الشجاعة الأدبية في عفَّة النفس - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السيول والأمطار دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مضى رمضان.. فلا تبطلوا أعمالكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فضل علم الحديث ورجاله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الترهيب من قطيعة الرحم من السنة النبوية المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          لمحات في عقيدة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          عقيدة الشيعة فيك لم تتغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          شرح حديث: تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أدومه وإن قل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-10-2019, 05:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي الشجاعة الأدبية في عفَّة النفس

الشجاعة الأدبية في عفَّة النفس
هاني الشتلة




الشَّجاعةُ الأدبية في عفَّة النفس من روائعِ البيان في سورة يوسف إحدى سورِ القرآن، التي يتجلَّى فيها روعةُ البيان والتوجيه التصويري والتحليلي الدَّقيق؛ إذ إنها نموذجٌ من نماذج ذلك القَصَصِ القرآني الهادئ الهادِف، الذي يضع لوحاتٍ حية للشرف، موحيةً بالطُّهر، نابضةً بالعفَّة، فيها العاطفة المتأججة تطول ألسنتها، ويندلعُ فحيحُها في وجه العقلِ الصامد، وتندلع الألسنةُ ويشتدُّ أوارها، وتتطاول لذعاتها، ويطمئنُّ العقل من جهته، ولا يحني هامةً أمامها، نرى امرأةَ العزيز تعدُّ العُدَّة وتستخدم أسلحتها وأساليبها، تتفنَّنُ وتتحايل، ويوسف يمتلكُ الشجاعة الأدبية؛ فيستعصم بعد أن رأى برهانَ ربِّه أيًّا كان هذا البرهان، ففي هذه اللحظة الحاسمةِ التي يكون فيها الإنسانُ على شفا الهاوية، وفي هذه المعركةِ الحامية التي تآزرتْ عليه فيها كلُّ قوى الشَّرِّ، وفي هذه الصورةِ الطَّاغية التي يندفع فيها المرءُ بلا وعيٍ ولا شعور، يحضر الإيمانُ، وتتملك الشجاعةُ الأدبيةُ في عفَّة النفس فتملأ الوجدان فيخشى الرحمن.
إنَّ مَن يخشى اللهَ ويتَّقيه يجعل له مخرجًا، ويرزقه من حيثُ لا يحتسب، ومَنْ يؤثر خُلُقَ الشجاعة الأدبية في عفَّة النفس ابتغاءَ مرضاة الله على مباهج الدنيا ومغرياتها وعلى شهواتِ نفسه وأهوائها، بالرغم مما قد يصيبُه نتيجة للاستمساك بهذا الخلقِ من عنتٍ ومشقةٍ بجميع أشكالهما - قد يرزقه اللهُ من جنس الخُلق ذاته، لا ما يفرج كربتَه فحسب، بل يُعلي كذلك في العالمين درجتَه، ويُعظم في القلوب مكانتَه؛ قال - تعالى -: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف: 23 - 24][1].
إنَّ التَّجرِبةَ التي مرَّ بها يوسفُ أو المحنة، هي المحنةُ الثانية في حياتِه، وهي أشدُّ وأعمقُ من المحنة الأولى، تجيئه وقد أُوتي سُدَّة الحكم، وأوتي العلم رحمةً من الله، ليواجهَها وينجوَ منها جزاء إحسانه الذي سجَّله الله له في قرآنه، فلم تكن فقط في مواجهة المراودةِ في هذا المشهد الذي يصوِّره السِّياق، إنَّما كانت في حياةِ يوسفَ فترة مراهقتِه كلِّها في جوِّ هذا القصر، مع هذه المرأةِ ومع جو القصور وجو البيئةِ الذي يصوِّره قولُ الزوج أمام الحالة التي وجد فيها امرأتَه مع يوسف: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ)[يوسف: 29]، وكفى، والتي يتحدث فيها النسوة عن امرأةِ العزيز فيكون جوابُها عليهنَّ مأدبةً يخرج عليهنَّ يوسفُ فيها، فيفتتنَّ به ويصرحن، فتصرِّح المرأةُ: (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)[يوسف: 32]، فهذه البيئةُ التي تسمحُ بهذا بيئةٌ خاصَّةٌ، ويوسف كان فيها مولًى وتربَّى فيها في سنِّ الفتنة، فهذه هي المحنةُ الطويلة التي مرَّ بها يوسف وصمد لها، ونجا منها، ومن تأثيراتِها ومغرياتها وميوعتِها ووسائلها الخبيثة، وكانت مفاجأة بلا تمهيدٍ من إغراءٍ طويل، وبالتالي لم يكن يسيرًا أنْ يصمد لها يوسف، وبخاصة أنه هو المطلوب لا الطالب، وتهالُكُ المرأةِ قد يصدُّ من نفس الرجل، وهي كانت متهالكة: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ)[يوسف: 23]، إذًا فقد كانت المراودةُ في هذه المرة مكشوفةً، وكانت الدَّعوةُ فيها سافرةً، وقد وصلت المرأةُ إلى اللحظة الحاسمة التي تهتاجُ فيها دفعة الجسد الغليظة، ونداء الجسد الأخير، وقالت: (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)[يوسف: 23]، هذه الدعوةُ السافرة الجاهرة الغليظة لا تكون أول دعوةٍ من المرأة، إنما تكون هي الدعوة الأخيرة، وقد لا تكون أبدًا إذا لم تضطر إليها المرأةُ اضطرارًا، والفتى يعيشُ معها وقوته وفتوته تتكامَلُ، وأنوثتها هي كذلك تكمُلُ وتنضجُ، فكانت تطاردُه في كلِّ مكانٍ بمعسول الكلام، فقد ورد أنَّ امرأةَ العزيز قالت له: يا يوسف، ما أحسن صورةَ وجهِك! قال: في الرَّحمِ صوَّرني ربِّي، قالت: يا يوسف، ما أحسنَ شعرك! قال: هو أولُ شيء يبلى منِّي في قبري، قالت: يا يوسف، ما أحسن عينَيْك! قال: بهما أنظرُ إلى ربِّي، قالت: يا يوسف، ارفع بصرَك فانظر في وجهي، قال: إني أخاف العمى في آخرتي، قالت: يا يوسف، أدنو منكَ وتتباعد عنِّي؟ قال: أريد بذلك القربَ من ربِّي، قالت: يا يوسف، القيطون - أي: المخدع - فادخل معي، قال: القيطون لا يسترني من ربِّي، قالت: يا يوسف، فراش الحرير قد فرشتُه لك، قُمْ فاقضِ حاجتي، قال: إذًا يذهبُ من الجنة نصيبي، كلُّ هذا ويوسفُ يتحلَّى بخلق الشجاعة الأدبية في عفَّة النَّفس ويجاهرُها بقوله: (مَعَاذَ اللَّهِ)[يوسف: 23]؛ أي: أعيذُ نفسي بالله أنْ أفعلَ، (...إِنَّهُ رَبِّي)؛ أي: الملك، (... أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[يوسف: 23]، فلم يقعْ فيما دعتْه إليه امرأةُ عزيزِ مصر على جلال منصبِها، وتمكنها من إيقاعِ أشدِّ الأضرار به لو أرادت، وحين جاهرَها وجميع النِّسوة اللائي حشدتْهُنَّ له من ذوات الثروة والجاه، ولا أحسبهن إلا كنَّ كذلك من أولاتِ الفتنة والجمال حين جاهرهنَّ بخلُقِ الشَّجاعة الأدبية، الذي يزدري معه جميع ما واجَهْنه به من الفتنةِ والإغراء تارة، ومن التهديدِ والوعيد تارةً أُخرى، حين جاهرهنَّ بهذا الخلق ابتغاءَ مرضاةِ الله، وعانى من جرَّائه ألَمَ السِّجن الظَّالم والحرمان القاسي الطَّويل من نعمةِ الحرية، نقول: لَمَّا تخلَّق يوسفُ - عليه السلام - بهذه الأخلاق الرَّضية عقيدةً وسلوكًا، نجَّاه الله من محنته، بل أظهرَ فوقَ ذلك براءتَه، بطريقةٍ رسختْ في أعماق القلوب إلى آخر الدَّهر، إعظامًا لدرجته، وبينت لكلِّ ذي عينين سموَّ همَّتِه، وعظم شرفه وعفته، دع عنك ما أولاه اللهُ من الرِّياسة والسلطانِ في شعبه وأمته، وقد بينتْ قصتُه أنَّ الحق مهما حَجَبتْ ضياءَه سحائبُ الباطل، وإلى أيِّ مدًى كثف الحجابُ وطال أمدُه، فلا بد يومًا أن تتبدَّدَ تلك السحائبُ ويسطع ضياءُ الحقِّ سطوعًا يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار.
ومن السياق القرآني الكريم يتضح ما يلي:
• كيدُ النِّساء أشدُّ على الإنسان من كيدِ الشَّيطان، إلا من تمسَّكَ بالله واستعان به، وذلك يتضحُ من مراودةِ المرأة ليوسف، فلمَّا كشفها زوجُها، قالت: (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[يوسف: 25]، ولما رفضَ إغراءَها وإغراء نسوةِ المدينة قالت: (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ)[يوسف: 32].
• الاختلاط بين الفتيان والفتيات أمرٌ من شأنِه أنْ يثيرَ الغرائز، ويحجم الأخلاقَ، ويشجع على الرذيلةِ والفساد، مِصْداقًا لقوله - تعالى -: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ)[يوسف: 23]؛ إذ المراودةُ كانت في البيت نتيجةَ الاختلاط، وهذا أبلغُ ردٍّ على مَن ينادي به!.
• سياق الآية الكريمة يوحي بخطرِ فتنةِ النِّساء، وهذا متمثِّلٌ في الفعل: (رَاوَدَتْهُ... غَلَّقَتِ)، دلالة على الإصرار والتأكيد على ارتكابِ المعصية، والقول: (هَيْتَ لَكَ) تأكيدٌ عليه، فما تُرِكَت على الرجال فتنةٌ أشد عليها من النِّساء، وهذا واضح ولا يحتاج إلى تأكيد.
• إشارةٌ ضمنية غيرُ صريحة في سياق الآية الكريمة بأنَّه لا يخلونَّ رجلٌ وامرأة إلا وكان الشَّيطان ثالثهما، حتى ولو كان يعلِّمها الآيةَ من القرآن.
• البُعْدُ عن أسبابِ الفتن والهرب منها عندَ وقوعِها، والالتجاءُ إلى الله مخافةَ الوقوع في فتنِ الذُّنوب والمعاصي، والصبر والاجتهاد في البُعد عنها يقي النُّفوسَ شرَّ السُّوء، كما فعل يوسف - عليه السلام - حين دعا ربَّه قائلاً: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33].
• وجوبُ مراعاةِ كلِّ مفضولٍ لكلِّ صاحب فضل، وأنه ينبغي نسبةُ الفضلِ إلى أهلِ الفضل، وذاك في قوله - تعالى - على لسان يوسف: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)[يوسف: 23] إشارة إلى مراعاتِه لفضل العزيز الذي تولَّى تربيته وتنشئته ورعايته، في إشارةٍ صريحة إلى ما أوصى به العزيزُ امرأتَه عندما اشترى يوسفَ عبدًا، فقال - تعالى - على لسانه: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)[يوسف: 21] وهذا من دعائمِ الإيمان.
• ارتكابُ معصيةِ الزِّنا عاقبتُها الظلم والندم في الدُّنيا والدين، في الأولى والآخرة، مصداقًا لقوله - تعالى -: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[الأنعام: 21].
• خلف السُّجون والمعتقلات أبرياء دونَ ذنبٍ اقترفوه أو جريرة ارتكبوها، وقد أكدتْها الآية الكريمةُ على لسان امرأة العزيز في قولها: (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)[يوسف: 32]، وقوله - تعالى -: (... فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ)[يوسف: 42].
• براءةُ نبي الله يوسف - عليه السلام - ونقاوةُ شرفِه على أكمل ظهور من تأويل المفسرين لقولِه: هَمَّ بها، بأنه هَمَّ بالفعل، فلو كان ذلك كذلك ما قال الله - تعالى - على لسانه - عليه السلام -: (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[يوسف: 23].
• إيثارُ لذَّة الشجاعة الأدبية في عفَّة النَّفس وعزتها وحلاوتها على لذَّة المعصية، والإخلاص للهِ - تعالى - أكبرُ الأسباب لحصولِ كلِّ خير ونفعٍ، واندفاع كلِّ شرٍّ ومضرَّة، فَمَن أخلصَ لله أخلصه اللهُ وخلَّصه من الشُّرور، وعصمَه من السُّوء والفحشاء، قال - تعالى -: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف: 24].
• أنه يحسن تعميم نفي التُّهَمةِ وتأكيده عندَ الثقةِ بذلك، أو عند عدم العلمِ بخلافه، وذلك كما عمم النِّسوةُ وأكدْنَ حين سُقْن السُّوء في الآيات الكريمة في نفس السورة نكرةً في سياق النفي، ليعُمَّ نفيُ كلِّ سوء جررْنه بمن الزائدة، لتأكيدِ نفي السوء عن يوسف - عليه السلام - وذلك قوله - تعالى -: (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ)[يوسف: 51].
• أنَّ الحقَّ مهما طال احتجابُه فلا بد يومًا أن ينكشفَ عنه الغطاءُ، ولا بد أن يستجيب القدرُ، فدولةُ الظلم ساعةٌ ودولةُ الحقِّ إلى أن تقومَ الساعةُ.
• ماذا كان جزاءُ يوسف - عليه السلام - لما تمسك بخلق الشجاعة الأدبية في عفَّة النفس، فحفظَ حدودَ الله واتقى محارمَه؟ كان الجزاءُ إظهارَ براءتِه على الملأ بين نساءِ ورجالاتِ قصر الحكم في مصر، قال - تعالى -: (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ)[يوسف: 51].
وكذا اعتراف امرأة العزيز بصدقِه، قال -تعالى- على لسانها: (قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)[يوسف: 51]، وكذلك بلوغه من خُلُقِ الشجاعة الأدبية في عفَّة النفس منزلةً من أرفع المنازل، فاستخلَصَه الملكُ لنفسِه وقرَّبه إليه، قال - تعالى -: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)[يوسف: 54]، بل وجعله وزيرًا على خزائن الأرض ودخل تحت مظلةِ الله في الدنيا، قال - تعالى -: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 56]، وشموله برحمةِ الله في الآخرة، قال - تعالى -: (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[يوسف: 57].
• أنه على من يتهم غيرَه ظلمًا بجريمةٍ لم يرتكبْها أنْ يكفِّر عن ذلك بامتلاكه الشجاعة الأدبية في الاعترافِ بجريمتِه وتبرئةِ ساحته من ظلمه، كما فعلت امرأةُ العزيز، قال - تعالى - على لسانها: (أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)[يوسف: 51]، وكما فعل نسوةُ المدينة، فاعترفن ببراءة يوسف - عليه السلام -؛ قال - تعالى - على لسانهنَّ: (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) [يوسف: 51].
• ما جزاء التحلِّي بهذا اللون من الشَّجاعة الأدبية في عفَّة النفس لعامة المسلمين؟ جزاؤه الوقوع تحتَ ظلِّ الله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، مصداقًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((سبعةٌ يظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه مُعلَّق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخافُ الله، ورجل تصدَّقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما تنفق يمينُه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه))[2].
______________
[1] سورة يوسف، مكية، ترتيب نزولها 53، عدد آياتها 111، عدد كلماتها 1795، عدد حروفها 7125.
[2] رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -، المحدث الحافظ محيي الدين بن شرف النووي، المصدر "رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين"، رقم 657، متفق عليه
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.20 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]