الرد على من ينكرون السنة النبوية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فضل لا إله إلا الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          علاج السحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الإسلام هو الدين الحق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أهل الحديث أفقه الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          غاية المرام في بيان حال الخضر عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          التحذير من سب الأيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الكافي جل جلاله، وتقدست أسماؤه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 111 )           »          من سنن العدل الإلهي في معاملة العباد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          نشأة الأشاعرة وتأثرها بالفرق الأخرى: معلومات ووقفات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          القيوم جل جلاله وتقدست أسماؤه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-06-2024, 02:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,873
الدولة : Egypt
افتراضي الرد على من ينكرون السنة النبوية

الرد على من يُنْكِرون السُّنَّة النبوية

الشيخ صلاح نجيب الدق

الحمد لله، الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

أما بعد:
فإن سُنَّةَ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لها منزلة عظيمة في الإسلام، ولا يستطيع مسلمٌ أن يستغني عنها، ولكن أعداء الإسلام دائمًا لنا بالمرصاد، فهم يريدون أن يشكِّكوا أُمَّتَنا الإسلامية في ثوابتها؛ كمن يطعنون في الصحابة، وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وفي وقتنا الحاضر ظهرت فرقة من الناس، يسمون أنفسهم بالقرآنيين، يزعُمون تمسُّكهم بما جاء في القرآن فقط، وينكرون العمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فأصبح من الواجب علينا بيان منزلة السُّنَّة في الإسلام، والرد على شبهات المنكرين لحُجِّيَّة السُّنَّة النبوية؛ فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تعريف السُّنَّة النبوية:
السُّنَّة: هي كل ما ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقِيَّة – جسمية - أو خُلُقِيَّة؛ [موسوعة الفقه الإسلامي، محمد التويجري، ج: 2، ص: 269].

السُّنَّة النبوية هي الحكمة:
ذكر الله تعالى في كتابه العزيز كلمة الحكمة مقرونة بالقرآن الكريم؛ قال سبحانه: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة: 129].

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "فرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقال في كتابه: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [آل عمران: 164]، مع آيِ سواها ذَكَرَ فيهن الكتاب والحكمة، فذكر الله الكتاب؛ وهو القرآن، وذَكَرَ الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ [معرفة السنن والآثار للبيهقي، ج: 1، ص: 104، رقم: 30، 29].

اتباع سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وصية رب العالمين:
أمرنا الله تعالى في كثير من آيات القرآن الكريم باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ومنها:
1- قال سبحانه: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31].

2- قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65].

3- قال جل شأنه: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء: 80].

4- قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور: 51، 52].

5- قال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [الأحزاب: 36].

6- قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7].

حِرْصُ الصحابة على جمع السُّنَّة ونشرها:
كان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين يحرِصون على تعلُّم السُّنَّة ومذاكرتها، فرادى أو مجتمعين، مع اليقظة وشدة التحرِّي، وبذل الوسع في إصابة النص الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ عملًا بتوجيهه الكريم صلى الله عليه وسلم.

1- قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم، وربما كنا نحوًا من ستين إنسانًا، فيحدِّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقوم فنتراجعه بيننا، هذا وهذا وهذا، فنقوم، وكأنما قد زُرِع في قلوبنا"؛ [الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، ج: 2، ص: 264].

2- قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إني لَأُجزِّئ الليل ثلاثة أجزاء: فثُلُثٌ أنام، وثلث أقوم، وثلث أتذكَّر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ [سنن الدارمي، ج: 1، ص: 95، رقم: 264].

3- روى أحمد عن شقيق قال: "كان ابن مسعود وأبو موسى رضي الله عنهما جالسَين وهما يتذاكران الحديث"؛ [حديث صحيح، مسند أحمد، ج: 32، ص: 249، حديث: 19497].

4- روى الحاكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "تذاكروا الحديث؛ فإنكم إلا تفعلوا يَنْدَرِس"؛ أي: يُنسَ؛ [مستدرك الحاكم، ج: 1، ص: 173، رقم: 324].

5- روى الدارمي عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "إذا سمعتم منا حديثًا، فتذاكروه بينكم"؛ [سنن الدارمي، ج: 1، ص: 156، رقم: 607].

السُّنَّة النبوية ضرورية لفهم القرآن الكريم:
سوف نذكر بعض الأمثلة التي تدل على أنه لا يمكن للمسلم الاستغناءُ عن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونرُدُّ بها على الذين ينكرون الاحتجاج بالسُّنَّة الصحيحة.

أولًا: الصلاة:
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، جاء ذكرها في القرآن مجملة.

فكيف تكون صفة إقامة الصلاة؟ السُّنَّة النبوية وحدها هي التي تجيب على هذا السؤال، فقد بيَّنت السُّنَّة النبوية عدد الصلوات المفروضة، وعدد ركعاتها، وكيفية إقامتها، وشروطها، وأركانها، وما يُقال فيها من الأذكار المباركة.

ثانيًا: الزكاة:
جاءت الزكاة المفروضة مقترنة بالصلاة، ومجملة في آيات كثيرة في القرآن؛ مثل قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة: 43]، وقوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام: 141]، فقامت السُّنَّة النبوية ببيان هذا الإجمال، فبيَّنت مقدار الزكاة وشروطها ومصارفها، وزكاة الفطر في رمضان.


ثالثًا: الصوم:
جاء الصوم بنوع من التفصيل في القرآن الكريم، كما هو واضح في سورة البقرة.

وهناك أسئلة خاصة بالصوم، لا نجد لها إجابة في آيات القرآن الكريم؛ مثل: ما حكم من أكَل أو شرِب ناسيًا؟ وما حكم من جامَعَ امرأته في نهار رمضان؟

رابعًا: الحج:
فَرَضَ الله تعالى الحجَّ على الناس، وبيَّن بعض تفصيلاته في القرآن، ثم جاءت السُّنَّة، فبيَّنت باقي الأحكام التي لم تَرِدْ في القرآن؛ كما في حديث حجة الوداع.

خامسًا: الزواج:
ذكر الله تعالى النساء اللاتي يحرُم الزواج بهن في سورة النساء، الآيات 24 – 22، ولم تذكر آيات القرآن الكريم حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، فبيَّنت السُّنَّة أنه يحرم على الرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها، أو خالتها.

روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها))؛ [البخاري حديث: 5109، مسلم حديث: 1408].

سادسًا: البيوع:
تحدث القرآن عن البيع؛ قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275]، ومع هذا جاءت السُّنَّة النبوية، فوضَّحت أنواعًا من البيوع المنهيِّ عنها؛ ومنها:
1- بيع المسلم على بيع أخيه.
2- بيع النجش.
3- بيع الملامسة.
4- بيع تلاقي الركبان.
5- بيع لا يملكه المسلم.
6- بيع الشاة المصراة.
فكل أنواع البيوع المشتملة على الجهالة محرمة بالسُّنَّة النبوية المباركة.

سابعًا: الحدود:
قال الله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38]، وهذا كلام مُجْمَل يحتاج إلى بيان وتفصيل، فمثلًا: نريد أن نعرف ما هو مقدار المال الذي إذا أخذه السارق، تُقطَع يديه؟ وما هو حد اليد؟ هل هو من الْمَنْكِب؟ هل هو من المرفق؟ هل من مفصل اليد؟

فنقول: إن السُّنَّة قد أجابت على هذه الأسئلة، فبيَّنت أنه لا قطع إلا في ربع دينار؛ أي: جرام واحد من الذهب فصاعدًا، وأن القطع يكون من مفصل الكف.

ثامنًا: الأطعمة:
قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ [المائدة: 3]، جاءت السُّنَّة فبيَّنت أن ميتة الجراد والسمك حلال، وكذلك الكبد والطحال من الدم الحلال.

روى البيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُحِلَّت لنا ميتتان، ودمان؛ فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال))؛ [حديث صحيح، صحيح الجامع للألباني، حديث: 210].

تاسعًا: الملابس والزينة:
قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف: 32]، جاءت السُّنَّة فبيَّنت أن من الزينة ما هو محرَّم على الرجال؛ مثل: الذهب والحرير؛ روى النسائي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُحِلَّ الذهب والحرير لإناث أُمَّتي، وحُرِّم على ذكورها))؛ [حديث صحيح، صحيح النسائي للألباني، ج: 3، ص: 376].

عاشرًا: آيات لا يمكن فهمها فهمًا صحيحًا إلا بالسُّنَّة النبوية:
1- قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 82].

روى البخاري عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ((لما نزلت: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام: 82]، قلنا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم؛ بشرك؛ أولَمْ تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13]))؛ [البخاري، حديث: 3360].

2- قوله سبحانه: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: 101].

فظاهر هذه الآية الكريمة يقتضي أن قَصْرَ الصلاة في السفر مشروط له الخوف؛ ولذا سأل الصحابة الرسولَ صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

روى مسلم عن يعلى بن أمية قال: ((قلت لعمر بن الخطاب: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: 101]، فقد أمِن الناس؟، فقال: عجِبتُ مما عجِبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: صدقةٌ تصدَّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته))؛ [مسلم حديث: 686].

السُّنَّة النبوية الصحيحة لا تخالف القرآن:
مستحيل أن يقع خلاف بين آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الصحيحة.

فإذا وقع خلاف في الظاهر بين الآية والحديث الصحيح، فإن العلماء الربانيين يقومون بالتوفيق بينهما، لإزالة هذا الخلاف الظاهري.

روى الدارمي عن سعيد بن جبير "أنه حدَّث يومًا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: في كتاب الله ما يخالف هذا، قال: لا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتعرض فيه بكتاب الله، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بكتاب الله تعالى منك"؛ [إسناده صحيح، سنن الدارمي، ج: 1، ص: 154، رقم: 590].

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "ليس يخالف الحديثُ القرآنَ، ولكن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيِّن معنى ما أراد، خاصًّا وعامًّا، وناسخًا ومنسوخًا، ثم يلزم الناس ما سنَّ بفرض الله، فمن قبِل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنِ الله قَبِلَ"؛ [معرفة السنن والآثار للبيهقي، ج: 1، ص: 117، رقم: 74].

دفاع الصحابة عن سنة نبيناصلى الله عليه وسلم:
1- روى أحمد عن أمية بن عبدالله بن خالد أنه قال لعبدالله بن عمر: "إنا نجد صلاة الحضر، وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن، فقال له ابن عمر: ابنَ أخي، إن الله عز وجل بعث إلينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئًا، فإنما نفعل كما رأينا محمدًا يفعل"؛ [إسناده صحيح، مسند أحمد، ج: 9، حديث: 5683].

2- روى الطبراني عن الحسن البصري، قال: "بينما عمران بن الحصين يحدِّث عن نبينا صلى الله عليه وسلم إذ قال له رجل: يا أبا نُجَيد، حدِّثنا بالقرآن، فقال له عمران: أرأيت أنت وأصحابك تقرؤون القرآن، أكنتم محدِّثِيَّ كم الزكاة في الذهب، والإبل، والبقر، وأصناف المال، ولو شهدت وغبت أنتم؟ ثم قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة كذا وكذا، فقال الرجل: يا أبا نجيد، أحْيَيْتَني، أحياك الله، ثم قال الحسن البصري: فما مات ذلك الرجل حتى كان من فقهاء المسلمين"؛ [مسند الطبراني الكبير، ج: 18، ص: 165، حديث: 369].

نبيناصلى الله عليه وسلميحذرنا من الذين ينكرون السُّنَّة:
1- روى أبو داود عن المقدام بن معدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألَا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه، ألَا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود، للألباني، حديث: 3848].

قال شمس الحق آبادي رحمه الله: "في الحديث توبيخ من غضب عظيم على من تَرَكَ السُّنَّة استغناءً عنها بالكتاب - بالقرآن - فكيف بمن رجَّح الرأي عليها، أو قال: لا عليَّ أن أعمل بها، فإن لي مذهبًا أتبعه"؛ [عون المعبود، ج: 12، ص: 233].

2- روى ابن ماجه عن المقدام بن معدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُوشِك الرجل متكئًا على أريكته يحدَّث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، ما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه؛ ألَا وإن ما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله))؛ [حديث صحيح، صحيح ابن ماجه، للألباني، حديث: 12].

شبهات المنكرين لحُجِّيَّة السُّنَّة النبوية والرد عليها:
يمكن أن نوجز شبهات المنكرين لحجية السُّنَّة فيما يلي:
الشبهة الأولى: قال المنكرون لحجية سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9].

هذه الآية دليل على أن الله سبحانه تكفَّل بحفظ القرآن دون السُّنَّة، ولو كانت السُّنَّة دليلًا وحُجَّةً كالقرآن الكريم، لتكفَّل الله تعالى بحفظها.

الرد على هذه الشبهة: قال الإمام ابن حزم رحمه الله: "إن قال قائل: قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9]، إنما عنى الله تعالى بذلك القرآن وحده، فهو الذي ضمن تعالى حفظه لسائر الوحي الذي ليس قرآنًا، قلنا له وبالله تعالى التوفيق: هذه دعوى كاذبة مجردة عن البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل، والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن أو سنة وحي يبيِّن بها القرآن، وأيضًا فإن الله تعالى يقول: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44]، فصحَّ أنه صلى الله عليه وسلم مأمور ببيان القرآن للناس، وفي القرآن مجمل كثير كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك، مما لا نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه، لكن ببيان النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان بيانه صلى الله عليه وسلم لذلك المجمل غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه، فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه، فإذا لم نَدْرِ صحيح مراد الله تعالى منها..."؛ [الإحكام، لابن حزم، ج: 1، ص: 122].

الشبهة الثانية: قال المنكرون للسنة: لو كانت السُّنَّة حُجَّة، لَما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابتها؛ بدليل ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فَلْيَمْحُه، وحدِّثوا عني، ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار))؛ [مسلم، حديث: 3004].

الرد على هذه الشبهة: قال الإمام النووي رحمه الله: "قال جمهور السلف بجواز كتابة السُّنَّة، ثم أجمعت الأمة بعدهم على استحباب كتابتها، وأجابوا عن أحاديث النهي بجوابين:
أحدهما: أنها منسوخة، وكان النهي في أول الأمر قبل اشتهار القرآن لكل أحد، فنهى عن كتابة غيره؛ خوفًا من اختلاطه واشتباهه، فلما اشتهر وأُمِنت تلك المفسدة، أذِن فيه.
والثاني: أن النهي نهيُ تنزيهٍ لمن وثق بحفظه، وخِيف اتكاله على الكتابة، والإذن لمن لم يُوثَق بحفظه"؛ [مسلم بشرح النووي، ج: 5، ص: 140].

روى أبو داود عن عبدالله بن عمرو، قال: ((كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فَنَهَتْنِي قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلم في الغضب، والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بأُصْبُعه إلى فيه، فقال: اكتب؛ فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 3099].

الشبهة الثالثة: قال المنكرون للسنة: قال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38]، وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89]، هذه الآيات تدل على أن القرآن الكريم قد اشتمل على كل شيء من أمور الدين، وأنه قد بيَّنه بيانًا تامًّا، بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر مثل السُّنَّة.

الرد على هذه الشبهة:
1- قال الإمام الشافعي رحمه الله: "سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كتاب الله وجهان: أحدهما: نص كتاب، فاتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنزل الله، والآخر: جملة، بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه عن الله معنى ما أراد بالجملة، وأوضح كيف فرضها عامًّا أو خاصًّا، وكيف أراد أن يأتي به العباد، وكلاهما اتبع فيه صلى الله عليه وسلم كتاب الله تعالى"؛ [الرسالة للشافعي، ص: 168، رقم: 298].

2- روى الدارمي عن يحيى بن أبي كثير، قال: "السُّنَّة قاضية على القرآن، وليس القرآن بقاضٍ على السُّنَّة"؛ [إسناده جيد، سنن الدارمي، حديث: 586].

3- قال مكحول الشامي رحمه الله: "القرآن أحوج إلى السُّنَّة من السُّنَّة إلى القرآن"؛ [السُّنَّة، لمحمد بن نصر المروزي، ص: 33، رقم: 104].

ختامًا:
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجعلنا من الذين يتمسكون بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين

لهم بإحسان إلى يوم الدين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.05 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]