سياسية الأمة عند نبي الرحمة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4402 - عددالزوار : 844665 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12269 - عددالزوار : 203239 )           »          سنن وآداب يوم العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »          خطبة عيد الفطر المبارك 1445هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »          ما يشرع فعله ليلة العيد ويوم العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          خطبة عيد الفطر 1445 هـ أهمية الوفاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          وصايا العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          خطبة عيد الفطر المبارك 1445 هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          خطبة العيد 1445 هـ (سبحانه وبحمده) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          خطبة عيد الفطر (1445 هـ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-03-2019, 09:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 132,905
الدولة : Egypt
افتراضي سياسية الأمة عند نبي الرحمة

سياسية الأمة عند نبي الرحمة
علي بن عمر بادحدح

الخطبة الأولى:
أحداث تتوالى في ديار المسلمين، ونحن في مقامنا هذا لا بد أن نميز حديث المنبر والمسجد، فإنه ليس منبر إعلام بل إسلام، وليس منبر سياسة بل هداية، وليس موضع إثارة أو قوة وإنما هداية وحكمة ورحمة.
وإن سياسة الأمة هي موضوع ما نراه في الساحات كلها، ما الصلة بين الحكام وشعوبهم؟ ما الأمر بين الحقوق والواجبات؟ كيف هو أمر المطالب والكرامة والخير الذي يجب أن يعم الناس كلهم؟
سياسة الأمة عند نبي الرحمة هي ما يمكن أن يضيء لنا الطريق ويبين لنا الحق من الباطل، ويجعلنا على بصيرة من أمرنا: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].
وما من مسلم إلا وهو يريد للأمة سكينة واستقرارا، ورفعة وقوة، وعزة ونماء، وفي الوقت نفسه فإن الحقوق والحريات والكرامة والنهضة لا بد أن تأخذ مسارها وطريقها، فأمتنا اليوم إذا نظرنا ودعونا من كل ما يجري في قضايا التعليم سنجدها في ذيل القائمة، في شأن الصحة: في آخر السلم، في أمور الشفافة والحريات: في آخر الأمم، وهكذا .. وهكذا.
كيف يكون هذا والأمة موفورة لها إمكانات وثروات مادية، وطاقات وقدرات بشرية، وأعداد من الجماهير والكثرة من الناس، إضافة إلى كثير من الأسباب المعينة على أن نكون الأقوى والأجدر بالريادة والقيادة، فهذه الأحوال المتردية وتلك الأمور العجيبة الغريبة استدعت وتستدعي من كل مسلم أن يكون منصفاً وأن لا يكون غائباً عن الوعي.
ولننظر إلى هذه الوقفات والومضات من سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، من أحاديثه، من مواقفه، من تعاملاته، لنعرف كيف آلت أحوال أمتنا إلى ما آلت إليه، إذ لم تكون على هذا النهج العظيم للمصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
روى البخاري ومسلم وغيرهما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن رجلاً جاء يقتضي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديناً فأغلظ لرسول الله - عليه الصلاة والسلام - أغلظ أي في قوله في مطالبته بحقه قال: فأغلظ له، فهم به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرة وحمية وانتصاراً لجناب النبي الأعظم - عليه الصلاة والسلام - فأي شيء فعل وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوه فإن لصاحب الحق مقالا))، والنبي لم يأخذ منه حقا، ولم يوقع عليه ظلما، وإنما كان له دين، ثم أمر أصحابه: (اقضوه دينه)، قالوا: لا نجد سناً مثل سنه - أي بعيراً أو إبلاً مثل سنه وإنما أفضل - قال: ((فأعطوه فإن أحسنكم أحسنكم قضاءا)).
لو تصورنا التعاملات في دنيا أمتنا بين الحكام وشعوبهم على هذا النحو فهل يمكن أن نرى ما نرى من هذه الأحوال؟ وهذا الحديث مروي من وجوه كثيرة، ومروي بألفاظ متنوعة وفي بعض الروايات قصص أخرى قد تكون في هذا أو تكون في حادثة أخرى بنفس المعنى.
فقد روى البيهقي في شعبه: أن يهودياً جاء يقتضي النبي - صلى الله عليه وسلم - ديناً، فأغلظ، فلما تكلم الناس قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما قدس الله)) وفي لفظ أو رواية: ((ما يرحم الله أمة لا يأخذ حقهم لضعيفها، لا يأخذ فيها للضعيف منهم حقه غير متعتع)) أي غير متردداً فيه ولا منقوص منه، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خولة بنت حكيم فاستقرضها تمراً ثم أعطاه لليهودي، ثم قال بعد ذلك في شأن هذا الموقف: (كذلك يفعل عباد الله المؤمنون) فقال الرجل: قد أوفيت وكفيت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أولئك عباد الله الموفون الطيبون)).
وروى بعض أهل السير أن إبراهيم بن هشام وكان والياً للمدينة يسير ومعه أحد أصحابه فمر به رجل فسلم عليه فتغير وجهه بعد أن رد السلام، ثم مضى فقال صاحبه: ما لك تغير وجهك؟ قال: أورأيت ذلك فيّ؟ قال: نعم، قال: فإن له أي فإن لذلك الرجل ديناً عليه، فقال له: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن لصاحب الحق مقالا))، هكذا كانت الرعية ناصحة، هكذا كانت مخلصة، لم تكن منافقة، فلم يستشر الظلم ووقف عند حده، وكان الظالم إذا ظلم وجد من يردعه أو يذكّره، ويستحضره حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً))، قالوا: يا رسول الله عرفنا نصرته مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: ((تمنعه من الظلم فتلك نصرته)).
تلك هي مفاهيم الإسلام، تلك هي الصورة النموذجية التي بيّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - قولاً وفعلاً لحكم الإسلام الذي يخوفون الناس منه اليوم، فيقولون: إذا حكم الإسلام سيقطع الأيادي ويجز الرؤوس أو يفعل ويفعل، هكذا كان الإسلام في الصورة المثلى لتطبيق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يستطيع أحد أن يتكلم في قوله أو فعله بكلام.
ها هو المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في صفته في شخصيته حتى قبل نبوته وبعثته عندما نزل عليه الوحي في أول الأمر وجاء إلى السيدة خديجة - رضي الله عنها -، ماذا قالت في وصفه تطمئنه؟ كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلْ، وتعين على نوائب الحق، فوالله لا يخزيك الله أبدا.
لو كان كل حاكم يحمل الكَلْ، ويصل الرحم، ويعين على نوائب الحق، فلن يخزيه الله أبدا، وسيكون محله القلوب، وسيكون موضعه في سواد العيون.
هكذا تخبرنا سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتنبؤنا الطبيعة الفطرية البشرية في الإنسان الذي يحب من يعطيه حقه، يحب من ينتصف له، يحب من يعطيه كرامته، يحب من لا يعتدي على إنسانيته.
ومن هنا نجد حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - المروي عن عدد غير قليل من الصحابة في ألفاظ وجيزة، وفي صلة وطيدة بين واقع الحياة وبين الحياة الأخرى: ((الظلم ظلمات يوم القيامة))، ليعتبر الظالم حتى لو نجى من ظلمه في الدنيا فإن الظلمات ستكون متكاثفة يوم القيامة، بل النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين ذلك في آحاد مسائل الظلم التي تقع بين الناس، فيقول كما في الحديث الصحيح الذي يرويه سعيد بن زيد عنه - عليه الصلاة والسلام -: ((من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين))، شبراً من أرض، وليس ما نراه ونعلمه في واقع حياتنا وفي أكثر بلادنا، الأراضي التي تنتهب، والحقوق التي تستلب، من أصحابها وهم يتلمظون قهراً، ويستشيطون غيضاً، ولا يستطيعون نصراً.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخبر: أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فإن لم يخشى الناس قدرة المظلومين بأسباب المادة فليخشوا وليخافوا وليبكوا وليرتدعوا من قدرة رب الأرباب وملك الملوك، أن يحل بهم سخطه، أو ينزل عليهم غضبه في دنياهم، أو أن يدخر لهم العقوبة والعذاب والعياذ بالله في أخراهم.
ها هو رب العزة والجلال بعظمته وقدسيته ونزاهته: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11]، يخبرنا عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي الذي يقول فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن رب العزة والجلال أنه قال: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما))، والله - جل وعلا - منـزه عن الظلم، ومع ذلك يقول للخلق أجمعين وليس للمؤمنين والمسلمين: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)).
وروى جابر بن عبدالله في صحيح مسلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)).
وفي رواية الإمام أحد من حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اتقوا الشح، واتقوا الظلم، واتقوا البغي)) ثم بين - عليه الصلاة والسلام - العاقبة المفضية إلى ذلك.
وروى كعب بن عجرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث الذي أخبرنا فيه النبي عما يأتي بعده، وبين لنا كيف ينبغي أن تكون مواقف الأمة لتكون عوناً على الخير لا الشر، وردعاً للظلم وإقامة للعدل: ((ستكون من بعدي أمراء من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض يوم القيامة، ومن لم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني ويرد علي الحوض يوم القيامة))[رواه النسائي في سننه بسند صحيح].
يوم ظَلم الظالم فأعانه من أعانه على ظلمه وزين له الظلم وقال: إنه أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، وروج لذلك، وانتفع بذلك، سرى الظلم، وصار ظلمات بعضها فوق بعض، وصار الظلم هو الأصل، والعدل هو الشذوذ، وصار الظلم هو الأعم، والعدل هو النادر.
ولذلك ما استمعنا ما التفتنا إلى هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولو أن ننكر بقلوبنا، أو نُعفَّ عن إعانة الظلم بألسنتنا، أو نقر بحال مباشر أو غير مباشر على كل أمر يخالف كتاب الله، ويضاد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يحقق للإسلام والمسلمين مصلحتهم، فلا بد أن يكون المسلم على بينة من أمره.
وننظر إلى ذلك، فنراه في صور كثيرة متعددة، حتى يبين النبي لنا جميع الوجوه في سائر الأحوال، وفي كل الظروف، وبجميع نوازع النفس البشرية.
فها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند أحمد في مسنده بسند حسن، جاءه رجل يسأله: أمن العصبية أن يحب الرجل قومه أحب قومي، أحب قرابتي، أحب أصدقائي أمن العصبية أن يحب الرجل قومه، فقال - صلى الله عليه وسلم - مبيناً الفوارق المهمة قال: (العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم) أحبهم لكن لا تمكّنهم من أن يظلموا، أحبهم لكن لا تعطهم ما ليس حقهم، أحبهم لكن لا تسلمهم منصباً ليسوا أكفاء لهم.
فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف ذلك بالخيانة ووصفه بأنه من علامات قرب الساعة: (إذا وصد الأمر إلى غيره فانتظر الساعة)، هذه هي الفوارق قد بيّنها سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -، قد طبّقها بنفسه - عليه الصلاة والسلام -، فما اختار إلا كفأ أميناً، ما نظر إلى قرابة ولا إلى رحم، ما أعطى أحداً حقاً ليس له، بل كان أشد وأكثر احتياطاً في إقامة الحق والعدل على نفسه وعلى ذوي قرابته، وقد ذكرت لكم حديثه الذي قال فيه لأمته ولأصحابه: (من كنت جلدت له ظهراً فليستقد مني أو ليتحلل مني).
من يفعل مثل هذا؟ أليس هو القائل: (يا فاطمة بنت محمد اعملي فوالله لا أغني عنكي من الله شيئاً، يا عباس يا عم النبي - صلى الله عليه وسلم - اعمل فوالله لا أغني عنك من الله شيئاً)، أليس هو القائل عن الزهراء - رضي الله عنها -: ((لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها)) وهي شريفة عظيمة، لا يظن من قريب ولا بعيد أن تلم بذلك، لكن النبي يقوله ليبين كيف ينبغي أن تكون السياسة الشرعية للرعية من منطلق العدالة الإسلامية.
وهو الذي قد بيّن لنا السر في الهلاك فيما أوردته أيضاً في حديثه - عليه الصلاة والسلام -: ((إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أخذوا على يده)).
يوم تختل الموازين، ويقع الظلم، وتخرس الألسن، وتغض الأعين، ولا تنكر القلوب، بل تتقرب وتداهن، بل تنتفع وتظلم، فحينئذ تعم الدوائر، وينتشر ذلك السرطان الذي يأتي عليه وقتاً فيهلك الحرث والنسل، ويحرق الأخضر واليابس.
وروى البزار في مسنده من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في إيجاز من القول العظيم الذي يضبط مسيرة المجتمعات ويريحنا من كل هذه الصراعات ثلاث منجيات أخبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلن))، العدل في الغضب والرضا، وليس إذا غضبت بطشت، وإذا أساء إليك أحد بكلمة أسئت له بلطمة، وإن أخطأ في حقك غير قاصد أنسيته اسمه، وغير ذلك مما نعلمه يقيناً ولا نحتاج فيه إلى أدلة.
((ثلاث منجيات: العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية، وثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه))، شح مطاع، وهوى متَّبع، وإعجاب المرء بنفسه، بأبي أنت وأمي يا رسول الله تركتنا على المحجة البيضاء، تركتنا عليها واضحة جلية لا يتركها إلا أعمى بصر وبصيرة، إلا من مات قلبه وانتكست فطرته، إلا من سلك طريقاً يؤدي به إلى عاقبة وخيمة في دنياه، وإلى عقوبة وعذاب، نسأل الله - عز وجل - السلامة في أخراه.
هذه صورة واضحة جلية، لا نحتاج حينئذ إلى أن نستمع إلى أقوال هنا وهناك، وبين أيدينا كل هذا القول المحكم المحفوظ المعصوم المطبق عملياً في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
واستمعوا أيضاً إلى حديث عمر بن ذرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصور لنا صورة واقعية لتعامل الحكام والشعوب والأئمة والرعية، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من إمام يغلق بابه دون ذي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته)).
وها هو الحديث أيضاً يروى من رواية أبي مريم بسند حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ولي من أمر المسلمين شيئاً فاحتجب دون خلتهم وحاجتهم وفقرهم وفاقتهم احتجب الله عنه يوم القيامة دون حقه وفاقته وخلته وحاجته))، وكم نرى من صور ذلك مما نعرفه ولا نحتاج إلى المزايدة فيه.
أخوة الإسلام إننا في حاجة دائماً وأبداً إلى ننظر إلى واقعنا من منطلق كتاب ربنا وهدي وسيرة وحديث نبينا - صلى الله عليه وسلم - وحينئذ سنرى الأمور في ضوء غامر يكشف كل الظلمات ويبدد كل الشبهات ويضع النقاط على الحروف وأول ما يجب علينا في ذلك أن نعود إلى أنفسنا فنرى أين نحن من ذلك؟ أين نحن، نعم.
كل منا قد تكون له ولاية على أهله على زوجه على الموظفين أو على غيرهم فهل أقام العدل ولم يظلم؟ وهل فتح الأبواب ولم يغلق؟ وهل استمع للناس ولم يصم أذنه؟ وهل قبل خطأهم وعفى عنه؟ وهل سمع طلبهم واجتهد فيه؟ كل ذلك في حاجة نحن إلى أن نحاسب أنفسنا عليه، وللأسف الشديد نرى دوائر ذلك في واقعنا تتعاظم ولا بد لنا والحال الذي نراها تتفاقم في جوانب كثيرة، فيها ما لا نحبه لمجتمعاتنا في الجملة، أن تكون مستقرة آمنة، وأن تكون قوية ناهضة، وأن يكون الإنسان فيها حراً كريماً، وأن يكون العدل فيها قائماً وشائعاً.
الخطبة الثانية:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه.
معاشر المؤمنين هاهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكرر لكم حديثه: (إن لصاحب الحق مقالة)، والله - جل وعلا - يقول: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء: 148].
أما وقد فشى كثير من الظلم وفاض بالناس الكأس فاستمعوا لهم واقبلوا منهم وانزلوا عند حقهم وعوضوهم ما لهم، ولا ينبغي أن يزاد الطين بِلة وأن يسكب على النار زيتاً ووقوداً فإن المناظر التي رأيناها لا يكاد يصدقها عقل، كيف تأتي تلك السيارات المصفحة وتدهس الناس دهساً لا تعرف من هم ولا تعرف لماذا تدهسهم ولم يكونوا في حال يفعلون شيئاً أما هذه الإثارة التي تشعل النار وتقتل الناس ولا تفرق بينهم أما يقول الناس قولاً ويأتيهم الجواب ناراً فذلك أمر لا يقبله عقل ينبغي لأهل العقل والحكم أن يمنعوا هذه القسوة، وأن يمنعوا هذا الطغيان، وأن يوقفوا مزيداً من الظلم، فإن الحكمة تدعوا إلى تهدئة الأمور وإلى السماع والإصغاء وإلى الائتلاف والقرب، لا إلى مزيد من هذا الذي شكى منه الناس.
وينبغي لنا أيها الإخوة الكرام نحن جميعاً في أمتنا أن ندعو الله - عز وجل - أن يقينا الشرور والفتن ما ظهر منها وما فتن، وأن يسلمنا من غوائر الظلم وآثار الظلمات التي تقع في هذه الحياة.
ينبغي لنا أن ندعو الله - عز وجل - وينبغي لنا أن نعمل لتكون مجتمعاتنا كلها مجتمعات أخوة وألفة بأخوة الإسلام والإيمان، وأن تكون مجتمعاتنا مجتمعات تماسك وترابط بإقامة العدل وإنصاف الحقوق، وأن تكون مجتمعاتنا مجتمعات عزة ونهضة وكرامة بإقرار حقوق الإنسان وإعطائه ما له، وما ينبغي أن يكون له، وإلا فإن أمورنا ستكون سواء كان أعداءنا يخططون لذلك أو لا يخططون ستكون أمورنا وبالاً بموجب سنة الله - عز وجل -، والله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد: 11]، غيروا الشحناء والبغضاء إلى المحبة والإخاء، غيروا الظلم والعسف إلى العدالة والحب، غيروا انتقاص الحقوق وانتهاك الحريات إلى غيرها فسترون كيف تكون الأمور لأن سنة الله - سبحانه وتعالى - في ذلك ماضية، وهو الذي بين لنا - سبحانه وتعالى - في آيات القرآن وفي سنن الأمم كيف يكون الأمر على ذلك النحو.
والأمر من حيث البيان قد يطول مقامه، لكننا نحن أهل إيمان وإسلام، ارجعوا ولنرجع إلى الله - سبحانه وتعالى - فلنخلوا بأنفسنا في كل ليلة نراجعها نقومها نعترف بتقصيرها ننكس رؤوسنا نرفع أيدينا نذرف دموعنا ثم ننطق فيما بيننا بالحق، ونتنادى إلى هذا الحق ونتواصى بهذا الحق، ونتواصى بالصبر على نشره وتذكير الناس به والائتلاف عليه والتقارب عليه ليعمنا الله - عز وجل - برحمته ويجعلنا بإذن الله - سبحانه وتعالى - على النحو الذي أراده لنا في كتابه وبينه لنا رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنته.
بتصرف


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.68 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]