شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 777 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 129 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 16 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 27 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 90 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-09-2020, 02:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (1)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل





مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)

شرح: فضيلة الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


قال أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه وأرضاه:
الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته، وصوره في الأرحام بحكمته، وأبرزه إلى رفقه، وما يسره له من رزقه، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيمًا، ونبهه بآثار صنعته، وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه، فهدى من وفقه بفضله، وأضل من خذله بعدله، ويسر المؤمنين لليسرى، وشرح صدورهم للذكرى؛ فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين، وبقلوبهم مخلصين، وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين، وتعلموا ما علمهم، ووقفوا عند ما حد لهم، واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم.

أما بعد أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه، وحفظ ما أودعنا من شرائعه، فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة مما تنطق به الألسنة، وتعتقده القلوب، وتعمله الجوارح، وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها، وشيء من الآداب منها، وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى وطريقته، مع ما سهَّل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين، وبيان المتفقهين، لما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرآن، ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركته، وتحمد لهم عاقبته، فأجبتك إلى ذلك؛ لما رجوته لنفسي ولك من ثواب مَن علَّم دين الله أو دعا إليه.

واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه،وأولى ما عني به الناصحون ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين؛ ليرسخ فيها، وتنبيههم على معالم الديانة، وحدود الشريعة؛ ليراضوا عليها، وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم، وتعمل به جوارحهم؛ فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الله، وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر.

وقد مثلت لك من ذلك ما ينتفعون - إن شاء الله - بحفظه، ويشرفون بعلمه، ويسعدون باعتقاده والعمل به، وقد جاء أن يؤمروا بالصلاة لسبع سنين، ويضربوا عليها لعشر، ويفرق بينهم في المضاجع، فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم، ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم، وسكنت إليه أنفسهم، وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم.

وقد فرض الله سبحانه وتعالى على القلب عملًا من الاعتقادات، وعلى الجوارح الظاهرة عملًا من الطاعات.

وسأفصل لك ما شرطت لك ذكره بابًا بابًا؛ ليقرب من فهم متعلميه - إن شاء الله تعالى، وإياه نستخير، وبه نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد نبيِّه، وآله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات
من ذلك:
الإيمان بالقلب، والنطق باللسان: أن الله إله واحد لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له.

ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، لا يبلغ كُنْهَ صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون، يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته، ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

العالم الخبير، المدبر القدير، السميع البصير، العلي الكبير، وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه.

خلق الإنسان، ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

﴿ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وعلى الملك احتوى، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه، تعالى أن تكون صفاته مخلوقةً، وأسماؤه محدثةً.

كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته، لا خَلْق من خلقه، وتجلى للجبل فصار دكًّا من جلاله، وأن القرآن كلام الله، ليس بمخلوق فيَبيد، ولا صفة لمخلوق فينفَد.

والإيمان بالقدر خيره وشره، حُلوه ومره، وكل ذلك قد قدره الله ربنا، ومقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه.

علم كل شيء قبل كونه، فجرى على قدره، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به، ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].

يُضل من يشاء، فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء، فيوفقه بفضله، فكلٌّ ميسَّر إلى ما سبق من علمه وقدره، من شقي أو سعيد.

تعالى اللهُ أن يكون في ملكه ما لا يريد، أو يكون لأحد عنه غنًى، أو يكون خالق لشيء إلا هو، رب العباد، ورب أعمالهم، والمقدر لحركاتهم وآجالهم،الباعث الرسل إليهم؛ لإقامة الحجة عليهم.

ثم ختم الرسالة والنِّذَارة والنبوة بمحمد نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فجعله آخر المرسلين، بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وأنزل عليه كتابه الحكيم، وشرح به دِينه القويم، وهدى به الصراط المستقيم.

وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من يموت، كما بدأهم يعودون.

وأن الله سبحانه وتعالى ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات، وصفَح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات، وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر، وجعل من لم يتب من الكبائر صائرًا إلى مشيئته ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].

ومَن عاقبه الله بناره، أخرجه منها بإيمانه، فأدخله به جنته ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7]، ويخرُجُ منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مَن شفع له من أهل الكبائر من أمته.

وأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه، وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه، بما سبق في سابق علمه.

وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به، وألحد في آياته وكتبه ورسله، وجعلهم محجوبين عن رؤيته.

وأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة ﴿ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22]؛ لعرض الأمم وحسابها، وعقوبتها وثوابها، وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد، ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 8، والمؤمنون: 102]، ويؤتون صحائفهم بأعمالهم؛ فمن أوتي كتابه بيمينه، فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا، ومن أوتي كتابه وراء ظهره، فأولئك يصلون سعيرًا.

وأن الصراط حق، يجُوزُه العباد بقدر أعمالهم؛ فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم، وقوم أوبقَتْهم فيها أعمالهم.
والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ترِدُه أمته، لا يظمأ من شرب منه، ويذاد عنه من بدَّل وغيَّر.
وأن الإيمان: قول باللسان، وإخلاص بالقلب، وعمل بالجوارح، يَزيد بزيادة الأعمال، وينقص بنقصها.
فيكون فيها النقص، وبها الزيادة، ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنَّة.
وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة.
وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون، وأرواح أهل الشقاوة معذَّبة إلى يوم الدين.
وأن المؤمنين يُفتَنون في قبورهم ويسألون ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27].
وأن على العباد حفظةً يكتبون أعمالهم، ولا يسقُطُ شيء من ذلك عن علم ربهم، وأن ملَك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه.
وأن خيرَ القرون القرنُ الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وآمنوا به، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.
وأفضل الصحابة: الخلفاء الراشدون المهديون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين.

وألا يُذكَرَ أحد من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجَر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب.


والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم.
واتباع السلف الصالح، واقتفاء آثارهم، والاستغفار لهم.
وترك المراء والجدال في الدين، وترك كل ما أحدَثه المحدِثون.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته، وسلم تسليمًا كثيرًا

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-09-2020, 02:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (1)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل






مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)

شرح: فضيلة الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل





...ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله من المحققين، ومن أفذاذ العلماء، وقد كتب الله جل وعلا لعلومه وجملة من تصانيفه الرضا والقبول؛ فسارت بها الركبان، واهتم بها الناس قرنًا بعد قرن، ومن أجل تصانيفه: كتابه الشهير بـ: "الرسالة"، التي ما هذه "العقيدة" التي نتدارسها في هذه المجالس إلا تقدمة لكتابه "الرسالة"،فهذه العقيدة تسمى "مقدمة الرسالة"، وتسمى "مقدمة ابن أبي زيد القيرواني"، حيث جعلها تقدمة لكتابه الكبير: "الرسالة"، الذي ذكر فيه أحكام الفقه في العبادات والمعاملات وشرائع الإسلام، وقدمه بهذه المقدمة المتعلقة بالعقيدة والإيمان والتوحيد.


و"الرسالة": ألفها رحمه الله لما طلب منه أحد أقرانه وأهل بلده في تونس، في القيروان، وهو رجل كان يعلم الأولاد والصبيان، يعلمهم: القرآن ومبادئ أحكام الشريعة، ويقال له: أبو محفوظ، محرز التونسي المالكي القيرواني، فطلب من الإمام محمد بن عبدالله بن أبي زيد القيرواني أن يكتب كتابًا يهتدي به في تعليم هؤلاء الصبيان من أولاد المسلمين، فكتب له كتاب "الرسالة"، وهو جليل النفع، عديم المثل والنظير، بدأه بالعقيدة، ثم شرع في مسائل الفقه والأحكام وأصول الفقه وأصول الاستدلال.

وكثر شارحو هذه الرسالة، ومن أجل شروحها وأكبرها: "النوادر والزيادات"، وهو مطبوع في مجلدات كثيرة، بلغت نحو ستة عشر مجلدًا.
هذا الكتاب ما زال العلماء يعتنون به، ويهتمون به؛ ولهذا مقدمته تناسب أن يبتدئ بها طالب العلم في مسائل العقيدة.

وبه تعرفون أن الأوائل والأواخر من العلماء كلهم على جادة واحدة في عنايتهم بالعقيدة، وفي ذكرهم لمضامينها، ولم يخالف لاحق العلماء سالفهم في تقرير هذه المسائل.

والمقدمة التي تسمعونها الآن هي مقدمة لهذه الرسالة المشتملة على العقيدة وعلى الفقه وعلى الأصول، فنقرأ المقدمة ثم نشرع معكم في المقصود.
[قال أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه وأرضاه:]
هذا الدعاء: "رضي الله عنه وأرضاه" من الناسخ، أو من راوي هذه الرسالة، وإلا فالمؤلف لا يترضى عن نفسه كما هو معروف، لكن هذه من النساخ، أو من الرواة الذين رووا هذه الرسالة،والدعاء بالرضا دعاء مشروع؛ أن يرضى الله عنا، كما يقول الإنسان: "اللهم ارضَ عني"، أو يدعو الوالدان لولدهما أن يرضى الله عنه، لكن: "رضي الله عنه وأرضاه" هذا شِعار للصحابة رضي الله عنهم في مدحتهم والثناء عليهم، وأما من بعدهم من العلماء فشعارهم: الترحم عليهم، إذا أضحى هذا الأمر على أنه شعار فهو مخصوص بالصحابة، وإذا خرج مخرج الدعاء فيشمل الصحابة ويشمل غيرهم.

الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته، وصوره في الأرحام بحكمته، وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه، وعلَّمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيمًا، ونبهه بآثار صنعته، وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه، فهدى من وفقه بفضله، وأضل من خذله بعدله، ويسر المؤمنين لليسرى، وشرح صدورهم للذكرى، فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين، وبقلوبهم مخلصين، وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين، وتعلموا ما علمهم، ووقفوا عند ما حد لهم، واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم].

هذه المقدمة ابتدأت بحمد الله، والثناء عليه، ومدحه سبحانه بما هو أهله، كما اشتملت على الثناء على رسل الله، الذين أرسلهم جل وعلا إلى الناس مبشرين ومنذرين، واشتملت أيضًا على الإيمان بكتب الله، التي نطقت بحق الله على عباده، وأبانت شرع الله جل وعلا لمن أراد الوصول إلى رضوانه، وبيَّن فيها سبحانه حلاله من حرامه، وهكذا أهل العلم يبدؤون تصانيفهم المشتملة على حمد الله والثناء عليه، وهذا تأسيًا بالكتاب العظيم: "القرآن"، الذي بدئ بـ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ في الفاتحة، وفي سورة الأنعام: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]، وفي أثناء الأعراف: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 43]، في الكهف: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]، والحمد لله: البداءة بها في خطب النبي عليه الصلاة والسلام، فكان إذا بدأ بالخطبة حمد الله وأثنى عليه بين يدي خطبته،واستئناسًا بما روي من غير وجه: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر"، وفي رواية: "فهو أقطع"، وفي رواية: "فهو أجذم"، والحديث وإن كان مضطربًا في إسناده وفي متنه، لكنه يشهد له ما سمعتم، تأسيًا بالكتاب العزيز، وبالنبي عليه الصلاة والسلام،بل كان النبي عليه الصلاة والسلام يبدأ كتبه إلى الناس بـ: "بسم الله الرحمن الرحيم"، والبسملة - في أصح أقوال أهل العلم - آية من القرآن، آية من أول الفاتحة، وهي آية من أول كل سورة في أظهر أقوال أهل العلم رحمهم الله.

إذًا حمد الله بما هو أهله، من: كمالاته وربوبياته وخصائصه وأفعاله وأسمائه وصفاته، مما يمتدح في مثل هذا المقام، مقام التأليف والتصنيف.
[أما بعد أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه وحفظ ما أودعنا من شرائعه، فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة مما تنطق به الألسنة، وتعتقده القلوب وتعمله الجوارح].

هنا: أبان المؤلف عن سبب تأليف هذه "الرسالة"، وفهمنا من هذه الديباجة والمقدمة أن سبب التأليف: أنها طلبة طلبها منه أحد من الناس، وهو الموجه إليه الخطاب بقوله: "أعانك الله"، وأن هذا الطالب المسؤولَ له الإعانة طلب منه تأليف هذه الرسالة في أمور العقائد، وما تنطق به الألسنة في حق الله، وما تتعبد به ربها من الشرائع، وهذا - كما عرفنا - هو أبو محفوظ محرز التونسي المالكي القيرواني رحمه الله، المتوفى في الأربعمائة ونحو من الثلاثين تقريبًا، وهو من بلد ابن أبي زيد، ولكن ابن أبي زيد أسن منه.
[وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها، وشيء من الآداب منها].

لاحظوا، أبان في مقدمته عن نواحي التأليف، فبدأ بالعقيدة التي لا تصح إلا نطقًا باللسان، وعملًا بالجوارح والأركان، واعتقادًا بالقلب والجَنان.

قال: "والسنن"، التي يتعبد الله بها، "وشيء من الآداب"، وأشار إلى مسائل تتعلق بأصول الفقه، في مؤكد الأحكام، السنن المؤكدة، والواجبات المتحتمة، والمستحبات الفاضلة.
[وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى وطريقته، مع ما سهَّل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان المتفقهين].

أبان أن هذا المنهج الذي سيسير عليه هو على فقه الإمام الموفق أبي عبدالله مالك بن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة، والإمام مالك توفي في سنة مائة وتسع وسبعين، وهو إمام المدينة، من طبقة أتباع التابعين، أو من صغار أتباع التابعين على ترتيب ابن حجر رحمه الله.

الإمام مالك انتشر علمه في الآفاق، ولا سيما في بلاد المغرب، فإن أول انتشار لعلمه بعد المدينة كان في مصر على أيدي طلابه، منهم: عبدالله بن وهب الفهري القرشي المصري، ثم انتقل من مصر إلى بلاد المغرب في شمال المغرب فالأندلس.
وهذا التصنيف الذي عناه ابن أبي زيد أبان أنه على أصول الإمام مالك وطريقته في التفقه.

والإمام مالك علَم من أعلام المسلمين، وإمام من أئمتهم، ومذهبه من المذاهب المتبوعة، ومذاهب المسلمين المتبوعة التي استقر عليها العمل أربعة مذاهب: مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ومذهب الإمام أبي عبدالله مالك بن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة، إمام المدينة، ومذهب الإمام أبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي، ومذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، هذه المذاهب الأربعة هي المذاهب المتبوعة، وهي التي يتدين لله جل وعلا بها، في المبتدئين الذين فرضهم تقليد الأئمة واتباعهم، أما من كان في مراقي العلم والتعلم والاجتهاد، سواء كان اجتهاد مسألة، أو اجتهاد مذهب، أو اجتهادًا مطلقًا إذا فتح الله على أحد من عباده بذلك، فهذا يتلقى مباشرة من الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح.
ثم ذكر أنه لا يتعصب ويقتصر على مذهب الإمام مالك، بل من جاء بعده من الأئمة الراسخين المتبوعين.

وأن أصل هذا التأليف لما رغب منه هذا المؤدب المعلم للصبيان ليعلمه أولاد المسلمين؛ أي: صبيانهم:
[لما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرآن، ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركته، وتحمد لهم عاقبته، فأجبتك إلى ذلك؛ لما رجوته لنفسي ولك من ثواب مَن علَّم دين الله أو دعا إليه].

من علَّم دين الله ودعا إليه وأرشد الناس إليه له من الله الفضل العظيم الذي تتابع ذكره وذكر أمثلته في الكتاب والسنة، ومن ذلك قول الله جل وعلا: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وقوله سبحانه: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، ومن ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة))، و((فضل العالم على العابد كفضل الشمس على سائر الكواكب))، و(إن الملائكة في السماء، والطير في الهواء، والحيتان في البحر لتخضع لطالب العلم رضًا بما يصنع))، و((إن الملائكة في السماء لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع))، و((إن الحيتان في البحر والطير في الهواء لتستغفر لمعلم الناسِ الخيرَ))، وأعظم الخير ما دل على دين الله، ومرادات الله منهم؛ في عبادته، في حلاله، في حرامه، في القيام له سبحانه في حقه، هذا من أنفع ما ينفع الناس، واللهِ أنفعُ من أن تطعم العباد، أو تنفق عليهم أو تسقيهم؛ لأن التفقه والتعلم به قيام الدنيا والدين، والطعام والشراب واللباس به قوام البدن وقيام الدنيا فقط؛ فلهذا ما تعدى نفعه: عظُم عند الله أجره وثوابه، كل ما تعدى نفعه فقد عظم أجره وثوابه.

ابن أبي زيد متى توفي؟ ثلاثمائة وخمس وثمانين، ونحن في عام ألف وأربعمائة وست وعشرين، ومع هذا نتعلم ونتفقه من علمه الذي أورثه الناس قبل نحو ألف ومائة سنة، لماذا؟ لأن النفع متعد، وهذا ما رجاه رحمه الله، وهكذا أهل العلم، لما صحت نواياهم وسلمت مراداتهم وقصودهم، عظم في الناس أثرهم ونفعهم، والعكس بالعكس، من فسدت نيته وطويته، والتفت في قصده وعزمه وإرادته لغير الله، هذا مأذون بالخمول، وبعدم النفع المستدام، نسأل الله جل وعلا أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، وأن يجعلنا ممن صحت نواياهم وقصودهم، واتبعوا هؤلاء العلماء على حسن عمل وصالح قصد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-09-2020, 02:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (1)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل






مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)

شرح: فضيلة الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل




...ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله من المحققين، ومن أفذاذ العلماء، وقد كتب الله جل وعلا لعلومه وجملة من تصانيفه الرضا والقبول؛ فسارت بها الركبان، واهتم بها الناس قرنًا بعد قرن، ومن أجل تصانيفه: كتابه الشهير بـ: "الرسالة"، التي ما هذه "العقيدة" التي نتدارسها في هذه المجالس إلا تقدمة لكتابه "الرسالة"،فهذه العقيدة تسمى "مقدمة الرسالة"، وتسمى "مقدمة ابن أبي زيد القيرواني"، حيث جعلها تقدمة لكتابه الكبير: "الرسالة"، الذي ذكر فيه أحكام الفقه في العبادات والمعاملات وشرائع الإسلام، وقدمه بهذه المقدمة المتعلقة بالعقيدة والإيمان والتوحيد.

و"الرسالة": ألفها رحمه الله لما طلب منه أحد أقرانه وأهل بلده في تونس، في القيروان، وهو رجل كان يعلم الأولاد والصبيان، يعلمهم: القرآن ومبادئ أحكام الشريعة، ويقال له: أبو محفوظ، محرز التونسي المالكي القيرواني، فطلب من الإمام محمد بن عبدالله بن أبي زيد القيرواني أن يكتب كتابًا يهتدي به في تعليم هؤلاء الصبيان من أولاد المسلمين، فكتب له كتاب "الرسالة"، وهو جليل النفع، عديم المثل والنظير، بدأه بالعقيدة، ثم شرع في مسائل الفقه والأحكام وأصول الفقه وأصول الاستدلال.

وكثر شارحو هذه الرسالة، ومن أجل شروحها وأكبرها: "النوادر والزيادات"، وهو مطبوع في مجلدات كثيرة، بلغت نحو ستة عشر مجلدًا.
هذا الكتاب ما زال العلماء يعتنون به، ويهتمون به؛ ولهذا مقدمته تناسب أن يبتدئ بها طالب العلم في مسائل العقيدة.

وبه تعرفون أن الأوائل والأواخر من العلماء كلهم على جادة واحدة في عنايتهم بالعقيدة، وفي ذكرهم لمضامينها، ولم يخالف لاحق العلماء سالفهم في تقرير هذه المسائل.

والمقدمة التي تسمعونها الآن هي مقدمة لهذه الرسالة المشتملة على العقيدة وعلى الفقه وعلى الأصول، فنقرأ المقدمة ثم نشرع معكم في المقصود.
[قال أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه وأرضاه:]
هذا الدعاء: "رضي الله عنه وأرضاه" من الناسخ، أو من راوي هذه الرسالة، وإلا فالمؤلف لا يترضى عن نفسه كما هو معروف، لكن هذه من النساخ، أو من الرواة الذين رووا هذه الرسالة،والدعاء بالرضا دعاء مشروع؛ أن يرضى الله عنا، كما يقول الإنسان: "اللهم ارضَ عني"، أو يدعو الوالدان لولدهما أن يرضى الله عنه، لكن: "رضي الله عنه وأرضاه" هذا شِعار للصحابة رضي الله عنهم في مدحتهم والثناء عليهم، وأما من بعدهم من العلماء فشعارهم: الترحم عليهم، إذا أضحى هذا الأمر على أنه شعار فهو مخصوص بالصحابة، وإذا خرج مخرج الدعاء فيشمل الصحابة ويشمل غيرهم.

الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته، وصوره في الأرحام بحكمته، وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه، وعلَّمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيمًا، ونبهه بآثار صنعته، وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه، فهدى من وفقه بفضله، وأضل من خذله بعدله، ويسر المؤمنين لليسرى، وشرح صدورهم للذكرى، فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين، وبقلوبهم مخلصين، وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين، وتعلموا ما علمهم، ووقفوا عند ما حد لهم، واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم].

هذه المقدمة ابتدأت بحمد الله، والثناء عليه، ومدحه سبحانه بما هو أهله، كما اشتملت على الثناء على رسل الله، الذين أرسلهم جل وعلا إلى الناس مبشرين ومنذرين، واشتملت أيضًا على الإيمان بكتب الله، التي نطقت بحق الله على عباده، وأبانت شرع الله جل وعلا لمن أراد الوصول إلى رضوانه، وبيَّن فيها سبحانه حلاله من حرامه، وهكذا أهل العلم يبدؤون تصانيفهم المشتملة على حمد الله والثناء عليه، وهذا تأسيًا بالكتاب العظيم: "القرآن"، الذي بدئ بـ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ في الفاتحة، وفي سورة الأنعام: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]، وفي أثناء الأعراف: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 43]، في الكهف: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]، والحمد لله: البداءة بها في خطب النبي عليه الصلاة والسلام، فكان إذا بدأ بالخطبة حمد الله وأثنى عليه بين يدي خطبته،واستئناسًا بما روي من غير وجه: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر"، وفي رواية: "فهو أقطع"، وفي رواية: "فهو أجذم"، والحديث وإن كان مضطربًا في إسناده وفي متنه، لكنه يشهد له ما سمعتم، تأسيًا بالكتاب العزيز، وبالنبي عليه الصلاة والسلام،بل كان النبي عليه الصلاة والسلام يبدأ كتبه إلى الناس بـ: "بسم الله الرحمن الرحيم"، والبسملة - في أصح أقوال أهل العلم - آية من القرآن، آية من أول الفاتحة، وهي آية من أول كل سورة في أظهر أقوال أهل العلم رحمهم الله.

إذًا حمد الله بما هو أهله، من: كمالاته وربوبياته وخصائصه وأفعاله وأسمائه وصفاته، مما يمتدح في مثل هذا المقام، مقام التأليف والتصنيف.
[أما بعد أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه وحفظ ما أودعنا من شرائعه، فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة مما تنطق به الألسنة، وتعتقده القلوب وتعمله الجوارح].

هنا: أبان المؤلف عن سبب تأليف هذه "الرسالة"، وفهمنا من هذه الديباجة والمقدمة أن سبب التأليف: أنها طلبة طلبها منه أحد من الناس، وهو الموجه إليه الخطاب بقوله: "أعانك الله"، وأن هذا الطالب المسؤولَ له الإعانة طلب منه تأليف هذه الرسالة في أمور العقائد، وما تنطق به الألسنة في حق الله، وما تتعبد به ربها من الشرائع، وهذا - كما عرفنا - هو أبو محفوظ محرز التونسي المالكي القيرواني رحمه الله، المتوفى في الأربعمائة ونحو من الثلاثين تقريبًا، وهو من بلد ابن أبي زيد، ولكن ابن أبي زيد أسن منه.
[وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها، وشيء من الآداب منها].

لاحظوا، أبان في مقدمته عن نواحي التأليف، فبدأ بالعقيدة التي لا تصح إلا نطقًا باللسان، وعملًا بالجوارح والأركان، واعتقادًا بالقلب والجَنان.

قال: "والسنن"، التي يتعبد الله بها، "وشيء من الآداب"، وأشار إلى مسائل تتعلق بأصول الفقه، في مؤكد الأحكام، السنن المؤكدة، والواجبات المتحتمة، والمستحبات الفاضلة.
[وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى وطريقته، مع ما سهَّل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان المتفقهين].

أبان أن هذا المنهج الذي سيسير عليه هو على فقه الإمام الموفق أبي عبدالله مالك بن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة، والإمام مالك توفي في سنة مائة وتسع وسبعين، وهو إمام المدينة، من طبقة أتباع التابعين، أو من صغار أتباع التابعين على ترتيب ابن حجر رحمه الله.

الإمام مالك انتشر علمه في الآفاق، ولا سيما في بلاد المغرب، فإن أول انتشار لعلمه بعد المدينة كان في مصر على أيدي طلابه، منهم: عبدالله بن وهب الفهري القرشي المصري، ثم انتقل من مصر إلى بلاد المغرب في شمال المغرب فالأندلس.
وهذا التصنيف الذي عناه ابن أبي زيد أبان أنه على أصول الإمام مالك وطريقته في التفقه.

والإمام مالك علَم من أعلام المسلمين، وإمام من أئمتهم، ومذهبه من المذاهب المتبوعة، ومذاهب المسلمين المتبوعة التي استقر عليها العمل أربعة مذاهب: مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ومذهب الإمام أبي عبدالله مالك بن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة، إمام المدينة، ومذهب الإمام أبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي، ومذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، هذه المذاهب الأربعة هي المذاهب المتبوعة، وهي التي يتدين لله جل وعلا بها، في المبتدئين الذين فرضهم تقليد الأئمة واتباعهم، أما من كان في مراقي العلم والتعلم والاجتهاد، سواء كان اجتهاد مسألة، أو اجتهاد مذهب، أو اجتهادًا مطلقًا إذا فتح الله على أحد من عباده بذلك، فهذا يتلقى مباشرة من الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح.
ثم ذكر أنه لا يتعصب ويقتصر على مذهب الإمام مالك، بل من جاء بعده من الأئمة الراسخين المتبوعين.

وأن أصل هذا التأليف لما رغب منه هذا المؤدب المعلم للصبيان ليعلمه أولاد المسلمين؛ أي: صبيانهم:
[لما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرآن، ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركته، وتحمد لهم عاقبته، فأجبتك إلى ذلك؛ لما رجوته لنفسي ولك من ثواب مَن علَّم دين الله أو دعا إليه].

من علَّم دين الله ودعا إليه وأرشد الناس إليه له من الله الفضل العظيم الذي تتابع ذكره وذكر أمثلته في الكتاب والسنة، ومن ذلك قول الله جل وعلا: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وقوله سبحانه: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، ومن ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة))، و((فضل العالم على العابد كفضل الشمس على سائر الكواكب))، و(إن الملائكة في السماء، والطير في الهواء، والحيتان في البحر لتخضع لطالب العلم رضًا بما يصنع))، و((إن الملائكة في السماء لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع))، و((إن الحيتان في البحر والطير في الهواء لتستغفر لمعلم الناسِ الخيرَ))، وأعظم الخير ما دل على دين الله، ومرادات الله منهم؛ في عبادته، في حلاله، في حرامه، في القيام له سبحانه في حقه، هذا من أنفع ما ينفع الناس، واللهِ أنفعُ من أن تطعم العباد، أو تنفق عليهم أو تسقيهم؛ لأن التفقه والتعلم به قيام الدنيا والدين، والطعام والشراب واللباس به قوام البدن وقيام الدنيا فقط؛ فلهذا ما تعدى نفعه: عظُم عند الله أجره وثوابه، كل ما تعدى نفعه فقد عظم أجره وثوابه.


ابن أبي زيد متى توفي؟ ثلاثمائة وخمس وثمانين، ونحن في عام ألف وأربعمائة وست وعشرين، ومع هذا نتعلم ونتفقه من علمه الذي أورثه الناس قبل نحو ألف ومائة سنة، لماذا؟ لأن النفع متعد، وهذا ما رجاه رحمه الله، وهكذا أهل العلم، لما صحت نواياهم وسلمت مراداتهم وقصودهم، عظم في الناس أثرهم ونفعهم، والعكس بالعكس، من فسدت نيته وطويته، والتفت في قصده وعزمه وإرادته لغير الله، هذا مأذون بالخمول، وبعدم النفع المستدام، نسأل الله جل وعلا أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، وأن يجعلنا ممن صحت نواياهم وقصودهم، واتبعوا هؤلاء العلماء على حسن عمل وصالح قصد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-09-2020, 02:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (4)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (4)

مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)

شرح: فضيلة الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل





[باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات]

باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده القلوب والأجنانُ من واجب الديانات، هذا الباب هو شروع في المقدمة في التوحيد والعقيدة، ما قبلها: مقدمة لكل كتابه؛ لأنها اشتملت على حمد الله والثناء عليه والاعتراف له، واشتملت على الثناء على رسله، وعلى كتبه، واشتملت على السبب الذي لأجله ألف هذا الكتاب، ومنهجه فيه، ثم الآن بدأ بالباب الأول المتعلق بالعقيدة.

أمور الديانات: أي أمور العقائد مما يجب أن ينطق باللسان، ويعتقد بالجنان، وهذا إشارة إلى أصل عظيم سيبدأ به: أن العقيدة لا بد لها من ثلاثة أركان: فهي قول باللسان، لا يصح الإيمان إلا به، واعتقاد بالجَنان، لا يقوم الدين إلا به، وعمل بالأركان، لا يكون الإنسان مسلمًا إلا به.

[من ذلك:]؛ أي: من أمور الديانات،و"من" هنا للتبعيض، وبدأ بأعظمها وأهمها.
[الإيمان بالقلب، والنطق باللسان: أن الله إله واحد لا إله غيره، ولا شبيهَ له، ولا نظير له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له].

النطق باللسان والاعتراف بالقلب: بأن الله واحد لا شريك له، ولا إله غيره، ولا شيء مثله، ولا نظير له، ولا كفء ولا مثيل له،وهذا يسميه العلماء بأول واجب على المكلف: إيمانهم بالله جل وعلا، والإيمان لا يصح إلا بالشهادة له بالوحدانية في عبادته، كما يشهد له بالوحدانية سبحانه في ربوبيته وأسمائه وصفاته.

ذهب بعض الناس - ممن تركوا طريقة هؤلاء الأئمة - إلى أن أول واجب على المكلف هو: النظر في الكون، وبعضهم يقول: أول واجب على المكلف: القصد إلى النظر، ومنهم من يقول: أول واجب على المكلف: الشك،وهذا كله خلاف طريقة الأنبياء، وطريقة العلماء، وطريقة الأئمة المتبوعين،أول واجب على المكلفين هو إيمانهم بالله جل وعلا؛ يقول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر في الصحيحين: ((أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله))، ما قال: حتى يقصدوا، أو ينظروا، أو يشكوا، ويتوصلوا بعد ذلك إلى الإيمان! ((حتى يشهدوا))؛ لأن الاعتراف لله بالاستحقاق للعبادة والوحدانية والأسماء والصفات: أمر فِطري، فطَر الله عليه العباد، والشريعة جاءت بتكميل هذه الفطرة، وتكميل علومها.

إذًا أول واجب على المكلف هو الإيمان بالله، الشهادة لله بالوحدانية، بالعبادة له وحده لا شريك له؛ ولذلك يقول الشيخ: من ذلك: الإيمان بالقلب، والنطق باللسان؛ أن يوقنَ بقلبه يقينًا لا شك فيه، وينطق بلسانه نطقًا لا كذب فيه: أن الله جل وعلا لا إله إلا هو، ((أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله))، ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله))، لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس لما أنزل الله عليه: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 214، 215]، ونزل عليه قول الله تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الحجر: 94]، وقف على الصفا ونادى قريشًا بطنًا بطنًا، حيًّا حيًّا، ثم خصهم في أقاربه، في أعمامه، في عماته، وقال: ((اشتَرُوا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئًا، قولوا: لا إله إلا الله، تُفلحوا))، وهذا أول ما أمر الناس به، ودعا الناس إليه، وأوجبه عليهم - دل على أن أول واجب هو: الشهادة لله جل وعلا بالوحدانية، في استحقاقه وحده للعبادة، كما أنه لا رب سواه، وكما أنه منفرد بأسمائه وصفاته.

[إله واحد لا إله غيره].
إله مألوه؛ أي: معبود، فالإله أصلها: أله يأله إلاهًا؛ أي: عبد، فهو المعبود سبحانه، إله واحد؛ ولهذا في القرآن تكاثرت الأدلة أنه سبحانه إله واحد، ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]، (﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الكهف: 110] لا إله غيره)، لا إله غيره؛ أي: لا معبود يستحق أن يُعبَد سواه،لو قال إنسان: معنى أنه إله واحد، لا معبود إلا الله، هذا المعنى خطأ؛ لأن هناك معبودات كثيرة، من الناس من يعبد الحجر والشجر، والشمس والقمر، والضريح والقبر؛ فالمعبودات كثيرة، ولكن لا معبود بحق، أي: يستحق، حقيق بهذه العبادة، محقوق بها، مستحق لها إلا واحد، وهو: الله جل وعلا، وهذا هو معنى لا إله إلا الله؛ ولهذا يغلط كثير في معنى هذه الكلمة، كثير، حتى من ذوي المؤهلات العليا، والله يا إخوان التقينا بدكاترة، بروفسورات، لما باحثناهم عن معنى لا إله إلا الله، قالوا: لا خالق، لا رازق، لا محيي، لا مميت إلا الله! هل هذا هو معنى لا إله إلا الله؟! هل هذا هو المعنى الذي فهمه المشركون من معنى لا إله إلا الله؟! المشركون يعتقدون أنه لا خالق إلا الله، لا مالك إلا الله، لا رازق إلا الله، وهذا توحيد الربوبية، وقد فطَر الله عليه العالمين، إلا الشذاذ من بني آدم؛ كفرعون والنمرود وغيرهم،إذًا مشركو العرب الذين انحرفوا في التوحيد وأشركوا: مُقرُّون بأنه لا خالق ولا رازق إلا الله،ولكن معنى لا إله إلا الله: لا معبود يستحق أن يعبد، يستحق أن يقصد، يستحق أن يعظَّم إلا الله جل وعلا، هذا معنى لا إله إلا الله، وهذي التي عناها ها هنا ابن أبي زيد في مقدمته؛ولهذا اشترك في هذا المعنى الأوائل والأواخر، ابن أبي زيد في القرن الرابع، والعلماء المتأخرون في القرن الخامس عشر، والرابع عشر، والثالث عشر وما قبله،إذًا المضامين في العقيدة واحدة، ليس فيها منازعة.

[ولا شبيه له].
الشبيه بمعنى المثيل؛ كما قال الله تعالى في آية الشورى في أولها، قال: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، الكاف: كاف التشبيه، والمثل: المثلية؛ أي: ليس لله شبيه، ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، إذًا تعتقد بوحدانيته في العبادة، في الألوهية، وتعتقد بوحدانيته بأنه ليس له شبيه يماثله أو يشابهه أو يناظره.

[ولا نظير له].
والنظير هو المثيل، وهو أدق من معنى الشبيه؛ لأنه أحدٌ فرد صمد سبحانه وتعالى.

[ولا ولد له].
ونفى عن الله الولد؛ لأن الله نفى عن نفسه الولد، لاحظوا أيها الإخوان في أعظم سورة دلت على التوحيد، وهي سورة الإخلاص، هي سورة التوحيد والعقيدة في القرآن؛ ولهذا مَن قرأها كان له عدل قراءة ثلث القرآن، وسبب ذلك - والله أعلم - أن القرآن مبني على ثلاثة مضامين عظيمة، التوحيد، والقصص، والأحكام، فأما التوحيد: فجاءت به هذه السورة، و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] تعدل ثلث القرآن، وهي صفة الرحمن التي يحبها سبحانه، ولما قرأ ذلك الرجل في صلاته في قراءته، وكان يختم كل قراءة بالإخلاص، وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: ((سلوه، لم ذلك؟))، قال: (صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، قال: ((أخبروه أن الله يحبه))، قال الله فيها: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]، أحد؛ أي: واحد، صمد؛ أي: سيد كامل في سؤدده، أيضًا تصمد إليه المخلوقات؛ أي: تقصده في حوائجها، هذا من معاني الصمد، الثالث من معاني الصمد؛ أي: الذي لا جوف له؛ أي: لا يحتاج إلى طعام وشراب، كما يحتاجه المخلوقون؛ لأنه سبحانه كما قال عن نفسه: ﴿ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ﴾ [الأنعام: 14]،الذي ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3]، نفى عن نفسه أن يكون له ولد، كما ادعته النصارى، وقبلهم اليهود واليونان، وادعاه مشركو العرب وغيرهم من الوثنيين، ونفى عن نفسه التولد، لم يذكر أحد أن الله تولد من غيره، ولكن الله نفاه؛ حسمًا لهذه المادة، وتقريرًا لوحدانيته، فنفى التولد، ونفى الولادة؛ لتقرير وحدانيته، ثم قال: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، لم يكن أحد يكافيه أو يساميه أو يناظره أو يماثله، أو يكون له ندًّا ونديدًا.

[ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له].
ونفى الوالد؛ لقوله: ﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3]، ونفى الصاحبة، وهي الزوجة، ونفى الشريك، وآية الإسراء جمعت هذه المعاني، التي ختم الله بها سورة الإسراء، سورة سبحان، سورة بني إسرائيل، في قوله سبحانه: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111]، تفرد سبحانه بهذا كله؛ لأنه واحد لا يقبل الشريك، حتى في أيسر الأمور، الرياء الذي قد يطرأ على الإنسان يتركه الله، هذا العمل الذي راءى به مع الله؛ لأنه جعل مع الله شريكًا غيره؛ ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشِركه))، ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، في الحديث الذي رواه أحمد بإسناد صحيح: (ألا أخبركم بما هو أخوف عندي عليكم من المسيح الدجال؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الشرك الخفي))، فسُئل عنه، فقال: ((الرياء، يقوم الرجل فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه))، إذًا حصل عنده في الصلاة في العبادة نوع التفات إلى غير الله، فهنا تركه الله وشِركَه؛ لأن الله واحد، لا يقبل شريكًا في أي جزء من العبادة، ولو كان جزءًا يسيرًا.

[ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء].
هذا شروع فيما لله تعالى من كمالات الأسماء والصفات.
وهذا تضمين لآية الحديد في أولها: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]، هذه الأسماء الأربعة جمعت أسماء الله الحسنى، كما سيأتينا إن شاء الله في النونية، النبي عليه الصلاة والسلام فسرها كما في دعاء وذكر النوم: ((اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء)) هو أول قبل الخلق كلهم، وليس لأوليته ابتداء، ما سُبِق سبحانه بأحد، ((وأنت الآخِر فليس بعدك شيء))، وأيضًا ليس لآخريته انتهاء، وهنا أشير إلى مسألة تتعلق بالرياضيات وبالحساب، إذا قالوا: إن الأرقام غير متناهية لا في السلب ولا في الإيجاب، الأعداد مخلوقة، وهي لا بد أن تنتهي، قد لا تنتهي في أذهاننا، لكن عند الله تنتهي؛ لأن المخلوقات لا بد أن تنتهي إلى حد به خلقها الخالق سبحانه وتعالى،فاللامتناهي أزلًا وأبدًا هو الله جل وعلا، والمخلوق متناهٍ، وإن جهلنا نحن مبلغ وحد تناهيه، وهذه مسأله ينتبه لها الإخوان الذين يدرسون الرياضيات، والرياضيات تدرس على مستوى تركيز في مدارسنا.


الأول الذي ليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء،وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، أعلى خلقه، ليس من خلقه فوقه شيء، وهو الباطن القريب، الذي ليس دونه من خلقه شيء، وهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18-09-2020, 02:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (5)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل



شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (5)

مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)

شرح: فضيلة الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل







إجابات أسئلة اليوم الأول:
قولي: يقوم على قول القلب وقول اللسان، ويظهر أثره على الجوارح، وليس معناه أن المؤلف مرجئيًّا، أو من المرجئة، أبدًا حاشاه، ولكن لأن هذا المقام ينبني على هذا الأمر، على اعتقاد بالقلب وعلى نطق باللسان.

الأصول الثلاثة: في الأسئلة التي يسأل عنها الإنسان في قبره، وهي في مسائل توحيد العبادة، مقدمة ابن أبي زيد جلها في توحيد الأسماء والصفات، وسيكون للعبادة منها نصيب في آخرها، ولأن أحكام الصلاة والعبادات هي محققة لتوحيد العبادة، فبدأ بمسائل الاعتقاد؛ لأنه حصل فيها انحراف في زمنه؛ بسبب الجهمية والمعتزلة والمتكلمين.

قلت لكم ها هنا: إنه ما ذكر العمل؛ لأن المقدمة في توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الأسماء والصفات فرضه في موضعين: في اعتقاد القلب، وفي نطق اللسان؛ ولهذا مرَّ بنا في النونية أن التوحيد القولي هو في قول القلب وقول اللسان، والتوحيد العملي في هذه الثلاثة.

لا، ليس هناك مذهب انقرض، لكل قوم وارث، لها وراث، ولها من يبعثها بوجه أو بآخر، قد تنقرض في أسمائها، ولكن لا تنقرض في مضامينها وعقائدها.

والسن المناسبة في تلقي أصول العقيدة: مع الكُتَّاب، إذا قرأ القرآن، في صغره، يلقن العقيدة على جهة التلقين في أصولها، وتفاصيلها إذا كبر، شيئًا فشيئًا.

حفظ المقدمة جيد للأطفال، أو حفظ ثلاثة الأصول، هذا من الأمور الجيدة النافعة لهم بإذن الله.

النظم أسهل، ينظم على طريقة المنظومات من الشعر وأمثاله، وهذا أسهل في حفظه لذوي القرائح من الكلام المنثور؛ ولهذا القرآن العظيم جل عن النثر، وجل عن النظم، فأتى بسبك بديع، فيه دقة النظم، وفيه حلاوة النثر.

إذا أطلق الإيمان دخل فيه التوحيد، لكن التوحيد المراد به: إفراد الله عز وجل بالعبادة، أما الإيمان فهو ما يتعلق بمسائله أنه يكون محله في اللسان، ومحله في القلب، ومحله في الجوارح.

الحديث محمول على المعاند الذي يستهين بالتوبة، كما جاء في الحديث: ((إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شربها فاجلدوه، ثم إذا شربها فاجلدوه))، في الرابعة قال: ((فاقتلوه))؛ لأنه وصل إلى مرحلة العناد، وتحمل على حال الاستحلال، فإذا شربها مستحلًّا لها، معاندًا مكابرًا في حرمتها، فهذا لا يتوب الله عليه؛ لأنه بلغ مبلغ استحلال الكبيرة، واستحلال الكبيرة ما يكون إلا كفرًا.

والنظير والمثل والنقائص والعيوب كلها ننفيها عن الله، أفضل ما جاء في مسألة النفي: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، التي جاءت في آية الشورى، هذه أعظم عبارات التنزيه، أعظم لفظ في التنزيه ما نزه الله به نفسه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، ومن ذلك: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، ومن ذلك: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].

ما هو مناسب؛ لأن الطحاوية مسائلها مسائل تفصيلية لا تناسب الصغار، واختصار شرح الطحاوية عمل لا يحمده أهل العلم، من أراد أن يشرح الطحاوية يشرحها شرحًا مختصرًا ابتداءً، أما يأخذ شرحًا متلقى بالقبول والاعتبار عند العلماء، ثم يلعب به ويعبث به بالشرح والتهذيب، ما يصلح، إذا أراد أن يصل الناس شرح مختصر يشرحه من جديد، وهو وإصابته وخطؤه، أما يأتي إلى عمل من أعمال أهل العلم ثم يتعوره بالاختصار أو بالتهذيب، قد لا يحقق هذا المعنى، وجل ما رأيت من الأمور المتعلقة بالطحاوية الحقيقة أخلت في مقصد المؤلف وفي جزالة عبارته، وقوة ألفاظه.

[لا يبلغ كُنْهَ صفته الواصفون].
ومعنى كنه صفته؛ أي: حقيقتها، وتصورها وماهيتها، وكيفيتها،ولا يبلغ عد صفاته أيضًا الواصفون، الله جل وعلا لا تبلغ أسماؤه وصفاته حدًّا ولا كنهًا ولا وصفًا ولا عدًّا؛ ولهذا في دعاء الهم الذي جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: أن من أهمه شيء فقال: ((اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أَمَتِك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك))، فإن من أسماء الله، ومن صفات الله، ما استأثر الله بها عنده؛ لأنه معلوم أن الاسم مشتمل على صفة، العليم مشتمل على صفة العلم، العظيم على صفة العظمة، الرحيم على صفة الرحمة، فإذا كان هناك من أسماء الله ما استأثر الله بها عنده، فثمة صفات استأثر الله بها؛ ولهذا لا يبلغ كنه صفاته الواصفون، عدًّا، وبلوغًا لحقيقتها، وكيفيتها، لا يمكن؛ لأنهم لن يبلغوا ذاته سبحانه، فلا يبلغوا صفاته من باب أولى.

[ولا يحيط بأمره المتفكرون].
لن يحيط بأمر الله وعظمته وجلالته المتفكرون، مهما بلغوا ذكاءً وفطنة وانتباهًا وقوة في الإدراك، لا يبلغون أمر الله جل وعلا، لا يحيطون بعلمه، فضلًا أن يحيطوا بذاته، فإذا كان علم الله لا يحاط به، فإذًا ذاته من باب أولى.

[يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته].
المتفكرون يعتبرون بآياته سبحانه، آياته الباهرة، وآياته نوعان: آيات كونية خلقية، كالشمس والقمر والشجر والبحر والشجر والماء والخلق، وما خارج هذا الكون، هذه من آيات الله الكونية الخلقية،والنوع الثاني: آيات الله الشرعية في أحكامه، في كلامه، في حلاله في حرامه، آياته الشرعية، ومن آياته الشرعية القرآن، من آياته الشرعية أحكام التنزيل، العبادات، ما زال علماء الشريعة يتفكرون في أوامره ومقاصد دينه ولم يبلغوا لها حدًّا، وما زال العلماء يتفكرون في آيات الله الكونية ولم يبلغوا لها حدًّا، والعجب - أيها الإخوة - أن آيات الله الكونية في الآفاق وفي الأنفس، وليست فقط في الآفاق، بل وحتى في الأنفس؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]، لو تفكر الإنسان ما في نفسه، ما في خلقه هو من دقة الإبداع وعظيم الصنع لا نبهر، بل عقله يقصر عن إدراك تفاصيل ذلك، وما زال الناس، الأطباء وغير الأطباء، في هذا الباب عاجزين عن إدراك كنه ذلك؛ ولهذا جاء في حديث رواه أبو الشيخ في العظمة، ورواه الإمام أحمد والطبراني بأسانيد لا بأس بها: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((تفكَّروا في خلق الله، ولا تفكروا في ذات الله، فتهلِكوا))؛ لأن التفكر في ذات الله سبب في زيغان الشيطان ووسواسه، لا يزال الشيطان بأحدكم يقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك فليستعذ بالله من الشيطان، وليقل: آمنت بالله ورسله، فالتفكر في خلق الله علامة الإيمان، والتفكر في ذات الله أو في حقيقة وكيفية صفاته وكنه صفاته علامة الخذلان؛ ولهذا يا أيها الإخوة التفكر في ذات الله يفضي إلى الزندقة وإلى الإلحاد، والتفكر في آلاء الله وآياته الشرعية والكونية يفضي إلى الإيمان، ولكن العجب كل العجب من الناس في هذا الزمان، الذين تكاثرت فيهم شواهد الربوبية، في دقة إبداع الله لخلقه، وتسخير المخلوقات والآلات للناس، تكاثرت في هذا الزمان شواهد ودلائل الربوبية، وعظمت الغفلة وقسوة القلوب، أليس كذلك؟ ما أكثر - في هذا الزمان - علماء الطبيعة وعلماء الفلك، وعلماء الصناعة، وعلماء البحار، والأشجار، والحيوانات، والأحياء، والكيمياء، لكن مع هذا ما أشد غفلتهم عن شواهد الربوبية! نحن عامة الناس نستفيد من هذه الإمكانات، نسافر المسافات الطويلة في مدة يسيرة، من منا يلهج لله بحمده على هذا التسخير؟ من قبلنا لما كانوا يركبون على ظهور الإبل كانوا أكثر اعترافًا بنعمة الله منا، مما سخره لنا من هذه الآلات الطائرة في جو السماء، أو السفن الجواري في البحار، أو المراكب في البر، إذًا شواهد الربوبية عظمت وتكاثرت في الطب، في الكيمياء، في البحار، في الأنفس، في الآلات، في الصناعات، في التقنية، ومع ذلك - سبحان الله - حصل تناسب طردي في الغفلة والإعراض.

[﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾].
هذا تضمين من أعظم آية في القرآن، وهي آية الكرسي، ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255].

ولا يحيطون بشيء، بشيء يسير من علمه جل وعلا، إلا بما شاء أن يطلعهم عليه.

الكرسي: اختلف العلماء في معناه على ثلاثة أقوال هي لأهل السنة، فمن قائل: الكرسي هو: العرش، ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما، والقول الآخر أن الكرسي: موضع القدمين، وهذا أيضًا يروى عن ابن عباس، وهو الصحيح عنه موقوفًا عليه، القول الثالث لمعنى الكرسي أنه: العلم، وسع علمه السموات والأرض، وكل الأقوال الثلاثة ذكرها إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره، أصحها أن الكرسي: موضع القدمين، وأن الكرسي غير العرش، بل العرش أعظم من الكرسي، والكرسي على عظمه وسع السموات والأرض، يدل لهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد، ورواه غيره، عن أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إن مثل السماوات السبع، ومن فيها)، أي: الأرضين، (إلى الكرسي، كدراهم سبعة ألقيت في ترس))، ما المراد بالترس؟ يراد به عدة معانٍ، أشهرها معنيان، المعنى الأول: الحفرة في الأرض التي تضم خبرة من الرجال، الخبرة من واحد إلى التسعة، تسمى ترسًا، والترس أيضًا يطلق على ما يتترس به المحارب من السهام والرماح وضربات السيوف، هب أنك ألقيت سبع دراهم في ترس، النسبة ضئيلة، الترس استوعب هذه الدراهم السبعة، كذلك الكرسي استوعب السموات والأرض ومن فيها، ((ومثل الكرسي إلى العرش، كحلقة من حديد ألقيت في فلاة من الأرض، والله فوق العرش، لا تخفى عليه منكم خافية))، إذًا هل النسبة متصورة؟ وهل يمكن أن يبلغها كنه أو تفكير متفكر أو إدراك مدرك أو عقل عاقل؟ العقول في الحقيقة تحار في هذا الجانب، وتقصر عن فهمه فضلًا عن إدراكه، إذا كان الكرسي بما اشتمل عليه، نسبته إلى العرش كحلقة من حديد ألقيت في فلاة، في صحراء، إذًا ما نسبة العرش إلى باقي الخلق؟ لا نسبة لها، والله فوق العرش، وهو خالق العرش، إذًا شأن الله أعظم من أن يبلغه إدراك مدرك.

[﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾].
ولا يعجزه حفظهما، حفظ ماذا؟ قيل: السموات والأرض، وقيل: العرش والكرسي، والأول أظهر،مع هذا لا يظنن ظان أنه لما كان العرش وما اشتمل عليه الكرسي بهذا الكبر: أن الله يخفى عليه من خلقه شيء، بل يسمع كلامهم على اختلاف لغاتهم، بأنواع حاجاتهم، باختلاف أزمانهم، مع تداخل أصواتهم، لا يخفى عليه سبحانه من ذلك شيء، ومع سماعه لهم هو بصير بهم، يبصر بهم بعينيه سبحانه، ولا يخفى عليه منهم خافية؛ ولهذا من تفكر في معاني أسماء الله وصفاته عاد على قلبه بقوة الإيمان وكمال المراقبة لهذا العظيم سبحانه وتعالى، فلا يزال يترقى في مراقي الإيمان إلى أن يبلغ رُتَبَ ودرجتي الإحسان، نسأل الله أن ينيلنا وإياكم ذلك.

أسئلة أخرى لليوم الأول
هل هناك سنة راتبة قبل صلاة العشاء؟
ما بين الأذان والإقامة ثم نافلة مطلقة؛ لعموم ما جاء في الصحيح من قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((بين الأذان والإقامة صلاة))، لكن الراتبة، راتبة العشاء التي هي أكمل النوافل، تكون بعد الصلاة،الرواتب منها ما هو قبل الصلاة؛ كراتبة الفجر، وراتبة الظهر القبلية، ومنها ما بعد الصلاة؛ كراتبة الظهر البعدية، وراتبة المغرب البعدية، وراتبة العشاء البعدية، هذه هي السنن الرواتب، وهي عشر على الأقل، وثنتا عشرة على الأكثر، كما جاء فيها حديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما.


الصحيح ماهية ذاته، بدل الهمزة: هاء، وثمة وجه، لكن ما تحققت منه أن المائية هي الماهية، لكن المعروف عندنا أنها بالهاء، وليس بالهمز، الماهية هي: الحقيقة، حقيقة الذات.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18-09-2020, 02:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (6)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل




شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (6)

مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)

شرح: فضيلة الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل






فوائد قبل الشروع في الدرس الثاني:
الإيمان المتعلق بالأسماء والصفات والربوبية محله الاعتقاد بالجنان، والنطق باللسان.

مسائل الإيمان، وهي التوحيد والعبادة، محلها النطق باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، ولهذا الإيمان عند أهل السنة يقوم على هذه الأركان الثلاث؛ فهو قول باللسان، واعتقاد بالجَنان، وعمل بالأركان، من أخرج شيئًا من هذه الثلاث فقد خالف أهل السنة، وأضحى من المرجئة،الوعيدية من الخوارج والمعتزلة قالوا: إن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، ولكن عندهم الإيمان قولًا واعتقادًا وعملًا شيء واحد، إذا زال زال جميعه، وإذا وجد وجد جميعه؛ ولهذا لم يقولوا: إن الإيمان يتبعض، ولم يقولوا بأن الإيمان يزيد، ولم يقولوا بأن الإيمان ينقص، ولم يقولوا بأن الإيمان يستثنى به، بل جعلوه شيئًا واحدًا، إذا ذهب بعضه ذهب باقيه، وإذا وجد بعضه وجد باقيه، وهذا هو خلافهم مع أهل السنة، أهل السنة عندهم الإيمان إذا ذهب بعضه يبقى الباقي إلا أن يذهب أصله، وهذا أمر يجب أن يفهم بين أهل السنة وبين الوعيدية،والوعيدية طبقتان: الخوارج والمعتزلة، ذكرنا لكم بالأمس أن المعتزلة أصولهم خمسة: الذي يسمونه التوحيد، وهو إنكار الصفات، إنكار القدر، ويسمونه بالعدل، إنفاذ الوعيد، ومعناه أن صاحب الكبيرة في الآخرة في النار، خالدًا مخلدًا فيها، القول بالمنزلة بين المنزلتين، وهو من فعل المعصية الكبيرة في الدنيا خرج من الإسلام ولم يدخل في الكفر، بل في محطة بينهما، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الخروج على أئمة الجَور إن قدروا على ذلك،وأنا أحب يا إخوان أن تعرفوا في هذه المسائل: حقيقة قول الوعيدية في الإيمان، وتفرقوا بينه وبين قول أهل السنة، أهل السنة لما قالوا: إن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجَنان، وعمل بالأركان، وافقهم أولئك في هذا المسمى، لكن خالفوهم في أصل عظيم في فهم هذا القول على حقيقته، فعند الوعيدية: الإيمان إذا زال بعضه، زال باقيه؛ ولهذا عندهم الإيمان لا يتبعض، وعندنا يتبعض، عندهم الإيمان ما يزيد، وعندنا الإيمان يزيد بالطاعات، عندهم الإيمان ما ينقص، نقصه ذهابه، وعندنا الإيمان ينقص بالمعاصي، عندهم الإيمان ما يجوز أن يستثنى فيه، وعندنا يجوز الاستثناء في الإيمان ما لم يكن على سبيل الشك، في المراتب الأربع التي ذكرها العلماء في الاستثناء في الإيمان، وهذه مسألة مهمة في الفرق بين حقيقة قول أهل السنة وحقيقة قول الوعيدية، وإن تشابه القولان في الصورة، ولكنهما اختلفا في الأصل والحقيقة، المرجئة في الإيمان ذكر العلماء أنهم ينقسمون إلى ثنتي عشرة، كما ذكر صاحب المقالات، أشهرهم أربع أو خمس فرق نذكرهم على سبيل الإجمال، نبدأ من دركاتهم السفلى، الصنف الأول: غلاة المرجئة، وهم الجهمية، قالوا: إن الإيمان هو المعرفة، من عرف الله فهو مؤمن، إذا جهل بالله فهو كافر، إبليس على مذهبهم مؤمن، ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الأعراف: 16]، ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82، 83]؛ إذًا إبليس يعرف ربه، فرعون يكون عندهم مؤمنًا؛ لأنه يعرف ربه، كما قال الله جل وعلا في سورة النمل: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14]، وفي سورة سبحان، سورة الإسراء في آخرها، يقول الله عن موسى عليه السلام: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [الإسراء: 102]، فرعون علم أنه ما أنزلها إلا رب السموات والأرض بصائر، من فروع هذا المذهب الخبيث أن يكون أبو طالب مؤمنًا وليس بكافر، فكذبوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكذبوا كلام الله؛ لأن أبا طالب يعرف النبي ويعرف صدقه:
لقد علِموا أن ابنَنا لا مكذَّب
لدينا ولا يُعنَى بقول الأباطل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل

تلوذ به الهلّاك من آل هاشم
فهم عنده في نعمة وفواضل


وهو القائل:
ولقد علمت بأن دين محمد
من خير أديان البرية دينَا

لولا الملامة أو حذار مسبة
لوجدتني سمحًا بذاك مبينَا

ودعوتني وزعمت أنك ناصحي
ولقد صدقت وكنت ثم أمينَا



هذا قول غلاة المرجئة، وهم الجهمية، الجهم عطَّل صفات الله، وأثبت أن الله موجود وجودًا مطلقًا، والوجود المطلق فقط في الذهن، إذًا يكون الجهم على مذهبه كافرًا؛ لأنه جهل ربه في أسمائه وصفاته، حتى في وجود الله جل وعلا، الصنف الثاني: الذين قالوا: الإيمان هو التصديق، التصديق يكون بالقلب، والكفر عندهم هو التكذيب الذي هو ضد التصديق، وهذا هو قول الأشاعرة، وقد شابهوا الجهمية في أصول في القدر، الجهمية جبرية، وهؤلاء عندهم الكسب، في الصفات: الجهمية نفوا الأسماء والصفات، وهؤلاء نفوا بعض الصفات، في باب الإيمان الجهمية قالوا: إن الإيمان هو المعرفة، وهؤلاء قالوا: إن الإيمان هو التصديق، فيكون الكفر عندهم بتكذيب القلب؛ ولهذا من حصر الكفر في التكذيب شابه في الحقيقة قول الأشاعرة، درى أم لم يدر، الأشاعرة عندهم الإيمان هو تصديق القلب، فإذا كذب القلب يكون كافرًا، وهذا ليس لدينا إليه سبيل، حتى يصرح به بلسانه ويستحله بلسانه؛ ولهذا ينتج عن قول الأشاعرة مذهب الإرجاء؛ ولهذا تجد من هؤلاء من عوامهم من إذا أمروا بالمعروف أو نهوا عن المنكر أو حملوا على الطاعات، أو حذروا من المعاصي قالوا: اتركونا، الإيمان في القلب، نحن نقول: لا إله إلا الله، هذا هو ثمرة هذا الأصل الفاسد في الإيمان، الطائفة الثالثة: هم الماتريدية، وهذا قول أبي منصور الماتريدي، أن الإيمان هو الاعتقاد بالقلب، والنطق باللسان ركن زائد ليس بأصلي، النطق باللسان لا بد منه، ولكن ليس عليه المعول، وهذا القول في حقيقته يرجع إلى قول الأشاعرة؛ ولهذا الأشاعرة والماتريدية يكادان أن يكونا واحدًا، إن كان في الصفات، وإن كان في مسائل الإيمان، الطائفة الرابعة: الذين قالوا: إن الإيمان هو النطق باللسان، من قال: لا إله إلا الله فهو مؤمن، وإن لم يصلِّ، وإن لم يصُمْ، وإن اعتقد الاعتقاد الباطل، لكن ما دام أنه نطق بلا إله إلا الله فهو مؤمن، وهذا قول الكرَّامية، عامة المرجئة، أتباع محمد بن كرام السجستاني ت255، وقولهم: إن الإيمان هو النطق فقط، وأقبح لوازم هذا القول أن يكون المنافقون مؤمنين، المنافقون يقولون: لا إله إلا الله، بل من أقبح لوازمه: أنه لو كان الإيمان مجرد النطق، لقال مشركو العرب: لا إله إلا الله، وسلموا من القتل والمهاجرة، والمنابذة والعداوة، وحفظوا دماءهم وأموالهم وكرامتهم، ولكن أولئك كانوا أعرف بالإيمان من هؤلاء؛ لأنهم عرفوا أنهم إذا نطقوا بالإيمان لا بد أن يعملوا به، ويعتقدوا موجبه، فكانوا بهذا الإيمان أعرف من هؤلاء الكرامية، الطائفة الخامسة: هم مرجئة الفقهاء، مرجئة الرأي، فقهاء العراق، الذين قالوا: إن الإيمان اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وباطلهم في أنهم أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، لكن هؤلاء إذا نظرنا إلى كتبهم الفقهية وتقريراتهم، نجدهم رتبوا على ترك العمل الجزاءات والعقوبات في الدنيا وفي الآخرة، وهذا وجه من قال من العلماء: إن الخلاف بيننا وبينهم خلاف لفظي، فقط في المسمى، أما في الحقيقة فلا، وشيخ الإسلام ابن تيمية في الإيمان الكبير، وفي الكيلانية، وفي بيان التلبيس وغيرها، حقق هذا القول، هل الخلاف بين مرجئة الفقهاء وأهل السنة خلاف لفظي صوري؟ أو خلاف حقيقي مؤثر؟ ففصل القول رحمه الله، فقال: إن الخلاف في أكثر أحواله وصوره لفظي، إلا إذا ترتب عليه مسائل، فإذا قال هؤلاء: لا يجوز الاستثناء في الإيمان، فالخلاف عندئذ يكون حقيقيًّا، إذا أخرجوا العمل عن أن يكون مؤثرًا في الإيمان زيادة أو نقصانًا، فالخلاف حقيقي، إذا قالوا: إن الإيمان ما يزيد بالطاعات، ولا ينقص بالمعاصي، فالخلاف والحالة هذه حقيقي، هذا هو ملخص المذاهب في مسألة الإيمان، وأهل السنة أجمعوا، كما حكى ذلك الإمام أحمد، وحكاه ابنه عبدالله، وحكاه الخلال، وحكاه محمد بن نصر المروزي، وحكاه ابن خزيمة، وابن بطة، واللالكائي، والآجري في الشريعة، وحكاه أيضًا ابن تيمية وابن القيم: أن الإيمان قول وعمل، قول باللسان، وقول بالقلب، وعمل بالجوارح، وعمل بالقلب؛ ولهذا فصل بأنه قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، ينبني على خمسة أصول على التفصيل، أما عند الإجمال الذي نقل عن السلف أنه قول وعمل، قول اللسان، وقول القلب، قول القلب هو الاعتقاد، إيمانه بأسماء الله وصفاته، ووحدانيته وذاته، والعمل عمل القلب، مثل التوكل والخشية والإنابة، والخوف والرجاء، وعمل الجوارح كالصلاة والجهاد؛ ولهذا الله عز وجل يقول في الصلاة لما حولت القبلة: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143]، ومعنى الإيمان هنا بإجماع العلماء هو الصلاة، فسمى الصلاة إيمانًا؛ لأن الصلاة إيمان، ودلائل هذا كثيرة، ولا أخرج عن المقصود، وأرجع إلى ما نحن فيه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18-09-2020, 02:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (7)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل





شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (7)

مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)

شرح: فضيلة الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل





[خلق الإنسان].
فهو خالقه، وخالقه هو ربه، وربه هو الذي يجب أن يُعبَدَ وحده، ومن الظلم وأعظم الحيف أن يخلُقَ اللهُ، ويُعبَد غير الله؛ ولهذا جاء في الحديث القدسي المخرج في الصحيح: أن الله جل وعلا يقول: ((إني وابن آدم في شأن عظيم، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر غيري))، إذا كان الله هو خالقنا، إذًا هو ربنا، وإذا كان ربنا فهو الذي يجب أن يُعبَد، ويقصد ويرجى، وتتجه إليه القلوب والنيات والمقاصد والعزمات، لا تتجه إلى غيره، والظلم أن يخلق ربنا ويعبد غيره؛ ولهذا صار بهذه الحيثية الشرك: الظلم العظيم، قال لقمان الحكيم لابنه، في سورة لقمان، يقول الله جل وعلا: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، أعظم الظلم وأقبحه وأشنعه: الشرك؛ لأنه صرف حق الله لغيره، ولما نزل قول الله جل وعلا في الأنعام: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، استكثرها واستعظمها الصحابة، قالوا: يا رسول الله، وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشرًا لهم ولنا: ((ليس الظلم الذي تذهبون إليه، إنه ما قاله العبد الصالح))، يعني لقمان لما قال لابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

[ويعلم ما توسوس به نفسه].
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16]، يعلم سبحانه ما يجول في خاطره قبل أن يتكلم، مجرد الخاطر، الخيال الذي يمر على ذهنك، ربك يعلم به، أعلى من الخاطر الوسواس، وهو ما يحيكه الإنسان في قلبه، أعظم من ذلك العزمات، وهو عزمه على فعل الشيء، طاعة أو معصية، هذه يعلمها الله جل وعلا، المؤمن إذا هم بالمعصية لم تكتب له حتى يفعلها، لكن أحيانًا تكتب له المعصية إذا عزم عليها، فالهم مرحلة دون العزم، يهم يعرض على خاطره على خياله أنه يعصي الله، إما ينظر إلى حرام، إما يشرب الخمر، إما يزني، إما يكذب، يهم بهذا، إذا عزم عليها كتبت له سيئة، ولو لم يعملها؛ لأن العزم ها هنا عمل قلب، فإذا ترك هذه المعصية لله، حولت هذه السيئة إلى حسنة، إلا في موضع واحد، أن الهم يحاسب الإنسان عليه في الحرم، في قول الله جل وعلا: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25]، توعد الله مريد الإلحاد والظلم في الحرم في مكة أنه يذيقه من عذاب أليم، يعلم سبحانه ما توسوس به الصدور، بل يعلم السر، السر في الصدر، في النفس، وأخفى؛ أي: وأخفى من السر.

[وهو أقرب إليه من حبل الوريد].
وهذا كما مر معنا في قوله: (الأول والآخر، والظاهر والباطن)، معنى الأول: الذي ليس لأوليته ابتداء، هو الأول الذي ليس قبله شيء، كما روى ذلك مسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والآخِر: الذي ليس لآخريته انقضاء، يعني: أنه الذي ليس بعده شيء، والظاهر: الذي ليس فوقه شيء، واسم الظاهر دالٌّ على وصف العلو له سبحانه، وهو الباطن: الذي ليس دونه شيء؛ أي: إنه قريب من خلقه، أقرب إليهم حتى من حبل الوريد، وحبل الوريد يتصل من القلب إلى أنحاء الجسم، فالله أقرب إلى عبده حتى من حبل الوريد، إذًا هذا هو معنى ما يقول بعض السلف من أن الله عند قلب كل إنسان وطرفه وإرادته، مأخوذ من قوله: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16].

﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ ﴾ [الأنعام: 59].

آية الأنعام، ما تسقط من ورقة، أيًّا كانت هذه الورقة، وهي نكرة، ورقة ها هنا نكرة، وتشمل كل ورقة، صغيرة كانت أو كبيرة، إلا يعلمها، من أين سقطت؟ ومتى سقطت؟ وفي أي مكان سقطت؟

لاحظوا ورقة، وحبة، رطب، يابس، نكرات أم معارف؟ كلها نكرات، وتشمل كل ما يصدق عليه هذا الوصف.

[﴿ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]].
إلا في كتاب مبين: كتابه سبحانه، وهو الذي كتبه، وهو اللوح المحفوظ، كتب فيه كل شيء مما يكون، من صغير أو كبير، من دقيق أو جليل، وكتابته سبحانه لأنه علمها، وهذا إشارة إلى مرتبتين عظيمتين من مراتب القدر، وهو أنه كل شيء يجري في كون الله علمه ربنا، ومع علمه له كتبه، في قول الله جل وعلا: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، وهكذا هاتان المرتبتان انحرف فيهما غلاة القدرية وغلاة المعتزلة فأنكروهما؛ ولهذا قال الإمام أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي: "ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروه خصموا، وإن أنكروه كفروا"، إذا قالوا: إن الله ما يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، كفروا؛ لأنهم نسبوا الله إلى نقيصة، وهو الجهل، وإذا أقروا بأن الله يعلم، يقال لهم: أنتم أقررتم أن الله علم قدره، فكيف تنكرونه؟!

[(على العرش استوى)، وعلى الملك احتوى].
كل ملك فهو بيده سبحانه؛ فإن الله محتوٍ عليه بملكه وقدرته وإرادته، ولا يمكن أن ينفذ عنه أو يخرج عنه ملك لا يملكه؛ ولهذا من أسماء الله: الملك، يؤخذ من الاسم صفة أن له الملك، ومن القواعد في الأسماء والصفات: أن كل اسم من الأسماء الحسنى يؤخذ منه صفة من الصفات العلى، والعكس هل هو صحيح؟ هل نأخذ من الصفات أسماء؟ لا، الصفات لا يؤخذ منها أسماء، الله من صفاته أنه استوى على العرش، هل يقال: "من أسماء الله: المستوي"؟! لا، الله سبحانه ثبت أنه ينزل في الثلث الأخير من الليل، هل يقال: "من أسمائه النازل"؟! لا،الله من صفاته أنه يسخَرُ ممن يسخر بالمؤمنين، ويستهزئ بالمستهزئين، هل يقال: "من أسمائه: الساخر والمستهزئ"؟! أبدًا! إذًا القاعدة: أن الأسماء الحسنى يستفاد منها صفات، والصفات لا يؤخذ منها أسماء، وإنما الصفات تدل على الذات؛ لأنه لا يمكن أن توجد صفات بلا ذات، هل سمعتم أن ضحكًا يمشي بحاله؟! أو لونًا يمشي بحاله؟! أو غضبًا وحده؟! أو أنه لا بد أن الضحك في ضاحك، والغضب في غاضب، واللون في ملون، ولهذا هذه الصفات أعراض لا بد أن تقوم في موصوفات.

[(على العرش استوى)].
هذا تضمين أيضًا من آية طه: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وقد جاء ذكر الاستواء في القرآن في سبعة مواضع، في ستة مواضع منها يقول الله جل وعلا: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: 54]، يذكر خلق السموات والأرض، ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: 54]، أين؟ في الأعراف، وفي يونس، وفي الرعد، وفي الفرقان، وفي الم السجدة، وفي الحديد، هذه المواضع ستة، ذكر الله جل وعلا فيها أنه: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾، بعد خلق السموات والأرض في ستة أيام، طه قال الله فيها: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، الذي منها أخذ الماتن هذا الاستدلال، (على العرش استوى) قدم المعمول على العامل، (على العرش) هذا المعمول، والعامل الفعل (استوى)، في المواضع الستة: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾، ما معنى استوى؟ الاستواء: معلوم في لغة العرب معناه؛ أنه علوٌّ وارتفاع، وصعود واستقرار، هذه معاني الاستواء في لغة العرب؛ ولهذا يقول الناظم، وهو ابن القيم رحمه الله، عن السلف:
ولهم عبارات عليها أربعٌ
قد فُصِّلت للفارس الطعان

وهي استقر وقد علا وكذلك ارْ
تفع الذي ما فيه من نكران

وكذاك قد صعد الذي هو رابع
وأبو عبيدة صاحب الشيباني

يختار هذا القول في تفسيره
أدرى من الجهميِّ بالقرآن



"ولهم"؛ أي: للسلف، "عليها"؛ أي: على لفظة الاستواء،إذًا معاني الاستواء أربعة معانٍ تدور عليها، وهي علا، وارتفع، واستقر، وصعد، وتختلف هذه المعاني بحسب اختلاف التعديات، إذا تعدى الفعل بنفسه، "استوى الزرع"؛ أي: علا ونضج، "استوى إلى كذا"، ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ﴾ [البقرة: 29]؛ أي: قصدها، فهذه المعاني الأربعة متباينة لمعنى الاستواء بحسب تعدياته وصلاته، إما يتعدى بنفسه، أو يتعدى بـ: "إلى"، أو يتعدى بحرف "على"، في السنة في حديث جابر وابن عمر: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا خرج في سفر ووضع رجله في المغرز واستوى على دابته، قال: ((سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين))، ما معنى استوى على دابته؟ هي فوقه أم هو فوقها؟! هو علا عليها! الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، وهو حديث السفر المشهور، الإمام أبو عبدالله مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله، إمام المدينة، إمام دار الهجرة، دخل عليه رجل وهو يحدث أصحابه حديث النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فقال: يا أبا عبدالله، وهذه أولًا إساءة أدب؛ لأنه خاطبه بكنيته المجردة، وهكذا شأن أهل الأهواء، يزدرون ويحتقرون أهل العلم وأهل الأثر، قديمًا وحديثًا، قال: يا أبا عبدالله، ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، كيف استوى؟! الإمام مالك عالم وحبر، أدرك حقيقة السؤال، فحصل منه فعل لاستعظام هذا السؤال، أطرق برأسه، حتى تصبب عرقًا! وفي بعض الروايات حتى غشي عليه، وفي بعضها حتى علته الرحضاء؛ لأنه فهم سؤال هذا السائل، وهذا أمر قد ننتبه له فيمن يذم أهل العلم، أن: "أهل العلم ما يفقهون"! "شيبان"! "عميان"! "ما يعرفون فقه الواقع"! يريد أن يثلب ويذم العلماء، أهل العلم من أذكى الناس، لكن ذكاؤهم منضبط ومقهور بمخافة الله جل وعلا،علا الإمام مالكًا الرحضاء والغشي من هول هذا السؤال؛ لأنه سأل عماذا؟ "كيف استوى؟"، سأل عن الكيفية، فلما أفاق ورفع رأسه، قال رحمه الله الكلمة التي كتبت، وتكتب في صدور أهل السنة بمداد الذهب، وتلقيت بالرضا والقبول والاعتقاد لموجبها؛ لأنها كلمة جاءت عنه، وعن شيخه ربيعة بن عبدالرحمن، ربيعة الرأي، وجاءت عن أم سلمة أمنا أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي عن مالك أثبت بأسانيد كالشمس، كما ذكر ذلك العلماء رحمهم الله، قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا.

انظر إلى كلام العالم، مع اختصاره ووجازته وما عليه من المهابة والنور.

الاستواء معلوم، معلوم لمن؟ لهذا الجاهل أم لغيره؟ لغيره، لأهل اللغة، لأهل اللسان، للعرب يعرفون معناه، يعرفون معنى استوى؛ أي: علا، وارتفع، واستقر، وصعد.

والكيف مجهول، لا يعلمه منا أحد.

والإيمان به واجب، الإيمان بماذا؟ بالاستواء، واجب؛ أي: فرض؛ لأن الله ذكره لنفسه في سبعة مواضع، وذكره له النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة.


والسؤال عنه بدعة، عن أيش؟ عن الكيفية، بدعة ابتدعتها أنت وشاكلتك.
وما أراك إلا مبتدعًا، فأمر به رحمه الله فأخرج من المسجد تعزيرًا له وتأديبًا له ولأمثاله؛ لأنه مبتدع.

لاحظتم كيف أن هذا المعنى مشتمل؟ وهذا مالك الصغير، أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني يقول لكم ما قاله الإمام مالك: "(على العرش استوى)، وعلى الملك احتوى".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18-09-2020, 02:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (8)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل






شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (8)

مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)

شرح: فضيلة الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل




[وله الأسماء الحسنى].
أسماؤه حسنى، بلغت في الحسن كماله ومنتهاه، فالله جل وعلا يقول: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، في آية طه، في آية الأعراف: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الأعراف: 180]، فادعوه بها، حسنى؛ أي: كاملة في حسنها وبهائها، وجمالها وكمالها، لا نقص فيها بوجه من الوجوه.

أسماء الله كم هي؟ أسماء الله لا يحصيها إلا الله جل وعلا، ما الدليل؟ حديث الغم المشهور، ((ما من مسلم يصيبه هم أو غم فيقول: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك..))، دل ذلك على أن أسماء الله غير محصورة، وأسماء الله كثيرة جدًّا، وكلما كثرت أسماء الشيء دلت على عظمه، تأملوا يا إخواني في القرآن، ألم يأتِ في أسماء يوم القيامة أسماء كثيرة حتى جاوزت الثلاثين اسمًا؟ لعظم هذا اليوم، النبي عليه الصلاة والسلام لما كان عظيمًا عند ربه، جليلًا بين خلقه، تنوعت وتعددت أسماؤه؛ فهو محمد، وأحمد، والماحي، والعاقب، والحاشر الذي يحشر الناس على قدمه صلى الله عليه وسلم، الله جل وعلا أعظم من كل عظيم، وأجل وأكبر من كل جليل وكبير؛ ولهذا لا حد لأسمائه الحسنى، لكن أعلمنا من أسمائه بكم؟ بتسعة وتسعين اسمًا، في الصحيحين من وجوه كثيرة، أخرجه البخاري في أكثر من اثني عشر موضعًا في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة)).

ما معنى أحصاها؟ وفي هذا يغلط كثير من الناس، يظن أن إحصاءها هو سردها: "الله، حي، عليم، قدير، سميع، بصير.."، ويبدأ يعدها، ليس هذا هو إحصاءها، معنى إحصائها يقوم على ثلاثة معانٍ، المعنى الأول: عدها من الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، ثانيًا من إحصائها: تفهم معانيها، يعرف أن معنى السميع غير معنى العظيم، ومعنى الكبير غير معنى الحليم، هذا لا يتأتى إلا بالعلم بها والبحث فيها، على طريقة الراسخين في العلم، المعنى الثالث من معاني إحصائها: التقرب إلى الله جل وعلا بها، التقرب إلى الله بالإيمان بها، بدعاء الله بها؛ ولهذا الله جل وعلا يحب من عبده أن يثني عليه بكمالاته، وأعظم كمالات الله أسماؤه سبحانه، في الحديث: ((ألظوا بـ: يا ذا الجلال والإكرام))، والحديث الذي رواه أهل السنن - بأسانيد صحيحة - أن رجلًا قال: (اللهم إني أشهد بأنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد، الفرد، الصمد، المنان، يا بديع السموات والأرض)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد دعا اللهَ باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب))، لماذا؟ لأنه ألظ وألح على الله بأسمائه الحسنى تقربًا وتوسلًا إلى الله بها، ومن المناسب في هذا المقام: أن يدعو الإنسان بما يناسب اسم الله، فإذا دعا برحمة ومغفرة، انتقى من أسماء الله المناسب، "يا رحيم، ارحمنا"، "يا غفور، اغفر لنا"، وإذا كان الدعاء دعاء انتقام أو انتصار، ينتقي من أسماء الله المناسب، "يا قوي، يا جبار، انتقم لنا"، "يا عزيز، يا ذا الانتقام، انتصر لنا ممن ظلمنا"، هل يناسب أن يقول: "اللهم، يا جبار، يا ذا الانتقام، اغفر لنا"؟! هذا غير مستحسن، والعكس صحيح أيضًا، لا يناسب أن يقول: "اللهم، يا رحيم، يا رحمن، اقصم ظهور الجبابرة والظلمة والكفرة"؛ لأن هذا غير مناسب مع أسماء الله جل وعلا.

[والصفات العلى].
إن صفاته عالية، في ذاتها، وفي معانيها، وفي اتصاف الله جل وعلا بها.

أجوبة أسئلة اليوم الثاني:
إن الله أقرب إليه من حبل الوريد بعلمه وإحاطته وإدراكه لحاله، والآية: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16]، تشتمل على معنيين متنوعين، (ونحن)، هي لله جل وعلا، وهو المعظم نفسه بلفظ الجمع، وهو واحد سبحانه؛ لعظمته، وتنوع أسمائه وصفاته، والمعنى الثاني: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ ﴾؛ أي: الله جل وعلا، ومن شاء من رسله وجنده، والملائكة من جنده، والمعنيان متنوعان غير متضادين.

إي نعم، استوى إما أن تتعدى بنفسها، استوى الزرع، استوى على سوقه؛ أي: علا وارتفع، أنتم عندكم هنا في اللهجة الدارجة: فلان استوى، بمعنى أنه أتم أمره، واستوى على كذا؛ أي: علا عليه وارتفع عليه واستقر عليه، واستوى إلى السماء، استوى إليها؛ أي: قصدها، استوى إلى كذا؛ أي: قصده.

عالم الغيب والشهادة، يأتي مقيدًا، أما الذي من أسماء الله فهو العليم، أو علام الغيوب، أما العالم، فيجوز أن نطلقها على الله، لأنه عالم، من باب الخبر، لا من باب الوصف والتسمي.

كلهم حكوا: أن الإيمان مجمع عليه عند السلف أنه قول وعمل، وخصصنا هؤلاء؛ لأن الإمام أحمد له كتاب الإيمان، الذي هو السنة، وابنه عبدالله كذلك، والخَلَّال كذلك، ومحمد بن نصر المروزي الملقب بالشافعي الثاني له كتاب السنة، وتعظيم قدر الصلاة، يسمى بكتاب الإيمان.

يتسمى بـ: "الظاهر"؟ أسماء الله جل وعلا منها ما يجوز أن يتسمى به المخلوق؛ كالملك، والعزيز، والظاهر، ورؤوف، ورحيم، يجوز أن يسمى بها المخلوق؛ ولذا جاء في القرآن نسبتها وتسمية المخلوقين بها، ﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الكهف: 79]، ﴿ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ ﴾ [يوسف: 51]، في سورة براءة: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، هذه يجوز أن يتسمى بها المخلوق، لكن بشرط، أن تعرف أن الاسم ليس كالاسم، وليس المسمى كالمسمى،من أسماء الله ما لا يجوز أن يتسمى به المخلوق؛ كاسم الجلالة الله، هل يجوز تسمية المخلوق الله؟ لا يجوز ذلك، فإذا سمينا المخلوق بأنه ظاهر، أو ناصر، أو رؤوف، أو ملك، فهذا على قدره، وليس ملكه وظهوره ملكًا عامًّا كملك الله جل وعلا وظهوره.

قربه من خلقه عام، لكن هناك قرب خاص لأهل الإيمان، وهذا سيأتينا إن شاء الله في المعية؛ فالله من كل خلقه قريب، لكن المؤمن والصالح والتقي قرب الله منه يقتضي أمورًا أخرى، سيأتي بيانها إن شاء الله في مسألة المعية.

من باب الإخبار عن الله أنه مدبِّر.
.. في اللغة يعني، في لغة العرب، لا حصرها هنا في الذهن، في العلم، يسمى عندهم بالحصر العلمي، أو الحصر الذهني؛ أي: الذي أعلمنا منها تسعة وتسعون اسمًا، أما أسماؤه سبحانه وتعالى فهي لا تحصى؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((أو استأثرت به في علم الغيب عندك))، وإذا قلنا: إنها محصورة، دل على أن تسعًا وتسعين نعلمها، حتى ما استأثر الله بعلمه؟ هذا لا يكون، ولا يليق؛ ولهذا الحصر حصر علمي، أو حصر ذهني.

لا، ما فيها اختصاص، لكن لأنها من أظهر صفاته سبحانه، أنه سميع يدرك المسموعات كلها، وبصير يبصر المبصرات كلها.

كما أن الكعبة قبلة الصلاة......
(جاملها؟! إذا لماذا لا يجامل غيرها من الكفار؟! هذا تمحل في الجواب، وتحريف في كلام الله جل وعلا، نقول: إذا أقروا بأن الدعاء قبلته السماء، لم لم يكن قبلته السفل؟ لأن الله في السماء، وأما الصلاة فقِبلتها الكعبة؛ لأن الله جعلها قِبلة،وهذا الجواب من هؤلاء المتكلمين أو المتأولين يراد منه التمحل، وإساءة الظن حتى بالنبي عليه الصلاة والسلام، النبي يجامل في دين الله؟! إذا كان الله ليس في السماء كيف يجاملها ويكذب عليها؟! إذا ما نصح للأمة وما أبان! وحق على الله أنه ما بعث من نبي إلى أمة إلا دلهم على خير ما يعلمه لهم، وهذا قدح في النبي! بل وقدح في الله الذي مدح النبي بأنه بلغ بلاغًا مبينًا، وأنه أكمل البيان، عليه الصلاة والسلام، لكن الهوى شأنه عظيم!).

هذا تفويض، وسيأتينا أن التفويض معناه عدم العلم بمعاني الصفات، الذي يفوض ما هو؟ عِلمنا بمعانيها أو بكيفياتها؟ العلم بالكيفية، لكن إذا اشتبه على إنسان معنى صفة ولم يدرها، يقول: الله أعلم بها حتى يعلمها، ولا يجوز أن يتدين لله جل وعلا بعدم العلم بها، أو يتدين لله بتفويضها، إلا إذا كان جاهلًا، والجاهل يعلم، فالذي يُفوَّض: علمُ الكيفية.

كلها محكَمة، كل آيات الأسماء والصفات وآيات التوحيد محكَمة، ليس فيها متشابه، في بعض نصوص الصفات تشابه نسبي، يسمى عند العلماء بالتشابه الإضافي على بعض الناس دون بعض، لكن العلماء يدرونها، وهي محكَمة عندهم.

نهايتها، يعني: كمالها، بلغت من الحسن نهايته، يعني: كماله، كمال هذا الحسن،النهاية هنا: الحسن، لا يراد بها أن أسماء الله منتهية، ولكن فيه أن كمالها الذي وصفت به كمال منته.

ما الفائدة من هذا السؤال؟ ما الثمرة منه؟
الله جل وعلا لا يحاسب عبده بما علمه منه، وقدره عليه قدرًا كونيًّا، وإنما يحاسبه بما قدره عليه شرعًا، فلا يحاسبك الله بأنك ذكر، بأنك لم لم تصر أنثى؟! لأن الله قدر عليك هذا، لا يحاسبك الله بأن جعلك إنسانًا ولم يجعلك حمامًا أو صقرًا؛ لأن الله قدر عليك ذلك، وما علمه الله منك في الأزل على نوعين: علم بأنك تفعله، وعلم بأنك لا تفعله، فما فعلته تحاسب عليه؛ لأنه سبق في علم الله، وما لم تفعله لا تحاسب عليه؛ لأنه ليس من فعلك، وليس من اختيارك، فلا بد من هذا القيد.

الشريعة كلها آحاد، ما جاء التواتر إلا في أفراد منها، ولو قصرنا العمل والاعتقاد على ما جاء في المتواتر، ما صح لنا من ديننا شيء، والتفريق بين الآحاد والمتواتر إنما جاء من المعتزلة الذين أثروا به على المتكلمين وأمثالهم، وإلا فإن الصحابة رضي الله عنهم دانوا لله سبحانه وتعالى بما صح عندهم، الذين حولوا قبلتهم من الشام إلى الحرم، من الشمال إلى الجنوب، هل تواتر عندهم أم المخبر واحد؟ المخبر واحد، إذا هذه بدعة وفِرْيَة: التفريق بين المتواتر والآحاد، وعدها ابن القيم في الصواعق المرسلة طاغوتًا عول عليه المعطلة مذاهبهم: التفريق بين أخبار الآحاد، وأنها لا تفيد إلا الظن، وأخبار التواتر، وأنها تفيد اليقين، إذا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنَّا به وأيقنا به وعملنا به، وهذا مقتضى الشهادة لنا بأنه رسول الله، وإلا ما معنى أن تشهد بأنه رسول الله إذا لم تصدقه في كل ما يخبر به، ثم تنتقي، هذا خبر آحاد أرده، وهذا متواتر آخذ به، نعم المتواتر آكد في الثبوت، ولكن لو صح الآحاد، ولو كان من طريق واحد، فإن هذا نعمل به، أصول الإسلام في أحاديث آحاد، حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، أليس هو حديثًا غريبًا في طبقاته الأربع، ولم ينتشر إلا عن يحيى بن سعيد الأنصاري؟! رواه عنه أربعمائة أو مائتان من الرواة، وما قبله يرويه كل واحد عن واحد، فهو آحاد، وهذا انبنى عليه الإسلام كله، فهو حديث أصل في هذا الدين.

هذا مذهب متأخري المتكلمين من الأشاعرة، أن الاستواء عندهم هو الاستيلاء! أما متقدموهم، فيثبتون الاستواء، كما أثبته أبو الحسن الأشعري وأصحابه وتلاميذه، وابن الباقلاني، بأنه فعل يفعله الله في العرش، يسمى الاستواء، أما المتأخرون بعد الجويني فهم الذين حرفوا معنى هذا الاستواء إلى معنى الاستيلاء، فهذا قول متأخريهم.

جماعة التكفير والهجرة في الحقيقة هم خوارج في مسائل الذنوب والكبائر، في مسائل التكفير والذنوب والكبائر هم خوارج، وليسوا معتزلة، والتكفير والهجرة منهم قوم أهل توقف وتبيُّن، وهؤلاء يوجبون أن ينعزل المسلم عن المجتمعات الكافرة، عن الكفار، إن لم ينعزل بنفسه، ينعزل بإحساسه وشعوره، وهذا من آثار القول بالتكفير الذي هو مذهب أولئك الخوارج؛ ولهذا الخوارج يا إخوان ما انقرضوا، وإنما لا يزال لهم بقايا، حتى يكون آخرهم يتبع الدجال، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام.

نعم، ثابتة عنه، قالها أبو طالب لما أدركهم الضنك والشدة في الشِّعب، وهي ثابتة عنه، وعدها العلماء من المعلقات، حق لها أن تكون من المعلقات؛ لقوة معانيها، وعظيم جرسها، وبراعة مضامينها:
لقد علِموا أنَّ ابنَنا لا مكذَّبٌ

لدينا ولا يُعنَى بقول الأباطل

وأبيضَ يُستسقى الغَمامُ بوجهه
ثِمَالَ اليتامى عصمةً للأرامل

تلوذ به الهُلَّاك من آل هاشم
فهم عنده في نعمة وفواضل



[الشيخ حفظه الله يستعبر في هذا الموضع].
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
تم بحمد الله إتمام تفريغ الشريط الثاني
في الاثنين السادس والعشرين من شهر الله الحرام ذي الحجة
لعام 1426 من هجرة المصطفى عليه وآله وصحبه الصلاة والسلام


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18-09-2020, 02:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (9)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل







شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (9)

مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)

شرح: فضيلة الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل





بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى:
[لم يزل بجميع صفاته وأسمائه].
معنى هذا أن صفات الله وأسماءه أزلية، الله متصف بهذه الصفات مسمى بهذه الأسماء من الأزل، لم يكن غير متصف بها ثم اتصف بها، كما قلنا في اسمه "الأول": إنه ليس قبله شيء، فقوله: لم يزل بجميع صفاته وأسمائه؛ أي: بأن الله جل وعلا متصف بها أزلًا وأبدًا، لا أنها حدثت بعد أن لم يكن متصفًا بها.

[تعالى أن تكون صفاته مخلوقةً، وأسماؤه محدثةً].
لأن المحدث هو الشيء الذي وصف به بعد أن لم يكن متصفًا به، وتعالى أن تكون صفاته مخلوقة؛ لأنه إذا كانت الصفات مخلوقة كان الله جل وعلا محلًّا للخلق، وكان الله في نفسه مخلوقًا! فالله ليس بمخلوق، وكذلك صفاته؛ لأن الصفة متعلقة بالموصوف، متعلقة بالذات، فكما أن ذاته سبحانه غير مخلوقة، كذلك صفاته غير مخلوقة.

[كلَّم موسى].
وهذا جاء في القرآن؛ قال الله جل وعلا: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]، كلَّم من الأفعال المضعَّفة، على وزن فعل، وكلمه مرة بعد مرة عليه الصلاة والسلام، وقوله: تكليمًا تأكيد لهذا الفعل، وجاء أيضًا في موسى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [الأعراف: 143]، وفي هذه الآية نكتة، وهي أن رجلًا من الجهمية المعتزلة في عهد عمرو بن العلاء، الإمام المشهور، قال: إن قوله تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى ﴾ [النساء: 164]، فجعل اللهَ مكلَّمًا، في موقع مفعول به،قال له الإمام: هب أننا قرأنا هذه القراءة على قولك، كيف تفعل بقول الله جل وعلا: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [الأعراف: 143]؟! فخُصِم، وهذا يدل على جهل هؤلاء وعجمتهم في كلام الله جل وعلا.

[بكلامه الذي هو صفة ذاته].
الذي هو؛ أي: الكلام، صفة ذات الله جل وعلا، فذاته سبحانه وتعالى موصوفة بأنه متكلم، كلم الله موسى بصفة من صفاته، كلام خرج منه سبحانه.

[لا خلق من خلقه].
لا يعقل أن يكون الكلام الذي كلم الله به موسى من مخلوقات الله، وإلا هل يجوز أن يقول المخلوق هذا الكلام لموسى: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]؟! فدل على أن هذا الكلام الذي سمعه موسى هو كلام الله جل وعلا، وليس خلقًا من مخلوقاته، وأعظم ما حاول إفساده هؤلاء الجهمية والمعتزلة هو أن الله ليس متكلمًا، ولم يسمع موسى من الله كلامًا، وقالوا: إنما الكلام سمعه من الشجرة! أو من اللطيفة! أو من الملك! أو من الهواء! أيعقل أن تقول الشجرة أو اللطيفة أو الهواء أو الملك: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]؟! هل يعقل هذا؟! هذا هو ما يجره الانحراف في التعطيل، فالبدعة تجر إلى بدع أخرى ولا بد، ولو أنهم آمنوا بأن الله كلمه بكلام يليق بجلاله، لَمَا كان في هذا ضير،قال بعض هؤلاء: إن معنى: (كلم الله)، من "الكلم"، وهو الجرح؛ أي: جرحه بمخالب الحكمة، وهذا تحريف للكلام عن معناه، فإن الله قال: (وكلَّم)، ولم يقل: "وكَلَمَ"، وإنما قال: (وكلَّم)، بالفعل المضعف، على وزن فعل؛ ولهذا احتاجوا لأن يلووا أعناق الأدلة، ويحرفوا لفظها من (كلَّم) إلى "كَلَمَ"، وهذا تحريف آخر من مناحي تحريفهم لهؤلاء.

وموسى عليه الصلاة والسلام خُصَّ من بين أنبياء الله بأنه كليم الرحمن، خصه الله بهذا الفضل، أما غيره من الأنبياء والرسل كان كلام الله إليهم بواسطة الملك جبرائيل، وهذه الخصيصة كانت لمن لغير موسى؟ لنبينا صلى الله عليه وسلم، متى؟ لما عرج به إلى السماء، فإنه بلغ صلى الله عليه وسلم من العلو حتى جاز سدرة المنتهى، وغشيه من ألوانها ما غشيه، حتى بلغ الجبار جل وعلا وهو على عرشه، فكلمه ربه من غير ترجمان ومن غير واسطة، كلم ربُّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم من غير واسطة، ففرض عليه الصلوات الخمس، كلمه من غير رؤية، انتبه لهذا يا طالب العلم، كلم الله نبيه من غير أن يرى النبي ربه؛ ولهذا لما سأل أبو ذر رضي الله عنه، والحديث في مسلم، قال: يا رسول الله، أرأيت ربك؟ قال: ((نور، أنَّى أراه))، وفي رواية قال: ((رأيت نورًا))، وهذا النور الذي رآه النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي جاء في حديث أبي موسى عند مسلم وغيره، قال: ((حجابه النور))، وفي رواية: ((حجابه النار))، (إذا كشفه أحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، فهذا الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو نور الحجاب، ونور الحجاب مخلوق، وأما الله عز وجل فنوره، الذي هو صفة له، ليس بمخلوق، ولم يرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه،إذًا الكلام ثبت لاثنين من عباد الله، من خُلَّص رسله وأنبيائه، هما محمد وموسى، الخُلَّة لمن ثبتت؟ ثبتت لإبراهيم، وثبتت أيضًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، إذًا جمع الله لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام ما تفرق من الخصائص والفضائل في الأنبياء غيره؛ فهو كليم الرحمن، كما أن موسى كليم الرحمن، وهو خليل الرحمن، كما أن إبراهيم خليل الرحمن، عليهم الصلاة والسلام.

[وتجلى للجبل فصار دكًّا من جلاله].
تجلى الله جل وعلا للجبل، فصار الجبل دكًّا من تجلي الله سبحانه له؛ فإن الجبل اندك لعظمة الله وجلاله، وهذا كما في آية الأعراف، لما طلب موسى أن ينظر إلى الله: ﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 143]، لاحظوا أيها الإخوة أن موسى طلب من الله أن ينظر إليه، وهذا هو كمال ما يتمنى أن ينتهي إليه المؤمن الذي آمن بالله، وآمن بصفاته وأسمائه، أن ينظر وتكتحل عيناه بربه الذي آمن به، ﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف: 143]، هل عاب اللهُ على موسى سؤاله؟ ما عاب عليه السؤال؛ لأن هذا السؤال لائق، لم يعِبْ عليه السؤال، ولو كان طلب رؤية الله غير لائق لعاب الله عليه سؤاله، كما عاب على نوح لما قال: ﴿ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 45، 46]، لما سأل نوح نجاة ابنه، عاب الله عليه سؤاله، مع أن نوحًا أول الرسل، ومن أولي العزم منهم، لما سأل ما لا يحق له، ﴿ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 46]، لِمَ لَمْ يعِبِ الله على موسى لما قال: ﴿ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف: 143]؟ لأن رؤية الله ممكنة، ومرغوبة، وغاية ما يتمناه من آمن بالله، إذًا ما المانع من رؤية الله؟ المانع ضعف موسى وأمثال موسى، قوانا في الدنيا لا تتحمل؛ ولهذا يوم القيامة يكمل الله جل وعلا قوى المؤمنين، فيتحملون رؤية الله، بل ويتلذذون بهذه الرؤية؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143]، الكلام كلام عربي فصيح، ولم يقل سبحانه: "لا أُرَى"، إنما قال سبحانه: ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143]، و"لن": حرف نفي واستقبال، مؤقت، لا مؤبد، ذهب الزمخشري وذهب المعتزلة إلى أن "لن" للنفي المؤبد، وعاب عليهم علماء اللغة، حتى قال ابن مالك رحمه الله صاحب الألفية:
ومَن رأى النفيَ بـ: "لن" مؤبَّدَا ♦♦♦ فقولَهُ اردُدْ، وسواه فاعضُدَا

هل يعقل أن تكون لن للنفي المؤبد؟! القرآن يبطل ذلك، لو كانت لن للنفي المؤبد، لما جاز أن يحدد الفعل بعدها؛ قال الله جل وعلا عن أخي يوسف: ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يوسف: 80]، لو كانت "لن" للنفي المؤبد، هل يجوز أن يحدد الفعل بعدها؟! لا يجوز في بلاغة القرآن وبلاغة الكلام، إن كانت للنفي المؤبد لا يحدد الفعل بعدها، بل يبقى على تأبيده، ولكن هنا حدد الفعل، لن أبرح الأرض إلا بأمرين: إما أن يأذن أبوه أو يحكم الله له، وهو خير الحاكمين، من ذلك أيضًا قول الله جل وعلا عن الكفار في الموت: ﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ [البقرة: 95]، لاحظوا، قال: "لن يتمنوه"، وأكده بقوله: أبدًا، هل الكفار لا يتمنون الموت أبدًا، أو إذا ذاقوا النار وصلوها وجحيمها تمنوا الموت؟ ولهذا جاء في القرآن أن الكفار إذا ذاقوا يوم القيامة عذاب النار وصلوها: ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77]، إذًا تمنوا الموت، فدل على أن "لن" ليست للنفي المؤبد، وإنما للنفي المؤقت، هذا وإن جاءت بلفظ "أبدًا"، كيف إذا جاءت من غير تأبيد؟!

﴿ قَالَ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143]، وأراد الله أن يضرب لموسى المثل ولنا، بأن السبب في عدم رؤية الناس لله في الدنيا لضعفهم هم، لا يتحملون! قال: ﴿ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ﴾ [الأعراف: 143] الأشم الأصم، فإن تحمَّل الجبل رؤيتي، قد تتحمل أنت العبد الأضعف منه رؤيتي، فإذا لم يتحملها الأعلى، فالأدنى من باب أولى، ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾ [الأعراف: 143]، ماذا حصل للجبل؟ الجبل الأصم الأشم الصُّلب، لما تجلى الله له، اندكَّ لجلال الله وعظمته، ما تحمل، هذا وهو أصم أشم، كيف موسى؟ من باب أولى، وموسى لما اندك الجبل غشي عليه، وهو الشديد القوي، ولهذا لما اقتتل الفرعوني مع الإسرائيلي، استنصر الإسرائيلي بموسى، فأتى موسى يريد أن يفصل بينهما، فدفع الفرعوني على صدره، ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ [القصص: 15]! من قوته، موسى ما أراد قتله، عليه الصلاة والسلام، ولكن أراد دفعه وتأخيره، فقضى عليه لقوته، فإذا كان موسى عليه الصلاة والسلام غشي عليه من اندكاك الجبل، لو كان غير موسى، لطار قلبه من جسده وبدنه! فدل ذلك على أن رؤية الله جل وعلا غير ممكنة؛ لضعف فينا، لا لخفاء في المرئي، لعجز فينا، لا لعيب في المرئي سبحانه وتعالى،كالشمس، من منكم يستطيع أن يراها في رابعة النهار؟ ما أحد يستطيع إلا أن يضع أمامه مرايات ومكبرات "مناظر حاجبة للضوء"؛ لأنه ما يتحمل، الشمس خافية أم ظاهرة؟! إذا كان هذا في مخلوق، فالخالق من باب أولى، إذًا لا يرى أحد منا الله في الدنيا؛ لعظمة الله التي لا نستطيع أن نتحملها، ولا نستطيع أن نتلذذ بها، في يوم القيامة يكمل الله للمؤمنين أبصارهم، فيتحملون، بل ويتلذذون ويتنعمون، ويتباهون ويتناظرون لرؤية وجهه سبحانه وتعالى.


وفي الآية ملحظ لطيف، لما جاز أن يتجلى الله للجبل، الذي هو جبل جماد أصم أشم لا ثواب له ولا عقاب، فلأن يتجلى الله جل وعلا لأوليائه، الذين لهم ثواب يثيبهم عليه، وجزاء يجازيهم به، فمن باب أولى، فدل تجلي الله للجبل في الدنيا على أنه يتجلى سبحانه لمن لهم ثواب يوم القيامة،وهذه معانٍ عظيمة يا أيها الإخوة لمن تأملها.

[فصار دكًّا من جلاله]؛ أي من جلال الله وعظمته وكماله سبحانه، ما تحمل هذا الجبل.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18-09-2020, 02:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (10)


الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل




مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)


[وأن القرآن كلام الله، ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد].
لاحظوا هذا القول الذي قاله ابن أبي زيد رحمه الله، ما زال أهل السنة يقولونه إلى هذا الزمان.

مثل قول الطحاوي رحمه الله: "وأن القرآن كلام الله، ليس بمخلوق ككلام البرية، منه بدأ بلا كيفية قولًا، وأنزله على رسوله وحيًّا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقًّا، وأيقنوا أنه كلام الله على الحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البشر، فمن سمعه فزعم أنه مخلوق فقد كفر، وذمَّه الله وعابه وأوعده سقَرَ؛ حيث قال: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾ [المدثر: 26]"،هذا الكلام متفق، الطحاوي في مصر، وهذا في تونس، كلام أهل السنة واحد في زمانهم، وواحد في اختلاف أماكنهم.

[كلام الله، ليس بمخلوق] لماذا أضافوا هذا القيد؟ كلام الله؛ لأنه صفة من صفاته؛ كقولنا: سمع الله، وبصر الله، وعلم الله، وحياة الله، المضافات إلى الله نوعان: معانٍ، مثل: كلام الله، أضفت المعنى إلى الله، إذًا هو صفة من صفاته؛ ككلام الله، وسمع الله، وبصر الله، وعلم الله، وقوة الله، هل هذه مخلوقة؟ لا، إذًا المعاني إذا أضيفت إلى الله فهي إضافة صفة إلى موصوف، النوع الثاني: أعيان؛ كقولنا: ناقة الله، ﴿ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴾ [الشمس: 13]، وكبيت الله، هذه أعيان، إذا أضفنا الأعيان إلى الله، فتكون إضافة مخلوق، هذا المسجد بيت الله، الكعبة: بيت الله، ﴿ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴾، الأرض ملك الله: أرض الله، فهي إضافة أعيان، إذا أضيفت إلى الله فهي إضافة مخلوقات.

وهنا غلط المعتزلة وأمثالهم لما قالوا: إن الكلام لما أضيف إلى الله دل على أنه مخلوق، فنقول لهم: المضاف إلى الله نوعان، أعيان ومعانٍ؛ فالأعيان مخلوقة، وليس الكلام منها، والمعاني المضافة إليه صفاته، والكلام منها.
[كلام الله]، أضاف أهل السنة هذا القيد ردًّا على المعتزلة والجهمية والمتكلمين الذين قالوا: بالكلام النفساني.
[ليس بمخلوق فيبيد]، ما معنى فيبيد؟ أي: يزول.

[ولا صفة لمخلوق فينفد]؛ أي: فينتهي؛ ولهذا كلام الله لا ينتهي، ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾ [لقمان: 27]، إذا كان هذا في كلام الله أنه لا ينفد، كلام المخلوق ينفد وينتهي ويعجز، لكن كلام الله جل وعلا لا ينفد، لا ينتهي، لا يعجز سبحانه وتعالى.

إذًا هو صفة الخالق، فكلامه سبحانه لا ينفَد، وكلامه لا يبيد؛ ولهذا يا أيها الإخوة القرآن أنزله الله كلامًا، فإذا استغنى عنه الناس في آخر الزمان، لباطلهم وفسادهم، وهجرانهم لكلام الله، رجع الكلام إلى صاحبه المتكلم به، وأهل السنة يقولون في هذا الباب: وأن القرآن كلام الله، منه بدا، "بدا" بالألف من البدو والظهور؛ أي: إنه خرج من الله، وفي بعض العبارات: منه بدأ، بالهمزة؛ أي: ابتدأ الله كلامه، منه بدا بلا كيفية، وإليه يعود، في آخر الزمان إذا استغنى الناس عن القرآن، بلا كيفية؛ أي: لا نعلم كيفية تكلم الله بالقرآن، ولا كيفية تكلمه بكلامه، لا نعلم كيفية ذلك.

[والإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وكل ذلك قد قدره الله ربنا، ومقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه، فجرى على قدره، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به، ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]].


هذا عطف من المؤلف على مسألة أخرى، وهي القضاء والقدر، الذي هو الركن السادس من أركان الإيمان، كما جاء في حديث جبرائيل المشهور، المخرج في الصحيحين، أخرجه مسلم مطولًا، وأخرجه البخاري مختصرًا، واتفقا على قدر ما يتعلق بالإيمان، فإن جبرائيل سأل النبي عليهما الصلاة والسلام عن الإيمان، فقال: ((الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره))، وفي رواية: ((حُلْوه ومُره من الله تعالى))؛ فالإيمان بالقضاء والقدر أصل من أصول الإيمان، لا يصح الإيمان إلا به، في آية الإيمان في البقرة ذكر الله خمسة أصول، في قول الله جل وعلا: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ... ﴾ [البقرة: 177] الآية، أين القدر ما ذكره؟ ولهذا أصول الإيمان عند الإجمال خمسة، وعند التفصيل ستة، لم يذكر الإيمان بالقدر لنكتة، النكتة التي لأجلها عطف الفعل مع القدر خصوصًا في حديث جبريل، لما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، قال: (الإيمان أن تؤمن)، وضع خطًّا تحت كلمة: "تؤمن"، (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر)، قال: (وتؤمن بالقدر)، لماذا لم يكرر الفعل إلا مع القدر خاصة، لِمَ لَمْ يكرره مع الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر؟ كرره مع القدر خاصة لعدة اعتبارات، أهمها: أن الإيمان بالقدر من الإيمان بالله؛ لأن القدر قدر مَن؟ قدر الله جل وعلا، ولأن الإيمان بالقدر هو المعيار، وهو الميزان لمقدار إيمان العبد بربه، إذا أردت أن تعرف مقدار إيمانك بالله، فانظر إلى مقدار إيمانك بأقدار الله، لا سيما عند وقوع المصائب والحوادث، فإن مقدار الإيمان بالله معياره وميزانه إيمانك بقدره، وعطف الفعل مع القدر.. لأن القدر انحرف فيه طوائف عظيمة، قبل الإسلام وبعد الإسلام، انحرفوا في الإيمان بالقدر، الإيمان بالقضاء والقدر لا يصح، كما ذكر الشيخ رحمه الله، إلا بالإيمان بأصوله؛ أن المقادير بيد الله، ومصدرها عن قضائه.

وأشار هنا إلى مرتبة من مراتب القدر، والقدر له أربع مراتب، بل خمسة على الإضافة والتفصيل، أربعة بالإجماع، المرتبة الأولى: أن علم الله سابق لكل شيء مقدر قبل وقوعه، فسبق علم الله كل شيء مقدر قبل وقوعه، كما ذكر الشيخ رحمه الله، [علم كل شيء قبل كونه، فجرى على قدره...]، إذًا علم الله سابق لكل شيء قبل وقوعه، قبل أن يقع بمدة طويلة علمه الله جل وعلا، المرتبة الثانية: أن الله كتب هذا المقدر في كتاب عنده في اللوح المحفوظ، الدليل على هاتين المرتبتين قول الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحج: 70]، وما بمعنى الذي، اسم موصول، فتشمل العموم، وهي من ألفاظ العموم، كما عرف في موضعه في اللغة وفي الأصول، ﴿ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، الشيخ استدل بآية الملك، قال: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]؛ أي: الذي خلق، فكل شيء وقع في قدر الله علمه الله جل وعلا، سبق به علمه، وسبق به كتابته، هاتان المرتبتان نفاهما غلاة القدرية، غلاة المعتزلة، فكفروا بذلك؛ ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: "ناظروا القدرية بالعلم"، القدرية: نفاة القدر، الذين قالوا: إن الله ما قدر المقادير، غلاتهم قالوا: إن الله ما علم المقادير! ولا كتبها! فضلًا عن أن يقدرها! قال رحمه الله: "ناظروا القدرية بالعلم"؛ أي: بعلم الله، هل علم الأشياء قبل وقوعها أو ما علم؟ "فإن أقروا به"، أقروا بالعلم، "خُصِموا"؛ لأن الله علم ما يكون في خلقه من المقادير، "وإن جحدوه"، أنكروا العلم، "كفروا"؛ لأنهم وصفوا الله بضد العلم، وهو: الجهل! "ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروا به خُصِموا، وإن أنكروه كفروا"،المرتبة الثالثة من مراتب القدر: مرتبة الخَلْق، فكل شيء مقدر فالله خالق له؛ لأن الله خالق الإنسان وصنعته، وجاء في صحيح مسلم: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خالق كل صانع وصنعته))، كل شيء مقدر أن يكون فإن الله خالق له، ودليله من القرآن عموم قول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الرعد: 16]، في غير ما آية، في الأنعام: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102]، المرتبة الرابعة: مرتبة المشيئة، فكل شيء يجري في خلق الله وقدره، فإن الله شاءه وأراده، ودليل ذلك من القرآن: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الإنسان: 30]، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 28، 29]، فكل ما يجري في الكون فقد شاءه الله، وإلا فهل يعقل لهذا الملك العظيم الجليل القدير أن يقع في ملكه شيء ما شاءه ولا أراده؟! هذا عجز له! تعالى الله عن ذلك علوًّا عظيمًا، وهاتان المرتبتان أنكرهما عامة المعتزلة، وأقروا بالعلم والكتابة، إذًا القدرية المعتزلة إحدى الطائفتين المنحرفتين في هذا الباب غلاتهم أنكروا الأربعة جميعًا، أنكروا علم الله، وكتابته، وخلقه، ومشيئته، فكفروا بذلك، كما قال الشافعي رحمه الله، وعامتهم أقروا بالعلم والكتابة، وأنكروا الخلق والمشيئة، وهذا رد لِمَا جاء في الشريعة، ورد للأدلة الكثيرة الدالة على أن الله خالق كل شيء، وأن الله له المشيئة العامة، المشيئة الكاملة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم: ((القدرية مجوس هذه الأمة، إذا مرضوا فلا تعودوهم، وإذا ماتوا فلا تشيعوهم))، لماذا وصف القدرية بأنهم مجوس هذه الأمة وهم نفاة الخلق والمشيئة؟! لأن المجوس، عبَّادَ النار، أثبتوا للكون خالقَيْنِ، النور يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر، وهؤلاء القدرية أثبتوا خالِقِينَ كثيرين مع الله، قالوا: كل إنسان يخلق فعل نفسه، فجعلوا الإنسان خالقًا لفعل نفسه، وليس لله جل وعلا إرادة ولا خلق لفعله، فأثبتوا خالقين مع الله! فمن هذا الاعتبار، ومن هذه الحيثية شبهوا بالمجوس، فقال: (القدرية مجوس هذه الأمة)، إذًا هذه أربع مراتب من مراتب القدر، وينضاف إلى ذلك: وأن العباد مخيرون في أفعالهم، غير مجبرين عليها، وهذا أمر لا بد أن نفهمه؛ لتنحل كثير من الإشكالات، العباد مخيرون في أفعالهم، غير مجبرين عليها، أفعال العباد في الحقيقة على نوعين، أفعال اضطرارية، مثل دقات القلب، هل يتحكم أحدكم فيها؟ رمش العين، جريان الدم في العروق، هل تتحكم فيه؟ المرتعش إذا أصيب بمرض الرعاش، هل يتحكم في نفسه؟ فإذا هذه الحركات الاضطرارية لم يترتب عليها في ديننا ثواب ولا عقاب؛ لأن الإنسان لا اختيار له فيها.

النوع الثاني: الأفعال الاختيارية، يفعلها الإنسان بمحض اختياره، ومحض إرادته، كشُربه وأكله، كمشيه وقعوده وقيامه، هذا يترتب عليه الثواب والعقاب، صلاتك تفعلها مضطرًّا أم مختارًا؟ مختارًا: فتثاب، فإن لم تفعلها مختارًا: تعاقب، ومعرض للعقوبة، السرقة، إذا سرق أو زنى أو شرب الخمر، يفعل هذا الفعل مضطرًّا أم مختارًا؟ مختارًا، ولا يفعلها وهو مضطر؛ ولهذا ترتب على هذا الفعل الاختياري الثواب والعقاب، وهنا سؤال يرد: هل الإنسان مخير أو مسير؟ وما أكثر ما نسمع هذا السؤال! من يجيبنا عليه؟ لا، لا، لا، لا، لا، لا، فهم السؤال نصف الإجابة، وأنتم أتيتم بالسؤال من آخره، لو أنكم فهمتم السؤال ما تعجلتم هذه العجلة،هذا السؤال من حيث هو: بدعي، هذا السؤال محدَث لا معنى له، هذا السؤال الذي يسأل ويطرح سؤال بدعي لا معنى له، إلا الاعتراض على القدر، إذًا هذا أول جواب نجيب به على هذا السؤال: أنه سؤال بدعي لا معنى له، إذن أما وقد سئل، ما الجواب عليه؟ الآن أجيبوا،هل الإنسان مخير أو مسير، ولم؟ المسألة ما هي بـ "شختك بختك"، المسألة لا بد أن يكون مبناها على علم، تفضل، مخير؟ خطأ، خطأ، الجواب على هذا أن نقول: إن العبد بالنظر إلى قضاء الله الذي قضاه عليه فهو مسير، بمعنى أنه لا يخرج بفعله مهما كان عن قضاء الله وقدره، ودليله: ((اعملوا، فكل ميسَّر لما خلق له))، قال: (كل ميسَّر)، ما هو بـ "مسير"! فهو باعتبار قضاء الله وقدره هو مسير، بمعنى أنه لن يخرج عن قدر الله مهما فعل، وباعتبار فعله وإرادته واختياره، هو مخير؛ لأنه أُبِين له طريق الخير، وحبب إليه ورغب إليه، ليسلكه، وأبين له طريق الشر وحذر منه ليحذره، فترك له الاختيار، فبهذا الاعتبار هو ماذا؟ هو مخير، إذًا بالاعتبار الكوني مسير، بالاعتبار الشرعي هو مخير؛ ولهذا قسم الله إرادة الناس في القرآن على نوعين: إرادة عامة، كونية، شاملة، قدرية، وهذه لا بد أن تقع وتنفذ، فإذا جاءت كلمة الإرادة في القرآن، إرادة الله بمعنى: يقدر، فهي الإرادة الكونية، ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، هذه إرادة شرعية، ليست كونية، الشرعية تسمى إرادة دينية، تسمى إرادة خاصة، تسمى إرادة أمرية، يترتب عليها الأمر والنهي، هذه الإرادة بمعنى يحب، ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، احذف كلمة يريد، وضع بدلها يقدر، أو يحب، أيهما المناسب لها؟ يحب، فهي إرادة دينية؛ لأن الإرادة الدينية تأتي منفية، ولأن الإرادة الكونية لا تأتي منفية، دائمًا مثبتة، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: 107]، لِما يحب أو لِما يقدر؟ لما يقدر، فالله يفعل ما يقدر بما يحب وما لا يحب، يفعله سبحانه، ظهر لكم الفرق بين الإرادتين؟ والكلام في الفروق بينها كثير، ولكن نحن في عجالة الآن، ألخص هذا: الإرادة الدينية تأتي في القرآن بمعنى يحب، والإرادة الكونية تأتي بمعنى يقدر، الإرادة الدينية خاصة في أوامر الله الشرعية ومحبوباته، والإرادة الكونية خاصة في أفعاله سبحانه، مما يحب ومما لا يحب سبحانه، الإرادة الدينية تأتي منفية وتأتي مثبتة، الإرادة الكونية لا تأتي إلا مثبتة، الإرادة الدينية قد تتحقق وقد لا تتحقق، يريد الله الإيمان من الكافر، وقد يؤمن، وقد لا يؤمن، يريد الطاعة من العبد، وقد يطيع وقد يعصي، وأما الإرادة الكونية فلا بد أن تتحقق، أراد الله عز وجل أن الشمس تطلع من المشرق، وتغرب في المغرب، لا بد أن يتحقق ذلك، حتى يأتي أمره سبحانه فتخرج من حيث غربت، هذا ملخص ما يتعلق بمسائل القضاء والقدر على سبيل الإجمال.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 237.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 231.28 كيلو بايت... تم توفير 6.11 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]