الستير جل جلاله - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28432 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60056 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 827 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-01-2021, 09:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي الستير جل جلاله

الستير جل جلاله


د. شريف فوزي سلطان






عن يعلى بن أمية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بالبرَاز بلا إزار فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إن الله حييٌّ ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر " [1].

وقد اشتُهر اسم الستير عند بعض الناس بأنه الستار أو الساتر حتى سمعنا من الناس من تسمَّى به، سمعنا من يقول: يا ساتر أو يا ستار، وهذا كله خطأ، فالصحيح الثابت أن من أسماء الله الحسنى اسم الله " الستير " ومن صفات الله العلا صفة السِّتْر".

معنى الاسم فى حق الله:
الستير جل جلاله: هو الذي يحب السِّتر ويُرغب فيه ويحث عليه.
الستير جل جلاله: هو الذي من شأنه وإرادته وصفته حب الستر والصون.
الستير جل جلاله: هو كثير الستر لعيوب عباده.
الستير جل جلاله: هو الذي يستر القبائح في الدنيا ويستر الفضائح في الآخرة.

نعمة السِّتر:
الستر: صفة من صفات ربنا جل جلاله وهي من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان:20].

قال عكرمة عن ابن عباس: النعمة الظاهرة: الإسلام والقرآن، والباطنة: ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة.[2].

فمن أعظم نعم الله عليك أن يشملك بستره الجميل.

وقال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف:26].

يواري سوءاتكم: أي يستر عوراتكم، وسميت العورة سوأة لأنه يسوء صاحبَها انكشافُها.

ولباس التقوى ذلك خير: أي كما ستر ظواهرنا باللباس الظاهر ينبغي أن نستر بواطننا بتعميرها بالتقوى والأعمال الصالحة، فيكون العبد قد تخلق باسم الله الستير واتصف بصفة الستر.

لكن للأسف الشديد يأبي بعض الخلق إلا أن يكشف ذلك الستر وينزع ذلك الرداء فيسقط منه الحياء ويُنزع منه الستر!!

لأجْل الستر:
ولأجل الستر كره الله تعالى إشاعة السوء حتى لو كانت صادقة وكره الذين يشيعونها وتوعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور:19].

إذا قلبنا النظر في مجتمعات المسلمين نرى ظاهرة نشر الفضائح وإشاعة القبائح قد انتشرت انتشاراً مُرَوِّعاً عبر الهواتف المحمولة وصفحات ( الإنترنت ) وشاشات الفضائيات، فلا دين يمنع ولا خلق يردع ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إن من الناس ناساً – عياذاً بالله – كالشياطين يحبون سماع السوء ويتلذذون بإذاعته وإشاعته يتصدرون المجالس خوضاً في أعراض المسلمين وهتكاً في مستورهم، الظن عندهم يقين.. والإشاعة في منطقهم حقيقة.. والهفوة في ميزانهم خلق دائم.. لا يملون من تكرار الأخبار المشؤومة.. ولا يفترون من ترصد الأحداث المرذولة..

يقول ابن القيم – رحمه الله -: " ومن الناس من طبعه طبع خنزير يمر بالطيبات فلا يلوى عليها [ أي لا يقف عليها ] وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ فلا يحفظها ولا ينقلها ولا تناسبه فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بُغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته.." [3].

فالمؤمن إذا سمع ما لا يليق بمؤمن لا يحل له أبداً أن يروِّجه، بل لا يحل له أبداً أن يفرح به، فإن فرح به فليس مؤمناً، وإن روّجه فقد تسبب في فتن لا يعلن مداها إلا الله ولهذا قال الله: ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [ النور:19].

وإذا كان نشر الفضائح قد ذم الشرع فاعلها وتوّعده بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة فكيف بمن يتهمون الآخرين بالظن ويشيعون التهم بالوهم، يفترون على الأبرياء ويشوهون صورة الفضلاء ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور:15].

قال الفضيل بن عياض: " المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعيِّر " [4].

ولأجل الستر شرع الإسلام حد القذف:
حماية للأعراض من أن تكون كلأً مباحاً.
قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور:4-5].

بل قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور:23- 25].

ولأجل الستر نهى الإسلام عن سوء الظن كما نهى عن التجسس:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات: 12].

وهل سوء الظن والتجسس إلا بحث عن عيب المسلم وتتبع لعوراته؟!
ولقد أدّب النبي صلى الله عليه وسلم أمته فأحسن تأديبها يوم أن ظهر غضبه واحتدت نبرته فخطب يقول: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " [5].

بهذا المنهج القويم وهذه العفة الرحيمة تربى الصحابة رضي الله عنهم فستروا عيوب الناس وطوَوا معايبهم فنجوا في الدنيا والاخرة.

ولأجل الستر نعى الله تعالى على الذين لا يستترون من جوارحهم وأعضائهم:
فما أجمل الستر وما أعظم بركته وأبهى حلته!!
الستر جوهرة نفيسة وعملة ثمينة وسلوك راقٍ به تحفظ الأمة بنيانها ويبقى لها كيانها وتدوم لها أخلاقها..
من أعظم النعم التي قد لا تفكر فيها أن تنال ستر الله عليك..
فماذا لو كشف ستره عنك؟
ماذا لو كانت للذنوب رائحة؟ هل يستطيع بعضنا أن يجالس بعضاً؟
ماذا لو كُتبت ذنوبنا على جباهنا فاطلع عليها الناس؟
ماذا لو كتبت على جدران بيوتنا الذنوب التي يقترفها هذا البيت أو ذاك؟
كم أسرةٍ ستُحطم لو كُشف ستر الله؟!
كم زوجة ستُطلق لو كُشف ستر الله؟
كم رحم ستُقطع لو كشف ستر الله؟
كم خليل سيفارق خليله لو كشف ستر الله؟
كم صداقات ستمزق وعلاقات ستبيد لو كشف ستر الله؟
وكأن العبد قد أُمر أن يستتر حتى من نفسه التي بين جنبيه لأنها - من جانب - عنده كبيرة ومن جانب آخر هي شاهدة عليه يوم القيامة.

قال عز من قائل: ﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ﴾ [فصلت: 19 -24].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-01-2021, 09:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الستير جل جلاله

الستير جل جلاله


د. شريف فوزي سلطان



ولأجل الستر أمر الله بغض الأبصار وحدد العورات وفصّل الزينات:


قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].

في هاتين الآيتين الكريمتين يأمر الله تعالى الرجال والنساء على حدٍ سواء بغض البصر كما بيّن حدود العورات وفصل لمن تظهر الزينات، كل ذلك لأجل الستر.

ولأجل الستر شرع الله الاستئذان وفصّل آدابه التي يجب على المؤمن أن يتحلى بها فقد قال صلى الله عليه وسلم: " إنما جُعل الإذن من أجل البصر " [6].

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ [النور: 27-29].

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58].

حق (الستير) جل جلاله (كيف تفوز بستر الله عليك؟):
أسباب الفوز بستر الله:
1- الحرص على الإخلاص والحذر من الرياء:
فمن أخلص لله تعالى في أقواله وأعماله وتصرفاته ستره الله في الدنيا والآخرة ومن رآءى فضحه الله - فنعوذ بالله من الرياء وأهله ونسأل الله الإخلاص في القول والعمل - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من سمّع سمّع الله به ومن راءى راءى الله به " (متفق عليه) ومعنى سمّع:أي أراد بعمله السُمعة والذكر الحسن، ومعنى " سمّع الله به " أي كشفه على حقيقته وفضح أمره.
ومعنى " راءى" أي أراد بعمله ثناء الناس، " ومعنى "راءى الله به " أي أطلع الله الناس على حقيقته وأنه لا يعمل لوجه الله فيذمه الناس مع استحقاق سخط الله عليه.

2- الستر على النفس وعدم المجاهرة بالمعصية:
فالمؤمن إذا وقع في معصية أو ارتكب الذنب ستر نفسه – حتى عن أقرب أقربائه وأصفى أصفيائه – وتاب فتاب الله عليه وستره في الدنيا والآخرة، لكن الفاجر من يقع في الذنب ليلاً ثم يفضح نفسه نهاراً، وأفجر منه من يتباهى بذلك عياذاً بالله، كيف يتباهى العبد بالبلايا؟ كيف يتباهى العبد بالقاذورات؟

وقال صلى الله عليه وسلم: " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن أتم بشيء منها فليستتر بستر الله..."[7].

فليس من العافية ولا من العقل أن يجاهر العبد بالمعصية أو يباهي بها، فليس من العافية تسميع العباد بالخفيات وخطايا الخلوات يقول صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: " يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ثم يصبح يكشف ستر الله عليه " [8].

الستر على النفس بعد الخطيئة مطلب شرعي وعمل فاضل يُرجى لصاحبه أن يُكرمه ربه بالستر عليه في الآخرة.

عن ابن عمر أن رجلاً سأله: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول عملت كذا وكذا؟ فيقول نعم فيقرره ثم يقول: إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم (رواه البخاري) وفي رواية: " فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيُعطي صحيفة حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيُنادي بهم على رءوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله " [9].

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها [ يعني أنه استمتع بها ولم يقع في الزنا ] فأنا هذا فاقض فِيّ ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت على نفسك، فلم يَرُدّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً دعاه وتلا عليه الآية: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114]، فقام رجل من القوم وقال يا نبي الله هل له خاصة؟ قال: " بل للناس كافة " [10].

فالمؤمن إذا وقع في معصية أو قصر في واجب بالغ في الستر على نفسه رجاء ستر الله عليه كما ورد عن بعض السلف أنه خرج إلى الصلاة فاستقبله الناس خارجين من المسجد وغطى وجهه ورجع. [11].

3- أن تستر على أخيك المسلم:
فإن الله جل جلاله يعاملك بذات المعاملة التي تعامل بها الناس، فمن حَرَص على ستر الناس حَرَصَ الله على ستره في الدنيا والآخرة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نفس عن مؤمن كربة من كُرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن يَسّر على مُعسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.."[12].

وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة " [13].

وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته " [14].

ورغّب النبي صلى الله عليه وسلم في ستر المؤمن حتى بعد موته.

فقال صلى الله عليه وسلم: " من غسل ميتاً فستره ستره الله من الذنوب ومن كفنه كساه الله من سندس " [15].

وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول: " لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستره به " [16].

وكان بعض السلف يقول: " أدركت أقواماً لم يكن لهم عيوب فذكروا عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوباً، وأدركت أقواماً كانت له عيوب فكفُّوا عن عيوب الناس فنُسيت عيوبهم " [17].
إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى
وحظك موفور وعرضك صيّنُ

لسانك لا تلفظ به عورة امرئ
فكلك عورات وللناس ألسنُ

وعينك إن أبدت إليك مساوئاً
فصنها وقل يا عين للناس أعين

وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
وجادل ولكن بالتي هي أحسن


ويذكر أهل السير: أن جرير بن عبد الله البجلي كان عند عمر في خلافته ومعه جماعة من الناس وهم ينتظرون الصلاة، فخرج ريح من أحدهم وخشي عمر أن يحمل الخجل صاحب الريح على الدخول في الصلاة، فقال: عزمت على صاحب الريح أن يتوضأ، فقال جرير: يا أمير المؤمنين أوْ يتوضأ القوم جميعاً، ففرح عمر بحكمة جرير وفطنته وقال له: رحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد أنت في الإسلام! [18].

4- كظم الغيظ وكتم الغضب:
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "...ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة..." [19].

5- الحذر من إفشاء الأسرار الزوجية:
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هل منكم رجل أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم، قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا وفعلت كذا وفعلت كذا؟ فسكتوا، ثم أقبل على النساء فقال: منكن من تُحدِّث؟ فسكتْن، فجثت فتاةٌ كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها فقالت: يا رسول الله إنهم ليتحدَّثون وإنهن ليتحدِّثن، فقال: هل تدرون ما مَثَلُ ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة فقضي حاجته والناس ينظرون " [20].
وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن من شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه ثم ينشر سرّها " [21].
فإذا كان من ستر مسلماً ستره الله، فكيف بمن ستر أهله وبيته ورحمه وجاره؟

6- الحجاب:
الحجاب سترٌ وعفاف وطهارة وصيانة وطاعة وإيمان وحياء قال تعالى: ﴿ وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ﴾ [الأحزاب:٥٣] أي إذا كان لأحدكم عند المرأة حاجة فليسألها إياها من وراء ستر والستر: حاجز يكون بينك وبينها أو حجابها.

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ ﴾ بأنهن عفائف ﴿ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ فلا يتعرض لهن الفساق بأذى من قول أو فعل وذلك لأن التي تبالغ في التستر حتى تحجب وجهها لا يُطمع فيها أنها تكشف عورتها. [22].

وقال صلى الله عليه وسلم: " ما من امراة تخلع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت ما بينها وبين الله من حجاب " [23].

فالتي تخلع ثوبها في غير بيت أهلها فقد خلعت الستر الذي سترها الله به.

فالحجاب ستر والكون كله يرتديه:
قامت معلمة في إحدى المدارس بعمل درس نموذجي للطالبات عن الحجاب، قامت بتوزيع مجموعة من الحلوى بعضها كان بغلافه المصنّع به وبعضها كان بدون غلاف بعد أن انتهت من التوزيع وجدت أن جميع الطالبات قد أخذت الحلوى ذات الغلاف فقامت وقالت: لِمَ لمْ تأخذن الحلوى التي ليس لها غلاف؟

فكان الجواب بكل تأكيد هو: لأن الحلوى التي ليس لها غلاف قد تكون مجرثمة أو متسخة فليست مضمونة وبالتالي قد تضرنا، فقالت المعلمة: هذه الحلوى مثلكن والغلاف مثل الحجاب!! انتهى الدرس..

كثيرات لا يؤمن بالحجاب!! أو يؤمنّ به ولكن لا يستترن به!!
مع أن الكون كله يستتر به!!
الكرة الأرضية عليها غلاف.
الثمار الندية عليها غلاف.
السيف يحفظ داخل غلاف.
القلم بدون غطاء يجف حبره وتنعدم فائدته ويُلقى تحت الأقدام لأنه فقد الغطاء.
التفاحة لو نُزعت قشرتها فتُركت فسدت.
الموز لو نزعت قشرته تغير لونه وطعمه.
هل يُغلَّف كثير من أبنائنا وبناتنا كتبهم ودفاترهم إلا لحمايتها؟!
المرأة زهرة جميلة وجوهرة مصونة يجب أن تستتر بالحجاب إذا أرادت سِتر الله تعالى

7- الدعاء:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هذه الدعوات حين يمسي وحين يصبح: " اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة وديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي "[24].

أخيراً:
قال ابن القيم – رحمه الله -: " للعبد ستران ستر بينه وبين ربه وآخر بينه وبين الخلق فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله ستره بين الخلق " [25].


[1] رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.

[2] تفسير البغوي.

[3] مدارج السالكين.

[4] جامع العلوم والحكم.

[5] رواه الإمام احمد وأبو داود وابن حبان وصححه الألباني.

[6] صحيح الأدب المفردة.

[7] رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع.

[8] رواه البخاري.

[9] متفق عليه.

[10] رواه مسلم.

[11] النهج الأسمى: محمد الحمود النجدي.

[12] رواه مسلم.

[13] رواه مسلم.

[14] رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

[15] رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع.

[16] رواه ابن أبي شيبة وصححه الحافظ في الفتح.

[17] جامع العلوم والحكم: ابن رجب الحنبلي.

[18] البداية والنهاية: ابن كثير، السير: الذهبي، وصفة الصفوة ابن الجوزي، حياة الصحابة: الكاندهلوي.

[19] رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج وحسنه الألباني في الصحيحة وصحيح الجامع.

[20] رواه أبو داود وصححه الألباني.

[21] رواه مسلم.

[22] عودة إلى الحجاب.

[23] رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.

[24] رواه أبو داود وصححه الألباني.

[25] الفوائد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 91.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 89.59 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]