَعَةِ الْبِضْعِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ عَلَى وَحْشَةِ الْفِرَاقِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا مُتْعَةَ إِلَّا لِوَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلَّا لِوَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلَّا الَّتِي فُرِضَ لَهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا زَوْجُهَا فَحَسْبُهَا نِصْفُ الْمَهْرِ . قَالَ الزُّهْرِيُّ : مُتْعَتَانِ يَقْضِي بِإِحْدَاهُمَا السُّلْطَانُ وَلَا يَقْضِي بِالْأُخْرَى بَلْ تَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى . [ ص: 285 ] فَأَمَّا الَّتِي يَقْضِي بِهَا السُّلْطَانُ فَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) وَالَّتِي تَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَقْضِي بِهَا السُّلْطَانُ فَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الْمَسِيسِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِلَى أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةً سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ أَوْ بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ " ( 241 - الْبَقَرَةِ ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ : " فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا " ( 49 - الْأَحْزَابِ ) وَقَالَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ( لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) أَيْ أَوْ لَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمُتْعَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْأَمْرُ بِهَا أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ . وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى شُرَيْحٍ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ شُرَيْحٌ : لَا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ وَلَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى ذَلِكَ . وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْمُتْعَةِ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَعْلَاهَا خَادِمٌ وَأَوْسَطُهَا ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَإِزَارٌ وَدُونَ ذَلِكَ وِقَايَةٌ أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْوَرِقِ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ : أَعْلَاهَا عَلَى الْمُوسِعِ خَادِمٌ وَأَوْسَطُهَا ثَوْبٌ وَأَقَلُّهَا أَقَلُّ مَا لَهُ ثَمَنٌ وَحَسُنَ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَطَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ وَحَمَّمَهَا جَارِيَةً سَوْدَاءَ أَيْ مَتَّعَهَا وَمَتَّعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْرَأَةً لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ : " مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقٍ " . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : مَبْلَغُهَا إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ قَدْرُ نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا لَا يُجَاوَزُ وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَمِنْ حُكْمِ الْآيَةِ : أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَالِغَةً بِرِضَاهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلِلْمَرْأَةِ مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ يَفْرِضَ لَهَا صَدَاقًا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْفَرْضِ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْفَرْضِ وَالدُّخُولِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَرْضِ وَالدُّخُولِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ أَمْ لَا فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ عَلَيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْفَرْضِ وَالدُّخُولِ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ لَهَا الْمَهْرَ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالدُّخُولِ فِي تَقْرِيرِ الْمُسَمَّى كَذَلِكَ فِي إِيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ مُسَمًّى وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا وَلَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ [ ص: 286 ] مَا قَضَيْتَ فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ : فِي حَدِيثِ بَرْوَعَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَعْرَابِيٍّ مِنْ أَشْجَعَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 237 ) ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ) هَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَفْرُوضِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ : الْجِمَاعُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا لَوْ خَلَا الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا إِلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ نِصْفَ الْمَهْرِ وَلَمْ يُوجِبِ الْعِدَّةَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ . وَقَالَ قَوْمٌ : يَجِبُ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إِذَا أُرْخِيَتِ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ وَمِثْلُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ عُمَرَ عَلَى وُجُوبِ تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إِلَيْهَا إِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا لَا عَلَى تَقْدِيرِ الصَّدَاقِ وَقِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِلْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ " فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ " ( 49 - الْأَحْزَابِ ) فَقَدْ كَانَ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ مَتَاعٌ فَنُسِخَتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَوْجَبَ لِلْمُطَلَّقَةِ الْمَفْرُوضَ لَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ نِصْفَ الْمَفْرُوضِ وَلَا مَتَاعَ لَهَا . وَقَوْلُهُ تَعَالَى ( وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ) أَيْ سَمَّيْتُمْ لَهُنَّ مَهْرًا ( فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ) أَيْ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى ( إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ) يَعْنِي النِّسَاءَ أَيْ إِلَّا أَنْ تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ نَصِيبَهَا فَيَعُودُ جَمِيعُ الصَّدَاقِ إِلَى الزَّوْجِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) اخْتَلَفُوا فِيهِ : فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْوَلِيُّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْنَاهُ : إِلَّا أَنْ تَعْفُوَ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِ نَصِيبِهَا إِلَى [ ص: 287 ] الزَّوْجِ إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا مِنْ أَهْلِ الْعَفْوِ أَوْ يَعْفُو وَلِيُّهَا فَيَتْرُكُ نَصِيبَهَا إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا أَوْ غَيْرَ جَائِزَةِ الْأَمْرِ فَيَجُوزُ عَفْوُ وَلِيِّهَا وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ عَفْوُ الْوَلِيِّ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا يَجُوزُ عَفْوُ وَلِيِّهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَشُرَيْحٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَقَالُوا : لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهَا تَرْكُ الشَّيْءِ مِنَ الصَّدَاقِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا وَقَالُوا : مَعْنَى الْآيَةِ إِلَّا أَنْ تَعْفُوَ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِ نَصِيبِهَا فَيَعُودُ جَمِيعُ الصَّدَاقِ إِلَى الزَّوْجِ أَوْ يَعْفُو الزَّوْجُ بِتَرْكِ نَصِيبِهِ فَيَكُونُ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَجْهُ الْآيَةِ : الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ نِكَاحِ نَفْسِهِ فِي كُلِّ حَالٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) مَوْضِعُهُ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ أَيْ فَالْعَفْوُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى أَيْ إِلَى التَّقْوَى وَالْخِطَابُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِأَنَّ الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ إِذَا اجْتَمَعَا كَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلْمُذَكَّرِ مَعْنَاهُ : وَعَفْوُ بَعْضِكُمْ عَنْ بَعْضٍ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ( وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) أَيْ إِفْضَالَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِإِعْطَاءِ الرَّجُلِ تَمَامَ الصَّدَاقِ أَوْ تَرْكِ الْمَرْأَةِ نَصِيبَهَا حَثَّهُمَا جَمِيعًا عَلَى الْإِحْسَانِ ( إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) . ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ( 238 ) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ( 239 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ) أَيْ وَاظِبُوا وَدَاوِمُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ بِمَوَاقِيتِهَا وَحُدُودِهَا وَإِتْمَامِ أَرْكَانِهَا ثُمَّ خَصَّ مِنْ بَيْنِهَا الصَّلَاةَ الْوُسْطَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا دَلَالَةً عَلَى فَضْلِهَا وَالْوُسْطَى تَأْنِيثُ الْأَوْسَطِ وَوَسَطُ الشَّيْءِ : خَيْرُهُ وَأَعْدَلُهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذٍ وَجَابِرٍ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ ، وَإِلَيْهِ مَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) وَالْقُنُوتُ طُولُ الْقِيَامِ وَصَلَاةُ الصُّبْحِ مَخْصُوصَةٌ بِطُولِ الْقِيَامِ وَبِالْقُنُوتِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى مِنْ بَيْنِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ اللَّهُ : " وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا " ( 78 - الْإِسْرَاءِ ) يَعْنِي تَشْهَدُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي دِيوَانِ اللَّيْلِ وَدِيوَانِ النَّهَارِ وَلِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْ جَمْعٍ وَهِيَ لَا تُقْصَرُ وَلَا تُجْمَعُ إِلَى غَيْرِهَا . وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، لِأَنَّهَا فِي وَسَطِ النَّهَارِ وَهِيَ أَوْسَطُ صَلَاةِ النَّهَارِ فِي الطُّولِ . [ ص: 288 ] أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ أَنَا أَبُو دَاوُدَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ : سَمِعْتُ الزِّبْرِقَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا فَنَزَلَتْ : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ) . وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُ عَلَيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا وَقَالَتْ : إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ) فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ) " صَلَاةِ الْعَصْرِ . . . " ]
__________________
|
#55
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (41) - تفسير البغوى سورة البقرة الاية 239 إلى الاية 245 أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ حَفْصَةَ مِثْلُ ذَلِكَ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَانِيُّ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : قُلْنَا لِعُبَيْدَةَ سَلْ عَلِيًّا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَسَأَلَهُ فَقَالَ : كُنَّا نَرَى أَنَّهَا صَلَاةَ الْفَجْرِ حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ : " شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا " وَلِأَنَّهَا صَلَاتَيْ نَهَارٍ وَصَلَاتَيْ لَيْلٍ وَقَدْ خَصَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّغْلِيظِ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَا هِشَامٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ : كُنَّا مَعَ [ ص: 289 ] بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ : بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ " . وَقَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ : هِيَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهَا وَسَطٌ لَيْسَ بِأَقَلِّهَا وَلَا بِأَكْثَرِهَا وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِي نَ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لَا تُقْصَرَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ إِحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَا بِعَيْنِهَا أَبْهَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيضًا لِلْعِبَادِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَدَاءِ جَمِيعِهَا كَمَا أَخْفَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَسَاعَةَ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَخْفَى الِاسْمَ الْأَعْظَمَ فِي الْأَسْمَاءِ لِيُحَافِظُوا عَلَى جَمِيعِهَا . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) أَيْ مُطِيعِينَ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وطاووس؛ ; وَالْقُنُوتُ : الطَّاعَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " أُمَّةً قَانِتًا " ( 120 - النَّحْلِ ) أَيْ مُطِيعًا . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ : لِكُلِّ أَهْلِ دِينٍ صَلَاةٌ يَقُومُونَ فِيهَا عَاصِينَ فَقُومُوا أَنْتُمْ لِلَّهِ فِي صَلَاتِكُمْ مُطِيعِينَ وَقِيلَ : الْقُنُوتُ السُّكُوتُ عَمَّا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ . أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى نَزَلَتْ (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : خَاشِعِينَ وَقَالَ : مِنَ الْقُنُوتِ طُولُ الرُّكُوعِ وَغَضُّ الْبَصَرِ وَالرُّكُودُ وَخَفْضُ الْجَنَاحِ كَانَ الْعُلَمَاءُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي يَهَابُ الرَّحْمَنَ أَنْ يَلْتَفِتَ أَوْ يَقْلِبَ الْحَصَى أَوْ يَعْبَثَ بِشَيْءٍ أَوْ يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَّا نَاسِيًا وَقِيلَ : الْمُرَادُ مِنَ الْقُنُوتِ طُولُ الْقِيَامِ . أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : " طُولُ الْقُنُوتِ " وَقِيلَ ( قَانِتِينَ ) أَيْ دَاعِينَ . [ ص: 290 ] دَلِيلُهُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُصَلِّينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى " أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ " ( 9 - الزُّمَرِ ) أَيْ مُصَلٍّ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا ) ( فَرِجَالًا ) أَيْ رَجَّالَةً يُقَالُ : رَاجِلٌ وَرِجَالٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَصِحَابٍ وَقَائِمٍ وَقِيَامٍ وَنَائِمٍ وَنِيَامٍ ( أَوْ رُكْبَانًا ) عَلَى دَوَابِّهِمْ وَهُوَ جَمْعُ رَاكِبٍ مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْكُمْ أَنْ تُصَلُّوا قَانِتِينَ مُوَفِّينَ لِلصَّلَاةِ حَقَّهَا لِخَوْفٍ فَصَلُّوا مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِكُمْ أَوْ رُكْبَانًا عَلَى ظُهُورِ دَوَابِّكُمْ وَهَذَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ وَالْمُسَايَفَة ِ يُصَلِّي حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبَلِهَا وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ وَكَذَلِكَ إِذَا قَصَدَهُ سَبُعٌ أَوْ غَشِيَهُ سَيْلٌ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَدَا أَمَامَهُ مُصَلِّيًا بِالْإِيمَاءِ يَجُوزُ . وَالصَّلَاةُ فِي حَالِ الْخَوْفِ عَلَى أَقْسَامٍ فَهَذِهِ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَسَائِرُ الْأَقْسَامِ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُنْتَقَصُ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ بِالْخَوْفِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَوَى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وطاووس وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ : أَنَّهُ يُصَلِّي فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ رَكْعَةً وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : إِذَا كُنْتَ فِي الْقِتَالِ وَضَرَبَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَقُلْ " سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَاذْكُرِ اللَّهَ فَتِلْكَ صَلَاتُكَ . . . " ] ( فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ) أَيْ فَصَلَّوُا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ تَامَّةً بِحُقُوقِهَا ( كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) . ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 240 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ) يَا مَعْشَرَ الرِّجَالِ ( وَيَذَرُونَ ) أَيْ يَتْرُكُونَ ( أَزْوَاجًا ) أَيْ زَوْجَاتٍ ( وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ ) قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ وَصِيَّةً بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى [ ص: 291 ] فَلْيُوصُوا وَصِيَّةً وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ أَيْ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْوَصِيَّةَ ( مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ ) مَتَاعًا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ مَتِّعُوهُنَّ مَتَاعًا وَقِيلَ : جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُنَّ مَتَاعًا وَالْمَتَاعُ نَفَقَةُ سَنَةٍ لِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا وَسَكَنِهَا وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَقِيلَ بِنَزْعِ حَرْفٍ عَلَى الصِّفَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ حَكِيمُ بْنُ الْحَارِثِ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَهُ أَوْلَادٌ وَمَعَهُ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ فَمَاتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِدَيْهِ وَأَوْلَادَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ وَلَمْ يُعْطِ امْرَأَتَهُ شَيْئًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهَا مِنْ تَرِكَةِ زَوْجِهَا حَوْلًا كَامِلًا وَكَانَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حَوْلًا كَامِلًا وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْوَارِثِ إِخْرَاجُهَا مِنَ الْبَيْتِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَكَانَتْ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا وَاجِبَةٌ فِي مَالِ زَوْجِهَا تِلْكَ السَّنَةَ مَا لَمْ تَخْرُجْ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا الْمِيرَاثُ فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَكَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى نَفَقَةَ الْحَوْلِ بِالرُّبْعِ وَالثُّمْنِ وَنَسَخَ عِدَّةَ الْحَوْلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَإِنْ خَرَجْنَ ) يَعْنِي مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِنَّ قَبْلَ الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجِ الْوَرَثَةِ ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) يَا أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ ( فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ) يَعْنِي التَّزَيُّنَ لِلنِّكَاحِ وَلِرَفْعِ الْجُنَاحِ عَنِ الرِّجَالِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي قَطْعِ النَّفَقَةِ إِذَا خَرَجْنَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ . وَالْآخَرُ : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي تَرْكِ مَنْعِهِنَّ مِنَ الْخُرُوجِ لِأَنَّ مُقَامَهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلًا غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا خَيَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ حَوْلًا وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَبَيْنَ أَنْ تَخْرُجَ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى إِلَى أَنْ نَسَخَهُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ . ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) . ( وَلِلْمُطَلَّقَ اتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ( 241 ) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 242 ) ) ( وَلِلْمُطَلَّقَ اتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) إِنَّمَا أَعَادَ ذِكْرَ الْمُتْعَةِ هَاهُنَا لِزِيَادَةِ مَعْنًى وَذَلِكَ أَنَّ فِي غَيْرِهَا بَيَانَ حُكْمِ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ حُكْمِ جَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ فِي الْمُتْعَةِ وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) إِلَى قَوْلِهِ ( حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) ( 236 - الْبَقَرَةِ ) قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : إِنْ أَحْسَنْتُ فَعَلْتُ وَإِنْ لَمْ أُرِدْ ذَلِكَ لَمْ أَفْعَلْ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَلِلْمُطَلَّقَ اتِ مَتَاعٌ ) جَعَلَ الْمُتْعَةَ لَهُنَّ بِلَامِ التَّمْلِيكِ فَقَالَ : ( حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ الشِّرْكَ . [ ص: 292 ] ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ( 243 ) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 244 ) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 245 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ) قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ : كَانَتْ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا : دَاوَرْدَانُ قِبَلَ وَاسِطَ بِهَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنْهَا وَبَقِيَتْ طَائِفَةٌ فَهَلَكَ أَكْثَرُ مَنْ بَقِيَ فِي الْقَرْيَةِ وَسَلِمَ الَّذِينَ خَرَجُوا فَلَمَّا ارْتَفَعَ الطَّاعُونُ رَجَعُوا سَالِمِينَ فَقَالَ الَّذِينَ بَقُوا : أَصْحَابُنَا كَانُوا أَحْزَمَ مِنَّا لَوْ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعُوا لَبَقِينَا وَلَئِنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ ثَانِيَةً لَنَخْرُجَنَّ إِلَى أَرْضٍ لَا وَبَاءَ بِهَا فَوَقَعَ الطَّاعُونُ مِنْ قَابَلٍ فَهَرَبَ عَامَّةُ أَهْلِهَا وَخَرَجُوا حَتَّى نَزَلُوا وَادِيًا أَفْيَحَ فَلَمَّا نَزَلُوا الْمَكَانَ الَّذِي يَبْتَغُونَ فِيهِ النَّجَاةَ نَادَاهُمْ مَلِكٌ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي وَآخَرُ مِنْ أَعْلَاهُ : أَنْ مُوتُوا فَمَاتُوا جَمِيعًا . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " فَرَجَعَ عُمْرُ مِنْ سَرْغَ قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ : إِنَّمَا فَرُّوا مِنَ الْجِهَادِ وَذَلِكَ أَنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى قِتَالِ عَدُوِّهِمْ فَعَسْكَرُوا ثُمَّ جَبَنُوا وَكَرِهُوا الْمَوْتَ فَاعْتَلَوْا وَقَالُوا لِمَلِكِهِمْ : إِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تَأْتِيهَا بِهَا الْوَبَاءُ فَلَا نَأْتِيهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ مِنْهَا الْوَبَاءُ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ فَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ الْمَوْتِ فَلَمَّا رَأَى الْمَلِكُ ذَلِكَ قَالَ : اللَّهُمَّ رَبَّ يَعْقُوبَ وَإِلَهَ مُوسَى قَدْ تَرَى مَعْصِيَةَ عِبَادِكَ فَأَرِهِمْ آيَةً فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْفِرَارَ مِنْكَ فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ لَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى : مُوتُوا عُقُوبَةً لَهُمْ فَمَاتُوا جَمِيعًا وَمَاتَتْ دَوَابُّهُمْ كَمَوْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَتَى عَلَيْهِمْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ حَتَّى انْتَفَخُوا وَأَرْوَحَتْ أَجْسَادُهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّاسُ فَعَجَزُوا [ ص: 293 ] عَنْ دَفْنِهِمْ فَحَظَرُوا عَلَيْهِمْ حَظِيرَةً دُونَ السِّبَاعِ وَتَرَكُوهُمْ فِيهَا . وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغِ عَدَدِهِمْ قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيّ ُ : كَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَقَالَ وَهْبٌ : أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ : ثَمَانِيَةُ آلَافٍ وَقَالَ أَبُو رَوْقٍ : عَشَرَةُ آلَافٍ وَقَالَ السُّدِّيُّ : بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَرْبَعُونَ أَلْفًا وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ : سَبْعُونَ أَلْفًا وَأَوْلَى الْأَقَاوِيلِ : قَوْلُ مَنْ قَالَ كَانُوا زِيَادَةً عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ " وَهُمْ أُلُوفٌ " وَالْأُلُوفُ جَمْعُ الْكَثِيرِ وَجَمْعُهُ الْقَلِيلُ آلَافٌ وَلَا يُقَالُ لِمَا دُونَ عَشَرَةِ آلَافٍ أُلُوفٌ قَالُوا : فَأَتَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ وَقَدْ بَلِيَتْ أَجْسَادُهُمْ وَعَرِيَتْ عِظَامُهُمْ فَمَرَّ عَلَيْهِمْ نَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ حِزْقِيلُ بْنُ بُودَى ثَالِثُ خُلَفَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَيِّمَ بِأَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ بَعْدَ مُوسَى يُوشَعَ بْنَ نُونٍ ثُمَّ كَالِبَ بْنَ يُوقَنَّا ثُمَّ حِزْقِيلَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَجُوزِ لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ عَجُوزًا فَسَأَلَتِ اللَّهَ الْوَلَدَ بَعْدَ مَا كَبِرَتْ وَعَقِمَتْ فَوَهَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ : هُوَ ذُو الْكِفْلِ وَسُمِّيَ حِزْقِيلُ ذَا الْكِفْلِ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِسَبْعِينَ نَبِيًّا وَأَنْجَاهُمْ مِنَ الْقَتْلِ فَلَمَّا مَرَّ حِزْقِيلُ عَلَى أُولَئِكَ الْمَوْتَى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ يَتَفَكَّرُ فِيهِمْ مُتَعَجِّبًا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً؟ قَالَ نَعَمْ : فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ وَقِيلَ : دَعَا حِزْقِيلُ رَبَّهُ أَنْ يُحْيِيَهُمْ فَأَحْيَاهُمْ . وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ : هُمْ كَانُوا قَوْمُ حِزْقِيلَ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَصَابَهُمْ ذَلِكَ خَرَجَ حِزْقِيلُ فِي طَلَبِهِمْ فَوَجَدَهُمْ مَوْتَى فَبَكَى وَقَالَ : يَا رَبِّ كُنْتُ فِي قَوْمٍ يَحْمَدُونَكَ وَيُسَبِّحُونَك َ وَيُقَدِّسُونَك َ وَيُكَبِّرُونَك َ وَيُهَلِّلُونَك َ فَبَقِيتُ وَحِيدًا لَا قَوْمَ لِي فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ : أَنِّي جَعَلْتُ حَيَاتَهُمْ إِلَيْكَ قَالَ حِزْقِيلُ : احْيَوْا بِإِذْنِ اللَّهِ فَعَاشُوا . قَالَ مُجَاهِدٌ : إِنَّهُمْ قَالُوا حِينَ أُحْيَوْا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَعَاشُوا دَهْرًا طَوِيلًا وَسَحْنَةُ الْمَوْتِ عَلَى وُجُوهِهِمْ لَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا إِلَّا عَادَ دَسَمًا مِثْلَ الْكَفَنِ حَتَّى مَاتُوا لِآجَالِهِمُ الَّتِي كُتِبَتْ لَهُمْ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : وَإِنَّهَا لَتُوجَدُ الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ السِّبْطِ مِنَ الْيَهُودِ تِلْكَ الرِّيحُ قَالَ قَتَادَةُ : [ ص: 294 ] مَقَتَهُمُ اللَّهُ عَلَى فِرَارِهِمْ مِنَ الْمَوْتِ فَأَمَاتَهُمْ عُقُوبَةً لَهُمْ ثُمَّ بُعِثُوا لِيَسْتَوْفُوا مُدَّةَ آجَالِهِمْ [ وَلَوْ جَاءَتْ آجَالُهُمْ ] مَا بُعِثُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَلَمْ تَرَ ) أَيْ أَلَمْ تَعْلَمْ بِإِعْلَامِي إِيَّاكَ وَهُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ . قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي : هُوَ تَعْجِيبٌ يَقُولُ هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَهُمْ؟ كَمَا تَقُولُ : أَلَمْ تَرَ إِلَى مَا يَصْنَعُ فُلَانٌ؟ وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ أَلَمْ تَرَ وَلَمْ يُعَايِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا وَجْهُهُ ( إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ ) جَمْعُ أَلْفٍ وَقِيلَ مُؤْتَلِفَةٌ قُلُوبُهُمْ جَمْعُ آلِفٍ مِثْلُ قَاعِدٍ وَقَعُودٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْعَدَدُ ( حَذَرَ الْمَوْتِ ) أَيْ خَوْفَ الْمَوْتِ ( فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ) أَمْرُ تَحْوِيلٍ كَقَوْلِهِ " كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ " ( 65 - الْبَقَرَةِ ( ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) بَعْدَ مَوْتِهِمْ ( إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) قِيلَ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِي الدُّنْيَا وَقِيلَ عَلَى الْخُصُوصِ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ) أَمَّا الْكُفَّارُ فَلَمْ يَشْكُرُوا وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَلَمْ يَبْلُغُوا غَايَةَ الشُّكْرِ . ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) أَيْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ أَعْدَاءَ اللَّهِ ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ : هَذَا خِطَابٌ لِلَّذِينِ أُحْيَوْا أُمِرُوا بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ الْجِهَادِ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا : وَقِيلَ : الْخِطَابُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ) الْقَرْضُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُعْطِيهِ الْإِنْسَانُ لِيُجَازَى عَلَيْهِ فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَمَلَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ عَلَى رَجَاءِ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ قَرْضًا لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَهُ لِطَلَبِ ثَوَابِهِ قَالَ الْكِسَائِيُّ : الْقَرْضُ مَا أَسْلَفْتَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ سَيِّئٍ وَأَصْلُ الْقَرْضِ فِي اللُّغَةِ الْقَطْعُ سُمِّيَ بِهِ الْقَرْضُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يُعْطِيهِ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ مِثْلُهُ وَقِيلَ فِي الْآيَةِ اخْتِصَارٌ مَجَازُهُ : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ عِبَادَ اللَّهِ وَالْمُحْتَاجِي نَ مِنْ خَلْقِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " ( 57 - الْأَحْزَابِ ) أَيْ يُؤْذُونَ عِبَادَ اللَّهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ : اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي " . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( يُقْرِضُ اللَّهَ ) أَيْ يُنْفِقُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ( قَرْضًا حَسَنًا ) قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاقِدِيُّ : يَعْنِي مُحْتَسِبًا طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : مِنْ مَالٍ حَلَالٍ وَقِيلَ لَا يَمُنُّ بِهِ وَلَا يُؤْذِي ( فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ " فَيُضَعِّفَهُ " وَبَابُهُ بِالتَّشْدِيدِ وَوَافَقَ أَبُو عَمْرٍو فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ " فَيُضَاعِفَهُ " بِالْأَلْفِ مُخَفَّفًا وَهُمَا لُغَتَانِ وَدَلِيلُ التَّشْدِيدِ قَوْلُهُ [ ص: 295 ] ( أَضْعَافًا كَثِيرَةً ) لِأَنَّ التَّشْدِيدَ لِلتَّكْثِيرِ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ بِنَصْبِ الْفَاءِ وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَقِيلَ بِإِضْمَارِ أَنْ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِرَفْعِ الْفَاءِ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ : يُقْرِضُ ( أَضْعَافًا كَثِيرَةً ) قَالَ السُّدِّيُّ هَذَا التَّضْعِيفُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقِيلَ سَبْعُمِائَةِ ضِعْفٍ ( وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ) قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَحَمْزَةُ يَبْسُطُ هَاهُنَا وَفِي الْأَعْرَافِ بَسْطَةً بِالسِّينِ كَنَظَائِرِهِمَ ا وَقَرَأَهُمَا الْآخَرُونَ بِالصَّادِّ قِيلَ يَقْبِضُ بِإِمْسَاكِ الرِّزْقِ وَالنَّفْسِ وَالتَّقْتِيرِ وَيَبْسُطُ بِالتَّوْسِيعِ وَقِيلَ يَقْبِضُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَيَبْسُطُ بِالْخَلَفِ وَالثَّوَابِ وَقِيلَ هُوَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ فَمَنْ أَمَاتَهُ فَقَدْ قَبَضَهُ وَمَنْ مَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ فَقَدْ بَسَطَ لَهُ وَقِيلَ هَذَا فِي الْقُلُوبِ لَمَّا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ قَالَ : يَقْبِضُ بَعْضَ الْقُلُوبِ فَلَا يَنْشَطُ بِخَيْرٍ وَيَبْسُطُ بَعْضَهَا فَيُقَدِّمُ لِنَفْسِهِ خَيْرًا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ " الْقُلُوبُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهَا اللَّهُ كَيْفَ يَشَاءُ " الْحَدِيثَ . ( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) أَيْ إِلَى اللَّهِ تَعُودُونَ فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ وَقَالَ قَتَادَةُ : الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى التُّرَابِ كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ أَيْ مِنَ التُّرَابِ خَلَقَهُمْ وَإِلَيْهِ يَعُودُونَ .
__________________
|
#56
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (42) - تفسير البغوى سورة البقرة الاية 246 إلى الاية 249 أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ( 246 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) وَالْمَلَأُ مِنَ الْقَوْمِ : وُجُوهُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ وَأَصْلُ الْمَلَأِ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْجَيْشِ وَجَمْعُهُ أَمْلَاءٌ ( مِنْ بَعْدِ مُوسَى ) أَيْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِ مُوسَى ( إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ) وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ النَّبِيِّ فَقَالَ قَتَادَةُ هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ افْرَائِيمَ بْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ السُّدِّيُّ : اسْمُهُ شَمْعُونُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَمْعُونَ لِأَنَّ أُمَّهُ دَعَتِ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ سَمْعُونَ تَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَائِي وَالسِّينُ تَصِيرُ شِينًا بِالْعِبْرَانِي َّةِ وَهُوَ شَمْعُونُ بْنُ صَفِيَّةَ بْنِ عَلْقَمَةَ مِنْ وَلَدِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ ، وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ : هُوَ إِشْمَوِيلُ وَهُوَ بِالْعِبْرَانِي َّةِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَالَ بْنِ عَلْقَمَةَ ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ : هُوَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ : هُوَ إِشْمَوِيلُ وَهُوَ بِالْعِبْرَانِي َّةِ إِسْمَاعِيلُ بْنَ يَالَ بْنِ عَلْقَمَةَ . [ ص: 296 ] وَقَالَ وَهْبٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ : كَانَ سَبَبُ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ لَمَّا مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلَفَ بَعْدَهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ، يُقِيمُ فِيهِمُ التَّوْرَاةَ وَأَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ كَالِبُ كَذَلِكَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ خَلَفَ حِزْقِيلُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ثُمَّ عَظُمَتِ الْأَحْدَاثُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَنَسُوا عَهْدَ اللَّهِ حَتَّى عَبَدُوا الْأَوْثَانَ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ إِلْيَاسَ نَبِيًّا فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى يُبْعَثُونَ إِلَيْهِمْ بِتَجْدِيدِ مَا نَسُوا مِنَ التَّوْرَاةِ ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِ إِلْيَاسَ الْيَسَعَ فَكَانَ فِيهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ وَخَلَفَ فِيهِمُ الْخُلُوفُ وَعَظُمَتِ الْخَطَايَا فَظَهَرَ لَهُمْ عَدُوٌّ يُقَالُ لَهُ الْبِلْشَاثَا وَهُمْ قَوْمُ جَالُوتَ كَانُوا يَسْكُنُونَ سَاحِلَ بَحْرِ الرُّومِ بَيْنَ مِصْرَ وَفِلَسْطِينَ وَهُمُ الْعَمَالِقَةُ فَظَهَرُوا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَلَبُوا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَرْضِهِمْ وَسَبَوْا كَثِيرًا مِنْ ذَرَارِيهِمْ وَأَسَرُوا مِنْ أَبْنَاءِ مُلُوكِهِمْ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعَمِائَ ةِ غُلَامٍ فَضَرَبُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَأَخَذُوا تَوْرَاتَهُمْ وَلَقِيَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْهُمْ بَلَاءً وَشِدَّةً وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَبِيٌّ يُدِيرُ أَمْرَهُمْ وَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ قَدْ هَلَكُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا امْرَأَةً حُبْلَى فَحَبَسُوهَا فِي بَيْتٍ رَهْبَةً أَنْ تَلِدَ جَارِيَةً فَتُبَدِّلَهَا بِغُلَامٍ لِمَا تَرَى مِنْ رَغْبَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي وَلَدِهَا وَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ إِشْمَوِيلَ تَقُولُ : سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَائِي فَكَبِرَ الْغُلَامُ فَأَسْلَمَتْهُ لِيَتَعَلَّمَ التَّوْرَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَفَلَهُ شَيْخٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَتَبَنَّاهُ فَلَمَّا بَلَغَ الْغُلَامُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ نَائِمٌ إِلَى جَنْبِ الشَّيْخِ وَكَانَ لَا يَأْتَمِنُ عَلَيْهِ أَحَدًا فَدَعَاهُ جِبْرِيلُ بِلَحْنِ الشَّيْخِ يَا إِشْمَوِيلُ فَقَامَ الْغُلَامُ فَزِعًا إِلَى الشَّيْخِ فَقَالَ : يَا أَبَتَاهُ دَعَوْتَنِي؟ فَكَرِهَ الشَّيْخُ أَنْ يَقُولَ لَا فَيَفْزَعُ الْغُلَامُ فَقَالَ يَا بُنَيَّ ارْجِعْ فَنَمْ فَرَجَعَ الْغُلَامُ فَنَامَ ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ الْغُلَامُ : يَا أَبَتِ دَعَوْتَنِي؟ فَقَالَ ارْجِعْ فَنَمَّ فَإِنْ دَعْوَتُكَ الثَّالِثَةَ فَلَا تُجِبْنِي ( فَرَجَعَ الْغُلَامُ فَنَامَ ) فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ ظَهَرَ لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ إِلَى قَوْمِكَ فَبَلِّغْهُمْ رِسَالَةَ رَبِّكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ بَعَثَكَ فِيهِمْ نَبِيًّا فَلَمَّا أَتَاهُمْ كَذَّبُوهُ وَقَالُوا : اسْتَعْجَلْتَ بِالنُّبُوَّةِ وَلَمْ تَنَلْكَ وَقَالُوا لَهُ : إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ آيَةً مِنْ نُبُوَّتِكَ وَإِنَّمَا كَانَ قِوَامُ أَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الْمُلُوكِ وَطَاعَةِ الْمُلُوكِ لِأَنْبِيَائِهِ مْ فَكَانَ الْمَلِكُ هُوَ الَّذِي يَسِيرُ بِالْجُمُوعِ وَالنَّبِيُّ يُقِيمُ لَهُ أَمْرَهُ وَيُشِيرُ عَلَيْهِ بِرُشْدِهِ وَيَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ مِنْ رَبِّهِ قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِشْمَوِيلَ نَبِيًّا فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً بِأَحْسَنِ حَالٍ ثُمَّ كَانَ مِنْ أَمْرِ جَالُوتَ وَالْعَمَالِقَة ِ مَا كَانَ فَقَالُوا لِإِشْمَوِيلَ : ( ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) جَزْمٌ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ ( قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ ) اسْتِفْهَامُ شَكٍّ . قَرَأَ نَافِعٌ : عَسَيْتُمْ بِكَسْرِ السِّينِ كُلَّ الْقُرْآنِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ وَهِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( عَسَى رَبُّكُمْ ) ( إِنْ كُتِبَ ) فُرِضَ ( عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ) مَعَ ذَلِكَ الْمَلِكِ ( أَلَّا تُقَاتِلُوا ) أَنْ لَا تَفُوا بِمَا تَقُولُوا مَعَهُ ( قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ دُخُولِ أَنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ مَا لَكَ أَنْ لَا تَفْعَلَ وَإِنَّمَا يُقَالُ مَا لَكَ لَا تَفْعَلُ؟ قِيلَ : دُخُولُ أَنْ وَحَذْفُهَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ [ ص: 297 ] فَالْإِثْبَاتُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَا لَكَ أَنْ لَا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ " ( 32 - الْحِجْرِ ) وَالْحَذْفُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " ( 8 - الْحَدِيدِ ) وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : مَعْنَاهُ وَمَا لَنَا فِي أَنْ لَا نُقَاتِلَ فَحَذَفَ " فِي " وَقَالَ الْفَرَّاءُ : أَيْ وَمَا يَمْنَعُنَا أَنْ لَا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَا مَنَعَكَ أن لا تَسْجُدَ " ( 12 - الْأَعْرَافِ ) وَقَالَ الْأَخْفَشُ : " أَنْ " هَاهُنَا زَائِدَةٌ مَعْنَاهُ : وَمَا لَنَا لَا نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ) أَيْ أُخْرِجَ مَنْ غُلِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ظَاهِرُ الْكَلَامِ الْعُمُومُ وَبَاطِنُهُ الْخُصُوصُ لِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمُ : ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانُوا فِي دِيَارِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ وَإِنَّمَا أُخْرِجَ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا مُجِيبِينَ لِنَبِيِّهِمْ : إِنَّمَا كُنَّا نَزْهَدُ فِي الْجِهَادِ إِذْ كُنَّا مَمْنُوعِينَ فِي بِلَادِنَا لَا يَظْهَرُ عَلَيْنَا عَدُوُّنَا فَأَمَّا إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنَّا فَنُطِيعُ رَبَّنَا فِي الْجِهَادِ وَنَمْنَعُ نِسَاءَنَا وَأَوْلَادَنَا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا ) أَعْرَضُوا عَنِ الْجِهَادِ وَضَيَّعُوا أَمْرَ اللَّهِ ( إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ) الَّذِينَ عَبَرُوا النَّهْرَ مَعَ طَالُوتَ وَاقْتَصَرُوا عَلَى الْغُرْفَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) . ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( 247 ) ) ( 47 وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ) وَذَلِكَ أَنَّ إِشْمَوِيلَ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَلِكًا فَأَتَى بِعَصَا وَقَرْنٍ فِيهِ دُهْنُ الْقُدْسِ وَقِيلَ لَهُ : إِنَّ صَاحِبَكُمُ الَّذِي يَكُونُ مَلِكًا طَوُلُهُ طُولُ هَذِهِ الْعَصَا وَانْظُرْ هَذَا الْقَرْنَ الَّذِي فِيهِ الدُّهْنُ فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْكَ رَجُلٌ فَنَشَّ الدُّهْنُ الَّذِي فِي الْقَرْنِ فَهُوَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَادَّهِنْ بِهِ رَأْسَهُ وَمَلِّكْهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ طَالُوتُ اسْمُهُ بِالْعِبْرَانِي َّةِ شَاوِلُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ أَوْلَادِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ سُمِّيَ طَالُوتَ لِطُولِهِ وَكَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ بِرَأْسِهِ وَمَنْكِبَيْهِ وَكَانَ رَجُلًا دَبَّاغًا يَعْمَلُ الْأَدِيمَ قَالَهُ وَهْبٌ وَقَالَ السُّدِّيُّ : كَانَ رَجُلًا سَقَّاءً يَسْقِي عَلَى حِمَارٍ لَهُ مِنَ النِّيلِ فَضَلَّ حِمَارُهُ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ وَقِيلَ كَانَ خَرَبَنْدَجًا وَقَالَ وَهْبٌ : بَلْ ضَلَّتْ حُمُرٌ لِأَبِي طَالُوتَ فَأَرْسَلَهُ وَغُلَامًا لَهُ فِي طَلَبِهَا فَمَرَّ بِبَيْتِ إِشْمَوِيلَ فَقَالَ الْغُلَامُ لِطَالُوتَ : لَوْ دَخَلْنَا عَلَى هَذَا النَّبِيِّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَمْرِ الْحُمُرِ لِيُرْشِدَنَا وَيَدْعُوَ لَنَا فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُمَا عِنْدَهُ يَذْكُرَانِ لَهُ شَأْنَ الْحُمُرِ إِذْ نَشَّ الدُّهْنُ الَّذِي فِي الْقَرْنِ فَقَامَ إِشْمَوِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَاسَ [ ص: 298 ] طَالُوتَ بِالْعَصَا فَكَانَتْ طُولَهُ فَقَالَ لِطَالُوتَ قَرِّبْ رَأْسَكَ فَقَرَّبَهُ فَدَهَنَهُ بِدُهْنِ الْقُدْسِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَنْتَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أُمَلِّكَكَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ طَالُوتُ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ سِبْطِي أَدْنَى أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَيْتِي أَدْنَى بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ ( قَالَ بَلَى ) قَالَ فَبِأَيِّ آيَةٍ قَالَ : بِآيَةِ أَنَّكَ تَرْجِعُ وَقَدْ وَجَدَ أَبُوكَ حُمُرَهُ فَكَانَ كَذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ( قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا ) أَيْ مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا ( وَنَحْنُ أَحَقُّ ) أَوْلَى ( بِالْمُلْكِ مِنْهُ ) وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ سِبْطَانِ : سِبْطُ نُبُوَّةٍ وَسِبْطُ مَمْلَكَةٍ فَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ سِبْطَ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ وَمِنْهُ كَانَ مُوسَى وَهَارُونُ وَسِبْطُ الْمَمْلَكَةِ سِبْطُ يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ وَمِنْهُ كَانَ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ وَلَمْ يَكُنْ طَالُوتُ مِنْ أَحَدِهِمَا إِنَّمَا كَانَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ وَكَانُوا عَمِلُوا ذَنْبًا عَظِيمًا كَانُوا يَنْكِحُونَ النِّسَاءَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ نَهَارًا فَغَضِبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَنَزَعَ الْمُلْكَ وَالنُّبُوَّةَ عَنْهُمْ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ سِبْطَ الْإِثْمِ فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ ذَلِكَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ سِبْطِ الْمَمْلَكَةِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا هُوَ فَقِيرٌ ( وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ ) اخْتَارَهُ ( عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً ) فَضِيلَةً وَسَعَةً ( فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي وَقْتِهِ وَقِيلَ : إِنَّهُ أَتَاهُ الْوَحْيُ حِينَ أُوتِيَ الْمُلْكَ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : ( وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ ) بِالْحَرْبِ وَفِيِ ( الْجِسْمِ ) بِالطُّولِ وَقِيلَ الْجِسْمُ بِالْجَمَالِ وَكَانَ طَالُوتُ أَجْمَلَ رَجُلٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَعْلَمَهُمْ ( وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) قِيلَ : الْوَاسِعُ ذُو السَّعَةِ وَهُوَ الَّذِي يُعْطِي عَنْ غِنًى وَالْعَلِيمُ الْعَالِمُ ، وَقِيلَ الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَالْعَلِيمُ بِمَا يَكُونُ فَقَالُوا لَهُ : فَمَا آيَةُ مُلْكِهِ؟ فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ) . ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 248 ) ) يتبع
__________________
|
#57
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ) وَكَانَتْ قِصَّةُ التَّابُوتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ تَابُوتًا عَلَى آدَمَ فِيهِ صُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَكَانَ مِنْ عُودِ الشِّمْشَاذِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فِي ذِرَاعَيْنِ فَكَانَ عِنْدَ آدَمَ إِلَى أَنْ مَاتَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ شِيثَ ثُمَّ تَوَارَثَهَا أَوْلَادُ آدَمَ إِلَى أَنْ بَلَغَ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ كَانَ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْبَرَ وَلَدِهِ ثُمَّ عِنْدَ يَعْقُوبَ ثُمَّ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى مُوسَى فَكَانَ مُوسَى يَضَعُ فِيهِ التَّوْرَاةَ وَمَتَاعًا مِنْ مَتَاعِهِ فَكَانَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ تَدَاوَلَتْهُ [ ص: 299 ] أَنْبِيَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى وَقْتِ إِشْمَوِيلَ وَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ( فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) اخْتَلَفُوا فِي السَّكِينَةِ مَا هِيَ؟ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : رِيحٌ خَجُوجٌ هَفَّافَةٌ لَهَا رَأْسَانِ وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ : شَيْءٌ يُشْبِهُ الْهِرَّةَ لَهُ رَأْسٌ كَرَأْسِ الْهِرَّةِ وَذَنَبٌ كَذَنَبِ الْهِرَّةِ وَلَهُ جَنَاحَانِ ، وَقِيلَ لَهُ عَيْنَانِ لَهُمَا شُعَاعٌ وَجَنَاحَانِ مِنْ زُمُرُّدٍ وَزَبَرْجَدٍ فَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا صَوْتَهُ تَيَقَّنُوا بِالنَّصْرِ وَكَانُوا إِذَا خَرَجُوا وَضَعُوا التَّابُوتَ قُدَّامَهُمْ فَإِذَا سَارَ سَارُوا وَإِذَا وَقَفَ وَقَفُوا . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : هِيَ طَسْتٌ مِنْ ذَهَبٍ مِنَ الْجَنَّةِ كَانَ يَغْسِلُ فِيهِ قُلُوبَ الْأَنْبِيَاءِ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : هِيَ رُوحٌ مِنَ اللَّهِ يَتَكَلَّمُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ تُخْبِرُهُمْ بِبَيَانِ مَا يُرِيدُونَ ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ : هِيَ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْآيَاتِ فَيَسْكُنُونَ إِلَيْهَا وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ : السَّكِينَةُ فَعِيلَةٌ مِنَ السُّكُونِ أَيْ طُمَأْنِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَفِي أَيِّ مَكَانٍ كَانَ التَّابُوتُ اطْمَأَنُّوا إِلَيْهِ وَسَكَنُوا ( وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ) يَعْنِي مُوسَى وَهَارُونَ أَنْفُسَهُمَا كَانَ فِيهِ لَوْحَانِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَرُضَاضِ الْأَلْوَاحِ الَّتِي تَكَسَّرَتْ وَكَانَ فِيهِ عَصَا مُوسَى وَنَعْلَاهُ وَعِمَامَةُ هَارُونَ وَعَصَاهُ وَقَفِيزٌ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَكَانَ التَّابُوتُ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانُوا إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ تَكَلَّمَ وَحَكَمَ بَيْنَهُمْ وَإِذَا حَضَرُوا الْقِتَالَ قَدَّمُوهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَيَسْتَفْتِحُو نَ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَلَمَّا عَصَوْا وَفَسَدُوا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَمَالِقَةَ فَغَلَبُوهُمْ عَلَى التَّابُوتِ . وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لِعَيْلَى الْعَالِمِ الَّذِي رَبَّى إِشْمَوِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ابْنَانِ شَابَّانِ وَكَانَ عَيْلَى حَبْرَهُمْ وَصَاحِبَ قُرْبَانِهِمْ فَأَحْدَثَ ابْنَاهُ فِي الْقُرْبَانِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لِعَيْلَى مَنُوطُ الْقُرْبَانِ الَّذِي كَانُوا يَنُوطُونَهُ بِهِ كُلَّابَيْنِ فَمَا أَخْرَجَا كَانَ لِلْكَاهِنِ الَّذِي يَنُوطُهُ فَجَعَلَ ابْنَاهُ كَلَالِيبَ وَكَانَ النِّسَاءُ يُصَلِّينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَتَشَبَّثَان ِ بِهِنَّ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى إِشْمَوِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : انْطَلِقْ إِلَى عَيْلَى فَقُلْ لَهُ مَنَعَكَ حُبُّ الْوَلَدِ مِنْ أَنْ تَزْجُرَ ابْنَيْكَ عَنْ أَنْ يُحْدِثَا فِي قُرْبَانِي وَقُدْسِي وَأَنْ يَعْصِيَانِي فَلَأَنْزِعَنَّ الْكَهَانَةَ مِنْكَ وَمِنْ وَلَدِكَ وَلَأُهْلِكَنَّ كَ وَإِيَّاهُمْ فَأَخْبَرَ إِشْمَوِيلُ عَيْلَى بِذَلِكَ فَفَزِعَ فَزَعًا شَدِيدًا فَسَارَ إِلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِمَّنْ حَوْلَهُمْ [ ص: 300 ] فَأَمَرَ ابْنَيْهِ أَنْ يَخْرُجَا بِالنَّاسِ فَيُقَاتِلَا ذَلِكَ الْعَدُوَّ فَخَرَجَا وَأَخْرَجَا مَعَهُمَا التَّابُوتَ فَلَمَّا تَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ جَعَلَ عَيْلَى يَتَوَقَّعُ الْخَبَرَ مَاذَا صَنَعُوا؟ فَجَاءَهُ رَجُلٌ وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْهَزَمُوا وَأَنَّ ابْنَيْكَ قَدْ قُتِلَا قَالَ : فَمَا فَعَلَ التَّابُوتُ؟ قَالَ ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوُّ فَشَهِقَ وَوَقَعَ عَلَى قَفَاهُ مِنْ كُرْسِيِّهِ وَمَاتَ فَمَرَجَ أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَفَرَّقُوا إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ طَالُوتَ مَلِكًا فَسَأَلُوهُ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ : إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ . وَكَانَتْ قِصَّةُ التَّابُوتِ أَنَّ الَّذِينَ سَبَوُا التَّابُوتَ أَتَوْا بِهِ قَرْيَةً مِنْ قُرَى فِلَسْطِينَ يُقَالُ لَهَا ازْدَوَدُ وَجَعَلُوهُ فِي بَيْتِ صَنَمٍ لَهُمْ وَوَضَعُوهُ تَحْتَ الصَّنَمِ الْأَعْظَمِ فَأَصْبَحُوا مِنَ الْغَدِ وَالصَّنَمُ تَحْتَهُ فَأَخَذُوهُ وَوَضَعُوهُ فَوْقَهُ وَسَمَّرُوا قَدَمِيِ الصَّنَمِ عَلَى التَّابُوتِ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ قُطِعَتْ يَدُ الصَّنَمِ وَرِجْلَاهُ وَأَصْبَحَ مُلْقًى تَحْتَ التَّابُوتِ وَأَصْبَحَتْ أَصْنَامُهُمْ مُنَكَّسَةً فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بَيْتِ الصَّنَمِ وَوَضَعُوهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ مَدِينَتِهِمْ فَأَخَذَ أَهْلَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَجَعٌ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى هَلَكَ أَكْثَرُهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ إِلَهَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ فَأَخْرِجُوهُ إِلَى قَرْيَةِ كَذَا فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَأْرًا فَكَانَتِ الْفَأْرَةُ تَبِيتُ مَعَ الرَّجُلِ فَيُصْبِحُ مَيِّتًا قَدْ أَكَلَتْ مَا فِي جَوْفِهِ فَأَخْرَجُوهُ إِلَى الصَّحْرَاءِ فَدَفَنُوهُ فِي مَخْرَأَةٍ لَهُمْ فَكَانَ كُلُّ مَنْ تَبَرَّزَ هُنَاكَ أَخَذَهُ الْبَاسُورُ وَالْقُولَنْجُ فَتَحَيَّرُوا فَقَالَتْ لَهُمُ امْرَأَةٌ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ سَبْيِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ : لَا تَزَالُونَ تَرَوْنَ مَا تَكْرَهُونَ مَا دَامَ هَذَا التَّابُوتُ فِيكُمْ فَأَخْرِجُوهُ عَنْكُمْ فَأَتَوْا بِعَجَلَةٍ بِإِشَارَةِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ وَحَمَلُوا عَلَيْهَا التَّابُوتَ ثُمَّ عَلَّقُوهَا عَلَى ثَوْرَيْنِ وَضَرَبُوا جَنُوبَهُمَا فَأَقْبَلَ الثَّوْرَانِ يَسِيرَانِ وَوَكَّلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا أَرْبَعَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَسُوقُونَهُمَا فَأَقْبَلَا حَتَّى وَقَفَا عَلَى أَرْضِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَسَرَا نَيْرَيْهِمَا وَقَطَعَا حِبَالَهُمَا وَوَضَعَا التَّابُوتَ فِي أَرْضٍ فِيهَا حَصَادُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَرَجَعَا إِلَى أَرْضِهِمَا فَلَمْ يُرَعْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا بِالتَّابُوتِ فَكَبَّرُوا وَحَمِدُوا اللَّهَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ) أَيْ تَسُوقُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : جَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالتَّابُوتِ تَحْمِلُهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى وَضَعَتْهُ عِنْدَ طَالُوتَ وَقَالَ الْحَسَنُ : كَانَ التَّابُوتُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ فَلَمَّا وَلِيَ طَالُوتُ الْمُلْكَ حَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَوَضَعَتْهُ بَيْنَهُمْ وَقَالَ قَتَادَةُ بَلْ كَانَ التَّابُوتُ فِي التِّيهِ خَلَّفَهُ مُوسَى عِنْدَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ فَبَقِيَ هُنَاكَ فَحَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَارِ طَالُوتَ فَأَقَرُّوا بِمُلْكِهِ ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ) لَعِبْرَةً ( لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إِنَّ [ ص: 301 ] التَّابُوتَ وَعَصَا مُوسَى فِي بُحَيْرَةِ طَبَرِيَةَ وَأَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ . ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ( 249 ) ) ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ ) أَيْ خَرَجَ بِهِمْ وَأَصْلُ الْفَصْلِ : الْقَطْعُ يَعْنِي قَطَعَ مُسْتَقَرَّهُ شَاخِصًا إِلَى غَيْرِهِ فَخَرَجَ طَالُوتُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْجُنُودِ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ وَقِيلَ : ثَمَانُونَ أَلْفًا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ إِلَّا كَبِيرٌ لِهَرَمِهِ أَوْ مَرِيضٌ لِمَرَضِهِ أَوْ مَعْذُورٌ لِعُذْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا التَّابُوتَ لَمْ يَشُكُّوا فِي النَّصْرِ فَتَسَارَعُوا إِلَى الْجِهَادِ فَقَالَ طَالُوتُ : لَا حَاجَةَ لِي فِي كُلِّ مَا أَرَى لَا يَخْرُجْ مَعِي رَجُلٌ بَنَى بِنَاءً لَمْ يَفْرَغْ مِنْهُ وَلَا صَاحِبُ تِجَارَةٍ يَشْتَغِلُ بِهَا وَلَا رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَلَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَبْنِ بِهَا وَلَا أَبْتَغِي إِلَّا الشَّبَابَ النَّشِيطَ الْفَارِغَ فَاجْتَمَعَ لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفًا مِمَّنْ شَرَطَهُ وَكَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ فَشَكَوْا قِلَّةَ الْمَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ فَقَالُوا : إِنَّ الْمِيَاهَ قَلِيلَةٌ لَا تَحْمِلُنَا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُجْرِيَ لَنَا نَهْرًا . ( قَالَ ) طَالُوتُ ( إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ ) مُخْتَبِرُكُمْ لِيَرَى طَاعَتَكُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ - ( بِنَهَرٍ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ : هُوَ نَهْرُ فِلَسْطِينَ وَقَالَ قَتَادَةُ نَهْرٌ بَيْنَ الْأُرْدُنِ وَفِلَسْطِينَ عَذْبٌ ( فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ) أَيْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِي وَطَاعَتِي ( وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ ) يَشْرَبْهُ ( فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَبُو عَمْرٍو " غَرْفَةً " بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَهُمَا لُغَتَانِ قَالَ الْكِسَائِيُّ : الْغُرْفَةُ بِالضَّمِّ الَّذِي يَحْصُلُ فِي الْكَفِّ مِنَ الْمَاءِ إِذَا غُرِفَ وَالْغَرْفَةُ : بِالْفَتْحِ الِاغْتِرَافُ فَالضَّمُّ اسْمٌ وَالْفَتْحُ مَصْدَرٌ ( فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ) نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَلِيلِ الَّذِينَ لَمْ يَشْرَبُوا فَقَالَ [ ص: 302 ] السِّدِّيُّ : كَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَقَالَ غَيْرُهُ : ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ : كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثُمِائَة ٍ . وَيُرْوَى ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى النَّهْرِ وَقَدْ أُلْقِيَ عَلَيْهِمُ الْعَطَشُ فَشَرِبَ مِنْهُ الْكُلُّ إِلَّا هَذَا الْعَدَدَ الْقَلِيلَ فَمَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً كَمَا أَمَرَ اللَّهُ قَوِيَ قَلْبُهُ وَصَحَّ إِيمَانُهُ وَعَبَرَ النَّهْرَ سَالِمًا وَكَفَتْهُ تِلْكَ الْغُرْفَةُ الْوَاحِدَةُ لِشُرْبِهِ وَحَمْلِهِ وَدَوَابَّهُ وَالَّذِينَ شَرِبُوا وَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ اسْوَدَّتْ شِفَاهُهُمْ وَغَلَبَهُمُ الْعَطَشُ فَلَمْ يَرْوُوا وَبَقُوا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ وَجَبَنُوا عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فَلَمْ يُجَاوِزُوا وَلَمْ يَشْهَدُوا الْفَتْحَ . وَقِيلَ : كُلُّهُمْ جَاوَزُوا وَلَكِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْقِتَالَ إِلَّا الَّذِينَ لَمْ يَشْرَبُوا ( فَلَمَّا جَاوَزَهُ ) يَعْنِي النَّهْرَ ( هُوَ ) يَعْنِي طَالُوتَ ( وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) يَعْنِي الْقَلِيلَ ( قَالُوا ) يَعْنِي الَّذِينَ شَرِبُوا وَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ وَكَانُوا أَهْلَ شَكٍّ وَنِفَاقٍ ( لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالسُّدِّيُّ : فَانْحَرَفُوا وَلَمْ يُجَاوِزُوا ( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ ) يَسْتَيْقِنُونَ ( أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ) الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَ طَالُوتَ ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ ) جَمَاعَةٍ وَهِيَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَجَمْعُهُ فِئَاتٌ وَفِئُونَ فِي الرَّفْعِ وَفِئِينَ فِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبِ ( قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ) بِقَضَائِهِ وَإِرَادَتِهِ ( وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ .
__________________
|
#58
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (43) - تفسير البغوى سورة البقرة الاية 250 إلى الاية 254 أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( 250 ) ) ( وَلَمَّا بَرَزُوا ) يَعْنِي طَالُوتَ وَجُنُودَهُ يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ ( لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ) الْمُشْرِكِينَ وَمَعْنَى بَرَزُوا صَارُوا بِالْبِرَازِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ وَاسْتَوَى ( قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا ) أَنْزَلَ وَاصْبُبْ ( صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ) قُلُوبَنَا ( وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( 251 ) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 252 ) ) ( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ) أَيْ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ ) وَصِفَةُ قَتْلِهِ : قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ [ ص: 303 ] عَبَرَ النَّهْرَ مَعَ طَالُوتَ فِيمَنْ عَبَرَ إِيشَا أَبُو دَاوُدَ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ ابْنًا لَهُ وَكَانَ دَاوُدُ أَصْغَرَهُمْ وَكَانَ يَرْمِي بِالْقَذَّافَةِ فَقَالَ لِأَبِيهِ يَوْمًا يَا أَبَتَاهُ مَا أَرْمِي بِقَذَّافَتِي شَيْئًا إِلَّا صَرَعَتْهُ فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ رِزْقَكَ فِي قَذَّافَتِكَ ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ : يَا أَبَتَاهُ لَقَدْ دَخَلْتُ بَيْنَ الْجِبَالِ فَوَجَدْتُ أَسَدًا رَابِضًا فَرَكِبْتُهُ فَأَخَذْتُ بِأُذُنَيْهِ فَلَمْ يَهْجُنِي فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ يُرِيدُهُ اللَّهُ بِكَ ثُمَّ أَتَاهُ يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ : يَا أَبَتَاهُ إِنِّي لَأَمْشِي بَيْنَ الْجِبَالِ فَأُسَبِّحُ فَمَا يَبْقَى جَبَلٌ إِلَّا سَبَّحَ مَعِي ، فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ أَعْطَاكَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَرْسَلَ جَالُوتُ إِلَى طَالُوتَ أَنِ ابْرُزْ إِلَيَّ أَوْ أَبْرِزْ إِلَيَّ مَنْ يُقَاتِلُنِي فَإِنْ قَتَلَنِي فَلَكُمْ مُلْكِي وَإِنْ قَتَلْتُهُ فَلِي مُلْكُكُمْ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى طَالُوتَ فَنَادَى فِي عَسْكَرِهِ : مَنْ قَتَلَ جَالُوتَ زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي وَنَاصَفْتُهُ مُلْكِي فَهَابَ النَّاسُ جَالُوتَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَسَأَلَ طَالُوتُ نَبِيَّهُمْ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى فَدَعَا اللَّهَ فِي ذَلِكَ فَأَتَى بِقَرْنٍ فِيهِ دُهْنُ الْقُدْسِ وَتَنُّورٍ فِي حَدِيدٍ فَقِيلَ : إِنَّ صَاحِبَكُمُ الَّذِي يَقْتُلُ جَالُوتَ هُوَ الَّذِي يُوضَعُ هَذَا الْقَرْنُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَغْلِي الدُّهْنُ حَتَّى يَدْهُنَ مِنْهُ رَأْسَهُ وَلَا يَسِيلَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ كَهَيْئَةِ الْإِكْلِيلِ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّنُّورِ فَيَمْلَؤُهُ وَلَا يَتَقَلْقَلُ فِيهِ فَدَعَا طَالُوتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَجَرَّبَهُمْ فَلَمْ يُوَافِقْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِمْ أَنَّ فِي وَلَدِ إِيشَا مَنْ يَقْتُلُ اللَّهُ بِهِ جَالُوتَ فَدَعَا طَالُوتُ إِيشَا فَقَالَ : اعْرِضْ عَلَيَّ بَنِيكَ فَأَخْرَجَ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا أَمْثَالَ السَّوَارِي فَجَعَلَ يَعْرِضُهُمْ عَلَى الْقَرْنِ فَلَا يَرَى شَيْئًا فَقَالَ : لِإِيشَا هَلْ بَقِيَ لَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُمْ فَقَالَ : لَا فَقَالَ النَّبِيُّ : يَا رَبِّ إِنَّهُ زَعَمَ أَنْ لَا وَلَدَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَقَالَ كَذَبَ فَقَالَ النَّبِيُّ : إِنَّ رَبِّي كَذَّبَكَ فَقَالَ : صَدَقَ اللَّهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ لِي ابْنًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ لِقِصَرِ قَامَتِهِ وَحَقَارَتِهِ ( فَخَلَّفْتُهُ ) فِي الْغَنَمِ يَرْعَاهَا وَهُوَ فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا وَكَانَ دَاوُدُ رَجُلًا قَصِيرًا مِسْقَامًا [ ص: 304 ] مِصْفَارًا أَزْرَقَ أَمْعَرَ ، فَدَعَاهُ طَالُوتُ وَيُقَالُ : بَلْ خَرَجَ طَالُوتُ إِلَيْهِ فَوَجَدَ الْوَادِيَ قَدْ سَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرِيبَةِ الَّتِي كَانَ يُرِيحُ إِلَيْهَا فَوَجَدَهُ يَحْمِلُ شَاتَيْنِ يُجِيزُ بِهِمَا السَّيْلَ وَلَا يَخُوضُ بِهِمَا الْمَاءَ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : هَذَا هُوَ لَا شَكَّ فِيهِ هَذَا يَرْحَمُ الْبَهَائِمَ فَهُوَ بِالنَّاسِ أَرْحَمُ فَدَعَاهُ وَوَضَعَ الْقَرْنَ عَلَى رَأْسِهِ فَفَاضَ فَقَالَ طَالُوتُ : هَلْ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ جَالُوتَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي وَأُجْرِي خَاتَمَكَ فِي مُلْكِي قَالَ : نَعَمْ قَالَ : وَهَلْ آنَسْتَ مِنْ نَفْسِكَ شَيْئًا تَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قَتْلِهِ؟ قَالَ : نَعَمْ أَنَا أَرْعَى فَيَجِيءُ الْأَسَدُ أَوِ النَّمِرُ أَوِ الذِّئْبُ فَيَأْخُذُ شَاةً فَأَقُومُ إِلَيْهِ فَأَفْتَحُ لِحْيَيْهِ عَنْهَا وَأَضْرِقُهَا إِلَى قَفَاهُ فَرَدَّهُ إِلَى عَسْكَرِهِ فَمَرَّ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي طَرِيقِهِ بِحَجَرٍ فَنَادَاهُ الْحَجَرُ يَا دَاوُدُ احْمِلْنِي فَإِنِّي حَجَرُ هَارُونَ الَّذِي قَتَلَ بِي مَلِكَ كَذَا فَحَمَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ ثُمَّ مَرَّ بِحَجَرٍ آخَرَ فَقَالَ : احْمِلْنِي فَإِنِّي حَجَرُ مُوسَى الَّذِي قَتَلَ بِي مَلِكَ كَذَا وَكَذَا فَحَمَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ ثُمَّ مَرَّ بِحَجَرٍ آخَرَ فَقَالَ : احْمِلْنِي فَإِنِّي حَجَرُكَ الَّذِي تَقْتُلُ بِي جَالُوتَ فَوَضَعَهَا فِي مِخْلَاتِهِ فَلَمَّا تَصَافُّوا لِلْقِتَالِ وَبَرَزَ جَالُوتُ وَسَأَلَ الْمُبَارَزَةَ انْتُدِبَ لَهُ دَاوُدُ فَأَعْطَاهُ طَالُوتُ فَرَسًا وَدِرْعًا وَسِلَاحًا فَلَبِسَ السِّلَاحَ وَرَكِبَ الْفَرَسَ وَسَارَ قَرِيبًا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ جَبَنَ الْغُلَامُ فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَلِكِ فَقَالَ : مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ إِنْ لَمْ يَنْصُرْنِي لَمْ يُغْنِ عَنِّي هَذَا السِّلَاحُ شَيْئًا فَدَعْنِي أُقَاتِلْ كَمَا أُرِيدُ قَالَ : فَافْعَلْ مَا شِئْتَ قَالَ : نَعَمْ فَأَخَذَ دَاوُدُ مِخْلَاتَهُ فَتَقَلَّدَهَا وَأَخَذَ الْمِقْلَاعَ وَمَضَى نَحْوَ جَالُوتَ وَكَانَ جَالُوتُ مِنْ أَشَدِّ الرِّجَالِ وَأَقْوَاهُمْ وَكَانَ يَهْزِمُ الْجُيُوشَ وَحْدَهُ وَكَانَ لَهُ بَيْضَةٌ فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ رَطْلِ حَدِيدٍ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى دَاوُدَ أُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبُ فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ تَبْرُزُ إِلَيَّ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَكَانَ جَالُوتُ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ عَلَيْهِ السِّلَاحُ التَّامُّ قَالَ : فَأَتَيْتَنِي بِالْمِقْلَاعِ وَالْحَجَرِ كَمَا يُؤْتَى الْكَلْبُ؟ قَالَ : نَعَمْ أَنْتَ شَرٌّ مِنَ الْكَلْبِ قَالَ لَا جَرَمَ لَأَقْسِمَنَّ لَحْمَكَ بَيْنَ سِبَاعِ الْأَرْضِ وَطَيْرِ السَّمَاءِ قَالَ دَاوُدُ : أَوْ يُقَسِّمُ اللَّهُ لَحْمَكَ فَقَالَ دَاوُدُ : بِاسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَأَخْرَجَ حَجَرًا ثُمَّ أَخْرَجَ الْآخَرَ وَقَالَ : بِاسْمِ إِلَهِ إِسْحَاقَ وَوَضَعَهُ فِي مِقْلَاعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ الثَّالِثَ وَقَالَ : بِاسْمِ إِلَهِ يَعْقُوبَ وَوَضَعَهُ فِي مِقْلَاعِهِ فَصَارَتْ كُلُّهَا حَجَرًا وَاحِدًا وَدَوَّرَ دَاوُدُ الْمِقْلَاعَ وَرَمَى بِهِ فَسَخَّرَ اللَّهُ لَهُ الرِّيحَ حَتَّى أَصَابَ الْحَجَرَ أَنْفَ الْبَيْضَةِ فَخَالَطَ دِمَاغَهُ وَخَرَجَ مِنْ قَفَاهُ وَقَتَلَ مِنْ وَرَائِهِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا وَهَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَيْشَ وَخَرَّ جَالُوتُ قَتِيلًا فَأَخَذَهُ يَجُرُّهُ حَتَّى أَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْ طَالُوتَ فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ فَرَحًا شَدِيدًا وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ سَالِمِينَ غَانِمِينَ وَالنَّاسُ يَذْكُرُونَ دَاوُدَ فَجَاءَ دَاوُدُ طَالُوتَ وَقَالَ انْجُزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي فَقَالَ : أَتُرِيدُ ابْنَةَ الْمَلِكِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ؟ فَقَالَ دَاوُدُ : مَا [ ص: 305 ] شَرَطْتَ عَلَيَّ صَدَاقًا وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ فَقَالَ لَا أُكَلِّفُكَ إِلَّا مَا تُطِيقُ أَنْتَ رَجُلٌ جَرِيءٌ وَفِي حِيَالِنَا أَعْدَاءٌ لَنَا غُلْفٌ فَإِذَا قَتَلْتَ مِنْهُمْ مِائَتَيْ رَجُلٍ وَجِئْتَنِي بِغُلْفِهِمْ زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي فَأَتَاهُمْ فَجَعَلَ كُلَّمَا قَتَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ نَظَمَ غُلْفَتَهُ فِي خَيْطٍ حَتَّى نَظَمَ غُلْفَهُمْ فَجَاءَ بِهَا إِلَى طَالُوتَ فَأَلْقَى إِلَيْهِ وَقَالَ ادْفَعْ إِلَيَّ امْرَأَتِي فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ وَأَجْرَى خَاتَمَهُ فِي مُلْكِهِ فَمَالَ النَّاسُ إِلَى دَاوُدَ وَأَحَبُّوهُ وَأَكْثَرُوا ذِكْرَهُ فَحَسَدَهُ طَالُوتُ وَأَرَادَ قَتْلَهُ فَأَخْبَرَ ذَلِكَ ابْنَةَ طَالُوتَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْعَيْنَيْنِ فَقَالَتْ لِدَاوُدَ إِنَّكَ مَقْتُولٌ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَالَ : وَمَنْ يَقْتُلُنِي؟ قَالَتْ أَبِي قَالَ وَهَلْ أَجْرَمْتُ جُرْمًا قَالَتْ : حَدَّثَنِي مَنْ لَا يَكْذِبُ وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَغِيبَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ حَتَّى تَنْظُرَ مِصْدَاقَ ذَلِكَ فَقَالَ : لَئِنْ كَانَ أَرَادَ اللَّهُ ذَلِكَ لَا أَسْتَطِيعُ خُرُوجًا وَلَكِنِ ائْتِينِي بِزِقِّ خَمْرٍ فَأَتَتْ بِهِ فَوَضَعَهُ فِي مَضْجَعِهِ عَلَى السَّرِيرِ وَسَجَاهُ وَدَخَلَ تَحْتَ السَّرِيرِ فَدَخَلَ طَالُوتُ نِصْفَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهَا : أَيْنَ بَعْلُكِ؟ فَقَالَتْ : هُوَ نَائِمٌ عَلَى السَّرِيرِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً فَسَالَ الْخَمْرُ فَلَمَّا وَجَدَ رِيحَ الشَّرَابِ قَالَ : يَرْحَمُ اللَّهُ دَاوُدَ مَا كَانَ أَكْثَرَ شُرْبِهِ لِلْخَمْرِ وَخَرَجَ . فَلَمَّا أَصْبَحَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا فَقَالَ : إِنَّ رَجُلًا طَلَبْتُ مِنْهُ مَا طَلَبْتُ لَخَلِيقٌ أَنْ لَا يَدَعَنِي حَتَّى يُدْرِكَ مِنِّي ثَأْرَهُ فَاشْتَدَّ حُجَّابُهُ وَحُرَّاسُهُ وَأَغْلَقَ دُونَهُ أَبْوَابَهُ ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ أَتَاهُ لَيْلَةً وَقَدْ هَدَأَتِ الْعُيُونُ فَأَعْمَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْحَجَبَةَ وَفَتَحَ لَهُ الْأَبْوَابَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَوَضَعَ سَهْمًا عِنْدَ رَأْسِهِ وَسَهْمًا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَسَهْمًا عَنْ يَمِينِهِ وَسَهْمًا عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَالُوتُ بَصُرَ بِالسِّهَامِ فَعَرَفَهَا فَقَالَ : يَرْحَمُ اللَّهُ تَعَالَى دَاوُدَ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ظَفِرْتُ بِهِ فَقَصَدْتُ قَتْلَهُ وَظَفِرَ بِي فَكَفَّ عَنِّي وَلَوْ شَاءَ لَوَضَعَ هَذَا السَّهْمَ فِي حَلْقِي وَمَا أَنَا بِالَّذِي آمَنُهُ فَلَمَّا كَانَتِ الْقَابِلَةُ أَتَاهُ ثَانِيًا وَأَعْمَى اللَّهُ الْحُجَّابَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَخَذَ إِبْرِيقَ طَالُوتَ الَّذِي كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَكُوزَهُ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ مِنْهُ وَقَطَعَ شَعَرَاتٍ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَيْئًا مِنْ هُدْبِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَهَرَبَ وَتَوَارَى فَلَمَّا أَصْبَحَ طَالُوتُ وَرَأَى ذَلِكَ سَلَّطَ عَلَى دَاوُدَ الْعُيُونَ وَطَلَبَهُ أَشَدَّ الطَّلَبِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ثُمَّ إِنَّ طَالُوتَ رَكِبَ يَوْمًا فَوَجَدَ دَاوُدَ يَمْشِي فِي الْبَرِيَّةِ فَقَالَ : الْيَوْمَ أَقْتُلُهُ فَرَكَضَ عَلَى أَثَرِهِ فَاشْتَدَّ دَاوُدُ وَكَانَ إِذَا فَزِعَ لَمْ يُدْرَكْ فَدَخَلَ غَارًا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْعَنْكَبُوتِ فَنَسَجَ عَلَيْهِ بَيْتًا فَلَمَّا انْتَهَى طَالُوتُ إِلَى الْغَارِ وَنَظَرَ إِلَى بِنَاءِ الْعَنْكَبُوتِ قَالَ : لَوْ كَانَ دَخَلَ هَاهُنَا لَخَرَقَ بِنَاءَ الْعَنْكَبُوتِ فَتَرَكَهُ وَمَضَى فَانْطَلَقَ دَاوُدُ وَأَتَى الْجَبَلَ مَعَ الْمُتَعَبِّدِي نَ فَتَعَبَّدَ فِيهِ فَطَعَنَ الْعُلَمَاءُ وَالْعِبَادُ عَلَى طَالُوتَ فِي شَأْنِ دَاوُدَ فَجَعَلَ طَالُوتُ لَا يَنْهَاهُ أَحَدٌ عَنْ قَتْلِ دَاوُدَ إِلَّا قَتَلَهُ وَأَغْرَى بِقَتْلِ الْعُلَمَاءِ فَلَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى عَالِمٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُطِيقُ قَتْلَهُ إِلَّا قَتَلَهُ حَتَّى أُتِيَ بِامْرَأَةٍ تَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ فَأَمَرَ خَبَّازَهُ بِقَتْلِهَا فَرَحِمَهَا [ ص: 306 ] الْخَبَّازُ وَقَالَ : لَعَلَّنَا نَحْتَاجُ إِلَى عَالِمٍ فَتَرَكَهَا فَوَقَعَ فِي قَلْبِ طَالُوتَ التَّوْبَةُ وَنَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْبُكَاءِ حَتَّى رَحِمَهُ النَّاسُ . وَكَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ يَخْرُجُ إِلَى الْقُبُورِ فَيَبْكِي وَيُنَادِي : أَنْشُدُ اللَّهَ عَبْدًا يَعْلَمُ أَنَّ لِي تَوْبَةً إِلَّا أَخْبَرَنِي بِهَا فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِمْ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ الْقُبُورِ يَا طَالُوتُ أَمَا تَرْضَى أَنْ قَتَلْتَنَا حَتَّى تُؤْذِيَنَا أَمْوَاتًا فَازْدَادَ بُكَاءً وَحُزْنًا فَرَحِمَهُ الْخَبَّازُ فَقَالَ : مَا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ؟ قَالَ : هَلْ تَعْلَمُ لِي فِي الْأَرْضِ عَالِمًا أَسْأَلُهُ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ الْخَبَّازُ : إِنَّمَا مَثَلُكَ مَثَلُ مَلِكٍ نَزَلَ قَرْيَةً عِشَاءً فَصَاحَ الدِّيكُ فَتَطَيَّرَ مِنْهُ فَقَالَ : لَا تَتْرُكُوا فِي الْقَرْيَةِ دِيكًا إِلَّا ذَبَحْتُمُوهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : إِذَا صَاحَ الدِّيكُ فَأَيْقِظُونَا حَتَّى نُدْلِجَ فَقَالُوا لَهُ : وَهَلْ تَرَكْتَ دِيكًا نَسْمَعُ صَوْتَهُ؟ وَلَكِنْ هَلْ تَرَكْتَ عَالِمًا فِي الْأَرْضِ؟ فَازْدَادَ حُزْنًا وَبُكَاءً فَلَمَّا رَأَى الْخَبَّازُ ذَلِكَ قَالَ لَهُ : أَرَأَيْتُكَ إِنْ دَلَلْتُكَ عَلَى عَالِمٍ لَعَلَّكَ أَنْ تَقْتُلَهُ قَالَ : لَا فَتَوَثَّقَ عَلَيْهِ الْخَبَّازُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْعَالِمَةَ عِنْدَهُ قَالَ : انْطَلِقْ بِي إِلَيْهَا أَسْأَلْهَا هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ وَكَانَتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ فَإِذَا فَنِيَتْ رِجَالُهُمْ عَلِمَتْ نِسَاؤُهُمْ فَلَمَّا بَلَغَ طَالُوتُ الْبَابَ قَالَ الْخَبَّازُ إِنَّهَا إِذَا رَأَتْكَ فَزِعَتْ فَخَلَّفَهُ خَلْفَهُ ثُمَّ دَخَلَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا : أَلَسْتُ أَعْظَمَ النَّاسِ مِنَّةً عَلَيْكِ أَنْجَيْتُكِ مِنَ الْقَتْلِ وَآوَيْتُكِ قَالَتْ : بَلَى قَالَ : فَإِنَّ لِي إِلَيْكِ حَاجَةً هَذَا طَالُوتُ يَسْأَلُ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَغُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْفَرَقِ فَقَالَ لَهَا : إِنَّهُ لَا يُرِيدُ قَتْلَكِ وَلَكِنْ يَسْأَلُكَ : هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَتْ : لَا وَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ لِطَالُوتَ تَوْبَةً وَلَكِنْ هَلْ تَعْلَمُونَ مَكَانَ قَبْرِ نَبِيٍّ؟ فَانْطَلَقَ بِهِمَا إِلَى قَبْرِ إِشْمَوِيلَ فَصَلَّتْ وَدَعَتْ ثُمَّ نَادَتْ يَا صَاحِبَ الْقَبْرِ فَخَرَجَ إِشْمَوِيلُ مِنَ الْقَبْرِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ التُّرَابِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى ثَلَاثَتِهُمْ قَالَ : مَا لَكُمْ أَقَامَتِ الْقِيَامَةُ؟ قَالَتْ : لَا وَلَكِنْ طَالُوتُ يَسْأَلُكَ : هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ إِشْمَوِيلُ : يَا طَالُوتُ مَا فَعَلْتَ بَعْدِي؟ قَالَ : لَمْ أَدَعْ مِنَ الشَّرِّ شَيْئًا إِلَّا فَعَلْتُهُ وَجِئْتُ أَطْلُبُ التَّوْبَةَ قَالَ : كَمْ لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟ قَالَ : عَشَرَةُ رِجَالٍ قَالَ : مَا أَعْلَمُ لَكَ مِنْ تَوْبَةٍ إِلَّا أَنْ تَتَخَلَّى مِنْ مُلْكِكَ وَتَخْرُجَ أَنْتَ وَوَلَدُكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تُقَدِّمَ وَلَدَكَ حَتَّى يُقْتَلُوا بَيْنَ يَدَيْكَ ثُمَّ تُقَاتِلَ أَنْتَ حَتَّى تُقْتَلَ آخِرَهُمْ؟ ثُمَّ رَجَعَ إِشْمَوِيلُ إِلَى الْقَبْرِ وَسَقَطَ مَيِّتًا وَرَجَعَ طَالُوتُ أَحْزَنَ مَا كَانَ رَهْبَةً أَنْ لَا يُتَابِعَهُ وَلَدُهُ وَقَدْ بَكَى حَتَّى سَقَطَتْ أَشْفَارُ عَيْنَيْهِ وَنَحُلَ جِسْمُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَوْلَادُهُ فَقَالَ لَهُمْ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ دُفِعْتُ إِلَى النَّارِ هَلْ كُنْتُمْ تَفْدُونَنِي؟ قَالُوا : نَعَمْ نَفْدِيكَ بِمَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ قَالَ : فَإِنَّهَا النَّارُ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ قَالُوا : فَاعْرِضْ عَلَيْنَا فَذَكَرَ لَهُمُ الْقِصَّةَ قَالُوا : وَإِنَّكَ لِمَقْتُولٌ قَالَ : نَعَمْ قَالُوا : فَلَا خَيْرَ لَنَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَكَ قَدْ طَابَتْ أَنْفُسُنَا بِالَّذِي سَأَلْتَ فَتَجَهَّزَ بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ فَتَقَدَّمَ وَلَدُهُ وَكَانُوا عَشَرَةً فَقَاتَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى قُتِلُوا ثُمَّ شَدَّ هُوَ بَعْدَهُمْ حَتَّى قُتِلَ فَجَاءَ قَاتِلُهُ إِلَى دَاوُدَ لِيُبَشِّرَهُ وَقَالَ : قَتَلْتُ عَدُوَّكَ فَقَالَ دَاوُدُ : مَا أَنْتَ بِالَّذِي تَحْيَا بَعْدَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَكَانَ مُلْكُ طَالُوتَ إِلَى أَنْ قُتِلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَتَى بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى دَاوُدَ وَأَعْطَوْهُ خَزَائِنَ طَالُوتَ وَمَلَّكُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ . [ ص: 307 ] قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ : مَلَكَ دَاوُدُ بَعْدَ قَتْلِ طَالُوتَ سَبْعَ سِنِينَ وَلَمْ يَجْتَمِعْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مَلِكٍ وَاحِدٍ إِلَّا عَلَى دَاوُدَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ) يَعْنِي : النُّبُوَّةَ; جَمَعَ اللَّهُ لِدَاوُدَ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ بَلْ كَانَ الْمُلْكُ فِي سِبْطٍ وَالنُّبُوَّةُ فِي سِبْطٍ وَقِيلَ : الْمُلْكُ وَالْحِكْمَةُ هُوَ الْعِلْمُ مَعَ الْعَمَلِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ) قَالَ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ يَعْنِي صَنْعَةَ الدُّرُوعِ وَكَانَ يَصْنَعُهَا وَيَبِيعُهَا وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَقِيلَ : مَنْطِقُ الطَّيْرِ ( وَكَلَامُ الْحُكْلِ ) وَالنَّمْلِ وَالْكَلَامُ الْحَسَنُ وَقِيلَ هُوَ الزَّبُورُ وَقِيلَ هُوَ الصَّوْتُ الطَّيِّبُ وَالْأَلْحَانُ فَلَمْ يُعْطِ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ مِثْلَ صَوْتِهِ وَكَانَ إِذَا قَرَأَ الزَّبُورَ تَدْنُو الْوُحُوشُ حَتَّى يَأْخُذَ بِأَعْنَاقِهَا وَتُظِلَّهُ الطَّيْرُ مُصِيخَةً لَهُ وَيَرْكُدَ الْمَاءُ ( الْجَارِي ) وَيَسْكُنَ الرِّيحُ . وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهُ سِلْسِلَةً مَوْصُولَةً بِالْمَجَرَّةِ وَرَأَسُهَا عِنْدَ صَوْمَعَتِهِ قُوَّتُهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ وَلَوْنُهَا لَوْنُ النَّارِ وَحِلَقُهَا مُسْتَدِيرَةٌ مُفَصَّلَةً بِالْجَوَاهِرِ مُدَسَّرَةً بِقُضْبَانِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فَلَا يَحْدُثُ فِي الْهَوَاءِ حَدَثٌ إِلَّا صَلْصَلَتِ السِّلْسِلَةُ فَعَلِمَ دَاوُدُ ذَلِكَ الْحَدَثَ وَلَا يَمَسُّهَا ذُو عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ وَكَانُوا يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا بَعْدَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَنْ رُفِعَتْ فَمَنْ تَعَدَّى عَلَى صَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ لَهُ حَقًّا أَتَى السِّلْسِلَةَ فَمَنْ كَانَ صَادِقًا مَدَّ يَدَهُ إِلَى السِّلْسِلَةِ فَتَنَاوَلَهَا وَمَنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَنَلْهَا فَكَانَتْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ ظَهَرَ بِهِمُ الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فَبَلَغَنَا أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِهَا أَوْدَعَ رَجُلًا جَوْهَرَةً ثَمِينَةً فَلَمَّا اسْتَرَدَّهَا أَنْكَرَ فَتَحَاكَمَا إِلَى السِّلْسِلَةِ فَعَمَدَ الَّذِي عِنْدَهُ الْجَوْهَرَةُ إِلَى عُكَّازَةٍ فَنَقَرَهَا وَضَمَّنَهَا الْجَوْهَرَةَ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا حَتَّى حَضَرَ السِّلْسِلَةَ فَقَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ : رُدَّ عَلَيَّ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ صَاحِبُهُ : مَا أَعْرِفُ لَكَ عِنْدِي مِنْ وَدِيعَةٍ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَتَنَاوَلِ السِّلْسِلَةَ فَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ فَقِيلَ لِلْمُنْكِرِ : قُمْ أَنْتَ فَتُنَاوَلْهَا فَقَالَ لِصَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ : خُذْ عُكَّازِي هَذِهِ فَاحْفَظْهَا حَتَّى أَتَنَاوَلَ السِّلْسِلَةَ فَأَخَذَهَا عِنْدَهُ ثُمَّ قَامَ الْمُنْكِرُ نَحْوَ السِّلْسِلَةِ فَأَخَذَهَا فَقَالَ الرَّجُلُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا عَلَيَّ قَدْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ فَقَرِّبْ مِنِّي السِّلْسِلَةَ فَمَدَّ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهَا فَتَعَجَّبَ الْقَوْمُ وَشَكُّوا فِيهَا فَأَصْبَحُوا وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ السِّلْسِلَةَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ " دِفَاعُ اللَّهِ " ) بِالْأَلِفِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِغَيْرِ الْأَلِفِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُغَالِبُهُ أَحَدٌ وَهُوَ الدَّافِعُ وَحْدَهُ وَمَنْ قَرَأَ بِالْأَلِفِ قَالَ : قَدْ يَكُونُ الدِّفَاعُ مِنْ وَاحِدٍ مِثْلُ قَوْلِ الْعَرَبِ : أَحْسَنَ اللَّهُ عَنْكَ الدِّفَاعَ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ : وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ بِجُنُودِ الْمُسْلِمِينَ لَغَلَبَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْأَرْضِ فَقَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ وَخَرَّبُوا الْمَسَاجِدَ وَالْبِلَادَ وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ : لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ بِالْمُؤْمِنِين َ وَالْأَبْرَارِ عَنِ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ لَهَلَكَتِ الْأَرْضُ بِمَنْ فِيهَا وَلَكِنَّ اللَّهَ [ ص: 308 ] يَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِ عَنِ الْكَافِرِ وَبِالصَّالِحِ عَنِ الْفَاجِرِ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ فَنَجْوَيْهِ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَرْجَةَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا أَبُو حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ أَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ وَبَرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِيَدْفَعُ بِالْمُسْلِمِ الصَّالِحَ عَنْ مِائَةِ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الْبَلَاءَ " ثُمَّ قَرَأَ " وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ . . . " ] ( لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) . ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ( 253 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 254 ) ) ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ) أَيْ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ( وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : وَمَا أُوتِيَ نَبِيٌّ آيَةً إِلَّا وَقَدْ أُوتِيَ نَبِيُّنَا مِثْلَ تِلْكَ الْآيَةِ وَفُضِّلَ عَلَى غَيْرِهِ بِآيَاتٍ مِثْلُ : انْشِقَاقِ الْقَمَرِ بِإِشَارَتِهِ وَحَنِينِ الْجِذْعِ عَلَى مُفَارَقَتِهِ وَتَسْلِيمِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ عَلَيْهِ وَكَلَامِ الْبَهَائِمِ وَالشَّهَادَةِ بِرِسَالَتِهِ وَنَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالْآيَاتِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَأَظْهَرَهَا الْقُرْآنُ الَّذِي عَجَزَ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ . أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ ، أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي [ ص: 309 ] سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَنَا سَيَّارٌ ، أَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ ، أَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدًا قَبْلِي : نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً " . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِي ُّ ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِي ُّ ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، أَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ : أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) أَيْ مِنْ بَعْدِ الرُّسُلِ ( مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ ) ثَبَتَ عَلَى إِيمَانِهِ بِفَضْلِ اللَّهِ ( وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ) بِخُذْلَانِهِ ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا ) أَعَادَهُ تَأْكِيدًا ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) يُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ فَضْلًا وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ عَدْلًا . سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنِي عَنِ الْقَدَرِ؟ فَقَالَ : طَرِيقٌ مُظْلِمٌ لَا تَسْلُكْهُ فَأَعَادَ السُّؤَالَ فَقَالَ : بَحْرٌ عَمِيقٌ فَلَا تَلُجْهُ فَأَعَادَ السُّؤَالَ فَقَالَ : سِرُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ قَدْ خَفِيَ عَلَيْكَ فَلَا تُفَتِّشْهُ . [ ص: 310 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ) قَالَ السُّدِّيُّ : أَرَادَ بِهِ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَقَالَ غَيْرُهُ : أَرَادَ بِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَالنَّفَقَةَ فِي الْخَيْرِ ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ ) أَيْ لَا فِدَاءَ فِيهِ سَمَّاهُ بَيْعًا لِأَنَّ الْفِدَاءَ شِرَاءُ نَفْسِهِ ( وَلَا خُلَّةٌ ) لَا صَدَاقَةَ ( وَلَا شَفَاعَةٌ ) إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ كُلَّهَا بِالنَّصْبِ وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ ( الْآيَةَ 31 ) " لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ " وَفِي سُورَةِ الطُّورِ ( الْآيَةَ 23 ) " لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ " وَقَرَأَ الْآخَرُونَ كُلَّهَا بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ ( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا .
__________________
|
#59
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (44) - تفسير البغوى سورة البقرة الاية 255 إلى الاية 257 أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( 255 ) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 256 ) ) قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَمْعَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَانِيُّ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ أَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنِ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَبَا الْمُنْذِرِ أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟ " قُلْتُ ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي ثُمَّ قَالَ : " لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ " ثُمَّ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ لِهَذِهِ الْآيَةِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ " . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو : أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ قَالَ : فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ [ ص: 311 ] فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ " فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ سَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلَا أَعُودُ ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ : لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ " فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ إِنَّكَ تَزْعُمُ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ قَالَ : دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا قُلْتُ : مَا هِيَ؟ قَالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ مَا هِيَ؟ قُلْتُ : قَالَ لِي : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ : لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ وَكَانُوا أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى الْخَيْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ " قُلْتُ : لَا قَالَ " ذَاكَ شَيْطَانٌ " . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمَلِيكِيُّ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَرَأَ حِينَ يُصْبِحُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآيَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ " حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " ( 2 - غَافِرٍ ) حُفِظَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ فِي لَيْلَتِهِ تِلْكَ حَتَّى يُصْبِحَ " . [ ص: 312 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : ( اللَّهُ ) رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ فِي ( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ ) الْبَاقِي الدَّائِمُ عَلَى الْأَبَدِ وَهُوَ مَنْ لَهُ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى ( الْقَيُّومُ ) قَرَأَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ " الْقَيَّامُ " وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ " الْقَيِّمُ " وَكُلُّهَا لُغَاتٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ مُجَاهِدٌ ( الْقَيُّومُ ) الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ ( شَيْءٍ ) وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَقِيلَ هُوَ الْقَائِمُ بِالْأُمُورِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : الَّذِي لَا يَزُولُ ( لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ) السِّنَةُ : النُّعَاسُ وَهُوَ النَّوْمُ الْخَفِيفُ وَالْوَسْنَانُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ يُقَالُ مِنْهُ وَسِنَ يسن وَسَنًا وَسِنَةً وَالنَّوْمُ هُوَ الثَّقِيلُ الْمُزِيلُ لِلْقُوَّةِ وَالْعَقْلِ قَالَ الْمُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ : السِّنَةُ فِي الرَّأْسِ وَالنَّوْمُ فِي الْقَلْبِ فَالسِّنَةُ أَوَّلُ النَّوْمِ وَهُوَ النُّعَاسُ وَقِيلَ : السِّنَةُ فِي الرَّأْسِ وَالنُّعَاسُ فِي الْعَيْنِ وَالنَّوْمُ فِي الْقَلْبِ فَهُوَ غَشْيَةٌ ثَقِيلَةٌ تَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ تَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِالْأَشْيَاءِ نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ النَّوْمَ لِأَنَّهُ آفَةٌ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْآفَاتِ وَلِأَنَّهُ تُغَيُّرٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ " . وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ وَقَالَ : حِجَابُهُ النَّارُ . ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) مُلْكًا وَخَلْقًا ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) بِأَمْرِهِ ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ) قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ : ( مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ) أَمْرُ الدُّنْيَا ( وَمَا خَلْفَهُمْ ) أَمْرُ الْآخِرَةِ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : ( مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ) يَعْنِي الْآخِرَةَ لِأَنَّهُمْ يَقْدَمُونَ عَلَيْهَا ( وَمَا خَلْفَهُمُ ) الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ يُخَلِّفُونَهَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا مَضَى أَمَامَهُمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مَا يَكُونُ بَعْدَهُمْ وَقَالَ مُقَاتِلٌ : مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، مَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَمَا خَلْفَهُمْ أَيْ مَا كَانَ بَعْدَ خَلْقِهِمْ وَقِيلَ : مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أَيْ مَا قَدَّمُوهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَمَا خَلْفَهُمْ مَا هُمْ فَاعِلُوهُ ( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ) أَيْ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ ( إِلَّا بِمَا شَاءَ ) أَنْ يُطْلِعَهُمْ عَلَيْهِ يَعْنِي لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ إِلَّا بِمَا شَاءَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرُّسُلَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) ( 36 - الْجِنِّ ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) أَيْ مَلَأَ وَأَحَاطَ بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكُرْسِيِّ فَقَالَ الْحَسَنُ : هُوَ الْعَرْشُ نَفْسُهُ [ ص: 313 ] وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْكُرْسِيُّ مَوْضُوعٌ أَمَامَ الْعَرْشِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ : " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " أَيْ سِعَتُهُ مِثْلُ سِعَةِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِي الْأَخْبَارِ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي جَنْبِ الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ وَالْكُرْسِيُّ فِي جَنْبِ الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ . وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي الْكُرْسِيِّ كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ . وَقَالَ عَلَيٌّ وَمُقَاتِلٌ : كُلُّ قَائِمَةٍ مِنَ الْكُرْسِيِّ طُولُهَا مِثْلُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ وَيَحْمِلُ الْكُرْسِيَّ أَرْبَعَةُ أَمْلَاكٍ لِكُلِّ مَلَكٍ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ وَأَقْدَامُهُمْ فِي الصَّخْرَةِ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ مَلَكٌ عَلَى صُورَةِ سَيِّدِ الْبَشَرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يَسْأَلُ لِلْآدَمِيِّينَ الرِّزْقَ وَالْمَطَرَ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ وَمَلَكٌ عَلَى صُورَةِ سَيِّدِ الْأَنْعَامِ وَهُوَ الثَّوْرُ وَهُوَ يَسْأَلُ لِلْأَنْعَامِ الرِّزْقَ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ وَعَلَى وَجْهِهِ غَضَاضَةٌ مُنْذُ عُبِدَ الْعِجْلُ وَمَلَكٌ عَلَى صُورَةِ سَيِّدِ السِّبَاعِ وَهُوَ الْأَسَدُ يَسْأَلُ لِلسِّبَاعِ الرِّزْقَ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ [ وَمَلَكٌ عَلَى صُورَةِ سَيِّدِ الطَّيْرِ وَهُوَ النَّسْرُ يَسْأَلُ الرِّزْقَ لِلطَّيْرِ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ ] وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ مَا بَيْنَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَحَمَلَةِ الْكُرْسِيِّ سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ ظُلْمَةٍ وَسَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ غِلَظُ كُلِّ حِجَابٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ لَوْلَا ذَلِكَ لَاحْتَرَقَ حَمَلَةُ الْكُرْسِيِّ مِنْ نُورِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ . وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَرَادَ بِالْكُرْسِيِّ عِلْمَهُ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِصَحِيفَةِ الْعِلْمِ كُرَّاسَةٌ وَقِيلَ : كُرْسِيُّهُ مُلْكُهُ وَسُلْطَانُهُ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمُلْكَ الْقَدِيمَ كُرْسِيًّا ، ( وَلَا يَئُودُهُ ) أَيْ لَا يُثْقِلُهُ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ يُقَالُ : آدَنِي الشَّيْءُ أَيْ أَثْقَلَنِي ( حِفْظُهُمَا ) أَيْ حِفْظُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ( وَهُوَ الْعَلِيُّ ) الرَّفِيعُ فَوْقَ خَلْقِهِ وَالْمُتَعَالِي عَنِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَنْدَادِ وَقِيلَ : الْعَلِيُّ بِالْمُلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ ( الْعَظِيمُ ) الْكَبِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ تَكُونُ مِقْلَاةً - ( الْمِقْلَاةُ مِنَ النِّسَاءِ ) لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ - وَكَانَتْ تَنْذُرُ لَئِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُهَوِّدَنَّه ُ [ ص: 314 ] فَإِذَا عَاشَ وَلَدُهَا جَعَلَتْهُ فِي الْيَهُودِ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَفِيهِمْ مِنْهُمْ فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ عَدَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْصَارِ فَأَرَادَتِ الْأَنْصَارُ اسْتِرْدَادَهُم ْ وَقَالُوا : هُمْ أَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَيِّرُوا أَصْحَابَكُمْ فَإِنِ اخْتَارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ وَإِنِ اخْتَارُوهُمْ فَأَجْلُوهُمْ مَعَهُمْ " . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : كَانَ نَاسٌ مُسْتَرْضَعِينَ فِي الْيَهُودِ مِنَ الْأَوْسِ فَلَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ الَّذِينَ كَانُوا مُسْتَرْضَعِينَ فِيهِمْ : لَنَذْهَبَنَّ مَعَهُمْ وَلَنَدِينَنَّ بِدِينِهِمْ فَمَنَعَهُمْ أَهْلُوهُمْ فَنَزَلَتْ ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) . وَقَالَ مَسْرُوقٌ : كَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ابْنَانِ فَتَنَصَّرَا قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدِمَا الْمَدِينَةَ فِي نَفَرٍ مِنَ النَّصَارَى يَحْمِلُونَ الطَّعَامَ فَلَزِمَهُمَا أَبُوهُمَا وَقَالَ : لَا أَدَعُكُمَا حَتَّى تُسْلِمَا فَتَخَاصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَدْخُلُ بِعْضِي النَّارَ وَأَنَا أَنْظُرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) فَخَلَّى سَبِيلَهُمَا . وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ : نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ أُمَّةً أُمِّيَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِتَابٌ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ فَلَمَّا أَسْلَمُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) فَأَمَرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ فَمَنْ أَعْطَى مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقِيلَ كَانَ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ فَصَارَتْ مَنْسُوخَةً بِآيَةِ السَّيْفِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) أَيِ الْإِيمَانُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ) يَعْنِي الشَّيْطَانَ وَقِيلَ : كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ طَاغُوتٌ ، وَقِيلَ كُلُّ مَا يُطْغِي الْإِنْسَانَ فَاعُولٌ مِنَ الطُّغْيَانِ زِيدَتِ التَّاءُ فِيهِ بَدَلًا مِنْ لَامِ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِمْ حَانُوتٌ وَتَابُوتٌ فَالتَّاءُ فِيهَا مُبْدَلَةٌ مِنْ هَاءِ التَّأْنِيثِ ( وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ ) أَيْ تَمَسَّكَ وَاعْتَصَمَ بِالْعَقْدِ الْوَثِيقِ الْمُحْكَمِ فِي الدِّينِ وَالْوُثْقَى تَأْنِيثُ الْأَوْثَقِ ، وَقِيلَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى السَّبَبُ الَّذِي يُوصِلُ إِلَى رِضَا اللَّهِ تَعَالَى : ( لَا انْفِصَامَ لَهَا ) لَا انْقِطَاعَ لَهَا ( وَاللَّهُ سَمِيعٌ ) قِيلَ : لِدُعَائِكَ إِيَّاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ( عَلِيمٌ ) بِحِرْصِكَ عَلَى إِيمَانِهِمْ . [ ص: 315 ] ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 257 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) نَاصِرُهُمْ وَمُعِينُهُمْ وَقِيلَ : مُحِبُّهُمْ ، وَقِيلَ مُتَوَلِّي أُمُورَهُمْ لَا يَكِلُهُمْ إِلَى غَيْرِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ : وَلِيُّ هِدَايَتِهِمْ ( يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) أَيْ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ قَالَ الْوَاقِدِيُّ : كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ غَيْرُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ " فَالْمُرَادُ مِنْهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ سُمِّيَ الْكُفْرُ ظُلْمَةً لِالْتِبَاسِ طَرِيقِهِ وَسُمِّيَ الْإِسْلَامُ نُورًا لِوُضُوحِ طَرِيقِهِ ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) قَالَ مُقَاتِلٌ : يَعْنِي كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَحُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ وَسَائِرَ رُءُوسِ الضَّلَالَةِ ( يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) يَدْعُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ وَالطَّاغُوتُ يَكُونُ مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وَوَاحِدًا وَجَمْعًا قَالَ تَعَالَى فِي الْمُذَكَّرِ وَالْوَاحِدِ : . . . " ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) ( 60 - النِّسَاءِ ) وَقَالَ فِي الْمُؤَنَّثِ : " وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا " ( 17 - الزُّمَرِ ) وَقَالَ فِي الْجَمْعِ : ( يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) فَإِنْ قِيلَ : قَالَ : يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ وَهُمْ كُفَّارٌ لَمْ يَكُونُوا فِي نُورٍ قَطُّ؟ قِيلَ : هُمُ الْيَهُودُ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ لِمَا يَجِدُونَ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ نَعْتِهِ فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ وَقِيلَ : هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْكُفَّارِ قَالُوا : مَنْعُهُمْ إِيَّاهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ إِخْرَاجٌ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِأَبِيهِ : أَخْرَجْتَنِي مِنْ مَالِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " ( 37 - يُوسُفَ ) وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ فِي مِلَّتِهِمْ ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
__________________
|
#60
|
||||
|
||||
رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله
الحلقة (45) - تفسير البغوى سورة البقرة الاية 258 إلى الاية 259 أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 258 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ) مَعْنَاهُ هَلِ انْتَهَى إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ خَبَرُ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ أَيْ خَاصَمَ وَجَادَلَ وَهُوَ نُمْرُودُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ وَتَجَبَّرَ فِي الْأَرْضِ وَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ ؟ ( أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ) أَيْ لِأَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فَطَغَى أَيْ كَانَتْ تِلْكَ الْمُحَاجَّةُ مِنْ بَطَرِ الْمَلِكِ وَطُغْيَانِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ : مَلَكَ الْأَرْضَ أَرْبَعَةٌ مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنَانِ فَسُلَيْمَانُ وَذُو الْقَرْنَيْنِ ، وَأَمَّا الْكَافِرَانِ فَنُمْرُودُ وَبُخْتَنَصَّرُ . وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ قَالَ مُقَاتِلٌ : لَمَّا كَسَّرَ إِبْرَاهِيمُ الْأَصْنَامَ سَجَنَهُ نُمْرُودُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ لِيَحْرِقَهُ بِالنَّارِ فَقَالَ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ هَذَا بَعْدَ إِلْقَائِهِ فِي النَّارِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ قَحَطُوا عَلَى عَهْدِ نُمْرُودَ وَكَانَ النَّاسُ يَمْتَارُونَ مِنْ عِنْدِهِ الطَّعَامَ فَكَانَ إِذَا [ ص: 316 ] أَتَاهُ الرَّجُلُ فِي طَلَبِ الطَّعَامِ سَأَلَهُ مِنْ رَبُّكَ؟ فَإِنْ قَالَ أَنْتَ بَاعَ مِنْهُ الطَّعَامَ فَأَتَاهُ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ نُمْرُودُ : مَنْ رَبُّكَ؟ قَالَ : رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَاشْتَغَلَ بِالْمُحَاجَّةِ وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا فَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ فَمَرَّ عَلَى كَثِيبٍ مِنْ رَمْلٍ أَعْفَرَ فَأَخَذَ مِنْهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أَهْلِهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَتَى أَهْلَهُ وَوَضَعَ مَتَاعَهُ نَامَ فَقَامَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى مَتَاعِهِ فَفَتَحَتْهُ فَإِذَا هُوَ أَجْوَدُ طَعَامٍ مَا رَآهُ أَحَدٌ فَأَخَذَتْهُ فَصَنَعَتْ لَهُ مِنْهُ فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْهِ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَتْ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي جِئْتَ بِهِ فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ رَزَقَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) [ وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ تَقْدِيرُهُ قَالَ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ ( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) ] قَرَأَ حَمْزَةُ ( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ " حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ " ( 33 - الْأَعْرَافِ ) وَ " عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ " ( 146 - الْأَعْرَافِ ) وَ " قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ " ( 31 - إِبْرَاهِيمَ ) وَ " آتَانِيَ الْكِتَابَ " ( 30 - مَرْيَمَ ) وَ " مَسَّنِيَ الضُّرُّ " ( 83 - الْأَنْبِيَاءِ ) وَ " عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " ( 105 - الْأَنْبِيَاءِ ) وَ " عِبَادِيَ الشَّكُورُ " ( 13 - سَبَأٍ ) وَ " مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ " ( 41 - ص ) وَ " إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ " ( 38 - الزُّمَرِ ) وَ " إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ " ( 28 - الْمُلْكِ ) أَسْكَنَ الْيَاءَ فِيهِنَّ حَمْزَةُ وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ فِي " لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا " وَابْنُ عَامِرٍ " آيَاتِيَ الَّذِينَ " وَفَتَحَهَا الْآخَرُونَ ، ( قَالَ ) نُمْرُودُ ( أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ( أَنَا ) بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَالْمَدِّ فِي الْوَصْلِ إِذَا تَلَتْهَا أَلِفٌ مَفْتُوحَةٌ أَوْ مَضْمُومَةٌ وَالْبَاقُونَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَوَقَفُوا جَمِيعًا بِالْأَلِفِ قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ : دَعَا نُمْرُودُ بِرَجُلَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا وَاسْتَحْيَا الْآخَرَ فَجَعَلَ تَرْكَ الْقَتْلِ إِحْيَاءً لَهُ فَانْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى حُجَّةٍ أُخْرَى لَا عَجْزًا فَإِنَّ حُجَّتَهُ كَانَتْ لَازِمَةً لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِحْيَاءِ إِحْيَاءَ الْمَيِّتِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ : فَأَحْيِ مَنْ أَمَتَّ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَانْتَقَلَ إِلَى حُجَّةٍ أُخْرَى أَوْضَحَ مِنَ الْأُولَى . ( قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) أَيْ تَحَيَّرَ [ ص: 317 ] وَدَهِشَ وَانْقَطَعَتْ حُجَّتُهُ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ بُهِتَ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَارِضَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَهُ : سَلْ أَنْتَ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ قِيلَ : إِنَّمَا لَمْ يَقُلْهُ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ لَوْ سَأَلَ ذَلِكَ دَعَا إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ فَكَانَ زِيَادَةً فِي فَضِيحَتِهِ وَانْقِطَاعِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّهَ صَرَفَهُ عَنْ تِلْكَ الْمُعَارَضَةِ إِظْهَارًا لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِ أَوْ مُعْجِزَةً لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) . ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 259 ) ) قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ) وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوقَةٌ عَلَى الْآيَةِ الْأُولَى تَقْدِيرُهُ ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ ) وَإِلَى الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَقِيلَ : تَقْدِيرُهُ : هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ وَهَلْ رَأَيْتَ الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ؟ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْمَارِّ فَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ : هُوَ عُزَيْرُ بْنُ شَرْخِيَا ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : هُوَ أَرْمِيَا بْنُ حَلْقِيَا ، وَكَانَ مِنْ سِبْطِ هَارُونَ وَهُوَ الْخَضِرُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ : هُوَ كَافِرٌ شَكَّ فِي الْبَعْثِ وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَقَالَ وَهْبٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ : هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ : هِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : هِيَ دَيْرُ سَابِرَ أَبَادَ ، وَقَالَ السُّدِّيُّ : مُسْلِمُ بَاذَ ، وَقِيلَ دَيْرُ هِرَقْلَ وَقِيلَ : هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي أَهْلَكَ اللَّهُ فِيهَا الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ وَقِيلَ : هِيَ قَرْيَةُ الْعِنَبِ وَهِيَ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ( وَهِيَ خَاوِيَةٌ ) سَاقِطَةٌ يُقَالُ : خَوِيَ الْبَيْتُ بِكَسْرِ الْوَاوِ يَخْوِي خَوًى مَقْصُورًا إِذَا سَقَطَ وَخَوَى الْبَيْتُ بِالْفَتْحِ خَوَاءً مَمْدُودًا إِذَا خَلَا ( عَلَى عُرُوشِهَا ) سُقُوفِهَا وَاحِدُهَا عَرْشٌ وَقِيلَ : كُلُّ بِنَاءٍ عَرْشٌ وَمَعْنَاهُ : أَنَّ السُّقُوفَ سَقَطَتْ ثُمَّ وَقَعَتِ الْحِيطَانُ عَلَيْهَا . ( قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إِرْمِيَاءَ إِلَى نَاشِيَةَ بْنِ أَمُوصَ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُسَدِّدُهُ فِي ذَلِكَ وَيَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَعَظُمَتِ الْأَحْدَاثُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَرَكِبُوا الْمَعَاصِيَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى إِرْمِيَاءَ : أَنْ ذَكِّرْ قَوْمَكَ نِعَمِي وَعَرِّفْهُمْ أَحْدَاثَهُمْ وَادْعُهُمْ إِلَيَّ فَقَالَ إِرْمِيَاءُ إِنِّي ضَعِيفٌ إِنْ لَمْ تُقَوِّنِي عَاجِزٌ إِنْ لَمْ تُبَلِّغْنِي مَخْذُولٌ إِنْ لَمْ تَنْصُرْنِي فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا أُلْهِمُكَ فَقَامَ إِرْمِيَاءُ فِيهِمْ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ فِي الْوَقْتِ خُطْبَةً بَلِيغَةً طَوِيلَةً بَيَّنَ لَهُمْ فِيهَا ثَوَابَ الطَّاعَةِ وَعِقَابَ الْمَعْصِيَةِ وَقَالَ فِي آخِرِهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى : وَإِنِّي [ ص: 318 ] أَحْلِفُ بِعِزَّتِي لَأُقَيِّضَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً يَتَحَيَّرُ فِيهَا الْحَكِيمُ وَلَأُسَلِّطَنّ َ عَلَيْهِمْ جَبَّارًا فَارِسِيًّا أُلْبِسُهُ الْهَيْبَةَ وَأَنْزِعُ مِنْ صَدْرِهِ الرَّحْمَةَ يَتْبَعُهُ عَدَدٌ مِثْلُ سَوَادِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى إِرْمِيَاءَ إِنِّي مَهْلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِيَافِثَ وَيَافِثُ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ وَهُمْ مِنْ وَلَدِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا سَمِعَ إِرْمِيَاءُ ذَلِكَ صَاحَ وَبَكَى وَشَقَّ ثِيَابَهُ وَنَبَذَ الرَّمَادَ عَلَى رَأْسِهِ فَلَمَّا سَمِعَ اللَّهُ تَضَرُّعَهُ وَبُكَاءَهُ نَادَاهُ : يَا أَرْمِيَاءُ أَشَقَّ عَلَيْكَ مَا أَوْحَيْتُ إِلَيْكَ قَالَ : نَعَمْ يَا رَبِّ أَهْلِكْنِي قَبْلَ أَنْ أَرَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا لَا أُسَرُّ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَعِزَّتِي لَا أُهْلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَكُونَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ مِنْ قِبَلِكَ فَفَرِحَ إِرْمِيَاءُ بِذَلِكَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ فَقَالَ : لَا وَالَّذِي بَعَثَ مُوسَى بِالْحَقِّ لَا أَرْضَى بِهَلَاكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، ثُمَّ أَتَى الْمَلِكَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَكَانَ مَلِكًا صَالِحًا فَاسْتَبْشَرَ وَفَرِحَ فَقَالَ : إِنْ يُعَذِّبْنَا رَبُّنَا فَبِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وَإِنْ عَفَا عَنَّا فَبِرَحْمَتِهِ . ثُمَّ إِنَّهُمْ لَبِثُوا بَعْدَ الْوَحْيِ ثَلَاثَ سِنِينَ لَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا مَعْصِيَةً وَتَمَادِيًا فِي الشَّرِّ وَذَلِكَ حِينَ اقْتَرَبَ هَلَاكُهُمْ فَقَلَّ الْوَحْيُ وَدَعَاهُمُ الْمَلِكُ إِلَى التَّوْبَةِ فَلَمْ يَفْعَلُوا فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ فَخَرَجَ فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفِ رَايَةٍ يُرِيدُ أَهْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَلَمَّا فَصَلَ سَائِرًا أَتَى الْمَلِكَ الْخَبَرُ فَقَالَ لِإِرْمِيَاءَ : أَيْنَ مَا زَعَمْتَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْكَ؟ فَقَالَ إِرْمِيَاءُ : إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَأَنَا بِهِ وَاثِقٌ ، فَلَمَّا قَرُبَ الْأَجَلُ بَعَثَ اللَّهُ إِلَى إِرْمِيَاءَ مَلَكًا قَدْ تَمَثَّلَ لَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ لَهُ إِرْمِيَاءُ : مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ : أَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَتَيْتُكَ أَسْتَفْتِيكَ فِي أَهْلِ رَحِمِي وَصَلْتُ أَرْحَامَهُمْ وَلَمْ آتِ إِلَيْهِمْ إِلَّا حُسْنًا وَلَا يَزِيدُهُمْ إِكْرَامِي إِيَّاهُمْ إِلَّا إِسْخَاطًا لِي فَأَفْتِنِي فِيهِمْ قَالَ : أَحْسِنْ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ وَصِلْهُمْ وَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ . فَانْصَرَفَ الْمَلَكُ فَمَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ فِي صُورَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ : أَنَا الَّذِي أَتَيْتُكَ فِي شَأْنِ أَهْلِي فَقَالَ لَهُ إِرْمِيَاءُ : أَمَا طَهُرَتْ أَخْلَاقُهُمْ لَكَ بَعْدُ؟ قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَعْلَمُ كَرَامَةً يَأْتِيهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا رَحْمَةً إِلَّا قَدَّمْتُهَا إِلَيْهِمْ وَأَفْضَلَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ إِرْمِيَاءُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ارْجِعْ فَأَحْسِنْ إِلَيْهِمْ اسْأَلِ اللَّهَ الَّذِي يُصْلِحُ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ أَنْ يُصْلِحَهُمْ فَقَامَ الْمَلِكُ فَمَكَثَ أَيَّامًا وَقَدْ نَزَلَ بُخْتَنَصَّرُ وَجُنُودُهُ حَوْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِأَكْثَرِ مِنَ الْجَرَادِ فَفَزِعَ مِنْهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالَ مَلِكُهُمْ لِإِرْمِيَاءَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيْنَ مَا وَعَدَكَ اللَّهُ؟ قَالَ : إِنِّي بِرَبِّي وَاثِقٌ ثُمَّ أَقْبَلَ الْمَلِكُ إِلَى إِرْمِيَاءَ وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى جِدَارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَضْحَكُ وَيَسْتَبْشِرُ بِنَصْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي وَعَدَهُ فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ : أَنَا الَّذِي أَتَيْتُكَ فِي شَأْنِ أَهْلِي مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ : أَلَمْ يَأْنِ لَهُمْ أَنْ يُفِيقُوا مِنَ الَّذِي هُمْ فِيهِ؟ فَقَالَ الْمَلِكُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ يُصِيبُنِي مِنْهُمْ قَبْلَ الْيَوْمِ كُنْتُ أَصْبِرُ عَلَيْهِ فَالْيَوْمَ رَأَيْتُهُمْ فِي عَمَلٍ لَا يُرْضِي اللَّهَ : فَقَالَ النَّبِيُّ : عَلَى أَيِّ عَمَلٍ رَأَيْتَهُمْ؟ قَالَ : عَلَى عَمَلٍ عَظِيمٍ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ فَغَضِبَ اللَّهُ وَأَتَيْتُكَ لِأُخْبِرَكَ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا إِلَّا مَا دَعَوْتَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ لِيُهْلِكَهُمْ فَقَالَ إِرْمِيَاءُ : يَا مَالِكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ وَصَوَابٍ فَأَبْقِهِمْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى عَمَلٍ لَا تَرْضَاهُ فَأَهْلِكْهُمْ فَلَمَّا خَرَجَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ فَمِ إِرْمِيَاءَ أَرْسَلَ اللَّهُ صَاعِقَةً مِنَ السَّمَاءِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَالْتَهَبَ مَكَانُ الْقُرْبَانِ وَخُسِفَ بِسَبْعَةِ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ إِرْمِيَاءُ صَاحَ وَشَقَّ ثِيَابَهُ وَنَبَذَ الرَّمَادَ عَلَى [ ص: 319 ] رَأْسِهِ وَقَالَ : يَا مَالِكَ السَّمَاوَاتِ أَيْنَ مِيعَادُكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي؟ فَنُودِيَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلَّا بِفُتْيَاكَ وَدُعَائِكَ فَاسْتَيْقَنَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهَا فُتْيَاهُ وَأَنَّ ذَلِكَ السَّائِلَ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَارَ إِرْمِيَاءُ حَتَّى خَالَطَ الْوُحُوشَ . وَدَخَلَ بُخْتَنَصَّرُ وَجُنُودُهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَوَطِئَ الشَّامَ وَقَتَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى أَفْنَاهُمْ وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ أَمَرَ جُنُودَهُ أَنْ يَمْلَأَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ تُرْسَهُ تُرَابًا فَيَقْذِفَهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَفَعَلُوا حَتَّى مَلَئُوهُ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا مَنْ كَانَ فِي بُلْدَانِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُمْ صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَاخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفَ صَبِيٍّ فَقَسَمَهُمْ بَيْنَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ غِلْمَةٍ وَكَانَ مِنْ أُولَئِكَ الْغِلْمَانِ دَانْيَالُ وَحَنَانْيَا وَفَرَّقَ مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَلَاثَ فِرَقٍ فَثُلُثًا قَتَلَهُمْ وَثُلُثًا سَبَاهُمْ وَثُلُثًا أَقَرَّهُمْ بِالشَّامِ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ الْأُولَى الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِظُلْمِهِمْ فَلَمَّا وَلَّى عَنْهُمْ بُخْتَنَصَّرُ رَاجِعًا إِلَى بَابِلَ وَمَعَهُ سَبَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ أَقْبَلَ إِرْمِيَاءُ عَلَى حِمَارٍ لَهُ مَعَهُ عَصِيرُ عِنَبٍ فِي رَكْوَةٍ وَسَلَّةُ تِينٍ حَتَّى غَشَى إِيلِيَاءَ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهَا وَرَأَى خَرَابَهَا قَالَ : ( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) . وَقَالَ الَّذِي قَالَ إِنَّ الْمَارَّ كَانَ عُزَيْرًا : وَإِنَّ بُخْتَنَصَّرَ لَمَّا خَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَقَدِمَ بِسَبْيِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِبَابِلَ كَانَ فِيهِمْ عُزَيْرٌ وَدَانْيَالُ وَسَبْعَةُ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ دَاوُدَ فَلَمَّا نَجَا عُزَيْرٌ مِنْ بَابِلَ ارْتَحَلَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ حَتَّى نَزَلَ دَيْرَ هِرَقْلَ عَلَى شَطِّ دِجْلَةَ فَطَافَ فِي الْقَرْيَةِ فَلَمْ يَرَ فِيهَا أَحَدًا وَعَامَّةُ شَجَرِهَا حَامِلٌ فَأَكَلَ مِنَ الْفَاكِهَةِ وَاعْتَصَرَ مِنَ الْعِنَبِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَجَعَلَ فَضْلَ الْفَاكِهَةِ فِي سَلَّةٍ وَفَضْلَ الْعَصِيرِ فِي زِقٍّ فَلَمَّا رَأَى خَرَابَ الْقَرْيَةِ وَهَلَاكَ أَهْلِهَا قَالَ : ( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) قَالَهَا تَعَجُّبًا لَا شَكًّا فِي الْبَعْثِ . رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ وَهْبٍ قَالَ : ثُمَّ رَبَطَ إِرْمِيَاءُ حِمَارَهُ بِحَبْلٍ جَدِيدٍ فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ النَّوْمَ فَلَمَّا نَامَ نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ الرُّوحَ مِائَةَ عَامٍ وَأَمَاتَ حِمَارَهُ وَعَصِيرُهُ وَتِينُهُ عِنْدَهُ فَأَعْمَى اللَّهُ عَنْهُ الْعُيُونَ فَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وَذَلِكَ ضُحًى وَمَنَعَ اللَّهُ السِّبَاعَ وَالطَّيْرَ لَحْمَهُ فَلَمَّا مَضَى مِنْ مَوْتِهِ سَبْعُونَ سَنَةً أَرْسَلَ اللَّهُ مَلِكًا إِلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ نُوشِكُ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَنْفِرَ بِقَوْمِكَ فَتُعَمِّرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَإِيلِيَاءَ حَتَّى يَعُودَ أَعْمَرَ مَا كَانَ فَانْتَدَبَ الْمَلِكُ بِأَلْفِ قَهْرَمَانٍ مَعَ كُلِّ قَهْرَمَانٍ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ عَامِلٍ وَجَعَلُوا يُعَمِّرُونَهُ فَأَهْلَكَ اللَّهُ بُخْتَنَصَّرَ بِبَعُوضَةٍ دَخَلَتْ دِمَاغَهُ وَنَجَّى اللَّهُ مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَلَمْ يَمُتْ بِبَابِلَ وَرَدَّهُمْ جَمِيعًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَنَوَاحِيهِ وَعَمَّرُوهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً وَكَثُرُوا حَتَّى عَادُوا عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا مَضَتِ الْمِائَةُ أَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ عَيْنَيْهِ وَسَائِرُ جَسَدِهِ مَيِّتٌ ثُمَّ أَحْيَا جَسَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى حِمَارِهِ فَإِذَا عِظَامُهُ مُتَفَرِّقَةٌ بِيضٌ تَلُوحُ فَسَمِعَ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ : أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَجْتَمِعِي فَاجْتَمَعَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَاتَّصَلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ثُمَّ نُودِيَ أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكِ أَنْ تَكْتَسِي لَحْمًا وَجِلْدًا [ ص: 320 ] فَكَانَتْ كَذَلِكَ ثُمَّ نُودِيَ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَحْيَا فَقَامَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَنَهَقَ وَعَمَّرَ اللَّهُ إِرْمِيَاءَ فَهُوَ الَّذِي يَرَى فِي الْفَلَوَاتِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) أَيْ أَحْيَاهُ ( قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ) أَيْ : كَمْ مَكَثْتَ؟ يُقَالُ : لَمَّا أَحْيَاهُ اللَّهُ بَعَثَ إِلَيْهِ مَلِكًا فَسَأَلَهُ كَمْ لَبِثْتَ؟ ( قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا ) وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَاتَهُ ضُحًى فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَحْيَاهُ بَعْدَ مِائَةِ عَامٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ فَقَالَ : لَبِثْتُ يَوْمًا وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَى بَقِيَّةً مِنَ الشَّمْسِ فَقَالَ ( أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) بَلْ بَعْضَ يَوْمٍ ( قَالَ ) الْمَلِكُ ( بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ ) يَعْنِي التِّينَ ( وَشَرَابِكَ ) يَعْنِي الْعَصِيرَ ( لَمْ يَتَسَنَّهْ ) أَيْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَكَانَ التِّينُ كَأَنَّهُ قُطِفَ فِي سَاعَتِهِ وَالْعَصِيرُ كَأَنَّهُ عُصِرَ فِي سَاعَتِهِ . قَالَ الْكِسَائِيُّ : كَأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ السُّنُونَ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ لَمْ يَتَسَنَّ بِحَذْفِ الْهَاءِ فِي الْوَصْلِ وَكَذَلِكَ " فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ " ( 90 - الْأَنْعَامِ ) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْهَاءِ فِيهِمَا وَصْلًا وَوَقْفًا فَمَنْ أَسْقَطَ الْهَاءَ فِي الْوَصْلِ جَعَلَ الْهَاءَ صِلَةً زَائِدَةً وَقَالَ : أَصْلُهُ يَتَسَنَّى فَحَذَفَ الْيَاءَ بِالْجَزْمِ وَأَبْدَلَ مِنْهُ هَاءً فِي الْوَقْفِ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو : هُوَ مِنَ التَّسَنُّنِ بِنُونَيْنِ : وَهُوَ التَّغَيُّرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ " ( 26 - الْحَجِّ ) أَيْ مُتَغَيِّرٍ فَعُوِّضَتْ مِنْ إِحْدَى النُّونَيْنِ يَاءً كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى " ( 33 - الْقِيَامَةِ ) أَيْ يَتَمَطَّطُ وَكَقَوْلِهِ " وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " ( 10 - الشَّمْسِ ) وَأَصْلُهُ دَسَّيْتُهَا وَمَنْ أَثْبَتَ الْهَاءَ فِي الْحَالَيْنِ جَعَلَ الْهَاءَ أَصْلِيَّةً لَامَ الْفِعْلِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ أَصْلَ السَّنَةِ السَّنْهَةَ وَتَصْغِيرُهَا سُنَيْهَةٌ وَالْفِعْلُ مِنَ السَّانِهَةِ وَإِنَّمَا قَالَ : لَمْ يَتَسَنَّهْ وَلَمْ يُثَنِّهِ مَعَ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ شَيْئَيْنِ رَدَّ التَّغْيِيرَ إِلَى أَقْرَبِ اللَّفْظَيْنِ وَهُوَ الشَّرَابُ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْن ِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْآخَرِ ( وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ عِظَامٌ بِيضٌ فَرَكَّبَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِظَامَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَكَسَاهُ اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ وَأَحْيَاهُ وَهُوَ يَنْظُرُ ( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ) قِيلَ الْوَاوُ زَائِدَةٌ مُقْحَمَةٌ . وَقَالَ الْفَرَّاءُ أُدْخِلَتِ الْوَاوُ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ لِفِعْلٍ بَعْدَهَا مَعْنَاهُ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً أَيْ : عِبْرَةً وَدَلَالَةً عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ : إِنَّهُ عَادَ إِلَى قَرْيَتِهِ شَابًّا وَأَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِ شُيُوخٌ وَعَجَائِزُ وَهُوَ أَسْوَدُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ) قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ نَنْشُرُهَا بِالرَّاءِ مَعْنَاهُ نُحْيِيهَا يُقَالُ : أَنْشَرَ اللَّهُ الْمَيِّتَ إِنْشَارًا وَنَشْرَةً وَنُشُورًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ " ( 22 - عَبَسَ ) وَقَالَ فِي اللَّازِمِ " وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " ( 15 - الْمُلْكُ ) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالزَّايِ أَيْ نَرْفَعُهَا مِنَ الْأَرْضِ وَنَرُدُّهَا إِلَى مَكَانِهَا مِنَ الْجَسَدِ وَنُرَكِّبُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَإِنْشَازُ الشَّيْءِ رَفْعُهُ وَإِزْعَاجُهُ يُقَالُ : أَنْشَزْتُهُ فَنَشَزَ أَيْ رَفَعْتُهُ فَارْتَفَعَ . وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ : أَرَادَ بِهِ عِظَامَ حِمَارِهِ وَقَالَ السُّدِّيُّ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَا عُزَيْرًا ثُمَّ قَالَ لَهُ : انْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ قَدْ هَلَكَ وَبَلِيَتْ عِظَامُهُ فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى رِيحًا فَجَاءَتْ بِعِظَامِ الْحِمَارِ مِنْ كُلِّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ وَقَدْ ذَهَبَتْ بِهَا الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ فَاجْتَمَعَتْ فَرُكِّبَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَهُوَ يَنْظُرُ فَصَارَ حِمَارًا مِنْ [ ص: 321 ] عِظَامٍ لَيْسَ فِيهَا لَحْمٌ وَلَا دَمٌ ( ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ) ثُمَّ كَسَا الْعِظَامَ لَحْمًا وَدَمًا فَصَارَ حِمَارًا لَا رُوحَ فِيهِ ثُمَّ أَقْبَلَ مَلَكٌ يَمْشِي حَتَّى أَخَذَ بِمَنْخَرِ الْحِمَارَ فَنَفَخَ فِيهِ فَقَامَ الْحِمَارُ وَنَهَقَ بِإِذْنِ اللَّهِ . وَقَالَ قَوْمٌ أَرَادَ بِهِ عِظَامَ هَذَا الرَّجُلِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُمِتْ حِمَارَهُ بَلْ أَمَاتَهُ هُوَ فَأَحْيَا اللَّهُ عَيْنَيْهِ وَرَأْسَهُ وَسَائِرَ جَسَدُهُ مَيِّتٌ ثُمَّ قَالَ : انْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ فَنَظَرَ فَرَأَى حِمَارَهُ قَائِمًا وَاقِفًا كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ رَبَطَهُ حَيًّا لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ مِائَةَ عَامٍ وَنَظَرَ إِلَى الرُّمَّةِ فِي عُنُقِهِ جَدِيدَةً لَمْ تَتَغَيَّرْ وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ : ( وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) وَانْظُرْ إِلَى عِظَامِكَ كَيْفَ نُنْشِزُهَا وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَتَقْدِيرُهُمَ ا : وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ . وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ كَعْبٍ وَالضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالسَّدِّيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لَمَّا أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى عُزَيْرًا بَعْدَ مَا أَمَاتَهُ مِائَةَ سَنَةٍ رَكِبَ حِمَارَهُ حَتَّى أَتَى مَحَلَّتَهُ فَأَنْكَرَهُ النَّاسُ وَأَنْكَرَ النَّاسَ وَمَنَازِلَهُ فَانْطَلَقَ عَلَى وَهْمٍ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ قَدْ أَتَى عَلَيْهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً كَانَتْ عَرَفَتْهُ وَعَقَلَتْهُ فَقَالَ لَهَا عُزَيْرٌ : يَا هَذِهِ هَذَا مَنْزِلُ عُزَيْرٍ؟ قَالَتْ : نَعَمْ هَذَا مَنْزِلُ عُزَيْرٍ وَبَكَتْ وَقَالَتْ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ كَذَا وَكَذَا سَنَةٍ يَذْكُرُ عُزَيْرًا قَالَ : فَإِنِّي أَنَا عُزَيْرٌ قَالَتْ : سُبْحَانَ اللَّهِ فَإِنَّ عُزَيْرًا قَدْ فَقَدْنَاهُ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ لَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ قَالَ : فَإِنِّي أَنَا عُزَيْرٌ كَانَ اللَّهُ أَمَاتَنِي مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ بَعَثَنِي قَالَتْ : فَإِنَّ عُزَيْرًا كَانَ رَجُلًا مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ وَيَدْعُو لِلْمَرِيضِ وَلِصَاحِبِ الْبَلَاءِ بِالْعَافِيَةِ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ لِي بَصَرِي حَتَّى أَرَاكَ فَإِنْ كُنْتَ عُزَيْرًا عَرَفْتُكَ فَدَعَا رَبَّهُ وَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى عَيْنَيْهَا فَصَحَّتَا وَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ : قُومِي بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَطْلَقَ اللَّهُ رِجْلَيْهَا فَقَامَتْ صَحِيحَةً فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ : أَشْهَدُ أَنَّكَ عُزَيْرٌ فَانْطَلَقَتْ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ وَابْنٌ لِعُزَيْرٍ شَيْخٌ كَبِيرٌ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَبَنُو بَنِيهِ شُيُوخٌ فِي الْمَجْلِسِ فَنَادَتْ هَذَا عُزَيْرٌ قَدْ جَاءَكُمْ ، فَكَذَّبُوهَا فَقَالَتْ : أَنَا فُلَانَةٌ مَوْلَاتُكُمْ دَعَا لِي رَبَّهُ فَرَدَّ عَلَيَّ بَصَرِي وَأَطْلَقَ رَجْلِي وَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ كَانَ أَمَاتَهُ مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ بَعَثَهُ فَنَهَضَ النَّاسُ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ فَقَالَ وَلَدُهُ : كَانَ لِأَبِي شَامَةٌ سَوْدَاءُ مِثْلُ الْهِلَالِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَكَشَفَ عَنْ كَتِفَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُزَيْرٌ . وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ : لَمَّا رَجَعَ عُزَيْرٌ إِلَى قَوْمِهِ وَقَدْ أَحْرَقَ بُخْتَنَصَّرُ التَّوْرَاةَ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ اللَّهِ عَهْدٌ بَيْنَ الْخَلْقِ فَبَكَى عُزَيْرٌ عَلَى التَّوْرَاةِ فَأَتَاهُ مَلَكٌ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَسَقَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَمَثُلَتِ التَّوْرَاةُ فِي صَدْرِهِ فَرَجَعَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَبَعَثَهُ نَبِيًّا فَقَالَ : أَنَا عُزَيْرٌ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ فَقَالَ : إِنِّي عُزَيْرٌ قَدْ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَيْكُمْ لِأُجَدِّدَ لَكُمْ تَوْرَاتَكُمْ قَالُوا : أَمْلِهَا عَلَيْنَا فَأَمْلَاهَا عَلَيْهِمْ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ فَقَالُوا : مَا جَعَلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ فِي صَدْرِ رَجُلٍ بَعْدَمَا ذَهَبَتْ إِلَّا أَنَّهُ ابْنُهُ فَقَالُوا : عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَسَتَأْتِي الْقِصَّةُ فِي سُورَةِ ( بَرَاءَةٌ ) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . [ ص: 322 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ) ذَلِكَ عِيَانًا ( قَالَ أَعْلَمُ ) قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ مَجْزُومًا مَوْصُولًا عَلَى الْأَمْرِ عَلَى مَعْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ اعْلَمْ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ " أَعْلَمُ " بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَرَفْعِ الْمِيمِ عَلَى الْخَبَرِ عَنْ عُزَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَعْلَمُ ( أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |