آيات العذاب.. لمن؟

[ابوالوليد المسلم]

آيات العذاب.. لمن؟



من آفات تقدم وسائل الاتصال أن الأفكار والخواطر والآراء تنتشر أسرع من انتشار النار في الهشيم.. بمجرد أن يذيل المرسل: رجاء انشر.. أتغاضى عن كثير مما يصلني من الأهل والأقارب.. إلا أن يكون حديثاً ضعيفاً أو فهماً خاطئاً في العقيدة أو قضية مخالفة لجمهور العلماء.
بعثت لي ابنتي - وكنت قد نبهتها ألا ترسل كل ما يصل إليها - رسالة قصيرة أننا يوم القيامة نقول: «يا ليتني قدمت لحياتي»؛ فيجب علينا العمل لذلك اليوم!!
هاتفتها.. وربما أثقلت عليها.. بعثت.. بعد أن أنهيت المكالمة: أنا آسفة.. ولكن لماذا هاجمتني بشراسة؟
لم أجبها.. مساء ذات اليوم.. بعد صلاة المغرب زارنا إمام مسجد آخر ألقى خاطرة عن يوم القيامة.. بأنه يوم تخفيه الموازين.. وتسعر جهنم بوقودها من الناس والحجارة، وتبدل الجلود بعد الجلود لشدة العذاب.. وهكذا.
بعد الخاطرة .. شكرت زائرنا.. وطلبت إليه الجلوس لدقائق.
- جزاك الله خيراً على هذه الخاطرة ولكن هذه الآيات التي ذكر أنها جاءت في كتاب الله هي لبيان مصير الكافرين.. مثلاً قول الله عز وجل: {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك هم وقود النار} ـ(آل عمران: 10) وقوله عز وجل: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً} (النساء: 56) وقوله عز وجل: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين} (الأعراف:40) وكذلك قوله سبحانه: {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء..} (إبراهيم:49-50).. وعندما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأينا لم يظلم نفسه..؟» وذلك عند نزول قول الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام:82).. قال صلى الله عليه وسلم : «ليس كما تقولون، {لم يلبسوا إيمانهم بظلم} بشرك.. أو لم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم»؟ رواه البخاري.
كان صاحبي منصتاً.. لا ينظر إلي:
- صحيح ما تقول وإنما أردت أن أعظ الناس وأخوفهم من عذاب الله.
- لا شك أنك أردت الخير لنا.. ولكن ملاحظتي أننا عندما نستدل بآيات الله عز وجل.. يجب أن نضعها حيث أراد الله سبحانه وتعالى.. ويمكن أن نذكر آيات كثيرة نحث الناس فيها على الخوف من الله.. ومما يحفظ عامة الناس قوله سبحانه: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه} (البينة:7-8).
نعم مطلوب من الواعظ أن يرفع همة الموعوظين ولكن بما يناسب من آيات نزلت وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة.. وألا نخوف المسلمين بآيات نزلت في الكافرين كقوله عز وجل: {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانية..} هذا الكافر، وذلك لقول الله عز وجل بعد ذلك: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم} (الحاقة:25-33) وكذلك لا ينبغي أن نقول لمن أهمل في صلاته: إن سقر مآله لقوله عز وجل: {ما سلككم في سقر.. قالوا لم نك من المصلين.. ولم نك نطعم المسكين}، بل مآلهم هذا بسبب قولهم: {وكنا نكذب بيوم الدين} (المدثر:42-46).. ولكن نذكره بقول الله تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} (الماعون:4-5) فالمسلم لا نخوفه بآيات نزلت في بيان عذاب الكافرين.


اعداد: د. أمير الحداد