عطف البيان في اللغة

[ابوالوليد المسلم]

عطف البيان في اللغة

أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن

يَنقسم العطف إلى:

1- عطف بيان.

2- وعطف نسَق.

عطف البيان:

عرَّف النحاة عطف البيان بأنه: التابع؛ يعني: أنه من التوابع الخمسة التي تتبع متبوعَها في الإعراب.

المشبه للنعت؛ وذلك لأن عطف البيان يوافق متبوعه في إعرابه، وفي الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، على ما تقدَّم بيانُه في باب النعت.

الموضح لمتبوعه إن كان معرفة[1]، والمخصِّص له إن كان نكرةً[2]، ومما يؤخذ مما سبق في تعريف عطف البيان أنه يأتي لإحدى فائدتين:

الفائدة الأولى: توضيح لمعرفة عطف عليها، ومثال ذلكقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ﴾ [الأنعام: 74]. فكلمة (آزر) عطف بيان لـ(أبيه)، وكلاهما معرفة[3]، وهي قد أفادت توضيحًا للمعطوف عليه، وهو كلمة (أبيه)[4].

والفائدة الثانية: تخصيص المعطوف عليه إن كان نكرة، ومثال ذلك قوله تعالى:﴿ مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 16]؛ حيث إن كلمة (صديد) عطف بيان لكلمة (ماء) خصَّصتها من أجناس المياه[5]، وكلاهما نكرة[6].

وهاتان الفائدتان السابقتان لا يخلو عطف البيان من إحداهما في أي جملة تحتوي عليه، لكنه مع ذلك يفيد أغراضًا أسلوبية أخرى تهمُّ دارس البلاغة، لا دارس النحو، من هذه الأغراض مثلًا:

1- المدح، كما تقول: كان من شهداء أُحُد حمزةُ عمُّ الرسول صلى الله عليه وسلم([7]).

2- الذم، كما تقول: كان مِن قتلى بدر أبو جهل رأسُ الكُفْر.

إلى غير ذلك من الأغراض التي يدل عليها سياق الكلام، والأسلوب الذي ورَدَتْ فيه.

اختلاف عطف البيان عن عطف النسق:

بِناءً على ما ذكرناه من تعريف عطف البيان، نقول: إن عطف البيان يختلف عن عطف النسق في:

• أن عطف النسق تابعٌ يتوسط بينه وبين متبوعه أحدُ حروف العطف، على ما سيأتي بيانه بالتفصيل عند ذكر عطف النسق، إن شاء الله؛ أما عطف البيان فهو تابع يوضِّح متبوعه، أو يفيد تخصيصه، ويكشف غموضه دون الحاجة إلى حرفٍ مِن حروف العطف.

ما يتطابق فيه عطف البيان مع متبوعه.

يتطابق عطف البيان مع متبوعه في الأمور الآتية:

1- أوجه الإعراب الثلاثة: الرفع، والنصب، والجر، فيتبعه في واحد منها.

2- التعريف والتنكير: فإن كان المتبوعُ معرفةً كان عطف البيان معرفةً، وإن كان المتبوعُ نكرة كان عطف البيان نكرةً مثله.

3- الإفراد والتثنية والجمع: فيتطابق معه في العدد، إفرادًا، أو تثنيةً، أو جمعًا.

4- التذكير والتأنيث: فيتطابق معه في النوع، ولنطبق وجوه التطابق السابقة على النصائح التالية:

1- يا أخي طالب العلم، درس النحو فرصة فاغتنمها.

2- يا أختي المؤمنة، زينتك النقاب فتمسَّكي به.

3- يا إخواني طلبة العلم، علم الشرع نور فاسعوا إلى تحصيله.

وعلى ذلك يُمكن أن يُقال: إن عطف البيان يتوافق مع متبوعه في أربعة مِن عشرة؛ بمعنى: أن أي مثال يحمل دائمًا أربع صفات مِن صفات التطابُق العشرة:

الأولى: واحدة من أوجه الإعراب الثلاثة.

والثانية: واحدة من التعريف والتنكير.

والثالثة: واحدة من الإفراد والتثنية والجمع.

والرابعة: واحدة من التذكير والتأنيث.

فيصدق عليه ما سبق أن عرفناه عن النعت الحقيقي تمامًا.

بعض استعمالات عطف البيان في الكلام العربي.

من مواضع عطف البيان في الكلام العربي ما يلي:

1- الاسم المقترن بـ(أل) بعد أسماء الإشارة[8]؛ نحو قوله تعالى:﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة: 2]، وقوله عز وجل:﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾ [البقرة: 35]، وقوله سبحانه: ﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا ﴾ [الأعراف: 101] [9].

2- اللقب بعد الاسم العلم[10]؛ نحو: جاء عليٌّ زينُ العابدين - خالدٌ سيفُ الله المسلول نصر الله به المسلمين.

3- الاسم العلم بعد الكنية؛ نحو: أبو حفص عمرُ بن الخطاب رمزُ العدالة، فالاسمُ العلم (عمر) هنا أتى بعد كنيته (أبو حفص)؛ ولذلك فإنه يُعرب عطف بيان لهذه الكنية؛ لأن القاعدة عند النحاة: أن الاسم العلم إذا أتى بعد الكنية فإنه يُعرب عطف بيان.

4- التفسير بعد المفسَّر؛ سواء كان مع استعمال الحرف (أي)، أم بدونه؛ تقول: العسجد الذهب تجب فيه الزكاة؛ فلفظ (الذهب) عطف بيان، وقد جاء تفسيرًا لكلمة (العسجد) المتقدِّمة.

5- وتقول: رأيت غضنفرًا؛ أي: أسدًا؛ فلفظ (أسدًا) عطف بيان، وقد جاء تفسيرًا لكلمة (غضنفرًا) بعد (أي) التفسيرية.

الموصوف بعد الصلة، ومثال ذلك: (خليل الله إبراهيم، كليم الله موسى، المسيح عيسى ابن مريم، خاتم الأنبياء محمد، ذو النورين عثمان، أم المؤمنين عائشة، ذات النطاقين أسماء، شاعر الرسول حسان، أمير الشعراء شوقي، شاعر النيل حافظ)، ففي هذه الأمثلة تقدمت الكلمات: (خليل الله، كليم الله، المسيح، خاتم الأنبياء، ذو النورين، أم المؤمنين، ذات النطاقين، شاعر الرسول، أمير الشعراء، شاعر النيل)، وهي في الأصل صفات، وتأخَّرت الكلمات: (إبراهيم، موسى، عيسى، محمد، عثمان، عائشة، أسماء، حسان، شوقي، حافظ)، وهي موصوفة بهذه الصفات المتقدمة، وعليه فقد تقدمتْ هنا الصفة على الموصوف، وقد ذكر النحاة: أن الصفة إذا تقدمت على الموصوف أُعرب الموصوف عطف بيان؛ تقول: بعث الله الكليم موسى إلى فرعون. فتعرب (موسى): عطف بيان لـ(الكليم).

6- كلمتا (ابن، وبنت) إذا وقعتا بعد الاسم العلم، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله لو أن فاطمةَ بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها))؛ فإن كلمة (بنت) في هذا الحديث قد وضَّحت كلمة (فاطمة) بأنها بنت محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك أُعربت عطف بيان[11].

[1] وذلك بإزالة ما قد يطرأ عليها من الشيوع بسبب تعدُّد مدلولها، فعلى سبيل المثال: (خالد، وصالح، ومحمد) معارف، لكن قد يحصل لها شيء من الشيوع بسبب تعدُّد مدلولها، فلا بد من شيء يوضِّح المراد، ويُزيل الإبهام.

[2] وذلك بتحديد مدلول هذه النكرة وتقليله، ومن ثَمَّ سُمِّي هذا النوع مِن نوعي العطف بعطف البيان، فهو بمنزلة التفسير والبيان للاسم الأول نكرةً كان أو معرفةً، باسم مرادف له - وكأنك عطفته على نفسه - يكون أشهر منه، وينتبه إلى قولنا: يكون أشهر منه؛ فإنه يجب أن يكون عطف البيان أوضحَ من متبوعه وأشهر، وإلا فهو بدل؛ نحو: جاء هذا الرجل، فـ (الرجل) بدل من اسم الإشارة، وليس عطف بيان؛ لأن اسم الإشارة أوضح من المعرف بـ (أل)، وأجاز بعض النحويين أن يكون عطفَ بيانٍ؛ لأنهم لا يشترطون فيه أن يكون أوضح من المتبوع، وما هو بالرأي السديد؛ لأنه إنما يؤتى به للبيان، والمبيِّن لا بد أن يكون أوضحَ من المبيَّن.

[3] فـ(أبيه) معرف بالإضافة، و(آزر) معرَّف بالعلَمية.

[4] ومثال توضيح عطف البيان للمتبوع إن كان معرفة كذلك: أكرمت محمدًا أخاك، فكلمة (أخاك) جاءتْ لتوضيح المراد بـ(محمد)؛ إذ لولا هذا التابع لبقيت كلمة (محمد) برغم أنها معرفة بالعلمية - بحاجة إلى مزيد من الإيضاح والتبيين، كما تقدم.

ومن ذلك أيضًا، قول الشاعر:

أقسم بالله أبو حفص عمر

فـ(عمر) عطف بيان جِيءَ به لتوضيح الكنية (أبو حفص)؛ لأنه تفسير لها ولبيان، وكلاهما معرفة، والغرض من هذا التوضيح تمييز هذه الكنية عن مشاركي عمر بن الخطاب بمثلها. وإعراب هذا المثال هكذا: أقسم: فعل ماض، وبالله: جار ومجرور؛ الباء: حرف قسم وجر، والاسم الشريف: مقسم به مجرور، وأبو: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، وحفص: مضاف إليه، وعمر: معطوف على (أبو) عطف بيان، والمعطوفُ على المرفوع مرفوعٌ.

[5] إذ إن كلمة (ماء) مدلولها شائع كامل الشيوع، فما جاء لتحديدها وتقليلها فهو مُخصِّص لها.

[6] ومثال تخصيص النكرة كذلك: قوله تعالى: ﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ﴾ [المائدة: 95]؛ فكلمة (طعام) مضافة إلى (مساكين) عطف بيان، جِيءَ به لتخصيص النكرة التي هي لفظ (كفارة)؛ إذ الكفارة تحتمل أن تكون إطعامَ مساكين، أو غير ذلك، فجاءت عبارة: ﴿ طَعَامُ مَسَاكِينَ ﴾ مُخصِّصة، أو مُبيِّنة للفظ (كفارة) المطلق، ومثال ذلك أيضًا: سمعت كلمةً خطبةً كثيرةَ المعاني، قليلةَ الألفاظ؛ فكلمة (خطبة): عطف بيان، جاءت لتخصيص النكرة، وهي (كلمة)؛ لأنَّ مدلولاتها متعددة: مِن شعر ونثر، ومن خطبة ومقالة، ولولا هذا التابع لبقيتْ هذه الكلمة على شيوعها وتعدُّد مدلولها، ومِن ذلك أيضًا: هذا خاتمٌ حديدٌ؛ فـ(حديد): عطف بيان لـ(خاتم) ذكر لتخصيصه؛ لأن الخاتم قد يكون حديدًا، أو ذهبًا، أو غيرهما.

فائدة: ويجوز لك كذلك في كلمة (حديد) وجهان آخران، هما:

• الجر بالإضافة على معنى (من).

• والنصب على التمييز.

ومثال تخصيص النكرة أيضًا: نحن الآن في جوٍّ ربيعٍ، وكنا قبل ذلك في طقسٍ شتاءٍ.

[7] ومن ذلك: قول الله تعالى: ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾ [المائدة: 97].

[8] انظر ما تقدم من الخلاف في حكم الاسم المعرف بـ (أل) إذا أتى بعد اسم الإشارة: هل يكون عطف بيان، أو يكون بدلًا؟

[9] فكلٌّ مِن الكلمات: (الكتاب، والشجرة، والقرى)، تُعرَب عطف بيان لأسماء الإشارة السابقة لها، وهذا على قول كثير من النحاة.

[10] فكل لقب يأتي بعد الاسم العلم يُعرب عطف بيان لهذا الاسم العلم.

[11] فهذه مواضع ستة ذكرها النحاة لعطف البيان في اللغة العربية، إلا أن هذه المواضع الستة عينَها تصلح كذلك لبدل كلٍّ من كل؛ ولذلك من النحاة من اعتبر بدل كل من كل وعطف البيان شيئًا واحدًا، وأنكروا وجود عطف البيان في اللغة العربية، وجعلوه من باب بدل كل من كل، كما سيأتينا بالتفصيل في باب البدل، إن شاء الله تعالى.