انصهار العلم والثقافة مفتاح القرن الحادي والعشرين - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11910 - عددالزوار : 190826 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 554 - عددالزوار : 92676 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56885 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26178 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 724 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 56 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-02-2019, 05:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي انصهار العلم والثقافة مفتاح القرن الحادي والعشرين

انصهار العلم والثقافة







مفتاح القرن الحادي والعشرين


للدكتور المهدي المنجرة


ترجمة: د. محمد بريش:
ينبغي العدول عن ربط الحَداثة بالتغْريب، والإمساك عن عزل العلم عن الثقافة، والإحجام عن الاعتقاد بأن هنالك نموذجًا فريدًا للتنمية يَكمُنُ مِفتاحه في تكنولوجية تدَّعي الحِياد.
بل على العكس، من العاجل الاعتراف بأن العلم والثقافة جدُّ مرتبطين، وأن استمرارية الحياة على الأرض تمر عبر القَبول بالتنوع الثقافي، ذلك الشرط الضروري للحوار، واللازم ترسيخه كي تجمع الإنسانية على برنامج للبقاء.
في هذا الفضاء، يُدوِّي الإنذار الموجه من الدكتور المهدي المنجرة، والمستند إلى أبحاث حديثة حول فلسفة العلوم، وإلى تجربة اليابان الفريدة من نوعها بدون شك، إنذار مصحوب بتحليل غير مجاملٍ لتخلف مؤسساتنا وأساليب ضبطنا، ولا مغازلٍ لأزمةِ قِيَمنا، ونُظمِ تعليمنا، آخذًا في الأخير شكل دفاع قوي في صالح تجديد للثقافة كمِفتاح للبقاء.
♦ ♦ ♦ ♦


يشترط البقاء تضامنًا مكانيًّا - المشاركة -، وتضامنًا زمانيًّا - الابتسار[1] - وأهم العقبات أمام تحقيق هذين الشرطين هي:
1 - التفاوتات الاقتصادية الكبرى داخل الدول وفيما بينها، والظلم الاجتماعي الناتج عنها.
2 - هَيْمنة نظام القيم الثقافية - الاجتماعية الغربية أو اليهودية - المسيحية منذ قرنين من الزمان.
3 - البِنيات العقلانية ومناهج التعليم غير الملائمة لمسايرة تسارع حركة التاريخ الحثيثة التي لم يشهد مثلها، والتواتر السريع للتطور، الملزمين بصحوة كبيرة واتصال ثقافي أكثر توازنًا.
والفرضية الأساسية في هذا المقال هي عدم ضمان البقاء دون "تحالف جديد" يذهب إلى حدود انصهار العلم والثقافة، فلقد تغذَّتْ الثورة الصناعية من خلال إبراز صورة لمجتمع يملك ثقافتين: الأولى علمية، والثانية غير علمية.
والمجتمع ما بعد الصناعي، المنتقل من حضارة مواد خام وإنتاج رؤوس أموال، إلى حضارة معرفة وإعلام ولا مادية، سيلغي حتمًا هذا التقسيم.
إن انصهارًا كهذا سيثير عديدًا من القضايا، أذكر منها على الخصوص: مراجعة تلك القاعدة القديمة القائلة بـ "عالمية" و"محايدة" العلم.
أتذكر هنا ردود الفعل الحيَّة التي أثرتُها منذ ربع قرن، في كل مرة كنت أضعُ فيها هذه "العقيدة" محلَّ نقاش، كان لا بد لي من الاعتراض عليها للوصول إلى تصفية تلك "المعادلة" التي ما قَبِلت بها قطُّ، والمدعية أن "الحَداثة" مرادفها "التغريب".
إن رفض هذا الادِّعاء هو ما قادني إلى تركيز بحوثي على المستقبلية، والتكنولوجيات المتقدمة، والتغيير الثقافي، ومثال اليابان.
معادلة الحداثة/ التغريب:
ثم إني لم أفهم قطُّ التفسيرات المفرطة في التبسيط، والمتغطرسة ثقافيًّا، والمختزلة للتقدم الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والثقافي لليابان في مجرد "تقليد" للغرب، وكنت دومًا أُدِينُ وما زلت هذا الشكل البدائي من الانتقاص.
ويسرُّني أن تغيَّرت الأحوال اليوم، حيث يحلل باطراد تقدم اليابان بصيرورة داخلية ذات ارتباط مباشر مع قيم ثقافية مضبوطة، مع الإشارة إلى أنه ليست هناك ظاهرة أخرى معاصرة تستطيع مَدَّنا بمزيد من الإبانة عن العَلاقة المتينة بين العلم والثقافة أكثر من النموذج التنموي الياباني، والذي يستحيل - كأي نموذج حقيقي للتنمية - تقليده بداهة.
وحتى تزداد إدراكًا للعلاقة بين العلم والثقافة، يجدر بنا أن نقرأ الدراسة التي نشرها "المعهد الياباني لتقدم البحث" سنة 1988 تحت عنوان: "تقرير حول البحث، البرنامج الياباني للتسعينيات"[2]، والتي تنص مقدمتها على تعدد الحضارات كأساس للمجتمع ما بعد الصناعي.
"من الآن فصاعدًا، ينبغي النظر إلى العالم بشكل مغاير، وذلك بأن تضع جانبًا ذلك الحكم العديم الاستدلال، والقاضي بوجود نظام عالمي منضد (مفرَّع إلى طبقات) تحت ظل الإمبراطورية الأمريكية. إن النظام العالمي الجديد، والذي يمكن نعتُه بعصر تنوع الحضارات، يرتكز على تعايش عديد من الحضارات، فإذا كان التغريب قد ساهم في تنمية العالم على الصعيد المادي، فإن حَداثة اليابان تشهد على الفرق بين الحداثة والتغريب...
وحتى نقدر العالم حق قدره، يلزمنا فحص البِنية الداخلية للعالم المتعدد الأقطاب...، فلعل العالم يبحث عن أشكال لتنمية حضارات تعدُّديَّة في عالم متعدد الأقطاب، وحتى يكون اليابان في مستوى ذلك، فإن عليه توسيع الأبعاد المكانية والزمانية لمفهوم الفائدة أو المنفعة الشخصية".
تلخص الفِقرة المذكورة العناصر الأساسية لإشكالية القرن الواحد والعشرين، إنها تجلي القطيعة الجيو- سياسية مع الماضي، مبرزةً دور التنوع الثقافي في عالم تعددي يتطلب فيه البقاء تصفيةَ كل أشكال الهيمنة، والنقطة الوحيدة التي أغفلتْها الدراسة: هي طرح ومعالجة ذلك السؤال الدقيق حول "إعادة التوزيع".
وهو إغفال خطير في حق بلد تجاوز حاصل رواجه سنة 1988 حاصل الولايات المتحدة.
ويُعدُّ الرجوع إلى المصادر اليابانية خير سند ثقافي بالنسبة للقادم من العالم الثالث، والذي سبق له الدفاع عن نفس الأطروحات في وقت كان قليل من اليابانيين مَن يَجْرُأُ على الكلام بمثل ذلك الوضوح والثقة؛ ذلك أنه (أي الرجوع إلى المصادر اليابانية) يسهم في خلق إطار داخلي يتم فيه فحص العلاقة بين العلم والثقافة في فجر القرن الواحد والعشرين[3].
التحالف الجديد، علم - ثقافة:
لقد أضحى العلم والثقافة من الآن فصاعدًا المحددينِ الأساسيين للنظام الدولي، ودون الرجوع إلى السياق الثقافي، الذي هو قبل كل شيء إنتاج ثانوي للقيم الثقافية - لا يمكننا بتاتًا فهم العلم والتكنولوجية، لقد ولى زمن "العلم من أجل العلم" و"الفن من أجل الفن"، والقرن الواحد والعشرون يفرض صيغةً ثقافيَّةً واجتماعيَّةً أحسن تحديدًا، لا تستطيع البقاء تحت وهم "العالمية" و"الحياد" للعلم والتكنولوجية؛ لذلك يتوجب إعادة تحديد هذين المصطلحين حسب المفهوم الواسع والعالمي حقًّا لمعنى "العالمية".
شرح "إيليا بريغوجين" (Ilyaprigogine) في كتابه "التحالف الجديد" (La Nouvelle Alliance) إحدى أطروحات المركزية، والمتجلية في "أن قضايا ثقافة يمكن أن تؤثر على تطور النظريات العلمية، بل ذهب أبعد من ذلك فقال: "أضحى من العاجل أن يتعرف على العلم كجزء لا يتجزأ من الثقافة التي تطور بين أحضانها"[4].
وإن لبريغوجين لتواضعًا وأمانة بنصه على القضية المتجلاة في "أن العلم سينفتح على العالمية عندما ينتهي من نكران اهتمامات المجتمع، ويعدل عن اعتبار نفسه غريبًا عنها، فيصبح بالتالي قادرًا على محاورة الناس من جميع الثقافات واحترام تساؤلاتهم".
ولن نجد توضيحًا أحسن من هذا لإبراز تفاهة "عالمية" عصبية، وللنص على ضرورة الكشف عن عالمية للعلم جديدة وعالمية، يستحيل الوصول إليها دون المرور بادئ ذي بدء عبر بوابة الثقافة والقيم الثقافية، فذاك هو الثمن الحقيقي للبقاء.
وليس "بريغوجين" وحده المدافع عن هذه الأطروحة بالغرب، فلقد كتب فيها "ميشيل سيريس" (Michel serres) حول ما سماه "المتعدد"؛ ففي كتابه "التكوين"[5] يوجه "سيريس" النداء التالي: "لتنسلخ تلك المعرفة العلمية من غطرستها، ولْتتعرَّ من فستان عظمتها الكنسي المزين، ولْتَدَع عدوانيتها الحربية، وادِّعاءَها الحاقد في أنها دومًا على صواب، ولا تقول إلا صدقًا! فلتنزل (من برج كبريائها) مسالمة، نحو الاعتراف المشترك".
وتفسيرنا الخاص لما ذهب إليه "سيريس": هو أن على العلم عقد الصلح مع الثقافة والقيم الإنسانية، فالمشكلة أن الغَطْرسة لا تكمُنُ في العلم، بل في النسيج الثقافي الذي يرعى ذلك العلم.
وبالفعل، ترتبط مشكلة الغطرسة بإدراكات الزمان والمكان؛ فالنظرة إلى العالم ومستقبله تختلف حسب الزمن الثقافي الذي وضعْنا أنفسنا فيه، وحينما نعتقد أن الحضارة الإنسانية يمكنها أن تقلص تاريخيًّا إلى قرنين من الزمان - بالنسبة للفترة المعاصرة -، ومن اثنين إلى خمسة آلاف سنة على الأكثر بالنسبة لمجموع تاريخها، فإن علينا أن نعيش مع الأسطورة المولدة للغطرسة عبر الانتقاص الثقافي.
ومشكلة الثقافة "الغربية" أن مدتها محدودة نسبيًّا، وأنها تحاول - بوعي أو بدون وعي - أن تعوِّض هذا الحد بانتقاص قدر زمان ومكان الثقافات الأخرى، إنها مغترَّة بنفسها وبنجاحاتها المادية إلى درجة أنها لم تجد السبيل للتفكير أو للشعور بكيفية تفكير وشعور الآخرين.
وتبادل جرى بين "طاغور" [6] (Tagor) و "أنشتاين" [7] (Einstein) خلال حوار جرى ببرلين بتاريخ 14 يوليو (تموز) 1930 يبرز تلك القطيعة في الاتصال الثقافي:
طاغور: "إنه من الصعب تحليل الأثر الروحي للموسيقا الشرقية والغربية عندنا، إنني متأثر بعمق بالموسيقا الغربية، إني أراها خارقة، فبِنيتُها واسعة، ومحتواها عظيم، إن النداء الغنائي الأساسي لموسيقانا يؤثر عليَّ بعمق أكثر، وللموسيقا الأوروبية خاصية ملحمية، إنها ترتكز على ثقافة واسعة ولها بنية قوطية (gothique)".
أنشتاين: "إنها مسألة لا نستطيع نحن الأوروبيين الإجابة عنها بدقة؛ فنحن شديدو الأُلْفة بموسيقانا، إننا متطلعون لمعرفة هل موسيقانا اتفاق أم شعور إنساني أساسي؟ هل من الطبيعي الشعور بتوافق الأنغام وتنافرها أم أنه اتفاق نقبل به؟"[8].
فلا يمكن أن نتوقع تبادلاً كهذا في القرن الحادي والعشرين، إن صراحة أنشتاين تدل بوضوح على أن الباحث "الشرقي" يمكنه بذل المجهود لفهم التعابير الثقافية لـ "الغرب" بكيفية مقارنة وبمرجعية مفتوحة، لكن "الأوروبي" عاجز عن القيام بنفس المسعى؛ لأنه مُنكمِشٌ على ذاته ثقافيًّا، وقاصر عن كل فهم ثقافي مقابل.
من هنا بزغ مشكل الاتصال الذي يهيمن على العالم المعاصر، عالم النهضة والعلم والحساسية الجمالية.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-02-2019, 05:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: انصهار العلم والثقافة مفتاح القرن الحادي والعشرين

انصهار العلم والثقافة

مفتاح القرن الحادي والعشرين


للدكتور المهدي المنجرة


احترام التعدد الثقافي:
لن تهتم الأجيال المقبلة في العالم الثالث بالاتصال الثقافي ذي الاتجاه الواحد، فهي غير مصابة بمركبات النقص التي كانت في الأجيال السالفة، والتي كانت تظن أنها لن تستطيع أن تفرض نفسها ثقافيًّا إلا بالتمكن أولاً من ثقافة "الآخرين"، لقد تولَّد عن هذا المسعَى أشكال مختلفة من الاستلاب الثقافي، والتي هي من أسباب التخلف الاقتصادي والعلمي في العالم الثالث، ولا يمكن للغرب أن يستمر في الاعتماد على التمتع "بشيك لا محدود" (Cheque en blanc) في ميدان الاتصال الثقافي دون مقابل يتطلب على الأقل - مهما صغر - انتقالاً حقيقيًّا، ربما سنكون عندئذٍ في مستوى تقليص ما سماه البروفيسور "ناكامورا" (Nakamura) "السلبية الثقافية".
لهذا كان وصلُ العلم بالثقافة وانصهارهما شرطًا للاتصال والبقاء، إنها ضرورة نسقَيَّة، خاصة وأن أزيد من 50% من اليد العاملة ذات التكوين العالي بمستوى الدكتوراه ستكون من هنا إلى آخر القرن من أصل غير غربي.
إنه اتجاه لا رجعةَ له، يُعزَى إلى الديموغرافية وإلى عوامل ابتدائية أخرى، بل في الولايات المتحدة أكثر من نصف الوافدين على سوق العمل سنة 1988، والمتوفرين على تكوين في مستوى الدكتوراه أو أعلى من ذلك - لم يكونوا من أصل أمريكي، والخاصية الأساسية للقرن الواحد والعشرين هي زوالُ أوروبيَّةِ العلم والثقافة، انطلاقًا من الولايات المتحدة الأمريكية.
فمنذ أزيد مِن عشرين سنة - وبمناسبة افتتاح مؤتمر الأمم المتحدة حول تطبيق العلم والتكنولوجية في التنمية - أدلى "روني ماهو" (Rene Maheu) - المدير العام وقتئذٍ لمنظمة اليونسكو - بتصريح هو أشد تبريرًا اليوم من ساعتئذٍ[9]، قال فيه: "لا علميَّة للمعرفة إلا بالروح التي هي (أي المعرفة) من نتائجها، والتي وحدها تعطيها معنى لدى الإنسان، ومغزًى حين تطبيقها على الأشياء، فالعلم ليس شكلاً من الصيغ والوصفات التي من تلقاء ذاتها تمنح الإنسان سلطات مجانية على المخلوقات...، ومشكلة التقدم التكنولوجي للجهات التي ما زالت تشكو من نقص في التنمية لا يمكن حلُّها جذريًّا باستيراد التقنيَّات الأجنبية أو الإدخال على عجل للعلوم التطبيقية الجاهزة بشكل من الأشكال، فلا يمكن للتقدم أن يتحقق بصورة جذرية إلا بالخلق والدعم، حسب سياق ينمو داخليًّا في قلب الحقيقة الإنسانية للمجتمعات المعنية من الوجهتين الثقافية والاجتماعية للعلم"[10].
ويضيف "روني ماهو" قائلاً:
"إن العلم في حد ذاته مجتمع، مجتمع يحتوي على شيء رائع، هو امتلاكه موهبة عالمية، وبذلك فهو يعد ويشكل إنسانية الغد، لكن لا يستطيع هذا المجتمع البزوغ والازدهار في أي سياق كان".
ليسمح لنا بالرجوع إلى "ماهو" مرة أخرى، ففي مقدمته لـ "تاريخ التنمية العلمية والثقافية للإنسانية" المنشور من طرف اليونسكو تحت إشراف الأستاذ "ب. ب. كرنييرو" (CarneiroP.B.) من البرازيل، كتب "ماهو" في غشت 1962:
"كل فعل للثقافة والعلم - أيًّا كانت مادته أو وسائله أو دوافعه، أو حججه، أو ظروفه - هو أساسًا فكرة من الإنسان حول الإنسان".
لم يُفهَم "ماهو" بصفته مديرًا عامًّا لليونسكو من طرف المديرية البيروقراطية لمنظومة الأمة المتحدة، سواء تعلق الأمر بالكتابة الدولية أو بممثلي الدول الأعضاء. لو فُهم، لتمكنا من ربح سنوات من الجهد، ومئات الملايين من الدولارات، بتخلِّينا ببساطة عن الوهم الذي يدعى "نقل التكنولوجية"، لقد كان "ماهو" - فيما نعتقد - أول من استعمل مفهوم التنمية "الذاتية" (endogene) في سياق اجتماعي - ثقافي، خصوصًا حينما تكلم عن العلم.
ودون أن نبخَسَ مبدأ المفعول المرجعي بين العلم والثقافة حقَّه، فإن العلم لا يمكن نقله لأنه نِتاج نسق ثقافي، فالقيم الثقافية هي التي تحدد الفكر العلمي والإبداع والابتكار، فلا يمكنك شراء ولا نقل مثل هذه المخرجات (outputs) دون أن تتوفر لديك المدخلات (inputs) الثقافية التي تمكِّن من الفهم والهضم والإضافة إلى القيم الذاتية للمنقولات، وإلا فلن تشتري إلا لعبًا! لهذا فإننا نرى أن أحسن تحديدٍ للتنمية هو ذاك الذي قدمه "ماهو" حين كتب: "التنمية هي العلم حين يصبح ثقافة"، وهذا ما أريدُ قولَه بانصهار العلم والثقافة؛ فالعلم والتكنولوجيةُ ليسا المحركَ الأول للتغير الاجتماعي، فهما لا يعدوان أن يكونا الخميرة فقط أو المعجل لمثل هذه التغييرات الحاصلة بواسطة الجينات الوراثية للتغيير: القيم الثقافية.
إن القيم الثقافية تجعل التغيير يسير من خلال تمكين الأفراد من استيعاب العلم والتكنولوجيا، واجتناب أن يدعما الجور الحاصل في تقسيم العمل، ذلك الجور الذي يمكن أن يتولد عنه نظام من الطبقات، مع تكنوقراطيين يعرفون "ماذا"، ويجهلون "كيف" و "لماذا"، وجموع من الأميين العلميين عاجزة عن المشاركة ديموقراطيًّا في نسق القرارات الحاكمة في تطور وتمويل العلم والتكنولوجيا، وهو الشيء الحاصل بالفعل.
فلعل تطور هذا النظام من الطبقات يشجع على قطيعة ما بين وجهات النظر الفيزيائية والإنسانية الممزقة لثقافتِنا؛ لأن وجهة النظر الإنسانية هي في عجز متزايد لفهم العالم الفيزيائي، وليس ذلك خطأ العلم ولا التكنولوجيا، ولكنه حصيلة تقصير في نظم التعلم عندنا ناتج عن نقص في مؤسساتنا التربوية.
عدم توافق المؤسسات ونظم التعلم:
لم يَعُدْ لدينا الوقت ولا المناهج البيداغوجية اللازمة لهضم وإدماج مراحل السبق العلمي والتكنولوجي، ومن ثَمَّ اتساع الفجوة بين التقدم العلمي والتكنولوجي وتطبيق نتائج هذا التقدم بشكل توافقي اجتماعيًّا وثقافيًّا، جزء كبير من هذه الفجوة نابع من وتيرة التغيير العلمي والتكنولوجي بالنسبة لفتور المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية - الثقافية في مواجهة مثل هذا التطور.
فكيف يمكننا أن نقتحم القرن الواحد والعشرين بفلسفة سياسية ترجع للقرن الثامن عشر، ومؤسسات سياسية ترجع للقرن التاسع عشر، من ضمنها "الدولة - الوطن"، وأسطورة "السيادة"، ونسق للقرار قد يبدو ديمقراطيًّا ولكنه صُمِّمَ لعالم لم يعُدْ موجودًا إلا في كرَّاسات القانون الدستوري والقانون الدولي، هذا دون الكلام عن ميثاق الأمم المتحدة؟!
تلك هي بعض الأسباب لتخلف بنياتنا وأنساقنا العقلية، ولعجزنا عن مواجهة التحديات التي تقابلنا منذ عقد أو اثنين من الزمن، والمزدادة خطورة شيئًا فشيئًا.
والمقلق للغاية هو أننا نلاحظ استثناءين للتحليل السابق: القطاع العسكري للدول العظمى، والشركات المتعددة الجنسية، فالعسكريُّون يشجعون ويترجمون التطورات العلمية والتكنولوجية إلى واقع ملموس ومخرّب عمليًّا، إنهم يستنفرون ويديرون أكبر الموارد البشرية والمالية المخصصة للعلم والتكنولوجية (أزيد من 60%).
فبفضل مفاهيم "الأمن القومي" على الشكل الصريح التصنع لمقاولاتها، وللأمية العلمية لأغلب أصحاب القرار المنتخبين، فإن المؤسسات العسكرية للدول "العظمى" خالية بالفعل من مراقبة ديموقراطية حقيقية، ومن مراقبة وتقييم خليقين بالثقة؛ ولعل هذا ما يفسر جزئيًّا الابتكار والإبداع اللذين ينعشُهما البحث العلمي والتكنولوجي في القطاع العسكري، وتوظيف العدد الهائل من العلماء الذين لا يجدون نفس الحرية ولا نفس التجهيزات ولا نفس الإمكانيات المالية في المؤسسات الجامعية.
أما الشركات المتعددة الجنسية، التي تعمل بارتباط متين مع القطاع العسكري في بعض الحالات، والتامةُ الإدراك لأهمية البحث والتقدم من أجل إنتاج وتسويق منتجاتها واكتساح الأسواق، والملمِّة بقيمة الموارد البشرية الكفأة والمرتفعة التكوين، فإنها تمكنت من تطوير مناهج للتدبير وأنساق للتعلم جد ملائمة، مع تدخل ضئيل لـ "الدولة - الوطن".
والإشارة لهذين الاستثناءين هي مجرد ملاحظة بسيطة، وليست حكمًا ذا قيمة.
إنها تُظهر أن التغيير والتعلُّم المتلائمين ممكنان، ولكن ليس في القطاعات التي هي في أمس الحاجة لذلك، كما أنها - أي الإشارة - تمكن من تسجيل الرفض من طرف أصحاب القرار القوميين والدوليين "المرخص" لهم بالتطرق لـ "الإشكالية" الجديدة للبشرية بكيفية عامة مصحوبًا بالتفكير في رغد الإنسانية جمعاء.
أزمة نظم الضبط:
مشكل القيم الثقافية يطرح حينما نرى أنه في الوقت بالضبط الذي يجتاز فيه العالم أزمة "الحاكمية" الناتجة عن النقص في "المعايير والمسطرات" الدولية الملائمة من الوجهة الفيزيائية والأدبية، وعن النقص في الوظائف الضابطة الخلقية الهادفة لقصد معين، تشجِّعُ الدول الاقتصادية الكبرى، وتفرض المؤسسات المالية الدولية - من جانب واحد - اختلالاً من النوع التحرري الجديد.
والاهتمام الذي نوليه لمشكل المعايير والوظائف الضابطة هو اهتمام مجرَّد من كل حكم أيديولوجي مسبق، بل هو ببساطة مشروط بقلق لتوضيح المساعي كعلة وجود لأي نظام، وقلق فلسفي وعملي لمعرفة من ينبغي أن يشارك في تحديد هذه المساعي والإشراف على النظام المجتمعاتي.
فكل مفتون بالقيم التي تقتضيها "الحرية" ضمنيًّا، لا يمكنه أن يستمر في عدم اكتراثه بنسق الاختلال المعرض الحرية للخطر بتشويه مفهومها الأكثر تبسيطًا.
إنها مشاكل قيم ثقافية أكثر مما هي مشاكل اقتصاد، فكيف يمكننا الوصول لـ "تنمية دائمة" دون إجماع حول الحد الأدنى من المعايير والقواعد؟
إننا ها هنا أمام إشكالية لأزمة أخلاقية، لنأخذ مثلاً موضوع المديونية في بلدان العالم الثالث: كيف يمكننا ليس فقط القبول بأن تكون مديونية الولايات المتحدة نحو الخارج أزيد من نصف بليون دولار، ولكن أن نفسِّر عقلانيًّا بأن هذا الحجم الضخم من الدين الخارجي، والعجز المالي القومي الفاحش، هما اللذان يجلبان رؤوس الأموال الأجنبية إلى الولايات المتحدة، ويحافظان على إثبات مستوى قيمة الدولار، ثم نقيِّم المشاكل الاقتصادية والمالية لدول أخرى انطلاقًا من مقاييس مختلفة تمامًا؟
إن الحجج المتعلقة بالنشاط الاقتصادي والمالي والفلاحي والصناعي للولايات المتحدة، والصالحة لعشر سنوات مضت، لم تعد كذلك؛ ففي سنة 1988 كان لليابان نشاط إجمالي متجاوز لمثيله في الولايات المتحدة، وبتَعداد سكاني يصل إلى نصف سكان الولايات المتحدة! والعشر أبناك الأولى في العالم هي يابانية في بلد لا يتجاوز هذا النوع من المؤسسات فيه 58 بنكًا، مع وجود 14000 بنك في الولايات المتحدة! والثلاثة عشر بنكًا الأولى في اليابان مجتمعة تكون رأس مال إجمالي يفوق نصف بليون من الدولارات (نفس حجم الدين الخارجي للولايات المتحدة)، بيْدَ أن الخمسين بنكًا الأولى بالولايات المتحدة يقل رأسمالها مجتمعة عن مائة مليار من الدولارات[11]!
هذه الإحصائيات تسعى ببساطة إلى البرهنة على أنه لم تَعُدْ هناك مقاييس "عقلانية" لتقييم الحالة الاقتصادية والمالية العالمية.
ونتمسك بقولنا: إن المشكل أخلاقي ومعياري؛ أي إنه مشكل قيم ثقافية أكثر مما هو مشكل قيم اقتصادية.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-02-2019, 05:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: انصهار العلم والثقافة مفتاح القرن الحادي والعشرين

انصهار العلم والثقافة

مفتاح القرن الحادي والعشرين


للدكتور المهدي المنجرة


غياب إجماع حول القيم:
يمكننا أن نجد إيضاحًا بليغًا للأزمة الثقافية التي نعيشها مع العَلاقة الوثيقة بتطورات العلم في ميدان الطاقة الذرية في تقرير "الندوة حول إنعاش التعاون الدولي للاستعمالات السلمية للطاقة الذرية" المنعقدة بجنيف (مارس - أبريل 1987)، وهذه الفِقرة المقتبسة عنه تثبت ذلك:
"لقد بذلت الندوة مجهودات جبَّارة للوصول إلى اتفاق حول مبادئ مقبولة عالميًّا للتعاون الدولي حول الاستعمالات السلمية للطاقة الذرية...، ورغم مجهوداتها لم تستطع الندوة أن تصل إلى اتفاق حول مبادئ مقبولة عالميًّا للتعاون الدولي حول الاستعمالات السلمية للطاقة الذرية".
إنه (أي الإيضاح البليغ للفقرة) لذو مغزًى على سوء التفاهم حول "مقاصد الغايات" في عالم خضع لتغيير جذري بفضل العلم والتكنولوجية، لكنه يبدو عاجزًا عن القيام بالتسويات القانونية والمعيارية التي يفرضها ذلك التغيير.
فلعلها إحدى الأزمات الكبرى للعلم والتكنولوجية والثقافة: أزمة مقاصد، أزمة قيم، أزمة معايير، أزمة قوانين.
إنها أزمة لا العلم مسؤول عنها ولا التكنولوجية، لكنها تعزِّز الظلم داخل الدول وفيما بينها، والمؤدي إلى تهميش أغلبية كبيرة من الناس داخل الفجوة بين الشمال والجنوب، ذلك الجنوب الذي لا يمثل سوى أقل من 10% من النشاطات العلمية والتكنولوجية في العالم، و5% فقط من نفقات البحث والتطوير.
فحسب إحصائيات "منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديين" [12] (OECD)، ثلاثة أرباع التبادل التكنولوجي الدولي هي فيما بين دول المنظمة[13]، وتهيْمِن عليها الشركات العابرة القومية.
وإعادة تحديد الغاية من العلم والتكنولوجية على مستوى المعمور أضحى من الضروريات الأساسية للديموقراطية الجديدة اللازمة إقرارها لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، ففي غياب إجماع عالمي حول القيم الثقافية، تشجع المعايير والقوانين على استعمال العلم والتكنولوجية في الإنتاجية والربح دون اكتراث كبير لاستغلال أدوات التغيير الضخمة هذه لصالح عمليات أكثر تعبيرًا وأحسن إلهامًا. فمثل هذا الاكتراث لا يَبْرُزُ ضمن قائمة أولويات أصحاب القرار لا شمالاً ولا جنوبًا.
ونتيجة للنقص الصارخ في بُعْد النظر، فإن نماذج التنمية المشجعة في العالم - مباشرة وبـ "المساعدة" الدولية فيما يخص بلدان العالم الثالث - تركز على النمو والإنتاجية، والوسائل المستعملة لبلوغ تلك الأهداف تعامل المواطنين كغير مؤهَّلين بإقصائهم من المعادلة، فهم ليسوا في منظورها سوى عناصر لسلسلة إنتاج.
والإشكاليَّة الجديدة المطروحة في وجه العلم والتكنولوجية - وفي وجه الثقافة أيضًا - هي النظر في كيفية استعمال معارفنا المكتسبة لتأهيل البشر لمحاربة الفقر، والبؤس والظلم الاجتماعي، والتهميش وكراهية الكرامة والحقوق الإنسانية، والاستعمال المفرط للطبيعة ومواردها المحدودة.
وإحدى النتائج الثقافية للتقدم العلمي هي أنه جعل "التخصصات" منسوخة، خاصة حين نفكر في النظريات الأخيرة التي تمس "النظام" و"الفوضى" في العالم الفيزيائي، والمؤدية لتخصص شمولي (****discipline) المدعو "فوضويًّا" (chaotique)، والذي لا يترك مكانًا لإقطاع وإمبريالية التخصصات الجامعية المجزئة للمعرفة داخل حدود مصطنعة تمامًا، إنها (أي إحدى النتائج) الأصل في الأزمة الإبستيمولوجية التي علينا أن نجد لها الحلول القابلة للحياة قبل منعطف هذا القرن.
علينا أن نبيدَ الحدود الشوفينية ما بين العلوم "الحقة والأساسية" من جهة، و"العلوم الاجتماعية والإنسانية" من جهة أخرى، علينا أن نعقد الصلح بين الفلسفة التي لم تعد تدعي أنها العلم الأول " prinus inter pares " والمهيمن داخل حقول المعرفة، علينا أن نحاول صياغة اتفاق جديد متعدد التخصص مبني على أساس تكامل مختلف ميادين الفهم والإدراك والحدْسِ، بشكل يتجاوز بوعي وفي اتجاه متسع حدود "العقلانية" التي سجنت العقل الإنساني في نظام مغلق ومتراص (monolithique)، وهمَّشت إلى الحد الخطير الدور الإيجابي للتعدد الثقافي.
فمشكل التعدديَّة الذي تجليه للعيان النماذج البيولوجية والبيئوية اليوم ليس بأقل أهمية على المستوى الثقافي، إنه الضرورة اللازمة لعالمية حقيقية، إنه مشكلٌ اقتصادي - أخلاقي (eco-ethique) يهم الإنسان والطبيعة و"التحالف الجديد" بينهما، والذي هو الشرط الأساسي للبقاء.
شروط البقاء:
إن انصهار العلم والثقافة هو السبيل الوحيد الذي يقدم ضمانًا للبقاء بكرامة، وليس بأي ثمن يحدده آخرون.
إنه الكيفية لإعادة اكتشاف الانسجام داخل النظام والفوضى، سواء في الميدان الفيزيائي أو الروحي.
إنه ليس فقط مفتاح القرن الحادي والعشرين، بل هو أيضًا سلام الإنسان مع نفسه وبيئته.
إنه الطريق الكبرى نحو ازدهار العقل والقلب، ازدهار المعرفة والحب، والخشوع والتواضع، والفكاهة، التي قد تمنعنا من أن نأخذ الأمر بجد إلى درجة ننسى معها الغاية من وجودنا وهدفنا على هذه الأرض.
وبما أننا دومًا في مرحلة "السلبية الثقافية" (negativitecul - turelle)، والتي تدعوني للتعبير بالرجوع باستمرار إلى المفكرين "الغربيين" حتى أستطيع أن أفهم - ولو أنني واعٍ تمامًا بحدود فهمي لنظم القيم الثقافية للآخرين - فإني أرجو أن تسمحوا لي بأن أختم هذه المقالة بذكر مقولة لرجل بذل مجهودًا لتجاوز تخوم الحدود الثقافية الضيقة، ففي مقال عنوانه: "رثاء عدم الاستقرار" (leloge de l instabilite)، يعرض "إيليا بريغوجين" الخطوط العريضة لمحاولة ممكنة ومتفائلة نحو الوحدة الثقافية العالمية في الكلمات التالية:
"ومن ثَمَّ النتيجة الأساسية التي أودُّ استخلاصها من هذا العرض، وهي أن القرن العشرين يحمل الألم في وحدة ثقافية، ونظرة غير منتقصة، وأكثر شمولية.
إن العلوم لا تعكس الشكل السكوني لعقل ينبغي الخضوع له أو مقاومته، إنها تسهم في خلق الاتجاه في نفس مستوى مجموع التطبيقات الإنسانية، فلا يمكنها وحدَها أن تقول لنا من هو الإنسان، أو الطبيعة، أو المجتمع.
إنها تستكشف حقيقة معقَّدة، تجمع بشكل يتعذر فصله ما نعارض بين مكوناته تحت سجلات الكائن واللازم أن يكون"[14].
أما آخر كلماتي، فتأخذ شكل تحذير أخويٍّ وصَيْحَة حب للذين ينتمون للثقافة الغربية، والتي ما أكثر ما شاركت في التطورات المعاصرة الإيجابية والسلبية للعلم والتكنولوجية، مشكِّلةً إنجازًا متميِّزًا في تاريخ الإنسانية.
ويسرُّني بكل تواضع وبشكل لا يمسني شخصيًّا، أن أؤكد: أنني أنتمي لنوع عالم - ثالوثي في طريق الانقراض، نوع ظل دائمًا في عَنَت إلى درجة المخاطرة بفقد ذاتيته وقانون تكوينه الثقافي حتى يفهم ويخاطب "الآخر"، ولكنه قلما وجد صدًى مسموعًا وردَّ فعلٍ ملموسًا.
وحظوظ الأجيال الصاعدة قليلة في الاستمرار ببذل جهد فظ وسافل غالبًا ثقافيًّا وروحيًّا؛ لأن لإنكار الذات ثقافيًّا وللماسوشية [15] Masochisme الثقافية حدودًا يمكن أن تؤدي إلى الاستلاب.
ولم يعد لدى هذه الأجيال سبب في بذل ذلك الجهد؛ لأنها ربما أكثر تأكُّدًا من نفسها بالنسبة للأجيال السالفة؛ ولأنها نمتْ وما زالت تنمِّي بشكل أسي سلطانها على المعرفة في العالم.
فمهما يكن المكان الجغرافي الذي تعيش أو ستعيش فيه، فإنها تجرف معها بوعي أو بدون وعي نظامًا للقيم الثقافية سيكون له لا محالة تأثير قاطع على تطوير العلم والتكنولوجية في القرن الحادي والعشرين.
ولم يبقَ من الوقت إلا القليل لإنجاز سلام ثقافي بمعيَّة العلم والتكنولوجية - وليس بمعية سياسيين أميِّين علميًّا -، فكل ثانية من التأخير لعقد هذا السلام تزيد تلقائيًّا في التَّكْلِفة الاجتماعية للتغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على مستوى المعمور. تلك نقطة هامة في "برنامج البقاء".
[1] "الابتسار": كلمة عربية أصيلة تعني: القيام بالشيء قبل أوانه، وهو المراد بكلمة "anticipation" الفرنسية، ولقد كان ميلنا إلى كلمة "الابتسار" بدل كلمات "تقديم" و"تسبيق" و"سبق" و"توقع" التي تقترحها المعاجم؛ لأنها أقرب إلى الدلالة على المراد بالكلمة المرادفة لها بالفرنسية، جاء في "لسان العرب" لابن منظور: "والبَسْرُ: الإعجال، وبَسَرْتُ الدُّمَّلَ؛ إذا عصرتَه قبل أن يتقيَّح (وهذا هو الهدف من ابتسار الزمن القادم؛ أي: التفكير في أزماته المحتملة قبل أن تقع، والمبادرة بعلاج أسبابها قبل أن تستفحل)، وبَسَر حاجته يَبسُرُها بسرًا وبِسارًا، وابتسرها، وتبسرها: طلبها في غير أوانها (والمراد فعلاً في علوم المستقبل والإعداد للغد: التفكير في مشاكل المستقبل محتملة الوقوع قبل وقوعها بالفعل)، وتبسَّر: طلب النبات؛ أي: حفر عنه قبل أن يخرج، وبسر النخلة: لقحها قبل أوان التلقيح"، ومما يزيد من تمسكنا بهذه المقابلة للكلمة الغربية "anticipation": أن علوم المستقبل تريد نورًا في ظلمات الزمن القاهر، وتبحث عن ضمانات الارتواء وسبل ذلك في أودية الغد المحتملة الجفاف، والابتسار يترجم تلك الإرادة وذلك البحث، يضيف ابن منظور: "وبسر النهر: إذا حفر فيه بئرًا وهو جافٌّ، وأبسر: إذا حفر في أرض مظلومة، وابتسر الشيء: أخذه غضًّا طريًّا، وفي الحديث عن أنس قال: لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قطُّ إلا قال حين ينهض من جلوسه: ((اللهم بك ابتسرتُ، وإليك توجهت، وبك اعتصمت، أنت ربي ورجائي، اللهم اكفني ما أهمني، وما لم أهتم به، وما أنت أعلم به مني، وزوِّدْني بالتقوى، واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أين توجهتُ))"؛ (انظر "لسان العرب" لابن منظور، دار صادر - بيروت - المجلد 4، ص 57 - 59).
وبما أن البَسْر والبِسار والابتسار والتبسر: كلمات مترادفة، وبما أن من معاني البَسر معنى آخر مخالف للابتسار، وهو النظر بكراهة شديدة، فإننا نفضل استعمال كلمة "ابتسار"؛ لكونها - علاوة على ما تقدم - توحي بمجيئها على وزن "افتعال" بإرادة ذاتية مقصودة للفعل من طرف الفاعل، والابتسار في البعد الزماني إرادي ومقصود كذلك. (المترجم).
[2]Research Output: Agenda for Japon in the 1990s
[3] لمعرفة المزيد من هذه المرجعية التي يشير إليها الكاتب بخصوص مثال اليابان، يمكن مراجعة الأبحاث التالية (المترجم):
1 - Jiten: Nippon no Kadai (يابان الغد) 808) p Tokyo، Gakuyo Shobo publishing Co.
2 - 21 seiki e no (إستراتيجية اليابان نحو القرن الواحد والعشرين) senrgaku. 330p Tokyo، Togo keizai shimposha publishing Co
3 - Le Japon vers le 2le siècle (اليابان نحو القرن الواحد والعشرين) Masahiro sakamoto، Futuribles، n 23 Mai 1979;pp: 3 - 23
4 - La straregie international du Japon: a laube de la 3 e revoltion technologique et industrielle. Futuribles، N 69 1983، pp. 13 - 26.
(الإستراتيجية الدولية لليابان في فجر الثورة التكنولوجية والصناعية الثالثة)
5 - La starategieJaponaise de R et D. Futuribles، N 69 1983، pp. 59 - 68.
(الإستراتيجية اليابانية للبحث والتنمية)
6 - Recherche et developpement au Japon. Futuribles، N 127، 1988، PP. 63 - 73..
(البحث والتنمية في اليابان)
[4] يمكن الاستفادة لمعرفة الآراء المطروحة في كتاب "بريغوجين" المذكور، من مطالعة ترجمة لمقال له حول "العالم والحضارة والديموقراطية، القيم، النظم، البنى والأواصر" والمنشور بمجلة "الثقافة العالمية"، العدد 44، يناير 1989 ص. 7 - 26 وخاصة الفصل المتعلق بالمفهوم الجديد للعلم (المترجم).
[5] Serres Michel - Genese. L. Paris، Gasset،1982.
[6] هو السير رابندرانات طاغور (1861 - 1941)، شاعر هندي، منح جائزة نوبل في الآداب لعام 1913 (المترجم).
[7] هو الفيزيائي الأمريكي، الألماني الأصل ألبرت أنشتاين (1879 - 1955)، صاحب نظرية النسبية والحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921 (المترجم).
[8] Nira/ Reseatch: A. Tagor Reader. Mac MillanCompagny - New York، 1961
[9] في جنيف، بتاريخ 4 فبراير 1963.
[10] Maheu Rene: La Civilisation de l universel. Paris، laffont، 1966.
[11] " wall Srteet Journal " بتاريخ 11 شتنبر 1989. ص 1.
[12] " STI Review " الصادرة عن المنظمة، خريف 1986.
[13] الدول الأعضاء في المنظمة هي "ألمانية الغربية، بلجيكا، فرنسا، الدانمارك، إسبانيا، اليونان، إيرلاندا، إيطاليا، اللوكسمبورغ، النرويج، هولاندا، البرتغال، إنجلترا، السويد، سويسرا، تركيا، فنلندة، النمسا، أيسنلدا، أستراليا، كندا، اليابان، الولايات المتحدة، زيلاندا الجديدة" (المترجم).
[14]جريدة "ليبراسيون" الفرنسية، بتاريخ 25 يناير 1989، ص 6.
[15] انحراف جنسي يلتمس فيه المرء اللذة بالعذاب، والاسم منسوب إلى اسم روائي نمساوي، (المترجم).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 100.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 97.37 كيلو بايت... تم توفير 2.80 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]