الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله - الصفحة 29 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28432 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60056 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 827 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #281  
قديم 15-09-2022, 12:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الحضانة]
صـــــ 520 الى صــــــــ
528

الحلقة (237)





الحنابلة - قالوا: يشترط للحضانة. أولاً: أن يكون الحاضن عاقلاً، فلا حضانة لمجنون. ثانيها: أن لا يكون رقيقاً. ثالثاً: أن لا يكون عاوزاً، كأعمى، لعدم حصول المقصود به، ومثل الأعمى ضعيف البصر. رابعاً: أن لا يكون أبرص، أو أجذم، وإلا سقط حقه في الحضانة، خامساً: أن لا تكون متزوجة بأجنبي من الطفل، فإن كان غير أجنبي كجده وقريبه، فإن لها الحضانة.
المالكية - قالوا: يشترط في الحاضن ذكراً كان أو أنثى شروط. الأول: العقل، فلا حضانة لمجنون، ولو يفيق في بعض الأحيان، ولا لمن به خفة عقل وطيش. الثاني: القدرة على القيام بشأن المحضون، فلا حضانة للعاجز، كامرأة بلغت سن الشيخوخة، أو رجل هرم إلا أن يكون عندهما من يمكنه القيام بالحضانة تحت إشرافهما، ومثلهما الأعمى، والأصم، والأخرس، والمريض، والمقعد. الثالث: أن يكون للحاضن مكان يمكن حفظ البنت فيه التي بلغت حد الشهوة من الفساد، فإذا كان في جهة غير مأمونة، فإن حضانته تسقط. الرابع: الأمانة في الدين، فلا حضانة لفاسق يشرب الخمر، ومشتهر بالزنا، ونحو ذلك. الخامس: أن لا يكون الحاضن مصاباً بمرض معد يخشى على الطفل منه، كجذام، وبرص. السادس: أن يكون الحاضن رشيداً فلا حضانة لسفيه مبذر، لئلا يتلف مال المحضون: إن كان له مال. الشرط السابع: الخلو عن زوج دخل بها، إلا إذا تزوجت بمحرم، أو علم من له حق الحضانة بعدها يتزوجها وسكت مدة عام بلا عذر فإن حضانته تسقط بذلك. ولا يشترط في الحاضن أن يكون مسلماً، ذكراً كان أو أنثى. فأن خيف على الولد من أن تسقيه خمراً، أو تغذيه بلحم خنزير ضمت حضانته إلى مسلمين ليراقبوها ولا ينزع منها الولد، ولا فرق في ذلك بين الذمية والمجوسية، وإن كان الحاضن ذكراً فيشترط أن يكون عنده من يحضن من الإناث، كزوجة، أو سرية، أو خادمة ولا يصح أن يحضن غير محرم بنتاً مطيقة للوطء، كابن عمها - إلا إذا تزوج بأمها - ولو كان مأموناً) .
(3) (الحنفية - قالوا: مدة الحضانة للغلام قدرها بعضهم بسبع سنين، وبعضهم بتسع سنين، قالوا: والأول هو المفتى به، ومدتها في الجارية، فيها رأيان: أحدهما: حتى تحيض. ثانيهما: حتى تبلغ حد الشهوة، وقدر بتسع سنين، قالوا: وهذا هو المفتى به، فإذا كان الولد في حضانة أمه فلأبيه أن يأخذه بعد هذا السن، فإذا بلغ الولد عاقلاً رشيداَ كان له أن ينفرد ولا يبقى في حضانة أبيه إلا أن يكون فاسد الأخلاق، فلأبيه ضمه وتأديبه، وإذا لم يكن له أب، فلأحد أقاربه أن يضمه إليه ويؤدبه متى كان مؤتمناً، ولا نفقة للبالغ إلا أن يتبرع والده بها، وإلا أن يكون طالب علم، كما تقدم في مباحث النفقة.
أما الأنثى فإن كان بكراً ضمنها الأب إلى نفسه، ومثل الأب الجد، فإن لم يكن لها أب ولا جد، فإن كان لها أخ ضمها إليه بشرط أن لا يكون مفسداً، وإلا فإن كان لها عم غير مفسد ضمها إليه. وإلا فإن كان لها عصبية في رحم محرم ضمها إليه، وإن لم يكن وضعها القاضي عند امرأة ثقة، إلا إذا كانت مسنة عجوز، ولها رأي، فإنها تكون حرة، فتسكن حيث أحبت أما إذا كانت ثيباً فليس له ضمها، إلا إذا لم تكن مأمونة على نفسها، وفي هذه الحالة يكون للأب والجد ضمها جبراً، فإن لم يكن لها أب ولا جد، ولها أخ، أو عم، فله ضمها ما لم يكن مفسداً فإن كان مفسداً ضمها القاضي عند امرأة ثقة.
المالكية - قالوا: مدة حضانة الغلام من حين ولادته إلى أن يبلغ، فإن كان له أم حضنته حتى يبلغ، ثم تسقط حضانتها، ولو بلغ مجنوناً، ولكن تستمر نفقته على الأب إذا بلغ مجنوناً، ومدة حضانة الأنثى حتى تتزوج، ويدخل بها الزوج بالفعل.
الشافعية - قالوا: ليس للحضانة مدة معلومة، فإن الصبي متى ميز بين أبيه وأمه، فإن اختار أحدهما كان له، وكذا يخير بين أم وجد أو غيره، أو بين أب وأخت له من أم أو خالة، وله بعد اختيار أحدهما أن يتحول للآخر وإن تكرر منه ذلك، وللأب إذا اختارته بنته أن يمنعها من زيارة أمها، وليس له أن يمنع أمها من زيارتها على العادة، وإذا زارت لا تطيل المكث، وإذا مرضت كانت أمها أولى بتمريضها في منزله إذا رضي، وإلا مرضتها في منزلها ويعودهما، بشرط أن لا يخلو بها في الحالتين، وإن اختارها ذكر مكث عندها الليل وعند أبيه النهار كي يقوم بتعليمه، أما إذا اختارتها أنثى فتستمر عندها دائماً، وإن اختارهما معاً أقرع بينهما، وإذا سكت ولم يختر أحداً كان للأم.
الحنابلة - قالوا: مدة الحضانة سبع سنين للذكر والأنثى، ولكن إذا بلغ الصبي سبع سنين واتفق أبواه أن يكون عند أحدهما فإنه يصح، وإن تنازعا خير الصبي، فكان مع من اختار منهما، بشرط أن لا يعلم أنه اختار أحدهما لسهولته وعدم التشدد عليه في التربية وإطلاق العنان له فيشب فاسداً، فإذا علم أن رغبة الولد هكذا فإنه يجبر على البقاء عند الأصلح، فإن اختار أباه كان عنده ليلاً ونهاراً، ولا يمنع من زيارة أمه، وإن مرض الغلام كانت أمه أحق بتمريضه في بيتها، أما إذا اختار أمه فإنه يكون عندها ليلاً، ويكون عند أبيه نهاراً ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه، فإذا عاد واختار الآخر نقل إليه، وهكذا أبداً، فإن لم يختر أحدهما، أو اختارهما معاً أقرع بينهما، ثم إن اختار غير من أصابته القرعة رد إليه، ولا يخير إلا إذا كان أبواه من أهل الحضانة، فإن كان أحدهما غير أهل وجب أن يحضنه الكفء، وقيل سبع سنين يكون عند صاحب الحق في الحضانة، وعلى الوجه المتقدم، فإذا زال عقل الصبي كان من حق أمه، أما الأنثى فإنها متى بلغت سبع سنين فأكثر كانت من حق أبيها - بلا كلام - إلى البلوغ، ثم إلى الزفاف ولو تبرعت الأم بحضانتها، لأن الغرض من الحضانة الحفظ، والأب أحفظ وقدر الميل: بأربعة آلاف ذراع، بذراع الإنسان المعتدل، فللحاضنة أن تنتقل به إلى بلد دون ذلك، وليس له نزعه منها.
الثاني: أن يكون السفر للإقامة والاستيطان، كما ذكرنا، أما إذا كان للتجارة أو لقضاء حاجة، فإن لها أن تسافر به ولا يسقط حقها في الحضانة، بل تأخذه معها، وللولي أن يحلفها بأنها ما أرادت بالسفر الانتقال والاستيطان، وإنما أرادت سفر التجارة مثلاً، وإنما يصح أن تسافر به مسافة قليلة بشرط أن تكون الطريق مأمونة، وأن يكون المكان الذي تريد السفر إليه مأموناً، أما الولي، فإنه إذا أراد السفر من بلدة إلى بلدة أخرى ليقيم بها وينتقل إليها مستوطناً إياها، فإن له أن يأخذ المحضون من حاضنته، ولو كان طفلاً، متى قبل ثدي مرضعة غير حاضنته، ويسقط حق الحاضنة في الحضانة إلا إذا رضيت أن تسافر معه، فإن حضانتها لا تسقط بانتقاله، وإنما يكون له حق أخذ المحضون منها، ويسقط حقها في الحضانة بشرطين: أحدهما: أن يكون الولي قاصداً السفر إلى بلد تبعد عن بلد الحاضنة مسافة ستة برد فأكثر، أما إذا كانت دون ذلك فليس له أخذه منها، لأنه يمكنه أن يشرف على الصغير في هذه الحالة. الشرط الثاني: أن يكون قاصداً الانتقال والاستيطان، أما إذا كان قاصداً التجارة، ونحوها، فإنه لا يأخذه منها ولا يسقط حقها في الحضانة، ولها أن تحلفه على أنه أراد سفر الانتقال لا سفر التجارة.
الشافعية - قالوا: إذا أراد الحاضن أو الولي سفراً لحاجة أو لتجارة، بقي الولد بيد المقيم حتى يرجع من سفره، ثم إن كان مميزاً يخير في البقاء مع أيهما شاء، على الوجه المتقدم، أما إذا أراد سفر نقلة واستيطان، فإن الولد يتبع العاصب من أب أو غيره، سواء كان مسافراً أو مقيماً، بشرط أن لا يكون ببلدة الحاضن عاصب آخر مقيم، وإلا خير الولد المميز في الإقامة مع أيهما شاء، ولا حق للعاصب المسافر في أخذه، مثلاً إذا انتقل الأب من بلدة الأم الحاضنة إلى بلدة أخرى ليقيم بها، ولكن جده لا يزال مقيماً مع الحاضنة فليس للأب أخذه معه، وكذا إذا كان جد وأخ وسافر الجد وأقام الأخ، أو سافر الأخ، وأقام العم فإنه يبقى مع المقيم، ويشترط للسفر بالصغير أن تكون الطريق مأمونة، وأن يكون المكان المسافر إليه مأموناً، وإلا فأمه أحق به.
الحنابلة - قالوا: إذا أراد أحد الأبوين السفر إلى بلدة أخرى، فإن الولد يبقى مع الأب، سواء كان هو المسافر أو المقيم، بشروط. أحدها: أن تكون المسافة بين البلدين مسافة قصر فأكثر. ثانيها: أن تكون الطريق مأمونة، وتكون البلدة المنقول إليها كذلك. ثالثها: أن يكون السفر سفر نقلة واستيطان، فإن كان لتجارة أو حج كان الولد من حق المقيم. رابعها: أن لا يريد بالسفر مضارة الآخر وانتزاع الولد من يده، فإن أراد ذلك فلا يجاب إلى طلبه، وإذا انتقلا جميعاً إلى بلدة واحدة فالأم باقية على حضانتها، وإذا أخذه الأب لافتراق بلدتين، ثم عادت الأم عادت لها الحضانة) .
(4) (الحنفية - قالوا: أجرة الحضانة ثابتة للحاضنة، سواء كانت أماً أو غيرها، وهي غير أجرة الرضاع، وغير نفقة الولد، فيجب على الأب، أو من تجب عليه النفقة ثلاثة: أجرة الرضاع، وأجرة الحضانة، ونفقة الولد، فإذا كان للولد المحضون مال أخذه من ماله، وإلا فعلى من تجب عليه نفقته، كما ذكرنا، وهل تشمل أجرة الحضانة النفقة بجميع أنواعها، حتى المسكن أو لا مسكن لها؟ والجواب: أن الحاضنة إذا كان لها مسكن ويسكن الولد تبعاً لها، فلا يقدر لها أجرة مسكن، وإن لم يكن لها مسكن قدر لها أجرة مسكن، لأنها مضطرة إلى إيوائه وهذا هو الذي ينبغي العمل به، وإذا احتاج الصغير إلى خادم، فإنه يقضى له به على أبيه الموسر.
وإنما تثبت أجرة الحضانة للأم إذا لم تكن الزوجية قائمة، أو لم تكن معتدة، فإن كانت زوجة أو معتدة لأب الطفل فإنه لا حق لها في أجرة الرضاع، ولا في أجرة الحضانة، أما حال قيام الزوجية بينهما، فالأمر ظاهر، لأن نفقتها واجبة عليه بطبيعة الحال، وأما حال العدة فكذلك، لأن لها نفقة العدة، فهي في حكم الزوجة، فإذا انقضت عدتها كان لها الحق في طلب أجرة الحضانة، ولا تجب الأجرة على أبيه إلا إذا كان الطفل فقيراً لا مال له، وإلا فمن ماله.
هذا كله إذا لم يوجد متبرع يتبرع بحضانته مجاناً، فإن وجد متبرع، وكان أجنبياً عن الصغير، وكان للصغير مال، فإنه لا يعطى للأجنبي، ولكن يعطى لمن هو أهل للحضانة بأجرة المثل من ماله. أما إن كان المتبرع من أقارب الصغير، كالعمة مثلاً فإن الأم في هذه الحالة تخير بين إمساكه مجاناً، وبين أخذه منها وإعطائه لعمته لتحضنه مجاناً، إلا إذا كان الأب موسراً. ولا مال للصغير فإن الأم أوى بحضانته بالأجرة، أما إذا كان الأب معسراً، والصغير موسر، أو كان الأب موسراً، والصغير موسر، فإنه يعطى لعمته مجاناً، وذلك لأن نفقة أمه في هذه الحالة تكون من مال الصغير، وهو ضرر عليه، كما لا يخفى، وإذا امتنعت الأم عن حضانة الصغير، فهل تجبر على حضانته أو لا؟ والجواب: أنه إذا كان للصغير ذي رحم محرم صالح لحضانته غيرها لا تجبر على الصحيح، وإلا أجبرت، كي لا يضيع الولد، أما الأب فإنه يجبر على ضمه بعد بلوغ مدة الحضانة.
المالكية - قالوا: ليس للحاضن أجرة على الحضانة، سواء كانت أماً أو غيرها، بقطع النظر عن الحاضنة، فإنها إذا كانت فقيرة ولولدها المحضون مال فإنه ينفق عليها من مال ولدها لفقرها إلا للحضانة أما الولد المحضون فله على أبيه النفقة والكسوة والغطاء والفرش، والحاضنة تقبضه منه وتنفقه عليه، وليس له أن يقول لها: أرسليه ليأكل عندي ثم يعود، وتقدر النفقة على والده باجتهاد الحاكم حسب ما يراه مناسباً لحاله، كأن يقدر له شهرياً، أو كل جمعة، أو نحو ذلك، مما تقدم في باب النفقة، وهل للحاضنة السكنى؟ والجواب: أن الصحيح تقدير السكنى باجتهاد الحاكم، فينظر إلى حال الزوجين، فإن كانت موسرة، فلا سكنى لها على الأب، وإن كانت معسرة وجب عليه لها السكنى.
الشافعية - قالوا: أجرة الحضانة ثابتة للحاضن حتى الأم، وهي غير أجرة الرضاع، فإذا كانت الأم هي المرضعة وطلبت الأجرة على الرضاع والحضانة أجيبت، ثم إن كان للصغير مال كانت الأجرة في ماله، وإلا فعلى الأب، أو من تلزمه نفقته، ويقدر لها كفايتها بحسب حاله.
الحنابلة - قالوا: للحاضنة طلب أجرة الحضانة، والأم أحق بحضانته ولو وجدت متبرعة تحضنه مجاناً، ولكن لا تجبر الأم على حضانة طفلها، وإذا استؤجرت امرأة للرضاع والحضانة لزماها بالعقد، وإن ذكر في العقد الرضاع لزمتها الحضانة تبعاً، وإن استؤجرت للحضانة لم يلزمها الرضاع، وإذا امتنعت الأم سقط حقها، وانتقل إلى غيرها، على الوجه المتقدم) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #282  
قديم 15-09-2022, 01:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 2 الى صــــــــ
11

الحلقة (238)





الجزءُ الخَامِس
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
في آخر الجزء الرابع من موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة، وعد العالم الجليل الموسوعة الشيخ عبد الرحمن الجزيري. ان يقدم إلى القراء الجزء الخامس، وهو "كتاب الحدود".
ولكن الأجل لم يمهله - رحمة اللَّه - فانتقل إلى جوار ربه، راضياً مرضياً، قبل أن يودع المطبعة أصول الكتاب.
ولما كانت "المكتبة التجارية الكبرى" قد اشترت حق طبع الموسوعة كلها، فقد حرصت - خدمة المسلمين - على أن تكملها بطبع الجزء الخامس وتيسير الحصول علبه. فسعت لدى أسرة المغفور له الشيخ الجزيري حتى حصلت على أصول "كتاب الحدود".
ومن توفيق اللَّه أن وجدنا مباحث الكتاب كلها تكاد تكون كاملة: كل مبحث مخطوط في "كراسة" لا ينقصها - إلا التنسيق وبعض الحواشي والتعليقات.
وقد عهدنا بهذه المهمة إلى عالم قدير متبحر في فقه المذاهب، وهو الأستاذ الشيخ علي حسن العريضي، من علماء الأزهر الشريف. وقد رحب العلم الفاضل بالمهمة، ابتغاء مرضاة اللَّه، فتولي تنسيق مباحث الكتاب وفقاً لمنهج المؤلف في الأجزاء السابقة، ثم تفضل - مشكوراً - فأضاف ما اقتضاه السياق من حواش وتعليقات، وأشرف على الكتاب في أثناء الطبع، مرجعة وتصحيحاً، حتى خرج "كتاب الحدود" - بعون اللَّه - مترسماً النهج، وافياً بالغرض.
و"المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة" ترجو - هذا الكتاب الكبير - خدمة لدين اللَّه ونفع المسلمين، ووفاء بعهد عالم من علمائنا الأفاضل وقف حياته لدين اللَّه، وتبيان عباداته ومعاملاته وشرح أحكانه وحدوده، ليعمل المسلمون بمتضاها، ويهتدوا بهديها، فيسعدوا في الدنيا والأخرة.
واللَّه ولي التوفيق.
كتاب الحدود المقدمة في تعريف الحدود الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
روي عن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها "أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ؟ ثم قالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فكلمه أسامة. فقال رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: "يا أسامة أتشفع في حد من حدود اللَّه! ثم قام فاختطب. فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم اللَّه لو أن فاطمة بنت مُحَمَّد سرقت لقطعت يدها".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما (1) .
ويتعلق بشرح هذا الحديث أمور:
-1 - بيان معناه.
-2 - بيان الحدود الشرعية، وما في معناها، وحكمة مشروعيتها.
-3 - إذا لم يوجد في الشريعة نص على حكم من الأحكام فماذا يكون العمل؟.
المعنى
-معنى هذا الحديث ظاهر، وهو أن امرأة من علية القوم اسمها فاطمة، غلبت عليها رزيلة خلقية، مرة واحدة في حياتها، وهي سرقة شيء يستوجب إقامة الحد عليها بقطع يدها، فعز على قريش أمرها، لما لها من علو المنزلة، ولكنهم كانوا يعلمون شدة استمساك الرسول صلوات اللَّه عليه بإقامة حدود اللَّه، وتنفيذها على العظيم والضعيف، والغني والفقير، بنسبة واحدة. فوقفوا بإذاء ذلك حائرين، ولكنهم ظنوا أن أسامة بن زيد يستطيع أن يشفع لها عند رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، لأنه كان محبوباً عند الرسول، كما كان أبوه زيد من قبل، ولذا كان يلقب بالحب بن الحب. فأجابهم أسامة إلى طلبهم، ومضى إلى رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وسأله العفو عن السارقة. فأنكر عليه الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه هذه الشفاعة، وقال له: (أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى! أي ما كان يليق بك أن تجرؤ على هذا العمل) .
ويظهر من هذا أن أسامة بن زيد كان يعلم أنه لا يصح الشفاعة في حدود اللَّه تعالى بعد أن يصل أمر الجريمة إلى ولي الأمر، ولهذا أنكر عليه الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، ولو كان يجهل الحكم لعلمه إياه. ولعل اعتقاد أسامة في فاطمة المخزومية، من كون هذه الخلة ليست عادة لها، وأنها زلة، قد لا تعود إليها، هو الذي دفعه إلى الشفاعة فيها.
والواقع أن فطمة المخزومية هذه قد أصبحت بعد تنفيذ الحد عليها من الصالحات التائبات القانتات، فلو تؤثر عنها أية رزيلة خلقية بعد ذلك.
على أن الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه لم يقتصر على الإنكار على أسامة بن زيد، بل جمع الناس وخطب فيهم مبيناً لهم أن الإستهانة بمعاقبة الجناة إذا كانوا من العظماء، والتشدد في معاقبة الضعفاء، لا نتيجة له إلا هلاك الأمة وفنائها، وقد هلك بسببه بعض الأمم الذين خلوا من قبل.
وأقسم رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه لا يتأخر عن تنفيذ حدود اللَّه تعالى على بنته نفسها.
وذلك حق لا ريب فيه، إذ لا معنى لهذا إلا إبطال القانون السماوي، والقضاء على العدل والنظام فلو لم ينفذ القانون على القوي والضعيف بنسبة واحدة، لكان ذلك تحريضاً للقوي على انتهاك حرمات الضعيف، والعدوان عليه، وهو. أمن من العقاب. فإذا فرض وقوي الضغيف كان من حقه أن ينتقم لنفسه، ومن أمن من وقوع العقاب عليه ويعتدي على غيره وهو آمن أيضاً، وهلم جرا. وذها هو عين الفوضى المقوضى لدعائم العمران، الموجبة لهلاك الأمم وفنائها.
ما يؤخذ من الحديث
-ويؤخذ من هذا الحديث، أنه لا يحل لحاكم أن يقبل الشفاعة في حد من حدود اللَّه تعالى (الآتي بيانها) كما لا يحل لأحد أن يشفع عن مجرم في حد وصل إلى الحاكم. وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء.
أما قبل وصول الأمر إلى الحاكم. فإن الشفاعة تصح كما يصح العفو، بشرط أن يكون مستحق العقوبة غير معروف بالجرائم، أما إذا كان من المعتادين على إذاء الناس، أو كان من الأشرار الذين لا يصلحهم العفو، فإنه يجب أن يرفع أمره إلى الحاكم ليوقع عليه الحد الذي يزجره عن ارتكاب الجريمة. فإن سرق شخص من آخر ولم تكن فيه عادة له من قبل، وظن الشفيع أن العفو عنه لا يغريه، فإن له أن يشفع فيه، وللمعتادى عليه أن يعفو عنه، وإلا فلا يحل له العفو عنه.
وقد وردت أحاديث بهذا المعنى: منها ما رواه الدارقتني: عن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي، فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا اللَّه عنه) هذا في الحدود.
وأما في القصاص فإن الشفاعة فيه تجوز، لأنه حق العبد وله أن يعفو على أي حال.
وأما التعذير، فقد قَالَ الفقهاء: إن الشفاعة تحل فيه ولكن الظاهر المعقول أن عقوبة التعذير إن توقف عليها تأديب الجناة، والمحافظة على النظام العام. لفإن الشفاعة لا تحل فيه.
كما لا يحل للحاكم أن يعفو، وإلا فإن العفو يصح والشفاعة تجوز. وذلك لأن الشريعة الإسلمية مبنية على جلب المصلحة، ودرء المفسدة، فعلى الحاكم أن ينظر في هذا إلى ما فيه المصلحة، ودفع المفسدة.
__________
(1) (هذه الرواية لمسلم وفيها زيادة "يا أسامة". وفي رواية للبخاري "فتلون" (أي تغير غيظاً) وجه رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فقال له: (أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى؟) فقال أسامة لما رأى إنكار الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وغضبه عليه مما أتاه: (استغفر لي يَا رَسُولَ اللَّهِ) أي لتمحي تلك الخطيئة ويغفر لي ربي. (قَالَ: ثم أمر بتلك المرأة فقطعت يدها) . زاد البخاري في رواية عنده عن عائشة رضي اللَّه عنها (ثم تابت بعد وتزوجت) فكانت تأتي لعائشة فترفع حاجتها الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ. وأسم المرأة التي سرقت فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد. وكان هذا الحادث يوم فتح مكة.
والمراد بالذين هلكوا من قبلهم بنو إسرائيل، حيث صرح بذلك الإمام البخاري في روايته فقال: إن بني إسرائيل كانوا إذا سرف فيهم الشريف تركوه محاباة، ومراعاة لشرفه، فأهلكهم اللَّه للمداهنة والنفاق، وترك لإقامة الحدود الشرعية (وإذا سرق فيهم الضعيف) أي الفقير الذي لا جاه له ولا مال معه، ولا حسب يحميه، ينفذون عليه الحكم (وأيم اللَّه) أقسم الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لتأكيد كلامه، حيث أن المقام يقتضي ذلك. وهو قسم بالنية لا مطلقاً، إذ لا يعرفه إلا الخواص (ولو أن فاطمة بنت محمد صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ سرقت) أعذها اللَّه من ذلك.
قَالَ صاحب دليل الفالحين: ففي الحديث ثبوت قطع يد السارق، رجل كان أو امرأة. وفيه جواز الحلف من غير استحلف، وهو مستحب، إذا كان فيه تعظيم الأمر المطلوب كما في الحديث الذي معنا. وفيه المنع من الشفاعة في الحدود، وهو مجمع عليه بعد بلوغه للإمام، أما قبله فجائز عند أكثر العلماء، إذا لم يكن المشفوع فيه ذا شر، وأذى للناس، فإن كان لم يشفع فيه. أما المعاصي التي لا حد فيها فتجوز الشفاعة فيها بشرطه السابق، وإن بلغت الإمام لأنها أهون. وفيه مساواة الشريف وغيره في أحكام اللَّه تعالى وحدوده وعدم مراعاة الأهل، والأقارب في مخالفة الدين، اه.
وذلك كما أمرنا اللَّه تعالى في كتابه العزيز فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء للَّه، ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن كان غنياً أو فقيراً فاللَّه أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن اللَّه كان بما تعملون خبيراً} فقد أمرنا اللَّه تعالى بالمبالغة في العدل في الأحكام وإقامة القسط في الحدود وفي جميع الأمور مجتهدين في ذلك حق الإجتهاد، ولو كان هذا الحد على غني أو فقير أو قريب أو غريب، فإن اللَّه تعالى أولى بجنس الغني والفقير. ونهانا عن اتباع الهوى والجور في الأحكام والعدول عن الحق لغرض في نفوسنا مجاملة للغني، أو محاباة للقريب. ثم خوفنا اللَّه تعالى من عقابه وعذابه في الدنيا بالهلاك وفي الأخرة بالعذاب الأليم فقال تعالى: {فإن اللَّه كان بما تعملون خبيراً} فيجازيكم لا محالة على الظلم وعدم العدل في إقامة الحدود وغيرها من الأعمال، فهو وعيد محض من اللَّه تعالى للظلمة الجائرين.
ولقد كان المسلمون حديثي عهد بالإسلام فظنوا أن الشفاعة عند الحاكم تنفع وترفع العار عن هذه المرأة وأسرتها ومن ينتمي إليها من جراء قطع يدها. ولكن الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه أهمه هذا الأمر وأراد أن يثبت لهم وللإنسانية كلها أن الإسلام لا يفرق في تنفيذ الحدود بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، بل الكل أمام القانون سواء، كلكم لآدم وآدم من تراب، {إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم} .
ولهذا قام فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم خطب فيه هذه الخطبة الجامعة التي وضعت قواعد العدل، وثبتت دعائم الإنصاف، وأقسم الرَسُول صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ للمسلمين بهذا القسم القوي حتى لاتشك النفوس بعد ذلك في أن هناك مانعاً يقف أمام تنفيذ حدود اللَّه تعالى، ولو على أعز الناس، وأشرفهم، وأقربهم إلى اللَّه عز وجل. فضرب المثل بابنته وأحب الناس إلى قلبه، وأشرف مخلوقة في الأمة المحمدية كلها، وهي السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وظهر عليه الغضب الشديد حين سمع أسامة بن زيد يخاطبه في هذا الشأن، وهوالوساطة في تعطيل حد من حدود الله تعالى، نهره وقال له: (يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله تعالى!)
وأسامة من أحب الناس إلى قلب رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بعد ابنته فاطمة رضي اللَّه عنها. عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (أحب الناس إلي أسامة ما خلا فاطمة، ولا غيرها) . وروي عن هشام بن عروة عَنْ أَبِيِهِ أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن أسامة بن زيد لأحب الناس إلي، أو من أحب الناس إلي، وأنا أرجوا أن يكون من صالحيهم فاستوصوا به خيراً) .
بل بلغ من حب الرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لأسامة، وعلو منزلته في نفسه أنه أخر الإفاضة من عرفة في الحج من أجله. فقد روي عن هشام بن عروة عَنْ أَبِيِهِ أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة بن زيد ينتظره. فجاء غلام أسود أفطس، فقال أهل اليمن: إنما حسبنا من أجل هذا؟ قَالَ: فلذلك كفر أهل اليمن من أجل هذا. قَالَ يزيد بن هارون: (يعني ردتهم أيام أبي بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه) .
ولقد كان سيدنا عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة يعرفون مكانة أسامة بن زيد عند رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، ولما فرض عمر بن الخطاب للناس فرض لأسامة خمسة آلاف، ولإبن عمر ألفين، فقال ابن عمر: فضلت علي أسامة، وقد شهدت ما لم يشهد؟ فقال: إن أسامة كان أحب الناس إلى رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عليه وعلى آله، من أبيك) .
ومع هذه المكانة الرفيعة التي كانت لأسامة بن زيد في نفس الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه رد شفاعته، ولم يقبلها، بل غضب عليه، وظهر أثر الغضب على وجهه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، كعادته عند انتهاك حرمات اللَّه تعالى، حتى ظن سيدنا أسامة رضي اللَّه عنه أنه قد ارتكب ذنباً يعاقبه اللَّه عليه بسبب هذه الشفاعة، فتضرع إلى الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أن يستغفر له مما وقع فيه من الإثم عسى أن يغفر اللَّه له ويرحمه، كما ورد في الرواية الثانية.
كل هذه الأدلة والبراهين التي وردت في الحديث تدل دلالة صريحة على مقدار حرص الرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ على تنفيذ حكم اللَّه تبارك وتعالى، وتوقيع الحد على من يستحق العقوبة، مهما كانت منزلته بين القوم. ولا توجد قوة تمنعه من إقامة حدود اللَّه عز وجل على الشريف والضعيف، والعظيم والحقير، من غير تمييز واستثناء، لأن في إقامة الحدود حماية للمجتمع من الفساد، وحفظاً للأمة من الدمار والهلاك، ودواماً لسعادتها وهنائها، وعزها وبقائها، وسبباً لاستتباب الأمن والنظام بين ربوعها، وتثبيتاً للعدالة بين أفرادها.
ويؤخذ من الحديث النهي عن الشفاعة في الحدود. وقد ترجم البخاري - بباب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان. ويؤيد هذا ما ورد في بعض روايات هذا الحديث فإنه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ لأسامة لما تشفع: (لا تشفع في حد، فإن الحدود إذا انتهت إلي فليست بمتروكة) . وأخرج أبو داود حديث عمرو بن شعيب عَنْ أَبِيِهِ عن جده يرفعه (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) وصححه الحاكم.
وأخرج أبو داود والحاكم، وصححه من حديث ابن عمر، قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود اللَّه، فقد ضاد اللَّه في أمره) .
وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير قَالَ: (لقي الزبير سارقاً فشفع فيه فقيل: (حتى يبلغ الإمام) فقال: إذا بلغ الإمام فلعن اللَّه الشافع والمشفع) . فلا يجوز للإمام العفو عن الحد، ولا تجوز الشفاعة فيه إذا وصل الأمر إلى الحاكم.
ويؤيد هذا أيضاً ما أخرجه أحمد والأربعة، وصححه ابن الجارود، والحاكم، عن صفوان بن أمية رصي اللَّه تعالى عنه: أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ لما أمر بقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه: (هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به) ؟.
قالوا: وتسن الشفاعة الحسنة إلى ولاة الأمور من أصحاب الحقوق ما لم يكن في حد، أو أمر لا يجوز تركه، كالشفاعة إلى ناظر يتيم، أو وقف في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه شفاعة محرمة شرعاً.
الشافعية - قالوا: إن الشفاعة الحسنة قيل أن يصل الأمر إلى الحاكم جائزة بقوله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} وبما في الصحيحين عن أبي موسى أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ "كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه، وقال: اشفعوا تؤجروا، ويقضي اللَّه على لسان نبيه ما شاء") .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #283  
قديم 16-10-2022, 05:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 12 الى صــــــــ
46

الحلقة (239)

بيان الحدود الشرعية وما في معناها (1)
-معنى الحد في اللغة: المنع، ويطلق على العقوبة التي وضعها الشارع لمرتكب الجريمة، وذلك لأنها سبب في منع مرتكب الجريمة من العودة إليها، وسبب في منع من له ميل إلى الجريمة عن ارتكابها.
وكذلك يطلق على المعاصي. ومنه قوله تعالى: {تلك حدود اللَّه فلا تقربوها} أي تلك المعاصي التي نهى اللَّه عنها، فلا يحل لكم قربانها.
ويطلق أيضاً على ماحده اللَّه وقدره من أحكام، ومنه قوله تعالى: {ومن يتعدى حدود اللَّه فقد ظلم نفسه} .
العقوبات الشرعية
-ونحن الآن بصدد بيان الحدود الشرعية بمعنى العقوبات وما في معنى الحدود من قصاص، وتعذير.
وإليك البيان.
إن الشريعة الإسلامية قسمت العقوبات إلى ثلاث أقسام.
القسم الأول
الحدود: وقد عرف الفقهاء الحد، بأنه عقوبة مقدرة حقاً للًّه تعالى - فمتى علم الحاكم بمجرم استحق عقوبة الحد، فإنه يجب عليه التنفيذ. ولا يملك العفو عنه.
والجرائم التي تستوجب الحد هي (2) :
أولاً: الزنا. ومثله اللواط. على خلاف ستعرفه.
ثانياً: السرقة.
ثالثاً: القذف.
رابعاً: شرب الخمر. على خلاف ستعرفه.
أما حد الذين يسعون في الأرض فساداً فلا يخرج عن حد السرقة، أو القصاص، أو التعذير.
القسم الثاني
القصاص: وهو معاملة الجاني بمثل اعتدائه، فإن القصاص معناه المماثلة، ومنه قص الحديث، إذا أتى به على وجهه، ولا يسمى القصاص حداً، لأنه حق للعبد، له أن يعفو عنه.
كما يأتي.
القسم الثالث
التعذير: وهو تأديب على ذنب لا حد فيه، ولا كفارة له، كما ستعرفع بعد. ثم إن المتفق عليه من الحدود ثلاثة:
الأول: حد الزنا. وإن قَالَ بعضهم: إنه لا رجم فيه.
الثاني: حد القذف.
الثالث: حد السرقة.
القسم الأول
حد شرب الخمر
أما حد شرب الخمر، فجمهور الأئمة والعلماء على أنه حد. وبعضهم قال: إنه من باب التعزير.
ومع ذلك فقد اختلفوا في مقداره:
المالكية، والحنفية، والحنابلة - يقولون: إنه ثمانون جلدة، لأن عمر رضي الله تعالى عنه قدره بثمانين جلدة، ووافقه عليه الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين.
الشافعية - يقولون: إنه أربعون جلدة، لنه هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى مسلم عن أنس رضي الله عنه "كان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب في الخمر بالجريد، والنعال أربعين".
ويكفي هذا الحد ولو تكرر منه الشرب.
أما ما فعله سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه فقد كان من باب التعزير، حيث رأى أن الخمرة قد فشت في بعض الجهات، فشدد العقوبة لزجر الشاربين.
__________
(1) (معنى الحدود: الحد في اللغة المنع، ومنه الحداد للبواب، لمنع الناس من الدخول، وحدود العقاب موانع من وقوع الإشتراك، وأحدت المعتدة، إذا ما نعت نفسها من الملاذ والتنعم على ما عرف. وسمي اللفظ الجامع المانع حداً، لأنه يجمع معاني الشيء، وبمنع دخول غيره عليه.
وحدود الشرع موانع، وزواجر عن ارتكاب أسبابها. والحد في اصطلاح الفقهاء: عقوبة مقدرة وجبت حقاً للَّه تبارك وتعالى، وفيها المعنى اللغوي كما بيناه.
والحدود في الإسلام ثابتة بآيات القرآن الكريم مثل آية الزنا، وآية السرقة، وآية قذف المحصنات، وآية المحاربة، وآية تحريم الخمر، وغير ذلك.
كمل أنا ثابتة بالأحاديث النبوية الواردة في الحدود، وفعل رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مثل حديث ماعز، وحديث الغامدية، وحديث العسيف، وحديث نعيمان، وغيرها من الأحاديث الثابتة. وثايتة بفعل الصحابة رضي اللَّه عنهم، وعليه إجماع الأمة. كما أن العقل السليم يقرها ويؤيدها، لأن الطباع البشرية، والشهوة النفسانية، مائلة إلى قضاء الشهوة، واقتناص الملاذ، وتحصيل مطلوبها ومحبوبها، من الشرب، والزنا، والتشفي بالقتل، وقطع الأطراف، وأخذ مال الغير، والاستطالة على الناس بالسب والشتم، خصوصاً من القوي على الضغيف، ومن الكبير على الصغير. فاقتضت الحكمة شرع هذه الحدود حسماً لهذا الفساد أن يستشري، وزجراً عن ارتكابها، حتى يبقى العالم على طريق الاستقامة والأمان. فإن عدم وجود الزواجر في العالم يؤدي إلى انحرافه، وفيه من الفساد ما لا يخفى) .
(2) (الشافعية - قالوا: إن الجنايات الموجبة للحد سبعة أقسام وهي:
الأول: كتاب الجراح - ويشمل القصاص في النفس والأطراف، والديات، وغيرها.
الثاني: كتاب البغاة - الثالث: كتاب الردة.
الرابع: كتاب الزنا.
الخامس: كتاب حد القذف.
السادس: كتاب قطع السرقة.
السابع: كتاب الأشربة المحرمة.
الحنفية - قالوا: إن الحدود ما ثبتت بالقرآن الكريم وهي خمسة فقط.
الأول: حد الزنا وهو ثابت بآية {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللَّه إن كنتم تؤمنون باللَّه واليوم الآخر} الآية.
الثاني: حد السرقة وهو ثابت بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من اللَّه واللَّه عزيز حكيم} آية 38 من المائدة.
الثالث: حد شرب الخمر، وهو ثابت بقوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} .
الحد الرابع: حد قطاع الطريق وهو ثابت بقوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون اللَّه ورسوله ويسعون في الأؤض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} . آية 33 من المائدة.
والخامس: حد القذف، وهو ثابت بقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون} آية 4 من النور.

وقالوا: إن القصاص لا يسمى حداً لأنه حق العباد، وكذا التعذير لا يسمونه حداً لأنه ليس بمقدر. وعد بعضهم عقوبة السحر من الحدود.
المالكية - قالوا: 1 - باب الجناية على النفس أو على ما دونها.
-2 - باب - حد البغي.
-3 - باب - الردة وأحكامها.
-4 - باب حد الزنا.
-5 - باب - حد القذف.
-6 - باب - حد السرقة.
-7 - باب - ذكر الحرابة وما يتعلق بها.
-8 - باب - حد الشرب وأشياء توجب الضمان) .

كتاب الأشربة
الأشربة جمع شراب بمعنى مشروب - والشروب هو المولع بالشراب المدمن عليه. وشربها من كبائر المحرمات. بل هي أم الكبائر كما قَالَ سيدنا عمر للخطاب. وسيدنا عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنهما وكان تحريمها في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة أحد.
والأصل في تحريمها كما ذكره المفسرون: نزل في الخمر أربع آيات، نزل بمكة قوله تعالى. {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال، ثم إن سيدنا عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل، ونفراً من الصحابة قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل ومسلبة للمال. فنزل قوله تعالى: {ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} الآية. فشربها قوم وتركها آخرون. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف جماعة فشربوا وسكروا، فقام بعضهم يصلي فقرأ: {قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون} فنزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} ، فقل من يشربها. ثم دعا عثمان بن عفان مالك جماعة من الأنصار، فلما سكروا منها تخاصموا وتضاربوا فقال عمر: اللَّهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزل قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر} إلى قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} فقال عنمر: انتهينا يا رب.
والحكمة في تحريم الخمر على هذا الترتيب أن اللَّه تعالى علو أن القوم ألفوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم بذلك كثيراً، فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم، فكان من الحكمة أن يحرمها بالتدريج والرفق.
وذكر بعض العلماء أن آية البقرة تدل على تحريم الخمر من ثلاثة وجوه.
كتاب الأشربة
الأشربة جمع شراب بمعنى مشروب - والشروب هو المولع بالشراب المدمن عليه. وشربها من كبائر المحرمات. بل هي أم الكبائر كما قَالَ سيدنا عمر للخطاب. وسيدنا عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنهما وكان تحريمها في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة أحد.
والأصل في تحريمها كما ذكره المفسرون: نزل في الخمر أربع آيات، نزل بمكة قوله تعالى. {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال، ثم إن سيدنا عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل، ونفراً من الصحابة قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل ومسلبة للمال. فنزل قوله تعالى: {ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} الآية. فشربها قوم وتركها آخرون. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف جماعة فشربوا وسكروا، فقام بعضهم يصلي فقرأ: {قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون} فنزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} ، فقل من يشربها. ثم دعا عثمان بن عفان مالك جماعة من الأنصار، فلما سكروا منها تخاصموا وتضاربوا فقال عمر: اللَّهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزل قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر} إلى قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} فقال عنمر: انتهينا يا رب.
والحكمة في تحريم الخمر على هذا الترتيب أن اللَّه تعالى علو أن القوم ألفوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم بذلك كثيراً، فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم، فكان من الحكمة أن يحرمها بالتدريج والرفق.
وذكر بعض العلماء أن آية البقرة تدل على تحريم الخمر من ثلاثة وجوه.

الأول: أن الآية دالة على أن الخمر مشتملة على الإثم، والإثم حرام لقوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق} فكان مجموع هاتين الآيتين دليلاً على تحريم الخمر.
الثاني: أن الإثم قد يراد به العقاب، وقد يراد ما يستحق به العقاب من الذنوب، وأيهما كان فلا يصح أن يوصف به إلا المحرم.
الثالث: أنه تعالى قَالَ: {وإثمهما أكبرمن نفعهما} صرح برجحان الإثم والعقاب، وذلك يوجب التحريم.

والخمر من أفحش الذنوب. وأعظمها خطراً على المجتمع الإنساني كله، بذبك حرمها الشارع، وشدد في تحريمها وأنزل فيها عدة أحكام عالج فيها حالة العرب التي كانت تدمن الخمر، وتعدها من علامات الشهامة والمروءة ثم أنزل فيها آية التحريم {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} فوصف اللَّه تعالى الخمر بأنه رجس: أي قذر تنفر منه العقول السليمة، وهو لفظ يدل على منها القبح والخبث، والميسر، هو قمارهم في الجذور، والأنصاب هي ألهتهم التي يعبدونها، والأزلام سهام مكتوب عليها شر وخير، وقد قرن اللَّه تعالى الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام وهي من أعمال الوثنية والشرك فكأنه قريب من هذه المنكرات، وقد وصف اللَّه هذه الأقسام الأربعة بوصفين: الأول قوله {رجس} ، وهو كل ما استقذر من عمل، والثاني قوله {من عمل الشيطان} وه مكمل لكونه رجساً لأن الشيطان نجس خبيث لأنه كافر {إنما المشركون نجس} والخبيث لا يدعوا إلا إلى خبيث.

وقد روى ابن ماجة عن ابي هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (مدمن الخمر كعابد وثن) . وقال صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه) . وجعلها اللَّه تعالى وأخواتها من عمل الشيطان لما ينشأ عنها من الشرور والأضرار، وما يترتب عليها من الكبائر والمصائب، وكل ما أضيف إلى الشيطان فالمراد به المبالغة في كمال قبحه قَالَ تعالى: {فوكزه موسى فقضى عليه قَالَ هذا من عمل الشيطان} بل وصف الرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ الخمر بأنها أم الخبائث، فقال صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (الخمر أم الخبائث) .

وروى الطبراني في الكبير من حديث بن عمر رضي اللَّه عنهما (الخمر أم الخبائث، وأكبر الكبائر، ومن شرب الخمر ترك الصلاة، ووقع على أمه، وعمته) .
وقد جعل اللَّه تعالى النهي عنها بلفظ الإجتناب فقال {فاجتنبوه} أي كونوا جانباً منه وهو أبلغ من لفظ التحريم والترك لأنه يفيد الأمر بأن يكون التارك في جانب بعيد عن الشيء، لخطورته وفظاعته، أي ابتعدوا عنه، وخذوا حذركم منه فليعتبر أولئك الفسقة الذين يقولون: إنما الخمر لم ينزل فيها نهي في القرآن، أي لم يصرح القرآن بأنها حرام، والحق أنه نهى عنها بأبلغ عبارة التحريم، ثم جعل اللَّه تعالى اجتنابها والبعد عنها يوصل للفلاح، ويقرب إلى الفوز والسعادة الدنيوية والآخروية، فقال تعالى {لعلكم تفلحون} وفيه إشارة أن شربها يقرب من الخسران والخيبة، وفساد الدين والدنيا معاً، وضياع الصحة والعقل والمال.
ولما أمر اللَّه تعالى باجتناب هذه الموبقات الأربع ذكر نوعين من أكبر المفاسد الخطرة في الخمر والميسر، الأول: ما يتعلق بالدنيا وهو قوله تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} أما في الخمر فلأن الغالب أن من يقبل على شرب الخمر، إنما يشربها مع أصحابه ويكون قصده من ذلك الشرب أن يستأنس برفقائه، ويسر بمحادثتهم ومكالمتهم، فأن غرضه من ذلك الإجتماع تأكيد الإلفة والمحبة، إلا أنه ينقلب في كثير من الأحيان إلى ضد مقصوده لأن الخمر يزيل العقل، وإذا ذهب العقل استولت الشهوة والغضب من غير مدافعة العقل، وعند استيلائهما تحصل المنازعة والمشاحنة بين المجتمعين، وربما أدت إلى الضرب والقتل والمشافهة بالفحش، وذلك يورث أشد العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع الواحد، والميسر، يجر صاحبه إلى الفقر والمسكنة حتى يصل به الحال أن يقامر على جسده وأهله، وولده بعد فقدان ماله فيصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين كانوا يلاعبونه.
فظهر أن الخمر والميسر سببان عظيمان في إثارة العداوة، والبغضاء بين الناس، وتقطيع أوصال المجتمع، ولاشك أن العداوة والبغضاء تفضي إلى أحوال مذمومة، من الهرج والمرج والفتن، وفساد المجتمع الإنساني كله.
النوع الثاني - المفاسد المتعلقة بالدين، وإليه الإشارة بقوله عز وجل {ويصدكم عن ذكر اللَّه وعن الصلاة} وهما روح الدين وعماده.
أما أن الخمر تمنع عن ذكر اللَّه فظاهر لأن شرب الخمر يورث الطرب، واللذة الجسمانية، والنفس إذا استغرقت في الملذات، غفلت عن ذكر اللَّه تعالى وأعرضت عن طاعته عز وجل.
وأما الميسر، فلأن إستغراق الشخص في العب مانع من أن يخطر بباله شيء سواه، وهي تصد اللاعب عن ذكر اللَّه، وتصرفه عن الصلاة، وتنسيه طاعة مولاه.
ولما بين اللَّه تعالى اشتمال شرب الخمر ولعب الميسر على هذه المفاسد الخطيرة في الدنيا والدين. قَالَ تعالى: {فهل أنتم منتهون} هذا اللفظ وإن كن استفهاماً في الظاهر، إلا أن المراد منه هو النهي في الحقيق، وإنما حسن هذا المجاز لأنه تعالى ذم هذه الأفعال وبين قبحها لعباده، فلما استفهم بعد ذلك عن تركها، لم يسع المخاطب إلا الإقرار باترك. فكأنه قيل له: أتفعله بعد ما قد ظهر من قبحه؟ فصار قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} جارياً مجرى تنصيص اللَّه تعالى على وجوب الإنتهاء، مقروناً بإقرار المكلف بوجوب الإنتهاء بدافع من تفسه.
واعلم أن هذه الآية دالة على تحريم شرب الخمر من وجوه:
أحدها: تصدير الجملة بلفظ {إنما} وذلك لأنه للحصر، فكأنه تعالى قَالَ: لا رجس ولا شيء من عمل الشيطان إلا هذه الأربعة.
وثانيها: أنه تعالى قرن الخمر والميسر بعبادة الأوثان، حتى أصبح مثله، كما قَالَ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (شارب الخمر كعابد الوثن) .
وثالثها: أنه تعالى أمر بالإجتناب، وظاهر الأمر الوجوب.
ورابعها: أنه تعالى قَالَ: {لعلكم تفلحون} جعل الإجتناب من الفلاح، وإذا كان الإجتناب فلاحاً كان الإرتكاب خيبة.
وخامسها: أنه شرح أنواع المفاسد المتولدة عنها في الدنيا والدين، وهي وقوع التعالدي، والتباغض بين الخلق وحصول الإعراض عن ذكر اللَّه تعالى وعن الصلاة.
وسادسها: قوله تعالى {فهل أنتم منتهون} وهو من أبلغ ما ينتها به، كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيها من أنواع المفاسد والقبائح، فهل أنتم منتهون من هذه الصوارف، أم أتنم على ما كنتم عليه حين لم توعظوا بهذه المواعظ.
وسابعها: أنه تعالى قَالَ بعد ذلك {وأطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول واحذروا} فظاهره أن المراد، وأطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول فيما تقدم ذكره من أمرهما بالإجتتناب عن الخمر والميسر، وقوله {واحذروا} أي احذروا عن مخالفتهما في هذه التكاليف.
وثامنها: قوله تعالى: {فإن تويلتم فاعلموا إنما على رسولنا البلاغ المبين} وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد في حق من خالف هذا التكليف وأعرض فيه عن حكم اللَّه عز وجل - وبيانه - يعني أنكم إذا توليتم فالحجة قائمة عليكم، والرسول قد خرج عن عهدة التبليغ، والإعزار والإنذار، فأما ما وراء ذلك من عقاب من خالف هذا التكليف وأعرض عنه فذاك إلى اللَّه تعالى. ولا شك أنه تهديد شديد فصار كل واحد من هذه الوجوه الثمانية، دليلاً قاطعاً وبرهناً ساطعاً في تحريم الخمر.

حد الشرب
اتفق الأئمة على أن الذي يوجب هذا الحد، إنما هو شرب الخمر، دون إكراه، قليلها، وكثيرها.

واتفق الأئمة: على أنه يثبت الحد بشهادة عدلين، أو الإقرار بذلك.
واتفق الأئمة: على أنه لاتقبل شهادة النساء وحدهن، ولا مع الرجال في إثبات حد الشرب. لأن فيها شبهة البدلية، وتهمة الضلال والنسان. فالبينة تكون ناقصة، والأصل براءة الذمة.
واتفق الأئمة الأربعة: على أن الإقرار في شرب الخمر يثبت الحد، ولو مرة واحدة.
وقال أبو يوسف من الحنفية: يشترط أن يكون الإقرار مرتين، ويقول: شربت الخمر، أو شربت ما يسكر، ولا يحد باليمين المردودة في الأصح.
واختلفوا في تعريف السكران.
الحنفية قالوا: السكران هو الذي لا يعرف منطقاً لا قليلاً ولا كثيراً، ولا يعرف الأرض من السماء ولا يعرف المرأة من الرجل، فيزول تمييزه بالكلية، ويصبح بحالة يدرك الأشخاص ولكن يجهل الأوصاف.
المالكية، والشافعية، والحنبابلة، والصاحبان من الحنفية - قالوا: السكران هو الذي يهذي ويخلط كلامه ويستوي عنده الحسن والقبيح، لأنه هو السكران في العرف.
واتفق الأئمة الأربعة: على أن الخمر نجسة، وعلى تحريم بيعها على المسلمين، وإهدار ماليتها، فمن كسر دن خمر عند مسلم، لا يعاقب بالضمان لقول رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها، وأكل ثمنها) فهي ليست بمال، فلا يصح دفعها مهراً، ولا أجراً.

واتفق الأئمة الأربعة: على أن عصير العنب إذا اشتد، وغلى، وقذف بالزبد، فهو خمر من غير خلاف بينهم على حرمة شربه، وإقامة الحد على شاربه.
حكم شرب الأنبذة
واختلف العلماء في حكم شرب الأنبذة.
الحنفية قالوا: الحد في غير الخمر من أنواع الأنبذة إنما يتعلق بالسكر فقط، فنقيع التمر والزبيب إذا غلي واشتد كان محرماً قليله وكثيره، ويسمى نبيذاً لا خمراً، فإن أسكر ففي شربه الحد، ويكون نجساً نجاسة مغلظة، لثبوتها باليل القطعي، قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (الخمر من هاتين الشجرتين، وأشار إلى الكرم، والنخلة) فإن طبختا، أو كانا في طبيخ حل منهما ما يغلب على ظن الشارب منه أنه لا يسكر، من غير طرب. فإن اشتد غليانهما حرم الشرب منهما.
أما نبيذ الحنطة، والتين، والأرز، والشعير، والذرة، والعسل. فإنه حلال عند الحنفية. نقيعها، ومطبوخها، وإنما يحرم المسكر منه، ويحد فيه إذا أسكر كثيره، وكذا المتخذ من الألبان إذا اشتد.
المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: كل شراب يسكر كثيره فشرب قليله حرام، ويسمى خمراً، وفي شربه الحد سواء أكان من عنب، أو زبيب، أو حنطة، أو شعير، أو تين، أو ذرة، أو أرز، أو عسل، أو لبن، ونحو ذلك. نيئاً كان أو مطبوخاً. لأن اسم الخمر لغة - ما خامر العقل - وروي أن الرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (كل مسكر خمر) فاخمر حقيقة لغوية في عصير العنب المشتد، وحقيقة شرعية في غيره مما يسكر من الأشربة، أو قياس في اللغة - وروي في الصحيحين من حديث عمر رضي اللَّه عنه أنه قَالَ: (نزل تحريم الخمر وهي خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير. والخمر ما خمر العقل) متفق عليه ووجه الاستدلال به من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن سيدنا عمر رضي اللَّه عنه أخبر أن الخمر حرمت يوم حرمت، وهي تتخذ من الحنطة والشعير، كما أنها تتخذ من العنب، والتمر، وهذا يدل على أنهم يسمونها كلها خمراً.
وثانيها: أنه قَالَ: حرمت الخمر يوم حرمت، وهي تتخذ من هذه الأشياء الخمسة وهذا كالتصريح بأن الخمر يتناول تحريم هذه الأنواع الخمسة.
وثالثها: أن عمر رضي اللَّه عنه ألحق بها كل ما خامر العقل من شراب، ولا شك أن عمر رضي اللَّه عنه كان عالماً باللغة، وروايته أن الخمر اسم لكل ما خامر العقل بتغيره.
واحتجبوا ثانياً - بما روى أبو داود عن النعمان بن بشير رضي اللَّه عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن من العنب خمراً، وإن من التمر خمراً، وإن من العسل خمراً، وإن من البر خمراً، وإن من الشعير خمراً) والاستدلال به من وجهين:
أحدهما: أن هذا الحديث صريح في أن هذه الأشياء داخلة تحت اسم الخمر، فتكون داخلة تحت الآية على تحريم الخمر.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #284  
قديم 16-10-2022, 05:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 12 الى صــــــــ
46

الحلقة (240)




وثانيهما: أنه ليس مقصود الشارع تعليم اللغات، فوجب أن يكون مراده من ذلك بيان أن الحكم الثابت في الخمر ثابت فيها. والحكم المشهور الذي اختص به الخمر هو حرمة الشرب فوجب أن يكون ثابتاً في هذه الأشربة المذكورة.
قال الخطابي رحمه اللَّه: وتخصيص الخمر بهذه الأشياء الخمسة ليس لأجل أن الخمر لا يكون إلا في الأشياء الخمسة بأعيانها، وإنما جرى ذكرها خصوصاً لكونها معهودة في ذلك الزمان، فكل ما يكون في معناه من ذرة، أو سلف، أو عصارة شجرة. فحكمها حكم هذه الخمسة. كما أن تخصيص الأشياء الستة بالذكر في الربا لا يمنع من ثبوت حكم الربا في غيرها.
وحجتهم الثالثة:
روى أبو داود أيضاً عن نافع عن ابن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) .
قَالَ الإمام الخطابي: قوله عليه الصلاة والسلام، (كل مسكر خمر) . دل على وجهين:
أحدهما: أن الخمر اسم لكل ما وجد منه السكر من الأشربة كلها، والمقصود منه أن الآية لما دلت على تحريم الخمر كان مسمى مجهولاً للقوم، أو يكون معناه أنه كالخمر في الحرمة.
وحجتهم الرابعة:
روى أبو داود عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: سئل رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن البتع فقال: (كل شراب أسكر فهو حرام) .
والبتع شراب يتخذ من العسل، وفيه إبطال كل تأويل يذكره أصحاب تحليل الأنبذة. وإفساد قول من قَالَ: إن القليل من المسكر مباح لأنه عليه السلام سأل عن نوع واحد من الأنبذة. فأجاب عنه بتحريم الجنس، فيدخل فيه القليل والكثير منها، ولو كان هناك تفصيل في شيء من أنواعه ومقاديره لذكره صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ولم يهمله.
وحجتهم الخامسة: ما رواه أبو داود عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) ورواه أحمد وابن ماجة، والدارقطني وصححه عن ابن عمر، وكذا أحمد والنسائي من حديث عمرو.
وحجتهم السادسة: ما روي عن القاسم عن أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه تعالى عنهما قَالَت: سَمِعْت رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يقول: (كل مسكر حرام. وما أسكر منه الفرق، فملء الكف منه حرام) رواه أحمد، والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلاً، وفي رواية الإمام أحمد في الأشربة بلفظ (فالأوقية منه حرام) وذكر ملء الكف والأوقية في الحديث على سبيل التمثيل، وإلا فهو شامل للقطرة الواحدة. لما روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (حرمت الخمر قليلها وكثيرها. والسكر من كل شراب) أخرجه النسائي.
وحجتهم السابعة: ما رواه أبو داود عن شهر بن حوشب عن أم سلمة رضي اللَّه عنها أنها قالت: (نهى رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن كل مسكر ومفتر) والمفتر كل شراب يورث الفتور في الجسم والخمول في الأعضاء، وهذا ل شك متناول لجميع أنواع الأشربة المسكرة والمفترة لأعضاء الجسم.
وما رواه النسائي والدارقطني عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه: (أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ نهى عن قليل ما أسكر كثيره) .
وما روي عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أتى برجل قد سكر من نبيذ تمر فجلده أي أقام عليه حد الخمر، فهذا دليل صريح في أن نبيذ الخمر إذا أسكر أخذ حكم الخمر المصنوع من العنب.

وما روي عن ابن هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (الخمر من هاتين الشجرتين النخل) رواه الجماعة إلا البخاري وما روي عن انس رضي اللَّه تعالى عنه قَالَ: (إن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر) متفق عليه.

وما روي عن جابر رضي الله عنه (أن رجلأمن جيشان، وجيشان من اليمن - سأل الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر، فقال: أمسكر هو؟ قال: نعم. فقال: كل مسكر حرام. إن على اللَّه عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال - قالوا: يارسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار، رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، فهذا يدل على تحريم كل مسكر ولو كان من غير عصير العنب فإن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (كل مسكر حرام) ولم يذكر نوع الشراب ولم يحدده. فهذه الأحاديث التي ذكرناها وغيرها ممن لم نذكره دالة على أن كل مسكر فهو حرام.
النوع الثاني من الأدلة على أن كل مسكر حرام سواء أكان من عصير العنب أم من غيره من أنواع الأنبذة، التمسك بكلام أهل اللغة. فقد قالوا: إن الخمر ما خامر العقل - أي غطاه وخالطه فلم يتركه على حاله - والعقل هو الجوهرة التي كرم اللَّه بها بني لآدم على جميع خلقه، وسلطه بسببها على ما في الأرض والتمتع بها، والتمكن من الصناعات وغيرها. وقوة الإدراك بها العلوم والمعارف. ولشرفها ومكانتها حرم اللَّه تعالى الخمر التي تغطيها وتخامرها، قَالَ ابن الأنباري: سميت خمراً لأنها تخامر العقل، أي تخالطه. كما سميت مسكراً لأنها تسكر العقل، أي تحجزه، وتمنع وصول نوره إلى الأعضاء.
قَالَ الراغب في كتابه "مفردات القرآن". سمي الخمر لكونه خامراً للعقل، أي ساتراً له. وهو عند بعض الناس اسم لكل مسكر. وعند بعضهم للمتخذ من العنب خاصة. وعند بعضهم المتخذ من العنب والتمر, وعند بعضهم لغير المطبوخ، رجح أنه اسم لكل شيء ستر العقل. وكذا قَالَ غير واحد من أهل اللغة، منهم الدينوري، والجوهري.
قَالَ صاحب الهداية من الحنفية: الخمر ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد، وهو المعروف عند أهل اللغة، وأهل العلم. قَالَ: وقيل هو اسم لكل مسكر لقوله صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (كل مسكر خمر) ولأنه من مخامرة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
العقل، وذلك موجود في كل مسكر، قَالَ: ولنا إطباق أهل اللغة على تخصيص الخمر بالعنب، ولهذا اشتهر استعمالها فيه، ولأن تحريم الخمر قطعي، وتحريم ماعدا المتخذ من العنب ظني، قَالَ: وإنما يسمى الخمر خمراً لتخمره، لا لمخامرة العقل، قال: ولا ينافي ذلك كون الاسم خاصاً فيه كما في النجم فإنه مشتق من الطهور ثم هو خاص بالثرايا، اه.
قَالَ في الفتح والجواب عن الحجة الأولى ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمراً، وقال الخطابي: زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فيقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمراً، عرب فصحاء فلو لم يكن هذا الاسم صحيحاً لما أطلقوه.
وقال ابن عبد البر: قَالَ الكوفيون: الخمر من العنب لقوله تعالى: {أعصر خمراً} فقالوا: فدل على أن الخمر هو ما يعصر لا ما ينبذ، قَالَ: ولا دليل فيه على الحصر. قَالَ أهل المدينة وسائر الحجازيين، وأهل الحديث كل مسكر خمر، وحكمه حكم ما اتخذ نم العنب، فيكفر مستلها، وتصير نجسة، ولا قيمة لها في حق المسلم، ولا يجوز بيعها ولا الانتفاع بها.
وقال القرطبي: الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها يبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب، وما كانت من غيره فلا تسمى خمراً، ولا يتناولها اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب، والسنة الصحيحة، وللصحابة الفصحاء، لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كا مسكر، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب، وبين ما يتخذ من غيره بل سووا بينهما، ولم يتوقفوا، ولم يشكل عليهم شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من عصير العنب، وهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل القرآن الكريم، فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا الأمر، فلما لم يفعلوا ذلك، بل بادروا إلى إتلاف الجميع علمنا أنهم فهموا التحريم، ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر بما يوافق ذلك، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
وقد ذهب إلى التعميم الإمام علي كرم اللَّه وجهه، وسيدنا عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد اللَّه بن عمر، وأبو موسى الأشعري، وأبو هُرَيْرَة، وابن عباس، والسشيدة عائشة رضوان اللَّه عليهم أجمعين. وذهب إلى التعميم من التابعين، الإمام ابم المسيب، وعروة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وأخرون، وهو قول مالك، والأوزاعي، والثوري، وابن مبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وعامة أهل الحديث رحمهم اللَّه تعالى.

قَالَ في الفتح: ويمكن الجمع بين القولين بأن من أطلق ذلك على غير المتخذ من العنب حقيقة يكون أراد الحقيقة الشرعية، ومن نفى أراد الحقيقة اللغوية.

وقد أجاب بهذا ابن عبد البر، وقال: إن الحكم إنما يتعلق بالاسم الشرعي دون اللغوي.
وقد تقرر أن نزول القرآن بتحريم الخمر وهي من البسر ذاك، فيلزم من قَالَ: إن الخمر حقيقة في ماء العنب، مجاز في غيره، أن يكون إطلق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه، لأن الصحابة لما بلغهم بلغتهم تحريم الخمر أراقوا كل ما يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازاً، وهو ذلك فصح أن الكل خمر حقيقة، وانفكاك عن ذلك.
وذكر الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره لآية تحريم الخمر ما نصه: (واعلم أن من أنصف، وترك الاعتساف علم أن هذه الآية نص صريح في أن كل مسكر حرام، وذلك لأنه تعالى لما ذكر قوله: {أنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر اللَّه وعن الصلاة} ، قَالَ بعده: {فهل أنتم منتهون} فرتب النهي عن شرب الخمر على كون الخمر مشتملة على تلك المفاسد، ومن المعلوم في بدائه العقول أن تلك المفاسد إنما تولدت من كونها مؤثرة في السكر، وهذا يفيد القطع بأن القطع علة قوله {فهل أنتم منتهون} هي كون الخمر مؤثرة في الإسكار، وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن كل مسكر حرام، ومن أحاط عقله بهذا التقدير، وبقي مصراً على قوله، فليس لعناده علاج.
الحنيفية - احتجوا على قولهم: بأن نبيذ الحنطة، والتين، والأرز، والشعير، والذرة، والعسل وغيره، حلال، نقيعاً ومطبوخاً إذا لم يسكر، ولا يحد شاربه حتى يسكر منه، ولا يكفر مستحله مثل الخمر، واحتجوا على رأيهم هذا بأدلة.
أحدها - قوله تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} فقد من اللَّه تعالى على عباده باتخاذ السكر من النخيل والأعناب، وما نحن فيه سكر ورزق حسن، فوجب أن يكون مباحاً لأن المنة لا تكون إلا بالمباح.
ثانيها - ما روي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أتى السقاية عام حجة الوداع، فاستند إليها وقال: (اسقوني، فقال العباس: ألا أسقيك مما نبذ في بيوتنا؟ فقثال: ما تقي الناس، فجاءه بقدح من النبيذ، فشمه فقطب وجهه ورده فقال العباس: يَا رَسُولَ اللَّهِ أفسدت على أهل مكة شرابهم، فقال الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: ردوا علي القدح، فردوه عليه، فدعا بماء زمزم، وصب عليه وشرب، وقال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاقطعوا غلمتها بالماء) .

ووجه الاستدلال بهذا الحديث، أن التقطيب لا يكون إلا من التغير الشديد، ولأن المزج بالماء كان لقطع هذه الشدة، وشربه لها دليل حلها بالنص.
ثالثها - التمسك بآثار الصحابة رضوان اللَّه علهيم، وأن اسم الخمر المحرم شربه إنما هو من عصير العنب والتمر إذا غلي واشتد وقذف بالربد وهو محرم بالدليل القطعي بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، والتواتر وبحكم بفسق من استحل ما عدا خمر الشجرتين وتحريم سائر المسكرات بالسنة والقياس فقط.
والراجح من هذه الأقوال:
أن كل شراب يسكر كثيره، فشرب قليله حرام، ويسمى خمراً، وفي شربه الحد سواء أكان الشراب من عصير العنب، أو التمر، أو الزبيب، أو الحنطة، أو الشعير، أو التين، أو الذرة، أو الأرز، أو العسل، أو اللبن، أو غيرها، نيئاً كان أو مطبوخاً، وسواء أتعاطاه شراباً او غيره. وسواء جامده، أو مائعه، وسواء تناوله معتقداً تحريمه، أم إباحته. لضغف أدلة الإباحة. وذلك القول هو المعول عليه عند أكثر العلماء، خصوصاً في هذا الزمان الذي فسدت فيه النفوس - وضعف الوازع الديني وكثرت فيه أنواع المشروبات الروحية المسكرة وسموها بأسماء براقة. مثل "البيرة" ومثل "البوظة" "القات" ومثل "التنكة" ومثل "العرقي" وغير ذلك مما يستحله أهل هذا العصر وهو حرام لأن كثيره يسكر، وهو وخمرٍ، وصدق رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ حينما أخبر بما سيحدث في هذا الزمان حيث قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ كما روي عن أبي مالك الأشعري رضي اللَّه عنه أنه سمع الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يقول: (ليشربن أناس من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه) رواه الإمام أحمد، وابن ماجة، وقال: تشرب مكان تستحل.

وعن أبي أمامة رضي اللَّه عنه أنه قَالَ: (قال رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: لاتذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر، ويسمونها بغير اسمها) رواه ابن ماجة رحمه اللَّه تعالى.
وعن ابن محيريز عن رجل من أصحاب الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (يشرب ناس من أمتي الخمر، ويسمونها بغير أسمائها) رواه النسائي رحمه اللَّه تعالى.
فهذه الأحاديث وغيرها من الأدلة القاطعة بصدق نبوة الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه لأنه أخبر بما يحدث في المستقبل، وهو لا ينطق عن الهوى. وظهر ما أخبر عنه الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ من أنواع المشروبات في هذا الزمان.
حكم شرب العصير قبل أن يشتد
اختلف العلماء في حكم العصير. إذا مضى عليه ثلاثة أيام وهو نئ ولم يغلي ولم يشتد ويقذف بالزبد.
الحنفية، والمالكية، والشافعية - قالوا: إذا مضى على العصير لاثلاثة أيام أو أقل. ولم يغلي، ولم يشتد. ولم يقذف بالزبد، لا يصير خمراً، وحل شربه إنه في هذه الحالة يكون غير مسكر.

وحجتهم في ذلك ما روي عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: (كنا ننبذ لرَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في سقاء يوكى (يوكى: أي يشد بالوكاء، وهو الرباط) . وله عزلاء (وله عزلاء: بفتح العين المهملة وإسكان الراء: وهو الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربى) . ننبذه غدوة فيشربه عشياً، وننبذه عشياً فيشربه غدوة) رواه الإمام أحمد ومسلم، وأبو داود، والإمام الترمذي رحمهم اللَّه تعالى.

وما روي عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أنه قَالَ: (كان رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ينبذ له أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء، والغد، والليلة الأخرى، والغد إلى العصر، فإذا بقي شيء سقاه الخدم، أو أمر فصب) رواه الإمام أحمد، ومسلم رحمهم اللَّه تعالى.

وفي رواية (كان ينقع له الزبيب فيشربه اليوم والغد، وبعد الغد إلى مساء الثالثة، ثم يأمر به فسقى الخادم، أو يهراق) رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، ومعنى (فيسقى الخادم) محمول على أن النبيذ لم يكن في هذه الحالة قد بلغ إلى حد السكر، لأن الخادم لا يجوز أن يسقى الشراب الذي يسكره، كما لا يجوز له شربه، بل يجب إراقته، بعد عصر اليوم الثالث لأنه يتغير ويصير مسكراً، فيحرم شربه، ويكون نجساً فيراق. وأخرج ابن أبي شيبة، والنسائي من طريق سعيد بن المسيب والشعبين والنخعي، (اشربوا العصير ما لم يغلي) . وعن الحسن البصري رضي اللَّه تعالى عنه (اشربوا العصير ما لم يتغير) وهذا قول كثير من السلف: إن العصير يشرب مالم بيدو فيه التغير قبل مضي ثلاثة أيام، أما إذا ظهر فيه التغير فيحرم شربه، وعلامة ذلك أن يأخذ في الغليان، وهذا يختلف باختلاف نوع العصير، واختلاف الجو الذي يكون فيه، فإذا كان في منطقة حارة فإنه يتسرب إليه الفساد سريعاً، أما إذا كان في وقت الشتاء أو في منطقة باردة فإن الفساد لا يسرع إليه، فجواز شربه مقيد بعدم البدء بالغليان - أما إذا بدأ فيه الغليان فإنه يحرم.
الحنابلة - قالوا: إذا مضى على العصير ثلاثة أيام، يصير خمراً، ويحرم شربه ويجب إراقته، وإن لم يغل، ويشتد، ويقذف بالزبد. وذلك لنها إنما سميت خمراً لأنها تركت حتى اختمرت، أي تغير ريحها ولما روي عن ابي هُرَيْرَة رضي اللَّه تعالى عنه أنه قَالَ: (علمت أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ كان يصوم، فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء، ثم أتيته به، فإذا هو ينش، فقال: أضرب بهذا الحائط، فإن هذا الشراب من لا يؤمن باللَّه واليوم الأخر) رواه أبو داود، والنسائي رحمهما اللَّه تعالى.
وبما روي عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما أنه قَالَ في العصير: (اشربه ما لم يأخذه شيطانه، قيل: وفي كم يأخذه شيطانه؟ قَالَ: في ثلاث. حكاه أحمد وغيره. وأورد الشوكاني في نيل الأوطار وقوله (فتحينت فطره) أي انتظرته وقت فطره. وقوله (صنعته في دباء) أي في إناء قرع. وقوله (ينش) بفتح الياء وكسر النون، أي (غلي) يقال: نشت الخمر تنش نشيئاً إذا غلت. والحاصل أنه يجوز شرب الأنبذة ما دامت حلوة، ولم تأخذ في التغير، أما إذا اشتد النبيذ وأسرع إليه التغير في زمان الحر، حرم شربه، بإجماع الآراء
حكم العصير المغلي
الحنفية - قالوا: العصير إذا طبخ فذهب ثلثه، يسمى الطلاء، وإذا ذهب نصفه يسمى المنصف. وإن طبخ أدنى طبخ فالباذق - والكل حرام إذا غلي واشتد وقذف بالزبد، لأنه رقيق لذيذ، مطرب يجتمع الفساق عليه، فيحرم شربه دفعاً لما يتعلق به من الفساد، أما إذا طبخ حتى إذا ذهب ثلثاه فهو حلال وإن اشتد إذا قصد به التقوى. وإن قصد به التلهي فهو حرام وذلك لما أخرجه النسائي عن طريق عبد اللَّه بن يزيد الخطمي قَالَ: كتب عمر: اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان اثنين، ولكم واحد، وصحح هذا الحافظ في الفتح.
وأخرج الإمام مالك رحمه اللَّه في الموطأ من طريق محمود بن لبيد الأنصاري، أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض، وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب. فقال عمر: اشربوا العسل، قالوا ما يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن تجعل من هذا الشراب شيئاً لا يسكر؟ فقال: نعم، فطبخوا حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه إصعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط، فقال: هذا الطلاء مثل طلاء الإبل، فأمرهم عمر أن يشربوه، وقال: اللَّهم إني لا أحل لهم شيئاً حرمته عليهم، وورد من طريق سعيد بن المسيب، أن عمر أحل من الشراب ما يطبخ ثلثاه، ويبقى ثلثه.
قَالَ في الفتح: وقد وافق عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور، أبو موسى، وأبو الدرداء، أخرجه النسائي عنهما. والإمام علي كرم اللَّه وجهه، وأبو أمامة، وخالد بن الوليد، وغيرهم، أخرجه ابن أبي شيبة، وغيره.
ومن التابعين ابن المسيب، والحسن، وعكرمة، ومن الفقهاء، الثوري والليث.
المالكية والشافعية، والحنابلة - قالوا: العصير المطبوخ يمتنع شربه إذا صار مسكراً، قليلاً أو كثيراً سواء غلي أم لا، لأنه يجوز أن يبلغ حد الإسكار، بأن يغلي، ثم يسكن غليانه بعد ذلك. فشرط تناوله عندهم ما لم يسكر.
فقد أخرج الإمام مالك بإسناد صحيح (أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قَالَ: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شرب الطلاء، وإني سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر الحد تاماً) وفي السياق حذف، والتقدير، فسأل عنه فوجده يسكر فجلده وأخرج سعيد بن منصور عنه نحوه.

وفي هذا رد على من احتج بأن عمر بن الخطاب جوز شراب المطبوخ إذا ذهب منه ثلثاه ولو أسكر. وقال أبو الليث السمرقندي: شارب المطبوخ إذا كان يسكر أعظم ذنباً من شارب الخمر، لأن شارب الخمر يشربها وهو عالم أنه عاص بشربها، وشارب المطبوخ يشرب المسكر ويراه حلالاً. وقد قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام، وثبت قوله صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (كل مسكر حرام) ومن استحل ما هو حرام بالإجماع كفر.
الشافعية والمالكية والهادوية - قالوا: يحرم شرب كل مسكر سواء كان من عصير أو نبيذ، ولا يجوز تناوله مطلقاً وإن قل ولم يسكر إذا كان في ذلك الجنس صلاحية الإسكار.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #285  
قديم 16-10-2022, 05:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 12 الى صــــــــ
46

الحلقة (241)




النهي عن تخليل الخمر
الحنفية - قالوا: إن الخمر خل الخمر حلال سواء تخللت، أو خللت لقوله صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (نعم الادم الخل مطلقاً) وقوله صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (خير خلكم خل خمركم) ولأن التخليل يزيل الوصف المفسد ويثبت وصف الصلاحية، لأن فيه مصلحة قمع الصفراء والتغذي، ومصالح كثيرة، وإذا زال المفسد الموجب للحرمة حلت، كما إذا تخللت بنفسها، وإذا تخللت طهر الإناء أيضاً، لأن جميع ما فيه من أجزاء الخمر يتخلل، إلا ما كان منه خالياً عن الخل، فقيل يطهر تبعاً.
الشافعية - قالوا: إذا كان التخليل بالنقل من الشمس إلى الظل أو نحو ذلك فأصح وجه عندهم أنها تحل وتطهر.
المالكية - تروى عنهم ثلاث روايات أصحها أن التخليل حرام فلو خللها عصى وطهرت. وذلك لما روي عن أنس (أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ سئل عن الخمر يتخذ خلاً فقال: لا) رواه أحمد ومسلم وأبو داود رحمهما اللَّه وفيه دليل للجمهور على لأنه لا يجوز تخليل الخمر، ولا تطهر بالتخليل، وذلك بوضع شيء فيها.

حكم دردي الخمر
واختلف العلماء في حكم شرب (دردي) الخمر، وهو ما أسفل وعاء الخمر من عكر.
الشافعية - قالوا: يحرم شرب دردي الخمر، وإذا شرب يقام الحد عليه، وكذلك دردي باقي المسكرات ولا يحد بشربها إذا استهلكت فيه، وذلك بأكل خبز عجن دقيقه بها، لأن عين الخمر أكلتها النار، وبقي الخبز نجساً، ولا يحد بأكل معجون هي فيه، لاستهلاكها. ولا يأكل لحم طبخ بها، بخلاف مرقه إذا شربه، أو غمس فيه، أو صنع بها ثريداً فإنه يحد، لبقاء عينها، ولا يحد بحنقه بها، بأن أدخلها مع سائل في دبره.
ويحد بالسعوط، بأن أدخلها في أنفه، لأنه قد يطرب به، ولأنه يحصل الإفطار بهما للصائم أثناء صومه،
وقيل: لا يحد، إذا احتقن بها، أو أدخلها في أنفه، لأن الحد للزجر، ولا حاجة إليه هنا، فإن النفس لا يدعو إليه، وذكر البلقيني بأنه يحد في السعوط، دون الحقنة، لأنه قد يطرب منه، بخلاف الحقنة.
النفية - قالوا: يكره شرب دردي لاخمر، والامتشاط به، لأنه من أجزاء الخمر، ولا يحد شاربه، ما لم يسكره، لأنه ناقص، إذ الطباع السليمة تكرهه وتنبو عنه، وقليله لا يدعو إلى كثيره، فصار كغير الخمر، فلا يأخذ حكمه.
حكم بيع الخمر
اتفق العلماء على أن الخمر يكفر مستحلها لثبوت حرمتها بدليل قطعي، وإجماع الأمة على حرمتها، وتواتر الأدلة. وأنها نجسة نجاسة مغلظة لثبوتها بالدليل القطعي، ولا قيمة لها في حق لامسلم، فلا يجوز له بيعها ولا يضمن غاصبها، ولا متلفها، لأن ذلك دليل عزتها، وتحريمها دليل إهانتها. وقد روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (إن الذي حرم شربها، حرم بيعها، وأكل ثمنها) وكذلك يحرم الانتفاع بها لنجستها، ولأن في الانتفاع بها تقريبها واللَّه عز وجل يقول.. {فاجتنبوه} .
وأفتى علماء الإسلام بأنه لا يجوز تمكين غير المسلمين من بيع الخمور ظاهراً في أمصار المسلمين وبلادهم. لأن إظهار بيع الخمر إظهار للفسق، فيمنعون من ذلك، نعم لهم أن يبيعوا الخمر بعضهم لبعض سراً، كبيع لحم الخنزير، لأنها أموال معتبرة عندهم.

فائدة
يحد شارب الخمر، وإن لا يسكر منها حسماً لمادة الفساد، كما تقبيل الأجنبية والخلوة بها لإفصائه إلى الوطء المحرم. وللحديث الذي رواه الحاكم (من شرب الخمر فاجلدوه) ولم ينص على السكر وغيره. ولو فرض شخص لا يسكره الخمر، لأنه مدمن عليها، وقد تشرب دمه بها، حرم عليه شربها للنجاسة لا للإسكار، ويحد بشربها.
وإذا وجدت الخمر في دار إنسان، وعليها قوم جلسوا مجالس من يشربها. ولم يرهم أحد يشربونها، ولم تظهر رائحتها عليهم، ولم يقروا بشربها. عزرهم الإمام، لأنهم ارتكبوا أمراً محظوراً، وجلسوا مجلساً منكراً. أو وجدوا في يحملها، أو يحتفظ بها في داره عزر، لأنه ارتكب محظوراً.

من وجد ريح الخمر توجد منه
ومن شرب الخمر طواعية من غير إكراه. فأخذ وريحها موجودة، أو جاؤوا به إلى الحاكم وهو سكران من غير الخمر من النبيذ أو غيره من أنواع الأنبذة المعروفة، فشهد عليه شاهدان بالشراب، فإنه يقام عليه الحد. ولو أخذ وريحها توجد منه، فلما وصل إلى الحاكم انقطعت الرائحة لبعد المسافة يحد من غير خلاف أما إذا ذهب ريحها منه، وكانت المسافة قريبة فقد اختلف العلماء فيه.
الحنفية - قالوا: لا يقام عليه الحد، لأن الحد لا يقام إلا بشهادة الشهود مع وجود الرائحة.
أبو مُحَمَّد من الحنفية، والمالكية، والشافعية، وفي رواية عن الحنابلة - قالوا: يقام عليه الحد بالشهادة مع عدم وجود وجود الرائحة فلا يشترط وجود مع البينة، أو الإقرار، حيث أنه لا حاجة إليها. ومن وجد منه ريح الخمر، ولم يقر، ولم تقم عليه الشهادة اختلف فيه.
الحنفية، والشافعية، وجمهور أهل العراق، وعلماء لابصرة - قالوا: لا يثبت الحد عليه بالرائحة، لأن جناية الشرب لم تثبت، حيث أن رائحة الخمر تلتبس بغيرها، فلا يناط شيء من الأحكام بوجودها، ولا بذهابها، وهي شبهة تدرأ الحد.
المالكية، والحنابلة، وجمهور أهل الحجاز - قالوا: يجب إقامة الحد بوجود الرائحة، إذا شهد بها عند الحاكم شاهدان عدلان. تشبيهاً لها بالشهادة على الخط، والصوت، لأن الرائحة من أقوى الدلائل على ثبوتها، وهي ل تلتبس على ذوي المعرفة، ويدل عليه ما في الصحيحين. عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه (أنه قرأ سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال عبد اللَّه: واللَّه لقد قرأتها على رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فقال: أحسنت، فبينا هو يكلمه، إذ وجد منه رائحة الخمر فقال: أتشرب الخمر، وتكتب بالكتاب؟ فضربه الحد - وهذا يدل على أن ابن مسعود إنما أقام عليه الحد لوجود رائحة الخمر منه. ولم تقم الشهادة، ولم يقر بالشرب) .
وأخرج الدارقطني بسند صحيح عن السائب بن يزيد، عن عمر بن الخطاب (أنه ضرب رجلاً وجد منه رائحة شراب) .
الإقرار بالشرب
ومن أقر بشرب الخمر، ولم يوجد منه رائحة الخمر، فقد اختلفوا فيه.
المالكية، والشافعية، والحنابلة، والإمام مُحَمَّد من الحنفية - قالوا: يقام الحد عليه بلإقراره، لأن الإنسان لا يتهم على نفسه في التقادم، ولأن التقادم في الإقرار بحد الزنا لا يبطله بالإتفاق.
الحنفية - قالوا: لا يقام الحد على المقر بالشرب لإلا عند وجود الرائحة وقت لإقراره. لأن حد الشرب ثابت بإجماع الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود وقد شرط قيام الرائحة في لإقامة الحد، وهو ما روي عن أبي ماجد الحنفي قال: جاء رجل بابن أخ له سكران إلى عبد اللَّه بن مسعود فقال عبد اللَّه بن مسعود: ثرثروه، ومزمزوه، واستنكهوه. ففعلوا، فرده إلى السجن، ثم عاد به من الغد، ودعا بسوط، ثم أمر به فدقت ثمرته بين حجرين، حتى صارت درة، ثم قَالَ للجلاد: اجلد ورجع يدك، واعط كل عضو حقه، فالحديث يفيد أنه أقام عليه الحد بظهور رائحة الخمر منه، بالثرثرة، والمزمزة - والثرثرة هي التحريك، والمزمزة - هي التحريك بعنف وأن ما فعله لأجل ظهور الرائحة منه. لأن التحريك يظهرها من المعدة حيث كانت خفيفة ثم تظهر، وهو مذهبه، فلم يقبل قيام الحد عليه بالشهادة، إلا إذا كان معها الرائحة، لأجل زوال الشبهة.
متى يقام الحد على السكران
اتفق الأئمة على أنه لا يقام الحد على السكران حتى يزول عنه السكر، ويصحو منه حتى يتألم من الضرب - ويحصل الإنزجار، والردع له. لأن غيبوبة العقل، وغلبة الطرب تخفف الألم عن السكران.
إقرار السكران
-اتفق الأئمة: على أنه لا يقام الحد على السكران بإقراره على نفسه وهو في حالة الذهول والسكر، بالحدود الخالصة للَّه تعالى - كحد الزنا، والشرب، والسرقة، إذا اعترف بها وهو سكران، إلا أنه يضمن قيمة المسروق الذي أقر به. لأنه حق العبد فيثبت عليه.
وقيد بالإقرار، لأنه لو زنا وهو سكران، وقامت عليه البينة بالشهود، فإنه يقان عليه حد الزنا وذلك بعد أن يفيق من السكر.
وإذا سرق وهو سكران وقامت عليه البينة يقام عليه احد، وتقطع يده بعد الصحو من السكر، وإنما لا يصح إقراره في حقوق اللَّه تعالى لأنع يصح رجوعه عنه، ومن المعلوم أن السكران لا يثبت على شيء، ولا يستمر على حال.

قَالَ العلماء: إن السكران إذا أقر بحق من حقوق العباد فإنه يقتص منه عقوبة له، لأنه أدخل الآفة على نفسه، فإذا أقر بقذف رجل أو امرأة من المسلمين، وهو سكران يحبس حتى يصحو، فيحد حد القذف، ثم يحبس حتى يخف عنه ألم الضرب، فيحد مرة ثانية حد شرب الخمر.
وذكر العلماء: أنه يؤاخذ بلإقراره بسبب القصاص، والديات، وسائر لاحقوق من المال، والطلاق، والعتاق وغيرها.

ولكن لا يرتد السكران، ولا تبين منه زوجته، لأن الكفر باب الاعتقاد أو الاستخفاف وباعتبار الاستخفاف حكم بكفر الهازل، مع عدم اعتقاده لما يقوله، ولا اعتقاد للسكران، ولا استخفاف منه لعدم الإدراك. وهما فرع قيام الإدراك، ولذا لا يحكم العلماء بكفر السكران بتكلمه، حيث أنه رفع القلم عنه.
حكم من تكرر منه الشرب
روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه) .
إلى أن قَالَ: (فإن عاد الرابعة فاقتلوه) أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي من حديث معاوية.

وأخرج النسائي في سننه الكبرى عن مُحَمَّد بن إسحاق عن مُحَمَّد بن المنكدر مرفوعاً من شرب الخمر فاجلدوه إلخ إلخ قَالَ: ثم أتي الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ برجل قد شرب الخمر في الرابعة فجلده، ولم يقتله، فإنهم قالوا إن القتل قد نسخ وزاد في لفظ فرأ المسلمون أن الحد قد وضع، وأن القتل قد ارتفع.

وعن معاوية عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ في شارب الخمر (إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب الثالثة فاجلدوه، ثم إذا شرب الرابعة فاضربوا عنقه، أخرجه أحمد وهذا لفظه - والأربعة رحمهم اللَّه.

واختلفت الروايات في قتل شارب الخمر، هل يقتل إن شرب المرة الرابعة، أو يقتل بعد شرب الخامسة؟. أخرج أبو داود من رواية أبان القصار، وذكر الجلد ثلاث مرات بعد الأولى، ثم قَالَ: (فإن شربوا فاقتلوهم) وأخرج من حديث ابن عمر من رواية نافع عنه أنه قَالَ: وأحسبه قَالَ في الخامسة (فإن شربها فاقتلوه) وإلى قتله فيها ذهب الظاهرية، واستمر عليه ابن حزم، واحتج له بأحايث ورادة عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وادعى عدم الإجماع على نسخه.

ولكن حمهور العلماء على أن حكم قتل الشارب بعد الرابعة منسوخ بعد أن أمر به الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في بعض أحاديث عنه. ولكن لم يفعله رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ مرة واحدة طول حياته. وكذلك لم يفعله أحد من الصحابة رضوان اللَّه عليهم وهذا يدل على نسخه بالإجماع. فقد أخرج الإمام الترمذي من رواية الزهري عن قبيصة بن ذؤيب قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (من شرب الخمر فاجلدوه - إلى أن قَالَ: ثم إذا شرب في الرابعة. قَالَ: فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به قد شرب فجلده، ثم أتي به شرب فجلده، ثم أتي به الرابعة فجلده، فرفع القتل عن الناس، فكانت رخصة) أي أن فعل الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ من جلد الشارب بعد الرابعة رخصة من الشارع في رفع القتل عنه، ونسخ الحكم الذي سبق أن ذكره ولم ينفذه.
وقال الإمام الشافعي: هذا (يريد نسخ القتل) مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم، ومثله قَالَ الترمذي وقال جابر بن عبد اللَّه: فرأى المسلمون أن الحد قد وضع، وأن القتل قد ارتفع، واللَّه تعالى أعلم.
قَالَ ابن رسلان: أجمع المسلمون على وجوب الحد على شاربها سواء شرب قليلاً أو كثيراً ولو قطرة واحدة، قَالَ: وأجمعوا على أنه لا يقتل شاربها وإن تكرر.
كيفية إقامة الحد
قَالَ العلماء: حد الشرب أخف من حد الزنا، لأن حد الزنا ثابت بالقرآن الكريم، وحد الشرب ثايت بالسنة. ولأن حد الزنا فيه اعتداء على الغير، وحد الشرب الشرب فيه اعتداء على نفسه، وجناية الزنا أفحش وأكبر خطراً من الشرب وحد الشرب أشد من حد القذف. لأن جريمة الشرب متيقن منها، بلا خلاف جريمة القذف لفإنها تحتمل الصدق والكذب واختلفوا في تجريده من ثيابه عند إقامة الحد عليه.

الأئمة الأربعة - قالوا: يجرد من جميع ثيابه عند إقامة حد الشرب عليه، إلا إزار يستر عورته، كسائر الحدود، لتحقق جريمته، حتى يشعر بالألم، ويحصل اتلمقصود من إقامة الحد وهو الزجر عن إرتكاب مثلها.
الإمام مُحَمَّد بن الحسن - قَالَ: يقام عليه حد الشرب وعليه ثيابه مثل حد القذف، ولا ينزع منه إلا الفرو والحشو، والجلد، وذلك لأن حد الشرب، حد القذف، كما قَالَ الإمام علي كرم اللَّه وجهه. إذا شرب هذا وإذا هذا افترى، وحد المفترين في كتاب اللَّه تعالى ثمانون جلدة.
ما جاء في ضرب شارب الخمر
الشافعية - قالوا: يتعين الضرب بالجريد، أو النعال، أو أطراف الثياب، ويجوز الجمع بين الجريد والنعال. ويجوز أن يضرب بالجريد والنعال، والثياب، والأيدي، ويجوز الضرب بالسوط أيضاً، وذلك لما روي أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين، متفق عليه. - وعن عقبة بن الحارث رضي اللَّه عنه أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أتى بنعيمان، أو بابن نعيمان وهو سكران، فشق عليه، وأمر من في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد والنعال وكنت ممن ضربه رواه البخاري.
وروي عن السائب بن يزيد قَال: (كنا نؤتى بالشارب في عهد رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وفي أمرتي أبي بكر وصدراً من امرتي عمر، فنقوم إليه، نضربه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان صدراً من امرة عمر فجلد فيها أربعين حتى عتو فيها وتشفوا، جلد ثمانين) رواه أحمد والبخاري واللفظ له.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أتي رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ برجل قد شرب فقال أبو هريرة: منا الضارب بيده، والضارب بعله، الضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: اخزاك الله. قال: لا تقول كذلك، لا تعينوا عليه الشيطان، رواه الإمام أحمد والبخاري، وأبو داود.
والمراد بالجريد سعف النخل، والمراد من الضرب بأطراف الثياب، إنما هى بعد أن نفتل حتى تؤلم المضروب.
الحنفية والمالكية - قالوا: وان كانت السنة الضرب بالثياب، والنعال، والجريد، لكن الأفضل الضرب بالسوط. لفعل الصحابة رضوان الله عليهم من غير نكير، والسوط يأتى بالمقصود من الحد وهو الزجر.
وقال بعض التأخرين: انه يتعين الضرب بالسوط للمتمردين، وأطراف الثياب، والنعال للضعفاء، ومن عداهم بحسب مايليق بهم.
قَالَ ابن الصلاح: السوط هو المتخذ من المتخذ من جلود سيور تلوى وتلف، سمي بذلك لأنه يسوط اللحم بالدم، أي يخلطه.
واختلفوا في حد الشرب.

الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وأحد قولي الشافعية - قالوا: إنه يجب الحد على السكران ثمانين جلدة.

قالوا: لقيام الإجماع عليه من الصحابة رضوان اللَّه عليهم من غير نكير حين شاورهم سيدنا عمر بن الخطاب في حد الشرب.
فقد أخرج أبو داود، والنسائي (أن خالد بن الوليد كتب إلى عمر: ان الناس قد انهمكوا في الخمر، وتحاقروا العقوبة. قَالَ: وعنده المهاجرون والأنصار، فسألهم فأجمعوا على أن يضرب ثمانين) .

الشافعية في المشهور عنهم - قالوا: إن حد الشرب أربعون، لأنه الذي روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فعله، ولأنه الذي استقر عليه الأمر في خلافة أبي بكر رضي اللَّه عنه، ومن تتبع ما في الأحاديث الواردة، واختلاف رواياتها علم أن الأحوط الأربعين سوطاً، ولا يزاد عليه. وأما ما فعله سيدنا عمر من الزيادة إلى الثمانين فهو من باب التعزير لا من الحد. فالحد أربعون، وله أن يعزره إلى ثمانين سوطاً.
ويتولى الضرب الرجال، لأن الجلد من شأن المرأة، والخنثى من المرأة. وإن كان المضروب من ذوي الهيئات يستحب ضربه في الخلوات حتى لا يفضحه، وإن كان من عامة الناس ضرب في الملأ، ولا يحد في المساجد لما روي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (لا تقام الحدود في المساجد) رواه الترمذي، والحاكم، وأخرجه ابن ماجة، لاحتمال أن يتلوث المسجد من دمه، أو من نجاسة تخرج منه، ويوالي الضرب عليه بحيث يحصل زجر، وخوف وتنكيل، ولا يجوز أن يفرق الضرب في موضع واحد، لما روي البيهقي عن علي كرم اللَّه وجهه أنه قَالَ للجلاد: أعط كل عضو حقه، واتق الوجه والمذاكير.
الشافعية - قالوا: إن تفريق الضرب على الأعضاء واجب، لأن الضرب على موضع واحد يؤلمه، وبالموالاة، قد يؤد إلى الهلاك.
ويتقي المواضع التي يسرع اليها بلضرب كالقلب وثغرة النحر، والفرج ولا يضرب الوجه لقول رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) ولأنه مجمع المحاسن، فيعظم أثر شينه، ولا يضرب الرأس، لشوفه كالوجه، وقال بعضهم يجوز أن يضرب الرأس، لما روي ابن شيبة عن أبي بكر رضي اللَّه عنه أنه قَالَ للجلاد: اضرب الرأس، فإن الشيطان في الرأس، ولا يجوز شديد المضروب، بل تترك مطلقة يتقي بها الضرب. ولا يربط ولا يمد ويجلد الرجل قائماً، والمرأة تشد عليها ثيابها، ولا تجرد إلا من الفرو والحشو، وتضرب جالسة ستراً لها.
شرب الخمر عند الضرورة
الحنفية - قالوا: يجوز عند غصة الطعام، أو عند شدة العطش بقدر ما يقع به الي، إذا لم يجد غيرها. ولا يصح التداوي بها، لأن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ نهى عن التداوي بها فقال: (أنها ليست بدواء، ولكنها داء) وقال صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن اللَّه لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) .

أما شرب الخمر لشدة العطش لعدم وجود الماء، أو لزوال شرق الطعام، ففيه بقاء الروح وهو واجب على المسلم، فمن خاف على نفسه الهلاك من العطش، بأن كان في صحراء قاحلة، أو على ظهر سفينة في البحار والمحيطات المالحة، ولم يجد ما ينقذ به حياته إلا الخمر، فيجوز له أن يشرب منها ما يأمن به من الموت، لأن اللَّه تعالى أباح للمضطر أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، والخمر مثهلا في التحريم، فتكون مثلها في الإباحة عند الاضطرار، فإذا أمن على نفسه، زالت الضرورة، وهو خوف الهلاك، عاد التحريم لما روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن اللَّه أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام) رواه أحمد ومسلم.
المالكية، والشافعية في إحدى رواياتهم، والحنايلة - قالوا: يجب شرب الخمر لزوال هلاك النفس في حالة شرق الطعام، ويجوز التداوي به إذا لم يوجد غيره للمريض، بشرط إخبار طبيب مسلم عدل موثوق بقوله أو معرفته للتداوي به، كالتداوي بنجس كلحم ميتة، أو بول آدمي.
الشافعية في رواية أخرى - قالوا: الأصح تحريم تناول الخمر لمكلف - لدواء، أو عطش، أما تحريم الدواء بها، فلأنه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لما شئل عن التداوي بها قَالَ: (إنه ليس بدواء ولكنه داء) والمعنى أن اللَّه تعالى قد سلب الخمر منافعها عندما خرمها، فقد روي أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن اللَّه لما حرم الخمرة سلبها المنافع) ولأن تحريمها مقطوع به، وحصول الشفاء بها مظنون، فلا يقوى على إزالة المقطوع به، وذلك إذا لم ينته الأمر به إلى الهلاك. أما إذا وصل الأمر إلى الهلاك فيجوز. وأما تحريمها للعطش عند الضرورة، فلأنها لا تزيله، بل تزيده، لأن طبعها حار يابس، كما قَالَ أهل الطب ولهذا يحرص شارب الخمر على الماء البارد، وقيل: يجوز التداوي بها دون شربها، وشربها لدفع الجوع كشربها لدفع العطش، ومثله من تأثر من البرد وكاد يهلك، ولم يجد ما يدفع به الهلاك سوى جرعة أو كوب من خمر، وكذلك من أصابته نوبة ألم في قلبه كادت تقضي على عليه وقد علم أنه لا يدفع عنه الخطر سوى شرب مقدار من الخمر.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #286  
قديم 16-10-2022, 05:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 12 الى صــــــــ
46

الحلقة (242)




يكره لعن شارب الخمر
روى البخاري رحمه اللَّه تعالى في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: أن رجلاً على عهد رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ كان اسمه عبد اللَّه، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وكان الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً، فأقر به فجلد، فقال رجل من القوم، اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (لا تلعنوه، فواللَّه ما علمت إلا أنه يحب اللَّه ورسوله) . وفي رواية (ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه) . فقد نهى الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن لعنة من أقر بالشرب، وأقيم عليه الحد حيث أن الحد قد طهره من عقوبة الذنب، فنهى عن ذلك خشية أن يوقع الشيطان في قلب العاصي، أن من لعن في حضرته صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ولم ينهه، فقد أقره على ذلك، فيحصل له تأثير نفسي.
وقد ذكر العلماء أنه لا ينبغي تعيير أهل المعاصي، ومواجهتهم باللعن، وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من فعل فعلهم، ويكون ذلك رادعاً، وزاجراً عن ارتكاب شيء منها، وحتى يفتح أمام المذنب باب التوبة، والقبول، فإن من قبل اللَّه توبته يكتبها له طاعة من الطاعات، ويجعلها محاءة للذنوب.
وقد روي أن سيدنا عمر رضي اللَّه تعالى عنه افتقد رجلاً ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له: تتابع في هذا الشراب - أي شرب الخمر - فقال سيدنا عمر عمر لكاتبه: اكتب من عمر إلى فلان، سلام عليك، وأنا أحمد اليك اللَّه الذي لا إله إلا هو، بسم اللَّه الرحمن الرحيم: {حم تنزيل الكتاب من اللَّه العزيز العليم، غفر الذنب قابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير} ثم ختم الكتاب، وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحياً، ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول: قد وعدني اللَّه أن يغفر لي، وحذرني عقابه، فلم يبرح يؤددها حتى بكى، ثم نزع فأحسن النزوع، وحسنت توبته، فلما بلغ سيدنا عمر أمره قَالَ: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم قد زل زلة فسددوه، ووقفوه، وادعوا اللَّه أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشياطين عليه.
ولا شك أن هذه سياسة حكيمة من سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين في معالجة المنحرفين والمرتكبين.
الخمر ملعونة
إن الخمر ملعونة على لسان رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، بل لعن كل من له صلة بالخمر من قريب أو بعيد. ومعنى اللعن - هو الطرد من رحمة اللَّه تعالى، والحرمان من رضوانه عز وجل، وذلك نهاية الشقاوة والحرمان، فقد روى ابن ماجة، والترمذي، عن ـنس بن مالك رضي اللَّه عنه قَالَ: (لعن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وأكل ثمنها، والمشتري لها، والمشترى له) وقال صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (أتاني جبريل فقال: يا مُحَمَّد إن اللَّه لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها) وهو عن ابن عباس رواه أحمد بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم وروى أبو داود وابن ماجة عن عمر حديثاً بمعناه وليس فيه ذكر جبريل.

والعلماء يقولون: إن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ وإن كان قد نهى عن لعنة المسلم الذي أقر بالشرب، وأقام عليه الحد. إلا أنه أجاز أن يلعن الناس المدمن للخمر الذي لا يتوب منها، بل يداوم عليها سواء لعن في الجملة مع غيره، أو لعن بالتعين، لأنه مستهتر ماجن، فأجازوا لعنه عسى أن يزجر، ويلوم نفسه، ويرجع عن غيه، ويتوب عن ذنبه. ويقلع عن تعاطي الخمر مخافة ملامة الناس. أما غير المدمن فلا يجوز لعنه، وتعييره. إذا أقيم عليه الحد لأنه كفارة له.

حكم شرب البيرة والحشيش والمخدرات
لقد زعم بعض الفساق أن البيرة حلال شربها، لأنها من ماء الشعير، وكذلك نقيع البلح "العرق" وخمير خبز الشعير "البوظة" ونبات "القات" و"الحشيش" و "الفتكة" ... زعموا أن هذه المشروبات وغيرها من المخدرات حلال شربه، بحجة أن هذه المشروبات لم تكن في عصر رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، ولم يرد نص في تحريمها.
وقد اجتمعت كلمة العلماء على تحريم هذه المشروبات وغيرها من المخدرات المحدثة مثل الحشيش والأفيون وغيرهما.
وقد صدرت فتوى من فضيلة الأستاذ الأكبر مفتي الديار المصرية، نشرت في مجة الأزهر في عدد شعبان سنة 1360 هـ، نلخصها هنما لعموم الفائدة حتى ينتفع بها الجميع ويقتنع بها من في قلبه شك أو ريب في حرمتها، فنقول: إنه لا يشك شاك، ولا يرتاب مرتاب في أن تعاطي هذه المواد حرام، لأنها تؤدي إلى مضار جسيمة ومفاسد كثيرة، فهي تفسد العقل، وتفتك بالبدن، إلى غير ذلك من المضار والمفاسد الخطيرة. فلا يمكن أن تأذن الشريعة بتعاطيها مع تحريمها لما هو أقل منها مفسدة، وأخف ضرراً، ولذك قَالَ بعض علماء الحنفية: (إن من قَالَ بحل الحشيش زنديق مبتدع) . وهذا منه دلالة على ظهور حرمتها، ووضوحها، وأنه لما كان الكثير من المواد يخامر العقل ويعطيه، ويحدث من الطرب واللذة وعند متناوليها ما يدعوهم إلى تعاطيها والمداومة عليها، كان داخلة فيما حرمه اللَّه تعالى في كتابه العزيز، وعلى لسان رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، من الخمر، والسكر.
قَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (السياسة الشرعية) ما خلاصته: إن الحشيشة حرام يحد متناولها، كما يحد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر، من جهة أنها تفسد العقل، والمزاج، حتى يصير في الرجل تخنث، ودياثة، وغير ذلك من الفساد، وأنها تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر، المسكر لفظاً أو معنى _ قال ابو موسى الأشعري رضي الله عنه: يارسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن: البتع وهو العسل ينبذ حتى يشتد، والمزر، وهومن الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال: (كل مسكر حرام) رواه البخاري، ومسلم.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن من الحنطة خمراً، ومن الزبيب خمراً، ومن التمر خمراً، ومن العسل خمراً، وأنا أنهي عن كل مسكر) رواه أبو داود وغيره. وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) وفي رواية (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) رواهما مسلم.

وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام) قَالَ الترمذي: حديث حسن - والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلاً، ومعناه ما أسكر كثيره فقليله حرام.

وروى أهل السنن عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ من وجوه أنه قَالَ: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وصححه الحفاظ، وعن جابر رضي اللَّه تعالى عنه (أن رجلاً سأل الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة - يقال له: أمسكر هو؟ قَالَ: نعم، فقال كل مسكر حرام، إن على اللَّه عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال: قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ما طينة الخبال؟ قَالَ: عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار) رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (كل مخمر، وكل مسكر حرام) رواه أبو داود.
والمخمر ما يغطي العقل، والأحاديث في هذا الباب كثيرة مستفيضة. جمع رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بما أوتيه من جوامع الكلم كل ما غطى العقل، وأسكر، ولم يفرق بين نوع، ونوع، ولا عبرة لكونه قد تذاب بالماء وتشرب. فالخمر يشرب ويؤكل، والحشيشة تؤكل، وتشرب، وكل ذلك حرام، وحدوثها بعد عصر الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، والأئمة لم يمنع من دخولها في عموم كلام رَسُول اللَّهِ عن المسكر، فقد حدثت أشربة مسكرة، بعد الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وكلها داخلة في الكلم الجوامع من الكتاب، والسنة.
وقد تكلم الإمام ابن تيمية رحمه اللَّه عن الحشيشة غير مرة في فتاوة فقال ما خلاصته: (هذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها، الموجبة لسخط اللَّه تعالى وسخط رسوله، وسخط عباده المؤمنين، المعرضة صاحبها لعقوبة اللَّه، تشتمل على ضرر في دين المرء، وخلقه، وطبعه، وتفسد الأمزجة حتى جعلت خلفاً كثيراً مجانين، وتورث من مهانة آكلها، ودناوة نفسه، وغير ذلك ما لا تورث الخمر، ففيها من المفاسد، ما ليس في الخمر، فهي بالتحريم أولى، وقد أجمع المسلمون على أن السكر منها حرام، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال، فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل مرتداً، لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن القليل منها حرام أيضاً، بالنصوص الدالة على تحريم الخمر، وتحريم كل مسكر) وقد تبعه تلميذه الإمام المحقق ابن القيم رحمه اللَّه فقال في كتابه (زاد المعاد) ما خلاصته:

(إن الخمر يدخل فيها كل مسكر، مائعاً كان، أو جامداً، عصيراً، أو مطبوخاً، فيدخل فيها لقمة الفسق والفجور - ويعني بها الحشيشة - لأن هذا كله خمر بنص رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ الصريح، الذي لا مطعن في سنده، ولا إجمال في متنه. إذ صح عنه قوله: (كل مسكر خمر) وصح عن أصحابه رضي اللَّه عنهم الذين هم أعلم الأمة بخطابه، ومراده، بأن الخمر ما خامر العقل، على أنه لو لم يتناول لفظه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (كل مسكر) لكان القياس الصحيح الصريح، الذي استولى فيه الأصل والفرع من كل وجه، حاكماً بالستوية بين أنواع المسكر، فالتفرقة بين نوع ونوع تفريق بين متماثلين من جميع الوجوه) .

وقال صاحب (سبل السلام شرح بلوغ المرام) : (إنه يحرم ما أسكر من أي شيء، وإن لم يكن مشروباً كالحشيشة) .
ونقل عن الحافظ ابن حجر (أن من قَالَ: إن الحشيشة لا تسكر، وإنما هي مخدر، سكاير، فإنها تحدث ما تحدثه الخمر من الطرب والنشوة) ....
ونقل عن ابن البيطار من الأطباء: (إن الحشيشة التي توجد في مصر مسكرة جداً، إذا تناول الإنسان منها قدر درهم، أو درهمين) .
وقبائح خصالها كثيرة، وقد عد منها بعض العلماء مائة وعشرين مضرة دينية، ودنيوية، وقبائح خصالها موجودة في الأفيون، وفيه زيادة مضار.
وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهما من العلماء هو الحق الذي يسوق إليه الدليل وتطمئن به النفس، وإذ قد تبين أن النصوص من الكتاب والسنة تتناول الحشيش، فهي تتناول أيضاً الأفيون الذي بين العلماء أنه أكثر ضرراً، ويترتب عليه من المفاسد، ما يزيد على مفاسد الحشيش. وتتناول أيضاً ساءر المخدرات التي حدثت، ولم تكن معروفة من قيل، إذ هي كالخمر من العنب مثلاً في أنها تخامر العقل، وتغطيه، وفيها ما في هذه الخمر، من مفاسد، ومضار، وتزيد عليها بمفاسد أخرى، كما في الحشيش، بل أفظع، وأعظم، كما هو مشاهد ومعلوم ضرورته، ولا يمكن أن تبيح الشريعة الإسلامية شيئاً من المخدرات.
ومن قَالَ بحل شيء منها فهو من الذي يفترون على اللَّه الكذب، أو يقولون على اللَّه ما لا يعلمون. وقد سبق أن قلنا أن بعض علماء الحنفية قَالَ: (إن من قَالَ بحل الحشيشة زنديق مبتدع) وإذا كان من يقول بحل الحشيشة زنديقاً مبتدعاً. فالقائل بحل شيء نت هذه المخدرات الحادثة التي هي أكثر ضرراً، وأكبر فساداً، زنديق مبتدع أيضاً. بل أولى بأن يكون كذلك.
وكيف تبيح الشريعة الإسلامية شيئاً من هذه المخدرات التي يلحق ضررها البليغ بالأمة أفراداً وجماعات، مادياً، وصحياً، وأدبياً، حيث أن مبنى الشريعة الإسلامية على جلب المصالح الخاصة أو الراجحة، وعلى درء المفاسد، والمضار كذلك؟ وكيف يحرم اللَّه سبحانه وتعالى العليم الحكيم الخمر من العنب مثلاً كثيرها وقليلها. لما فيها من المفسدة، ولأن قليلها داع إلى كثيرها، وذريعة إليه ويبيح من المخدرات ما فيه هذه المفسدة، ويزيد عليها، بما هو أعظم منها، وأكثر ضرراً للبدن والعقل، والدين، والخلق، والمزاج؟. هذا الحكم لا يقوله إلا رجل جاهل بالدين الإسلامي، أو زنديق مبتدع كما سبق القول به. فتعاطي هذه المخدرات على أي وجه من وجوه تعاطي من أكل، أو شرب، أو شم، أو احتقان حرام، بإجماع الأمة. اه.
إن أعداء الإسلام يروجون الحشيش وغيره من المخدرات بقصد إضعاف شباب الأمة الإسلامية وضياع مالها، ورجولتها، وقتل شهامتها، وإفساد عقول رجالها، حتى تستمر في التأخر عن مصاف الأمم المتقدمة، ويتغلب عليها الأجانب، ويقهرها الأعداء، ويستعمرون بلادهم. كما تفعل إسرائيل من ترويج الحشيش والأفيون بين البلاد العربية بقصد هلاكها.
وقد أكثر من الكلام في هذا الموضوع لما سئلت كثيراً عن حكم الحشيش والبيرة،والويسكي، والفنكي، وغيرها، ولما رأيت من انتشار هذه المخدرات بين كثير من الأوساط التي جرّت عليهم ضياع الصحة، وفساد الأسرة، وتبدد الثروة. ولما تبذله الحكومة من مجهود جبار في محاربة المهربين، والحشاشين، ولو أن هذه الأمور الطائلة التي تنفقها الحكومة في هذا الصدد، صرفت في مشاريع خيرية، ومصانع وشركات، لعادت على الأمة بالخير الكثير، والفائدة العظمى. ولو أن الناس فهموا هذا الحكم الشرعي ووعوده، وعملوا به، وأعرضوا عن تعاطي هذه المخدرات، وتلك المسكرات، لحفظنا على الأمة شبابها، وقوتها، وعزمها، وكرامتها، وحريتها، واستقلالها، ولوأنصفت الحكومات الإسلامية لأصدرت تشريعاً مشدداً، وحكماً رادعاً قاسياً حتى يردع كثيراً من الذي يتعاطون هذه المهلكات، ويفسدون عقولهم وأجسامهم، وأموالهم، ولو أدى ذلك إلى إصدار حكم الإعدام على المهربين، وكبار المشتغلين بتجارته.
حكم الاتجار بالمخدرات
لقد اشتغل بعض المسلمين بتجارة المخدرات من الخمور، والحشيش والأفيون، والكوكايين، لما تدر عليهم تجارة هذه الأشياء من الربح الطائل، من أسهل الطرق ويصلون إلى الغنى الفاحش في أقرب وقت. مع أن الشريعة الإسلامية تحرم هذه الأرباح، وتعتبر أن عيشة أصحابها من الحرام.
وقد ورد عن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أحاديث كثيرة في تحريم بيع الخمور. منها ماروى البخاري ومسلم وعن جابر رضي اللَّه عنه أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن اللَّه حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام) .
ووردت عنه أحاديث كثيرة تفيد أن ما حرم اللَّه الإنتفاع به، يحرم بيعه وأكل ثمنه، فيتناول التحريم بيع هذه المخدرات، لما يترتب على ترويجها من المفاسد، والمضار بين أفراد الأمة. فهو كالمتسبب في هلاكها، ودمارها، بل إنه يقتل الأنفس، ويضيع الأموال، فهي وإن كانت تجارة في ظاهرها كما يظن بعض الناس، لكنها تجارة بأرواح الناس، وفساد الشباب، وضياع الأخلاق، وهلاك الأمة.
فلا شك في حرمة الإتجار بها، ولإنها تعين على معصية. واللَّه تعالى قد نهانا عن التعاون على الإثم والعدوان. فقال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} فالتجارة في هذه الأشياء لا شبهة في حرمتها لدلالة القآن الكريم على تحريمها، وبهذا قَالَ جمهور العلماء: أن هذه المخدرات لا قيمة لها في حق المسلم فلا يجوز بيعها، ولا يضمن غاصبها، ولا متلفها، لأن ذلك دليل على عزتها، وتحريمها دليل إهانتها. وقد روي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (إن الذي حرم شربها، حرم بيعها وأكل ثمنها) .
حرمة زراعة الحشيش
اتفق الأئمة على تحريم زراعة الحشيش، والخشخاش، لإستخراج المادة المخدرة منها لتعاطيها أو الإتجار فيها، وحرمة زراعتهما من وجوه:

أولاً: ماروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (إن من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمراً فقد تقحم النار) فهذا دليل على حرمة زراعتهما بطريق دلالة النص.
ثانياً: إن زراعتها لهذا الغرض رضاً من الزارع تعاطي الناس لها، وإتجارهم فيها والرضا بالمعصية معصية، وذلك لأن إنكار امنكر بالقلب، الذي هو عبارة عن كراهية القلب وبغضه المنكر، فرض على كل مسلم في كل حال.

بل ورد في صحيح مسلم عن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (أن من لم ينكر المنكر بقلبه - بالمعنى الذي بينا - ليس عنده من الإيمان حبة خردل) وفيه مخالفة لولي الأمر الذي نهى عنها بالقوانبن التي وضعت لذلك، وفيه مخالفة لولي الامر الذي نها عنها بالقوانين التي وضعت لذلك، لوجوب طاعة ولي الامر فيما ليس لمعصية لله ولرسوله بإجماع المسلمين.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #287  
قديم 16-10-2022, 05:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 12 الى صــــــــ
46

الحلقة (243)





حرمة الربح والناتج من هذه التجارة
لقد علم أن بيع هذه المخدرات حرام، فيكون الثمن الناتج من هذه التجارة حراماً، لقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} أي لا يؤخذ ولا يتبادل ببعضكم مال بعض بالباطل، وذلك من وجهين:

الأول: أخذه على وجه الظلم، والسلب، والسرقة، والنهب، والخيانة، والتدليس وما جرى مجرى ذلك.
الثاني: أخذه من وجهة محظورة، كأخذه بالعب القمار، أو بطريق غير مشروع، كالعقود المحرمة كما في المعاملة بالربا، وبيع ما حرم اللَّه الإنتفاع بهن كالخمر المتناول للمخدرات المذكورة. فإن هذا كله حرام مثل السرقة سواء بسواء، وإن كان بطيبة نفس من مالكه.

ولما ورد من الأحاديث النبوية التي تنص على تحريم ثمن ما حرم اللَّه الإنتفاع به، كقوله صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن اللَّه إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عن ابن عباس.
وقد جاء في كتاب (زاد المعاد) ما نصه: (قال جمهور الفقهاء: إنه إذا بيع العنب لمن يعصره خمراً حرم أكل ثمنه. لخلاف ما إذا بيع لمن يأكله، وكذلك السلاح إذا بيع لمن يقاتل به مسلماً حرم أكل ثمنه. وإذا بيع لمن يغزو به في سبيل اللَّه فثمنه من الطيبات. وكذلك ثياب الحرير إذا بيعت لمن يلبسها ممن يحرم عليه لبسها حرم أكل ثمنها، بخلاف بيعها ممن يحل له لبسها) ا. هـ.
وإذا كانت الأعيان التي يحل الإنتفاع بها إذا بيعت لمن يستعملها في معصية اللَّه على رأي جمهور الفقهاء - وهو الحق - يحرم ثمنها لدلالة ما ذكرنا من الأدلة وغيرها عليه، كان ثمن العين التي لا يحل الإنتفاع بها كالمخدرات حراماً من باب أولى.
وإذا كان ثمن هذه المخدرات حراماً، كان خبيثاً، وكان إنفاقه في القربات، كالصدقات وبناء المساجد، وحج بيت اللَّه الحرام غير مقبول أي لا يثاب المنفق عليه، فقد روى مسلم عن أبي هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (إن اللَّه تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن اللَّه تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: " يا أيها الرسل كل من الطيبات واعملوا صالحاً" الآية. وقال تعالى: " يا أيها الذين أمنو كلوا من طيبات ما رزقناكم وأشكروا الله أن كنتم أياه تعبدون"، ثم ذكر الرجل يطل السفر أشعث أغبر يمد يده الى السماء، يارب، يارب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب ذلك؟.
وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن أبي مسعود رضي اللَّه عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (والذي نفسي بيده لا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه، فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره، إلا كان زاده في النار، إن اللَّه لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث) .
وروي عن أبي هُرَيْرَة عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (من كسب مالاً حراماً فتصدق به لم يكن له أجر، وكان اصره - يعني اثمه وعقوبته - عليه) .
وما في مراسيل القاسم بن مخيمرة قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (من أصاب مالاً من مأثم، فوصل به رحمه، أو تصدق به أو أنفقه في سبيل اللَّه، جمع ذلك جميعاً، ثم قذف به في نار جهنم) .
وروي عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أنه قَالَ: (أنه إذا خرج الحاج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز - أي الركاب - وقال: لبيك، ناداه ملك من السماء: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك) .
فهذه الأحاديث التي يشد بعضها بعضاً تدل على أنه لا يقبل اللَّه صدقة، ولا حجة، ولا قربة آخرى من القربات من مال حرام، من أجل ذلك نص علماء الحنفية على أن الإنفاق على الحج من المال الحرام حرام.
ونستطيع أن نلخص ما ذكرناه فيما يأتي:

أولاً: تحريم تعاطي الحشيش والأفيون والقات، وغيرها من المخدرات المسكرة والمفطرة.
ثانياً: تحريم الإتجار فيها واتخاذها حرفة تدر الربح.
ثالثاً: حرمة تهريبها، ومساعدة التجار على رواجها، والتدليس عليها.
رابعاً: حرمة زراعتها لإتخاذ المادة المخدرة لتعاطيها، أو الإتجار بها.
خامساً: إن الربح الناتج من الإتجار في هذه المواد حرام خبيث، وإن إنفاقه في الطاعات غير مقبول.

هذا وقد أطلت القول في شرح هذا الموضوع وإقامة الأدلة عليه، تبياناً للحق، وكشفاً للصواب، ليزول ما قد عرض من شبهة عند الجاهلين الذين يفتون بحل هذه المخدرات، وليعلم أن القول بحل هذه المخدرات من أباطيل المبطلين، وأباضاليل المضلين، وحتى أضع حداً لهذه المخدرات التي شاعت في هذا الزمان، وانتشرت بين جميع الأوساط والطبقات، حتى كادت تودي بالأمة الإسلامية، وتطيح بكرامتها وعزتها. واللَّه ولي التوفيق.
مضار البيرة
لقد أعلن البروفيسير ايت موترين مدير جامعة لاما في "كندا" أمام المؤتمر العالمي لأمراض القلب المنعقد في لندن - أنه قام بالدراسة تبين منها أن 48 رجلاً وامرأتين كانوا يعانون من أعراض تشبه مرض "البري بري" اتضح فيما بعد أنهم مصابون بمرض في القلب بسببه أحد مكونات أنواع معينة من "البيرة". وقال: (إن هؤلاء المرضى كانوا يحتسون يومياً 11. 3 ليتراً من البيرة، وأن سبب المرض هو مادة "الكبريتات والكربات" التي تستخدم لزيادة تأثيرات المادة المسكرة في أنواع معينة من البيرة وأثبتت التجارب أنها تسبب تضخماً في القلب وتمدداً في الصمامات.
وقد ذكر الإمام مُحَمَّد رشيد رضى في تفسيره، بعد تفسير آية الخمر التي في المائدة وقد اطنب فيها ما نصه: أطلنا هذه الإطالة في بيان حقيقة الخمر، لأنه قد ظهر في الناس من عهد بعيد مصداق ما ورد في الحديث من استحلال الناس لشرب الخمر بتسميتها بغير اسمها، وقد اخترع الناس بعد زمن التنزيل أنواعاً كثيرة من الخمور أشد من خمرة العنب ضرراً في الجسم والعقل باتفاق الأطباء، وأشد إيقاعاً في العداوة والبغضاء، وصداً عن ذكر اللَّه، وعن الصلاة. والقول بأنه لا يحرم منها قطعاً إلا ما كان من عصير العنب، وأنه إنما يحرم من غيرها القدر المسكر فقط، يجرئ الناس على شرب القليل من تلك السموم المهلكة، والقليل يدعو إلى الكثير، فابلإدمان فالإهلاك، وفي هذا القول مفسدة عظيمة، وليس في تضغيفه، وترجيح قول السلف والخلف عليه إلا المصلحة الراجحة، وسد ذرائع شرور كثيرة، اه.
هذا وإن حوادث العداوة والبغضاء التي تنشأ عن السكر، ما يحدث بين السكارى من القتل والضرب، والعداوة والسلب، والفسق والفحش، والتجرؤ على ارتكاب المحرمات، والإقدام على الزنا، ومن إفشاء أسرار الأسر والعائلات، وهتك الأستار المخبئة، وخيانة الحكومات، والأوطان - ما زالت حديث الناس في كل زمان ومكان وكثيراً ما يلجأ بعض الجواسيس إلى إسكار كبار القادة، وعظماء الساسة، لكي يسلب منه أسرار الجيوش، وسياسة الشعوب. ورب جرعة خمر من رئيس أضاعت أمة بأجمعها، وأهلكت شعباً بأكمله، وكانت سبباً في هزيمة جيش جرار. ولهذا شدد الدين الإسلامي في تحريم شرب الخمر، وذكرها في ثلاث آيات من كتاب اللَّه تعالى، وشدد رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في النهي عنها فقال صلوات اللَّه وسلامه عليه: (من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها حرمها في الأخرة) رواه البخاري وأصحاب السنن، وزاد اٌاما مسلم في رواية (فلم يسقها) ومعناها أن اللَّه حرم عليه الجنة فلا يدخلها فيشربها فيها، وقيل معناه: لا يشربها فيها وإن مات مؤمناً ودخل الجنة، لأنه استعجل شيئاً فجزي بحرمانه، إلا أن يعفو اللَّه عنه.
وروى أحمد والبخاري وملسم وأبو داود والترمذي والنسائي، عن أبي هُرَيْرَة رضي اللَّه تعالى عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) قيل النفي لكمال الإيمان، وقيل هو خبر بمعنى النهي، وقيل: إن الإيمان يفاق مرتكب هذه الكبائر مدة ملابسته لها، وقد يعود إليه بعدها. وإذا مات وهو مرتكبها مات على غير الإيمان.
ومن العجيب أننا نرى جميع المتعلمين مذنباً في العصر. وأكثر الناس في البلاد المتحضرة الراقية التي تنتشر فيها الجرائد والمجلات العلمية يعتقدون أن الخمر شديدة الضرر في الجسم، والعقل، والمال، والصحة العامة، وأداب الإجتماع، ولم نر هذا الإعتقاد باعثاً على التوبة منها والإقلاع عنها، حتى أن الأطباء منهم - وهم أعلم الناس بمضارها - كثيراً ما يعاقرونها، ويدمنونها مع علمهم أن السكر يحدث الأمراض، والأدواء، ويؤدي بصاحبه إلى الجنون، ويفسد عليهم شبابهم، وعفتهم، وبيوتهم، وثروتهم، ولكن ضعف الإرادة عند هؤلاء، وغريزة حب التقليد للأصحاب والخلان، ما يحدثه الخمر من لذة النشوة، والذهول عن المكدرات، ومجاملة الأخوان، جعلهم يدمنون عليه، ويقدمون على شربه، ويغضبون رب العالمين.
(وقد لخص العلماء أضرار الخمور فيما يأتي
أولاً: تنتزع من الشارب الخمر أنواع الإيمان حين شربه.
ثانياً: استحق لعنة اللَّه وطرده من رحمته، لمخالفته أمره تعالى.
ثالثاً: شرب الخمر يدعو إلى جلب الهموم، وتضييق الأرزاق وإنتشار الأزمة والسخف والمسخ، ويسبب التخنث.
رابعاً: لا يقدم على شرب لاخمر إلا الفاجر العاصي، الذي لا يؤمن باللَّه واليوم الآخر.
خامساً: شرب الخمر يجر إلى الوقوع في ارتكاب المعاصي كلها، لأنها أم الخبائث.
سادساً: يعذب اللَّه شارب الخمر يوم القيامة، بشربه القذارة الخارجة من فروج الزناة. - والعياذ باللَّه -.
سابعاً: حرم اللَّه تعالى الجنة على شارب الخمر، فلا يشم رائحتها.
ثامناً: عقاب شارب الخمر، كعقاب عابد الوثن والصنم.
تاسعاً: يحشر اللَّه شارب الخمر شديد الظمأ، كثير العطش.
عاشراً: لا يقبل اللَّه عبادة شارب الخمر أربعين يوماً، ولا يجيب له دعاء.
الحادي عشر: يستحق شارب الخمر الإهانة والإزدراء، والتحقير كما قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (لا تسموا على شربة الخمر) .
الثاني عشر: شارب الخمر حل عليع غضب اللَّه، ولو مات في هذه الحالة حرم من ثواب اللَّه تعالى ورحمته.
الثالث عشر: السكران إن مات على حالته يعذبه اللَّه بسكره، ويذوق مرارة فعله هذا في غيره. ويموت على غير اٌيمان.
الرابع عشر: شارب الخمر تنبع له عين في نار جهنم تمده باقيح والصديد وأنواع الأذى (يجري منها القيح والدم) .
الخامس عشر: شارب الخمر مسكين، مضيع فاقد الخير، (فكأنما ملك الدنيا، وسلبها) .
السادس عشر: شرب الخمر إحدى الخصال المدمرة التالفة، المذهبة للثروة، المضيعة للعقل المهلكة للأمة.
السابع عشر: شرب الخمر يفسد الصحة، ويحرم صاحبها من التمتع بعافيته، ويجلب له النقم والهلاك والدمار.
الثامن عشر: إن أضرارها تنتقل من الرجل إلى أولاده وذريته، فيولدون مرضى.
التاسع عشر: شارب الخمر لا يقبل اللَّه منه صرفاً ولا عدلاً، ولا فرضاً ولا نفلاً.
العشرون: من فارق الدنيا وهو سكران، يدخل القبر سكران، ويبعث من قبره سكران، ويزج في النار سكران، ويؤمر به إلى حبل يقال له سكران فيه عين يجري منها القيح والصديد وهو طعامهم وشرابهم، مادامت السموات والأرض، كما أخبر بذلك رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في الحديث الشريف (ملخص من شرح الترغيب والترهيب) .

الآيات الواردة في تحريم الخمر في كتاب اللَّه تعالى

-1 - قَالَ اللَّه تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما} : آية 219 من سورة البقرة.
-2 - قَالَ اللَّه تعالى: {يا أيها الذين آمنو إنما الخمر والميسر، والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} . آية 90 من سورة المائدة.
-3 - قَالَ تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأحسنوا إن اللَّه يحب المحسنين} . آية 195 من سورة البقرة.
-4 - قَالَ تعالى: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} . آية 2 من سورة النساء.
-5 - قَالَ تعالى: {يا أيها الذين آمنو كلوا من طيبات ما رزقناكم} . آية 172 من سورة البقرة.
-6 - وقال تعالى: {وكلوا مما رزقناكم حلالاً طيباً} . آية 88 من سورة المائدة.
-7 - قَالَ تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن اللَّه كان بكم رحيماً} . آية 29 من سورة النساء.
-8 - قَالَ تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم} . آية 51 من سورة المؤمنون.
-9 - قَالَ تعالى: {يا أيها الذين آمنو لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} . آية 43 من سورة النساء.
إقامة الحد في الحرب
اتفق الأئمة على أن الحدود لا تقام في حال الغزو، ولا في دار الحرب.
مع أن الشريعة اٌسلامية تأمر أتباعها من الضباط، والجند، والقادة، بالمحافظة على طاعة اللَّه تعالى، والتمسك بأوامر الشارع الحكيم، والتحلي بالتقوى حتى يكتب اللَّه لهم النصرة على الأعداء حيث يقول اللَّه تعالى: {ولينصرن اللَّه من ينصره إن اللَّه لقوي عزيز} .
ويقول تبارك وتعالى:
{إن تنصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم} ولهذا كان الأمراء والقادة يوصون الجند والضباط، بالمحافظة على الصلاة في ميدان القتال. ويأمرونهم بالبعد عن ارتكاب المعاصي والذنوب، حتى ينصرهم اللَّه تعالى على أعدائهم، {وما النصر إلا من عند اللَّه} .
وقد ثبت أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أرسل إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه قائد جيش المسلمين في حرب الفرس بالقادسية فأرسل إليه يوصيه وجنده ويقول له: أوصيك ومن معك بتقوى اللَّه تعالى على كل حال، فإن تفوى اللَّه من أفضل العدة على العدو، ومن أقوى المكيدة في الحرب. وأمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخطر عليهم من عدوهم، وإنما ينتصر المسلمون بطاعتهم للَّه تعالى وإيمانهم به ومعصية عدوهم له، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة.
ومع كل هذا فإذا وقع أحد المسلمين المجاهدين في ذنب يوجب الحد، فلا يقام عليه الحد في دار الحرب، والدليل على ذلك ما فعله سيدنا سعد بن أبي وقاص مع أبي مجحن الثقفي. فقد كان من الشجعان الأبطالفي الجاهلية والإسلام، ومن أولي البأس والنجدة. وكان شاعراً مطبوعاً كريماً، إلا أنه كان منهمكاً في الشراب، لا يكاد يقلع عنه، ولا يردعه حد ولا لوم لائم، وقد جلده عمر بن الخطاب في "الخمر" مراراً، ونفاه إلى جزيرة في البحر، وبعث معه رجلاً فهرب منه ولحق بسعد بن أبي وقاص بالقادسية وهو يحارب الفرس، وكان قد هم بقتل الحارث الذي بعثه معه عمر، فأحس الرجل بذلك فخرج فاراً ولحق بعمر، وأخبره خبره. فكتب سيدنا عمر إلى سعد بن أبي وقاص بحبس أبي محجن فحبسه. فلما كان (قس) الناطف بالقادسية والتحم القتال سأل أبو محجن امرأة سعد أن تحل قيده، وتعطيه فرس سعد، وعاهدها أنه إذا سلم عاد إلى حاله من القيد والسجن، وإن استشهد فلا تبعة غليه، فخلت سبيله وأعطته الفرس. فقاتل أيام القادسية، وأبلى فيها بلاءً حسناً ثم عاد إلى محبسه، وكان نصر المسلمين على يده، فترك سعد بن أبي وقاص إقامة الحد عليه حيث أن الحدود لا تقام في حال الغزو. والتعزير يرجع إلى الاجتهاد وقد رأى سيدنا سعد عدم إقامة حد الشرب على أبي محجن ولا تعزيره بعد أن بذل نفسه في سبيل اللَّه تعالى، وأبلى ما أبلى. ولا مطهر من الذنب أقوى من هذا، فقد ضمن اللَّه للمجاهد إن مات أن يدخله الجنة، وإن رجع يرجعه بما نال من أجر وغنيمة مغفور له، وقد أثر هذا العفو في نفس أبي محجن فتاب إلى اللَّه تعالى توبة نصوحة، وأقلع عن الشرب بعد ذلك. وهكذا يكون المؤمن قوي الإيمان، قوي العزيمة. يقلع عن الذنب بعد الادمان عليه، إذا خاف ذنبه. ورجع إلى ربه.
وقد روي أن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (نهى أن يقام حد في أرض العدو) أخرجه ابن أبي شيبة رحمه اللَّه تعالى) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #288  
قديم 13-11-2022, 01:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 47 الى صــــــــ
55

الحلقة (244)



القسم الثاني
الحدود المتفق عليها
حد الزنا - تعريفه
__________
الحدود
الحد لغة: المنع - ولهذا يقال للبواب حداد، لمنع الناس عن الدخول. قال في النهاية: الحد يطلق على الذنب، ومنه قله تعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها) ويطلق على العقوبة التي قرنها الشارع بالذنب ومنه قولهم: اقمت عليه الحد. واصل الحد: المنع والفصل بين الشيئين. قال في المصباح: ومنه الحدود المقدرة بالشرع، لأنها تمنع من الإقدام على الذنب، اه.
وشرعا: هو العقوبة المقدرة حقا لله تعالى كما ذكر في القرآن الكريم فقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال تعالى: (والحافظون لحدود الله) .
وثمرته: رفع الفساد الواقع في المجتمع، وحفظ النفوس من الهلاك، وحفظ والأعراض، والأنساب من الاختلاط، وحفظ الاموال سالمة عن الابتذال والانتهاك.

قال تعالى: (ولاتفسدوا في الآرض بعد اصلاحها) معناه: ولا تفسدوا شيئاً غي الارض فيدخل فيه المنع عن إفساد العقول بسب شرب المسكراة، والنهي عن إفساد النفوس بالقتل، وقطع الاعضاء، والمهي عن إفساد الأنساب بسبب الزنا، واللواط، والقذف. والنهي عن إفساد الاموال بالغصب، والسرقة، ووجوه الحيل في المعاملات. والنهي عن إفساد الدين بالكفر، وذلك لأن والمصلح المعتبرة في الدنيا هي هذه الخمسة: (1) النفوس (2) العقول (3) الأعراض (4) الأديان (5) الأموال.
وفائدته: الامتناع عن الفعال الموجبة للفساد في العالم. ففي حد الزنا منع ضياع الذرية وإماتتها معنوياً بسبب اشتباه النسب، ولذا ندب الشارع عموم الناس إلى حضور حده، فقال تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) . وفي باقي الحدود، زوال العقل في الخمر، وإفساد الأعراض في القذف، وأخذ أموال الناس في السرقة. وقبح هذه الأمور في العقول، وثابت في الغرائز عند الجميع. ولذا لم تبح الأموال ولا الأعراض، ولا الزنا، ولا السكر، في الملل السابقة.
ولما كان فساد هذه الأمور عاماً في الإنسانية كلها، وخطراً من أشد الأخطار عليها لما ينجم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منها. كانت الحدود التي تمنع منها حقوق اللَّه على الخلوص. فإن حقوقه سبحانه وتعالى دائماً تفيد مصالح عامة للمجتمع كله.
مبحث حكمة مشروعية الحدود
وحكمة مشروعيته هو الزجر عما يتضرر به العباد. من إفساد الفرش، وإضاعة الأنساب، وهتك الأعراض، وإتلف الأموال، وزهاق الأنفس، واضطراب الامن. والحدود دواء شاف وعلاج ناجح، لما يصيب المجتمع من الأمراض الاخلاقية الخطيرة، ولأمراض النفسية الفتاكة. التة تهلك المجتمع وتنخر في جسده، وتمزق اوصاله، وتودة به الى الهاوية.

إنما الامم الاخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت إخلاقهم ذهبوا

فالإسلام ينظر إلى الإنحراف على أنه خروج عن الفطرة السليمة التي قفطر اللَّه الإنسان عليها. وعصيان على الطبيعة، وتمرد عليها، ويحاول العلاج لمن انحرف عن طبعه، وغذا تعذر العلاج، ولم يفد الإصلاح كان موقف الإسلام أشد صلابة في ردع المجرم، والقسوة في الحكم عليه حتى لا يكون بقاء الفساد قضاء على المجتمع كله.
وبهذه الطريقة يحارب الإسلام الإنحرافات، ويضع لها الحدود الرادعة، التي تناسب خطورة الذنب، وقاية للجماعة الإنسانية من الضياع والفساد. كالعضو الذي أصيب بمرض فتاك. فإذا لم يمكن علاجه اضطر إلى بتره حماية للجسد كله.
حد الزنا
الزنا عبارة عن وطء مكلف في فرج امرأة مشتهاة، خال عن الملك وشبهته، ويثبت به حرمة المصاهرة، نسباً ورضاعة.
ولما كانت جريمة الزنا من ابشع الجرائم التي ترتكب ضد الشرف والأخلاق، والفضيلة، والكرامة، وتؤدي إلى تفويض بناء المجتمع، وتفتيت الأسر، واختلاط الأنساب، وقطع العلاقات الزوجية، وسوء تربية الأولاد، بل تقضي إلى ضياع الطفل الذي هو قتل له معنى. فإن ولد الزنا، ليس له من يربيه، والأم بمفردها لا تستضيع تربية والقيام بشؤونه، لقصور يدها. فيشب على أسوأ الأحوال، ويصير عضواً فاسداً في جسد المجتمع الإنساني، ينشر الحقد، والبغضاء. ويبث الفساد، والإجرام، لأنه ثمرة الجريمة البشعة المنكرة.

فجريمة الزنا من أخطر أمور الحياة كلها، بل أشدها تعلقاً بنظامها، ودوام سعادتها، وهنائها. وتمسكها، وترابطها، ولذلك اهتم الشارع الحكيم بهذا الحد أكبر اهتمام، صوناً للحياة المنزلية من الانهيار، وحفظاً للروابط الأسرية مما يتهددها من بلاء وأطار، فذكر غقاب من لا يحفظ فرجه، وبينه أعظم بيان، وجعله من أشد العقوبات، وأفظعها، وأوجب أن لا تأخذنا شفقة، ولا رحمة. بالجناة.

وأن يشهد إقامة الحد جماعة من المؤمنين فقَالَ تَعَالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} . آية رقم /2 / من النور.
ثم بين ما يجب علينا أن نراعيه في حفظ الفروج، وما تحتاج إليه لصيانتها من الضياع، وما يجب للإبضاع من الحرمة والصون، والإحتياط والمحافظة. فأمرنا بغض النظر إلى الأجنبيات، لأن النظر يريد الزنا. وأمرنا بصون أجساد النساء من التبذل، والظهور أمام الأجانب، وحث المرأة على حفظ جسدها بالإحتشام والتستر، والبعد عن مواطن الريبة، وبؤر الفساد، وعن الإختلاط بالرجل الأجنبي حتى لا تقع في محرم، ولا يجرها الإختلاط والتبذل إلى الوقوع في الذنب، وتستوجب إقامة الحد عليها. قَالَ تَعَالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} فقد خاطب اللَّه تعالى أمهات المؤمنين ونساء النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وهن الصالحات القانتات، الائي تربين في مدرسة النبوة، ونشأن في أعظم جامعة إسلامية. وتأدبن بأداب النبوة، وتخلقن بأخلاق الرسول صَلَوَات اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه، وقد كن لا يخرجن من بيوتهن إلا لعذر شرغي، كحج أو عمرة، أو زيارة أبوين، أو صلة أرحام، أو عيادة مريض، أو نحو ذلك. وإذا خرجن لا يبدين زينتهن، ولا يظهرن شيئاً من محاسنهن، ولا يلبسن ثياب براقة، فإذا كان اللَّه تَعَالى قد أمرهن هذا الأمر، وهن على هذا الحال، فغيرهن من سائر النساء أولى أن يخشى عليهن، لو خرجن ومشين في الطرقات على أعين الناس، وفيهم من في قلبه مرض من العصاة الفجرة، والمجرمين الفسقة، الذين لا يخشون اللَّه، ولا يخافونه، عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَالَ: (إن المرأة عورة. فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وإن أقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في عقر بيتها) .
واتفقت كلمة الفقهاء على أن خروج المرأة من بيتها قد يكون كبيرة. إذا تحققت منه المفسدة، كخروجها متعطرة متزينة. سافرة عارية. مبدية محاسنها للرجال الأجانب، كما هو حاصل في هذا الزمان، مما يوجب الفتنة. ويكون الخروج من المنزل حراماً، وليس كبيرة إذا ظنت وقوع الفتنة، ويصد عنها المفسدين المعتدين.

وتبرج الجاهلية الأولى - وهي التي كانت قبل الإسلام، التبختر في تثن مع إظهار المحاسن، والزينة، وما يجب ستره من العنق، والصدر، والشعر، والقفا، والظهر، والذراعين، والساقين.

ومما يدمي قلب الحر المؤمن الغيور، ما نشاهده في هذا الزمان من تبرج النساء، والفتيات، وخروجهن متبذلات، كاسيات عاريات. مائلات مميلات. عاريات الشعور والظهور، من غير حياء ولا مبالاة. حتى صرن أكثر تبذلاً، وانحلالاً من أهل الجاهلية التي كانت قبل الإسلام. وإثم ذلك راجع إليهن أولاً وإلى أولياء أمورهن ثانياً، من الأزواج والآباء، والأخوة. لعنهن اللَّه، ولعن من يرضى بذلك منهن، ولعن من ينظر إليهن، ومن يوافقهن من الرجال. وصدق رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم إذ يقول: (صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) وهذا الحديث من دلائل النبوة حيث أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قد حدث عما يحدث في المستقبل، وأخبر عن المغيبات التي حصلت بعد حياته صَلَوَات اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه بتسعين وثلاثمائة وألف عام.
فتشريع حد الزنا من أهم الحدود التي تعالج مرضاً قوي الاستحكام في النفوس، قوي التأثير فيها، والتمكن منها، وهو سلطان الشهوة في الإنسان، وقوة طغيانها على العقل، لأنه تَعَالى ركبها في البشرية بهذه القوة الجامحة لعمارة الكون، ودوام الجنس البشري، ولكنها قد تخرج بصاحبها عن حدود الفضيلة. فسن الشارع لها الحد حتى يردعها من غيها، ويرجعها إلى طريق الصواب.
مضار الزنا
أما مضار الزنا الشنيعة، وآثاره الممقوتة، فهي أكثر من أن تحصى، لأنها مضار أخلاقية، ودينية، وجسمانية، واجتماعية، وأسرية، وناهيك بجريمة يرتكبها صاحبها وهو جزلان مسرور، بينما يجني على نفسه بإغضاب ربه، وتعرضه لمقته وغضبه، وشديد عقابه. بل يتعرض لانتزاع الإيمان من قلبه، كما يخلع الإنسان قميصه من عنقه. فإن مات وهو متلبس بجنايته، مات على ملة غير ملة الإسلام. قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) رواه البخاري وغيره.

أما الأضرار التي تعود على المرأة من جراء هذه الفاحشة. فهو هتك عرضها، وسلب شرفها، واقتراف جريمة من أفظع جرائم المجتمع، وهي لاهية مسرورة، بلحظات قليلة، وشهوة حقيرة.

ولا ننسى تدنس شرف أسرتها، وإلحاق العار بأهلها الأبرياء، نساء ورجالاً، بلا ذنب ولا جريرة ثم الجناية على الجنين الذي قد يولد من طريق الزنا، ويأتي ثمرة هذه الجريمة، فيتعرض للقتل وهو الغالب وإن عاش فالضياع، والفساد، والعار الملازم له طول حياته. واحتقار المجتمع له، ونفورهم منه، حتى يصبح الموت أفضل عنده من هذه الحياة. فإن من لم يثبت نسبه ميت حكماً.
والجناية على زوجها إن كان لها زوج، وهتك عرضه، وضياع شرفه وسمعته، وسقوطه بين أصحابه، وجيرانه ومعارفه، وملاحقة العار له مدة حياته، وبعد وفاته. والجناية على الأولاد والذرية من ذكور وإناث، جناية تعدل القتل، وسلب الروح من الجسد، فهذه الجريمة البشعة لا تنسى مع الزمن، ولا تخفى على أحد، لأن رائحتها الكريهة تزكم النفوس، وتنتشر انتشار الريح العاصف وقد قيل: إن الجريمة لها أجنحة تطير بها.
وإذا تصورت ما يترتب على هذه الجريمة حينما تدخل الزوجة على أولادها، وأسرة زوجها مولوداً ليس منهم، وتقحم عليهم شخصاً غريباً عنهم، يشاركهم بلا حق، في معيشتهم وشرفهم، وأسمهم وميراثهم وكل خواصهم، وما يتبع ذلك من أضرار جسيمة ما يعلمها إلا علام الغيوب. علمت فظاعة هذه الجريمة.
ثم إذا نظرت إلى الأضرار الصحية التي تترتب على فاحشة الزنا من أمراض الزهري، والسيلان، وغيرهما مما أثبته الطب من مضار الزنا، وأفردت له كتباً مؤلفة في هذا الشأن، أدركت حكمة تشديد الشرع في تحريمه.

وبعد فإن هذا البلاء الخطير متى وقع فيه الشخص مرة استمرأ، وتلذلذ به، ولا يستطيع الإقلاع عنه. وأحب التنقل فيه، بعد أن ذاق لذته، فيتفاقم شره، ويتزايد ضرره، ويصبح وباء للمجتمع الإنساني.

فلا غرابة إذاً في أن يكون الأسلوب الذي يعالج به مرتكب هذه الجريمة، أن يضرب بالسوط مائة جلده إن كان بكرة ويفتضح أمره على مرأى من أصحابه وجيرانه، حتى يحتقر في نفوسهم، وتسقط منزلته بينهم، ويأخذوا منه حذرهم، ويبتعد عن مصاحبته، لأنه أصبح كالمريض الأجرب، لخبث نفسه، وسوء سريرته، وشناعة فعله، وشددة خطره على الأفراد الذين يتصلون به. وهذه عقوبته الدنيوية، ولعذاب الأخرة إن لم يتب أشد وأبقى.
أما عقوبة الرجم بالحجارة للزاني المحصن، ففيه معنى إسقاط منزلة الزاني وتجريهما من الإنسانية الكاملة الفاضلة، وإلحاقهما بالعجماوات التي لا تفهم تأديب والزجر إلا بالضرب الشديد المؤلم. أو الموت الشنيع، حيث لا ينفع معهما ردع، ولا نصح، ولا يبقى له وسيلة تؤدبه إلا الضرب المبرح، فجعل الشارع الحيكم الجلد، أو الرجم، امام طائفة من امؤمنين ليكون الخزي والعار أبلغ وأكمل في حقهما، وليرتدع من تسول له نفسه الوقوع في ذلك الذنب بعد أن رأى عاقبته ونهايته.
فالشارع الحكيم قصد من تشريع عقوبة الزنا، الردع للمجتمع، والزجر والتخويف للغير أكثر من التنفيذ على الجاني، فإن العبد حينما يقارن بين ما سيحصله من اللذة المعارضة بالزنا وبين ما سيتبع هذه اللذة من العقوبات الشديدة، والخزي، والعار، والفضيحة أمام المجتمع في حياته أو بعد مماته أمتنع عن الوقوع فيها وفضل بعقله البعد عنها، والفرار منها صوناً لنفسه، وعرضه، وشرفه وكرامته.

وزيادة من الشارع في الإحتياط عن الوقوع في هذه الجريمة، وحفظ المجتمع منها حتى يعيش في سلام ومحبة. فليس هنا من يقطع أوصال المجتمع، وينشر العداوة بين أفراده وجماعته مثل جريمة الزنا. من أجل ذلك كله نهى الشارع المؤمنين من الإقتراب من الزنا والوقوع في مقدماته، وأسبابه، خوفاً من أن يقعوا في شركه كما ينهى النهندس المواطنين عن الإقتراب من موقع الخطر كتجمع الكهرباء، وحقول الألغام، ومخازن المفرقعات، حتى لا يدهمهم خطرهم، وهم لا يشعرون.

قَالَ تَعَالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} أي ولا تقتربوا من الزنا بمباشرة أسبابه القريبة أو البعيدة، فضلاً عن مباشرته، وإنما نهي الشرع عن قربانه لأن قربانه داعه إلى مباشرته {إنه كان فاحشة} لأن فعله ظاهر القوى، متجاوز عن الحد، {وساء سيبلاً} أي بئس طريقة طريقاً فإنه غضب الإضياع المؤد إلى اختلال أمر الأنساب، وهيجان الفتن، وفساد المجتمع، كيف لا وقد عده اللَّه تَعَالى بعد الشرك والقتل فقال تعالى: {والذين لا يدعون مع اللَّه إلهاً آخراً، ولا يقتلون النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق ولا يزنون، ومن يفل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً} وبين لبرسول صَلَوَات اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه بعض أضراره ومساوئه فقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (إياكم والزنا فإن فيه ستة خصال، ثلاثة في الدنيا، وثلاثة في الأخرة، وأما التي في الدنيا: فذهاب البهاء، ودوام الفقر، وقصر العمر. وأما التي في الأخرة: فسخط اللَّه تَعَالى، وسوء الحساب، والخلود في النار) ، ورواه أبوحذيفة بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ.
وقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان على رأسه الظلة، فإذا انقطع رجع إليه) ..
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي وردت بالنهي عن الزنا والأسباب التي تقرب منه.
عورة المرأة
اختلف العلماء فيما يباح للمرأة كشفه من أعضائها أمام الرجل الأجانب، وما لا يباح كشفه تبعاً لإختلافهم في فهم المراد من قوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} الآية. والمراد بغض البصر يعني كف النظر إلى المحرم، والمراد بحفظ الفروج حفظها من النظر إليها، ومن لمسها، ومن وطئها إلا على زوجها، قَالَ تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} - {ولا يبدين زينتهن} أي لا يظهرن محل زينتهن {إلا ما ظهر منها} ، وقد اختلف العلماء في تحديد العورة على مذاهب.
الشافعية في إحدى روايتين والحنابلة قالوا: جميع بدن الحرة عورة، ولا يصح لها أن تكشف أي جزء من جسدها أمام الرجال الأجانب إلا إذا دعت لذلك ضرورة، كالطبيب للعلاج والخاطب للزواج، والشهادة أمام القضاء، والمعملة في حالة البيع والشراء، واستثنوا من ذلك الوجه والكفين لأن ظهورهما لضرورة، أما القدم فلا جرم اختلفوا فيه هل هو عورة أم لا؟ فيه وجهان، والأصلح أنه عورة.
الحنفية والرأي الثاني للشافعية والمفتي به عند المالكية، قالوا: جميع بدن المرأة الحرة عورة إلا الوجه والكفين فيباح للمرأة كشف وجهها وكفيها في الطرقات، وأمام الرجل الأجانب ولكنهم قيدوا هذه الإباحة بشرط أمن الفتنة، أما إذا كان كشف لاوجه واليدين يثير الفتنة لجمالهما الطبيعي أو لما فيهما من الزينة وأنواع الحلي فإنه يجب عليها سترهما ويصيران عورة كبقية أعضاء جسدها، وذلك من باب سد الزرائع وقطع دابر الفتنة وصيانة الأداب وحفظ الأعراض والأناب، فإن النظرة رسول الشهوة وبريد الزنا ورائدة الفجور وسهم مسموم يصب في القلوب، ورد نظرة كانت بذرة لأخبث شجرة.
وقيل: مكتوب في التوراة: النظرة تزرع في القلب الشهوة ورب شهوة أورثت حزناً طويلاً.
وروي عن أم سلمة: أنها كانت عند النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وميمونة، إذ أقبل ابن متكوم فدخل عليهما، فقال عليه الصلاة والسلام احتجبا منه. فقلت يَا رَسُولَ اللَّه أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟.
حكم صوت المرأة
اختلف العلماء في صوت المرأة فقال بعضهم إنه ليس بعورة، لأن نساء النبي كن يروين الأخبار للرجال، وقال بعضهم إن صوتها عورة، وهي منهية عن رفعه بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها، وقد قَالَ اللَّه تَعَالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} فقد نهى اللَّه تَعَالى عن استماع صوت خلخالها لأنه يدل على زينتها، فحرمة رفع صوتها أولى من ذلك، ولذلك كره الفقهاء أذان المرأة لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت، والمرأة منهية عن ذلك، وعلى هذا فيحرم رفع صوت المرأة بالغناء إذا سمعها الأجانب سواء أكان الغناء على آلة لهو أو كان بغيرها، وتزيد الحرمة إذا كان الغناء مشتملاً على أوصاف مهيجة للشهوة كذكر الحب والغرام وأوصاف النساء والدعوة إلى الفجور وغير ذلك.
مبحث حكم الغناء
اختلف العلماء في حكم الغناء، واستماعه.
الحنفية - قالوا:
الغناء إما أن يكون من امرأة أو رجل، فإن كان من امرأة وكان بصوت غير مرتفع بحيث لا يسمعه الناس فلا مانع منه، أما إذا كان الغناء بصوت مرتفع يسمعه الأجانب فهو حرام، وخصوصاً إذا كان مشتملاً على كلام مهيج للشهوة، ومثير للفتنة كتحسين الخمور وأوصاف النساء أو دعوة إلى الحب والغرام إلى غير ذلك.
أما الرجل فإن كان غناؤه لدفع الوحشة عن نفسه، أو كان لحماس الجند أو الحث على العمل والجهاد فهو جائز، أما إذا كان الغناء مشتملاً على ذكر الحب والغرام، ويخشى أن تفتتن به امرأة أجنبية تسمعخ فيكون في هذه الحالة حراماً، كما هو حاصل في الإذاعة والسينمات ودور الملاهي والتمثيل. وكذلك غناؤه في حادث سرور مباح إذا كان بغير آلة ولم تكن فيه عبارات مهيجة ولم تحصل منه فتنة، وكان الاجتماع غير محذور لا تختلط فيه النساء مع الرجال وكان الغناء على غير آلة لهو، ولم يكن سبباً لمحرم، أما إذا لم يستوف هذه الشروط فغناؤه حرام، كما هو الحال في الأغاني التي يذيعها المطربون والمغنون.
المالكية - قالوا: الغناء حرام على النساء وسماعه حرام. إلا إذا كانت الأغاني من الرجال بعبارات حماسية يف لاحرب أو تسلية للإبل على السير في الصحراء ولم تصحبه آلة لهو وطرب.
وقد سئل الإمام مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عما ترخص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: إن ما يفعله عندنا الفساق، فقد روي عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) . وعن يزيد بن الوليد أنه قَالَ: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن لاخمر ويفعل ما يفعله السكر.

الشافعية - قالوا: إن الغناء الماجن مع آلات الطرب واللهو حرام على النساء والرجال، وسماعه حرام، فقد نقل عن الإمام الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: الغناء لهو مكروه يشبه الباطل، من استكثر منه فهو سفيه وترد شهادته.
الحنابلة - قالوا: الغناء حرام سواء أكان من النساء أم من الرجال إذا كان القول يثير الشهوة، لمن استمع إليه، أو أدى إلى اختلاط الرجال بالنساء، أو خروج عن حشمة ووقار.
والاستماع يأخذ حكمه، فإن الشخص إذا سمع وصف الخمر والصدر والخد والشدي وذكر وتحتد وباعث الشر، وتستيقظ دوافع الفتنة، وتنبه الآعضاء إلى لذة الفاحشة، وذلك نصر لحزب الشيطان، وتخذيل للعقل المانع منه، الذي هو حزب الرحمن، فهو يؤدي إلى حرام وما أدى إلى حرام فخو حرام، كالنظر إلى الأجنبية بشهوة أو لمسها أو الخلوة بها.
الزنا معطل للنسل الصالح
إن الإسلام بتشريعه حد الزنا، وعنايته التامة بإقامته واهتمامه الزائد بتنفيذ أمام طائفة من عباد اللَّه المؤمنين، ونزول الآبات الكثيرة بشأنه والنهي عن اقتراف مقدماته وأسبابه والاقتراب منه، وتحريم الأشياء المقربة منه، كالاختلاط والغناء والرقص وخلافه، واعتباره من أعظم الفواحش ومن أكبر الذنوب ومقارنته بالشرك باللَّه تعالى وقتل الأنفس، ووصفه في القرآن الكريم بأنه يكون سبباً في مضاعفة العذاب يوم القيامة والخلود في نار جهنم، وأنه يسبب المقت والمهانة، ويجلب على صاحبه العار والفضحية ويجرفه إلى أسوأ السبيل، وقول النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (بأنه يخلع الإيمان من قلب الزاني والزانية كما يخلع الرجل قميصه من عنقه) ، وتشريع ضرب الزاني المحصن بالحجارة حتى يموت، هو أشنع عقاب وأشد عذاب في التشريع.
فالإسلام يقصد من وراء ذلك كله إلى صيانة الأعراض أيما وحفظها من التلوث والدخالة، لأن الأعراض الطاهرة تستوجب الطمأنينة السعيدة في الأسرة، وتنبت ذرية قوية صالحة، وأفراداً شرفاء فضلاء، وأشبالاً أشداء أقوياء، ترفع الإنسانية وتسمو بها، وتعلي من قدرها، وما من شك في أن الأسرة المتهدمة والعائلة المتفرقة، لا تكون أمة نبيلة ولا شعباً كريماً، لأن بناء المجتمع الصالح إنما يكون من لبنات متينة قوية متماسكة. والشعوب التي يفشو فيها الزنا وتظهر فيها الفاحشة وتنتشر بينها المفاسد يسارع إليها الخراب المادي والأدبي، وينتشر فيها الفساد الخلقي انتشار النار في الهشيم، وينخر فيها المنكر كنخر السوس في الخشب، ويستحيل أهلها إلى شراذم متهدمة لا تناصر بينهم ولا تعارف ولا محبة ولا تآلف لعدم وجود عاطفة القرابة ورابطة الأخوة والدم فتتنافر وتتشاحن وتتفرق، وتذهب قوتها وهيبتها وتضيع كرامتها.
وقد أشار ذلك الرسول صَلَوَات اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه حيث قَالَ: (لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، أوشك أن يعمهم اللَّه بعقابه) .
فالزنا من الأسباب التي تقوض دعائم الأمم وتهدم مجدها، وتجلب لها الذل والاستعمار لأنه معطل للنسل القوي الصالح المتناصر، وقاتل للنخوة والشهامة ومميت للجرأة والشجاعة، وقاطع للرحم التي تربط بين الناس، والتي على نظامها وتقديرها تبنى كافة الروابط الإنسانية، من الأبوة والنبوة والآخوة وسائر القرابات.
ولهذا كان النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم يفتخر بحسبه ونسبه وأن اللَّه حفظ أصله وآباءه من هذا الوباء، فقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (ولدت من نكاح، ولم أولد من سفاح) وولد الزنا لا يغار على وطن ولا إلى أهل، وكان من قول الخنساء رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وهي تنصح أولادها الأربعة في حرب القادسية وتحرضهم على الثبات والجلد والقتال: (أي بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حشبكم ولا غيرت نسبكم) فهي تشير إلى أمر مهم في القتال وهو أنهم قد ولدوا من بطن طاهر ومن أصل طاهر ومن حسب نقي ومن أبوين عفيفين غير ملوثين) .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #289  
قديم 13-11-2022, 01:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 56 الى صــــــــ
65

الحلقة (245)

مبحث حد المحصن

-أما حد الزنا فقد فرقت الشريعة فيه بين الذي تزوج والذي لم يتزوج، فشددت العقوبة على الأول لأنه عرف معنى الزوجية، وقدر قيمة العدوان على العرض حق قدره، فكان جزاؤه الإعدام (1) .
ولا ريب أنه جزاء يناسب هذه الجريمة مناسبة تامة، لأن العدوان على العرض بهذه الصورة الشنيعة كالعدوان على النفس، بل ربما فضل الغيور على عرضه، قتله على الزنا بحليلة أو محرمة (2) .
مبحث حد غير المحصن
أما غير المتزوج فقد قدرت له مائة جلدة، لما عرفت من أنه لم يعرف معنى الغيرة على الزوجة، فكان له حق في التخفيف (3)
مبحث من قتل الرجل الذي زنى بامرأته
وكثيرا ما نرى الناس يقتل بعضهم بعضاً من جراء الزنى، ولذلك نجد القوانين في كل الشرائع قد رفعت القصاص عن قاتل الزاني بامرأته، لأنها ترى أن هذه الخيانة تستوجب قتل مرتكبها (4) .
__________
محبة ولا تآلف لعدم وجود عاطفة القرابة ورابطة الأخوة والدم فتتنافر وتتشاحن وتتفرق، وتذهب قوتها وهيبتها وتضيع كرامتها.
وقد أشار ذلك الرسول صَلَوَات اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه حيث قَالَ: (لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، أوشك أن يعمهم اللَّه بعقابه) .
فالزنا من الأسباب التي تقوض دعائم الأمم وتهدم مجدها، وتجلب لها الذل والاستعمار لأنه معطل للنسل القوي الصالح المتناصر، وقاتل للنخوة والشهامة ومميت للجرأة والشجاعة، وقاطع للرحم التي تربط بين الناس، والتي على نظامها وتقديرها تبنى كافة الروابط الإنسانية، من الأبوة والنبوة والآخوة وسائر القرابات.
ولهذا كان النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم يفتخر بحسبه ونسبه وأن اللَّه حفظ أصله وآباءه من هذا الوباء، فقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (ولدت من نكاح، ولم أولد من سفاح) وولد الزنا لا يغار على وطن ولا إلى أهل، وكان من قول الخنساء رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وهي تنصح أولادها الأربعة في حرب القادسية وتحرضهم على الثبات والجلد والقتال: (أي بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حشبكم ولا غيرت نسبكم) فهي تشير إلى أمر مهم في القتال وهو أنهم قد ولدوا من بطن طاهر ومن أصل طاهر ومن حسب نقي ومن أبوين عفيفين غير ملوثين) .
تعريف المحصن
-1 - اتفق الأئمة على أن من شرائط الإحصان.
-2 - الحرية.
-3 - البلوغ.
-4 - العقل.
-4 - أن يكون متزوجاً بامرأة محصنة مثل حاله بعقد صحيح.
-5 - وأن يكون دخل بها ووطئها في حالة جاز فيها الوطء، وهما على صفة الإحصان.
فلا يقام الحد على عبد، ولا على صبي، ولا مجنون، ولا غير متزوج زواجاً صحيحاً كما وصفنا، ولو وطئ زوجته في الدبر فليس بمحصن أو وطئ جاريته في القبل فليس بمحصن، أو وطئ في نكاح فاسد كأن تزوجها بلا ولي أو بلا شهود فليس بمحصن، أو وطئ زوجته وهو عبد ثم عتق، أو كان صبياً ثم بلغ، أو كان مجنوناً ثم أفاق.
وانما اشترط الوطء في نكاح صحيح لأنه به قضي الواطئ والموطوءة شهوتهما فحقه ان يمتنع عن الحرام _ واعتبر وقوعه حال الكمال لأنه مختص بأهل الحالات وهو النكاح الصحيح فاعتبر حصوله من كامل حتى لا يرجم من وطيء وهو ناقص ثم زنا وهو كامل، بل يرجم من كان كاملاً في الحالين.
واختلف الفقهاء في شرط الاسلام في الاحصان.
الحنفية والمالكية - قالوا: ان الاسلام من شروط الإحصان لأن الاحصان فضيلة ولا فضيلة مع عدم الاسلام، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من اشرك بالله فليس بمحصن) ولأن إقامة الحد طهارة من الذنب والمشرك لا يطهر إلا في نار جهنم _ والعياذ بالله.
الشافعية والحنابلة - قالوا: إن الاسلام ليس بشرط في الإحصان لأن الرَسُول صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم
اليهودية واليهودي اللذين زنيا في عهده حينا رفع اليهود امرهم اليه كما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، وهو حديث متفق عليه.

اتفق الفقهاء على وجوب شروط الإحصان في المرأة المزني بها مثل الرجل في الاتفاق، والخلف، فإذا توفرة شروط الاحصان في احد الزوجين دون الاخر ففيه خلاف.

الحنفية والحنابلة - قالوا: لا يثبت الإحصان لواحد منهما فلا يرجمان بل يجلدان.
الشافعية والمالكية - قالوا: يثبت الإحصان لمن تتوافر فيه الشروط فيرجم ويسقط الإحصان عمن لاتتوافر فيه هذه الشروط، فإن زنيا كان الجلد في حق من لم يثبت له الإحصان الرجم إلى من يثبت له الإحصان واستدلوا على مذهبهم بما خرجه أهل الصحاح عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهمي انهما قلا إن رجلاً من اهل الأعراب اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله أنشدك الله إلاقضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم، وهو أفقه منه: نعم اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي أن أتكلم فقال النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: قل، فقال إن ابني كان عسيفاً عند هذا فزنا بامرأته وإني اخبرت أن على ابني الرجم فافتديه بمائة شاة ووليذة، فسأت اهل العلم فأخبروني انما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم فقال رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما الوليدة والغنم فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس - امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها أنيس اعترفت فأمر النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم بها فرجمت)
إقامة الحد على المحصن
(1) اتفق الأئمة على ان من كملت فيه شروط الإحصان ثم زنا بامرأة قد كملت غيها شروط الإحصان بأن كانت حرة بالغة عفلة مدخولاً بها في نكاح صحيح وهي مسلمة_ فهما زانيان محصنان يجب على كل واحد منهما الرجم حتى الموت لقول الرَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البته نكالا من الله حديث متفق عليه.

وقل النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) كما ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها وأبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما.
ولما روي عن النبي أنه قال: (إن الرجم حق في كتاب الله إلى من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، او كان الحمل، او الإعتراف) حديث متفق عليه
ولأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم ماعزاً، ورجم الخامدية وغيرهما، ولإن الخلفاء الراشدون أقاموا حد الرجم بلإجماع من غير نكير من واحد منهم، فحد الرجم ثابت بالأحاديث المتواترة، وفعل الرَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وإجماع الأمة. وثابت بالكتاب على رأي من يقول ان حديث الردم كان آية من القرآن ثم نسخت وبقي حكمها ,
كيفية اقامة حد الرجم
(2) وإذا وجب إقامة حد الرجم على الزاني أو الزانية بإقرار، أو شهادة شهود، أو بينة فيرجم بحجارة معتدله، لابحصيات خفيفة لئلا يفوت التنكيل المقصود من اقامة الحد، بل يضرب بحجر ملء الكف وينفى ضرب الوجه لما روي مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال (نهى رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم فيه، وهو الكي بالنار، ولأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لما أمر برجم الغامدية أخذ حصاة ورماها بها ثم قال للناس ارموا واتقوا الوجه.
والرجل الزاني وقت الحد لا يربط، ولا يقيد، ولا يحفر له حفرة، أما المرأة فيجوز أن يحفر لها حفرة عند رجمها إلى صدرها حتى لا تنكشف عورتها وتشد عليها ثيابها وقت إقامت الحد عليها كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم ايام رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم.
واتفق الفقهاء على ان حد الرجم يقام على الزاني في الحر او البرد الشديدين ويقام على المريض، لأن النفس مستوفاة به فلا يؤخر حده إلى البرء بخلاف الجلد.
واتفقوا على ان حد الرجم لا يقام على المرأة الزانية اذا كانت حبلى ويؤخر إلى أن تلد ويرضع الطفل حتى يأكل، كما فعل النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم في حد الغامدية، ولأن إقامة الحد على الحامل فيه قتل للجنين الذي في بطنها وهو قتل لنفس بريئة من غير وجه حق واتفقوا: على انه إذا مات الزاني في الحد يغسل ويكفن ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين. كما فل الرَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فيمن مات بالحد.
زنا العاقل بالمجنون
إذا مكنت امرأة مسلمة بالغة عاقله مجنونا أجنبياً عنها من نفسها فزنى بها، أو زنى عاقل بالغ بمجنونة اختلف الفقهاء في حكمهما.
الحنفية - قالوا: لو زنى الرجل العاقل البالغ بصبية لا تعقل أو مجنونة مسلوبة العقل يقام الحد عليه، وهو خاص بالرجل.
وإذا أطاعت المرأة العاقلة البالغة صبيا غير بالغ، أو مجنونا ومكنته من نفسها فلا يجب عليها إقامة الحد ولا على من واقعها، لأن الحد يجب على الرجل بفعل الزنا ويجب على المرأة بالتمكين من الزنا والمأخوذ في حد الزنا الحرمة المحضة وذلك غير موجود في فعل الصبي لعدم التكليف فلا يكون معها تمكيناً من الزنا فلا يجب عليها الحد وفعل البالغ العاقل تمحص حراماً فيوجب الحد.
أبو يوسف، ومحمد، وزفر - قالوا: يجب على المرأة العاقلة التي مكنت منها صبياً أو مجنوناً وزنت به لأنها عاقلة مكلفة فتسأل عن أفعالها وذلك هو الراجح) .

جلد غير المحصن

(3) اتفق الفقاء على ان البكرين الحرين العاقلين البالغين المسلمين إذا زنيا فعلى كل واحد منهما الجلد مائة جلدة، وذلك ثابت في كتاب الله تعالى حيث قال الله عز وجل (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من الؤمنين)

قال المفسرون خصصت هذه الآية بلأحاديث الواردة في رجم المحصن وبقيت في حكم غير المحصن.
كيفية قانون حد الجلد
قال الفقهاء: ضرب التعزير أشد من ضرب الزنا، وضرب الزنا أشد من ضرب شارب الخمر وفي حالة الجلد لا يضرب بسوط جديد حتى لا يزيد الألم، ولا بسوط قديم بال حتى لا يؤلمه الضرب،وإنما يضرب بسوط وسط مصنوع من الجلد، قالوا: ولا يمد المضروب ولا يشد ولا يبالغ الجلاد في الضرب ولا يجرد من جميع ثيابه فيترك عليه قميص يستر عورته ويرفع عنه الفرو وثياب الجلد ويفرق الضرب إلى جميع الأعضاء حتى يعطى كل عضو حظه من الضرب لأنه قد ذاق اللذة في كل عضو، ولأن جمع الجلدات في عضو واحد ربما يؤدي إلى الإتلاف، والإتلاف غير مستحق فيرق الضرب على الأعضاء كي لا يؤدي إلى الإتلاف المنهي عنه بقول النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، زنا بعد إحصان، وارتداد بعد إسلام، ومقتل نفس بغير نفس) رواه الترمذي عن سيدنا عثان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ويتقي في الضرب المقاتل، كثغرة النحر والفرج والوجه لأنه يجمع بين المحاسن ولقول النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) وما روي عن سيدنا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ للجلاد دق الرأس فإنه فيه شيطاناً، ويضرب الرجل قائماً.
أما المرأة فتضرب جالسة مستورة ولا تجرد من ثيابها لأنه عورة مستورة وكشف العورة حرام، إلا أنه ينزع عنه الحشو والفرو، والجلد، ليخلص الألم إلى جسدها حتى يحصل المطلوب من إقامة الحد وهو الشعور بالألم لتتزجر وتقلع عن الذنب، وإنما تضرب وهي قاعدة. لقول سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يضرب الرجل قائماً والمرأة قاعدة، ولأن مبنى حال الرجل على الانكشاف والظهور حتى يعتبر به غيره، ومبنى حال المرأة على الستر والخفاء.
جلد المريض
إذا كان المطلوب جلده نحيفاً، أو هزيلاً شديد الهزال، أو مريضاً خبيثاً لا يرجى برؤه، كالمسلول والمجذوم، والمصاب بالسرطان، وغير ذلك من الأمراض الفتاكة الخطيرة، يجلد بمكتال النخل، أي (عرجون عليه غصن) وبه مائة غصن أو خمسون ففي المائة يضرب به مرة واحدة، وفي الخمسين يضرب به مرتين مع ملاحظة مس الاغصان لجميع جسمه، أو يضرب بطرف ثوب مفتول، او يضرب بالنعال، كما حدث أيام الرَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقد روي البخاري رحمه الله وأبو داود، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: أتي النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم برجل قد شرب الخمر فقال: اضربوه، منا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله فقال عليه الصلاة والسلام: (ولا تقولواهكذا لاتعينوا عليه الشيطان)
فيفهم من الحديث جواز الضرب في حالة الحد بكل شئ يؤلم، فيستعمل هذا في حالة المرض الشديد تيسيراً من الله على المرضى.
أما في حالة الصحة فلا يجوز استعمال هذه الآلات. حيث انه لا يؤدي الخرض المطلوب، من إقامة الحد، وهو التألم والانزجار عن الوقوع في الجلد، فيتعين الضرب بسوط الجلد حتى يحصل المقصود.
واتفق الفقهاء على انه لا يجوز جلد الزاني في حالة الحر الشدي، ولا في حالة البرد الشديد، بل يجب تأخيره الى اعتدال الجو.
واتفق الأئمة على ان الزاني غير المجصن اذا كان مريضاً بمرض يرجى برؤه لا يقام عليه الحد، بل يؤخرويسجن حتى يبرأ منه كي لا يهلك اجتماع الضرب مع المرض.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #290  
قديم 13-11-2022, 01:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

حد النفساء والحامل
اتفق الفقهاء على ان الرأة لاتجلد في حالة الحمل بل تؤخر حتى تضع الجنين، تزول ألم اولادة وتبرأ من النفاس حفظاً للجنين والمرأة لئلا يهلكا باجتماع الجلد وألم الولادة ومرض النفاس، لما روي عن الإمام علي كرم الله وجهه أنه خطب المسلمين فقال: أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بالنفاس، فخشيت إن جلدتها قتلتها، فذكرت ذلك للنَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: (أحسنت) .
وروى الخمسة غير البخاري عن عمران بن حصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أن امرأة من جهينة أتت رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وهي حبلى من الزنا. فقالت: يا نبي اللَّه أصبت حداً فأقمه عليّ، فدعى نبي اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وليها فقال: (أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل، فأمر بها النَبِي اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فشدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها، فقال عمر: تصلي عليها يا نبي اللَّه وقد زنت؟ فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها للَّه تعالى؟) .
فيؤخذ من الحديث إقامة الحد على العبد والأمة، من ككان محصن أو غير محصن، كما يؤخذ من الحديث تأخير الحد عن النفساء حتى تصح ويتم نفسها وترضع طفلها، حتى يستغنى عنها رحمة بالجنين وهذا من يسر الإسلام.
الجمع بين الجلد والرجم
المالكية، والشافعية، والحنفية - قالوا: لا يجوز الجمع بين الجلد والرجم على المحصن، لأن حد الرجم نسخ حد الجلد ورفعه، ولأن الحد الأصغر ينطوي تحت الحد الأكبر، ولا تحصل منه الفائدة المرجوة، وهو الزجر والإقلاع عن الذنب حيث أن الجاني سيموت.
الحنبلة قالوا: إن المحصن يجلد في اليوم الأول ثم يحد بالرجم في اليوم الثاني، لما روي عن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أنه جلد رجلاً يوم الخميس ورجمه يوم الجمعة.
ولكن الراجح هو قول الجمهور لأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم ماعزاً، ورجم امرأة من جهينة، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه جلد واحداً منهما قبل رجمه.
قَالَ الإمام الشافعي رحمه اللَّه فدلت السنة على أن الجلد ثابت على البكر ساقط عن الثيب. وكل الأئمة عندهم رجم بلا جلد.
الجمع بين الجلد والتغريب

اختلف الفقهاء في ذلك.
المالكية - قالوا: يجب تغريب البكر الحر الزاني غير المحصن، بعد اقامة الحد عليه، بعيداً عن موطنه الذي يقيم فيه مسافة قصر، ولمدة عام، لتقبيح الزنا في عين الزاني، ورحمة به لبعده عن المكان الذي حصل فيه الزنا، لانه يحصل له اذى وخزي كلما رآه اهل بلده وجيرانه ويحتقرونه في المساجد والمجتمعات، ويحصل لهم الاثم، من تعييره، فتغريبه أفضل له ولهم.
وأما المراة الزانية فلا تغريب عن بلدها خوفاً من شيوع الفتنة وإنتشار الفساد، ولإنها عورة وفي تغريبها تضييع لها وقد نهى الشارع أن تسافر المرأة بغير ذي رحم محرم معها، والواجب عليها الجلوس في عقر بيتها والبعد عن المجتمع، وهو الامساك في البيوت.
الحنفية - قالوا: لا يجوز الجمع بين الجلد والتغريب، لان التغريب لم يذكر في آية النور، فهو زيادة على النص، التغريب ثابت بخبر واحد فلا يعمل به، ولا يكون من تمام الحد، وإنما يترك الرأي للإمام، ويكون من باب التعزير فإن رأي الإمام فيه فائدة غربه، وإن ير فيه فائدة فلا يبغده عن وطنه، وقال الإمام أبو حنيفه في هذا المقام حكمته الشهورة: (كفى بالنفي فتنه) . وما فعله بعض الصحابة كان باجتهاده.
الشافعية، والحنابلة - قالوا: إنه يجمع في حق الزانيين البكرين الحرين العاقلين، بين الجلد والتغريب إلى حد قصر فيه الصلاة، حتى يحصل لهما الوحشة بالبعد عن الاهل والوطن، فيحصل فيه زجر عن الوقوع في الخطيئة. وبه حكم ابو بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والإمام علي رضي الله عنهم حتى قال بعضهم: وأرى فيه الإجماع لما ثبت ان عمر غرب الى الشام وعثمان غرب إلى مصر وعلي غرب الى البصره. وما روي أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قال: (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث العسيف (على ابنك جلد مائة وتغريب عام) ويغرب الذكر والانثى على السواء مع ملاحظة ان يكون مع الزاني ذو رحم محرم على نفقتها في حالة غربتها، يرافقها ويقيم معها.
(4) اختلف العلماء في حكم من وجد مع امرأة رجلا، وتحقق وجود الفاحشة منهما. فقتله هل يقتل ام لا؟ .

الجمهور - قالوا: لا يصح ان يقدم الرجل على قتل رجل وجده عند زوجته، وتحقق من ارتكابه الفاحشة لما روى البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه: (ان سعد بن عبادة رضي اله عنه قال: يارسول الله أرأيت ان وجدة مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (نعم فإن قتله يقتص منه، إلا أن يأتي ببينة على ارتكابه جريمة الزنا وهومحصن أو يعترف القتول بذلك، أما اذا قتلهما أو أحدهما، ولم يستطع ان يأتي بالبينة وإحضار الشهداء على الزنا، او الإعتراف. فإنه يطالب بالقود، والقصاص، أو الدية لأنه يجوز لرجل أن يدعو رجلاً آخر لدخول بينه لعمل شيء ثم يقتله لضغن في نفسه ويقول: وجدته مع امرأتي كذباً.
ويجوز ان يقتل الرجل زوجته ليتخلص منها لشيء في نفسه، ثم يدعي عليها زوراً، أنه وجد معها رجلاً يزني بها، لذلك احتاط الشارع في هذا حفظاً للأرواح بأنه يجب على القاتل إقامة البينة على دعواه، فإن استطاع إقامة البينة فلا شيء عليه) .
وذهب بعض السلف: إلى انه لا يقتل أصلاً، ويعذر فيما فعله، إذا ظهرت أمارات صدقه، بكشف الطبيب الصادق عليهما، أو وجود شبهات سابقة على سوء سلوك الزوجة، أو اشتهار المقتول بالزنا أو غير ذلك.
الحنابلة، والمالكية -: قالوا: إن أتى بشاهدين إلى انه قتله بسبب الزنا، وكان القتول محصناً فلا شيء عليه.
الهادوية - قالوا: يجوز للرجل أن يقتل من وجده مع زوجنه. أو أمته، أو ولده حال الفعل، ولا شيء عليه، وأما بعد انتهاء الفعل فيأتي ببينة أو يقتص منه إن كان بكراً.
الشافعية - قالوا: إذا وجد الرجل مع امرأته رجلاً فادعى أنه ينال ينال منها ما يوجب الحد، وهما ثيبان فقتلهما. أو أحدهما، ولم يأت بالبينة كان عليه القود أيهما قتل، إلا أن يشاء أولياء الدم أخذ الدية، أو العفو.
ولو ادعى على أولياء المقتول منهما أنهم علموه قد نال منها ما يوجب عليه القتل إن كان الرجل، أو ميلاً من المرأة إن كانت المرأة المقتولة، اكن على أيهما ادعى ذلك عليه أن يحلف أنه ما علم.
وهكذا لو وجد رجلاً يتلوط بابنه، أو يزني بجاريته، لا يختلف الحكم. ولا يسقط عنه القود، والقتل إلا إذا أتى ببينة على الفعل.
ولو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً ينال منها ما يوجب حد الزاني فقتلهما والرجل محصن والمرأة غير محصنة بأن كانت غير مسلمة، أو أن العقد بغير شهود فلا شيء في الرل، وعليه القود في المرأة، وإذا كان الرجل غير محصن والمرأة محصنة كان عليه القود في الرجل، ولا شيء عليه في المرأة، إذا استطاع أن يأتي بابينة على ارتكابهما الزنا.
فقد روي عن ابن المسيب أن رجلاً بالشام وجد مع امرأته رجلاً فقتله وقتلها، فكتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري بأن يسأل له عن ذلك علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فسأله فقال علي كرم اللَّه وجهه: (أنا أبو الحسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته) . أي يقتل.
وروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ أنه أهدر دم المقتول، وقال: هذا قتيل اللَّه، واللَّه لا يودى أبداً.
وهذا الذي صدر عن سيدنا عمر، لأن البينة قامت عنده على أن المقتول ارتكب الزنى وهو محصن، أو على أن ولي القمتول أقر عنده بما وجب به أن يقتل المقتول.
وقد قَالَ: إن كان القاتل معروفاً بالقتل فاقتلوه، وإن كان غير معروف بالقتل فذروه ولا تقتلوه ...
وأما الأديان السابقة، فقد أجمعت على تحريم الزنا، كما ثبت ذلك في الكتب المزلة من السماء.
موقف القوانين الوضعية من هذه الجريمة
لقد انقسمت القوانين الوضعية في معلجتها لهذه الجريمة البشعة إلى ثلاثة أقسام:
-1 - قوانين لا تعاقب على جريمة الزنا إطلاقاً، بل تبيحها كالقانون الإنكليزي.
-2 - قانون يعاقب على الجريمة بالتساوي دون التفرقة بين الزوج والزوجة، كالقانون الألماني.
-3 - قانون يعاقب على الجريمة، ولكنه يفرق بين الزوج والزوجة، كالقانون الفرنسي، وهو الذي، تسير عليه القوانين الحالية في محاكم الجمهورية العربية.

مقارنة بين القانون السماوي والقانون الوضعي

إن الدين الإسلامي يعتبر كل اتصال جنسي محرم بي رجل وامرأة. أو بين رجل ورجل جريمة زنا، سواء أكان الرجل محصناً، أم غير محصن، أم غير محصن إذا كان مميزاً، بالغاً، عقلاً، غير مكوه، ولا دخل للمكان فيه.

أما القانون الوضعي: فلا يعتبر هذه الجريمة زنا إلا إذا كان الفعل بين رجل متزوج، وامرأة متزوجة، أو كان أحدهما متزوجاً، ووقعت الجريمة بالشروط، والأوضاع التي بينها القانون.

فبالنسبة للرجل، لا تتحقق الجريمة إلا في منزل الزوجية، فلو وقعت في غير هذا المكان لا تعد حناية، ولا يعاقب عليها، وبالنسبة للمرأة، فإن الجريمة تقع منها متى ارتكبتها في أي مكان، ما دامت مقترنة بزوج.
ويتضح الفرق في القانون الوضعي بين الزوج، والزوجة فيما يأتي:
-1 - يثبت الزنا على الزوجة إذا ارتكبته في أي مكان، أما الزوج فلا يثبت عليه الزنا إلا إذا ارتكبه في منزله - المادة (274 - 277) من القانون.
-2 - تعاقب الزوجة بالحبس إذا ضبطت متلبسة بالجريمة، مدة لا تزيد عن سنتين، أما الزوج فيحبس لمدة ستة أشهر.
-3 - لا يجوز للزوجة أن تسامح زوجها بعد الحكم النهائي عليه، وإن كانت تستطيع أن تسامحه قبل صدور الحكم عليه. أما الزوج فيستطيع أن يعفو عن زوجته حتى بعد صدور الحكم النهائي عليها، لأنه تنازل عن حقه - المادة (274) .
-4 - يخفف القانون عقوبة الزوج الذي تعفو عنه زوجته، إذا ضبط متلبساً بجريمة الزنا، بينما هي لا تستفيد من هذا التخفيف.
-5 - من فاجأ زوجته حال تلبسها بجريمة الزنا فقتلها، وقتل من يزني بها يعاقب بالحبس مدة متناسبة بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين (234 - 236) في شأن من قتله رجل آخر.
وقد جرى قانون النقض في المحاكم المصرية على أن القتل في هذه الحالة يعتبر جريمة جنحة، فلا يعاقب على الشروع فيه لعدم النص.
مبحث دفاع الرجل عن ماله وحريمه
اتفق الفقهاء: على أن الرجل إذا هجم عليه رجل يريد أخذ ماله، أو قتله في مصر فيه غوث، أو كان في صحراء لا غوث فيها، أو أريد هتك حريمه في واحد منهما، فالإختيار له، أن يكلم المجرم، الذي يريده ويستغيث بالمسلمين، أو الجند، فإن منع أو امتنع وتركه ورجع عنه لم يكن له قتاله، وإن أبى أن يمتنع وهجم عليه يطلب ماله، أو يريد قتله، أو قتل بعض أهله، أو دخول على حريمه، زوجة، أو بنت، أو أخت، أو أم، أو إحدى المحارم، أو خادمة، أو أمة، أو صبي. أو قتل اللص الحامية التي من خارج الدار، حتى يتمكن من الدخول على النساء لإرتكاب الفاحشة، أو اغتصاب إحداهن، كرهاً فيجب على رب الأسرة أن يدافع عنها بكل ما أوتي من قوة، وسلاح، فإذا لم يستطع رده إلا بالضرب، باليد، أو العصا، أو السلاح، أو غيره، فله ضربه في هذه الحالة، ولكن ليس له تعمد قتله من أول وهلة، بل يضربه في غير مقتل. فإن ضربه دفاعاً عن نفسه، أو ماله، أو عرضه، ومات المعتدي، فلا عقل عليه، ولا قود، ولا دية، ولا كفارة، ولا إثم يوم القيامة، ولا تعزيز من الحاكم، ويكون دمه هدراً، وإن قتل الرجل المدافع بسلاح اللص الظالم فهو شهيد، وله أجر مجاهد في سبيل اللَّه عز وجل.
روى الترمذي وغيره عن سعد بن زيد رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) قَالَ: وهو حديث حسن.
وروى مسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: (جاء رجل إلى رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: يا رسول اللَّه أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي، قَالَ: لا تعطه مالك، قَالَ أرأيت إن قاتلني؟ قَالَ: قالته، قَالَ: أرأيت إن قتلني؟ قَالَ: فأنت شهيد، قَالَ: أرأيت إن قتلته؟ قَالَ: هو في النار) . ويقاس عليه من دافع عن نفسه، وعرضه، ودينه كما سبق في الحديث الشريف.
ضرب المرأة لتأديبها
اتفقت كلمة فقهاء المسلمين على جواز ضرب الزوجة إذا نشزت، أو خالفت أمره، أو ارتكبت فاحشة.

لقوله الله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، واهجرونهن في المضاجع، واضربوهن} أي ضرباً مؤلماً غير مبرح فلا يكسر عضواً، ولا يسيل دماً، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم لستم تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نشائكم حقاً، ولنشائكم عليكم حقاً فحقكم عليهن أن لا يوطئن، فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا غليهن، وكسوتهن وطعامهن" رواه الترمذي رحمه الله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 429.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 423.31 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]