قواعد - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191049 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2649 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 656 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 929 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1089 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 851 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 835 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 918 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92797 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-02-2021, 02:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي قواعد

قواعد:
(1) مَعذِرَةً إلى رَبِّكُم ولعلهُم يتقون..


أسماء محمد لبيب




منذ أن تتيقظَ حواسُّ وَلَدِكِ للتلقين، ومادامتْ فيكِ أنفاسُ الحياةِ،
طَرِّزِي نسيجَ يومياتِه بدينِ ربِ العالمينَ خَيطًا خَيطًا وعُودًا عُودًا..
نشِّئيهِ على الإسلامِ بكل تفاصيلِهِ الصغيرةِ والكبيرةِ المعرفيةِ والعمليةِ، وألقِمِيهِ إياها مع غذاءِ بَدَنِه، قَطرَةً وراءَ قَطرَةٍ ولُقمَةً إثْرَ لُقمَة..

ولا تنزِعِي يَدَكِ من ذلك أبدًا بحججٍ واهية، كأنْ تقولي ((إنه صغيرٌ لا يستوعِبُ بَعدُ هذهِ الأمورَ ولا تعنِي لهُ شيئًا!))..
فظَنُّكِ هذا بعيدٌ عن الواقِع، فهؤلاءِ الصغارِ صفحاتٌ بيضاءُ لها خَمسُ مُستقبِلاتٍ سِحريةٌ مُدهِشَة، تتلقّفُ كلَ ما يمُرُّ أمامَها في نَهَمٍ وتُخَزِّنُهُ في أدراجٍ عقليةٍ متراصَّةٍ بنظامٍ كشَريطِ الكاميرا المتتابِع..
خاصةً تلكَ المعلوماتِ التي يَتِمُ تمريرُها مِرارًا وتكرارًا على تِلك الحواسِّ الخَمس، فإنها تتلقَّى عِنايةً فائقةً في مُستودَعاتِهم العقليةِ، أكثرَ من غيرها..
فالتكرارُ قَولًا وفِعلا، يَجعلُ المعلوماتِ والمعرفةَ تُنقَشُ وتُختَزَنُ في الوجدانِ في ذَواكِرِ المَدى الطويل، فتتحولُ لقناعاتٍ وأفعالٍ بحولِ اللهِ وقوتِه، ولو بعد حِين، فكلُّ شَجَرَةٍ لها أوانُ حَصادٍ نلتقِطُ فيه ثِمارَها..
حتى إذا حانَ وقتُ تَمَكُّنِ البراعِمِ من التعبيرِ بالكلامِ والفعالِ وآن أوانُ إزهارِ الثمارِ من مخابِئِها، اهتزتْ وربتْ وأنبتَتْ مِن كلِّ زَوجٍ بَهِيج..
فلا تظني أنهم قبل ذلك كانوا عنها من الغافلينَ أو الرافضين، حتى وإن عارضُوها بأفعالِهم وعاكسُوا توجيهاتِك فيها فيما يبدو لكِ من مشاغباتِ الصِّغارِ البريئة..

كذلك لا تَنزِعي يَدَكِ من ذلك التلقينِ الدَؤُوب، بأن تقولي: ((أنا قد غالَبتُه على ذلكَ كثيرًا فغَلَبَنِي!، مهما أُعَلِّمُهُ وأُلَقِّنُهُ لا يَستَجِيب، حاولتُ كثيرًا وفَشِلتُ، فَتَرَكْتُ..))..
فإنك إن تركتِ فكأنما وَضَعْتِ سَدًا أمامَ نَهْرِ حسناتٍ جارٍ باسمِكِ يا طيبة..
لأن العِبرَةَ بقاعدتين:
(( {إنْ عليكَ إلا البلاغ} )) و (( {ليسَ عليكَ هُداهُم} ))..
أي أنكِ ستحاسبين عِندَ ربِّكِ على التربيةِ نفسِها كيف كانت، والسعْيِ معها كان في طريقِ صَلاحِها أم فسادِها..
لكن لن تُحاسبي على ثمرةِ التربيةِ نفسِها كيف كانت، طالما لم تتركي السعيَ في طريقِ صلاحِها، ولم تسلُكِي طريقَ فسادِها..

السعيُ يكونُ بقدرِ الطاقةِ والوُسْع..
والطاقةُ والوُسعُ رزقٌ مَحض..
واللهُ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمنْ يشاءُ ويَقْدِرُ، فلن يحاسِبَكِ إلا على رِزقِك..
والثمرةُ، وقتَ أن يأذنَ اللهُ فالقُ الحبِّ والنَّوَى.. فانتبِهِي، لأن بتأخُّرِها أحيانًا، يختَبِرُ الحكيمُ العليمُ صبرَكِ وثباتَكِ على الطريقِ الصحيحِ، وعدمَ يأسِكِ مِنهُ ولا ارتيابِكِ في جَدواه..
وإن ثباتَكِ عليهِ حتى المماتِ خيرُ دليلٍ على يقينِكِ أنهُ الحقُّ،
فاثبُتي..
مهما طالَ بِكِ الطريقُ وشَقَّ على صبرِكِ،
ومهما كانتْ أحوالُ الثمرةِ المُتَقَلِّبَةِ أمامَ عَينَيكِ بينَ المرارةِ والحلاوةِ..
فليسَ أمامَكِ إلا هذا الطريق،
تُرابِطينَ عليهِ كالمجاهدينَ على الثغور،ِ
لِعِلمِهِمْ أنَّ الأمرَ ها هنا حياةٌ أو موتٌ فلا يملكونَ رفاهيةَ اليأسِ أو القُعود،
حتى تحوزين إحدى الحُسنَيَيْنْ:
ثمرةُ التربيةِ الحلوةُ المَرجُوَّةُ بأبناءٍ صالحينَ كواكبَ دُرِّيَّةً في تاجِ الأُمَة..
أو الموتُ وأنتِ على ذلك في سبيلِ الله، مادامتْ نيتُكِ أن تكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا بغَرسِك التربوي..

فالأمرُ باختصار:
{... {مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ} .. {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ...}
فاصبروا وصابروا ورابطوا...

ومن هنا نسألُ سؤالًا: أين ينبغِي أن يكونَ طموحُنا التربوي؟
والجواب في المقالةِ القادمةِ إن شاء الله..


--
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-02-2021, 02:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد

قواعد:
(2) الطموحاتُ التربوية: "فاسألُوا الفِردَوس"..


أسماء محمد لبيب



أحزانُ الأمهاتِ تتفاوتْ..
هناك أمٌّ يشتدُّ حُزنُها حينَ لا يُرَتِّبُ ابنَها أشياءَه، أو يُبلِي مَلابسَه سريعًا، أو يُحدِثُ جَلَبَةً أثناءَ لعِبِهِ، أو يَنسَى كُتُبَه...
وأمٌ يشتَدُّ حُزنُها إن فاتَ ابنَها التمرينُ الرياضِيّ، أو حِصةُ العلوم، أو خالفَ خِطةَ الأطعمةِ الصحية...
وأمٌّ يشتدُّ حزنُها إن فاتَ ابنَها الظُهرُ في المسجدِ، أو قيامُ الليلِ، أو صلاةُ الفجرِ قبل الشروق..
كلُّ واحدةٍ لديها هَمٌّ رئيسيٌّ يَشغَلُ خاطرَها ودعواتَها بحرارة..
لكن الفرق بينهن: الطُمُوح.. الغايةُ النهائيةُ التي ينفعلُ معها القلبُ وتسهرُ العَين..
الأولى طموحُها في ابنِها كان متواضعًا، فلم تُرَكزْ إلا على هذا القليل، بالتالي قد يَسقُطُ ابنُها في الأساسيات..
والثانيةُ كان طموحُها أرقَى، لكنه لا يزال دُونَ القِمَم، بالتالي ابنُها عُرضَةٌ للنكوصِ إلى المرتبةِ الأدنَى..
أما الثالثةُ فكان طموحُها أعلى الهَرَم، فحين يتهاون ابنُها سيكون في فروعٍ ونوافلَ ولَمَم، لا أصولٍ وفرائضَ وطَوام..
ألمْ يُوصِنا نبيُّنا ﷺ بتعليةِ سَقفِ طموحِنا للقِمة، حين قال "إذا سألتُمْ اللهَ فاسألوهُ الفِردَوس"؟..
لذا..
الطموحُ في التربيةِ لابد أن يبدأَ بسقفٍ عالٍ وغاياتٍ كُبرَى كما قلنا في المقال الأولِ "النيةُ من التربية"..
وأعلم أن مُعظَمَنا يبدأُ التربيةَ وعَينُهُ على قِمةِ الهَرَم، فأنا لا أكادُ أعرفُ أُمًّا لا تتمنَّى أن تُنجِبَ مُحَرِّرَ الأقصَى وحاملَ القرآنِ وإمامَ المتقين..
لكن بعد الإنجاب يَظهَرُ الفرقُ على أرضِ الواقِع:
بين التي كان الأمرُ مجرد أمنيةٍ غاليةٍ لم تَتَجَهَّزْ لها لا بالعلمِ ولا بالوقتِ ولا بالهِمة الكافية..
وبين التي جَهَزَتْ نفسَها وسَخَّرَتْ كلَّ وُسعِها لتحقيق هذه الأمنية، مِن طَلَبِ عِلمٍ، وهِمّةٍ عاليةٍ، وحُسنِ تخطيطٍ، وتجديدٍ للنيةِ والتزكية، وتحصيلٍ للمعارفِ التربوية..
بقَدرِ طموحَكِ الأُخْرَوِيِّ في تربيةِ وَلَدِكِ وبقدرِ جهوزِيَّتِكِ لهذا الطموح،
بقَدرِ ما ستَرَينَ ثمرةً تُقِرُّ العينَ والقلبَ في الدنيا وفي صحيفتِكِ بإذنِ الله..

حتى وإن تأخرَتْ الثمرةُ لِما بعدَ موتِكِ..
فكم سمِعنا عن قِصَصِ توبةٍ واستقامةٍ للأبناءِ أخيرًا إثرَ وفاةِ أمِّهِم أو أبيهِم، وكانَ هذا هو أوانُ إزهار هدايتِهم في عِلمِ الحَكيمِ الخبير.. فسيجبُرُكِ اللهُ يَقِينًا، بقدرِ هَمِّكِ وهِمَّتِكِ في هذا الطريق.. فأبشري.. واصبري إن الله لا يضيع أجر المحسنين..

وبالطبع، لكلِّ قاعدةٍ استثناءٌ، والهدايةُ رِزقٌ،
لكن في نفس الوقتِ لا نريدُ أن يظلَّ مثالْ -((ابنُ سيدِنا نُوح))- في عقلِكِ حاضرًا بالشكلِ الذي يُحبِطُكِ ويُقعِدُكِ عن السعيِ التربويّ الإسلامِي الدؤوب، لأنَّ -أولا وأخيرًا- ابنُ سيدِنا نوحٍ كافرٌ باللهِ وبعقابِه وثوابِه، فهو ليسَ مُسلمًا نستطيعُ أن نَسُوقَهُ لفِعلِ الصوابِ وتَركِ الخطأِ بتحفيزِه بجَنةٍ أو بنارٍ يؤمنُ بهما، فلا نقيس عليهِ كلَّ مَرَّةٍ تربيتَنا لأبنائِنا المسلمينَ قياسًا مُتطابِقًا مِئَةً بالمِئَة، لأن تلقينَ الدينِ لمُسلِمٍ لا شكَّ أيسرُ، وثمَرَتَه أقربُ وأرجَى بإذن الله، لوجودِ العقيدةِ التزكويةِ القويمةِ: الخَوفِ من اللهِ والرجاءِ في رحمتِه، ومَعلومٌ وثابتٌ أن تربيةَ خيرِ القرون هي مَصنَعُ إنتاجِ خَيرِ الثمراتِ..
فلو أنَّ الله ابتلاكِ في تربيتِك الطامحة لمعالي الأمور، بنَقصٍ من ثمراتِها، فاصبري للنهاية، وسيجبُرُكِ ويُمَتِّعُكِ بثمرتِها لا محالةَ، عاجلًا أو آجلًا بإذنِ الله..
.. {وَلَنَبْلُونكم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ ((وَالثَّمَرَاتِ ))... وَبَشِّرِ ((الصَّابِرِينَ)) } ..

وهنا يأتي سؤال: أَإِلى هذا الحدِ يَعظُمُ أجرُ مَهَمَّةِ الأبُوةِ والأُمومة...؟
والجواب: في المقالة القادمة بإذن الله...
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21-02-2021, 02:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد

قواعد: (3)
أمومتكِ كنز.. فاغترفي لصحيفتكِ بسخاء..


أسماء محمد لبيب
مُتَشبثونَ بِطرَفِ جِلبابِك ليلَ نهار؟ يَطُوفُونَ حَولَكِ طَوالَ اليومِ ويُراقِبونَ مَواضِعَ مَجلِسِكِ ليَنْصِبُوا ضَجِيجَهُم إلى جوارِك؟ يُريدونَكِ دومًا في كاملِ التركيزِ مَعَهم في لَعِبِهِم وحَكاياهم وحتى شِجارِهم؟ يَطلُبونَ صَراحَةً كلَّ اهتمامِكِ إنْ شَرَدتِ عَنهم قليلًا؟ يحزنونَ إذا نِمتِ ساعةً من نهارِ فلا يتركونَ أحلامَكِ المطمَئِنةَ تَخطِفُ بَهجَةَ أوقاتِهم وفاكهةَ أيامِهم؟

ويخنُقُكِ هذا كثيرًا ويُشعِرُكِ أحيانًا وكأنكِ تتنفسينَ بصعوبَةٍ من سَمِ الخِياطِ، وربما تَرَجرَجَتْ دَمعةٌ في مُقلتَيكِ فألجَمتِها وابتلَعَها جَوفُكِ في صَمتٍ حزينٍ وشُرودٍ مُحبَطٍ، لأنك تحلُمينَ بإنجازِ أمورٍ ومَهماتٍ كثيرةٍ تَخصُ مساحاتِكِ الشخصيةِ التي تُشبِعِينَ فيها مُتعَتَكِ الخاصَّة، بعيدًا عن مَسؤولياتِ الأبناءِ المُستَنزِفةِ لكلِّ الوقتِ والجُهدِ والتركيز، وتتمنِينَ لو أنكِ خَلَوتِ بنفسِكِ قليلًا في مكانٍ هاديءٍ مُريحٍ للأعصابِ خالٍ من التوتر والمطارداتِ الدؤوبة، عامرٍ بمزاولةِ المُتَعِ البسيطة، وارتشافِ الكُتُبِ في سَكينة، أو قراءةِ القرآنِ على مُكثٍ، أو التلذُذِ بموعدٍ مع النورِ عز وجل في جَوفِ الظلامِ قِيامًا بجسدٍ لم تُنهِكْهُ مَهَمَّاتُ يومٍ مُتَكَدِّسٍ بالصَّخَبِ والنَّصَب؟

أشعرُ بكِ.. فأنا مِثلُكِ أَمُرُّ بذلكَ كَثيرًا..
ومن قبلُ كانتْ خديجةُ مِثلَنا، أمُّ البنينَ والبناتِ السِّتة، ولم يمنعْها ذلكَ من مُعاونةِ النبيِ ﷺ بكلِ ما أُوتِيَتْ من قُوّةٍ في دَعمِ دَعَوتِهِ والذبِّ عنها، وأبناؤها بَعْدُ صِغارٌ ملتصقونَ بجِلبابِها، فكانتْ السَّكنَ والمَلاذَ الآمِنَ المريحَ له ولأولادِهِما، رُغمَ نَصَبِ التربيةِ وصَخَبِ الصغارِ ومَشَقَّةِ المسؤوليات..

فإذا كان رَبُّ خديجةَ قد بشَّرَها على لسانِ جبريلَ ببيتٍ في الجَنةِ، من لؤلؤٍ مُجَوَّفٍ وياقُوت، لا تَعَبَ فيه ولا صَخَبَ ولا ضَجِيجَ ولا إزعاج، فأبشري كذلكَ يا حفيدةَ خديجةَ بفضلِ ربٍّ كريم، فكما جاء في شروح الحديث، هذا رزقُ أهلِ الجنة كافَّة وليس شرطًا أن يكونَ خاصًّا بخديجةَ فقط، وإنما قد بُشِّرَتْ في الدنيا بذلكَ البيتِ الهانيء لسُرعَةِ استجابتِها بالإيمانِ مع رسولِه ﷺ دون أن تُحوِجَه إلى رفْعِ صَوتٍ ولا مُنازَعَةٍ ولا إرهاقَ ولا صَخَب، بلْ أزالَتْ عنه كلَّ نَصَبٍ، وآنسَتْهُ مِن كلِّ وَحشَةٍ وتَعَب، وهوَّنَتْ عليه كُلَّ عَسيرٍ، فناسَبَ أن يكونَ منزلُها بالصفةِ المقابلةِ لكل ذلك..

فتذكَّرِي جِدَّها وتفانِيها وانطلاقَها كالسهمِ في دَعمِ دِينِ اللهِ، بينما في طرفِ جِلبابِها سِّتةٌ صِغار، فيَهُونُ عليكِ أمرُكِ ومَشاغلُكِ ومُتَعُكِ..
وادعي لنفسكِ جزاءَ صبرِكِ على كلِ ذلكَ الصخَب والتعب، ببيتٍ في الجنةِ من ياقوتٍ وقَصَب لا نَصَبَ فيه ولا صَخَب..

وإن كنتِ أحيانا تنسَين أو لا تعرفِين، حَجمَ كَنزِ الأمومةِ في الإسلام..
فدعيني أنثرْ عليكِ لؤلتينِ منهُ فقط لضيقِ المقام..

اللؤلؤةُ الأُولى:
عن الإمامِ بِشْرِ الحافِي الزاهدِ الوَرِعِ التَّقِيِّ...
فرُغمَ زُهدِهِ الشديدِ وتَفَرُّغِهِ للعبادةِ وتشَبُّعِهِ بالوَرَعِ لدرجةِ خشيتِهِ من الزواجِ لئلا يُقَصِّرَ في حقِ زوجتِهِ ورَعِيتِهِ، وربما خَشِيَ من التقصِيرِ في العبادة لشدة وَرِعِه، حتى صارَ نَمُوذجًا للعابدِ المُتَرَقِّي في درجاتِ التقوَىِ والذي يَرجُو الجميعُ أن يكونُوه، إلا أنهُ عِندَ وفاتِه قال عنهُ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل:
"لو كان تَزَوَّجَ! فلو أنه تزوجَ لَتَمّ أمرُه".. لِعلمِ إمامِ السُّنّةِ الفقيهِ الحكيم، أن مَهَمةَ إنباتِ قلوبٍ مُسلمةٍ تَسجُدُ للهِ في أرضِه إلى يوم القيامة، إنما هو مِن معالِي الأمورِ وأعظمِ العبادات..
فاستحضِرِي دومًا أن تمامَ أمرَكِ عندَ ربِكِ هو بما اصطفاكِ لهُ من الأمومةِ بإذنِ الله، مهما نَقَصَتْ سائرُ أمورِكِ الأُخرى ومساحاتُكِ الخاصةُ وحزِنتِ لذلك، فربُكِ كريمٌ جبار، وما تقدموا لأنفسكم مِن خيرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هو خيرًا وأعظمَ أجرًا..

واللؤلؤةُ الثانيةُ عن ابنِ عُمَر:
أنَّه رأى رجلًا في الطوافِ يحمِلُ أمَّه على ظهرِهِ وهو يُثنِي على فَضلِها عَلَيهِ منذ كان رَضِيعًا، ثم سألَه: هل تَظُنُّنِي جازيْتُها يا ابنَ عُمر؟ فقال: لا..! ولا زفرةً واحدةً.!

فيا أيتها الأمُ الحاضنةُ الكريمة:
أمومتُكِ في الإسلامِ كَنزٌ.. فاغترِفِي بسخاء ولا تبخَلِي على نفسِك..
فكلُّ ما تَفعلينَهُ لولدِكِ لهُ أجر.. وكلُّ ما يُصيبُكِ فيهِ لهُ أجر.. وكلُّ ما تصبِرِينَ عليهِ مَعَهُ لهُ أجر..
فاصبري على صَخَبِ أبنائِك وتَعَبِ طريقِ التربيةِ على مَرضاةِ الله، وجاهِدِي في الجَمعِ بينَ معالِي الأمورِ كلِّها مثلَ خديجة..

فإن عَجَزْتِ، فيَكفيكِ من الأمومةِ أجرًا وشَرَفًا، أنَّكِ مَضرِبُ المثَلِ في المَرحمَة، مِن اللهِ ورسولِه ﷺ ، فحين يُرادُ شَرحُ مَدَى سِعَةِ رحمتِهِ سبحانَهُ بمثالٍ يستوعبُهُ الناسُ،
لا يُؤتَى إلا بــ "رحمةِ الأم" التي تَنعَقِدُ عليها كلَّ مرةٍ المُقارَنةُ في الأمثلةِ النبويةِ الحكيمة: "للهُ أرحَمُ بكم مِن هَذِهِ بوَلَدِها"..
فاصبري.. وأبشِري..
فالأمومةُ تستحقُ، لأنك تصنعينَ بِها المُسلمَ السَّوِيَّ الصالحَ المُصلِح..

ولأجل ذلكَ اقترنَ بِرُّ الوالدينِ بعبوديةِ اللهِ...
كما سنرى في القاعدة القادمةِ إن شاء الله..
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-03-2021, 12:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد

قواعد: (4)

أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ..


أسماء محمد لبيب




مَا إن يبدأُ ولدُكِ في إدراكِ مفاهيمَ الحياةِ مِن حَولِهِ، فإنَّ أولَ مَطلُوبٍ تُلَقِّنينَهُ إياهُ بَعدَ التوحيدِ هو: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}
وربما ذلكَ قَدْ يَبدأُ بعدَ إتمامِه لعامِه الثانِي واللُه أعلم، فهذا الشَّطرُ من الآيةِ قد جاءَ بعدَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن}
ولكن إنِ استوعبَ الأمرَ قبلًها فبادرٍي، فالعِبرَةُ بالاستيعاب..
فما إنْ يَعقِلُ مَفاهِيمَ التواصُلِ والامتنانِ، لَقِّنِيهِ شُكرَ أصحابِ الإنعامِ الأكبرِ عليهِ في حياتِه:
-ربِّه تباركَ وتعالَى أولًا، خالقِه ورازِقِه،
-ثم أمِهِ وأبيهِ ثانيًا، مَنْ جَعَلَهُما اللهُ سببًا في وُجُودِه ورِزقِهِ وعافيتِه وسعادتِه..

وكما هو معروفٌ أنَّ الشكرَ أصلُ العبادةِ للهِ عز وجل وأَصلٌ في تَحَقُّقِها حيث قال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
فهو كذلك من أسبابِ ((التعلقِ والارتباطِ الشعوري)) عمومًا، بولِيِّ الفَضلِ والنِّعمَةِ،
ومن أقوَى أسبابِ الإحساسِ بالسكنِ معَهُ وحُبِّ الانقيادِ لَه،
بسببِ الشعورِ العميقِ بالامتنانِ والتقديرِ تجاهَه..


ولا شكَّ أن هذا يكونُ مِن أقوَى الأسبابِ المُحَفِّزَةِ للنفسِ على البِرِّ والطاعةِ والتسليمِ بينَ يَدَيِ المُرَبِّي عُمومًا،
وبالتالي يُقَوِّي من الاستجابةِ للتقويمِ والتوجِيهِ والتربيةِ على الإسلامِ والاستقامةِ،
وتسليمِ الزِّمامِ طواعيةً بسَهُولةٍ ولِينٍ ويقينٍ وثِقَةٍ وحُبّ..

فمَنْ يَشكُرْ للهِ = سيَعبُدُه ويُطيعُه ويَبَرُّهُ ويَستسلِم لَهُ ويَخضَعُ بين يَدَيهِ..
ومن يشكرْ لوالديهِ = سيُطُيعُهُما ويَبَرُّهُما ويَنقادُ لهما بالمعروفِ ويَخفِضُ لهما الجناحَ ويَلِينُ بينَ يَديهِما..

ولذلكَ نجدُ التفكُكَ المُجتَمَعِيَّ في أعلَى صُوَرِه مَوجُودًا في المجتمعاتِ الغربيةِ الحديثة،
إذْ إنَّ من أقوَى أسبابِ انهيارِ المُجْتمَعات:
هَدمُ مَفهومِ بِرِّ الوالدينِ في الأُسرةِ،
والتسخيفُ مِن قِيمةِ الالتزامِ نحوَهُما بِشَيْء،
وكَسْرُ هيبتِهِما في عُيونِ الأبناء،
وانتشارُ ثقافةِ الاستغناءِ عن أبيكَ وأمِّكَ ودعواتِ التخلُّصِ من هيمنةِ الكِبارِ والسُّلطَةِ الأَبَوِيَّة،
والتهوينُ من قُبحِ جُحُودِ نِعمَتِهِمْ أو مِن كَربِ العَيْشِ بِدُونِهِمْ،
وبالتالي تَمَرُّدُ الأبناءِ على توجِيهاتِ الآباءِ وقُيُودِهم..
ولا يَخفَى على كُلِّ عاقلٍ ما نَتَجَ عن ذَلِكَ مُجْتَمَعِيًّا ودِينيًا وإنسانيًّا، ولا حَولَ ولا قوةَ إلا بالله..

فالحمدُ للهِ على نِعمةِ الإسلامِ، الذي قَرَنَ بِرَّ الوالِدَينِ، والامتنانَ لنِعَمِهِمَا، وطاعتَهُمَا في المَعروف،
بتمامِ العُبودِيَّةِ للمُنْعِمِ الأعظمِ وشُكرِهِ عَزّ وجَل، وخَوَّفَ من التفريطِ في ذلك،بِيَوْمِ الجَزَاءِ والحِسابِ قائلًا:
{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ... إليَّ المصير}

لكن أيتها الأمُّ الطيبة،،،
أهَمُّ ضامِنٍ لفعاليةِ هذهِ القاعدةِ مَعَكِ بإذن الله، هو ألا تُلَقِّنِيها لوَلَدِكِ بطريقةٍ فيها ((مَنٌّ وأذَى))..
وإنما بطريقةٍ تُنَشِّؤُهُ على أنَّ الأدبَ، والمُرُوءةَ، والخُلُقَ القَوِيمَ، وعَيْنَ الإسلامِ والإيمانِ:
-الامتنانُ لِرَبِكَ،
-والامتنانُ لوالِديْكَ..

وهنا يأتِي سؤالٌ: ألَا يجلِبُ امتنانُهم لنا وإجلالُهم إيانا، التَروِيضَ المُمَيْكِنَ، بدلًا من التربيةِ التَزكَوِيَّة؟
والإجابةُ في القاعدة القادمةِ بإذن الله..



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-03-2021, 12:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد

قواعد: (5)

شابٌ نشأ في طاعةِ الله: تربيةٌ أم ترويض؟


أسماء محمد لبيب




التربيةُ ليس مرادِفُها أن تَجعَلي أبناءَكِ مُنضَبِطِي السلوكِ فقط مادُمتِ حاضِرَةً بسَمعِكِ وبَصَرِكِ مَعَهُم..
إنما التربيةُ هي أن يَفعَلواَ الصوابَ حتى وأنتِ لستِ في الجوار..
النوعُ الأولُ اسمهُ "ترويضٌ" أو "تعايشٌ سِلمِيٌ"،
وهذا هو ما تقدمه لكِ نظرياتُ التربيةِ الغربيةِ الحديثةِ للأسف، خاصّةً لو طبقتِها بدونِ مِسطَرَةِ التربيةِ الإسلامية..

والنوع الثاني اسمُه "تربيةٌ" و "تزكيةٌ" و"فنُّ صناعَةِ الرِّجال"، ذُكرانًا وإناثًا..
الترويضُ استئناسٌ للنفسِ لتصبح أليفةً، حتى إذا فُتِحَ القفصُ أو غابَ الحارِسُ، عادتْ لتَوَحُّشِها..
لكنِ التربيَةُ، هي إعادةُ تشكيلٍ للنفسِ بالتقوَى الذاتِية، فيَستَوِي عندَها وجودُ رقيبٍ من عَدَمِه، لعلمها أن الله شهيدٌ رقيب..
إذًا...

الترويض تطويعٌ مٌؤقَّت، بينما التربيةُ تَطوِيعٌ دائم..

لكني لا أُنكِرُ أنَّ التربيةَ تحتاجُ معَها للترويضِ أحيانًا بالفعل، بل إنَّ بعضَ نظرياتِ الترويضِ المنتشرةِ، موجودةٌ في دينِنا نحنُ قبلَ كلِّ تلكَ الكُتُب..
لَكِنِ الفرقُ، أن الترويضَ في التربيةِ الإسلاميةِ لا يكونُ وحدَهُ بأيةِ حالٍ، وإن وُجِدَ فلا يكونُ هو الأصلُ..
أي إننا يُمكننا الاستغناءُ عنِ الترويضِ ونحن نُرَبِّي،
لكن لا يمكننا الاستغناءُ عن التربيةِ ونحن نُروِّض..

ولأجلِ ذلكَ، فإنَّ خليطَ التربيةِ الإسلاميةِ وَحدَهُ يُحَقِّقُ المعادلةَ التربويةَ المُدهِشة في قوله تعالى: {يَهدِي لِلَتِي هِيَ أَقْوَمُ}..

فإنْ سألَ سائِلٌ:
كيفَ السبيلُ إلى تلكَ التربيةِ الإٍسلاميةِ التي تؤتِي أُكُلَها الطيبةَ دونَ خَلَلٍ بإذنِ رَبِّها،
وتُنشِيءُ أطفالَ المسلمينَ على الاستقامةِ في كلِ حال؟

فالجوابُ في ثلاثٍ:
أولًا: سقايةٌ متينةٌ ومحكمةٌ للعقيدةِ النقيةِ في قلوبهمُ الغَضَّةِ..
كمفهومِ التوحيدِ الخالِصِ وشُرُوطِ لا إلهَ إلا الله/ وأسماءِ اللهِ الحُسنى وصفاتِه/ وأركانِ الإسلامِ/ وأركانِ الإيمانِ، خاصَّةً رُكنُ الإيمانِ بالأنبياءِ القدواتِ الحسنةِ، والإيمانِ بالملائكةِ الكرامِ الكتبةِ، والإيمانِ بيومِ الجزاءِ والجنةِ والنارِ..
فتلك المنظومةُ المتراصَّةُ بإحكامٍ ستُنبِتُ في قلوبِهِمُ التقوَى والخوفَ من غَضَبِ الله/ والرجاءَ في جَنَّتِهِ ومَحَبَّتِه/ والإخلاصَ/ وحُبَّ الخيرِ وأهلِه/ وبُغضَ الشرِّ وأهلِه/..
وسنفصلُ ذلكَ أكثرَ في مقالاتٍ لاحقةٍ بحولِ اللهِ وقُوَتِه..

ثانيًا: سِقايةٌ متأنيةٌ وعلى مُكثٍ، للقرآن..
وتعليقِهِم بِهِ كغذاءٍ لا غِنَىً عنْهُ،
كغذاءِ البَدَنِ تمامًا بلْ أشد..
فينشأونَ على أنَّ "القرآنَ حياةٌ"، حِفظًا وفَهمًا وحُجَّةً وعَمَلًا ودِرْعًا أمامَ المِحَنِ..

ثالثا: وسائلُ أخرى لا تقلُّ أهميةً، مِن إخلاصِ النيةِ للهِ/ وصِدقِ الاستعانَةِ به/ والقدوةُ/ والصبرُ/ والحبُ والمرحمةُ/ والذِّكرُ للهِ كثيرًا وفيهِ الدعاءُ..
وتكلمنا عنهم من قَبلُ ولازالَ للتفصيلِ بقيةٌ بإذنِ الله..

فختامًا نقولُ،،،
الإسلامُ يُنَشِّئُهُم منذُ صِغَرِهِم على حَملِ هَمِّ الدينِ وهَمِّ إهدائِهِ للناسِ قُدوةً وقِيادة.
ويَنقَعُ قلوبَهم وأعمارَهُم فِي القُرآن.
ويُرَبِّيهُم على الخشونةِ والتخفُّفِ مِنَ الدُنيا وعدمِ الهشاشةِ أو المُيُوعةِ.
ويُلَقِّنُهُم أنَّ مَعَالِي الأمورِ لا نَملِكُ رفاهيةَ تَرْكِها.
ويُعَلِّمُهُم فَنَّ التخطيطِ الشاملِ لحياتِهم حولَ كَعبَةِ رضا الله.
ويَغرِسُ فيهم أنَّ الإنجازَ الساحِقَ والميداليةَ الذهبيةَ = في رضا اللهِ لا الناسِ، وأنَّ ذلكَ هُو الفوزُ العظيم.
وكذلك الإسلامُ يُعَلِّمُكِ وأباهم أن تُلقِناهُم ذلك وأنتُما تحيطانِهِم بحبٍ وتَحنانٍ وحُسْنِ صُحبَةٍ وتَشجِيعٍ واحتواءٍ وصبرٍ وحِكمةٍ..
ويَحَثُّكُما على أن تكونا قدوةً في كلِّ ذلكَ أولًا، ليَقتَفُوا خُطُواتِكما بثباتٍ، فِي فَنِّ ((مَلءِ الصحيفةِ بالحسناتِ))..

فإن رَبَيتُم وتَرَبَيتُم على ضوءِ تِلكَ الثمانيةِ، فلن تقلقُوا من فَخِ الترويضِ، ولن تحتاجُوا إلى الغَربِ لِكَيْ يُعَلِّمُوكُم كيفَ تُرَوِّضُونَ أبناءِ المسلمين..
لأنَّ الثمرةَ إن لم تكُنْ "شابًا نشأَ في طاعةِ الله"، فإننا حِينئذٍ لَم نُرَبِّ غالبًا، وإنَّمَا قد رَوَّضْنا وحَسب..
والتربيةُ صعبةٌ.. أجَلْ..
لَكِنِ الثمرةُ تستحقُّ..
فروِّضُوا أبناءَكم بالإسلامِ..


وهنا قد تسألُ أمٌ فاضلةٌ: هل من نَمُوذجٍ قرآنِيٍّ عَمَلِيٍّ، يُبرِزُ ويُؤكِّدُ هذا الكلامَ، نضَعُهُ نُصْبَ أعينِنا ونَسِيرُ عَلَيهِ؟
والجوابُ في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله..



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-04-2021, 12:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد

قواعد: (6)
صناعةُ القادةِ والقدواتِ، وآتَيْناَهُ الحُكْمَ صَبِيًّا


أسماء محمد لبيب



قواعد: (6) صناعةُ القادةِ والقدواتِ.. {وآتَيْناَهُ الحُكْمَ ((صَبِيًّا))..}

{وآتيناه الحُكمَ ((صبيًّا))..}
مَنْ هَذَا....؟
سيدُنا يَحيَى عليهِ السلام..
وما معنى الآية؟
معناها أنَّهُ أُوتِيَ مَعرِفةَ أحكامِ اللهِ والحُكمَ بها، وهو في حالِ صِغَرِه وصِباه..*1
فهل من آيةٍ أخرى؟
نعم: { {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ.. أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ((بِيَحْيَى)).. مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَ ((سَيِّدًا)) وَ((حَصُورًا)).. وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} }..

لا يَشُكُّ عاقِلٌ أنَّ مِن نَعِيمِ الدنيا الذِي يُبَشَّرُ بهِ المَرءُ، أن يكونَ ولدُهُ ((سيدًا)).. و((حَصُورًا))..
سَيِّدًا مُؤَثِّرًا فِي الناسِ، لَهُ كلمةٌ مًسمُوعةٌ وينتهِي إليهِ القولُ، سَواءً في دائرتِهِ أو أوسَعَ منها..
وحَصُورًا لا يأتِي الذنوبَ والفواحِشَ، بل حَصَرَ نفسَهُ عَنها، وخَصَّصَ بَدَنَهُ لطاعةِ ربِهِ وَتَزكِيةِ نَفسِهِ،
بالِغًا بذلك دُرَّةً عاليةً في الطُّهْرِ والاستقامة:
= فهو سيدٌ في المَشُورةِ والإمامَةِ، أي: ((قائدٌ))..
= وسيدٌ في الصلاح ِ والعِفةِ والعِصمَةِ من المُنكَرَاتِ، أي: ((قدوة))..
والآيةُ تُشِيرُ إلى أنَّ من أقوَى أسبَابِ ذلك: التسلُّحُ بالعلمِ الشرعيِّ منذُ الطفولةِ، وأخدُهُ بقُوةٍ..

ببساطةٍ..
الآيتانِ تَلفِتانِ نِظَرَنا لنوع ٍ مِنَ التَرْبيةِ اسمُهُ [[ فَنُّ صِناعَةِ القادةِ والقُدْواتِ ]]..
⏹فمِن فُنُونِ صِناعَةِ القادةِ: التربيةُ على هدفٍ أكبرَ من دائرةِ الذَّاتِ: "سيادةُ العالمِ وإمامَةُ الناسِ"..
كتخطيطِ هِنْدَ بِنْتِ عُتبةَ لابنِها مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان.. حينَ قيل لها، وابنُها لايزالُ وَلِيدًا بينَ يَدَيْها:
"إن عاشَ، سادَ قَوْمَه!"... فقالت: "ثكِلتُهُ إنْ لَمْ يَسُدْ إلا قَومَه!!"
تلك أمٌّ قد فَقِهَتْ الآيةَ، ورَبَّتِ ابنَها بها، حتى صارَ "مَعاويةَ بنَ أبِي سُفيان"، داهيةَ العَرَبِ قبلَ الإسلامِ وأحدَ فُضلاءِ الصحابةِ بعد الإٍسلامِ.. رضي الله عنه..
أما نحنُ اليومَ؟... فنتَحَسَّسُ رقابَنا إذا فَكرْنا في مُخاطَبَةِ بَعضِ الناسِ بأدبياتِ تربيةِ تلكَ النفوسِ التِي سادَتِ الدنيا..!!
هذا فيما يَخُصُّ فَنَّ صِناعةِ القادةِ..

أما فيما يَخُصُّ فَنَّ صناعةِ القُدْواتِ:
فمِن أقوَى ما يُعِينُ عليهِ وأشارتْ إليهِ الآياتُ، تربيةُ ولدِكِ على الانتباهِ جيدًا لسلوكياتِهِ ومواضعِ خُطُواتِه حِرصًا على خُطُواتِ الناسِ خَلفَهُ، إخوتِهِ وجِيرانِه وصُحبَةِ المَسجِدِ والمَدرَسةِ وغيرِهم.. فتَكرَارُكِ ذَلِكَ عليهِ دومًا، من أقوَى وسائلِ تَنمِيَةِ حِسِّ القُدْوَةِ بداخِلِه..
مثلما فَعَلَ سيدُنا عُمَرُ معَ سيدِنا طَلحةَ..
ففي يومٍ مِن أيامِهِمُ النَّدِيَّةِ، رأى سيدُنا عُمَرُ سيدَنا طلحةَ وهو مُحرِمٌ بملابسَ مصبوغةٍ، فسألَهُ عن ذلكَ.
فقالَ لهُ طلحةُ: إنما هُوَ مَدَرٌ – أي إنه طِين ٍ لَزِج ٍ فحسْبْ.. وقد ظَنَّهُ سيدُنا عُمَرُ صبغةَ ألوانٍ من التِي لا تَجُوزُ في حَقِّ الرِجالِ..
فقال عُمَرُ جُملتَهُ الذَّهَبِيَّةَ:
[[ إِنَّكُم أيُّها الرَّهطُ أئمَّةٌ يَقتدِي بكُمُ الناسُ.. فلو أن رجلاً جاهِلاً، رَأَى هذا الثوبَ، لقالَ: "إنَّ طَلحةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ قَدْ كَانَ يَلبَسُ الثيابَ الْمُصَبَّغَةَ في الإحرامِ"، /فلا تَلبَسوا أيُّها الرَّهطُ شيـئًا من هَذِهِ الثِّيابِ المُصَبَّغَةِ..]]
رضِيَ اللهُ عن لَئالِيءِ الأُمَّةِ..

ونقولُ خِتاماً..
= رَبِّي وّلَدَكِ على سِيادةِ الدنيا بالقدوةِ الصَّالِحَةِ..
= فِإنْ لَمْ يَستَطِعْ، فَسِيادةُ قومِه..
= فإن لمْ يَستَطِع، فسيادةُ نَفْسِه وامْتِلاكُ زِمامِها، كَأهَمّ وأَجَدَرِ غايَةٍ للِفلاحِ..
= وهَيِّئِيهِ لتلكَ الدَرَجاتِ العُلَى بِالعِلمِ والقُوَّةِ وكلِّ الأسبابِ، مُنذُ نُعُومَةِ أظفارِهِ..

فقطْ نَنتَبِهُ ونحنُ نُرَبِّيهِمْ على سِيادَةِ العالَمِ، أن لَّا نَزرَعَ فيهم حُبَّ الرِّئاسَةِ ولا السَّعْيَ لِلْإِمَامَةِ مِنْ أَجْلِ مَالٍ أَوْ مَنصِبٍ أو زَعَامَةٍ، وَلا دُونَ جَدَارَةٍ واستِحقَاقٍ.. فلا يُقَدِّمُ نَفسَهُ لِلقِيادَةِ والإداراةِ وما شابَهَ إلَّا إذا تَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِالعِلْمِ وَالكَفاءَةِ وَالإِخلاصِ للهِ، كما فَعَلَ سيدُنا يوسفُ {اجعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الآرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.. وكما دَعَا عِبادُ الرحمَنِ الذين زكاهم الله: {وَاجعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}..

فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: « قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟.. فَضَرَبَ ﷺ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ.. إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» "..

لكن في نفسِ الوَقتِ، عن عُثمانَ بنِ بِشْرٍ، قالَ: "يا رسولَ اللهِ! اجعَلْنِي إِمَامَ قومِي" فقالَ ﷺ: أنتَ إِمامُهُم..
رُغْمَ أَنَّهُ كانَ أصغَرَ قَومِه مِن وَفدِ بَنِي ثَقِيف، إلا إنَّهُ كانَ أحْرَصَهُم عَلَى طَلبِ العِلمِ بَينَ يَدَيِ النبيِ ﷺ، فاستَحَقَّ إمَامَتَهُم..

فالأمرُ أولًا وأخيرًا بضوابِطَ وأدواتٍ نربيه عليها أولًا، ولا يَتَسِعُ لها المَقامُ هُنا..
فيكونُ سَعْيُه لِلقِيادةِ والقُدوَةِ وَسِيلَةً لنَشر ِ دِينِ اللهِ، وليستْ غايةً لِصَرْفِ وُجُوهَ النَّاسِ إِليهِ..
فحِينَها ((سيَحيَى)) بِحَقٍ كَسِيدِنا ((يَحيَى))، الذي كان سَيّدًا فِي النَّاسِ بعِلمِهِ وعملِهِ ذا كَلِمَةٍ مَسمُوعَةٍ، وسيدًا في الصلاح ِ ذا نَفْسٍ حَصُورَةٍ عن الشَّهَوَاتِ والذُّنُوبِ، وسَيِّدًا فِي الأنبياءِ بَلَغَ مِنَ الخَيرِ والكمالِ البَشَرِيِّ ذُرْوَتَهُ..

فيُحْيِي اللهُ الناسَ بِوَلَدِكِ، و((يَحيَى)) هو خالدَ الذِّكْرِ بِلِسانِ صِدْقٍ فِي الآخِرِين.. بحول ِ اللهِ وقُوَّتِهِ..

وهُنا يَأتِي سؤالٌ: كيف يَلِينُ بَينَ يَدَيْكِ فِي كُلِّ ذَلِك...؟
والجوابُ في القاعِدَةِ القادِمَةِ بِإذنِ الله..


--


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-04-2021, 12:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد

قواعد: (7)
الصِدْقُ والعدلُ أساسُ المُلْك.. {لأعدِلَ بينَكُم}



أسماء محمد لبيب



إِذا سَألْنا كيفَ يَلِينُونَ بَينَ يَدَيكِ ويَثِقُونَ في توجيهاتِكِ، فإنَّ أَوَّلَ صِفَتَينِ تملكِينَ بِهِما -بحولِ اللهِ وقوتِهِ- زِمامَ قلبِهِمْ وعقلِهِمْ، هُمَا: الصدْقُ والعدلُ.. وتأتيانِ قبلَ حَتَى كلامِنا عن الحُبِّ والحَنان..

فحنانُكِ مَعَهُم ومَرحَمَتُكِ، ومُشارَكَتُكِ إياهُم لَعِبِهِم، وإلقامِهِمْ مَا لَذَّ وَطابَ مِنَ الأطعِمَةِ، واهتمامُكِ بتفاصِيلِهم المُحببَةِ إليهِم، وتَلْقِينُكِ إياهُم الخِبراتِ الحياتِيَّةِ بِلِينٍ ورِفقٍ، وضَحِكُكِ مَعَهُم وحِرصُكِ على مَصلَحَتِهِم في العاداتِ الصحيةِ، وما إلَى ذلكَ مِنْ مَظاهِرِ أمُومَتِنا لِفَلَذاتِ أكْبادِنا، إن كانتْ جَميعُها لَدَيكِ بنِسَبٍ مُتَوَسِّطَةٍ أو مَقبُولَةٍ، فلا تُحبَطِي مَادُمْتِ في الصِّدقِ والعدلِ تُحَقِّقِينَ دَرجاتٍ نِهائِيةٍ ونِسَبًا قِياسِيَّةٍ...

بلْ أُبَشِّرُكِ: سَتَملِكينَ قلوبَهُمْ أسرَعَ وأقوَى بإذنِ الله..
وبالمُقابِلِ: قد تكونُ نسبتُها كلُّها في أُمُومَتِكِ عَاليةً جِدًا وتَبذُلِينَ فِيهم مَجهُودًا جَبارًا قاصِمًا للظَّهرِ (باركَ اللهُ فِيكِ وتقبلْ مِنكِ فهوَ مِن مَعانِي الأمُومَةِ الجَميلةِ قَطعًا بلا شَكّ)، لكنَّكِ في ذاتِ الوَقتِ تُخفِقِينَ في تَحقِيقِ النَّجاحِ في درجاتِ الصدقِ والعدل، أو ربما في نَظَرِ أولادِكِ قد أحرَزتِ درجةَ السُّقوطِ والعياذِ بالله، فهُنا أخشَى أن أحَذِّرَكِ: أنكِ قد تَخسَرِينَ قُلُوبَهُمْ وعُقُولَهُمْ مهما فَعَلْتِ لهم من مُبهِجاتِ، إلا أنْ يَرحَمَكِ اللهُ، لأنَّ أبناءَكِ هكذا يَفقِدُونَ الشعورَ بالأمانِ في جَنابِك،ِ والثقةِ في حُكمِكِ أو كلامِكِ..
نَعَم سَتَرَيْنَ أبناءً بَارِّينَ مُطِيعِينَ فهذا هو دِينُهم، لكن قلوبُهم وعقولُهم لا سُلطانَ لهُم عليها، ستكونُ مُهاجِرةً من وَاحَاتِكِ لواحاتٍ آُخرَى آمِنَةٍ، بحثًا عن الصدقِ والعَدلِ..
لذلك هما أكثرُ صِفَتَينِ غَيرُ مَقبُولٍ فيهما نِسَبٌ مُتَوَسِّطَةٌ، بل لا أبالغُ إنْ قُلتُ غَيرُ مَقبُولِ فيهما أصلًا أقلَّ من مائة بالمائة.
حين ضاقَتْ الدنيا على الصحابةِ لشدةِ تَعذِيبِ قريشٍ لهم، وصَّاهُم النبيُّ ﷺ بالحَبَشَةِ..
لماذا بالذات......؟
الجوابُ مِنَ الحديثِ: «لأنَّ عِندَهُم مَلِكٌ لا يُظلَمُ عِندَه أَحَدٌ: النَّجَاشِيّ» (السلسلة الصحيحة)
فكانَ عدلُه سببًا لأن تَهوِي إلَيهِ القلوبُ مِن كُلِّ جَانِبٍ..
فالأمانُ مُقُدَّمٌ على الحُبِّ، لأنَّ دَفْعَ الضَرَرِ مُقَدَّمٌ علَى جَلبِ المنفعة..
بل لا حُبَّ بِدونِ أمانٍ....
ولا أمانَ بِدونِ عدلٍ...
ولا عدلَ بِدونِ صِدق...
وحينَ كانَ هُناكَ نِزاعٌ بينَ فَريقَينِ من الصحابةِ، حولَ مسألةِ "أيهُما أحقُّ برسولِ اللهِ ﷺ، احتِجاجًا بمِعيارِ "أيهُما الأسبَقُ للهِجرَةِ مِنَ الآَخَرِ"، كان بعضُ المهاجرين يقولون لمُهاجِرَةِ البَحرِ الذينَ هاجَرُوا للحَبَشَةِ قَبلَهُمْ بالسفينةِ ثمَّ بَعدَ بِدْءِ الهِجرَةِ لِلمَدِينَةِ هَاجَرُوا للمدينةِ:
"نحنُ سَبَقناكُم بالهجرَةِ ونحنُ أحقُّ بالنبيِّ مِنكُمْ"..!!
وفي مَرَّةٍ، قالها سيدُنا عُمَرُ لإحدَى مُهاجِراتِهم: السيدةُ أسماءُ بِنتَ عُمَيْسْ.. فَغَضِبَتْ بشدةٍ وقالتْ له كلامًا مُلَخَّصُهُ:
"هذا الذي تقولُهُ يا عُمَرُ كَذِبٌ!!.. وإِنَّكُمْ كُنتُمْ في أمانٍ والنَّبِيُّ ﷺ بينَ أظهُرِكُم يُطعِمُ جائعَكُم ويُوعِظُ جاهلَكُم، بينما نَحنُ كُنا وَحدَنَا بِدونِهِ، نُؤذَى ونَخَافُ للهِ وفي اللهِ ورسولِه..!! "
وأقسَمَتْ ألا تَأكلَ أو تشرَبَ إلا بعدَ تبليغِ الرسولِ ﷺ بالأمرِ ليأتيَ لها بحقِّها هِيَ وَمَنْ مِثلِها مِنْ مُهاجِرَةِ الحَبَشَةِ.. فلما اشتكتْ للنَّبِيِّ ﷺ، أنصَفَها وخَطَّأَ سيدَنا عُمَرَ، قائلًا إجمالًا: « ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان » (رواه البخاري ومسلم)
تَتَخَيَّلُونَ حَجمَ سعادتِها وقومِها بهذا الإنصافِ المُنتَظَرِ، ومَدَى تمَلُّكِ النَّبِيِّ ﷺ لقلوبِهم وعقولِهم بعدَها أكثرَ وأكثرَ؟
وصَفَتْ، جانبًا من رَدّ فِعلِهِم فقالتْ: ((ما مِنَ الدنيا شيئٌ هُم بِهِ أفْرَحُ ولا أعظَمُ في أنفسِهِم مما قال لهم رسولُ اللهِ ﷺ..))
فيا أيَّتُها الأمهاتُ الطيباتُ..
- اعْدِلنَ بينَ أولادِكُنَّ: {وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15]
- واحكُمنَ بينَهُم بالعدلِ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} [المائدة:42]
- وأنصِفُوهُنَّ مِن أنفُسِكُنَّ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42]
- وأَتْقِنَّ الصِّدقَ والعَدلَ..
- وكُنَّ مَلاذَهُمُ الآمِنَ الأمِين...
تَملِكْنَ قلوبَهمْ بإذنِ مُقَلِّبِ القلوبِ والأبصار..
فالعدلُ أساسُ المُلْكِ.. والصِّدْقُ أساسُ العدلِ.... والعدلُ هو بَذْلُ الحُقُوقِ بلا نُقصَانَ، والتسويةُ بَيْنَ المُستَحِقِّينَ في حُقُوقِهِم..
وأَعدَلُ قانونَ حُقُوقٍ تُطَبِّقِينَهُ مَعَهُم، بَلْ تَخضَعُونَ لَهُ جَميعًا بأمانٍ فلا تَناقُضَاتٍ فيه تُفقِدُ الثِّقَةَ في عَدَالَتِهِ وتُفسِدُ الوُدَّ وتُوغِرُ الصدُورَهو العدلُ الإلهيُّ، المُتَمَثِّلُ في شَرعِهِ الحَكيمِ الذِي أُحكِمَتْ آياتُه.. ولو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لوجَدُوا فِيهِ اختلافًا كثيرًا وميلًا عَظيمًا..
في قانُونِهِ خَمسَةُ أحكامٍ للأمورِ: واجبٌ/ حرامٌ/ مَكرُوهٌ/ مُستَحَبٌ/ مُباحٌ..
- أنصِفِي ابنَكِ مِنكِ فِيهِنَّ تَملِكِينَ قَلبَهُ وعَقلَهُ وتُعَزِّزِينَ إيمانَه بإذنِ الله..
وتَذَكَّرِي أنَّ نِصْفَ حُرُوفِ الـ ((أَ مَ ا ن)) هي الـ ((أُ مَّ)) ..
إلا ما كانَ عَنْ تَقصِيرٍ بَشَرِيٍّ طَبِيعِيٍّ، فنُسارِعُ بَعدَهُ بالإِقرَارِ بالخَطَأ، وهذا عَيْنُ الصِّدقِ والعَدْلِ..فكلنا ذَوُو خَطأٍ، وخَيرُ الخَطائِينَ التوَّابُون..
والسؤالُ: كيف نُطَبِّقُ ((العَدْلَ)) مَعَهُمْ بالأحكامِ الخَمسَةِ؟ وما علاقتُها بِالتَربِيةِ وتأسيس السلوك وتعديله؟
والجوابُ في القاعدةِ القادمةِ بإذنِ الله.











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 114.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 109.50 كيلو بايت... تم توفير 4.64 كيلو بايت...بمعدل (4.07%)]