صلاة النافلة بعد إقامة الفريضة
د. عبد الرحمن بن محمد القرني
الأحاديث الواردة في النهي عن صلاة النافلة بعد إقامة الفريضة
1- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة». رواه مسلم وغيره(1).
2- وعن عبد الله بن مالك ابن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لاث به الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آلصبحَ أربعاً؟، آلصبحَ أربعاً؟» متفق عليه(2).
قبل الولوج في خلاف العلماء في هذه المسألة أحب أن أبين أن منشأ الخلاف فيها هو من جهتين:
الجهة الأولى: هل يشمل النهي -وهو ما أفاده النفي في قوله «فلا صلاة إلا المكتوبة»- الابتداء أو الإتمام؟(3).
الجهة الثانية: هل النفي للصلاة (فلا صلاة..) هل هو نفي للكمال أم الصحة؟(4)
فلما اختلفت نظرة الفقهاء لهاتين الجهتين اختلفت آراؤهم في الحكم عليها بعد اتفاقهم على أنه لا يشتغل عنها بتحية المسجد(5)، والخلاف -الأكثر- واقع في سنة الفجر على أقوال أربعة(6).
القول الأول:
يمنع الابتداء بالنافلة -تحريماً عند المالكية ومطلقاً عند الحنابلة(7)- بعد إقامة الفريضة سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لم يخش.
قال المرداوي: إذا تلبس بنافلة بعد ما أقيمت الصلاة لم تنعقد على الصحيح من المذهب ا.هـ(8).
وأما إن أقيمت الصلاة وهو في النافلة، ولم يخش فوات الجماعة، أتمها، ولم يقطعها، وبهذا قال أبو هريرة، وابن عمر، وعروة، وابن سيرين، وسعيد بن جبير(9) وهو مذهب المالكية(10)، والحنابلة(11)، ونص في الكافي على أنه يتمها خفيفة(12).
وذكر بعض فقهاء المالكية أنه يخرج من المسجد ويصليها ثم يعود(13).
وحديثهم عن ركعتي الفجر فيصليها-إن دخل وقد أقيمت الصلاة- خارج المسجد حتى لا يقع في النهي فيصلي نفلا بحضرة الفرض.
قال ابن قدامة: وإن خشي فوات الجماعة-أي إن أقيمت وهو فيها-(14)، فعلى روايتين؛ إحداهما، يتمها؛ والثانية، يقطعها؛ لأن ما يدركه من الجماعة أعظم أجرا وأكثر ثوابا مما يفوته بقطع النافلةا.هـ(15)
القول الثاني:
يحرم الاشتغال بأي نافلة بعد سماع الإقامة، وإن دخل في ركعتي الفجر فأقيمت صلاة الصبح فقد بطلت الركعتان، ولو لم يبق عليه منهما إلا السلام ويدخل بابتداء التكبير في صلاة الصبح كما هو. وهذا قول ابن حزم(16).
القول الثالث:
كراهة النافلة بعد إقامة الفريضة مطلقاً سواءً كان ذلك ابتداءً أو إتماماً وسواءً كانت سنة الفجر أو غيرها، وهذا مذهب الشافعية (17).
قال ابن المنذر:وكره ذلك سعيد بن جبير، وابن سيرين، وعروة بن الزبير، وإبراهيم النخعي... والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور ا.هـ(18)
وكما أنت راءٍ أنّ ابن المنذر لم يميز بين كراهة التحريم وكراهة التنزيه.
القول الرابع: كراهة ابتداء التطوع بعد الإقامة إلا ركعتي الفجر إذا لم يخف فوت جماعتها ولو بإدراك التشهد وقد نقله ابن المنذر عن بعض فقهاء السلف كابن مسعود -رضي الله عنه-، ومسروق، ومكحول، والحسن البصري، ومجاهد(19)، وإليه ذهب الحنفية(20).
أدلة الأقوال ومناقشتها.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
حديث أبي هريرة في المطلب الأول «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة».
ووجه الدلالة منه:
ما قاله العراقي: إن قوله: "فلا صلاة " يحتمل أن يراد: فلا يشرع حينئذ في صلاة عند إقامة الصلاة , ويحتمل أن يراد: فلا يشتغل بصلاة وإن كان قد شرع فيها قبل الإقامة بل يقطعها المصلي لإدراك فضيلة التحريم , أو أنها تبطل بنفسها وإن لم يقطعها المصلي , يحتمل كلا من الأمرين ا.هـ(21).
ونوقش:
بأن المحفوظ وقفه على أبي هريرة(22)
وأجيب عنه:
بأنه روي مرفوعاً وموقوفاً قال الترمذي بعد روايته للحديث: والحديث المرفوع أصح عندنا(23).
حديث عبد الله بن مالك ابن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لاث به الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آلصبحَ أربعاً؟، آلصبحَ أربعاً».
ووجه الدلالة منه:
ما قاله الخطابي: قوله (آلصبحَ أربعاً؟، آلصبحَ أربعاً) يريد أن الصلاة الواجبة إذا أقيمت لم يصل في زمانها غيرها من الصلوات.ا.هـ(24).
عن عبد الله بن سرجس(25) -رضي الله عنه- قال: دخل رجل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة، فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا فلان بأي الصلاتين اعتددت، أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا؟»(26).
ووجه الدلالة منه:
ما قاله النووي: فيه دليل على أنه لا يصلي بعد الإقامة نافلة وإن كان يدرك الصلاة مع الإمام ورد على من قال إن علم أنه يدرك الركعة الأولى أو الثانية يصلي النافلة ا.هـ(27)
ونوقش الحديثان:
بأن المراد من هذا الحديث هو وصله إياها بالفريضة في مكان واحد(28)
ويمكن أن يجاب عنه:
بأن النهي عن وصل النافلة بالفريضة معروف وله نصوصه، ولكن لا يُسلّم بأن المراد من النهي هو ذلك فقط بل يضاف له لئلا ينشغل المصلي بالمفضول عن الفاضل.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " أقيمت الصلاة ولم أكن صليت الركعتين يعني صلاة الصبح وركعتي الفجر، قال ابن عباس: فقمت لأصليهما فجبذني وقال: أتريد أن تصلي الصبح أربعًا؟ قيل لأبي عامر: النبي صلى الله عليه وسلم فتل ابن عباس؟ قال: نعم؟"(29)
ووجه الدلالة منه:
هو نهي النبي صلى الله عليه وسلم بفعله لابن عباس عن أداء ركعتي الفجر بعد الإقامة.
عن سويد بن غفلة(30) قال: كان عمر يضرب على صلاة بعد الإقامة(31).
عن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- رأى رجلا يصلي والمؤذن يقيم فقال: أتصلي الصبح أربعاً؟(32).
ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به، فلم يشتغل به(33).
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بما استدل به أصحاب القول الأول إلا أنهم قالوا ببطلان الصلاة فور الشروع في الإقامة وهذا مصير من ابن حزم ومن قال بقوله إلى أن النهي يقتضي فساد الصلاة؛ فلا تحتاج إلى نية القطع أو التسليم.
ويمكن أن يناقش: أن النهي يقتضي الفساد.
بحديث عبدالله بن مالك ابن بحينة، وعبدالله بن سرجس ففي الحديثين لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم من تنفل بعد إقامة الفريضة بإعادة النافلة أو يبين فسادها كما فعل في حيث المسيء في صلاته.
ومن المقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
يتبع