الشجاعة الأدبية في الاحتراز من الوقوع في أعراض المسلمين - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السيول والأمطار دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مضى رمضان.. فلا تبطلوا أعمالكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فضل علم الحديث ورجاله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الترهيب من قطيعة الرحم من السنة النبوية المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          لمحات في عقيدة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          عقيدة الشيعة فيك لم تتغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          شرح حديث: تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أدومه وإن قل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-08-2020, 04:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي الشجاعة الأدبية في الاحتراز من الوقوع في أعراض المسلمين

الشجاعة الأدبية في الاحتراز من الوقوع في أعراض المسلمين


د. هاني الشتلة




إنها حَلْقَة جديدةٌ فريدةٌ من حَلْقَات سلسلةِ فنونِ الإيذاءِ والمِحَن، التي لَقِيها النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعداء الدين، ولقد كانت هذه المِحْنة أشدَّ في وَقْعِها على نفسه من كل المِحَن التي واجهته من قبل، وتلك هي طبيعة الشرِّ الذي يَصْدُر من المنافقين، فهو دائمًا أقسى من غيرِه، وأبلغُ في المَكِيدة والضرر؛ إذ تكون الفرص والأسباب خاضعةً لهم أكثرَ من غيرهم، وخبرُ الخوضِ في العِرْض الكريم للنبي - صلى الله عليه وسلم - صورةٌ فريدةٌ للأذى الذي تفرَّد به المنافقون، وقد كانت صورةً أبلغَ من غيرها في الإيذاء؛ لأن كل ما كان يُكَابِده قبل ذلك من المِحَن كان أمرًا متوقعًا، وقد وطَّن نفسه لقَبولِها وتحمُّلها، وليس التقاؤه بها في طريق الدعوة مفاجأةً له، أما هذه، فقد فوجئ بها؛ لأنها ليس مما قد اعتاد أو توقَّع، إنها شائعةُ خوضٍ في عِرضه، لو صحَّت، لكانت طعنةً نجلاءَ في أخصِّ ما يَعْتَزُّ به الإنسان، وأخص ما يتَّصِف به، و هو الشرف والكرامة، وما الذي أدراه أنها شائعة صحيحة أو باطلة؟

من هنا؛ كانت هذه الأذيَّة أبلغَ في تأثيرِها من كل ما عداها؛ لأنها جاءت لتُلْقِي بشعوره النفسي في اضطراب مُثِير لا مناصَ منه، ومع ذلك لو سارع الوحيُ إلى كشفِ حقيقة الأمر وفَضْح إفك المنافقين، لكان في ذلك مَخْلَصٌ من هذا الاضطراب والشكوك المثيرة، ولكنَّ الوحي تلبَّث أكثرَ من شهر لا يعلِّق على ذلك، فكان ذلك مصدرًا آخر للقلق، والظنون، والشكوك، والريبة.

ومع ذلك، فإن هذه المحنة جاءت منطويةً على حِكَم إلهية، استهدفت إبرازَ شخصيته - صلى الله عليه وسلم - وإظهارَها صافيةً مميَّزةً عن كل ما قد يَلْتَبِس بها.

إن معنى النبوة في حياته - صلى الله عليه وسلم - كان من المحتمل أن يَبْقَى مَشُوبًا في وَهم بعض المؤمنين به والكافرين على السواء، لو لم تَأْتِ تلك الحادثة، لتَهُزَّها هزًّا قويًّا، يفصل إنسانيته العادية عن معنى النبوة الصافية فيه، ثم لتُجَلِّي معنى النبوة والوحي تجليةً تامةً أمام الأنظار والأفكار؛ حتى لا يَبْقَى أي مجال التباس بينه وبين أي معنى من المعاني النفسية أو الشعورية الأخرى.

لقد فاجأت هذه الجَرِيرة سَمْعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في طَوْر الإنسانية العادية، يتصرَّف ويتأمل، ويفكر ويستفسر، شأنُه في ذلك شأنُ أي فرد من الأمة، فاستقبلها كما يستقبل مثلَها أيُّ بشر عادي، ليس له اطلاعٌ على غيبٍ مَكْنُونٍ، ولا ضميرٍ مجهولٍ، ولا على قصد ملفق كاذب.

فاضطرب كما يضطربون، وأخذ يقلِّب الرأي والأمر على وجوهه، ويستنجد في ذلك بمشورة أُولي الرأي من أصحابه.

وكان من مقتضى الحكمة الإلهية في إبراز هذا الجانب الإنساني المجرد عنده - صلى الله عليه وسلم - أن يتأخَّر الوحي كل هذه الفترة مسيرةَ شهرٍ؛ كي تتجلَّى للناس تلك الحقائقُ، وقد كانت السيدة التي تم الخوض في عِرْضها أوَّلَ مَن تجلَّت لها تلك الحقيقة، حتى ذهبت في توحيدِها وعبوديتِها لله وحدَه مذهبًا أنساها ما سواه ومَن سواه؛ لذا أجابت حين طَلَبت منها أمُّها أن تشكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما سُرِّي عنه ببراءتها، وقال لها: يا عائشة، أما الله - عز وجل - فقد برَّأك.

وقد انساقت وراء الحالة - التي كوَّنتها الحكمة الإلهية؛ تثبيتًا لعقيدة المؤمنين، وقطعًا لإفك المنافقين، وإظهارًا لمعنى العبودية الشاملة لله وحده - قائلة: لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، فهو الذي أنزل براءتي. للهِ دَرُّك يا أم المؤمنين!

ولنَتْرُكِ الحديث عن تلك المحنة، ولنَدَعِ الصديقةَ بنت الصديق - رضي الله عنهما - تَقُصُّ الرواية بنفسها؛ فإنَّا نحب أن نسمعها من أُمِّنا، فتقول:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرجَ أَقْرَع بين أزواجه، فأيَّتهن خرج سهمُها خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوةٍ غزاها، فخرج سهمي، فخرجتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما نزل الحجابُ، فأنا أُحْمَل في هَوْدَجِي، وأُنْزَل فيه، فَسِرْنا حتى إذا فَرَغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته تلك، وقَفَل - رجع - ودَنَونا من المدينة قافلين، آذَن ليلةً بالرحيل، فقمتُ حين آذنوا بالرحيل، فمشيتُ حتى جاوزتُ الجيشَ، فلما قضيتُ شأني، أقبلتُ إلى رَحْلِي، فإذا عِقْدٌ لي من جَزْعِ ظَفَارِ - مدينة بعُمان - قد انقطع، فالتمست عِقْدي وحبسني ابتغاؤه.

وأقبل الرَّهْط الذين كانوا يُرَحِّلُون لي، فاحتملوا هَوْدَجِي، فَرَحَّلُوه على بعيري الذي كنتُ رَكِبتُ، وهم يَحْسَبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خِفافًا لم يُثْقِلهن اللحم، إنما يأكلن العُلْقَة - القليل - من الطعام، فلم يَسْتَنْكِر القوم خفَّةَ الهَوْدَج حين رفعوه، وكنتُ جاريةً حديثةَ السنِّ، فبَعَثوا الجمل وساروا، فوجدتُ عِقْدي بعد ما استمرَّ الجيش، فجئتُ منازلَهم، وليس بها داعٍ ولا مجيبٌ، فأمَّمتُ منزلي الذي كنتُ به، وظننتُ أنهم سيفقدوني، فيرجعون إليَّ، فبَيْنَا أنا جالسة في منزلٍ، غلبتني عيني فنمتُ، وكان صَفْوَان بن المُعَطَّل السُّلَمِي ثم الذَّكْوَاني من وراء الجيش فأَدْلَج، فأصبح عند منزلي، فرأى سوادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاني فعَرَفني حين رآني - وكان يراني قبل الحجاب - فاستيقظتُ باسترجاعِه - قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون - حين عَرَفني، فخمَّرت وجهي بجلبابي.

والله ما كلَّمني كلمةً ولا سمعتُ منه كلمةً غيرَ استرجاعه، حتى أناخ راحلتَه، فوَطِئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش، بعدما نزلوا مُوغِرين في نحر الظَّهِيرة - شدة الحر - فهَلَك مَن هلك، وكان الذي تولى الإفكَ عبدُالله بنُ أُبَيِّ بن سَلُول، فقَدِمنا المدينة، فاشتكيت - مرضت - حين قدمت شهرًا، والناس يُفِيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يَرِيبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللُّطْف الذي كنتُ أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيُسَلِّم، ثم يقول: كيف تِيكُم - اسم إشارة للبعيد -؟ ثم ينصرف، فذاك الذي يَرِيبني، ولا أشعر بالشر.

حتى خَرَجتُ بعد ما نَقهْت - أَفَقْت من المرض - فخَرَجَتْ معي أمُّ مِسْطَح قِبَل المَنَاصِع - مواضع لقضاء الحاجة - وهو مُتَبَرَّزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليلٍ، وذلك قبل أن تُتَّخذ الكُنُف - بيوت الخلاء - قريبًا من بيوتنا، وأمرُنا أمرُ العرب الأُوَل في التبرُّز قِبَل الغائط، فكنا نتأذَّى بالكُنُف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقتُ أنا وأم مِسْطَح، وهي ابنة أبي رُهْم بن عبدمناف، وأمُّها بنت صَخْر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنُها مِسْطَح بن أُثَاثة، فأقبلتُ أنا وأم مِسْطَح قِبَل بيتي، وقد فَرَغنا من شأننا، فعَثَرَت أم مِسْطَح في مِرْطِها، فقالت: تَعِس مِسْطَح، فقلتُ لها: بئس ما قلتِ، أَتَسُبِّين رجلاً شهِد بدرًا؟ قالت: أي هَنْتَاهْ - أَيْ هذه، أو أيُّ امرأة أنتِ - أولم تسمعي ما قال؟ قالت: قلتُ: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددتُ مرضًا على مرضي، فلما رَجَعت إلى بيتي، ودخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "تعني: سلَّم" ثم قال: كيف تيكم؟ فقلتُ: أَتَأْذن لي أن آتِيَ أبويَّ.

قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قِبَلهما، قالت: فأَذِن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئتُ أبويَّ، فقلتُ لأمي: يا أُمَّتَاه، ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بُنَية هوِّني عليك، فوالله لقلَّما كانتِ امرأة قطُّ وَضِيئةً عند رجل يحبُّها، ولها ضرائرُ، إلا أكثرن عليها، قالت: فقلت: سبحان الله، أوَلقد تحدَّث الناس بهذا؟ قالت: فبكيتُ تلك الليلة حتى أصبحتُ لا يَرْقَأ - لا ينقطع - لي دمع، ولا أَكْتَحِل بنوم، حتى أصبحت أبكي.

فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد - رضي الله عنهما - حين استَلَبث - تأخَّر - الوحيُ، يستأمرهما في فِرَاق أهله، قالت: فأمَّا أسامة بن زيد، فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يَعْلَم من براءة أهله، وبالذي يَعْلَم لهم في نفسه من الوُدِّ، فقال: يا رسول الله، أَهْلُكَ، وما نعلم إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب، فقال: يا رسول الله، لم يُضَيِّقِ الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تَسْأَل الجارية تَصْدُقْك.

قالت: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ، فقال: أَيْ بَرِيرَةُ، هل رأيت من شيءٍ يَرِيبك؟ قالت بَرِيرَة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرًا أَغْمِصُه عليها أكثرَ من أنها جاريةٌ حديثة السنِّ تنام عن عَجِين أهلها، فتأتي الدَّاجِن - أي: الشاة التي تألف البيت، ولا تخرج إلى المرعى - فتأكله.

فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعذر يومئذٍ من عبدالله بن أُبَيِّ بن سَلُول، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر: يا معشر المسلمين، مَن يَعْذِرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمتُ على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله، وأنا أَعْذِرك منه، إن كان من الأَوْس، ضربتُ عُنُقه، وإن كان من إخواننا من الخَزْرج، أمرتنا ففعلنا أمرك.

قالت: فقام سعدُ بن عُبَادة - وهو سيِّد الخَزْرج، وكان قبلَ ذلك رجلاً صالحًا، ولكن احتملته "غلبته، وحملته، وأغضبته" الحَمِيَّة - فقال لسعد: كذبتَ لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أُسَيد بن حُضَير - وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال لسعد بن عُبَادة: كذبتَ لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافقٌ تجادل عن المنافقين، فتساور الحَيَّان الأَوْس والخَزْرج حتى هَمُّوا أن يقتتلوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ على المِنْبر، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضهم حتى سكتوا وسكت.

قالت: فمَكَثت يومي ذلك لا يَرْقَأ لي دمع ولا أَكْتَحِل بنوم، قالت: فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتينِ ويومًا، لا أَكْتَحِل بنوم ولا يَرْقَأ لي دمع، يَظُنَّانِ أن البكاء فالقٌ كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، فاستأذنت عليَّ امرأةٌ من الأنصار فأَذِنت لها، فجَلَست تبكي معي.

قالت: فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسَلَّم، ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لَبِث شهرًا لا يُوحَى إليه في شأني.

قالت: فتشهَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جلس، ثم قال: أما بعد، يا عائشةُ، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئةً فسيُبَرِّئُك الله، وإن كنتِ أَلْمَمْتِ بذنبٍ، فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله، تاب الله عليه.

قالت: فلما قضى رسول الله مقالته، قلص - انقطع واستمسك - دمعي حتى ما أُحِسُّ منه قطرة، فقلتُ لأبي: أَجِبْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ لأمي: أَجِيبِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم.

قالت: فقلت - وأنا جاريةٌ حديثةُ السنِّ، لا أقرأ كثيرًا من القرآن -: إني والله لقد عَلِمتُ: لقد سمعتم هذا الحديث، حتى استقر في أنفسكم، وصدَّقتم به، فلئن قلتُ لكم: إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدِّقوني بذلك، ولئن اعترفتُ لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - لتصدِّقُني، والله ما أجد لكم مثلاً إلا قولَ أبي يوسف، قال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18] [1].

قالت: ثم تحوَّلت، فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن واللهِ ما كنت أظن أن الله منزلٌ في شأني وحيًا يُتْلَى، ولَشَأني في نفسي كان أحقرَ من أن يتكلم الله فيَّ بأمرٍ يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها.

قالت: فوالله ما رام - ما قام - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أُنْزِل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحاء - شدة الكرب - حتى إنه ليَتَحدَّر منه مثل الجُمَان - اللؤلؤ الصغير - من العرق، وهو في يوم شاتٍ من ثِقَل القول الذي ينزل عليه.

قالت: فلما سُرِّي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُرِّي عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلَّم بها: يا عائشة، أمَّا الله - عز وجل - فقد برَّأك، فقالت أمي: قومي إليه، قالت: فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله - عز وجل - وأنزل الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11]، العشر الآيات كلها.

فلما أنزل الله في براءتي، قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وكان يُنْفِق على مِسْطَح بن أُثَاثة؛ لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مِسْطَح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22] [2]، قال أبو بكر: بلى والله، إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا.

قالت عائشة: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل زينب بنت جَحْش عن أمري، فقال: يا زينب، ماذا علمتِ أو رأيتِ؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمتُ إلا خيرًا.

قالت: وهي التي كانت تُسَاميني - تنافسني وتعاليني، وتطلب من السمو والرفعة والحظوة عند رسول الله ما أطلب - من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعَصَمها الله بالورع، وطَفِقت أُختها حَمْنَة تُحَارِب لها، فهَلَكَت فيمن هَلَك من أصحاب الإفك [3].

ويرسم القرآن الكريم لنا صورة لتلك الفترة التي أَفْلَت فيها الزِّمام، وتم الخوض فيها في العِرض الكريم، وهي فترة اختلَّت فيها المقاييس، واضطربت فيها القيم، وضاعت فيها الأصول والأخلاق، لدرجة الخوض بالباطل في عِرض النبي - صلى الله عليه وسلم - وعِرْض صاحبِه الصديق، وعِرْض الصديقة بنت الصديق، فيقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 11 - 17].

وهي صورة فيها الخِفَّة والاستهتار وقلة التحرُّج، وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام، بما قد يتعرَّض له الفرد في الخوض في عرضه، لسانٌ يتلقى عن لسانٍ، بلا تدبُّر ولا تروٍّ، ولا فحص ولا إمعان نظر، حتى لكأن القول لا يمر على الآذان، ولا تتملاَّه الرؤوس، ولا تتدبره القلوب، وتقولون بأفواهكم لا بوعيكم، ولا بعقولكم ولا بقلوبكم، إنما هي كلماتٌ تتقاذفها الأفواه، ككُرَة الثلج المنحدرة من مكان إلى آخر، قبل أن تستقرَّ في المدارك، وقبل أن تتلقاها العقول.

تقذفون عِرْض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتَدَعُون الألم يَعْصِر قلبه وقلب زوجه وأهله، وتُلَوِّثون بيت الصديق الذي لم يُرْمَ في الجاهلية، وتتَّهمون صحابيًّا مجاهدًا في سبيل الله هو صَفْوان بن المُعَطَّل السُّلَمِي، وقد مدحه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي.

وتمسُّون عصمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصِلَته بربِّه، ورعاية الله له، وهو عند الله عظيم، وما يَعْظُم عند الله إلا الأمر الجَلَل، الذي تتزلزل له الرواسي، وتَضِجُّ من هوله الأرض والسماء.

وبالتالي كان ينبغي عليكم إذا سمعتموه أن تتملَّككم الشجاعة الأدبيَّة، بألا تخوضوا في هذا الحديث، وأن تَجْفِل القلوب من مجرد سماعه، وأن تتحرَّج من مجرد النطق به، وأن يكون لديكم الشجاعة الأدبيَّة، فتُنْكِروا أن يكون هذا موضوعًا للحديث أصلاً - فضلاً عن الاحتراز من الخوض في أعراض المسلمين - وأن تتوجَّهوا إلى الله تُنَزِّهونه عن أن يَدَع نبيَّه لمثل هذا الأمر، وأن تقذفوا بهذا الإفك بعيدًا عن ذلك الجو الطاهر الكريم.

وعندما تصل هذه اللمسة إلى أعماق القلوب، فتهُزُّها هزًّا وهي تُطْلِعها على ضخامة ما جَنَت، وبشاعة ما عَمِلت، عندئذٍ يَجِيء التحذير من العودة إلى مثل هذا الأمر العظيم، في أسلوب التربية المؤثر، في أنسب الظروف للسمع والطاعة والاعتبار، مع تضمين اللفظ معنى التحذير من العودة إلى مثل ما كان، ومع تعليق إيمانهم على الانتفاع بتلك العِظَة، فالمؤمنون لا يمكن أن يكشف لهم عن بشاعة عمل كهذا الكشف، وأن يحذَّروا منه مثل هذا التحذير، ثم يعودوا إليه وهم مؤمنون، وقد قال تعالى محذِّرًا: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 4-5].

إنَّ ترك الألسنة تُلْقِي التهم على المحصنات، وهنَّ العفيفات الطاهرات الحرائر، دون دليل قاطع - يترك المجال فسيحًا لكل مَن شاء أن يقذف بريئة أو بريئًا بتلك التهمة النكراء، ثم يمضي آمنا! فتُصْبِح الجماعة وتُمْسِي، وإذا أعراضها مجرَّحة ومباحة، وسُمْعَتها ملوَّثة ومستباحة، وإذا كل فرد فيها متَّهم أو مهدَّد بالاتهام، وإذا كلُّ زوج فيها شاكٌّ في زوجه، وكلُّ رجل فيها شاك في أصله، وكلُّ بيت فيها مهدَّد بالانهيار.

وهي حالة من الشك والقلق والرِّيبة لا تطاق؛ ذلك إلى أن اطِّراد سماع التُّهم، يوحي إلى النفوس المتحرِّجة من ارتكاب الفِعْلة - أن جوَّ الجماعة كلَّه ملوَّث، وأن الفِعْلَة فيها شائعة، فيقدم عليها مَن كان يتحرَّج منها، وتهون في حسِّه بشاعتُها بكثرة تَرْدَادها، وشعوره بأن كثيرين غيره يأتونها! ومن ثَمَّ لا تُجْدِي عقوبة الزنا في منع وقوعه، والجماعة تُمْسِي وتُصْبِح وهي تتنفس في ذلك الجوِّ الملوَّث، المُوحِي بارتكاب الفحشاء؛ لذا وصيانةً للأعراض من التَّهجم، وحمايةً لأصحابها من الآلام التي تُصَبُّ عليهم، شدَّد القرآن الكريم في عقوبة القذف، فجعلها قريبة من عقوبة الزنا، ثمانين جلدة، مع إسقاط الشهادة، والوَصْم بالفسق.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-08-2020, 04:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشجاعة الأدبية في الاحتراز من الوقوع في أعراض المسلمين

والعقوبة الأولى: جسدية.


والثانية: أدبية في وسط الجماعة، ويكفي أن يُهْدَر قول القاذف، فلا يؤخذ له بشهادة، وأن يسقط اعتباره بين الناس، ويمشي بينهم متهمًا لا يوثق له بكلام!

والثالثة: دينية؛ فهو منحرِف عن الإيمان، خارج عن طريقه المستقيم؛ ذلك إلا أن يأتي القاذف بأربعةٍ يشهدون برؤية الفعل، أو بثلاثةٍ معه إن كان قد رآه، فيكون قوله إذًا صحيحًا، ويوقع حد القذف على صاحب الفِعْلة والجماعة المسلمة لا تخسر بالسكوت عن تهمة غير محقَّقة، كما تخسر بشيوع الاتهام والترخص فيه، وعدم التحرج من الإذاعة به، وتحريض الكثيرين من المتحرِّجين على ارتكاب الفعلة التي كانوا يستقذرونها، ويظنُّونها ممنوعةً في الجماعة أو نادرة.

وذلك فوق الآلام التي تُصِيب الحرائر الشريفات والأحرار الشرفاء، وفوق الآثار التي تترتب عليها في حياة الناس وطمأنينة البيوت، وتظل العقوبات التي تُوقع على القاذف، بعد الحد مُصلتة فوق رأسه إلا أن يتوب ويعمل صالحًا.

ومن السياق القرآني الكريم يتضح ما يلي:
سببُ نزول الآيات حادثة الإفك التي اتُّهِمت فيها أم المؤمنين العفيفة البريئة الطاهرة الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنها - وزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي نزلت براءتُها من السماء، فكان ذلك درسًا بليغًا للأمة، وعبرة للأجيال في جميع العصور والأزمان.

براءةُ عِرْض وشرف أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - من الإفك بقرآن يتلى إلى يوم الدين، براءة قطعية نافية للجهالة، مؤكدين بذلك قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 11]، فلو لم تكن بريئةً، ما كان القرآن ليسمِّي حديث الناس إفكًا، لَكِ الله يا أم المؤمنين!

إن حكمة الله اقتضت أن يبزغ الخير من بين ثنايا الشر، فقد كان ابتلاء أسرة الصديق بالخوض في العِرْض الشريف خيرًا لهم؛ حيث كتب لهم الأجر العظيم على صبرهم وقوة إيمانهم، قال تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11].

إقرارٌ ضمنيٌّ غير صريح تضمَّنته الآيات الكريمة بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج بنبوَّته ورسالته عن كونه بشرًا من الناس، فلا ينبغي لمن آمَن به أن يتصوَّر أن النبوة قد تجاوزت به حدود البشرية، فيَنْسب إليه من الأمور أو التأثير في الأشياء ما لا يجوز نسبته إلا لله وحده.

وقد كان القرآن كثيرًا ما يشير إلى ذلك، كقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الكهف: 110] [فصلت: 6] [4]؛ لذا تألَّم، مثله مثل أي فرد من الناس يتألم من الخوض في عِرْضه الطاهر الشريف الكريم.

إقرارٌ ضمنيٌّ من غير صريح العبارة أيضًا بأن الوحي الإلهي هو بأمر الله، وليس شعورًا نفسيًّا ينبثق من كيانه - صلى الله عليه وسلم - كما أنه ليس خاضعًا لإرادته أو تطلُّعه وأمنياته، إذ لو كان ذلك كذلك، لكان من السهل عليه أن يُنْهِي هذه المشكلة من يوم ميلادها، ويُرِيح نفسَه من ذُيُولِها ونتائجها، ويجعل مما يعتقد من الخير والاستقامة في أهله قرآنًا يُطمْئنُ به أصحابه المؤمنين، ويُسكت الآخرين من أصحاب الفُضُول، ولكنه لم يفعل؛ لأنه لا يملك أن يفعل.

وكان يقول بكل تحفُّظ واحتراز: إني لا أعلم عنها إلا خيرًا.

ثم إنه بَذَل جهده في التحري والسؤال، واستشارة الأصحاب، ومضى شهر بأكمله، والكل يقولون: ما عَلِمنا عليها من سوء.

حادثةُ الإفكِ دليلٌ قاطعٌ وأكيدٌ على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يدافع عن زوجه، ولم يَزِد على أن قال لها آخرَ الأمر: ((يا عائشة، أَمَا إنَّه بلغني كذا وكذا، فإن كنتِ بريئةً فسيبرئك الله، وإن كنتِ أَلْمَمْت بذنب فاستغفري الله، وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله، تاب الله عليه)).

وهذا كلامه بوحي ضميره، وهو كما ترى كلام البشر الذي لا يعلم الغيب، فماذا كان يمنعه - صلى الله عليه وسلم - لو أن أمْر القرآن كان إليه - أن يتقوَّل ما يَحْمِي به عِرْضه، ويَذُبُّ به عن عَرِينه في حينه، ويَنْسبه إلى وحي السماء؛ لتنقطع ألسنة المتخرِّصين؟ ولكنه ما كان لِيَذَرَ الكذب على الناس، ثم هو يكذب على الله، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ [الحاقة: 44 - 47] [5] ، لَكَ الله يا رسول الله!

الإسلام يستهدف حماية أعراض الناس، والمحافظة على سُمْعَتهم، وصيانة كرامتهم، وهو لهذا يَقْطَع ألسنة السوء، ويَسُدُّ الباب على الذين يلتمسون للبرآء العيبَ، فيمنع ضِعَاف النفوس من أن يَجْرَحوا مشاعر الناس، ويَلَغوا في أعراضهم، ويَحْظُر أشد الحظر إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا؛ حتى تتطهَّر الحياة من سريان هذا الشر فيها.

مَعِين السماء لا يَنْضَب، والمؤمنون دائمًا مَعِينهم واحدٌ لا يَنْضَب أيضًا، متمثِّلة عائشة - رضي الله عنها - وآخذة من مَعِين نبي الله يعقوب - عليه السلام - مُدَافِعة عن نفسها قائلة: إني والله لقد علمتُ: لقد سمعتم هذا الحديث، حتى استقرَّ في أنفسكم وصدَّقتم به، فلئن قلتُ: لكم إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدِّقوني بذلك، ولئن اعترفتُ لكم بأمرٍ - والله يعلم أني منه بريئة - لتصدِّقُني، فو الله ما أجد لي ولكم مثلاً، إلا كما قال أبو يوسف: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].

إقرارٌ ضمنيٌّ غيرُ صريحٍ بين ثنايا السياق الكريم بمشروعية حد القذف ثمانين جلدة، وذلك قول الله تعالى: ﴿ لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النور: 13] [6]، حيث قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: "لما نزل عذري، قام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فذكر الله وتلا القرآن، فلما نزل، أَمَرَ بالرجلين والمرأة فضُرِبوا حدَّهم"، وهو حسان بن ثابت شاعر الرسول، ومِسْطَح بن أُثَاثة ابن خالة أبي بكر الصديق، وحَمْنَة بنت جحش ابنة عمته - صلى الله عليه وسلم - وأخت زوجته زينب بنت جحش.

بيان عدم ظن المؤمنين بأنفسهم إلا خيرًا مهما كانت الادعاءات، بل والدفاع عن المؤمن الحق ودَرْء الشبهة عنه، وذلك قوله تعالى: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ [النور: 12].

بيان فضل الله - سبحانه وتعالى - على عباده المؤمنين ورأفته بهم، وكرر ذلك تأكيدًا له، قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 14].

اعتراف ضمني صريح بين ثنايا العرض الكريم بأنه كان ينبغي تملُّك الشجاعة الأدبية والاحتراز من الوقوع في أعراض المسلمين، فضلاً عن الوقوع في العِرض الكريم، وذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا ﴾ [النور: 16].

روى أبو الحسن الصقلي أن القاضي أبا بكر الطيب قال: إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون، سبَّح نفسه لنفسه، كقوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ ﴾ [البقرة: 116] [7]، وذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى أم المؤمنين عائشة، فقال: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ ﴾ [النور: 16]، فسبَّح نفسه في تبرئتها من السوء، كما سبَّح نفسه في تبرئته من السوء، وله المثل الأعلى سبحانه.

فيه تعريف بمعنى البهتان، وهو ذكرك أخاك بما يكره مما ليس فيه، وذلك قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]، مصداقًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أتدرون ما الغِيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره))، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه، فقد بَهَتَّه)) [8].

التأكيد من الله تعالى على عدم الخوض في أعراض الناس بالباطل، والنهي عن اقتراف مثل هذا الذنب العظيم والعودة إليه، وهذا من الإيمان، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 17].

رمي المرأة العفيفة بالزنا، يكون أشد ما يكون على نفسها من الألم، حتى يظن الناس من حولها أن البكاء فالقٌ كَبِدَها؛ لقول عائشة - رضي الله عنها -: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددتُ مرضًا على مرضي.

وقولها: فبَكَيتُ تلك الليلة حتى أصبحتُ لا يَرْقَأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي.

وقولها: فمكثت يومي ذلك لا يَرْقَأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم.

وقولها: فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويومًا لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع، يظنان أن البكاء فالق كبدي.

من لطائف الآيات في قوله تعالى: ﴿ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ﴾ [النور: 4].

أجمع العلماء أن المراد به الرمي بالزنا، واستدلوا على ذلك بعدة وجوه:
أحدها: ذكر الزنا - كما في الآيات.

وثانيها: أنه تعالى ذكر المحصنات، وهن العفائف، فدلَّ على أن المراد رميها بضد العفاف، وهو الزنا.

ثالثها: انعقاد الإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنا.

رابعها: قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾ [النور: 4]، ومعلوم أن هذا العدد غير مشروط إلا في الزنا.

اللطيفة الثانية: تخصيص النساء في قوله تعالى: ﴿ الْمُحْصَنَاتِ ﴾ [النور: 4]؛ لخصوص الواقعة؛ ولأن قذفهن أغلب وأشنع وأبشع، وفيه إيذاء لهن ولأقربائهن، وإلا فلا فرق بين الذكر والأنثى في الحكم، وقيل: في الآية حذف، تقديره الأنفس المحصنات؛ فيكون اللفظ شاملاً للنساء والرجال، والراجح أنه من باب التغليب.

اللطيفة الثالثة: في التعبير بالإحصان إشارة دقيقة إلى أن مَن قذف غير العفيف من الرجال أو النساء لا يُحَدُّ حد القذف، وذلك فيما إذا كان الشخص معروفًا بفجوره، أو اشتهر بالعبث والمجون؛ فإن حد القذف إنما شُرِع لحفظ كرامة الإنسان الفاضل، ولا كرامة للفاسق الماجن، فتدبَّر السر الدقيق.

اللطيفة الرابعة: حكم الله - تعالى - على قاذف المحصنة العفيفة بثلاث عقوبات:
الأولى: الجلد ثمانين جلدة، عقوبةً له، وهي عقوبة جسدية.

الثانية: إهدار كرامته بإسقاط ورَدِّ شهادته، وهي عقوبة أدبية في وسط الجماعة، ويكفي أن يُهْدَر قول القاذف؛ فلا يؤخذ له بشهادة، وأن يسقط اعتباره بين الناس، ويمشي بينهم متهمًا لا يُوثَق له بكلام!

والثالثة: الوصم بالفسق، وهي عقوبة دينية؛ فهو منحرف عن الإيمان، خارج عن طريقه المستقيم، ولم يحكم في الزنا إلا بالجلد مائة جلدة للبكر، أو الرجم للثيِّب؛ وفي هذا دليل على خطورة التهمة، وعلى أن القذف من الكبائر، وأن جريمته عند الله عظيمة.

اللطيفة الخامسة: قوله تعالى: ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ [النور: 5].

فيه دليل على أن التوبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من ظهور أمارات الصلاح عليه؛ فإن هذا الذنب مما يتعلق بحقوق العباد؛ ولذلك شُدِّد فيه.

وقد قال الفخر الرازي: إنه بعد التوبة لا بد من مُضِيِّ سنة عليه لظهور حسن الحال؛ حتى تقبل شهادته، وتعود ولايته.

اللطيفة السادسة: ذكر الله تعالى عدد الشهداء في قوله: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾ [النور: 4].

وأطلق صفتهم ولم يقيِّدهم بمن نرضى مثلاً، ولا من ذوي العدل.

ويُرَد على هذا بأنه لم يقيدهم بالعدالة، وقد أمرنا أن نحمل الشهادة المحتاج إليها لأهل العدل والرضا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾ [الأنعام: 152].[9]

وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ﴾ [النساء: 135].[10]

وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ﴾ [المائدة: 8]. [11]

وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 33]. [12]

فهم يقومون بها، بالقسط لله؛ فيشترط هنا ما اشترط هناك.

اللطيفة السابعة:
قال الزمخشري في تفسيره الكشاف: لو بحثت في القرآن كله، وفتشت عمَّا أوعد به العصاة، لم تر أن الله تعالى قد غلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة - رضي الله عنها - ولا أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد، والعتاب البليغ، والزجر العنيف مثلها.

ثم قال: لو لم ينزل إلا هذه الثلاث الآيات لكفى بها، حيث جعل القَذَفَة ملعونين في الدارين جميعًا، وتوعَّدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتَهم وأيديَهم وأرجلَهم تشهد عليهم بما أَفِكوا وبَهَتوا، وأنه يوفِّيهم جزاءهم الحق الواجب، الذين هم أهله؛ حتى يعلموا عند ذلك أن الله هو الحق المبين، لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 23 - 25].

فأوجز في ذلك وأشبع، وفصل وأجمل، وأكد وكرر، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلا ما هو دونه؛ وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشأن والنباهة، ولإبراز رتبة ومكانة وعلو شأن الصديقة أم المؤمنين - رضي الله عنها - في العفة الطهارة والنزاهة.


[1]سورة يوسف، مكية، ترتيب نزولها 53، عدد آياتها 111، عدد كلماتها 1795، عدد حروفها 7125.

[2] سورة النور، مدنية، ترتيب نزولها 102، عدد آياتها 64، عدد كلماتها 1317، عدد حروفها 5596.

[3] رواه عائشة رضي الله عنها، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، رقم: 4750، خلاصة حكم المحدث: صحيح.

[4] سورة الكهف، مكية، ترتيب نزولها69، عدد آياتها 110، عدد كلماتها 1583، عدد حروفها 6425.
سورة فصلت، مكية، ترتيب نزولها61، عدد آياتها 54، عدد كلماتها 796، عدد حروفها 3282.

[5] سورة الحاقة، مكية، ترتيب نزولها 78، عدد آياتها 52، عدد كلماتها 261، عدد حروفها 1107.

[6] سورة النور، مدنية، ترتيب نزولها 102، عدد آياتها 64، عدد كلماتها 1317، عدد حروفها 5596.

[7] سورة البقرة، مدنية، ترتيب نزولها 87، عدد آياتها 286، عدد كلماتها 6144، عدد حروفها 25613.

[8] رواه أبو هريرة رضي الله عنه، المحدث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، رقم: 2589، خلاصة حكم المحدث: صحيح

[9] سورة الأنعام، مكية، ترتيب نزولها 55، عدد آياتها 165، عدد كلماتها 3055، عدد حروفها 12418.


[10] سورة النساء، مدنية، ترتيب نزولها92، عدد آياتها 176، عدد كلماتها 3712، عدد حروفها 15937.

[11] سورة المائدة، مدنية، ترتيب نزولها 112، عدد آياتها 120، عدد كلماتها 2837، عدد حروفها 11892.

[12] سورة المعارج، مكية، ترتيب نزولها 79، عدد آياتها 44، عدد كلماتها 217، عدد حروفها 947.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 101.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 99.01 كيلو بايت... تم توفير 2.38 كيلو بايت...بمعدل (2.35%)]