مقاصد المكلفين - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 630 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 257 )           »          معنى حديث «من ستر مسلماً ستره الله..» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          ركعتا تحية المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حكم صيام من دخل بعض الماء إلى جوفه دون قصد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 366 )           »          قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836997 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 01-06-2020, 12:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد المكلفين

مقاصد المكلفين -10

كتبه/ زين العابدين كامل



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد استعرضنا عدة مسائل في المقال السابق، وذكرنا أن النية هي الأصل وهي المقياس، وهي المحول العجيب الذي يحول العادات إلى عبادات، وأن فساد النية يفسد العمل؛ ولذا فليس بين العلماء نزاع في أن العبد إذا تكلم بلسانه بخلاف ما نوى في قلبه، كان الاعتبار بما نوى في قلبه؛ ذلك لأنَّ النيَّة هي عمل القلب.

ومما يجدر الإشارة إليه في أمر النية: أن مسألة الصدق والإخلاص في النيات من أشقّ الأمور وأعظمها على النفوس، وهذا أمر عام يستوي فيه العلماء مع غيرهم من الناس، حتى صرَّح كثير من العلماء والصالحين أنهم تعبوا في مجاهدة النفس في أمر النية.
قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "ما عالجتُ شيئًا عليّ أشدّ من نيتي، إنّها تتقلب علي!"؛ ولذلك كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يدعو بهذا الدعاء: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وكان يكثر في قسمه أن يقول: (لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ) (رواه البخاري)؛ لأن القلب كثير التقلب والتحول من حال إلى حال، ولقد سُمي القلب قلبًا من كثرة تقلبه، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ قلب إلاّ وَهُو َمُعَلقَ بَيْنَ أُصْبُعينِ مِنْ أَصَابِع الرّحمن، إنْ شَاءَ أَقَامَهُ وإنْ شَاءَ أَزَاغَهُ، والْمِيزانُ بيَدِ الرَّحْمَن، يَرْفَعُ أقْوَامًا، وَيخَفِضُ آخرينَ إلى يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا) (رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني).
والسبب في كثرة تقلّب القلوب وتحولها من حال إلى حال: يعود إلى كثرة الواردات التي ترد على القلوب، والقلب -كما يقول سهل بن عبد الله-: "رقيق تؤثر فيه الخطرات"، ولا يسلم قلب الإنسان من الشيطان ونزغه ووسوسته وإغوائه، وقد أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن يفزع إلى الله -تعالى- مستجيرًا به من نزغات الشيطان ووسوسته: (وَإِما يَنْزَغَنكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاستعِذْ بِالله إنهُ سَمِيعٌ عَليِم) (الأعراف:200)، وقد أخبرنا الله -تعالى- عن هذه الوسوسة في القرآن الكريم، قال -تعالى-: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) (الناس:4-5).
وفي الحديث أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
فالقلب يكون دومًا عرضة لمكائد الشيطان، والشيطان يعمل جاهدًا حتى يستولي عليه فيفسده، وبفساده يفسد الجسد كله، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا وإنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صلَحتْ صَلَحَ الْجَسدُ كله، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَد كلهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْب) (متفق عليه)، ويقول: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ كَالْوِعَاءِ، إِذَا طَابَ أَسْفَلُهُ، طَابَ أَعْلَاهُ، وَإِذَا فَسَدَ أَسْفَلُهُ، فَسَدَ أَعْلَاهُ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
ونستكمل في المقال القادم -بمشيئة الله تعالى-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 01-06-2020, 12:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد المكلفين

مقاصد المكلفين (11)

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلقد استعرضنا في المقال السابق مسألة مهمة، ألا وهي: أن أمر الصدق والإخلاص في النيات من أشقّ الأمور وأعظمها على النفوس، حتى صرح كثير من العلماء والصالحين أنهم تعبوا في مجاهدة النفس في أمر النية، وذكرنا أن الشيطان إنّما يصارع ويحاول أن يملك القلب ويستولي عليه ليفسده.

ثم هناك جهة أخرى تؤثر على القلب، وهي النفس، فالنَّفس أمارة بالسّوء، تدعو إلى الطغيان وتأمر بالشرّ كما قال -تعالى-: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (يوسف:53)، وقال نبي الله يعقوب -عليه السلام- لأبنائه عندما زعموا أن الذئب قد أكل يوسف -عليه السلام-: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا) (يوسف:18)، وقال -تعالى- في حقّ ابن آدم قابيل الذي قتل أخاه هابيل: (فَطَوّعَتْ لَهُ نفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ فقتله) (المائدة:30)، ومركب النفس الأمارة بالسوء الهوى والشهوات، فالمسلم لا ينجو إلاّ بمجاهدة الهوى ومصارعته.
وقد قال الله -تبارك وتعالى- على لسان امرأة العزيز: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) (يوسف:53)، والنفس البشرية لو أن الإنسان أطاعها لأوردته الموارد والمهالك؛ لأنها تميل إلى الدعة والخمول، ولا تريد أن تستقيم على طاعة لا سيما ما شق عليها من الطاعات؛، لذا يجب على الإنسان أن يجاهدها وأن يعلم أنه في حرب مع النفس والشيطان والهوى والدنيا، ومِن ثَمَّ يحتاج المسلم إلى قوة تحميه من مكائد الشيطان وميول النفس، فهو يحتاج إلى صحبة الصالحين، وحضور مجالس العلم، والإكثار من قراءة القرآن، والذكر والاستغفار، ولزوم صلاة الجماعة، وكثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغير ذلك من أنواع العبادات التي تحمي القلب من الزيغ.
فالسر يكمن في المجاهدة، وقد قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت:69)، وعن فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).
قال ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد: "كَانَ جِهَادُ النَّفْسِ مُقَدَّمًا عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ فِي الْخَارِجِ، وَأَصْلًا لَهُ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُجَاهِدْ نَفْسَهُ أَوَّلًا، لِتَفْعَلَ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَتَتْرُكَ مَا نُهِيَتْ عَنْهُ، وَيُحَارِبهَا فِي اللَّهِ: لَمْ يُمْكِنْهُ جِهَادُ عَدُوِّهِ فِي الْخَارِجِ؛ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ جِهَادُ عَدُوِّهِ، وَالِانْتِصَافُ مِنْهُ: وَعَدُوُّهُ الَّذِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ قَاهِرٌ لَهُ، مُتَسَلِّطٌ عَلَيْهِ، لَمْ يُجَاهِدْهُ، وَلَمْ يُحَارِبْهُ فِي اللَّهِ؛ بَلْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إِلَى عَدُوِّهِ، حَتّى يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى الْخُرُوجِ؟!" (انتهى).
هذا وقد وصف الله -تعالى- النفس في القرآن بثلاث صفات: نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة بالسوء؛ فالنفس المطمئنة: هي التي رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولًا، وهي النفس التي سكنت إلى الله واطمأنت بذكره وطاعته وأنابت إليه واشتاقت إلى لقائه -سبحانه وتعالى-، وأنست بقربه، وهي التي يقال لها عند الوفاة: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر:27-30).
وسُميت مطمئنة؛ لأنها اطمأنت إلى محبة الله -تعالى- وطاعته، وعبوديته وشرعه، واطمأنت إلى الرضا به ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا وسولًا، فاستسلمت لله -تعالى- وانقادت له.
وأما النفس اللوامة: فهي التي تلوم صاحبها دومًا، فهي تلومه في حال الطاع، ألا يكون قد أداها على الوجه الأكمل، وكذلك تلومه في حال المعصية على التفريط والوقوع في الزلل، والنفس اللوامة نفس مؤمنة؛ ولذلك أقسم الله بها قائلًا: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة:1-2)، قال الحسن: "إن المؤمن -والله- ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاته يستقصرها في كل ما يفعل فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر ليمضي قُدمًا لا يعاتب نفسه!".
وأما النفس الأمارة بالسوء: فهي التي تأمر صاحبها بما تهواه من شهوات الغي واتباع الأهواء والباطل والضلالات والبدع، وهي الأصل كما قال -تعالى-: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف:53).
ولذا كان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا. أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا) (رواه مسلم).
ونستكمل في المقال القادم -بمشيئة الله تعالى-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 19-07-2020, 04:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد المكلفين

مقاصد المكلفين (12)

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلقد طفنا في المقال السابق حول أحوال النفس ومدى تأثيرها على القلب، ونسلِّط الضوء في هذا المقال بمشيئة الله -تعالى- على مسألة مهمة، وهي مدى احتياج النفس البشرية إلى الله -تعالى-، حيث إن الإنسان لن يشعر بالأمان والسعادة والراحة إلا بعبوديته لله -تعالى-، بل لا سبيل إلى تحرر النفس الإنسانية إلا بتوجهها وإقبالها على الله، فإن مفهوم العبودية لله -تعالى- في شريعة الإسلام يعني الحرّية في أرقى صورها وأكمل مراتبها وأفضل أحوالها، حيث إنها تعني التحرر من سلطان المخلوقات، وينحصر التعبد والخضوع والانقياد لله وحده لا شريك له.
فالإنسان مفطور على أن يتوجه إلى الله -تعالى- وحده بالعبادة والاستعانة، والتوكل، ونحو ذلك، فمتى حُرم الإنسان من هذا التوجه ومِن هذه العبادة؛ فإنه يعيش في شقاءٍ وكدرٍ؛ لأن النفوس بفطرتها تطلب معبودها وخالقها وفاطرها، بل إن التوجه لغير الله -تعالى- في أمر العبودية مخالف للفطرة الإنسانية السوية التي فُطرت على الخضوع للخالق -عز وجل-.
والتوجّه إلى غير الله -تعالى- فيه ظلم للنفوس وإفساد لها، قال -تعالى-: (وقَدْ خَاب مَنْ دَساها) (الشمس:10)، وقال: (إن الشِّرْكَ لَظلْمٌ عَظيمٌ) (لقمان:13)، وفي المقابل: ترى أن زكاة النفس وإصلاحها يكون بتوجهها لربها، قال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زكَاهَا) (الشمس:9).
وأود أن أشير إلى أن الفطرة قد لا تعرف المعبود الحقّ المستحق للعبادة، لكنها تدفع الإنسان إلى التوجه إليه، وقد أرسل الله رسله كي يهدوا الّناس إلى معبودهم الحق، ومقتضى طبع الإنسان أن يصل إلى المعبود الحق، الذي لا غنى له عنه ولا سكون له إلا به، ولا حياة مطمئنة إلا بالركون إليه، قال -تعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (الروم:30)، فإذا وصل الإنسان إلى معبوده الحق، فحينها يشعر بالراحة والطمأنينة؛ أما أن يعيش الإنسان وسط متغيرات معوجة، ومعبودات باطلة، فيشرّق ويغرب، فمرة يعبد صنمًا ويؤلهه، ومرة يعبد شمسًا أو قمرًا أو بقرة، فإنه يعيش وسط صراعات نفسية مدمرة، وقد يصل الأمر بالإنسان إلى الانتحار كما نرى في بلاد الغرب، مع أنهم يدعون أنهم يطلبون بذلك الحرية، ويسعون إليها، ويزعمون أنَّ الثورة الفرنسية أعلنت مبدأ الحرية واعتمدته، وأن هيئة الأمم المتحدة أقرته كذلك، وليس الأمر -كما يزعمون-!
فإنَّ ما فعله هؤلاء، أنَّهم أخرجوا الناس من عبودية نظام وقانون وطائفة، إلى عبودية نظام آخر، وقانون آخر، وطائفة أخرى، وأصبح هؤلاء عبيدًا وهم يزعمون أنهم أصبحوا أحرارًا، فلقد ضل هؤلاء وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا؛ لأن الحرية المزعومة التي تعطشوا لها هي في الحقيقة عبارة عن أوهام وسراب وخداع، فالشيوعية تمنع من ممارسة الحرية التي تمناها هؤلاء، بل وتتحكم في الممتلكات وتُحرم على الناس إبداء آرائهم وأفكارهم، بل هناك ملايين من البشر يسكنون المعتقلات والسجون من جراء تلك الحرية المزعومة، فهم بذلك قد فروا من عبودية الله الواحد القهار إلى عبودية ظالمة باطلة!
ولقد صدق سفير الإسلام ربعي -رضي الله عنه- عندما واجه قائد الفرس قائلًا: "الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".
وعلى هذا نقول: إن الخروج مِن الظلمات ليس له سبيل سوى الإسلام، وتحقيق العبودية الكاملة للخالق -جل في علاه-، وكلّ مَن لم يرضَ بالإسلام دينًا، وبحكمه حكمًا، وبرسوله نبيًّا؛ فإنه غارق في قاذورات الجاهلية وظلماتها، كما قال -تعالى-: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50).

ونستكمل في المقال القادم بمشيئة الله -تعالى-.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 19-07-2020, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد المكلفين

مقاصد المكلفين (13)

كتبه/ زين العابدين كامل



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فما زلنا نطوف حول مقاصد المكلفين، وأمر النية والإخلاص، وقد ذكرنا في المقال السابق مدى احتياج النفس البشرية إلى الله -تعالى-، حيث إن الإنسان لن يشعر بالأمان والسعادة والراحة إلا بعبوديته لله -تعالى-، ومَن سعى إلى الحرية وبحث عنها بعيدًا عن عبودية الله فقد ضل سواء السبيل.

ونسلِّط الضوء في هذا المقال على مسألة مهمة؛ ألا وهي: حكم الإِخلاص في العبادات؛ هل هو شرط لصحة العمل وقبوله أم هو شرط للثواب لا للصحة؟

قال صدّيق حسن خان: "ولا خلاف في أن الإِخلاص شرط لصحة العمل وقبوله، وممّن نصَّ على ذلك: العزّ بن عبد السلام، قال: إخلاص العبادة شرط، وقد عدّه القرطبي: واجبًا، وابن تيمية: فرضًا، وقد حكم السيوطي ببطلان عبادة مَن نوى بذبحه الأضحية أن تكون لله ولغيره.

وقال الحطّاب: "فالمخلص في عبادته هو الذي يخلصها مِن شوائب الشرك والرياء؛ وذلك لا يتأتى له إلاّ بأن يكون الباعث له على عملها قصد التقرب إلى الله -تعالى-، وابتغاء ما عنده، فأما إذا كان الباعث عليها غير ذلك من أغراض الدنيا فلا تكون عادة، بل مصيبة موبقة لصاحبها".

وقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن الذين يدفعون زكاة أموالهم إلى السلطان خشية أن تٌضرب أعناقهم، أو تنقص حرماتهم، أو تؤخذ أموالهم، وعن الذين يقومون يصلّون خوفًا على دمائهم وأغراضهم، فقال: "عندنا وعند أكثر العلماء، أن هذه العبادة فاسدة؛ لا يسقط الفرض بهذه النية".

وقد خالف هذا القول بعض فقهاء الأحناف، قال الحموي: "إذا صلى رياءً وسمعة تصحّ صلاته في الحكم، يعني لوجود شرائطها وأركانها، ولم يستحقّ الثواب لفقد الإخلاص"، قال في موضع آخر: "النية الخالصة ظاهرة في حصول الثواب لا الصحة؛ لأنَّ الثواب يٌبنى على وجود العزيمة وهو الإخلاص، وأما الصحة فلا تتوقف على الإِخلاص، بل على أصل النية؛ فإنّه لو صلّى رياءً صحّت صلاته، وكان غير مثاب عليها".

وقال ابن عابدين: "الإخلاص شرط للثواب لا للصحة، فإنّه لو قيل لشخص: صلِّ الظهر ولك دينار، فصلّى بهذه النية، ينبغي أن يجزيه، وأنه لا رياء في الفرائض في حقّ سقوط الواجب، فهذا يقتضي صحة الشروع مع عدم الإخلاص" (انظر مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين، د. عمر الأشقر).

وبعد هذا العرض نقول: إن الإخلاص شرط للصحة والقبول معًا، فيشترط لقبول العمل شرطان، أن يكون خالصًا لله -تعالى- لا يقصد به إلا وجهه: أن يكون العمل في ظاهره موافقًا لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويعبر العلماء عن هذين الشرطين بقولهم: الإخلاص والمتابعة، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الله تَعالَى لاَ يَقْبَل مِنَ العَمَلِ إِلّا ما كَانَ له خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْههُ) (رواه النسائي، وصححه الألباني)، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قَالَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) (رواه مسلم)، وقال -تعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:15-16).

ونستكمل في المقال القادم بمشيئة الله -تعالى-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 25-07-2020, 04:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد المكلفين

مقاصد المكلفين (14)



زين العابدين كامل







فما زلنا نطوف حول مقاصد المكلفين وأمر النية والإخلاص، وقد سلطنا الضوء في مقالنا السابق على مسألة مهمة وهي: حكم الإِخلاص في العبادات، هل الإخلاص شرط لصحة العمل وقبوله؟ أم هو شرط للثواب لا للصحة؟ ونطوف في هذا المقال بمشيئة الله -تعالى- حول أمر الرياء والعجب والسمعة، ومدى خطورتهم على العبد، والرياء هو: أن يقوم العبد بالعبادة التي يتقرب بها لله، ولا يريد بها وجه الله -عز وجل-، بل يريد عرضًا دنيويًا.



ومن صور ذلك أن يعمل العمل الصالح، ويطلب به الدنيا، ويصرح بذلك ولا يخفيه، كمن يطلب العلم الديني لقصد الرئاسة والوظيفة، أو يحج لتحصيل مال موعود به وهكذا، أو أن يخفي ذلك في قلبه، فهو يقوم بالعمل ولكنه يبتغي به عرضًا من أعراض الدنيا، وقد عرف العلماء الرياء بتعريفات كثيرة، يقول الحارث المحاسبي في تعريف الرياء: «الرياء إرادة العبدِ العبادَ بطاعة الله» ويقول الغزَّالي: «الرياء التشبه بذوي الأعمال الفاضلة طلبا للسمعة والمفاخرة»، ويقول العز بن عبد السلام: «الرياء إظهار عمل العبادة، لينال مُظهرها عرضًا دنيويًا، إما بجلب نفع دنيوي أو تعظيم أو إجلال» وقال القرطبي: «حقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس» وقال ابن حجر: «هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس، فيحمدوا صاحبها» وعرفه أبو بكر بن العربي بقوله: «هو أن يري الناس أنّه يعمل عملًا على صفة، وهو يضمر في قلبه صفة أخرى».

وهناك أيضًا (السمعة) فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به» (أخرجه البخاري) والفرق بين الرياء والسمعة أن الرياء هو العمل لرؤية الناس، والسمعة العمل لأجل سماعهم، فالرياء يتعلق بحاسة البصر، والسمعة بحاسّة السمع، قال الحافظ ابن حجر: «المراد بالسمعة نحو ما في الرياء، لكنها تتعلق بحاسة السمع، والرياء بحاسة البصر» فالتسميع على هذا لا يكون إلا في الأمور التي تُسمع, كقراءة القرآن وذكر الله -تعالى- ونحو ذلك، إلاّ أن العز بن عبد السلام يرى أن المراد بالتسميع هو أن يحدّث المرء غيره بما يفعله من الطاعات التي لم يطلع عليها المتحدث، أمّا الرّياء فهي الطاعة التي يظهرها الفاعل كي يراها الناس، وقد يجمع العبد بين هذين الأمرين القبيحين: الرياء والتسميع، يقول العز بن عبد السلام في ذلك: «لو راءى بعبادات، ثمَّ سمَّع موهما لإخلاصهما، فإنه يأثم بالتسميع والرياء جميعا»، والنوع الثالث هو (العُجب) يقول ابن تيمية: «وكثيرًا ما يُقرن الناس بين الرياء والعجب، ثم يفرّق بينهما قائلا: «فالرياء من باب الِإشراك بالخلق، والعجب من باب الِإشراك بالنفس», والعجب بالطاعات إنما يكون نتيجة استعظام الطاعة، وكأنه يمنُّ على الله -تعالى- بفعلها، وينسى نعمته عليه بتوفيقه لها قال -تعالى-: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}, والمُعجب المغرور بنفسه وبعبادته وطاعته لا يحقّق {وَإِيَّاكَ نسْتعَيِنُ}، كما أن المرائي لا يحقق {إِيّاكَ نَعْبدُ}


ومتى شُغل العبد بتحقيق {إِياكَ نَعْبُد وَإيّاكَ نَسَتعيِنُ}، خرج عن الرياء والعجب، وفي الحديث: «ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه» (رواه البيهقي في شعب الإيمان) والعُجب آفة تُحبط العمل، يقول النووي -رحمه الله تعالى-: «اعلم أنَّ الإخلاص قد يعرض له آفة العُجب، فمن أُعجب بعمله حبط عمله، وكذلك من استكبر حبط عمله» ونسأل الله -تعالى- أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعلنا ممن يقولون فيعملون ويعملون فيخلصون.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 22-08-2020, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد المكلفين

مقاصد المكلفين (15)



زين العابدين كامل


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد،
فما زلنا نطوف حول مقاصد المكلفين وأمر النية والإخلاص، وقد سلطنا الضوء في مقالنا السابق على مسألة مهمة وهي: الفرق بين الرياء والعجب والسمعة ، وفي هذا المقال نسلط الضوء على أمر في غاية الأهمية ألا وهو : أسباب الرياء، فما هي الأسباب الداعية إلى الرياء، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه يخاف علينا الشرك الخفي أكثر مما يخاف علينا المسيح الدجال، وما ذلك إلاّ لأنّ الداعي إلى الرياء قويٌّ، إذ النفوس مجبولة على حبِّ الرئاسة والمنزلة في قلوب الخلق إلاّ من سلَّمه الله وعافاه، وقد أحسن الشاعر حيث يقول:
يَهْوَى الثَّنَاءَ مُبَرِّزٌ وَمُقَصِّرٌ ... حُبُّ الثَّنَاءِ طَبِيعَةُ الْإِنْسَانِ ، فالأمور التي تدعو إلى الرّياء مغروسة في أعماق النفس الِإنسانية، فعن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا ، وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَشَهْوَةً خَفِيَّةً ) ( رواه ابن ماجة في سننه وفي إسناده ضعف ولكن معناه صحيح ) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ:" خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنْ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ قَالَ قُلْنَا بَلَى فَقَالَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ " ( رواه ابن ماجة وحسنه الألباني) ولذلك فإن الداعي إلى الرياء هو حب الدنيا والتعلق بها ، وقد قال الله فيها: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحياةَ الدنْيَا} ، وقال تعالى: {بلْ تُحِبُّونَ الْعَاجلَةَ وتَذَرُونَ اْلآخِرَةِ} وقد حصر الحارث المحاسبي حب الظهور والعمل من أجل الناس بسبب ثلاثة أمور: "حبّ المحمدة وخوف المذمة في الدنيا، والطمع لما في أيدي الناس" وقد شرح لنا الحارث المحاسبي حديث أبي موسى الأشعري، وبين دلالته على أن الرياء إنما يبعث عليه الأمور الثلاثة التي ذكرها، فالأعرابي السائل للرّسول صلى الله عليه وسلم، يقول: "يا رسول الله، الرجل يقاتل حمية وَيُقَاتِلُ رِيَاءً؛ أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ»؛ ( متفق عليه ) وفي لفظ للحديث: "ويقاتل ليُري مكانة، أيُّ ذلك في سبيل الله"، قال: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ" وهكذا يظهر من خلال الحديث، أن الرجل يقاتل أحيانًا خوفًا من الذم ، أو حمية وعصبية لقومه، أو ليظهر شجاعته ويحصل على الثناء، وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم أن القتال في سبيل الله إنما هو ما كان لله وحده لا شريك له .
هذا وقد استثنى الإمام مالك -رحمه الله - وتابعه ابن العربي من هذه الأفعال التي هي رياء، تلك العبادات التي يظهرها العبد، كي تثبت عدالته، وتصحّ إمامته، وليُقْتدى به، قال القرطبي رحمه الله: "قال ابن العربي: إنَّ من صلى صلاة لِيُرِها الناس، ويرونه، فيشهدون له بالإيمان، أو أراد طلب المنزلة والظهور، لقبول الشهادة وجواز الإمامة، فليس ذلك بالرياء المنهي عنه، ولم يكن عليه حرج، وإنما الرياء في المعصية أن يظهرها صيدا للناس وطريقا إلى الأكل، فهذه نيّة لا تجزىء وعليه الإعادة ، ويقول الدكتور عمر الأشقر رحمه الله معلقًا على كلام الإمام مالك وابن العربي " وينبغي أن يُحمل كلام مالك وابن العربي في مثل هذه الحال على ما إذا كان القصد إلى هذه الأمور تابعا للِإخلاص، أما إذا كان قصد هذه الأمور متبوعا فهو رياء، لا يخالف فيه مالك ولا غيره، ومع ذلك فقد ذهب كثير من العلماء إلى أنَّ هذا القصد ينافي الإخلاص ويذهبه، وأنّه من الرِّياء، منهم الحارث المحاسبي والقرطبي وغيرهما ونستكمل في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.
ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، وأن يجعلنا ممن يقولون فيعملون ويعملون فيخلصون، ونستكمل في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 22-08-2020, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد المكلفين

مقاصد المكلفين (16)



زين العابدين كامل


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد،
فما زلنا نطوف حول مقاصد المكلفين وأمر النية والإخلاص، وقد سلطنا الضوء في مقالنا السابق على مسألة مهمة ألا وهي: الأسباب الداعية إلى الرياء، ويدور حديثنا في هذا المقال حول مسألتين هامتين، وهما : ما هي الأمور التي يراءى بها ثم ما حكم العمل المراءى به ، فأما المسألة الأولى فنقول: قد يرائي العبد بنحالة جسده وضعفه، وذلك ليوهم الناس أنه كثير العبادة والحزن والخوف، وقد يرائي العبد بضعف الصوت وذبول الشفتين وإظهار التعب والجهد ، وذلك ليعرف الناس أنه كثير الصيام، وقد يرائي العبد بتشعيث رأسه ولبس الثياب البالية، ليظهر أمام الناس أنه من العبّاد والنساك والزهاد، وقد يحرص على إبراز أثر السجود في جبهته، وقد يكون رياؤه بالنطق بالحكمة والموعظة وإقامة الحجة عند المجادلة والمناقشة، وقد يرائي عند إلقاء الدروس والمحاضرات والمواعظ حيث يظهر الفهم والعلم، وقد يكون بإظهار الذكر لله -عز وجل- باللسان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتحسين الصوت بالقراءة، وقد يكون بإظهار التأسف على ما يفوت من الخير والطاعة وقد يكون بإطالة الصلاة ، كأن يطيل في الركوع والاعتدال منه أو السجود ونحو ذلك ، وقد يرائي بالحج والعمرة والنفقة على الفقراء والمساكين، وقد يرائي بصحبة العلماء والصالحين بأن يحرص على أن يسير مع العلماء وأهل الصلاح ويكثر من مجالستهم.
والغرض المقصود أن الرياء من الممكن أن يقع في كل الأعمال والطاعات، ولذا فأمره خطير ولابد من مجاهدة النفس في أمر الإخلاص.
وأما عن المسألة الثانية وهي: حكم العمل المراءى به، فالواجب على كل مسلم أن يُخلص عمله لله عز وجل، وألا يبتغي بعمله إلا وجهه تعالى ،وقد بينا ذلك في مقالات سابقة،
والعمل الذي يخالطه رياء ينقسم إلى نوعين، فالنوع الأول أن يكون الرياء في أصل العمل،أي لا يقصد فيها العابد الثواب والجزاء من الله ، إنما قصده كله أن ينال منزلة ومحمدة وثناءً عند الناس، فهذا النوع محبط للعمل بالكلية، وقد سمّى ابن رجب هذا النوع من الرياء بالرياء المحض، يقول ابن رجب في هذا: "العمل على هذا النحو لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحقُّ المقت من الله والعقوبة"
والنوع الثاني أن يكون قصد الرياء مصحوبا بقصد الثواب، أو أنه بدأ العمل خالصًا لله ثم طرأ عليه الرياء، وهذا النوع اختلفت فيه آراء العلماء، والذي رجحه الحافظ ابن رجب، أن العمل لا يحبطُ في هذه الصورة،
قال رحمه الله: واعلم أن العمل لغير الله أقسام، فتارة يكون رياءً محضًا بحيث لا يراد به سوى مرئيات المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم قال الله عز وجل: (‏وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ ) {النساء142} وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة والتي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز. وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة، وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضًا وحبوطه‏،‏ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره فإن كان خاطرًا ودفعه فلا يضره بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته ،في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى وهو مروي عن الحسن البصري وغيره.
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية.
وقال ابن قدامة المقدسي في مختصر منهاج القاصدين: وشوائب الرياء الخفي كثيرة لا تنحصر، ومتى أدرك الإنسان من نفسه تفرقة بين أن يُطَّلع على عبادته أو لا يطلع، ففيه شعبة من الرياء، ولكن ليس كل شوب محبطاً للأجر، ومفسداً للعمل بل فيه تفصيل.
وهكذا فإن الرياء هو أحد أمراض القلوب التي تحبط الأعمال أو تنقص أجرها، ونستكمل في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 110.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 106.16 كيلو بايت... تم توفير 4.69 كيلو بايت...بمعدل (4.23%)]