خميائي الصحراء (قصة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216196 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7838 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859770 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394095 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-08-2022, 04:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي خميائي الصحراء (قصة)

خميائي الصحراء (قصة)
زهير اتباتو






وسط الصحراء أجري ورياحُ الجنوب تهبُّ بنفحاتها الحارة، كأنها سياطٌ من حُمَم بركانية، تلسع جِلْدي بكل قوة وشدة، وبين خطوةٍ وأخرى أحسبُ عمري الذي آن أوانُ انتهائه، مرارة في الفمِ من فَرْط العطش، وريق أبحث عن أثره بلساني؛ كبحث عجوز عن إكسير الحياة ليعيد شبابه دون جَدْوى، أما العرق، فعلى جبيني يسيل كأنه غديرٌ من الماء العَذْب، يسيل على جِلْدي، ويرهق جسدي، وينشف قطرات الماء مِن أوردتي، إنها أشد معاناةٍ شهِدتها منذ أن وُلِدت على وجه المعمورة.



وبين ذا وذاك راح عقلي يتخيَّل بين كثبانِ الرمالِ جنانًا وأعراسًا ومنابعَ ماءٍ وغُدْرانًا، كم جَرَيتُ نحو تلك ونحو أخرى، لكن دون فائدة، ففي كل محاولةٍ أعانق فيها فقط حبَّات الرمال.



خارت قُواي، وما زال الأمل ممتدًّا، أتضرَّع إلى الله طالبًا النجاة، وآمنت آنذاك أشدَّ الإيمان بكلِّ ما في التضرع للخالق العزيز الحكيم من معنى وحكمة تجارب نكتشف من خلالها سببَ خلقنا.



وسط هذا الكم الهائل من الرمال خُيِّل إليَّ تارة أنني صوب الجنة أمشي، وتارة أخرى صوب النار، وبين كل هذا الصراع كان يُداعبني التعب، ويسخر مني كأنه يقول: ما بالك أيها الإنسان، تحسب نفسك أقوى الأقوياء، وأنت أمام اختبار الحياة البسيط هذا عجَزْتَ؟!



تمتَمْتُ بتمائمَ وأدعية، فيها كل رجائي إلى الله، لعلَّ وعسى أن أجدَ بين هذا العذاب الأليم مخرجًا، لكن كيف؟

فالصحراء أمامي بساطٌ لا ينتهي، وكثبان الرمال المتعانقة كأنها جبال من البلور، كلما حاولت تسلق الواحدة منها لأتجاوزَها إلا وأحسستُ برجلي تنزلق؛ إذ في كل خطوة أخطوها تمثل أمامي آلاف السنين من المشي وسط الكون، إنها لَمعاناةٌ لم أشهد لها مثيلًا، كل قسم من أقسام جسدي يطلبُ النجدة، أما روحي، فما بقي لها إلا أن تطلب استقالةً من هذا الجسد الكئيب، الذي ما يزيدها إلا حرمانًا وألَمًا لا متناهيين، وجع داخلي فظيع، وآخر خارجي أفظع.



بقيتُ أقاوم وأقاوم، حتى أتت الشمس على الغروب، وكل حاسة قد خارت قواها، فلم أَعُدْ أُدرِك معنى وجودي؛ فآذاني أَمْسَتْ تسمع كلامَ الشياطين، وغِناءَ الجنادب، وألحان العفاريت، وصراخَ المَرَدة.

أما عيناي، فشعاع من الظلام انبثق من حيث لا أدري، أعمى بصري، وفتح بصيرتي للتشبث أكثرَ بالرجاء والأمل.

أما ثغري، فقد جفَّت منابعه، وقلَّ ماؤه، وانتهى مجرى ريقه، وبقيتُ بين كل هذه التقلبات أشتهي تارةً، وأرتعد تارة، وأجزع تارة أخرى حين تذكرت أن النهاية قد اقتربت.



أصابتني رعشةٌ وسط ذاك الليل الدامس، وانتقلتْ روحي من مقام الواقع إلى اللا معقول، انتقلتُ بروحي إلى عالَم البرزخ دون إرادة ولا مشيئة.



رأيت رجلًا ببياض ناصع، ما جعلني غير قادر على أن ألمح جيدًا ملامحه ولا هيئته، بل بفرط الدهشة زادني الأمر حيرةً، فسمعته يقول في وقار: يا ولدي، إن الحياة تجارب، وحياتك بالمثل، وما تمر به إلى تجربة للوجود، فلا تفقد الأملَ ولا تملَّ، فالرجاء إلى الله لا يخيب.



وما أن انتهى مِن سردِ كلماته حتى أتاني صوتٌ أنثوي عفيف، فيه من مشارب الحب مشارب، نطق - وإن لم أرَ من الجسد إلا الهندام - فقال: يا بُني، لا تتأسف لحالك، واحمد الخالق، فأنت عند الحبيب محبوب، وعنده مختبر، فكن بقدر الاختبار ولا تملَّ.



ما زالتِ الومضات لم تنتهِ حتى انصرف الكل، وبقي شيخ كبير، لحيتُه فيها بين البياض والسواد مزيج جميل، وأنفه كالهلال في تقوسه من الجمال شيء يَعجِز الإنسانُ عن وصفه، وقال مِن فمٍ كالخاتم في دورانه: أعلمُ أنَّك تتساءل: مَن نحن؟ وماذا نريد؟ وما عسى كلامنا هذا يكون؟



لكنني سأقول لك يا ولدي: إن الموت وإن أتى، فللحبيب لقاء بعده، فلا تسأل: متى، أو كيف، أو أين سأموت؟ ما دام أنك ستموت في نهاية الأمر، فلمَ السؤال يا بني؟

كابِرْ في الدنيا، وكافح، وكرامات الله عليك عدة، فلا تمل، لا تمل.

على آخر نغمة من نغمات صوتِه العجيب، فتحت عيني، وإذا بالشمس تشرق بعد ساعة غسق طويل، لم أُدرِك طوله إلا بعد العودة من ذاك العالَم العالي، وما أن فتحت عيني، والتعب ينازع أحشائي وأضلعي، وكلي بأجمعي، حتى اكتشفت أنني نائم في جحر مملوء بأفاعي الصحاري القاتلة، لكن أيًّا منها لم يمسَّني، كأن ملاكًا حارسًا قد منعها عني، بل أنا نفسي حين رأيتها لم أفزعْ، كأن قوة داخلية كبيرة بُثَّت في جوارحي، فأصبحتِ الأفاعي - ككل عناصر الكون - مجرَّدَ مكون يكمل المكون الآخر، والعجب كل العجب حين وعيتُ بمكاني، اكتشفت أنني بت الليل في كهف كالجحر على سفح يطل مباشرة صوب أجمل الغُدْران وأروع الأمكنة، فيها من كل فاكهة طيبة صنف ينسيك الصنف الذي ذقت منه قبله، أما الماء، ففي صفائه انعكاس لوجهي الذي نسيتُ معالِمَه القديمة، واكتشفت ملمحه من جديد، كنت من فرط الدهشة غيرَ واعٍ ولا مُصدِّق، فبين الحقيقة والسراب كانت لي بينهما شعرة شك، وما أن ذقتُ الماء وأشبعتُ الجوع حتى علمتُ أن الرجاء لله عز وجل نتيجته مِنَحٌ، يعطيك منها ما يشاء من حيث لا تدري ولا تعلم.




أنا المعذَّب قبل اللقاء، والسعيد بعد اللقاء، لا أدري ما حدث تلك الليلة، لكنني أعلم أن اللقاء كرامة، وجهاد الذات إليها مسلك، وبالتنسُّك سأجد معبري، وإلى محبة الله سأبني قنطرتي، قد يعتقد البعض أن كلامي خرافة لا تصدَّق، ولا يستوعب ما قيل من معانيها، لكنني أقول: تعالَ يا بني، واستكن إلى جنبي، وتعلم ممَّا تعلَّمته، وانبذِ الحياة التي تدعو لكل أشكال المتع واللعب واللهو، وستجد بعد التجرِبة أن كلامي حقيقة، وأن الوهم هو ما يعتقده غالب الناس حقيقة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 50.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.68 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (3.41%)]