الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله - الصفحة 16 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3943 - عددالزوار : 386387 )           »          عرش الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أسلحة الداعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 66 - عددالزوار : 16174 )           »          لماذا يرفضون تطبيق الشريعة؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 3121 )           »          الأيادي البيضاء .. حملة مشبوهة وحلقة جديدة من حلقات علمنة المرأة المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          التوبـة سبيــل الفــلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          طرق تساعد على تنمية ذكاء الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 101 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #151  
قديم 08-12-2020, 12:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

والدين الحكمي:
هو الأعيان المضمونة بأنفسها لأنها هي ليست نفس الدين، وإنما الدين مثلها أو قيمتها، لأنها إذا هلكت كان الواجب المثل في المثلي، أو القيمة في القيمي، فيصح أن تكون الأعيان المضمونة سببا للرهن كالدين الحقيقي.
ولا يشترط في الدين أن يكون مقدما على الرهن، بل يصح أن يرهن شيئا في مقابل دين يعده به، فإذا وعده أن يقرضه ألفا على أن يرهنه داره فرهنها له على ذلك صح الرهن، فإذا دفع له بعض ما وعده به وامتنع فإنه لا يجبر على دفع الباقي. وإذا هلك هذا الرهن في يد المرتهن كان مضمونا عليه بالدين إذا كان الدين مساويا للقيمة أو أقل. أما إذا كان الدين أكثر كان مضمونا بالقيمة. وكذلك يشترط في الدين أن يكون عينا، فلا يصح رهن الدين ابتداء، أما إذا رهن عينا فباعها المرتهن بإذنه فإن ثمنها يكون رهنا بدلها، لأن الثمن وإن لم يكن عينا لكنه يرهنه ابتداء بل هو بدل عن القيمة المرهونة.
هذا ويصح رهن الذهب والفضة. فإن رهن كل منهما بجنسه وهلك هلك بمثله، وإن رهن بغير جنسه، كالذهب بالفضة، أو الحنطة، وهلك هلك بقيمته.
ويصح أن يجعل رأس السلم سببا في الرهن، كما يصح أن يجعل المسلم فيه كذلك، فإذا أسلم شخص مائة جنيه في مائة إردب من القمح يأخذها بعد سنة ولم يدفع الجنيهات ولكنه رهن في مقابلها داره فإنه يصح، لأن الجنيهات دين حقيقي عند المسلم. وكذلك إذا رهن المسلم إليه للمسلم داره حتى يسلمه القمح فإنه يصح.
وإذا اشترى شخص من آخر دارا ولكنه خشي أن تكون مملوكة لغيره، أو لغيره فيها حق فأخذ منه رهنا على هذا الخوف، فإن الرهن يقع باطلا ويسمى رهن الدرك، لأن الخوف ليس مالا حتى أن يكون سببا للرهن. وأما القسم الثاني وهو شروط الصحة: فهي ثلاثة أنواع: النوع الأول: يتعلق بالعقد وهو شيئان: الأول:
أن يكون معلقا على شرط لا يقتضيه العقد. الثاني: أن لا يكون مضافا إلى وقت كأن يقول:
رهنتك هذا مدة شهرين أو ثلاثا.
والنوع الثاني: يتعلق بالمرهون وهو أمور:
الأول:
أن يكون المرهون متميزا، فلا يصح رهن المشاع غير المميز، سواء كان مشاعا يحتمل القسمة أو لا يحتملها، وسواء رهنه من أجنبي أو من شريكه. فإذا كان لشخص دين على آخر وكان شريكا له في دار على الشيوع فإنه لا يصح أن يرهن منه نصيبه في الدار نظير دينه.
الثاني:
أن يكون المرهون في حياة المرتهن بعد قبضه، فلا يصح رهن الثمر على الشجر بدون الشجر، كما لا يصح رهن الزرع على الأرض بدون الأرض، لأن الشجر المتعلق به الثمر لم يكن في حيازة المرتهن فكذلك الثمر المرهون، ومثله الزرع الذي على الأرض إذ لا يمكن حيازة ثمر بدون شجر. ولا زرع بدون الأرض التي عليها. ومعنى في حيازة المرتهن أن لا يكون مجتمعا في يده.
الثالث:
أن يكون المرهون فارغا غير مشغول بحق الراهن، فلا يصح رهن الشجر مع شغله بالثمر الذي هو حق الراه، وكذلك لا يكون رهن دار مشغولة بمتاع للراهن ثم استلمها المرتهن قبل إخلائها.
الرابع:
أن لا يكون المرهون نجسا، فلا يصح للمسلم أن يرهن الخمر من مسلم أو يرتهنها، كما لا يصح أن يفعل ذلك مع ذمي. وإذا رهن الخمر عند ذمي فأهلكها الذمي فلا ضمان عليه. أما إذا رهنها ذمي عند مسلم فأراقها المسلم أو أضاعها فإن عليه ضمانها للذمي. ومع ذلك فقد قالوا: إن رهنها غير صحيح، ومقتضى القاعدة المتقدمة في بيان الرهن الباطل وهي:
أن لا يكون المرهون مالا يقتضي صحة رهن الذمي الخمر عند مسلم، لأنها مال متقوم عند الذمي، ومضمون على المسلم إذا أضاعه.
الخامس:
أن لا يكون من الأعيان المباحة التي لا يتعلق بها الملك كالأعشاب المباحة للرعي والصيد المباح فإن رهنها فاسد. أما كون الأعيان مملوكة للراهن فليس بشرط في الرهن. فإن للإنسان أن يرهن ملك غيره إذا كانت له عليه ولاية، كما إذا رهن الولي مال المحجور عليه لصغر أو سفه أو نحوهما، سواء كان أبا أو وصيا عليه، فإن الرهن يكون صحيحا ولو كان ذلك لمصلحة الولي، كأن يرهن الأرب مال ابنه الصغير في دين على الأب فإنه يصح، فإذا هلك الرهن في يد المرتهن قبل أن يفك الأب الرهن ضمنه الأب بالأقل من قيمته ومما رهن به، فإذا كانت قيمة المرهون ثلاثين جنيها ورهنه بدين مقداره خمسة وعشرون، ضمنه بخمسة وعشرين وبالعكس.
إذا بلغ المحجور عليه رشده والرهن باق في يد المرتهن فليس له أن يسترد إلا بقضاء الدين، ولكن يؤمر الأب بقضاء الدين ورد المرهون على ولده. ولو قضى الولد دين أبيه وافتك المرهون لم يكن متبرعا ويرجع بجميع ما قضى على أبيه.
ومثل الأب الوصي، إلا أنه هلك المرهون في حالة ما إذا كان الراهن الوصي فإنه يضمنه بقيمته لا بالأقل للفرق الظاهر بين الأب وغيره، لا لأن الأب له أن ينتفع بمال ابنه.
وكذلك يصح له أن يرهن ملك غير المستعار بإذنه، فإذا استعار شخص عينا من صديق أو قريب أو غيرهما ليرهنها في دين عليه فإنه يصح متى رضي له صاحبها بذلك، ولا يشترط أن يبين له جنس الرهن ولا قدره ولا أمد أجله، فإذا فعل شيئا من ذلك وجب عليه أن يتقيد به، فإن خالف فللمعير أن يأخذ ما أعاره ويفسخ الرهن.
وبالجملة: فكل ما يصح بيعه يصح رهنه إلا أمور: أهمها المشاع، والمشغول بحق الراهن؛ والمتصل بغيره؛ كالزرع المتصل بالأرض وقد بينا ذلك.
النوع الثالث يتعلق بالعاقدين:
وهو العقل؛ فلا يصح الرهن من المجنون والصبي غير المميز. أما الصبي المميز والسفيه اللذان يعرفان معنى المعاملة فإن تصرفهما في ذلك يكون صحيحا بإذن الولي، فالبلوغ ليس شرطا في صحة الرهن، ومثله الحرية.
وحكم الرهن الفاسد:
أنه يكون مضمونا بقبضه، بخلاف الرهن الباطل فإنه لا يكون مضمونا.
وأما القسم الثالث: وهو شرط اللزوم:
فهو قبض المرهون، فإذا حصل الإيجاب والقبول مع شرط الانعقاد انعقد الرهن صحيحا ولكنه لا يكون لازما إلا بالقبض، فللراهن أن يرجع في رهنه قبل أن يسلم المرهون فهو نظير الهبة، فإن للواهب الحق في الرجوع عن هبته قبل أن يقبضها الموهوب له. أما بعد قبضها فإنه ليس له الرجوع إلا برضا الموهوب له أو بالقضاء كما سيأتي في بابها إن شاء الله.
وصحح بعضهم أن القبض شرط في الانعقاد، فإذا لم يقبض المرهون كان العقد باطلا، ولكن الأول أصح، ومن شروط اللزوم أيضا: الرشد والتكليف.
ويشترط في القبض إذن الراهن صريحا أو دلالة، فالأول كأن يقول للمرتهن:
أذنتك بقبض العين المرهونة، أو رضيت بقبضها، فيجوز للمرتهن بعد التصريح أن يقبضها في المجلس أو بعد الافتراق، والثاني كأن يقبض المرتهن العين بحضرة الراهن فيسكت ولا ينهاه، وبهذا يكون القبض صحيحا لأن سكوته يدل على الإذن بالقبض، وإذا قبض المرهون مع الإخلال بشرط من الشروط السابقة كان القبض فاسدا فلا يلزم به العقد، كما إذا كان المرهون مشغولا بحق الراهن، أو كان مما لا يمكن حيازته وحده كالثمر على الشجر، والزرع على الأرض، أو كان مشاعا، وكذلك إذا كان القابض غير عاقل فإن قبضه لا يصح، فهذه شروط لصحة القبض أيضا كما أنها شروط لصحة الرهن.
الشافعية - قالوا:
تنقسم شروط الرهن إلى قسمين:
القسم الأول:
شرط لزوم وهو قبض المرهون، فإذا رهن دارا ولم يستلمها المرتهن لم يلزم العقد، فيصح للراهن أن يرجع فيه.
وإذا كانت العين المرهونة تحت يد المرتهن قبل العقد، سواء كان ذلك بإجارة، أو إعارة، أو غصب، أو غير ذلك فإنها تكون مقبوضة له بعد العقد إذا مضى زمن يمكن قبضها فيه، ويشترط لصحة القبض إذن الراهن.
القسم الثاني:
شروط الصحة وهي أنواع:
النوع الأول، يتعلق بالعقد: وهو أن لا يكون معلقا على شرط لا يقتضيه العقد عند حلول الدين فإن هذا يبطل الرهن، أما إذا اشترط شرطا يقتضيه العقد كشرط تقدم المرتهن على غيره من الغرماء في الاختصاص بالعين المرهونة فإنه لا يضر.
النوع الثاني، يتعلق بالعاقدين الراهن والمرتهن:
وهو أهلية العاقدين بأن يكون كل منهما بالغا عاقلا غير محجور عليه فلا يصح رهن الصبي والمجنون والسفيه مطلقا ولو بإذن الولي، على أن يجوز للولي أن يتصرف في مال المحجور عليه بالرهن في حالتين:
الحالة الأولى:
أن تكون ضرورة تدعوه إلى الرهن، كاحتياجى المحجور عليه لطعام أو كسوة أو تعليم أو نحو ذلك، بشرط أن لا يجد الولي وسيلة للإنفاق عليه سوى رهن ماله.
الحالة الثانية:
أن يكون في الرهن مصلحة مالية تعود على المحجور عليه، كما إذا وجد عينا تباع وفي شرائها ربح للمحجور عليه ولم يجد مالا يشتريها به، فيصح له أن يرهن ملكه ليشتري به هذه العين حرصا على فائدة المحجور عليه.
النوع الثالث:
يتعلق بالمرهون وهو أمور:
أولا:
أن يكون للراهن ولاية على المرهون بأن كان ماله محجورا عليه وهو ليه أو وصيه، أو كان مالا استعاره من شخص ليرهنه في دينه، ويشترط في الاستعارة لذلك ثلاثة شروط:
أحدها:
أن يبين المستعير لمن يريد أن يستعير منه جنس الدين وقدره وصفته كأن يقول له: إن دينه الذي يريد أن يرهنها فيه عشرون جنيها مصرية، أو إنكليزية، أو مائة ريال فضة مصرية أو غيرها.
ثانيها:
أن يبين له أجل الدين إن كان بعيدا أو قريبا.
ثالثها:
أن يذكر له المرتهن الذي يريد أن يرهنها عنده. وليس لصاحب العارية أن يرجع فيها بعد أن يقبضها، وإذا تلفت العين المستعارة بعد ذلك فلا ضمان على الراهن ولا على المرتهن وعند حلول الأجل يطلب المرتهن دينه من المالك والراهن معا. وإذا بيعت العارية كان لصاحبها الثمن الذي بيعت له فقط وإن كان أقل من قيمتها.
ثانيا:
أن يكون المرهون عينا فلا يصح رهن سكنى الدار ونحوها من المنافع التي ليست عينا وكذلك لا يصح رهن الدين ابتداء، فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا على آخر وكان مدينا لغيره بمائة جنيه فإنه لا يصح أن يرهن المائة التي له في المائة التي عليه لأنها ليست عينا. نعم يصح رهن الدين دواما كما إذا رهن شخص عينا في دين عليه فأتلفها المرتهن وهي عنده، فإنها في هذه الحالة تكون مضمونة على المرتهن إن كانت مثلية، وبقيمتها إن كانت قيمية، ويكون بدلها عنده مرهونا في مقابل دينه، فيصح رهن الدين في هذه الحالة لأنه ليس دينا من أول الأمر، بل هو في الأول رهن عين فلذا صح رهنه بعد أن ينقلب دينا.
ثالثها:
أن لا تكون العين سريعة الفساد والدين مؤجل إلى أمد بعيد، بحيث يلحق العين الفساد قبل حلول الأجل، سواء اشترط عدم بيعها أو لم يشترط شيئا.
أما إذا اشترط بيعها قبل أن يلحقها الفساد، أو كانت لا تفسد قبل حلول الأجل فإنه يصح رهنها ومثال ما لا يصح رهنه: أن يرهن لدائنه ثلجا في نظير دين يحل موعده بعد شهر وشرط أن لا يبيع الثلج، أو لم يشترط شيئا فإن الرهن فاسد إلا إذا أمكن حفظ الثلج كل هذه المدة أما إذا رهن له ثلجا يمكن تجفيفه وحفظه فإنه يصح: وعلى الراهن نفقة تجفيفه.
رابعا:
أن تكون طاهرة، فلا يصح رهن النجس على ما تقدم في البيع.
خامسا:
أن يكون منتفعا به انتفاعا شرعيا ولو في المستقبل كالحيوان الصغير، فإنه يصح رهنه لكونه ينتفع به مستقبلا وغير ذلك من الشروط المذكورة في البيع، فكل ما يصح بيعه يصح رهنه إلا المنفعة فإنه يصح بيعها ولا يصح رهنها، فلا يصح أن يرهن منفعة حق المرور ولكن يصح بيعها كما تقدم.
النوع الرابع:
يتعلق بالمرهون به "سبب الرهن" وهو أربعة أمور:
الأول:
أ، يكون دينا فلا يصح الرهن بسبب غير الدين كالمغصوب والمستعار ونحوهما. فإذا باع أرضا مغصوبة فلا يصح أن يرهن داره بسببها. وكذلك إذا استعار دابة فإنه لا يصح أن يرهن ثوبا من أجلها لأنها ليست بدين، لأن فائدة الرهن أن يؤخذ منه في نظير الدين والعين ما دامت موجودة فإن اللازم ردها بنفسها.
الثاني:
أن يكون الدين ثابتا فلا يصح الرهن قبل ثبوته، كما إذا رهنه داره على أن يقرضه مائة جنيه، أو يرهن ساعته في الأشياء التي يشتريها من حانوت الزيات ونحوه لأن الثمن لم يثبت قبل أن يأخذها.
أما إذا اشترى بثمن مؤجل ورهن عينا مقابل الدين الذي لم يحل في عقد البيع فإنه جائز كأن يقول له: بعتك أرض كذا بمائة جنيه، وارتهنت منك دارك في ثمنها فيقول المشتري: اشتريت ورهنت.
الثالث:
أن يكون الدين لازما في الحال أو في المآل، فيصح الرهن بسبب الثمن في مدة الخيار، فإذا باعه دارا بشرط الخيار واستلمها المشتري ولم يقبض البائع الثمن فإن له أن يأخذ رهنا مقابل ثمنها، لأن الثمن وإن لم يكن دينا لازما في الحال ولكنه لازم مآلا.
الشرط الرابع:
أن يكون الدين معلوما عينا وقدرا وصفة، فلا يصح الرهن مع جهل شيء من ذلك.
الحنابلة - قالوا:
تنقسم شروط الرهن إلى قسمين:
شروط لزوم، وشروط صحة فأما القسم الأول وهو شروط اللزوم:
فهو قبضه المرهون، فإذا قبض المرتهن لزم الرهن في حق الراهن فليس له الرجوع بعد ذلك. أما قبل القبض فإنه لا يلزم ويصح له أن يتصرف فيه كما يشاء، حتى إن له أن يرهنه لشخص آخر ويكون ذلك إبطالا للرهن الأول. ولو أذن الراهن للمرتهن في قبضه ولكنه لم يقبضه، فإنه يصح له أن يتصرف فيه أيضا. وكذلك لا يلزم في حق المرتهن مطلقا فله فسخه متى شاء، لأنه هو الذي ينتفع به في حفظ دينه وحده، فإن شاء أبقاه وإن شاء فسخه. والدليل على أنه لا يلزم إلا بعد القبض وقوله تعالى:
{فرهان مقبوضة} ، فالقبض شرط في لزومه.
ويشترط في صحة القبض: أن يأذن له الراهن، فإن قبضه من غير إذنه لم يكن الرهن لازما وصفة قبضه كصفة قبض البيع، فإن كان منقولا فيكون قبضه بنقله كالحلي أو تناوله كالنقدين وإن كان مكيلا فيكون قبضه بكيله، أو موزونا فبوزنه، أو معدودا فبعده، أو مذروعا فبذرعه.
أما إن كان غير منقول كعقار من أرض وبناء وشجر، وثمر على شجر، وزرع على أرض فإن كل ذلك يصح رهنه، ويكون قبضه بالتخلية بينه وبين مرتهنه من غير حائل، واستدامة القبض شرط في اللزوم، فإن رد المرتهن المرهون للراهن بإجارة أو إعارة أو إيداع أو نحو ذلك زال لزومه وأصبح كأنه لم يكن مقبوضا، فإن أعاده الراهن إلى المرتهن ثانيا باختياره عاد لزومه بالعقد السابق.
أما إذا انتزع المرهون من يد المرتهن بغير اختياره كأن اغتصبه الراهن منه، أو سرق منه، فإن العقد يبقى على لزومه.
وأما شروط الصحة فهي أربعة أنواع: نوع يتعلق بالعقد، ونوع يتعلق بالمتعاقدين الراهن والمرتهن، ونوع يتعلق بالمرهون، ونوع يتعلق بالمرهون به.
النوع الأول:
ما يتعلق بالعقد وهو:
أن لا يكون العقد معلقا بشرط لا يقتضيه العقد كما تقدم في البيع، النوع الثاني:
ما يتعلق بالعاقدين وهو:
أن تتحقق الشروط السابقة في صحة بيعها فيصح الرهن ممن يصح منه البيع، فلا يصح الرهن من سفيه ولا من مفلس ولا من مجنون غير مميز على التفصيل المتقدم في البيع.
النوع الثالث: ما يتعلق بالمرهون وهو أمور:
منها:
أن تكون العين مملوكة للراهن بنفسها أو بمنافعها، كأن يستأجر عينا من شخص ليرهنها في نظير دين عليه فإنه يصح، ومثل ذلك ما إذا استعار من شخص عينا ليرهنها كذلك. ولا يشترط أن يبين المدين للمؤجر والمعير قدر الدين الذي يرهنهما به. إنما ينبغي بيانه، وبيان المرتهن، ومدة الرهن، وجنس الرهن، فإذا اشترط شيئا من ذلك وخالفه لم يصح الرهن.
ومنها أن يكون المرهون عينا فيصح رهن كل عين يجوز بيعها، أما إذا لم يكن عينا فإنه لا يصح رهنه كما لا يصح بيعه، فلا يصح رهن المنافع، فلو رهنه سكنى داره في نظير دين عليه فإنه لا يصح وكذلك لا يصح رهن العين النجسة وغير ذلك مما تقدم في شرائط البيع، النوع الرابع: ما يتعلق بالمرهون به أعني سبب الرهن، وكل دين واجب أو مآله إلى الوجوب، كالثمن في مدة الخيار، فإذا باع لشخص عينا على أن يكون لأحدهما الخيار، فإنه يصح للبائع أن يأخذ رهنا بالثمن، لأنه وإن لم يكن واجبا الآن ولكنه يجب بعد مضي مدة الخيار، ومثل ذلك الأعيان المضمونة، فإنه يصح أخذ الرهن عليها كالمغصوب، فإذا باع أرضا مغصوبة لشخص فإنه يصح أن يرهنه داره ونحوها حتى يستلمها ومثلها العارية. فإذا استعار شخص من آخر شيئا فإنه يصح أن يرهنه عينا في نظير عاريته، لأن الرهن بسبب هذه الأعيان يحمل الراهن على أدائها، فإذا تعذر أداؤها يؤخذ بدلها من المرهون فأشبهت الدين الذي في الذمة، ويصح أخذ الرهن على إجارة في الذمة "كما إذا أجر بنائين على بناء دار فإنه يصح أن يأخذ رهنا منهم في نظير عملهم، حتى إذا لم يبنوا الدار فإن للمرتهن الحق في بيع المرهون ويستأجر منه من يعمله، "وقريب من هذا:
ما تأخذه المصالح من التأمينات التي يدفعها العمال حتى لا يهملوا في أدار أعمالهم".
ويصح رهن الأشياء التي تفسد بسرعة كالخضر والفواكهة الرطبة ونحو ذلك، فإن كان تجفيفها ممكنا كالبلح والعنب فإن الراهن يلزم بتجفيفها وتبقى حتى يحل أجل الدين، وإن لم يمكن تجفيفها وبقاؤها كالبطيخ والثلج، فإن اشترط المرتهن بيعه فإنه يبيعه ويجعل ثمنه رهنا، وإن لم يشترط بيعه ورضي الراهن ببيعه فذاك، وإن لم يرض أمر الحاكم ببيعه، وإذا شرط عدم بيعه في العقد بطل الشرط.
ويصح رهن المشاع للشريط وللأجنبي، فإذا كان شريكا لآخر في دار وله عليه دين، فإن له أن يرهنه نصيبه في الدار مقابل دينه، كما يصح أن يرهن نصيبه المشاع للأجنبي، وكذلك يصح أن يرهن بعض نصيبه، ثم إن كان المرهون مما لا ينقل كالعقار فإن قبضه يكون بأن يخلي الراهن بين المرهون وبين المرتهن وإن لم يحضر الشريك، وإن كان مما ينقل فإن اتفق المرتهن وشريكه على أن يبقى في يد أحدهما فذاك، وإلا جعله الحاكم في يد أمين، وللحاكم أن يؤجره عليهما إذا كان في ذلك مصلحة ويصح رهن المبيع قبل قبضه إذا كان غير مكيل أو موزون أو معدود أو مذروع؛ فإذا اشترى دارا ولم يستلمها فإن له رهنا لغير البائع، كما يجوز رهنها للبائع ولو في ثمنها. لأن الثمن دين في ذمة المشتري، والمبيع ملك له فيصح أن يرهنه) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #152  
قديم 17-03-2021, 01:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث القرض]
صـــــ 298 الى صــــــــ
309
الحلقة (114)

[مبحث الانتفاع بالمرهون]
ثمرة المرهون وما ينتج منه سواء كان أرضا زراعية، أو دارا يمكن استغلالها أو حيوانا، هل تكون للراهن أو للمرتهن؟ في ذلك تفصيل المذاهب(1) .
[مباحث القرض]
[تعريفه]
القرض بفتح القاف وقد تكسر،
وأصله في اللغة:
القطع، فسمي المال الذي تعطيه لغيرك ثم تتقاضاه منه قرضا لأنه قطعة من مالك.
وأما الاستقراض:
فهو طلب القرض،
يقال:
استقرض منه: أي طلب منه القرض فأقرضه. وأما المقارضة والقراض - بكسر القاف - فهما بمعنى واحد وهو أن يعطي شخص لآخر مالا ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما على ما شرطا، وأما معنى القرض في اصطلاح الفقهاء فإن فيه تفصيلا في المذاهب (2) .
[أحكام تتعلق بالقرض]
يتعلق بالقرض أحكام مفصلة في المذاهب(3) .



(1) المالكية - قالوا: ثمرة المرهون وما ينتج منه من حقوق الراهن، فهي له ما لم يشترط المرتهن ذلك فإنها تكون له بثلاثة شروط:
الأول:
أن يكون الدين بسبب البيع لا بسبب القرض. وذلك كما إذا باع شخص لآخر عقارا أو عروض تجارة أو غير ذلك بثمن مؤجل ثم ارتهن به عينا مقابل دينه.
الشرط الثاني:
أن يشترط المرتهن أن تكون المنفعة له، فإن تطوع بها الراهن له لا يصح له أخذها.
الشرط الثالث:
أن تكون مدة المنفعة التي يشترطها معينة. فإذا كانت مجهولة فإنه لا يصح. فإذا تحققت هذه الشروط الثلاثة صح للمرتهن أن يستولي على منفعة المرهون ويأخذها له، أما إذا كان بسبب القرض فإنه لا يصح له أن يأخذ المنفعة على أي حال، سواء اشترطها أو لم يتشرطها أباحها له الراهن أو لم يبحها، عين مدتها أو لم يعينها، وذلك لأنه يكون قرضا جر نفعا للمقرض فيكون ربا حراما.
ولا يلزم من كون المنفعة للراهن أن يتصرف في المرهون، أو يكون المرهون تحت يده كلا، فإن الرهن يكون تحت يد المرتهن ولكنه يعطي منفعته للراهن إذا لم يشترطها بالكيفية المتقدمة، فإذا رهن دارا فإن المرتهن هو الذي يؤجرها ولكن يعطي أجرتها للراهن، فإذا أذن المرتهن الراهن في إجارتها بطل الرهن ولو لم يؤجرها بالفعل.
ومثل ذلك ما أذنه بالسكنى. أما إذا كان الرهن يمكن نقله كأدوات الفراش فإن مجرد الإذن بإجارتها لا يبطل الرهن، بل لا بد في بطلانه من تأجيرها بالفعل: وكذلك إذا أذن الراهن المرتهن في بيع الرهن وسلمه له، فإن الرهن يبطل بذلك ويبقى دينه بلا رهن.
الشافعية - قالوا:
الراهن هو صاحب الحق في منفعة المرهون، على أن المرهون يكون تحت يد المرتهن ولا ترفع يده عنه إلا عند الانتفاع بالمرهون، فترد العين المرهونة للراهن مدة الانتفاع إن لم يمكن استثمارها وهي تحت يد المرتهن، ثم إذا لم يأتمن المرتهن الراهن على إعارة المرهون إليه يشهد عليه.
ويجوز للراهن أن ينتفع بكل ما لا ينقص العين المرهونة كسكنى الدار، وركوب الدابة بدون إذن المرتهن، وإلى ذلك يشير الحديث الصحيح "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا".
وليس للراهن أن يبني على الأرض المرهونة أو يغرس فيها أشجارا فإذا فعل ذلك لم يلزم بهدم البناء ولا بقلع الأشجار قبل حلول الدين. أما بعد حلول الدين فإن كان البناء أو الشجر يضر بثمن الأرض فلا تفي بالدين فإنه يلزم بإزالته وإلا فلا. ولا يدخل الشجر ولا البناء في الرهن لأنه طرأ بعد العقد.
أما التصرف الذي ينقص الذي ينقص قيمة المرهون فإنه لا يصح إلا بإذن المرتهن، فلا يصح للراهن أن يؤجر المرهون بعد قبضه مدة تزيد على مدة الرهن. أما إذا كانت الإجارة تنتهي عند حلول الدين أو قبله فإنه يصح لأن ذلك لا يضر المرتهن. أما إذا أذن المرتهن فإنه يصح، وللمرتهن الرجوع عن الإذن قبل أن يتصرف الراهن. وإذا رجع ولم يعلم الراهن برجوعه وتصرف بطل تصرفه.
وإذا اشترط المرتهن أن تكون منفعة المرهون له في عقد الرهن فإن العقد يفسد على الراهن وقيل: إن الذي يفسد هو الشرط والعقد صحيح، وعلى كل حل فلا يحل للمرتهن أن ينتفع بالعين المرهونة إذا اشترطها في العقد. أما إذا أباح الراهن للمرتهن منفعة العين التي يريد رهنها قبل العقد فإنه يحل له الانتفاع بها بعد العقد، كما إذا أعطاه مالا قبل عقد القرض بدون ذكر للقرض ثم عقد معه قرضا بعد ذلك فإنه يصح.
ثم إن الزيادة التي تتعلق بالمرهون تنقسم إلى متصلة ومنفصلة، فإن كانت منفصلة فلا تدخل في المرهون كالبيض والتمر والولد المنفصل.
أما إذا رهن له دابة حاملا ولم تلد عند بيعها لسداد الرهن فإنها تباع بحملها ويكون الولد تابعا لأنه متصل، وكذلك لو ولدت فإنه يباع تبعا على الصحيح. أما لو حملت بعد الرهن فإنه لا يكون داخلا في المرهون على الأظهر. ومثله الزيادة المتصلة كالسمن وكبر الدابة والشجر فإنه يدخل في المرهون تبعا.
أما إذا أذنه في بيعه ولم يسلمه له وادعى أنه أذنه في بيعه لأن بيعه خير من بقائه، فإنه يحلف على ذلك ويبقى ثمنه رهنا للآجل إن لم يأت الراهن برهن كالأول. وكذلك يبطل الرهن إذا أعار المرتهن الرهن للراهن أو لغير الراهن بإذنه إن لم يشترط رده إليه قبل مضي أجل الدين فإن اشترط ذلك فإن إعارة المرهون لا تبطل الرهن. ومثل الشرط العرف، فغذا كان العرف جاريا على أن المستعير يرد العارية قبل مضي أجل الرهن فإنه لا يبطل بالإعارة.
وكذلك يبطل الرهن بإعادته للراهن باختيار المرتهن، فإذا تصرف فيه الراهن ببيع ونحوه صح تصرفه. أما إذا لم يتصرف فيه فإن للمرتهن أن يأخذه ثانيا بعد أن يحلف أنه جاهل بأن ذلك نقض للرهن.
هذا، واعلم أن الزيادة المتعلقة بالمرهون إن كانت منفصلة كاللبن والسمن والزبد وعسل النحل والبيض وأجرة الدار ونحوها فهي للراهن، ولا تدخل في المرهون إلا بالشرط. وقد عرفت ما يصح للمرتهن الانتفاع به منها وما لا يصح، وأما الزيادة المتصلة كالجنين في بطن الدابة سواء حملت به وقت الرهن أو بعده، وفسيل النخل "وهو ولد النخلة الملتصق بها" فإنه يندرج في المرهون تبعا. أما الصوف على ظهر الغنم فإنه إذا كان تاما فإنه يندرج في المرهون، لأن تركه على ظهرها بعد تمامه من غير جز دليل على أن المقصود رهنه مع الغنم، أما إذا كان ناقصا لا يمكن جزه فإنه يكون كالزيادة المنفصلة فلا يتبع المرهون، فللراهن جزه بعد تمامه.
الحنفية - قالوا:
لا يجوز للراهن أن ينتفع بالمرهون بأي وجه من الوجوه إلا بإذن المرتهن، فلا يصح له أن يستخدم دابة ولا يسكن دارا ولا يؤجرها ولا يلبس ثوبا ولا يعير شيئا منها ما دامت مرهونة إلا بإذن المرتهن، ولا فرق بين أن يكون استعمال المرهون منقصا لقيمته أو لا، فإذا أذنه المرتهن فإنه يصح. على أن منافع المرهون وثمرته الناشئة منه من حقوق الراهن، مما يتولد من المرهون كالولد والثمر واللبن والبيض والصوف والوبر ونحو ذلك فهو من حقوق الراهن. فإذا بقي إلى فكاك الدين حسب بقسط من الدين.
أما إذا هلك قبل ذلك فلا يحتسب منه شيء، بل يعتبر كأنه لم يكن. أما ما كان بدلا عن منفعة كأجرة الدابة المرهونة فإنه ليس من حقوق الراهن. أما المرتهن فإن في جواز انتفاعه بالمرهون بإذن الراهن خلافا: فبعضهم يقول: لا يحل الانتفاع بالمرهون ولو أذنه الراهن، سواء كان سبب الدين بيعا أو قرضا لأنه يستوفي دينه كاملا. فتبقى له المنفعة زيادة بدون مقابل، وهذا هو عين الربا، ولكن الأكثر على أنه يجوز انتفاع المرتهن بالمرهون إذا أذنه الراهن بشرط أن لا يشترط ذلك في العقد، لأنه إذا شرطه يكون قرضا جر نفعا وهو ربا. ونظير هذا: ما لو اقترض من شخص مالا ثم أهدى له هدية. فإن كانت الهدية مشروطة فإنها تكون مكروهة أما إذا كانت بدون شرطها فإنها جائزة له وإذا أذنه فليس له الرجوع. فإذا استعمل المرتهن المرهون بإذن الراهن وهلك أثناء استعماله فإنه يهلك أمانة، فلا شيء على المرتهن ويبقى دينه. أما إذا هلك بعد استعماله أو قبله فإنه يهلك بالدين.
وإذا تصرف الراهن في المرهون بالبيع بدون إذن المرتهن فإن بيعه لا ينفذ إلا إذا قضاه دينه. وإذا لم يجز المرتهن البيع فإنه لا يملك فسخ البيع بل يبقى موقوفا، ويكون للمشتري الخيار بين أن يصبر إلى فكاك الرهن، وبين أن يرفع الأمر للقاضي ليفسخ البيع، وله حق الخيار سواء كان عالما بأن مرهون قبل أن يشتريه أو لا على الصحيح.
وكذلك إذا باعه المرتهن بدون إذن الراهن، فإن أجازه الراهن نفذ وإلا فلا، وله أن يبطله ويعيده رهنا وهذا هو الصحيح. وبعضهم يقول: ينفذ بيع المرتهن بدون إذن الراهن، فإذا أذن الراهن المرتهن في بيع المرهون يبقى ثمنه مرهونا بدله، سواء قبض الثمن من المشتري أو لا لقيامه مقام العين، والثمن وإن كان لا يصح رهنه ابتداء لأنه دين والدين لا يصح رهنه كما تقدم، ولكنه لا يصح في هذه الحالة، لأنه لم يرهن الدين ابتداء.
وإذا رد المرتهن المرهون للراهن بإعارته له فإن عقد الرهن لا يبطل بذلك، وإنما يبطل ضمان المرتهن لأنه ضامن للمرهون ما دام تحت يده، فإذا رد للراهن وهلك عنده لا يكون المرتهن مسؤولا عنه، فلا يسقط شيء من دينه بهلاكه.
فإذا أعاده الراهن للمرتهن ثانيا عاد ضمانه عليه، وللمرتهن أن يسترده إلى يده، فإذا مات الراهن قبل رجوع المرهون للمرتهن، كان المرتهن أحق به من سائر أرباب الديون الأخرى، لأن عقد الرهن باق، وتسمية رد المرهون للراهن إعارة فيها تسامح، لأن الإعارة تمليك المنافع بلا عوض، والمرتهن لم يملكها غيره؟
ولكن لم يترتب على رد المرهون للراهن ما يترتب على الإعارة من عدم الضمان، ومن جواز استردادها اشبه الإعارة فسمي إعارة. ومثل العارية في هذه الأحكام، الوديعة، إلا إذا أذن الراهن المرتهن في أن يودع المرهون إنسانا فإنه إذا هلك المرهون عند من أدع عنده فإنه يهلك بالدين، ففيه فرق بين الوديعة والعارية في حالة ما إذا أودع عند أجنبي بإذن. وحاصل هذا المقام: أن جملة ما يقع من التصرفات في المرهون ستة:
أحدها: العارية.
ثانيها:
الوديعة وقد عرفت حكمها.
ثالثها:
الرهن وهو مبطل للرهن، فغذا أذن الراهن للمرتهن في أن يرهن العين المرهونة لغيره ثانيا بطل عقد الرهن الأول، وكذلك إذن المرتهن للراهن في ذلك.
رابعها:
الإجارة ولها حالتان:
الحالة الأولى:
أن يكون المستأجر هو الراهن، كما إذا رهن محمد لخالد فدانا ثم استأجره محمد منه، وحكم هذه الحالة: أن الإجارة تكون باطلة، وأن المرهون يكون كالمستعار أو المودع فلا ضمان بهلاكه، وللمرتهن أن يسترده متى أراد.
الحالة الثانية:
أن يكون المستأجر هو المرتهن وجدد استلام المرهون بالإجارة، أو يكون المستأجر أجنبيا عنهما بإذنهما، وفي هذه الحالة يبطل عقد الرهن وتكون الأجرة للراهن ويقبضها من باشر العقد منهما إذا كانت الإجارة منهما لأجنبي، ولا يعود المرهون مرهونا إلا بعقد جديد.
خامسها:
البيع وقد عرفت حكمه.
سادسها:
الهبة وهي مثل البيع، فإذا أذن الراهن للمرتهن في أن يهب المرهون بطل الرهن، ولا يبطل بموت الراهن ولا المرتهن ولا بموتهما، ويبقى المرهون عند الورثة على حاله.
الحنابلة - قالوا:
المرهون إما أن يكون حيوانا يركب ويحلب، أو يكون غير حيوان، فإن كان محلوبا أو مركوبا فللمرتهن أن ينتفع بركوبه ولبنه بغير إذن الراهن نظير الإنفاق عليه، وعليه أن يتحرى العدل في ذلك.
أما إن كان المرهون غير مركوب ومحلوب فإنه يجوز للمرتهن أن ينتفع بالمرهون بإذن الراهن مجانا بدون عوض ما لم يكن سبب الرهن قرضا، فإنه لا يحل للمرتهن الانتفاع به ولو بإذن الراهن.
وكذلك لا يصح للراهن أن يتصرف في المرهون بدون إذن المرتهن، فلا يصح له أن يجعله وقفا، أو يهبه لأحد، أو يرهنه ثانيا، أو يبيعه. كما لا يصح له أن ينتفع به بالسكنى والإجارة والإعارة وغير ذلك بغير رضا المرتهن. وكذلك لا يملك المرتهن شيئا من ذلك بغير رضا الراهن فإذا لم يتفقا تعطلت منافع المرهون، فإن كان دارا أغلقت، وإن كان أرضا تعطلت منفعتها حتى يفك الرهن، فلا يصح أن ينفرد أحدهما بالتصرف.
وما يتولد من المرهون سواء كان متصلا به أو منفصلا عنه كاللبن والبيض والصوف، وما يسقط من الليف والسف والعراجين، وما قطع من الشجر من حطب وأنقاض الدار كل ذلك يكون رهنا بيد المرتهن، أو وكيله أو من اتفقا عليه، فيباع مع الأصل إذا بيع، فإن كان مما لا يمكن بقاؤه فإنه يباع ويجعل ثمنه رهنا كما تقدم.
ويصح أن يأذن الراهن في بيع المرهون وهو على ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يأذنه قبل حلول الدين مع اشتراط جعل الثمن رهنا، وفي هذه الحالة يصح البيع والشرط.
والصورة الثانية: أن يأذنه في بيعه بعد حلول جزء من الدين، وفي هذه الحالة يصح البيع ويأخذ من ثمنه قيمة ما حل من الدين ويبقى الباقي رهنا إن شرط ذلك.
الصورة الثالثة: أن يأذنه بالبيع قبل حلول شيء من الدين بدون أن يشترط شيئا، وفي هذه الحالة يبطل الرهن وينفذ البيع، ويبقى دين المرتهن بلا وثيقة
(2) المالكية - قالوا:
معنى القرض في الاصطلاح، هو أن يدفع شخص لآخر شيئا له قيمة مالية بمحض التفضل بحيث لا يقتضي ذلك الدفع جواز عارية لا تحل، على أن يأخذ عوضا متعلقا بالذمة أصلا، بشرط أن لا يكون ذلك العوض مخالفا لما دفعه. فقوله ما له قيمة مالية، خرج به ما ليس كذلك، كما إذا أعطاه قطعة نار ليوقد بها حطبه ونحو ذلك مما جرت العادة بأن يتبادله الناس من الأمور التافهة فإنه لا يكون قرضا، لأنه ليس له قيمة مالية: وقوله بمحض التفضل، معناه أن تكون منفعة القرض، عائدة على المقترض فقط، خرج به عقد الربا لأنه قرض في نظير منفعة تعود على المقرض. وخرج بقوله لا يقتضي إمكان عارية، خرج به عقد العارية لأنه يجيز انتفاع المستعير بالعارية وهو لا يسمى قرضا. وقوله على أن يأخذ عوضه، خرج به الهبة بلا عوض. وخرج بقوله بشرط أن لا يكون العوض مخالفا لما دفعه، السلم والصرف، فإن عقد السلم يقتضي أن يكون رأس مال السلم مخالفا للمسلم فيه.
وكذلك الصرف فإن أحد البدلين مخالف للآخر. وقوله آجلا، خرج به المبادلة المثلية كأن يأخذ منه إردب قمح ويعطيه مثله في الحال، فإن هذا لا يسمى قرضا بل مبادلة، ويصح القرض في كل ما يصج أن يسلم فيه، سواء كان عرض تجارة أو حيوان أو مثلي.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #153  
قديم 17-03-2021, 01:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الحنفية - قالوا:
القرض: هو ما تعطيه من مال مثلي لتتقاضى مثله؛ فيشترط في القرض أن يكون مثليا: وحد المثلي: هو الذي لا تتفاوت آحاده تفاوتا تختلف به القيمة، وذلك كالمكيلات والمعدودات المتقاربة كالبيض والجوز الشامي "عين الجمل" والموزونات، أما ما ليس مثليا كالحيوان والحطب والعقار ونحوه مما يقدر بالقيمة فإنه لا يصح قرضه. ومثله المعدودات المتفاوتة تفاوتا به القيمة كالبطيخ والرمان ونحوهما مما تقدم في السلم فإنه لا يصح قرضه. فإذا اقترض شيئا من ذلك وقع القرض فاسدا ولكنه يملك بالقبض: مثلا: إذا اقترض جملا ثم قبضه فإنه يملكه، ولكن لا يحل له
أن ينتفع به على أي وجه، فإذا باعه فإن بيعه يقع صحيحا نظرا للملك ولكنه يأثم بذلك، لأن الفاسد يجب فسخه، والبيع مانع من الفسخ فقد فعل ما ينافي الواجب فيأثم بذلك.
الشافعية - قالوا:
القرض يطلق شرعا بمعنى الشيء المقرض بفتح الراء، فهو اسم مفعول، ومنه قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} فإن القرض هنا معناه القرض الموصوف بكونه حسنا. ويطلق على المصدر بمعنى الإقراض. ويسمى القرض سلفا. وهو: تمليك الشيء على أن يرد مثله، فما جرت به العادة في زماننا من دفع "النقوط" في الأفراح لصاحب الفرح في يده أو يد من أذنه كأرباب الحرف يكون قرضا، لأنه تمليك لمال على أن يرد مثله، وقال بعضهم: إنه هبة لا يرد. وبعضهم يقول: ينظر للعادة في ذلك.
الحنابلة - قالوا:
القرض: دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله، وهو نوع من السلف لانتفاع المقترض بالشيء الذي يقترضه، وهو عقد لازم إذا قبضه المقترض، فليس للمقرض الرجوع فيه لكونه أزال ملكه بعوض سيأخذه.
أما المقترض فليس بلازم في حقه. فله أن يعدل عن القرض كما هو ظاهر

(3) الحنفية - قالوا: يتعلق بالقرض أحكام. منها: أنه مضمون بمثله، فإذا اقترض مكيلا كقمح مثلا فإنه لا يلزم إلا برد مثل ما أخذه بقطع النظر عن غلائه ورخصه. وكذلك الحال فيما يعد أو يوزن، فإذا اقترض فلوسا "قروشا رائجة" ثم بطلت المعاملة بها فإنه لا يلزم إلا برد مثلها. وكذلك إذا اقترض عشرين رطلا من اللحم وكان سعر الرطل خمسة قروش ثم نزل السعر إلى قرشين. فإنه لا يلزم إلا برد العشرين رطلا، وذلك إذا اقترض خبزا فإنه لا يلزم إلا برد العدد الذي أخذه أو بوزنه الخبز يصح قرضه عدا ووزنا.
ومنها: أن التوكيل يصح في القرض وفي قبضه كأن يقول شخص لآخر: أقرضني كذا. ثم يوكل عنه من يقبض له. أما الاستقرار وهو: طلب القرض فلا يصح التوكيل فيه، فإذا وكل شخص آخر في أن يذهب إلى فلان ويستقرض له منه شيئا فإنه لا يكون وكيلا عنه في ذلك. فإذا استقرض المأمور على الأمر لأنه ليس وكيلا له. وتصح الرسالة في الاستقراض كأن يرسل رسولا إلى فلان ليستقرض له منه، فإن ذهب الرسول وقال: فلان يستقرض منك كذا فأقرضه كان المال للآمر المرسل. أما إذا قال: أقرضني كذا وأضاف القرض لنفسه فأعطاه فإن المال يكون له، وله أن يمنعه من المرسل. وقد تقدم شيء من ذلك في مباحث اليمين.
ومنها: أن يكره أن يقرض شخص لآخر شيئا في نظير منفعة. ولكن محل ذلك إذا كانت المنفعة مشترطة في العقد، كأن يقرضه مثلا عشرين إردبا من القمح "الغلت" على أن يأخذ مثلها نظيفا. أما إذا أقرضه شيئا رديئا فأعطاه جيدا بدون شرط فإنه لا كراهة فيه. ومثل ذلك:
ما إذا أقرضه مالا يشتري منه سلعة بثمن غال. كما إذا كان عنده ثياب من الحرير أو القطن يساوي ثمن الواحد منها عشرة ثم جاءه رجل فاستقرض منه مائتين، فأعطاه ببعض القرض ثيابا ثمن الثوب عشرون وكمل له الباقي نقودا. فإذا لم يكن ذلك مشروطا في العقد يجوز. وبعضهم يقول بكراهته. أما اذا كان مشروطا في العقد فإنه يكون مكروها، ولا بأس أن يهدي من عليه القرض لمن اقترض منه. ولكن الأفضل التورع عن ذلك.
ومن ذلك ما إذا طلب شخص من آخر أن يقرضه مالا فقال له:
اشتر مني هذا الثوب بعشرين فاشتراه ثم باعه لشخص غير الذي اشتراه منه بعشرة، وهذا باعه لصاحبه بالعشرة فأخذها وأعطاها للمشتري الأول فأخذها، وبقي عليه دين العشرين، ويسمى هذا بيع العينة بكسر العين، فقال بعضهم: إنه جائز، وقال بعضهم: إنه مكروه.
ومنها: أنه لا يجوز أن يقرض الصبي المحجور عليه. فإذا أقرضه فأضاع الصبي ما أخذه فقد ضاع على صاحبه، أما إذا كان الصبي غير محجور عليه بأن كان مأذونا بالتصرف فإنه يصح أن يقرضه، لأنه يكون في حكم البالغ وبعضهم يقول: إن الصبي المحجور عليه إذا استهلك ما اقترضه يكون عليه ضمانه، أما إذا هلك بنفسه فلا ضمان عليه اتفاقا. ومثل الصبي في ذلك المعتوه.
الشافعية - قالوا: يتعلق بالقرض أحكام.
أولا أركانه كأركان البيع فلا بد من أن يكون الشيء المقترض معلوم القدر وكذلك لا بد فيه من الإيجاب والقبول كالبيع، والإيجاب تارة يكون صريحا، وتارة يكون كناية فالصريح كأن يقول: أقرضتك هذا الشيء أو سلفتك. ومثله ما إذا قال:
ملكت هذا الشيء بمثله. والكناية كأن يقول: خذ هذا الشيء بمثله، أو على أن ترد بدله، أو خذه ورد بدله، أو اصرفه في حوائجك ورد بدله. ولا يلزم الإيجاب والقبول في القرض الحكمي، وذلك كما إذا وجد دابة لقطة فأنفق عليها، فإن الإنفاق عليها له حكم قرض صاحبها، وهذا لا يشترط فيه القبول ولا الإيجاب.
ثانيا: أنه يشترط في المقرض بكسر الراء أن يكون أهلا للتبرع، فلا يصح للوالي أن يقرض مال المحجور الذي له عليه ولاية بلا ضرورة، كأن يخاف الوالي على مال المحجور عليه من الضياع نهبا ونحو ذلك. ولكن للقاضي أن يقرض مال المحجور عليه بدون ضرورة إن كان المقترض أمينا موسرا. وكذلك يشترط أن يكون المقرض مختارا، فلا يصح قرض المكره كسائر عقوده، أما المقترض فإنه يشترط فيه أن يكون أهلا للمعاملة بأن يكون بالغا عاقلا غير محجور عليه.
ثالثا:
يشترط في الشيء المقرض أن يكون مما يصح فيه السلم إذا كان موصوفا في الذمة، كأقرضتك جملي الموصوف بكذا، إنما يشترط أن يقبضه المقترض حالا، فلا يصح أن يؤخر قبضه زمنا على أنه لا يشترط في المجلس بل يصح ولو تفرقا. أما المعين كهذا الجمل الحاضر فإنه لا يشترط فيه القبض حالا. لأنه أقوى من الموصوف في الذمة فيصح تأخير قبضه، وقد عرفت في السلم أن المعين لا يصح فيه السلم ولكن يصح قرضه، وخرج بقول مما يصح فيه السلم الخ، الموصوف في الذمة التي لا يصح فيه السلم، نحو الدابة الحامل فإنه لا يصح قرضها، كما لا يصح أن تكون مسلما فيها. وإنما اشترط في القرض أن يكون الشيء المقرض مما يصح فيه السلم. لأن مالا يصح فيه السلم، لا ينضبط، أو يندر وجوده فيتعذر رد مثله. ويستثنى من ذلك الخبز فإنه لا يجوز السلم فيه، ولكن يجوز إقراضه وزنا لعموم الحاجة إليه. وبعضهم يقول: يجوز إقراضه عدا أو وزنا، وكذلك يستثنى قرض نصف عقار شائع كنصف دار فإنه لا يصح السلم فيه ولكن يصح إقراضه، وذلك لأن المطلوب في القرض أن يكون للشيء المقرض بفتح الراء مثل يمكن رده للمقرض بكسر الراء، ونصف الدار الشائع يقابله النصف الآخر وهو مثله تماما، فيصح في هذه الحالة أن يرد المقترض من النصف الآخر للمقرض وهو مثل ما أقرضه تماما. وإنما لم يصح السلم فيه لأنه نادر الوجود وإذ لا يوجد له مثل إلا نصفه الثاني؛ فلو نفذ يتعذر وجود مثل فلا يصح السلم لذلك. أما ثلثا العقار أو كل العقار فلا يصح قرضه، كما لا يصح السلم فيه لعدم وجود المثل حينئذ: ولا يقال: إنه يصح أن يقرض ثلثي العقار أو كل العقار ويدفع بدله من عقار آخر، إذ لا يلزم أن يرد في صورته ومعناه.
بل يكفي في القرض أن يكون نظيره في عقار آخر، لأن ذلك قد يترتب عليه نزاع، فإن المقرض قد لا يرضى إلا برد مثله الصوري. ولا يقبل رد نظيره من عقار آخر، وظاهر هذا أن المقرض إذا رضي بذلك ابتداء فإنه يصح.
ومن ذلك يتضح أنه يجوز قرض ما له مثل، وما له قيمة. فأما المثلي فإن على المقترض أن يرد مثله، سواء كانت نقودا معدودة أو غيرها، فلو اقترض نقودا وبطل العمل بها فلا يلزم إلا برد مثلها إذا كانت لها قيمة غير تافهة، أما إذا كانت لها قيمة تافهة فإنه يلزم برد قيمتها باعتبار أقرب وقت بالنسبة لوقت المطالبة بها، ومثلها الفلوس "القروش" من غير الذهب والفضة.
وأما القيمي فإن على المقترض أن يرد مثله صورة كما إذا اقترض جملا فإن المطلوب أن يرد جملا مثله، فلا يصح أن يرد فيه بقرة. نعم يصح أن يرده أحسن أو أكبر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض جملا وهو في السنة السادسة ورد مثله جملا في السنة السابعة.
رابعا: يفسد القرض بشرط يجر منفعة للمقرض كرد زيادة في القدر أو الصفة كأن يقترض منه قمحا غير نظيف بشرط أن يرده له مغربلا نظيفا، أو يقترض ورقا بشرط أن يرد ذهبا، فلو رد زيادة بلا شرط فحسن لما في الحديث السابق. أما إذا شرط أنه لا يقرضه إلا برهن، أو كفيل أو إشهاد فإنه لا يصح، لأن هذا الشرط من مقتضى العقد كما تقدم. وحاصل ذلك: أن الشرط في القرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول:
أن يجر نفعا للمقرض، وفي هذه الحالة يكون فاسدا مفسدا للعقد.
الثاني:
أن يجر نفعا للمقترض كأن يشترط المقترض أن يرد ردئيا وقد أخذ جيدا، وفي هذه الحالة يكون الشرط فاسدا والعقد صحيح.
الثالث:
أن يكون للوثوق، كطلب رهن وكفيل وهو صحيح نافذ، ومحل ذلك كله إذا وقع الشرط في صلب العقد أما قبل العقد فلهما أن يشترطا ما يعجبهما ويتفقا عليه من غير ذكر في طلب العقد ولا يكون مفسدا، ويصح أن نذكر هنا حيلة مخلصة من الربا وهي أنه إذا أراد أن يقترض شخص مالا من آخر، فيصح للمقرض أن يبيعه سلعة بثمن زائد على قيمتها ثم يشتريها منه بأقل مما باعها ويعطيه الثمن، فتحصل له الزيادة التي يريدها ولا تكون ربا. مثال ذلك: أن يبيعه مائة إردب من القمح بسعر الإردب جنيهين وهو يساوي جنيها ونصفا، ثم يشتريها منه بقيمتها الحقيقية فتحصل له الزيادة وينجو من الربا.
المالكية - قالوا: يتعلق بالقرض أحكام:
منها: أن كل ما يقبل جنسه السلم يصح قرضه كالمكيل والموزون والمعدود، فإن جنس كل واحد منها يقبل السلم، فالقمح مثلا يقبل السلم لكونه مكيلا، واللحم كذلك وإن كان قد يمتنع فيه السلم أحيانا، ولا يمتنع فيه القرض كما إذا كانت آلة الكيل أو الوزن مجهولة فإنه لا يصح فيه السلم ويصح فيه القرض، مثلا: إذا أقرضه قمحا كاله له بصفيحة أو جردل أو قصعة على أن يرد له مثله بالصفيحة أو الجردل أو القصعة فإنه يصح.
أما في السلم فإنه لا يصح إلا بآلة الكيل المعروفة بين الناس، وآلة الوزن المعروفة بين الناس أيضا "كالكيلة والربع والقدح" والرطل والأوقية المعلومة.
وكذلك يصح قرض الحيوان وعروض التجارة لأنه يصح السلم في جنسهما فيصح قرضهما كما تقدم.
ومنها: أنه يحرم على المقرض أن يأخذ هدية من المقترض إلا إذا كانت له عادة بذلك من قبل أو طرأ ما يدعو للهدية كمصاهرة ونحوها، أما الهدية لأجل الدين فهي تحرم ظاهرا وباطنا فإن كانت لمجرد التواد والتحابب فإنها تحل باطنا ولكن لا يقرها القاضي ظاهرا.
وكذلك يحرم أن يشترط في القرض شرطا يجر منفعة، كأن يشترط أن يأخذ سليما ويعطيه ضعيفا، فلا يصح أن يقرضه بقرة لا تقوى على الحرث ثم يشترط أن يأخذ بدلها بقرة تقدر عليه، أو يقرضه قمحا غلتا بشرط أن يأخذه نظيفا.
ومنها: أن القرض يملكه المقترض بمجرد العقد كالصدقة والهبة والعارية، فإذا قبضه المقترض فلا يخلو: إما أن يكون له أجل مضروب أو لا، فإن كان له أجل مضروب فإنه يلزم برده عند حلول الأجل وإن لم ينتفع به انتفاع أمثاله عادة، وإن لم يكن له أجل مضروب فلا يخلو: إما أن تكون العادة أن يرد مثل هذا القرض في وقت مخصوص كما إذا اقترض قمحا والعادة أن يرد مثله بعد حصاد القمح. وإما أن لا يكون في ذلك عادة، فإن كانت في ذلك عادة فإنه يعمل بها كما يعمل بانقضاء الأجل. فيلزم بالرد في الوقت الذي جرت به العادة، وإن لم تكن فيه عادة فإنه لا يلزم برده إلا إذا انتفع به الانتفاع الذي جرت به عادة أمثاله.
ويجوز للمقرض أن يرد مثل الذي اقترضه، وأن يرد عينه. سواء كان مثليا أو غير مثلي بشرط أن لا يتغير بزيادة أو نقص. فإن تغير وجب رد مثله.
أولا: إنه يصح القرض في كل عين يجوز بيعها من مكيل وموزون ومذروع ومعدود ونحوه، واختلف في قرض المنافع كأن يحصد معه يوما وهو يحصد معه يوما آخر، فأجازه بعضهم ومنعه الآخرون.
ثانيا: يشترط في الشيء المقترض "بفتح الراء" أن يكون قدره معروفا، فإن كان مكيلا فيلزم أن يعرف بمكيال معلوم بين الناس "كالكيلة والربع" ونحوهما.
وكذلك إن كان موزونا فينبغي أن تبين آلة الوزن المعروفة كالرطل والأوقية ونحوهما، فلا يصح القرض إذا كانت آلة الكيل أو الوزن مجهولة كالصفيحة والجردل. فإذا أقرضه قمحا كاله له بجردل أو قصعة فإنه لا يصح كالسلم.
ومثل ذلك آلة الوزن والذرع. فلا بد أن تكون معروفة بين الناس كالمتر والياردة ونحو ذلك.
وكذلك يشترط معرفة وصفه بأن يقرضه جنيهات مصرية أو انكليزية. أو يقرضه قمحا هنديا أو بلديا أو نحو ذلك.
ثالثا: يشترط في المقترض بكسر الراء أن يكون أهلا للتبرع، فلا يصح قرض الصبي والمجنون ونحوهما.
رابعا: عقد القرض يلزم بقبضه، سواء كان الشيء المقرض "بفتح الراء" مكيلا أو موزونا أو معدودا أو مذروعا أو غير ذلك وللمقترض أن يشتري بالمال الذي اقترضه من مقرضه. فإذا اقترض محمد من علي مائة جنيه فله أن يشتري بها دار أو نحوها من علي، ولا يملك رب المال أن يسترده ممن اقترضه بعد قبضه إلا إذا أفلس المقترض وحجر عليه بالفلس قبل أن يأخذ المقترض شيئا منه بدل القرض، فإنه يصح له أن يسترده في هذه الحالة.
خامسا: إن كان الشيء المقترض مثليا والمثلي هو: المكيل والموزون الذي لم تتعلق به صناعة مباحة، فإن المقترض يلزم برد مثله. ولا يلزم برد عين ما اقترضه لأنه بالقرض يملكها ملكا تاما، بالقبض، فله أن يستهلكها كما يشاء، فإذا رده بعينه فإن المقترض يلزم بقبوله إلا إذا طرأ عليه عيب كما إذا اقترض قمحا فأقبل أو تعفن أو نحو ذلك فإنه لا يلزم بقبوله حينئذ.
أما إذا كان القرض غير مثلي فإن المقترض يلزم برد قيمته، فلو رده بعينه لصاحبه فإنه لا يلزم بقبوله، لأن الذي وجب له بالقرض قيمته فلا يلزم الاعتياض عنها، ويجب رد المثل في المثلي، سواء زادت قيمته عن يوم قرضه أو نقصت، فإذا اقترض قمحا في وقت كان سعر الإردب فيه جنيهين ثم نزلت قيمته عند حلول الدين فأصبحت جنيها واحدا، فإنه لا يكلف إلا رده فقط بدون نظر إلى قيمته.
وإذا اقترض مثليا مما يكال أو يوزن، ثم تعذر وجوده فإنه يلزم برد قيمته من يوم أن انقطع وجوده. أما ما سوى المكيل والموزون فإنه يلزم برد قيمته، وإذا اقترض خبزا عددا بلا شرط زيادة ولا قصد فإنه يجوز.
سادسا: لا يجوز أن يشترط في عقد القرض شرطا يجر منفعة للمقرض، كأن يشترط المقرض على المقرض أن يسكنه دارا مجانا أو رخيصا أو يعطيه خيرا مما أخذه منه، أو يهدي إليه هدية أو نحو ذلك، وكذلك لا يجوز أن يشترط المقترض أن يعطي أقل مما أخذ. أما اشتراط ما به التوثيق كأن يقول: اقرضك بشرط أن ترهنني كذا، أو تأتيني بضمان فإنه يصح وينفذ





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #154  
قديم 17-03-2021, 01:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث الحجر]
صـــــ 310 الى صــــــــ
320
الحلقة (115)

[مباحث الحجر]

الحجر معناه في اللغة: المنع،
يقال:
حجر عليه حجرا من باب قتل منعه من التصرف، وهو بفتح الحاء وكسرها، ولذا سمي الحكيم حجرا لأنه منع من الكعبة وقطع منها، وسمي العقل حجرا لأنه يحجر صاحبه ويمنعه من فعل القبيح،
قال تعالى:
{هل في ذلك قسم لذي حجر} أي لذي عقل.وأما معنا في الشرع، فإن فيه تفصيلا في المذاهب (1) .
[أسباب الحجر]
يرجع سبب الحجر في الشريعة الإسلامية على التحقيق إلى شيء واحد، وهو مصلحة النوع الإنساني كما هو الشأن في كل قضية من قضاياها الكريمة، فهي دائما ترمي في تشريعها إلى ما فيه سعادة الإنسان جماعة وأفرادا. فمن قواعدها العامة وأسسها القويمة أنها قضت بضرورة التعاون بين الناس، فعرضت على القوي أن يعين الضعيف بقدر ما يتاح له، وحتمت على الكبير أن يساعد الصغير الذي يتولى أمره ويخلص له كل الإخلاص حتى لا تضيع عليه فرصة ينتفع بها في دينه ودنياه. فمن ابتلاه الله من الأطفال بفقد من يعطف عليه عطفا طبيعيا من والد أو أخ أو قريب كان له في غيره عوضا، فقد كلف الله الحاكم أن يختار له من يقوم يأمر تربيته، والنظر في مصلحته والعمل على تنمية ثروته، كما يقوم بذلك أقرب الناس إليه والصقهم به. وقد أوصى الله تعالى الأولياء والأوصياء على اليتامى والمساكين، وحذرهم عاقبة إهمالهم والطمع في أموالهم، بما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ويخافون بطشه وعقابه.
وقال تعالى:
{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا، إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} وقال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح،
فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم وقال تعالى:
{وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا، ومن كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} وفي الآية دلالة على أنه يصح للوصي الفقير أن يأخذ أجر عمله من مال القاصر بما هو معروف بين الناس، فانظر كيف حذر الله الأوصياء في الآية الأولى بما هو ممكن قريب الوقوع؟ وكيف رغبهم في حكم معاملة القاصر؟ فإن الوصي الذي له أولاد صغار ضعاف قد يموت ويتركهم، فلينظر على أي وجه يحب أن يعامل الناس أولاده فيعامل به من أقامه الله وصيا عليه، ليعلم أنه إذا اتقى الله تعالى في قوله وفعله كان قدوة حسنة لأبنائه فينقلون عنه الفضيلة، فضلا عما في ذلك من ترك حسن الذكرى وطيب الأثر ولذلك في قلوب الناس منزلة رفيعة تحبب إليهم مودة ذريته الضعيفة، ويسهل عليهم خدمتهم.ثم انظر إلى الوعيد الشديد للطامعين في أموال اليتامى الذي يقومون عليهم، وأي زجر أشد من أن شبه الله ما يأكلون من ذلك بالنار التي توقد في البطون، فهم وإن كانوا يجدون في أكله لذة مؤقتة في هذه الحياة الدنيا ولكنهم سيصلون سعيرا يوم القيامة تلتهب في أحشائهم، فيعلمون أنهم إنما كانوا يأكلون نارا وجحيما. وفي ذلك منتهى التحذير والتخويف من قربان أموال اليتامى. ولهذا الكلام بقية ذكرناها في حكمة تشريع الحجر في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.وكما أن الشريعة الإسلامية حثت الكبير على أن يعين الصغير، كذلك حثت من آتاه الله عقلا على أن يعين من حرم منه وإن كان كبيرا، لأن من ابتلاه الله بضعف العقل وفقد ادراك فقد جعله كالأطفال في هذه الحياة وإن كان كبير الجسم والسن، فإن العقل هو الذي يمتاز به الإنسان عن الحيوان، فإذا ذهب أصبح الإنسان كالأطفال، فلا يصح تركه وشأنه حتى يقضي عليه الأشرار،
فالحجر بسبب الصغر والجنون لمصلحتهما أمر متفق عليه بين أئمة المسلمين:
أما الحجر على الكبير العاقبل بسبب سوء التصرف، والسفه والتبذير ونحو ذلك مما يأتي فذلك محل خلاف (2) . ولكن جمهور الأئمة وعلماء الإسلام على أنه في حكم المجنون والصغير،لأن النتيجة التي شرع من أجلها الحجر متحققة في السفيه، فالسفيه الذي لا يحسن التصرف لا يلبث أن يقضي على ماله كما يقضي عليه الصغير والمجنون تماما، ومتى كان الحجر لمصلة المحجور عليه كان لزاما أن يحجر على السفيه لمصلحته أيضا، بل ولمصلحة الناس،
لأنه لا بد أن يعامل الناس فيقضي على أموالهم ومن أجل ذلك قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} ومن أسباب الحجر لمصلحة الناس: الحجر بسبب الدين.
ويتضح من هذا أن أسباب الحجر المعروفة التي عليها العمل غالبا ثلاثة: أحدها: الصغر.
ثانيها:
الجنون، ومثله العته.
ثالثها:
السفه.وهناك أسباب أخرى كالرق. فإن الرقيق محجور عليه لكونه ليس أهلا للملك، فلا يصح له أن يتصرف في ملك غيره إلا بإذنه وغير ذلك.
[الحجر على الصغير]
الصغير وصف في الإنسان من حين ولادته إلى أن يبلغ الحلم،
وسبب الصغر: عدم تكامل قوى الإنسان البشرية. وهو وإن كان لازما لغالب أفراد الإنسان، إلا أن الإنسان قد يوجد كبيرا فيختلف عنه الصغر، ولكن ذلك نادر كما في آدم وحواء.
[ما يعرف به بلوغ الصغير]
يعرف بلوغ الصغير تارة بالسن، وتارة بعلامات تدل على أنه قد بلغ وإن لم يبلغ حد السن المقرر، وفي بيان ذلك تفصيل المذاهب(3) .
[مبحث إذا بلغ الصبي غير رشيد]
وإذا بلغ الصبي غير رشيد فإنه لا يسلم إليه ماله، بل يحجر عليه بسبب السفه. وفي ذلك تفصيل المذاهب(4) .
[مبحث الولي أو الوصي]
ولي الصبي وغيره من المحجور عليهم: أبوه إن كان له أب أهل للولاية كأن لم يكن مجنونا أو محجورا عليه، وأما غير الأب ففيه تفصيل في المذاهب(5) .
(1) الحنفية - قالوا: الحجر: هو عبارة عن منع مخصوص، متعلق بشخص، عن تصرف مخصوص، أو عن نفاذ ذلك التصرف، فالحجر منع للصغير والمجنون ونحوهما عن التصرف في القول رأسا إن كان ضررا محضا، فإذا طلق الصبي زوجه أو أعتق عبده فإن قوله هذا لا ينعقد أصلا لأنه ضرر محض فلا ينعقد من أصله، ومثله المجنون.
أما إن كان نفعا محضا كما إذا وهبه أحد مالا فقال: قبلت ونحو ذلك مما فيه منفعة محققة له فإن قوله ينعقد صحيحا نافذا ولا يتوقف على إذن الولي، فإن كان قوله يحتمل النفع والضرر كبعت واشتريت ونحوهما، فإن كان يعقل معنى البيع والشراء بحيث يدرك أن السلعة يقابلها الثمن، فلا يمكن أن يأخذ السلعة ولا يدفع ثمنها انعقد بيعه وشراؤه موقوفا على إجازة الولي فللولي أن يجيزه بشرك أن لا يكون فيه غبن فاحش وقد تقدم بيانه. أما إن كان الصبي لا يعقل أصلا فإن تصرفه في ذلك لا ينعقد من أصله.
أما الحجر في الأفعال فإن الصغر والجنون لا يوجبه، فإذا كان الطفل نائما فانقلب على زجاجة وكسرها فعليه ضمانها، فإن كان له مال يؤخذ ثمنها من ماله.
وكذلك المجنون إذا أتلف شيئا فإنه يكون مسؤولا عنه، إذا كان الفعل متعلقا بحكم يدرأ بالشبهة كالحدود والقصاص، فإن عدم القصد في الصبي والمجنون يرفع عنهما العقوبة، فإذا زنى الصبي أو قتل فإنه لا يحد، لأن النية مفقودة كما سيأتي، وقد يفسر الحجر بمعنى عدم ثبوت حكم التصرف، وعلى هذا فيكون الصبي والمجنون محجورا عليهما بالنسبة لذلك، فليس محجورا عليهما بالنسبة لفعل الزنا والقتل ونحوهما من كل ما يوجب الحد. لأن الفعل لا يمكن منعهما منه خصوصا بعد وقوعه وإنما هما محجور عليهما بمعنى أن حكم عملهما هذا معدوم فلا يترتب على عملهما حد وعقوبة.
المالكية - قالوا: الحجر: صفة حكمية "يحكم بها الشرع" توجب منع موصوفها من نفوذ تصرفه فيما زاد على قوته، كما يوجب منعه من نفوذ تصرفه في تبرعه بزائد على ثلث ماله. فدخل بالأول:الحجر على الصبي والمجنون والسفيه والمفلس ونحوهم، فإن هؤلاء يمنعون عن التصرف فيما زاد على قوتهم، فإذا باع أحد منهم شيئا أو اشتراه أو تبرع به وقع تصرفه هذا موقوفا، ولا ينفذ إلا بإذن الولي كما تقدم في البيع.
ودخل بالثاني وهو قولنا: كما يوجب منعه في نفوذ تصرفه في تبرعه بزائد على ثلث ماله": الحجر على المريض والزوجه، فإنهما لا يمنعان من التصرف في البيع والشراء، وإنما يمنعان من التبرع بشرط أن يكون زائدا على ثلث مالهما، فيصح للمريض أن يتبرع بثلث ماله لغيره. كما يصح للزوجة ذلك. أما ما زاد على ثلث مالهما فإنه لا يصح لهما التبرع به.
الشافعية - قالوا: الحرج شرعا: منع التصرف في المال لأسباب مخصوصة، فخرج بقوله منع التصرف في المال: التصرف في غيره فلا حجر فيه. فيصح للسفيه والمفلس والمريض أن يتصرفوا في الأمور الأخرى كالخلع والطلاق والظهار والإقرار بما يوجب العقوبة. وكالعبادة البدنية سواء كانت واجبة أو مندوبة. أما العبادة المالية فإنه لا ينفذ منها إلا الواجبة كالحج. بخلاف المندوبة كصدقة التطوع فإنها لا تنفذ منهم. أما الصبي والمجنون فإنهما لا يصح تصرفهما في شيء مطلقا.
الحنابلة - قالوا: الحجر هو: منع مالك من تصرفه في ماله، سواء كان المنع من قبل الشرع كمنع الصغير والمجنون والسفيه. أو كان من قبل الحاكم كمنع الحاكم المشتري من التصرف في ماله حتى يقضي الثمن الحال عليه
(2) الحنفية - قالوا: الذي قال إن السفه ليس سببا من أسباب الحجر هو الإمام أبو حنيفة وحده، أما صاحباه فقد قالا كما قال جمهور الأئمة وهو أن السفيه يحجر عليه كالصغير والمجنون ويظهر أن الإمام يميل إلى عدم حبس الأموال، فمن كان أهلا للتصرف فأحسن استثمار ماله فذاك، ومن لم يكن أهلا وبذر فيه فجزاؤه أن ينتقل المال من يده إلى أيد متصرفة تنتفع به وتنفع الناس.
ومن أجل ذلك يقول الإمام: إن الوقف لا يلزم إلا بحكم الحاكم كما سيأتي في بابه.
فالحر العاقل لا يحجر عليه، سواء كان فاسقا أو مبذرا على أنه يقول: إن من أسباب الحجر على العاقل أن يعمل عملا يتعدى ضرره إلى غيره، كالطبيب الجاهل الذي لا يحسن الطب فيضر الناس.
ومثله المفتي الجاهل الذي يضلل الناس، أو الماجن الذي يفتيهم بالحيل الباطلة. وكذلك الرجل يحتال على الناس فيأخذ أموالهم، ومثله له بالمكاري المفلس، وهو الذي يكري للناس جمالا ونحوها ويجحذ أجرتها وليس عنده شيء منها، حتى إذا جاؤوا ليأخذوها هرب منهم وأضاع عليهم أموالهم.
وقد يقال: كيف يقول الإمام بالحجر على هؤلاء الثلاثة مع أنه قرر أنه لا يصح الحجر على الحر العاقل؟ والجواب: أنه لا يريد الحجر عليهم بمعناه الشرعي المتقدم وهو عدم نفاذ تصرفهم، وإنما يريد منعهم بالفعل، فالحاكم لا يبيح للطبيب الجاهل أن يزاول مهنة الطب، ولا يبيح للمفتي الماجن أن يفتي بين الناس وهكذا. أما إذا وقع منهم تصرف صحيح كما إذا أتفى الماجن بحكم صحيح فإنه ينفذ
(3) الحنفية - قالوا: يعرف البلوغ في الذكر: بالاحتلام وإنزال المني وإحبال المرأة، وفي الأنثى: بالحيض والحبل. فإذا لم يعلم شيء من ذلك عنهما فإن بلوغهما يعرف بالسن، فمتى بلغ سنهما خمس عشرة سنة فقد بلغا على الحلم على المفتى به، وقال أبو حنيفة: إنما يبلغان بالسن إذا أتم الذكر ثماني عشرة سنة، والأنثى سبع عشرة سنة.
ويستمر الحجر على الصغير إلى أن يبلغ إما بالسن، أو بعلامة من العلامات المذكورة، ثم ينظر في أمره بعد البلوغ، فإن ثبت رشده بعد اختباره فإنه يسلم إليه ماله، وإن لم يظهر رشده فإنه لا يسلم غليه. وحد الرشد هو: أن يثبت أنه صالح لإدارة ماله فلا يضيعه إذا سلم إليه. فلو كان فاسقا بترك الصلاة ونحوها فإنه لا يمنع من تسليم ماله، أما إذا كان فاسقا بالشهوات التي تذهب بالأموال كالزنا والقمار ونحو ذلك فإنه يحجر عليه لذلك، لأنه لم يكن صالحا لإدارة ماله في هذه الحالة، ولكن الصاحبين اللذين يقولان بالحجر على السفيه، يحكمان باستمرار الحجر عليه ما دام سفيها. وحتى ولو قضى طول حياته وهو على هذه الحالة. أما الإمام أبو حنيفة الذي يقول بعدم الحجر على السفيه فإنه يقول: إنه لا يسلم إليه ماله أيضا إلا بعد خمس وعشرين سنة. وذلك لأنه وإن كان حرا عاقلا وهو ما لا يصح الحجر عليه، إلا أنه لما بلغ هذا السن الذي يكون الإنسان فيه كالجد الذي له أحفاد ولم يتأدب فلا أمل في تأديبه بعد ذلك، ولا معنى لحبس ماله عنه، فليعط ماله يفعل فيه كيف شاء.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #155  
قديم 17-03-2021, 01:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

المالكية - قالوا: يعرف البلوغ بعلامات:
إحداها: إنزال المني مطلقا، في اليقظة أو في الحلم.
ثانيها: الحيض والحبل وهو خاص بالمرأة.
ثالثها: إنبات شعر العانة الخشن. أما الشعر الرقيق "الزغب" فإنه ليس بعلامة، وكذلك شعر اللحية والشارب فإنه ليس بعلامة، فقد يبلغ الإنسان قبل أن ينبت له شيء من ذلك بزمن طويل، ومتى نبت شعر العانة الخشن، كان ذلك علامة على التكليف بالنسبة لحقوق الله من صلاة وصوم ونحوهما، وحقوق عباد الله على التحقيق.
رابعا: نتن الإبط.
خامسها: فرق أرنبة الأنف.
سادسها: غلظ الصوت، فإن لم يظهر شيء من ذلك كان بلوغ الصغير السن وهو أن يتم ثماني عشرة سنة، وقيل: يبلغ بمجرد الدخول في السنة الثامنة عشرة.
وإذا ادعى الصغير البلوغ أو عدمه فإن له حالتين:
الحالة الأولى:
أن يشك في صدقه، وفي هذه الحالة ثلاث صور:
الصورة الأولى:
أن يدعي البلوغ ليأخذ مالا أو ليثبت عليه مالا للغير، فالأول: كأن يدعي البلوغ ليأخذ سهمه في الجهاد. والثاني:
كأن يدعي عليه شخص بأنه أتلف مالا اؤتمن عليه وأنه بالغ، فأقر بذلك وخالفه الولي. وفي هذه الصورة لا تسمع دعواه مع الشك فيها.
الصورة الثانية:
أن يدعي البلوغ ليثبت طلاقه من امرأته، أو يدعي عدم البلوغ ليفر من إثبات طلاقها؛ وفي هذه الصورة تقبل دعواه إثباتا ونفيا.
الصورة الثالثة:
أن يدعي البلوغ ليفر من عقاب جناية ارتكبها؛ وفي هذه الصورة تقبل دعواه مع الشك في صدقه، لأن الحدود تدرأ بالشبهات. أما إذا ادعى البلوغ ليثبت على نفسه جناية فإنه لا يصدق مع الشك لهذه العلة.
الحالة الثانية:
أن لا يشك في صدقه. وفي هذه الحالة تقبل دعواه في الأموال أيضا إثباتا ونفيا، فإذا أدعى أنه بلغ ليأخذ سهمه في الجهاد. أو ليأخذ مالا مشروطا ببلوغه أو نحو ذلك فإن دعواه تقبل حيث لم يشك في صدقه. وكذلك تقبل في الأمور الدينية المتوقفة على البلوغ كالإمامة وتكملة عدد جماعة الجمعة.
الشافعية - قالوا: يعرف بلوغ الذكر والأنثى بتمام خمس عشرة سنة بالتحديد، ويعرف بعلامات غير ذلك:
منها: الإمناء، ولا يكون علامة على البلوغ إلا إذا أتم الصبي تسع سنين؛ فإذا أمنى قبل ذلك يكون المني ناشئا عن مرض لا عن بلوغ فلا يعتبر.
ومنها: الحيض في الأنثى، وهو يمكن إذا بلغت تسع سنين تقريبا.
الحنابلة - قالوا: يحصل بلوغ الصغير ذكرا كان أو أنثى بثلاثة أشياء:
أحدها: إنزال المني يقظة أو مناما، سواء كان باحتلام أو جماع أو غير ذلك.
الثاني: نبات شعر العانة الخشن الذي يحتاج في إزالته إلى الموسى. أما الشعر الرقاق "الزغب" فإنه ليس بعلامة.
الثالث:
بلوغ سنهما خمس عشرة سنة كاملة وتزيد الأنثى على الذكر بشيئين:
أحدهما: الحيض.
ثانيهما: الحمل، ويقد وقت بلوغها بما قبل وضعها بستة أشهر. ويعرف بلوغ الخنثى "المشكل" بأمور: منها: تمام خمس عشرة سنة أيضا.
ومنها: إنبات شعر العانة. ومنها غير ذلك
(4) الحنفية - قالوا: اتفق الإمام وصاحباه على أنه لا يسلم إليه ماله بمجرد البلوغ، بل لا بد من ثبوت الرشد بعد الاختبار، إلا أن الإمام قال: ينتظر إلى أن يبلغ خمسا وعشرين سنة ثم يسلم له ماله ولو لم يرشد. وإذا تصرف يقع تصرفه صحيحا ما دام حرا عاقلا لأنه لا يحجر عليه بالسفه. أما صاحباه فقالا: لا يسلم إليه ماله ولو بقي على ذلك مائة سنة وقد تقدم، وسيأتي تفصيله في مبحث الحجر على السفيه.
الحنابلة - قالوا: إذا بلغ الصبي غير رشيد "والرشد هو: الصلاح في ماله ودينه، وقيل هو الصلاح في ماله فقط" فإن الحجر يستمر عليه ويكون النظر في ماله لوليه قبل البلوغ من أب أو وصي أو الحاكم، وإذا فك عنه الحجر فعاوده السفه أعيد الحجر عليه، وإن فسق في دينه ولكنه لم يبذر في ماله فإنه لا يحجر عليه، خصوصا على القول الرشد هو الصلاح في المال. ولكن لا يحجر عليهما في هذه الحالة إلا الحاكم، لأن التبذير الذي حصل ثانيا يتفاوت فيحتاج إلى نظر واجتهاد فلا بد في الحاكم حينئذ كالحجر على المفلس، فإنه لا يكون إلا بحكم حاكم ولا ينظر في أموالهما إلا الحاكم، ولا يفك الحجر عنهما ثانيا إلا الحاكم.
وإذا بلغ الصبي وصار رشيدا، أو عقل المجنون رشيدا انفك الحجر عنهما بلا حكم قاض ودفع إليهما مالهما، ويستحب أن يكون الدفع فإذن قاض كما يستحب أن يكون ثبوت الرشد ببينة وأن يكون الدفع ببينة، ولا ينفك الحجر عنهما قبل البلوغ وثبوت الرشد والعقل ولو بقيا على ذلك حتى هرما.
الشافعية - قالوا: فإنه يكون بعدم ارتكابه وإصراره على صغيرة: وأما صلاح المال: فإنه يكون بعدم تبذيره وإنفاقه في الشهوات المحرمة، أو تضييعه بغبن فاحش لا يحتمل في المعاملة كأن يبيع أو يشتري بالغبن.
أما إذا أنفقه في الصدقة ووجوه الخير، والمأكل والملبس اللذين يليقان به فقيل: إنه تبذير وقيل إنه ليس بتبذير وهو الراجح.
ويعرف رشد الصغير قبل بلوغه بالاختيار، وهو يختلف باختلاف مهنة أهل الصغير، فإذا كان أبوه تاجرا فإنه يختبر بالبيع والشراء، وإذا كان أبوه زارعا فإنه يختبر بما يناسب حال الزراعة فيكلف الإنفاق على المزارعين الذين يقومون بخدمة أرضه ومراقبة الحصادين ونحو ذلك.
وإن كانت صغيرة فإنها تختبر بتدبير المنزل من حفظ طعام وترتيب معيشة وغير ذلك وقيل الاختبار يكون بعد البلوغ، والراجح أنه قبله. فعلى القول الأول تكون تصرفات القاصر التي بها الاختبار تمهيدية، وعندما يتم الانفاق بينه وبين من يريد التعاقد معهم يتولى العقد وليه لأنه ليس بالغا فلا يصح عقده على الراجح.
وأما على القول الثاني:
فإنه هو الذي يتولى العقد لكونه بالغا، هذا ولا بد من تكرار الاختبار مرتين أو أكثر حتى يغلب على الظن أنه صار رشيدا.
ويثبت الحجر عليه ومنعه من التصرف، سواء كان ذكرا أو أنثى بدون قضاء قاض وينفك ببلوغه بلا فك قاض، لأن ما ثبت بلا قاض لا يتوقف زواله على قاض، فينفك الحجر بالأب والجد أما فكه بالقيم والوصي ففيه قولان: وقيل: يتوقف الفك على القضاء، لأن الرشد يحتاج إلى نظر واجتهاد، فإذا بلغ الصبي رشيدا، والرشيد: هو المصلح لماله ودينه، فلا حجر أصلا. وإن بلغ غير رشيد دام الحجر عليه، لأنه وإن زال الحجر بسبب الصغر لكن خلفه الحجر بسبب السفه والفسق، ويتصرف في ماله من كان يتصرف فيه قبل البلوغ.
وإذا فك حجره بعد رشده وسلم إليه ماله ثم بذر فيه فإنه يحجر عليه ثانيا، وهل يعود عليه بدون أحد أو لا؟ خلاف: فبعضهم يقول: لا يعود الحجر عليه إلا بالقاضي. وبعضهم يقول، يعود الحجر عليه بالأب والجد والوصي كما يعود بالقاضي. وبعضهم يقول: يعود الحجر عليه ولو لم يحجر عليه أحد، فإذا لم يبذر في ماله ولكن فسق في دينه فسقا لا يضيع المال كالشح وعدم إخراج الزكاة وترك الصلاة ونحو ذلك فإنه لا يحجر عليه بسبب ذلك على المعتمد.
أما الفسق الذي يترتب عليه تبذير كالزنا، والمقامرة، والتورط في الشهوات المضيعة للمال، فإنه يوجب الحجر عليه لأنه تبذير للمال.
المالكية - قالوا: إذا بلغ الصبي غير رشيد بأن جن. أو كان غير صالح لحفظ ماله فإنه يستمر الحجر عليه.
أما إذا ثبت أنه قادر على حفظ ماله فإن حجره ينفك بمجرد بلوغه وإن لم يفكه الأب، أما إذا كان الولي قد أوصى به الأب فإن الحجر لا ينفك إلا إذا فكه الوصي، وسيأتي بيان صفة الفك في الحجر على السفيه، والفرق بين الحالتين: أن الولاية تثبت للأب بدون واسطة أحد فخروجه لا يحتاج إلى شيء زائد من تحقق صفة الرشد، أما الولي الذي أوصى به الأب فإن الولاية تثبت له بواسطة الأب، فإخراجه يحتاج إلى أمر زائد على رشدها وهو زوجها والدخول بها، فإذا لم تتزوج ولم يبن بها زوجها فإنها لا تستحق أن يسلم إليها مالها، وسيأتي للكلام بقية في مبحث الحجر على السفيه
(5) الحنفية - قالوا: ولي الصغير في باب الأموال أبوه، ثم من بعد موته يكون الولي من أوصى به الأب، ثم من بعد موت وصي الأب يكون الولي من أوصى به وصي الأب. ثم من بعد هؤلاء الثلاثة يكون الولي الجد لأب وإن علا. ثم وصي الجد، ثم وصي وصي الجد، ثم الوالي وهو الذي يليه تقليد القضاء، ثم القاضي أو وصيه الذي يقيمه، فأيهما يتصرف تصح تصرفاته. وحاصل ذلك: أنه لا ولاية للجد مع وجود وصي الأب، ولا ولاية للوالي أو القاضي مع وجود الجد أو وصيه. وبعدذلك لا ترتيب. فيصح أن يكون الولي: الوالي أو القاضي أو الوصي الذي يقيمه القاضي.
ولا ولاية للأم في باب المال. فإذا أوصت الأم على ولدها الصغير قبل موتها ثم ماتت لا يكون لذلك الولي حق التصرف في تركه الأم مع وجود الأب أو وصيه، أو وصي وصيه، أو الجد، أو وصيه بأي حال، نعم إذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين، فإن لوصي الأم أن يحفظ تركة الأم ويبيع المنقولات، لأن في بيعها حفظا لها. ولا يصح أن يتصرف في شيء من مال الصبي غير ذلك، سواء كان وارثا له عن أمه أو غيرها.
وكذلك لا يكون لأحد من باقي العصبات في باب الأموال ولاية على الصغير، فليس للأخ والعم أو غيرهم أن يتصرفوا في مال الصغير مع وجود أحد الأولياء المذكورين على الترتيب المذكور.
أما الولاية في النكاح فإنها تثبت بأربعة أمور:
القرابة، والولاء، والإمامة، والملك، وترتيب الأولياء هكذا: الابن ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا، ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب وإن سفلوا، ثم العم لأب وأم، ثم العم لأب، ثم ابن العم لأب وأم، ثم ابن العم لأب وإن سفلوا، ثم عم الأرب لأب وأم، ثم عم الأب لأب، ثم بنوهما على هذا الترتيب، ثم عم الجد لأب وأم، ثم عم الجد لأب، ثم بنوهما على هذا الترتيب، ثم من يكون أبعد العصبات إلى المرأة وهو ابن عم بعيد، فكل هؤلاء لهم ولاية النكاح على الترتيب المذكور، ولهم إجبار البنت والذكر على الزواج في حال صغرهما لا في حال كبرهما، وعند فقد العصبات تكون الولاية لمن يرث من ذوي الأرحام. وأقرب العصبات: الأم، ثم البنت، ثم بنت الابن، ثم بنت البنت، ثم بنت ابن الابن، ثم بنت بنت البنت، ثم الأخت لأب وأم، ثم الأخت لأب، ثم الأخ والأخت لأم، ثم أولادهم. وبعد أولاد الأخوات: العمات، ثم الأخوال، ثم الخالات، ثم بنات الأعمام، ثم بنات العمات، وأبو الأم أولى من الأخت عند أبي حنيفة، ثم مولى الموالاة، ثم السلطان، ثم القاضي، ومن يقيمه القاضي.
وولاية الأب والجد على الصغير في نفسهما ومالهما ثابتة لا تزول إلا بثبوت رشد الصبي بعد بلوغه، فإذا بلغ الصبي ثم تبين أنه مجنون أو معتوه استمرت ولاية الأب والجد بدون انقطاع.
الشافعية - قالوا: ولي الصبي أبوه، ثم أبو أبيه وإن علا، فإن اجتمع الأب والجد كان الأب مقدما على الجد طبعا إلا إذا لم يكن أهلا للولاية على الصبي" كأن كان محجورا عليه، أو كان مجاهرا بالفسق. ويكفي في الأب والجد أن تكون عدالتهما ظاهرة فإذا مات الأب أو لم يكن أهلا للولاية انتقلت الولاية إلى الجد، ثم من بعد الجد تنتقل الولاية لوصي من يتأخر موته من الأب أو الجد، فإذا مات الجد بعد الأب وكان وليا انتقلت الولاية لوصي الجد، وإذا مات الأب بعد الجد انتقلت الولاية لمن يوصي به الأب.
ويصح أن يوصي الأب في حال حياة الجد. فإذا أوصى الأب في حال حياة الجد ثم مات الجد قبل الأب ومات الأب بعد انتقلت الولاية لمن أوصى به الأب في حال حياة الجد، إذ لا يلزم أن تكون الوصاية بعد موت الجد ويشترط في الوصي أن يكون عدلا ظاهرا وباطنا على المعتمد، ثم من بعد الوصي الذي أوصى به الأب أو الجد تنتقل الولاية للقاضي، وهو إما أن يتولى بنفسه أو يقيم أمينا، فإذا كان الصبي مقيم في بلد لها قاض وماله في بلد لها قاض كان القيم على المال قاضي البلد الذي فيها المال فعليه حفظه وبيعه وإجارته، أما بالنظر لاستثماره فيكون لقاضي بلد الصغير.
وهل للأم ولاية أو لا؟ المعتمد أنها لا ولاية لها إلا إذا أقامها الأب أو الجد أو القاضي، والأولى تقديمها على الأجنبي إذا كانت صالحة، ومثل الأم غيرها من باقي الأقارب والعصبات ولكن العصبة الإنفاق من مال الصبي في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن عليه ولاية، لأن مثل ذلك يتسامح فيه عادة.
المالكية - قالوا: الولي الذي له حق الحجر عليه هو الأب، ومن بعده تكون الولاية لمن أوصى به الأب، ثم لمن أوصى به وصي الأب وهكذا، فإن لم تكن الولاية للحاكم، وإن لم يكن حاكم. فالولاية لجماعة المسلمين.
ثم إن الحجر على الصبي مما ذكروا ينقسم إلى قسمين:
الأول: حجر بالنسبة لنفسه.
والثاني: حجر بالنسبة لماله.

فأما الحجر بالنسبة لنفسه فمعناه: تدبير نفس الصبي وصيانته من موارد الهلكة وحفظه من سلوك سبل الضياع، فلا يترك وشأنه فيرتكب ما يقضي على حياته. وأما الحجر بالنسبة إلى ماله فهو: منعه من التصرف على الوجه الذي سيأتي.
وليس لحاضن اليتيم من جد وعم وأم ونحوهم أن يتصرف في ماله بدون إيصاء، فإذا لم يوص أب اليتيم بأحد منهم، أو يوص القاضي فلا يكون لهم الحق في الولاية على أمواله، وإذا كان العرف جاريا على أن يكون الكافل من هؤلاء بمنزلة الوصي وإن لم يقم وصيا عمل به، فيصح أن يتصرف تصرف الوصي. ونقل بعضهم عن الإمام مالك: أن كافل اليتيم كالوصي وإن لم يكن العرف على ذلك، فإذا مات الشخص عن أطفال صغار وكان لهم جد أو عم حاضنا فله أن يتصرف تصرف الولي.
الحنابلة - قالوا: الولاية على الصبي والمجنون سواء كان ذكرا أو أنثى تكون للأب الحر الرشيد العدل ولو كانت عدالته ظاهرا فقط. ويصح أن يكون الكافر وليا على ولده بشرط أن يكون عدلا في دينه، ثم من بعد الأب تكون الولاية لمن يوصي به الأب، ويشترط أن يكون عدلا وتنتقل غليه الولاية ولو كانت بأجر مع وجود من يقوم بها مجانا، لأنه نائب عن الأب فأشبه وكيله في حال الحياة فإذا لم يكن الأب موجودا ولم يوص أحدا، أو كان موجودا ولكن فقد أهلية الولاية كانت الولاية عليهما للحاكم. والجد أبو الأب لا ولاية له، وكذلك الأم لا ولاية لها، ومثلهما سائر العصبات:ولا يجوز للولي أن يتصرف في مالهما إلا بما فيه مصلحتهما، فإن تبرع من مالهما بهبة أو صدقة أو غيرهما فإنه يلزم به إذا باع لهما بنقص


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #156  
قديم 17-03-2021, 01:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث الحجر]
صـــــ 320 الى صــــــــ
328
الحلقة (116)

[هل للولي أن يبيع عقار الصبي أو لا؟]
في جواز بيع الولي أو وصيه عقار الصبي من دور وأرض زراعية وغيرها خلاف في المذاهب(1) .
[مبحث تصرفات الصبي]
في جواز تصرف الصبي في بعض الأمور تفصيل المذاهب(2) .
[مبحث الحجر على المجنون]
المجنون كالصبي في أحكام الحجر المتقدمة، ولكن يتعلق به بعض أحكام مفصلة في المذاهب(3) .


(1) الحنفية - قالوا: يجوز للأب أن يبيع ماله لابنه الصغير ويشتري منه لنفسه. فإذا باع الأب لابنه الصغير أو اشترى منه فإنه لا يشترط لتمام ذلك العقد الإيجاب والقبول على الصحيح فلو قال: بعت هذا العقار ونحوه من ولدي صح وإن لم يقل قبلت شراءه، وإنما يصح هذا البيع والشراء إذا كان بمثل قيمته، أو بغبن يسير يقع عادة بين الناس، فإن كان بغبن فاحش فإنه لا يصح. وينفذ البيع إذا أجازه القاضي. فإن رأى القاضي أن نقض البيع خير للصبي كان له نقضه. والثمن الذي اشترى منه الأب لا يبرأ منه حتى ينصب القاضي وكيلا عن الصغير فيقبضه من أبيه ثميرده إليه، فيكون وديعة من ابنه في يده.
إذا باع الأب لابنه الصغير دارا وهو فيها ساكن لا يصير الابن قابضا حتى يخليها الأب ويستلمها أمين القاضي، فإن عاد الأب إليها ثانيا فسكنها هو أو أهله فإنه يكون غاصبا إذا كان موسرا.
وكذلك يجوز للأب أن يبيع مال الصغير للأجنبي، فإذا كان المال عقارا ثابتا كالدور والأراضي الزراعية وغيرها فإنه يجوز بشرطين:
الأول: أن يكون بمثل القيمة فأكثر.
الثاني: أن يكون الأب محمود السيرة بين الناس أو مستور الحال، أما إذا كان سيء السيرة فإن البيع لا يجوز ولو كان بمثل القيمة على الصحيح. أما إذا كان المال منقولا وكان الأب سيء السيرة فإنه يجوز بيعه إذا كان في مصلحة الصغير على الأصح، وإذا باع الأب مال الصغير وقبض بعض الثمن، فإن له الحق في استرداد المبيع وحبسه تحت يده حتى يقبض كل الثمن.
أما الوصي فإنه يجوز أن يبيع ماله للصغير القائم عليه ويشتري من الصغير لنفسه على قول الإمام. وقال صاحباه: لا يجوز. وعلى القول بجوازه فإنه يشترط له أمران:
الشرط الأول: أن يكون فيه خير للصغير؛ وفسرت الخيرية بأن تزيد السلعة التي يشتريها الوصي من الصغير الثلث عن مثلها إذا اشتراها من غيره، فلو كان يشتريها بعشرة من غير الصغير، فإنه يلزم أن يشتريها من الصغير بخمسة عشر، فإذا نقص عن ذلك لا يكون في شرائه خيلا فلا يجوز. وكذلك إذا باع للصغير سلعة من ماله، فإذا كان يمكنه أن يبيعها بخمسة عشر فلا يصح بيعها للصغير إلا بعشرة فقط.
الشرط الثاني: أن يشتمل العقد على الإيجاب والقبول بأن يقول: بعت للصغير وقبلت الشراء، بخلاف الأب فإنه لا يشترط فيه القبول كما تقدم.
وأما بيع الوصي مال الصغير من أجنبي فإنه يصح إذا تحقق واحد من أمور ثلاثة:
الأول: أن يبيع بضعف قيمته.
الثاني: أن يكون للصغير حاجة إلى ثمنه.
الثالث: أن يكون على الميت دين لا وفاء له إلا بهذا المبيع.
وهذا هو الذي عليه الفتوى، وينفذ بيعه إذا أجازه القاضي، وله رده إن كان الرد خيرا كما تقدم في الأب.
وإذا باع الوصي مال اليتيم وأجل قبض الثمن، فإذا كان التأجيل طويلا بأن لا يباع مثل هذه السلعة بهذا الأجل فإن البيع لا يجوز، وكذلك إذا باعه بأجل قصير يمكنه حصوله في مثل ذلك ولكن يخشى أن ينكر المشتري الثمن أو يضيع عليه فإنه لا يجوز. أما إذا كان الأجل قصيرا والثمن مضمونا فإنه يجوز.
وإذا أراد شخص أن يشتري مال الصغير بألف مثلا إلى أجل، فجاء آخر وزاد على الأف مائة، فإن كان الأول ذا مال أكثر من الثاني، فإن على الوصي أن يبيع للأول لزيادة الضمان ولا يبالي بزيادة المائة.
وإذا أقام شخص وصيا ثم مات عن أولاد كبار فماذا يكون عمل الوصي في هذه الحالة؟ والجواب أن ذلك يشمل صورا:
الصورة الأولى: أن تكون تركه الميت خالية من الدين. وأن يكون الأولاد الكبار المذكورين حاضرين، وفي هذه الصورة لا يكون للولي عمل في التركة أصلا، وإنما يكون له عمل إذا كان للميت دين على الغير، فإن للوصي أن يحصل ذلك الدين ويعطيه لأولاد الميت الوارثين.
الصورة الثانية: أن يكون على الميت دين مستغرقا لجميع تركته، وفي هذه الصورة يكون للوصي عمل في التركة وهو بيعها جميعها لتسديد ذلك الدين، وكذلك إذا كان الدين مستغرقا لبعض التركة فإن الوصي يبيع من التركة بقدر الدين إلا إذا قدر الورثة على قضاء الدين فإن الوصي لا يكون له عمل.
الصورة الثالثة: أن يكون الميت قد أوصى بثلث ماله أو أقل، فإن عمل الوصي بيع ما ينفذ به الوصية إلا إذا نفذها الورثة فإنه لا يكون له عمل.
الصورة الرابعة: أن يكون الورثة غائبين في جهة تبعد ثلاثة أيام، فإذا كانت التركة خالية من الديون والوصية، فإن للوصي أن يبيع المنقولات وليس له أن يبيع العقار الثابت ولو خيف عليه الهلاك على الأصح. وكذلك إذا كانت التركة مشغولة بالدين فإن له أن يبيع المنقولات فقط، سواء كانت قدر الدين أو أكثر.
ومثل وصي الأب وصي وصيه. ووصي الجد، ووصي القاضي، ووصي وصيه، ووصي القاضي كوصي الأب إلا في شيء واحد وهو: أن القاضي إذا جعل أحدا وصيا في نوع فإنه لا يصح له أن يتعداه، أما الأب فإنه إذا جعل أحدا وصيا في نوع كان وصيا في الأنواع كلها. هذا وليس للقاضي أن يبيع ماله من اليتيم، أو يشتري لنفسه.
المالكية - قالوا: يجوز للأب أن يبيع ماله لولده الصغير ويشتري منه بشرط أن يكون ذلك في مصلحة الصغير، فإن كان لمصلحة الأب فإن البيع يفسخ ويرد المبيع إن كان باقيا على حاله. أما إذا ضاع أو تغير حاله فإن الأب يغرم قيمته، لا فرق في ذلك بين أن يكون الأب موسرا أو معسرا.
وكذلك يجوز للأب أن يبيع مال ولده الصغير "ومثله السفيه" للأجنبي بدون سبب من الأسباب التي سيأتي ذكرها في الوصي، لا فرق أن يكون مال الصغير عقارا للأجنبي بدون سبب من الأسباب التي سيأتي ذكرها في الوصي، لا فرق أن يكون مال الصغير عقارا ثابتا أو غيره بشرط أن يكون ذلك البيع لمنفعة الصغير، وليس له اعتراض عليه بعد رشده إذا كان ذلك. أما إذا باعه لمنفعة نفسه فإنه يفسخ كما تقدم.
ولا يجوز للوصي أن يبيع مال الصغير الذي له عليه ولاية إلا إذا تحقق واحد من أمور:
الأول: أن يكون البيع لحاجة كنفقة أو وفاء دين لا قضاء له إلا من ثمن المبيع.
الثاني: أن يبيعه بزيادة الثلث على ثمن المثل فأكثر، ويشترط أن لا يكون الثمن مالا حراما معروفا أنه حرام. أما المال المجهول أصله فهو في حكم الحلال.
الثالث: أن تكون العين المباعة بدل حكر فأراد الوصي أن يبيعها ليشتري بدلها عينا خالصة من الحكر، إلا إذا كان ريعها أكثر من غيرها فإنه لا يصح له بيعها في هذه الحالة.
الرابع: أن تكون حصة في دار أو أرض أو نحوهما، فيصح له أن يبيعها ويستدل بها غيرها تخلصا من ضرر الشركة.
الخامس: أن يكون ريعها قليلا أو لا ريع لها أصلا. فتباع ويستبدل بها عينا فائدتها أكثر.
السادس: أن يكون له منزل يسكنه بين جيران سوء يخشى ضررهم في الدين أو الدنيا، فيباع ويستبدل به منزل بين جيران صالحين.
السابع: أن يكون له شريط في عين ويريد شريكه أن يبيع العين ولا مال له يشتري به حصة الشريك، ولا يمكن قسمة العين فيصح بيعها وإن لم يستبدل بها غيرها.
الثامن: أن يخالف خراب داره ونحوه ولا مال له يعمره به إذا خرب فيبيعه ونحو ذلك.
التاسع: أن يكون له دار يخاف خرابها وله مال يمكن تعميرها به، ولكن بيعه أولى من تعميرها.
العاشر: أن يخشى على العين من ظالم كما إذا كان له أرض بين قوم يقبضونها أو يعتدون على ريعها ولم يستطع ردهم، فلا يجوز للوصي الذي أقامه الأب أن يبيع عقار الصغير القائم عليه إلا لسبب من هذه الأسباب. وهل يصدق بمجرد ذكر السبب بلسانه أو لا يصدق بل لا بد من إقامة البينة على ذلك؟
خلاف. بخلاف الأب فإنه لا يلزم ببيان السبب بل يحمل فعله على السداد كما تقدم. وليس للوصي أن يهب مال اليتيم بعوض "هبة الثواب". أما الحاكم أو وصيه الذي أقامه فإن له أن يبيع مال اليتيم الذي لم يجعل له أبوه وصيا عنه إذا دعت الضرورة إلى بيعه. بشروط:
أحدها: أن يثبت يقتمه.
ثانيها: أن يكون مهملا أي لم يعين له أبوه وصيا حال حياته.
ثالثها: أن يثبت ملك اليتيم لما يراد بيعه بأن يشهد شاهدان فكثر بأن هذا العقار مملوك للصغير.
رابعها: أن يرسل القاضي جماعة يعاينون هذا العقار ويبحثونه من الداخل والخارج، ثم يشهدون أمام القاضي أو أمام من يرسله القاضي من طرفه بأن هذا العقار الذي عاينوه هو ما شهد به أمام القاضي أنه مملوك للصغير. وإذا أبانت البينة الأولى حدود العقار ووصفته وصفا كاملا يستغنى بها عن بينة المعاينة وتسمى بينة "الحيازة".
خامسها: أن يشهر المبيع وينادي عليه ويعلن عنه.
سادسها: أن لا يوجد مشتر يرغبه بزيادة على الثمن الذي أعطي فيه.
سابعها: أن يكون الثمن المثل فأكثر.
ثامنها: أن يكون عينا فلا يصح أن يكون عرض تجارة لجواز أن يطرأ عليه رخص فيضر بمصلحة الصغير.
تاسعها: أن يكون حالا لا مؤجلا خوفا من أن يفلس صاحبه فيضيع على الصغير.
عاشرها: على القاضي أن يذكر في السجل الذي فيه الوقائع التي حكم فيها أسماء الشهود بأن يذكر في السجل؛ ثبت عندي بشهادة فلان وفلان يتم هذا الصغير، وبشهادة فلان وفلان أنه مهمل فلم يقم له أبوه وصيا وبشهادة فلان وفلان أنه مالك لمحل كذا الخ.
ومن هذا تعلم أن الحاكم لا يجوز له أن يبيع مال الصغير إلا إذا كان يتيما لا أب له ويقيم له أبوه وصيا ويعبرون عنه بالمهمل. ويشترط لصحة البيع أن يكون لسبب الحاجة لا غير. أما الأسباب الأخرى التي يبيع من أجلها الوصي فإنه لا يصح للقاضي ولا لوصيه أن يبيع من أجلها.
فيتحصل من ذلك كله أن الأب يبيع بشرط مصلحة الصغير بلا شرط ولا قيد بعد ذلك، والوصي الذي أقامه الأب يبيع لسبب من الأسباب التي ذكرت آنفا، والحاكم ووصيه لا يبيعان إلا لسبب واحد وهو الحاجة من نفقة أو سداد ولا وفاء له إلا من ثمنه بالشروط التي ذكرت.
هذا وللولي أن يأخذ بالشفعة للقاصر، وله أن يترك ذلك حسب المصلحة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #157  
قديم 17-03-2021, 01:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الشافعية - قالوا: ويجوز للولي أن يبيع العقار المملوك لمن له عليه ولاية كالدور والأراضي الزراعية ونحوها إذا احقق أحد أمرين:الأول: أن تدعو الحاجة إلى بيعه كنفقة وكسوة لم تف غلة ملكه بهما.
الثاني: أن تكون في بيعه مصلحة ظاهرة للمحجور عليه، وذلك بأن تكون صفقة البيع رابحة بأن يبيع بأكثر من ثمن مثله، ويمكن الحصول على مثله ببعض الثمن الذي بيع به فإذا لم يوجد واحد من هذين فلا يجوز للولي أن يبيع العقار المملوك للمحجور عليه، ومتى تحقق ما ذكر فإنه يصح له أن يبيعه بالنقد، وأن يبيعه لأجل ولكن بشرط أن يكون الثمن في حالة البيع لأجل أكثر مما إذا كان البيع نقدا. وعلى الولي أن يعمل ما يحفظ الدين من التوثق فيشهد على البيع ويرتهن به رهنا وافيا، فإذا أهمل ذلك كان عليه ضمان الثمن.
وعلى كل حال فيجب على الولي أن يتصرف بما فيه مصلحة المحجور عليه.
الحنابلة - قالوا: ليس للولي أن يشتري من مال الصغير والمجنون شيئا لنفسه ولا أن يرهن شيئا إلا إن كان أبا فإن له أن يفعل ذلك، لأن الأب بطبعه يسعى في مصلحة ابنه، فهو لا يفعل إلا ما فيه حظه بخلاف غيره. ويجوز للولي سواء كان أبا أو غيره أن يبيع عقار المحجور عليه لمصلحة ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله، وأنواع المصلحة كثيرة:
ومنها: الحاجة إلى نفقة أو كسوة أو قضاء دين ونحو ذلك مما لا بد للصغير أو المجنون، بشرط أن لا يكون عند المحجور عليه ما تندفع به الحاجة سوى المبيع.
ومنها: أن يخاف على العقار الهلاك بغرق أو خراب أو نحو ذلك.
ومنها: أن يكون في بيع العقار صفقة رابحة للقاصر كأن يباع بزيادة كثيرة على ثمن مثله ولا تتقيد بالثلث.
ومنها: أن يكون العقار في مكان لا ينتفع به، كأن يكون في حي غير عامر أو قذر فيبيعه ليشتري عينا في جهة آهلة بالسكان، أو جهة ترتفع فيها الأجرة.
ومنها: أن يرى الولي عينا تباع بسعررخيص لا يمكن شراؤها إلا ببيع العقار.
ومنها: أن يكون ساكنا في دار بين جيران سوء فيصح بيعها وشراء دار غيرها
(2) الحنفية - قالوا: عرفت مما تقدم في شرح تعريف الحجر أن الصبي إذا كان غير مميز لا ينعقد شيء من تصرفه. أما إذا كان مميزا فتصرفه على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يتصرف تصرفا ضارا بماله ضررا بينا كالطلاق والعتاق والقرض والصدقة، وهذا لا ينعقد أصلا فلا ينفذ ولو أجازه الولي.
الثاني: أن يتصرف تصرفا نافعا كقبول الهبة والدخول في الإسلام، وهذا ينعقد وينفذ ولو لم يجزه الولي.


الثالث: أن يتردد بين النفع والضرر كالبيع والشراء فإن الأصل فيه احتمال كون الصفقة رابحة أو خاسرة، فلا ينافي أنه قد تكون الصفقة بينة الربح، فتكون من القسم الثاني، لأن البيع والشراء في ذاته محتمل للأمرين. وهذا القسم ينعقد موقوفا على إجازة الولي وليس للولي أن يجيزه إذا كان فيه غبن فاحش، وقد تقدم بيان الغبن الفاحش في مبحثه.
والولي الذي تنفع إجازته هو الولي في باب المال وهو الذي تقدم بيانه. فإذا فقد فالقاضي أو من يقيمه القاضي، فإذا كان الأب موجودا أو وصيه فامتنع عن الإجازه القاضي نفذ أمر القاضي ويكون هذا حكما يرفع الحجر عن القاصر فلا يحجر عليه إلا بأمر قاض آخر.
ولا يلزم من ذلك أن يكون القاضي مقدما في الرتبة على الأب، لأن الأب في حالة امتناعه عن الإذن بما فيه المصلحة كان في حكم العاضل الذي يمنع بنته الزواج، فإن من حق القاضي أن يأذن بزواجها في هذه الحالة، فكذلك ما هنا.
وللقاضي أن يأخذ مال القاصر من الأب المبذر ويضعه في جهة مأمونة، كما أن له أن يستغل ماله بما فيه ربح له، وله أن يقرض ماله من رجل مالي مأمون إذا تعذر استغلاله بما فيه ربح أما الأب فليس له أن يقرض مال ابنه الصغير، وله أن يرهنه في دينه كما تقدم في مباحث الرهن.
وما يقع من الصبي والمجنون والمعتوه من الأعمال الضارة المتعلقة بالغير يكونون مؤاخذين بها مسؤولين عنها، فإذا أتلف واحد منهم مال غيره كان عليه ضمانه في الحال، ويستثنى من هذه القاعدة أمور أربعة:
-1 - إذا أقرض شخص مالا لواحد من هؤلاء فأكله لا يكون عليه ضمانه.
-2 - إذا أودع شخص عند واحد من هؤلاء شيئا فاضاعه أو أتلفه فقد ضاع على صاحبه ولا ضمان على المودع عنده، بخلاف ما إذا أودعها عند الأب أو الوصي فأتلفها واحد من هؤلاء المحجور عليهم فإنه يكون ملزما بها.
-3 - إذا أعار شخص أحد هؤلاء شيئا فأضاعه فإنه يضيع على صاحبه ولا يكون مسؤولا عنه.
-4 - إذا باع شخص لواحد من هؤلاء شيئا فأضاعه فقد ضاع على صاحبه، ولا يكون المحجور عليه مسؤولا عنه. ومحل كون المحجور عليه لا يضمن في المسائل الأربعة إذا لم يأذن الولي، أما إذا حصلت الوديعة أو القرض أو الإعارة أو البيع بإذن الولي فأهلكه المحجور عليه فإنه يكون ملزما به وعليه ضمانه.
وإذا أودع هؤلاء شيئا لا يملكه عند محجور عليه مثله فأهلكه المودع عنده، كان مالكه مخيرا بين أن يلزم به من أودعه أو من أودع عنده مثلا: إذا أخذ صبي مال زيد بدون علمه وأودعه عند صبي مثله فأهلكه الصبي الثاني، فإن زيدا مخير بين أخذه من الصبي الأول أو من الصبي الثاني. والفرق بين هذه المسألة وبين المسائل الأربع المتقدمة: أن المالك في المسائل الأولى سلط المحجور على ماله باختياره فكان مفرطا، أما في المسألة الثانية فإنه لم يسلطه إذ لم يودع عنده، فكان المحجور عليه مضيعا لمال الرجل بدون علمه.
وإذا جنى المجنون فإن جنايته لا توجب الحد، وكذلك الصبي والمعتوه. فإذا قتل واحد منهم فإنه لا يقتل ولكن تجب الدية على عاقلته، وعاقلته "هم الذين يتناصرون معه، سواء كانوا أهله وعشيرته، أو كانوا من أهل حرفته، أو أهل قبيلته، أو نحو ذلك مما هو مبين في محله".
المالكية - قالوا: إذا تصرف الصبي المميز ببيع وشراء ونحوهما من كل عقد فيه معارضة فإن تصرفه يقع موقوفا؛ ثم إن كانت المصلحة في إجازته تعين على الولي أن يجيزه؛ وإن كانت المصلحة في رده تعين على الولي أن يرجه، ويلزم القاضي برد الثمن إن كان باقيا، فإن كان قد أنفقه فإنه يؤخذ من ماله الموجود، فإن كان ماله الموجود قد نفذ ثم تجدد له مال فإنه لا يؤخذ منه شيء ويكون الثمن قد ضاع على المشتري، وهناك قولان آخران:
أحدهما: أن البيع يرد على أي حال والثمن يضيع على المشتري لأنه أهمل في أمر الشراء من القاصر وهو ضعيف.
ثانيهما: أن البيع ينفذ على أي حال وهو يعادل القول الأول، وعلى كل حال فيشترط في انعقاد بيع المميز وشرائه وشروط:
الأول: أن يكون البيع والشراء بالقيمة، فإن باع أو اشترى بغبن فإنه يرد بلا خلاف.
الثاني: أن يكون ذلك من أجل نفقته التي لا بد منها، فإذا باع واشترى من أجل شهواته التي يستغني عنها فإنه يرد بلا خلاف ويضيع الثمن على المشتري.
الثالث: أن تكون السلعة التي باعها هي أحق السلع بالبيع من ماله، فإن باع سلعة ينتفع باستغلالها مع وجود سلعة لا تستغل فإن البيع يرد بلا خلاف.
فإذا كان الصبي غير مميز فإن تصرفه لا ينعقد على أي حال. وكذلك لا ينعقد تصرف المميز في العقود التي لا عوض فيها، كما إذا وهب من ماله شيئا أو تصدق أو نحو ذلك، فإن تصرفه في ذلك يرد على أي حال.
وإذا تصرف الصبي سواء كان مميزا أو غيره في مال الغير فأضاعه بأن أنفقه على نفسه أو أتلفه، فإنه يكون عليه ضمانه في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له مال كان عليه دينا في ذمته، حتى إذا وجد له مال أخذ منه. مثلا: إذا أودع شخص عند آخر وديعة فاستهلكها ابنه الصغير كان ذلك الابن ملزما بها، فيدفعها من ماله إن كان له مال، وإلا بقيت دينا في ذمته، وإلا إذا كان الصبي ابن شهر فأقل فإنه لا يضمن شيئا. لأنه يكون كالعجماء.
أما إذا أمن صاحب المال الصغير فأودع عنده وديعة أو أقرضه مالا فأتلفه الصغير فإنه لا يضمن، ويضيع على المالك أو المقرض، لأنه هو الذي أهمل في ماله فسلط عليه الصغير إلا إذا صرف الصغير ذلك فيما لا بد له منه، فإن في هذه الحالة يؤخذ من ماله بالقدر الذي ينفقه منه، مثلا: إذا كان من عادته أن يأكل كل يوم بقرش من ماله، فصار ينفق كل يوم قرشين من المال الذي اقترضه في أكله، فإنه يحاسب صاحب القرض على قرش واحد في اليوم ويرد له على ذلك الحساب. أما إذا أنفق من القرش أقل من ذلك فإن صاحبه يحاسبه على ذلك على الأقل.
وتصح وصية الصبي المميز في حال صحته وفي حال مرضه.
الشافعية - قالوا: لا يصح تصرف الصبي سواء كان مميزا أو غير مميز، فلا تنعقد منه عبارة ولا تصح له ولاية لأنه مسلوب العبارة والولاية. فإذا نطق الصبي الذي أبواه كافران بالإسلام لا ينفع إسلامه، ولو تولى نكاحا لا ينعقد، إلا أن الصبي المميز تصح عبادته كما يصح إذنه للغير بدخول الدار، بخلاف المجنون فإنه لا تصح منه عبادة ولا غيرها على أنه يصح تملك الصبي والمجنون بالاحتطاب ونحوه، فإذا احتطب فقد ملك الحطب الذي جمعه، فليس لغيره أن يأخذه منه، وكذلك إذا اصطاد فإنه يملك الصيد الذي يظفر به.
إذا أتلف الصبي أو المجنون مال غيره فإن ضمانه في ماله. وإذا وطئ المجنون امرأة فأحبلها ثبت نسب الولد منه بذلك الوطء الذي هو زنا في الصورة.
الحنابلة - قالوا: تصرف الصبي الذي لا يميز باطل مطلقا. أما الصبي المميز فإنه يصح إذا أذنه الولي، فينفك عنه الحجر فيما أذن له فيه من تجارة وغيرها، ويصح إقراره فيما أذن له فيه.
وللولي أن يدفع مال القاصر إلى أمين يتجر فيه بجزء من الربح، كما أن له أن يبيعه بأجل لرجل مليء وله هبته بعوض، ورهنه عند ثقة لحاجة، وله تعميره بما جرت به عادة أهل البلد
(3) الحنفية - قالوا: المجنون: هو الذي سلب عقله، فلا يعقل شيئا أصلا ولا يفيق بحال. أما الذي يعقل بعض الأشياء دون بعض ويكون قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلا أنه لا يشتم ولا يضرب يعقل بعض الأشياء دون بعض ويكون قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلا أنه لا يشتم ولا يضرب، فإنه يسمى معتوها، أما المجنون الذي يفيق أحيانا بحيث يزول ما به بالكلية فإنه في حال إفاقته يكون كالبالغ العاقل فلا يحجر عليه وينفذ تصرفه في هذه الحالة.
حكم المجنون الذي لا يعقل أصلا هو كحكم الصبي الذي لا يميز في جميع ما تقدم، فكل تصرفاته تقع باطلة، سواء كانت نافعة أو ضارة أو غيرهما، أما المعتوه فإنه كالصبي المميز في تصرفاته، وقد عرفت أنه إن تصرف تصرفا نافعا محضا كقبول هبة من الغير نفذ تصرفه بدون توقف على إجازة الولي، وإن تصرف تصرفا ضارا محضا كطلاقه لامرأته، وإقراضه ماله، أو هبته لغيره لا ينفذ ولو أجازه الولي، وإن تصرف في شيء يحتمل النفع والضرر عادة كالبيع والشراء فإنه ينعقد موقوفا على إجازة الولي، فللولي أن يجيزه وله أن يرده.
المالكية - قالوا: المجنون في أحكام الحجر كالصبي، سواء كان مسلوب العقل أصلا بحيث لا يفيق غالبا، أو كان مجنونا بالصرع أو كان مجنونا بالوسواس وهو الذي يخيل إليه أنه فعل ولم يفعل، ولا فرق بين أن يكون الجنون في الأحوال الثلاثة مطبقا أو متقطعا.
ويمتد الحجر على المجنون من حين جنونه إلى أن يفيق رشيدا، ثم إن كان جنونه قبل البلوغ كان الحجر عليه من حقوق أبيه أو وصيه إن كان له أي أو وصي، فإن لم يكن له أب ولا وصي أو كان ولكن طرأ عليه الجنون بعد البلوغ، فإن الحجر عليه حينئذ يكون من حق الحاكم وحده فإن كان جنونه قبل البلوغ ثم أفاق منه قبل البلوغ حجر عليه بسبب الصغر وقد عرفت أن الحجر بسبب الصغر من حقوق الأب والوصي. أما إذا أفاق بعد البلوغ ثم طرأ عليه السفه فإن الحجر عليه يكون من حق الحاكم كما عرفت، لأن السفه الذي يطرأ بعد البلوغ فإن الحجر به يكون للحاكم لا للأب والوصي وما أتلفه المجنون من مال الغير فإنه يكون مضمونا عليه. فيؤخذ من ماله إن كان له مال أو يبقى دينا في ذمته، فإن اعتدى على أحد في نفسه أو عضو من أعضائه فإن كانت جنايته توجب دية كاملة أو توجب أكثر من ثلث الدية حكم بها على عاقلته، وإن كانت أقل من ثلث الدية فإنها تؤخذ من ماله، فهو كالمميز في ذلك على الراجح، لأن الضمان لا يشترط فيه التكليف.
الشافعية - قالوا: متى جن شخص حجر عليه فلا تنفذ تصرفاته في شيء مطلقا، ووليه هو ولي الصغير الذي تقدم، وقيل: وليه الحاكم فقط. وإذا أتلف شيئا كان ضمانه عليه، كما إذا وطئ أجنبية فأحبلها فإن ولدها يثبت نفسه منه، ولا يرفع عنه الحجر إلا إذا زال جنونه تماما بحيث لم يبق فيه شائبة.
الحنابلة - قالوا: المجنون كالصغير في أحكام الحجر المتقدمة، إلا أن الصبي إذا بلغ وهو مجنون أو سفيه لا يحجر عليه إلا بحكم الحاكم، ولا ينظر في ماله إلا الحاكم وسيأتي بيان ذلك السفيه
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #158  
قديم 17-03-2021, 01:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث الحجر]
صـــــ 328 الى صــــــــ
337
الحلقة (117)

[مبحث الحجر على السفيه]
يحجر على السفيه كما يحجر على الصبي والمجنون، وفي تعريفه وما يتعلق به تفصيل في المذاهب(1) .
[الحجر بسبب الدين]
ويحجر على المدين في تصرفاته المالية حتى لا تضيع على الناس حقوقهم وأموالهم التي استدانها منهم، وفي ذلك تفصيل مبين في المذاهب (2) .
تم الجزء الثاني - ويليه الجزء الثالث وأوله مباحث المزارعة


(1) الحنفية - قالوا: الحجر على السفيه هو المفتى به في المذاهب وهو المختار كما تقدم، وتعريف السفيه: هو الذي لا يحسن إدارة ماله، فينفقه فيما لا يحل وفي البطالة، ويعمل فيه بالتبذير والإسراف، ومن الإسراف الموجب للحجر: دفع المال إلى المغنين واللعابين وشراء الحمام والديكة ونحوهما بثمن غال "غية" وصرف الأموال في المقامرة وغير ذلك من الأنفاق في غير ما يقتضيه العقل والشرع وكذلك إذا أنفق ماله في عمل من أعمال الخير، كبناء مدرسة أو مسجد أو مصح فإنه يعد سفيها ويحجر عليه، لأن الله تعالى إنما كلف الإنسان بعمل الخير إذا كانت حالته المالية تسمح بذلك، بحيث لا ينفق ماله ويفلس من أجل عمل الخير.
ولا يحجر على السفيه إلا بحكم الحاكم على الراجح، فإذا تصرف قبله فإن تصرفه ينفذ ويقع صحيحا، فإن رشد فإن رشده لا يثبت إلا بحكم الحاكم، وقال محمد: إن إفساده في ماله يوجب الحجر عليه، وإصلاحه يوجب فكه بقطع النظر عن الحاكم.
وقد عرفت أن الإمام يقول: إنه لا يحجر على الحر العاقل وإن كان سفيها، إلا أنه إذا لم يثبت رشده بعد بلوغه فإنه لا يسلم إليه ماله حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإذا تصرف في ماله بعد البلوغ قبل أن يبلغ ذلك السن فإن تصرفه ينفذ، لأنه ليس محجورا عليه، وإنما هو ممنوع عن ماله تأديبا وزجرا، ولكن هذا غير المفتى به.
وحكم السفيه المحجور عليه كحكم الصبي المميز في التصرفات التي تحتمل الفسخ ويبطلها الهزل كالبيع والشراء، أما التصرفات التي لا تحتمل الفسخ ولا يبطلها الهزل كالنكاح والطلاق والعتق فإنه لا خلاف في أن السفيه البالغ تنفذ تصرفاته فيه.
فإذا تزوج فإن زواجه ينعقد، ثم إذا سمى مهرا كثيرا فإنه لا يلزم إلا بمهر المثل ويبطل ما زاد عليه، وإن طلقها قبل الدخول وجب نصف المسمى، وإذا طلق ينفذ طلاقه، وإذا أعتق ينفذ عتقه، ولكن يلزم العبد بالسعي في قيمته، وكذلك تجب عليه العبادات المالية كالزكاة، وعلى القاضي أن يدفعها إليه ليفرقها، لأنها عبادة لا بد فيها من نية، ولكن يبعث معه أمينا كي لا ينفقها في غير وجهها.
وكذلك الحج فإنه يجب عليه ويصح منه، وكذلك سائر العبادات، أما الصبي فإن العبادات وإن كانت تصح منه ولكنها لا تجب عليه.
ويصح أن يوصي السفيه من ماله بالثلث إن كان له وارث، بشرط أن يوصي بالإنفاق على عمل خيري كالإنفاق على الفقراء والمساكين، أو بناء مصح أو قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك؛ أما إذا أوصى بملعب أو ناد أو نحو ذلك فإن وصيته تكون باطلة ولا تنفذ، أما الصبي فإن وصيته لا تنفذ.
وكذلك يعامل بإقراره إذا كسب مالا جديدا بعد الحجر عليه ولو لم يفك عنه الحجر، فإذا أقر لشخص بدين بعد الحجر عليه ثم كسب مالا أثناء الحجر. فإن للشخص أن يأخذ دينه من المال الجديد ولو لم يفك حجره.
أما السفيه الذي حجر عليه بسبب السفه فإن إقراره حال الحجر لا يعتبر لا بعد الحجر ولا في أثنائه، في المال الحاضر وقت الحجر أو المال المكتسب بعده.
المالكية - قالوا: السفه هو التبذير وعدم حسن التصرف في المال، فمتى اتصف الشخص بذلك سواء كان ذكرا أو أنثى فإنه يكون مستحقا للحجر عليه، فإذا عرض له السفه بعد بلوغه بزمن قليل كعام فإن الحجر عليه يكون من حقوق أبيه، لأن ذلك الزمن قريب البلوغ فكان في حكم الصبي، والحجر على الصبي من حقوق الأب كما تقدم. أما إذا عرض له السفه بعد البلوغ بزمن أكثر من عام فإن الحجر عليه لا يكون إلا بحكم لحاكم.
فإذا تصرف السفيه الذكر قبل الحجر عليه فإن ذلك يشمل أمورا:
أحدها: أن يكون السفه قد عرض له قبل البلوغ ثم استمر بعده وله أب أو وصي، حكم هذه الصورة قد عرفت مما تقدم، وهو أنه يستمر الحجر عليه من غير احتياج إلى فك وحجر جديدين، ويكون المرجع في تصرفه للولي كما تقدم.
ثانيها: أن يعرض له السفه وهو صغير ثم يبلغ سفيها وكان يتيما لا أب له ولا وصي ولم يقم الحاكم له قيما ويسمى بالسفيه المهمل. وحكم هذا: أن تصرفه قبل الحجر عليه بعد البلوغ يقع نافذا على الراجح، لأن العلة في عدم نفاذ التصرف إنما هي الحجر فمتى انتفى الحجر نفذ التصرف، فإذا وضع الحجر عليه فلا يرفع إلا بالحكم بفكه ولو صار رشيدا.
ثالثها: أن يعرض له السفه بعد البلوغ وتصرفه قبل الحجر عليه، وفي هذه الصورة ينفذ تصرفه أيضا.
أما إذا تصرف وهو صبي يتيم لا أب له ولا وصي قبل أن يقيم الحاكم له وصيا فإن تصرفه يكون باطلا بلا خلاف.
وإذا تصرفت الأنثى البالغة السفيهة التي لا ولي لها "وتسمى بالمهملة" فقال بعضهم: إن أفعالها تنفذ كالذكر. وقال بعضهم: لا تنفذ ما لم تتزوج ويدخل بها زوجها وتقيم معه مدة يحمل أمرها فيها على الرشد، واختلف في تقدير هذه المدة، وقد نقل بعضهم أن الذي كان عليه العمل في تقديرها هو أن يمضي عليها في بيت زوجها نحو السنتين أو الثلاث، فإذا تصرفت قبل هذه المدة فلا ينفذ تصرفها، فإذا لم تتزوج فإن أفعالها لا تنفذ إلا إذا بلغت سنا لم تعد صالحة فيه للزواج واختلف فيه، فقيل: هو حد الأربعين سنة، وقيل: من خمسين إلى ستين.
أما الصغيرة التي لها أب أو وصي فقد عرفت أنها محجورة بهما، ولا ينفك حجرها إلا إذا توفرت فيها الشروط المتقدمة وهي: البلوغ، والرشد - بمعنى حفظ مالها من الضياع - ويزاد على ذلك أن تتزوج ويدخل بها زوجها، ويشهد عدلان فأكثر على حسن تصرفها، فإن لم يدخل بها الزوج فإن الحجر يستمر عليها ولو شهد عدلان برشدها، ومتى تحققت هذه الشروط فإن الحجر يرفع عنها وتنفذ أفعالها على المعتمد. وبعضهم يقول: إن الحجر لا يرفع عنها إلا إذا مضى عليها عام بعد دخولها على زوجها وشهد الشهود بعد العام بصلاحها. وبعضهم يقول غير ذلك.
ولا تحتاج في رفع الحجر عنها بعد تحققه إلى أن يفك الحجر أبوها إذا كان وليها، وإنما تحتاج إلى ذلك إذا كان الولي غير الأب كما تقدم.
وصورة الفك أن يقول الوصي لعدلين أو أكثر: أشهدوا أني فككت الحجر عن فلان ومحجوري وأطلفت له التصرف وملكت له أمره، لما قام عندي من رشده وحفظه لماله.
وللأب أن يفك الحجر عن بنته بعد البلوغ مطلقا قبل الدخول أو بعده ولو لم يعلم رشدها من الشهود. أما الوصي فإن له أن يفك الحجر بعد الدخول بها ولو لم يعرف رشدها من الشهود وأما الذي أقامه القاضي ويقال له "مقدم القاضي" فالراجح أنه ليس له أن يفك حجرها قبل الدخول مطلقا، أما بعد الدخول فإن له أن يفكه إذا عرف رشدها من الشهود.
وتصح وصية السفيه كما تصح وصية الصبي المميز. وحكم تصرفه كحكم تصرف الصبي المميز المتقدم.
الشافعية - قالوا: السفيه هو المبذر في ماله، وهو الذي ينفقه فيما لا يعود عليه بمنفعة عاجلة أو آجلة، كأن يقامر به أو ينفقه في اللذات المحرمة الضارة بالبدن والعرض والدين كالزنا وشرب الخمر، أو ينفقه في المكروهات كأن يشرب به الدخان أو يضيعه بسوء تصرفه كأن يبيع ويشتري بالغبن الفاحس إذا كان لا يعلم به، أما إذا تساهل في بيعه وشرائه وهو عالم فإن ذلك لا يعد سفيها لأنه يكون من باب الصدقة. وكذلك إذا أنفق ماله في وجوده البر والخير كبناء المساجد والمدارس والمصحات والتصدق على الفقراء والمساكين فإنه لا يكون بذلك سفيها. بل لو أنفق ماله في اللذات المباحة كالملبس والمأكل والمشرب ولو توسع في ذلك بما لا يناسب حاله فإنه لا يعد سفيها. ومثل ذلك ما إذا أنفقه في التزوج ونحوه من كل متاع حلال فإنه يكون قد أنفقه في مصرفه، لأن المال إنما خلق لينفق في الخير وفي الاستمتاع بما أحله الله.
أما السفيه المبذر فإنه لا يخلو: إما أن يكون السفه قد عرض له وهو صغير ثم بلغ سفيها. وفي هذه الحالة يستمر الحجر عليه بدون حكم قاض وتكون تصرفاته غير نافذذة فإذا صار رشيدا فإن الحجر يزول بدون قاض أيضا. وأما إذا بلغ رشيدا ثم عرض له السفه فإن الحجر عليه يكون من حق القاضي، وإذا تصرف قبل الحجر يكون تصرفه نافذا لأنه في هذه الحالة يكون مهملا. فإذا تصرف السفيه المحجور عليه ببيع أو شراء أو إعتاق أو نكاح أو هبة فإن تصرفه يقع باطلا ولكن يصح طلاقه ومراجعته كما يصح خلعه، ويجب دفع عوض الخلع إلى وليه وغلا فلا يبرأ الدافع إلا إذا خالع بشرط أن يأخذ المال هو لا وليه، فإنه في هذه الحالة يبرأ الدافع إليه لأنه علق الخلع على أخذ المال، فلا يصح إلا إذا نفذ ذلك. وحكمه في العبادات المالية كالزكاة والحج وغيرهما من العبادات كالرشيد، إلا أنه لا يفرق أمثال الزكاة بنفسه ويصح منه النكاح إذا أذنه وليه، فإذا تزوج امرأة بإذن وليه وأمهرها مهر المثل فإن العقد يصح، أما إذا زاد على مهر المثل فالمشهور أن النكاح يصح أيضا وتلغو الزيادة. وإذا عين الولي له امرأة خاصة فتزوج غيرها فإن العقد لا يصح إلا إذا كانت خيرا منها جمالا وحسبا ولم تزد عليها مهرا ونفقة، فإن كانت كذلك فإن العقد يصح على المعتمد.
وإذا قال له الولي: إنني أدفع لك مهرا قدره كذا ولم يعين له المرأة التي يتزوجها فإن الإذن يصح، وله أن يتزوج بذلك المهر ما يشاء.
وإذا تزوج السفيه بلا إذن وليه فإن نكاحه يكون باطلا، ويفرق بينهما ولم يلزمه شيء وإن لم تعلم الزوجة أنه سفيه لأنها فرطت في عدم السؤال عنه.
وإذا اقترض السفيه شيئا أو اشتراه وقبضه وأتلفه فلا ضمان عليه لا في أثناء الحجر ولا بعد فكه عنه، لأن مالكه أهمل ماله وسلطه عليه وجزاء المهمل الخسارة ولا فرق في ذلك بين أن يكون عالما بأنه سفيه أو لا، لأنه في حالة عدم العلم يكون مقصرا.
إذا أقر السفيه بأنه استدان من شخص مالا قبل الحجر عليه أو بعده فإن إقراره لا يقبل وكذلك إذا أقر بأنه أتلف مال شخص، أو قتل دابة ونحو ذلك مما يوجب عوضا ماليا فإنه لا يقبل على الأظهر، ولا يعمل بإقراره بعد فك الحجر عنه. أما إذا أقر بما يوجب الحد والقصاص فإنه يعمل بإقراره.
ولا يصح إذن الولي في المعاملات سوى النكاح، فإذا أذنه في بيع أو شراء أو تجارة فإنه لا ينفعه إذنه ولا يفيده شيئا على الراجح. وقيل: ينفع بشرط أن يقدر الولي العوض كأن يقول له: اشتر السلعة بعشرة جنيهات. أما ما لا عوض له كالهبة فإنه لا ينفع فيه إذن بالاتفاق.
الحنابلة - قالوا: السفيه هو الذي لا يحسن التصرف في ماله، فإذا كان الشخص البالغ سفيها لا يحسن التصرف فإن الحجر عليه يكون من حق الحاكم، فإذا كان السفه صفة له وهو صغير ثم بلغ رشيدا ولكن عاوده السفه بعد البلوغ أعيد الحجر عليه بمعرفة الحاكم. ومثله المجنون كما تقدم ولا يفك الحجر عنه إلا بحكم، لأنه حجر ثبت بحكمه فلا يزال إلا به.
وإذا حجر على السفيه فإن تصرفاته تكون باطلة، وللولي أن يأذنه في بعض التصرفات فتنفذ ومن ذلك الزواج؛ فإن الولي إذا أنذه بأن يتزوج فباشر بنفسه فإنه ينفذ إلا إذا كان السفيه في حاجة إلى الزواج لمتعة أو خدمة فإن له أن يفعل وإن لم يأذنه وليه، وسواء طلب منه ومنعه أو لم يمنعه، ولكن لا ينفذ زواجه إلا بمهر المثل.
ويصح أن يطلق زوجه ويخلعها بمال يأخذه، ويلزم السفيه بحكمه في الحال بدون إذن وليه إلا أن مال الخلع لا يصح دفعه إليه، فإن دفعته المرأة إليه لا تبرأ منه، وإذا أضاعه فقد ضاع عليها.
وكذلك يصح منه الظهار واللعان كما يصح إقراره بنسب كأن يقول: إن هذا الغلام ابني ولدته أمه على فراشي، تلزمه أحكامه من النفقة وغيرها. وكذلك تصح وصيته كما تصح من الرشيد.
وتجب عليه الفرائض الدينية المتعلقة بالأموال كالزكاة، ولكنه لا يباشر صرفها بنفسه بل يفرقها وليه سائر تصرفاته المالية، ويصح منه نذر كل عبادة بدنية كالحج والصيام والصلاة، ولا تصح هبته ولا وقفه، لأن ذلك تبرع بمال وهو ليس أهلا للتبرع، ولا تصح شركته ولا حوالته ولا الحوالة عليه ولا ضمانه لغيره ولا كفالته.
وإذا أقر لغيره فمال فإن إقراره يصح، ولكن لا يلزمه ما أقر به في حال حجره، بل يلزمه بعد فك الحجر عنه، إذا علم الولي صحة إقراره بذلك الدين فإنه يلزمه أن يدفعه.
وعلى الولي أن ينفق عليه من مال بما هو متعارف بين الناس، وكذلك على من تلزمه مؤونته من زوج ونحوها وحكم ولي السفيه كحكم ولي المجنون المتقدم

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #159  
قديم 17-03-2021, 01:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


(2) الحنفية - قالوا: كما أن السفه بالمعنى المتقدم سبب من أسباب الحجر. فكذلك الدين والغفلة، فأما الدين الذي يحجر به فهو: أن يستدين الشخص ديونا تستغرق أمواله "وتزيد عنها" فيطلب الدائنون الذين لهم هذه الديون من القاضي أنيحجر عليه، كي لا يتصرف في ماله الذي تحت يده فتضيع على الدائنين أموالهم، والحجر لا يكون إلا للقاضي، فمتى وضع عليه الحجر فلا يصح له أن يتصرف في ماله بصدقة أو هبة أو إقرار بمال لمن له عليه دين غير من حجر عليه بطلبهم. ولكنه يعامل بإقراره هذا بعد فك الحجر عنه. ويصح الحجر على المديون ولو كان غائبا ولكن يشترط لعدم نفاذ تصرفه علمه بالحجر "إعلانه" فإذا لم يعلم به وتصرف فإن تصرفه يقع صحيحا.
وللقاضي أن يبيع مال المحجور عليه بالدين لسداد الدائنين إذا امتنع من بيعه ويقسم بينهم بحسب حصة كل واحد في الدين.
وإذا تزوج المحجور عليه بسبب الدين صح تزوجه، وللمرأة أن تشترك مع الدائنين في مهر المثل، أما ما زاد على المثل فإنه يكون دينا في ذمته.
وللدائنين أن يلازموا المدين فيذهبوا معه حيث ذهب، ولكن ليس لهم منعه من السفر ولا حبسه بمكان خاص وللقاضي أن يحبس المدين بدينه في كل دين التزمه بعقد كالمهر والكفالة فإذا حبسه شهرين أو ثلاثة أشهر ولم يظهر له مال في خلال ذلك فإنه يطلق سراحه، وإن أقام البينة على أن لا مال له خلى سبيله لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} وتقبل البينة على الإعسار بعد الحبس فيطلق القاضي سراحه إذا شهد الشهود بأنه معسر.
ولا يضرب المحبوس بالدين، ولا يغل بقيد، ولا يخوف، ولا يجرد؛ ولا يكلف بالوقوف بين يدين صاحب الدين إهانة له، ولا يؤجر، ولكن يقيد إذا خيف هربه، ولا يخرج المدين لجمعة، ولا عيد، ولا حج، ولا لصلاة مكتوبة، ولا لصلاة الجنازة، ولا عيادة مريض ويحبس في موضع وحش لا يبسط له فرش ولا يدخل عليه أخذ ليستأنس به، وكفى بذلك زجرا للناس عن الديون والتورط فيها، لأن شريعتنا السمحة تجعل لصاحب الدين سلطانا على المدين في هذا الموقف الحرج. وقد عرفت أن هذا هو المختار المفتى به من مذهب الحنفية، أما الإمام فإنه يقول: لا يحجر على الحر البالغ بسبب الدين وإن استغرق كل ماله وطلب الغرماء الحجر عليه، ويعمل الحجر فيه شيئا فيصح أن يتصرف في ماله بجميع أنواع التصرف.
ومثل الحجر بسبب الدين: الحجر بسبب الغفلة، والغفلة هي: كون الشخص لا يتهدي إلى التصرفات الرائجة في بيعه وشرائه فيغير فيهما لسلامة قلبه وهي غير السفه، لأن السفيه هو المفسد لماله بالقصد والاختيار لتغلب الشهوات الفاسدة عليه واتباعه الغي والهوى أما ذو الغفلة "المغفل" فهو لا يفسد ماله قصدا ولا ينقاد لشهواته، ولكنه يخدع بسهولة فيستطيع الناس أن يغبنوه في ماله وليس هو المعتوه؛ لأن المعتوه يخلط في كلامه. وقد عرفت أن الإمام لا يرى الحجر على مثل هذا أيضا.
الشافعية - قالوا: يحجر على المدين بسبب الدين إن كان الدين أكثر من ماله، أما إن كان ماله أكثر أو مساو فإنه لا يصح الحجر عليه، ولا يحجر إلا إذا طلب الغرماء الحجر كلهم أو بعضهم، أو طلب هو الحجر على نفسه "كالمفلس الذي يشهر إفلاسه" ولا يصح الحجر إلا إذا حل الدين، أما إذا كان باقيا عليه مدة فإنه لا يصح.
ومتى طلب الغرماء الحجر فإنه يجب على القاضي أن يحجر على المفلس حالا. ومتى حجر عليه تعلق حق الغرماء بماله وصار ممنوعا من التصرف فيه، فيبطل تصرفه من بيع وهبة ونحوهما حتى يقبض دينه.
ويصح للمفلس المحجور عليه أن يتزوج ويبقى المهر دينا في ذمته لا في المال الذي تحت يده وكذلك يصح خلعه وطلاقه ونحو ذلك، وإذا أقر بدين عليه قبل الحجر فالأظهر أنه يقبل إقراره ويكون صاحب الدين شريكا لباقي الدائنين، أما إذا قال: إنه استدان بعد الحجر فإن إقراره لا يقبل، وإذا أقر بجناية لها عوض مالي بعد الحجر فإنه يقبل منه ويشارك المجني عليه الدائنين.
وإذا كان المحجور عليه بسبب الدين قد اشترى سلعة قبل الحجر ثم ظهر بها عيب فله أن يردها إن كانت المصلحة في ردها أما إذا كان العيب لا ينقص قيمتها وتساوؤ أكثر من الثمن الذي اشتراها به مع ذلك العيب فلا يجوز ردها.
ويستحب أن يبادر القاضي ببيع مال المفلس، ولا يشترط أن يكون المدين حاضرا وكذلك الدائنون وإنما يسن ذلك، ويجب أن يكون البيع بثمن المثل، وأن يكون الثمن حالا لا مؤجلا فإذا لم يكن كذلك، فإنه لا يصح البيع إلا برضاء المدين والدائنين، وإذا لم يوجد مشتر بثمن المثل حالا فإنه يجب الصبر إذا كان فيه أمل بأن يوجد له مشتر بثمن الحال، وما يتحصل من الثمن بعد البيع يقسم على الدائنين بنسبة ديونهم.
وإذا قسم ماله على الدائنين ثم ظهر غيرهم فإنه يشاركهم فيما أخذوه بنسبة دينه، فيأخذ من كل واحد منهم نصيبا بنسبة ذلك.
المالكية - قالوا: الدين سبب من أسباب الحجر، بشرط أن يستغرق الدين مال المدين ويزيد عليه، واختلف فيما إذا كان مساويا له فقيل: إنه يكون سببا في الحجر، وقيل: لا، واستظهر أنه يكون سببا لأن الغرض حفظ حق الدائن، فله منع كل ما ينقص دينه فإذا استغرق الدين كل مال المدين فإن لذلك أحوالا ثلاثة:
الحالة الأولى: أ، الدائنين لم يطلبوا من الحاكم تفليسه "نزع ماله منه وإعطائه للدائنين" وفي هذه الحالة يكون لهم الحق في منعه من التصرف فيما ينقص أموالهم، سواء كان دينهم حالا أو مؤجلا، فيمنعونه من التبرع والهبة والصدقة والوقف، ويمنعونه من أن يضمن شخصا أو يقرض شخصا معدما ونحو ذلك مما فيه ضياع أموالهم ولا يحل لأحد أن يقبل من المدين المستغرق هبة أو هدية أو نحو ذلك، وإذا كان لم يعلم ثم علم فإنه يجب عليه أن يرد ما أخذ لأن ذلك مال الغير، وكذلك لهم الحق في منعه من الإقرار بدين لشخص يتهم بأنه إنما أقر له فرارا من الدين كولده وزوجه، أما من لا يتهم معه فإن إقراره يعتبر.
وليس لهم الحق في منعه مما جرت به العادة كالصدقة القليلة للسائل وكنفقة العيدين والأضحية ونفقة ابنه وأبيه بدون إسراف، وكذلك ليس لهم الحق في منعه من البيع والشراء والهبة بعوض ونحو ذلك مما لا يترتب عليه نقص في المال عادة إنما يكون لهم الحق في تفليسه.
الحالة الثانية: أن يحكم الحاكم بتفليسه، أي بنزع ماله منه وإعطائه للدائنين، وهذا لا يكون إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أنيطلب الدائن التفليس، فلا يصح بدون طلبه، فلو طلب المدين تفليس نفس لا يصح، وإذا تعدد الدائنون فإنه يكفي تفليسه أن يطلبه بعضهم، ومتى فلسه الحاكم فإن الجميع يشتركون في ماله، سواء من طلب ومن لم يطلب.
الشرط الثاني: أن يكون الدين حالا، فلا يصح تفليسه بدين مؤجل.
الشرط الثالث: أن يكون الدين زائدا على ماله، فإن كان مساويا فإنه لا يصح تفليسه ويترتب على هذه الحال أربعة أمور:
أحدها: منعه من التصرفات المذكورة في الحالة الأولى.
ثانيها: منعه من البيع والشراء والتصرفات المالية.
ثالثها: قسمة ماله بين الدائنين.
رابعها: حلول الدين المؤجل إن كان عليه دين مؤجل. لا يلزم في الحكم بتفليسه أن يكون حاضرا، بل يحكم عليه وإن كان غائبا.
الحالة الثالثة: أن لا يرفع الغرماء الأمر إلى الحاكم، ولكنهم يقومون عليه فيستتر منهم فلا يجدونه فإن لهم أن يحولوا بينه وبين ماله ويمنعوه من التبرعات والتصرفات المالية بالبيع والشراء ونحوهما.
ويقسم مال المفلس المتحصل بالنسبة لمجموع الديون، فيأخذ كل واحد من دينه بتلك النسبة ولا تتوقف قسمة ماله على معرفة أنه ليس له دائنون غائبون، ولا يكلف الدائنون الحاضرون إثبات أنه ليس غيرهم.
ويحلف المدين بأنه لم يكتم من ماله شيئا، فإذا حلف وانتزع الدائنون أمواله من تحت يده على الوجه المذكور فإن الحجر ينفك عنه ولو بقي عليه دين، فإذا اكتسب مالا جديدا بميراث أو ربح تجارة أو هبة أو غير ذلك، فإنه يكون مطلق التصرف فيه إلا إذا حجر الحاكم عليه ثانيا. وللدائن أن يمنع المدين من سفره حتى يقتضيه دينه ولو كان الدين غير مستغرق للمال بشروط:
أحدها: أن يكون السفر طويلا بحيث يحل أجل الدين في غيبة المدين: أما إذا كان أمد الدين بعيدا عن المدين، فليس للدائن منعه من السفر.
الشرط الثاني: أن يكون المدين موسرا، أما إذا ثبت إعساره فإنه ليس له منعه من السفر.
الشرط الثالث: أن لا يوكل المدين عنه من يقوم بسداد الدين، فإذا كان موسرا ووكل عنه من يسدد دينه عند حلوله، أو ضمنه موسر فليس له منعه من السفر.
ويجوز حبس المدين الذي ثبت عليه الدين إلا إذا ثبت أنه معسر، أما إذا ثبت أنه موسر فإنه يحبس حتى يسدد دينه، أو يأتي بكفيل مالي. وإذا جهل حال المدين فإنه يحبس حتى يثبت أنه معسر.
الحنابلة - قالوا: الدين من أسباب الحجر، ولكن بشرط أن يكون الدين أكثر من ماله الموجود، ويسمى المدين الذي يستغرق الدين ماله ويزيد عليه مفلسا، لأنه ماله الذي تحت يده مستحق للغير فهو معدوم في الواقع، فيحجر على المفلس بواسطة الحاكم. ويشترط أن يطلب الدائنون كلهم أو بعضهم الحجر، فإذا لم يطلبوا لم يحجر عليه.
وجميع تصرفات المدين قبل الحجر عليه من البيع والهبة والإقرار وقضاء بعض الدائنين فافذة أما بعد الحجر فإنه لا ينفذ شيء من تصرفه في ماله ببيع أو غيره. وكل ما يتجدد له من مال بعد الحجر فإنه يكون كالموجود حال الحجر، فلا يصح له أن يتصرف فيه أيضا. وكذلك لا يصح الإقرار بشيء من ماله لغير الدائنين الذين حجروا عليه.
وبعد الحجر يبيع الحاكم ماله ويقسمه بين الغرماء بحسب ديونهم على الفور. ولا يحتاج الحاكم إلى استئذان المفلس في البيع، ولكن يستحب أن يكون حاضرا كما يستحب أن يكون الدائنون حاضرين.
وإذا أقرضه أحد شيئا بعد الحجر أو باعه شيئا فليس له المطالبة إلا بعد فك الحجر عنه، وللدائن منع المدين من السفر بشروط.
الشرط الأول: أن يكون السفر طويلا يحل الدين قبل فراغه.
الشرط الثاني: أن يكون مخوفا ولو كان قصيرا؛ أما إن كان مأمونا لكنه قصير يحل الدين بعده فليس له منعه.
الشرط الثالث: أن لا يكون للدين رهن يفي به أو كفيل ذو مال، فإن كان ذلك فليس له منعه.
الشرط الرابع: أن لا يكون السفر لجهاد متعين، فإن كان لذلك فليس له منعه. وللحاكم حبس المدين الموسر الذي يمتنع عن الوفاء، والحبس للدين من الأمور المحدثة. وأول من حبس عليه شريح، وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: لي "مطل" الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته! وقد فسر عرضه بشكواه للحاكم، وعقوبته بحبسه



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #160  
قديم 31-05-2021, 09:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث المزارعة]
صـــــ 1 الى صــــــــ
9
الحلقة (118)


[الجزء الثالث]
[مقدمة [الجزء الثالث]]
-بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله تعالى حمدا كثيرا، وأصلي وأسلم على نبيه محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين."وبعد": فإنني لما وفقني الله لصوغ الجزأين الأول والثاني من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة "قسمي العبادات والمعاملات" بالعبارة التي ظهرا بها، رأيت من الجمهور إقبالا عليهما لسهولة وقوفهم على ما يريدونه من أحكام الفقه في مذاهبهم، وجمعهما كثيرا من تلك الأحكام المبعثرة التي يستنفذ الوقوف عليها مجهود أهل العلم الأخصائيين، فضلا عن غيرهم من عامة المسلمين فبعثني ذلك الإقبال على النهوض بتكملة سائر أبواب الفقه الإسلامي على المذاهب الأربعة "قسم المعاملات، وقسم الأحوال الشخصية". وصوغه بمثل هذه العبارات أو أوضح منها، كي ينشط الناس إلى معرفة أحكام دينهم الحنيف في بيعهم، وشرائهم، وأقضيتهم، وأنكحتهم، وما يتعلق بذلك، واستبان لهم سماحة الإسلام مع دقته في التشريع، وإحاطته بكل صغير وكبير مما يجري في المعاملات بين جميع طوائف البشر مما يتضاءل بإزائه تشريع المشرعين، وتقنين المقننين، من غربيين وشرقيين، فرنسيين ورومانيين، دعتهم عظمته، وحملتهم دقته وسماحته إلى الأخذ به، والتعويل عليه، فيعيشوا عيشة راضية مرضية، إذ ترتفع من بينهم أسباب الشقاق المفضية إلى ضياع الأموال والأنفس، وتوفر عليهم ما ينفقونه من الأموال في المواضع التي نهاهم الله عن الإنفاق فيها، كالإنفاق في الخصومات الباطلة وما إليها.
قال تعالى:
{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} الآية.ذلك بعض ما ينتجه العلم بأحكام الدين والعمل بها في دار الدنيا، أما في الآخرة فإن الله قد وعد العامل بدينه نعيما خالدا وملكا مقيما علىانني رأيت في أول الأمر أن ذلك العمل خطير بالنسبة لرجل ضعيف مثلي. وقد تطغى عليه مظاهر الحياة وتفتنه شواغلها، ولكن ثقتي بالله الذي هداني إلى إتمام العمل في الجزأين وأعانني عليه، جعلني أقدم على تنفيذ ما فكرت فيه لا أهاب صعوبة ولا أخشى مللا. لأنني لا أريد غير مرضاة ربي الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع كل شيء، ولا أبتغي إلا أن أكون مقبولا لديه في يوم لا ينفع فيه مال ولابنون، ومن استعان بربه وحده فإن الله كفيل بمعونته، وهو نعم المولى ونعم النصير. فهو وحده المسؤول أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يقيني شر الإفتتان بمظاهر الحياة الدنيا، وأن يحفظني من شر السعي وراء المغانم الدنيوية بوسائل الآخرة، وأن ينفع به المسلمين."وبعد": فقد كنت عزمت على أن أذكر حكمة التشريع بإزاء أحكامها، كما أذكر أدلة الأئمة، ولكني أعرضت عن ذلك لأنني رايت في مناقشة الأدلة دقة لا تتناسب مع ما اردته من تسهيل للعبارات، ورايت في ذكر حكم التشريع تطويلا قد يعوق عن الحصول على الأحكام، فوضعت حكمة التشريع في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.
أما الأدلة:
فقد أفردها كثير من كبار علماء المسلمين بالذكر وكتبوا فيها أسفارا مطولة ولكن مما لا أشك فيه أن الحاجة ماسة إلى وضع كتاب فيها يبين فيه اختلاف وجهة نظر كل واحد منهم بعبارة سهلة، وترتيب يقرب إدراك معانيها، فلهذا قد عزمت على وضع كتاب في ذلك مستعينا بالله وحده، وبذلك تتم الفائدة من جميع جهاتها، ويعلم الناس أن أئمة المسلمين قد فهموا الشريعة الإسلامية قد جاءت بما مصلحة الناس جميعا، وأنها لم تترك صغيرة ولاكبيرة من دقائق التشريع وعجائب الأحكام إلا وقد أشارت إليه، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، فهي خالدة قائمة مدى الدهور والأزمان، لأنها من لدن حكيم عليم.
بسم الله الرحمن الرحيموما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله
[مباحث المزارعة والمساقاة ونحوهما]
-المزارعة، والمساقاة، والمخابرة ونحوها ألفاظها معان اصطلح عليها الفقهاء، تتعلق بها أحكام شرعية من حيث الحل والحرمة، والصحة والبطلان ولها معان لغوية أصل للمعاني الاصطلاحية وسنذكرلك بيان كل واحد منها فيما يلي:
[تعريف المزارعة]
-هي في اللغة مفاعلة مشتقة من الزرع،
والزرع له معنيان:
أحدهما: طرح الزرعة - بضم الزاي - وهي البذر، والمراد إلقاء البذر على الأرض. الإنبات، إلا أن المعنى الأول للزرع مجاز، والمعنى الثاني حقيقي، ولهذا ورد النهي عن أن يقول الإنسان زرعت بل يقول حرثت،
فقد روى البزار عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقول أحدكم زرعت وليقل حرثت"،
ومعنى هذا أنه لا يصح أن يقول زرعت ويريد المعنى الحقيقي للزرع وهو الإنبات لأن المنبت هو الله تعالى كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله: {أفرأيتم ماتحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} فقد نسب سبحانه لعباده الحرث وهو إلقاء البذرة، أما الإنبات فإنهم لا يستطيعون إدعاءه، إذ لو كان من عملهم لكان لازما، والواقع غير ذلك فقد يلقون البذر ولا ينبت أصلا،
أو ينبت ثم تجتاحه جائحة كما قال تعالى:
{لو نشاء لجعلناه حطاما} .
أما إذا قال: زرعت، وأراد منه المعنى المجازي، أي ألقيت البذر، فإنه جائز،
ولهذا روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولادابة ولاشيء إلا كانت له صدقة" فهذا صريح في جواز نسبة الزرع إلى الإنسان، إلا أن الواقع أن عمل الإنسان هو شق الأرض والقاء البذر وتعهدها بالوسائل العادية، أما الإنبات فليس لهو فيه عمل ما.
ومثل ذلك المعنى كما قال تعالى: {أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} فخلق الجنين وتكوينه ليس من عمل الإنسان بأي حال.ثم إن المشهور أن مصدر المفاعلة لا يقع إلا بين اثنين كالمشاركة والمضاربة، فإن الأشتراك وهو المصدر الذي أخذت منه المضاربة واقع من اثنين.وقد يستعمل مصدر المفاعلة في فعل واحد فيقال إن المفاعلة ليست على بابها فهل الزرع الذي هو مصدر المزارعة مستعمل في فعل العامل الذي يزرع الأرض فقط فتكون المفاعلة ليست على بابها؟والجواب أنه يصح استعماله في الأمرين، وذلك لأنالزرع مسبب عن شيئين،
أحدهما:
فعل العامل وهو الحرث والبذر والسقي ونحو ذلك.
وثانيهما:
فعل المالك وهو تمكين العامل من الأرض والآلات التي يزرع بها فالزرع واقع بسبب الإثنبن، فالمفاعلة على بابها فإذا قطع النظر عن فعل المالك لظهورنسبة الزرع إلى العامل المباشر كانت المفاعلة على غير بابها.وبعضهم يقول إنه لا يصح قطع النظر عن فعل المالك البتة لأن مصدر المفاعلة يجب أن يكون بين اثنين إلا في أمور مقصورة على السماع كسافر وجاوز وواعد فإن مصدر هذه الأفعال مستعمل في فعل الواحد سماعا فلا يجوز قياس غيرها عليها، وحينئذ فلا يصح استعمال ضارب زيد عمرا بمعنى ضربه.
ومن هذا يتضح لك أن المزارعة معناها لغة:
الشركة في الزرع.أما معنى المزارعة في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب (1) .
(1) الحنفية ـ قالوا: المزارعة شرعا هي عقد على الزرع ببعض الخارخ من الأرض، ومعنى هذا أن المزارعة عبارة عن عقد بين مالك أرض وعامل يعمل في الأرض يشتمل على أن العمل يستأجر الأرض ليزرعها ببعض المتحصل من الزرع، أو أن المالك يستأجر العامل على أن يزرع له أرضه ببعض الخارج المتحصل من الأرض.
وهذا النوع من المعاملة مختلف فيه عند الحنفية فأبو حنيفة يقول إنه لا يجوز. وأبو يوسف ومحمد يقولان بجوازه. وقولهم هو المفتى به في المذاهب لأن فيه توسعة على الناس ومصلحة لهم.
وهذا النوع من المعاملة مختلف فيه عند الحنفية فأبو حنيفة يقول إنه لا يجوز. وأبو يوسف ومحمد يقولان بجوازه. وقولهم هو المفتى به في المذاهب لأن فيه توسعة على الناس ومصلحة لهم.
على أن أبا حنيفة قال بجواز المزارعة إذا كانت آلات الزرع والبذر، ويكون له بعض الخارج، بالتراضي لا في نظير الأجرة، وإنما منع أبو حنيفة المزارعة بالمعنى الأولى لورود النهي عن استئجار العامل ببعضض ما يخرج منعمله كما إذا استأجر إنسانا ليطحن له إردبا من القمح علىأن يأخذ كيلة من الدقيق الذي يطحنه وتسمى هذه المسألة (بقفيز الطحان) .
والمزارعة بالصورة الأولى استئجار للعامل ببعض ما يخرج من عمله على أن الممنوع هو أنيشترط الأخذ من دقيق الغلة التي يطحنها بخصوصها، أما إذا شرط له كيلة من الدقيق مطلقا فإنه يصح وله أن يأخذها من الدقيق الذي طحنه، ومثل ذلك ما استأجر ثورا من آخر ليطحن له أو استأجر رجلا ليجني له هذا القطن على أنيأخذ منه نصف قنطار مثلا فإنه لا يجوز أما إذا قال له اجن هذا القطن وأعطيك نصف قنطار من القطن الجيد ولم يشر للقطن الذي يجنيه العامل فإنه يصح. وله أن يعطيه منه بعد ذلك.
على أنه لاخلاف عندهم في جواز استئجار الأرض بالطعام سواء كان مماكان تنبته الأرض كالقمح والقطن أو كالعسل فكل ما يصلح ثمنا يصلح أجرة كما سيأتي في الإجارة.
وأما المخابرة (بفتح الباء) فهي مرادفة للمزارعة في المعنى الشرعي، فهي عقد على الزرع ببعض ما يخرج من الأرض، وأما في اللغة فهي مشتقة منالخبار وهو الأرض اللينة.
الحنابلة - قالوا: المزارعة هي أن يدفع صاحب الأرض الصالحة للزراعة أرضه للعامل الذي يقوم بزرعها ويدفع له الحب الذي يبذره أيضا على أن يكون له جزء مشاع معلوم من المحصول، كالنصف والثلث. فلا يصح أن يعين له إردبا أو إردبين أو نحو ذلك. ومثل ذلك ما إذا دفع له أرضا بها نبت ليقوم بخدمته حتى يتن نموه ويكون له نظير ذلك جزء معين شائع من ثمرته فإن ذلك يسمى مزارعة أيضا.
فالحنابلة يقولون بجواز المزارعة بالصورة التي يقول بها صاحبا أبي حنيفة إلا أنهم يخصون المالك بدفع الحب.
ومنا هذا تعلم أن الحنابلة يقولن بحل تأجير الأرض المعلومة مدة معينة ببعض ما يخرج منها كثلث غلتها ونصفها سواء كانت غلتها طعاما كالقمح والشعير أو غير طعام كالقطن والكتان وحكم الإجازة والمخارة كالمزارعة في المعنى الشرعي.
ثم إن الأصل في جوازها هو السنة الصحيحة، فمنها ما روى ابن عمرقال: عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع. متفق عليه.
المالكية - قالوا: المزارعة شرعا هي الشركة في العقد، وتقع باطلة إذا كانت الأرض منطرف أحد الشريكين وهو المالك والبذر والعمل والآلات من الشريك الثاني كما يقول الحنابلة والصاحبان. فما يفعله ملاك الأراضي الصالحة للزراعة في زماننا من إعطاء أرضهم لمن يزرعها وينفق عليها على أن يأخذوا نصف المتحصل من غلتها أو يأخذوه ويأخذوا معه نقودا كأن يسلموا فدانا للعامل ويأخذوا منه ثلاثة جنيهات مثلا ونصف ما يتحصل من زرع الفدان، فإنه غير جائز عند المالكية؛ لأنه يكون تأجيرا للأرض أو بعضها بما يخرج منها وهو ممنوع عندهم.
فالمزارعة التي تجوز هي أن تجعل للأرض قيمة أجرتها من النقود أو الحيوان أو عروض التجارة، كأن يقال إن أجرة هذا الفدان تساوي أربعة جنيهات: أو تساوي ثلاثة ثيران، أو تساوي ثوبا من القماش. ولا يجوز تقويم الأرض بغلة أو قطن أو عسل إذ لا يصح تأجير الأرض عندهم بالطعام ولا بما تنبته كما يأتي في الإجارة.
فإذا علمت أجرة الأرض فيقوم العمل بأن يجعل له قيمة، وكذلك تقوم آلات الزراعة، فإذا دفع المالك الأرض وكانت قيمة أجرتها خمسة جنيهات فإنه يصح للعامل أن يحسب قيمة عمله وقيمة نفقات الزرع ويجعلها في مقابل أجرة الأرض بما يخرج منها فالبذر يكون على كل واحد من الشريكين أن مناصفة فإذا بينت أجرة الأرض قيمة أجر العمل وآلات الزرع، كان لكل واحد من الشريكين أن يأخذ من الربح بنسبة ما دفعه فإن كانت قيمة الأرض خمسة وقيمة الآلات والعمل خمسة كان لكل واحد منهما نصف الربح، وعلى هذا القياس، فإذا اشترط أحدهما أن يأخذ أكثر مما يخصه فسدت.
هذه صورة المزارعة الجائزة عند المالكية. ومحصل ذلك أن الممنوع عندهم هو أن تشتمل الشركة على أجرة الأرض أو بعضها بما يخرج منها فمتى سلمت من هذا فإنها تحل إذا تساويا في الربح. وهذا هو المشهور عندهم، وبعضهم يقول إنه يجوز تأجير الأرض بما يخرج منها، ولكنه ضعيف في المذهب. على أن المالكية أجازوا تأجير الأرض، تبعا للمساقاة فإذا ساقاه على أرض مغروسة نخلا وصالحة لزراعة غيره فإن له أن يتعاقد معه على زرعها ببعض ما يخرج منها.
الشافعية - قالوا: المزارعة هي معاملة العامل في الأرض ببعض ما يخرج منها على أن يكون البذر من المالك، والمخابرة هي المزارعة إلا أن البذر فيها يكون على العامل، فليس على العامل في المزارعة إلا العمل بخلاف المخابرة، وكلاهما ممنوع عندهم لأنه لا يصح تأجير الأرض بما يخرج منها. وهذا هو المعتمد وأ جازها بعضهم.
وقد قالوا في علة المنع إن العقد فيها على شيء غير معروف لأن العامل يعمل في الأرض بدون أن يدري ما يصيبه ففيه غرر ويمكن تحصيل منفعة الأرض بتأجيرها إن كان مالكها عاجزا عن زرعها. وفي التأجير حسم للنزاع وبيان لحق كل منهما موضحا، فلأي شيء يترك التعاقد الواضح مع إمكانه ويعمل بتعاقد فيه غرر، وقد ورد النهي عن الخابرة والمزارعة في السنة لذلك. على أنهم أجازوا المزارعة تبعا للمساقاة كما يأتي.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 340.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 334.66 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]