المقارنة بين الحسنين وعمرو بن العاص رضي الله عنهم (نقد وتعقيب) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7826 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 51 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859496 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393865 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215990 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-03-2024, 12:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي المقارنة بين الحسنين وعمرو بن العاص رضي الله عنهم (نقد وتعقيب)

المقارنة بين الحسنين وعمرو بن العاص رضي الله عنهم (نقد وتعقيب)
بلال فيصل البحر



كتب الأستاذ زهير سالم مدير المركز العربي في لندن كلمة جاء فيها:

(عمرو بن العاص أو العاصي فلذة من فلذات قريش أقام الله بهم أمر هذا الدين!! قال عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاء مسلما مع سيدنا خالد- لقد رمتكم قريش بفلذات أكبادها- الرواية من السيرة. رضي الله عنه وعن ولده عبد الله صاحب الصادقة. كانوا من بيت شرف وسيادة وعقل.. كل الروايات التاريخية التي تذمهم في التاريخ، ومنها أن عمر رضي الله عنه ضربه في حادثة القبطي.. من وضع الشيعة.
وأنا أقول لم يؤت أئمة الحديث الشريف من أصحاب السنن والصحاح والمسانيد إلا من قبل الشيعة، وسهل عليهم قبولَ الكذب حبُّهم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولآله.. فاعتبر الأئمة بعض الرافضة من الثقات، وكانت تلك طامة من الطامات.. حتى أخرجوا الأزواج من مدلول الآل، وأخرجوا العباس وبنيه رضي الله عنهم من مدلول العترة. وقصروه على الأربعة.
دعني أسأل سؤال المتعلم المستفيد: كم هو مسند سيدنا الحسن، رضي الله عنه، وكذا سيدنا الحسين، لنفهم مدلول حديث "وعترتي أهل بيتي" ما هو الفقه الذي تركه الحسن والحسين حتى نتبعه، وهل كان المأمور به إن صح، هو اتباعهم، أو موادتهم، المودة في القربى.. دعوني استرسل معكم قليلا
توفي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعمار التقريبية لسيدنا ابن عباس عشر سنوات، ولسيدنا الحسن، ثماني أوسبع سنوات، وسيدنا الحسين دون ذلك بعام، رضي الله عنهم.. وهذا ابن عباس رضي الله عنه طبّق الأرض علما بمسند أكثر من ستة آلاف حديث، وفقه وفتاوى وتفسير ورواية وصناعة سياسة..
لم يمر معي عن سيدنا الحسن رضي الله عنه غير رواية مريبة تخالف ما عليه جمهور الفقهاء، قرأتها في روح المعاني، تفسير الإمام الألوسي منذ خمسين عاما ولا يعجبني لا أن أرويها.. ولا أن أفتي بها، ولا أن أعلم الناس بها.. أحب أن نعلم الناس مثل هذا فإن فتنة الرافضة قد تمادت وكثير من علمائنا يقومون بدور المدحلة بتمهيد الطرق للشيعة، ليأتوا بدورهم فيسفلتوها.. جزاكم الله خيرا، أفرح بالجواب العلمي وأتعلم).
وأقول
الحمد لله..
هذا الكلام الذي أطلقه الأستاذ زهير فيه إيهام؛ وعامة من يتكلَّم اليوم بمثل هذه الاستفسارات والإيرادات إما أنه لم يستوعب النظر في وقائع التاريخ، وإما أنه يبني أفكاره على ردود الأفعال لجرائم المليشيات الشيعية، فتذهب به العواطف كل مذهب، ويقع آل البيت ضحية لردود أفعاله تجاه الروافض، تماما كما كان الشيعة وبعضُ من قام في مواجهة استبداد صدام، يُحمِّلون ما يلاقونه من قهرٍ وجَوْرٍ من نظام البعث، لبعض الصحابة مثل معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وسمرة بن جندب ونظرائهم، ولبعض ولاة بني أمية وبني العباس، وكلاهما تعصب مذموم لا حظَّ له من النظر.
ولو قيل للأستاذ زهير: ما تقول في نَقْل الشيعة الإمامية مذاهبَ العِترة المطهرة عليهم السلام؛ فإنهم نقلوا مذهب الحسنين ومن بعدهم كالباقر والصادق وغيرهم، ورووا فقههم ومسائل كثيرة عنهم؟
فإن قال: لا أعتبر بها، قيل له: بقطع النظر عن صحة النقل؛ فإنه فقه ونظر وأثر، فيتعين سَبْره على الأصول لاحتمال صحته، ثم إذا كنت لا تصححه فقد صححه ابن القيم؛ فإنه اضطر إلى قول وأثر في مسائل من الطلاق وغيرها، فلم يجد غير نقل الإمامية عن أهل البيت، فاعتمده ووصف من يأباه -كالأستاذ زهير- بأنه مكابر!
قال في (الصواعق): (الوجه التاسع: أن فقهاء الإمامية -من أولهم إلى آخرهم- ينقلون عن أهل البيت أنه لا يقع الطلاق المحلوف به، وهذا متواتر عندهم عن جعفر بن محمد وغيره من أهل البيت، وهب أن مكابراً كذَّبهم كلهم، وقال: قد تواطئوا على الكذب عن أهل البيت؟ ففي القوم فقهاء وأصحاب علم ونظر واجتهاد، وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة، فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلهم بالكذب والجهل، وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم واحتج به المسلمون، ولم يزل الفقهاء ينقلون خلافهم ويبحثون معهم، والقوم وإن أخطأوا في بعض المواضع لم يلزم من ذلك أن يكون جميع ما قالوه خطأ حتى يُردَّ عليهم).
وقال في (البدائع): (قالت الإمامية: إن العتق لا ينفذ إلا إذا قصد به القربة؛ لأنهم جعلوه عبادة، والعبادة لا تصح إلا بالنية. قال ابن عقيل: ولا بأس بهذا القول لا سيما وهم يقولون: الطلاق لا يقع إلا إذا كان مصادقا للسنة مطابقا للأمر، وليس بقربة، فكيف بالعتق الذي هو قربة) فاعتبر قولهم فكيف بنقلهم؟!
واعتبر هو وشيخُهُ قولَ الإمامية في جواز إعطاء فقراء بني هاشم من الزكاة إذا مُنعوا حقَّهم من الخُمس.
وأيضا: قد يقال لك على سبيل المعارضة: أين فقه عمرو بن العاص؟ إن قلت: شغله الجهاد وأمر السياسة وتدبير الملك؟
قيل لك: والحسن تولى الخلافة، وهو خامس الراشدين، وسماه جدُّه المصطفى بالسيد، وبه أصلح الله شأن الأمة والدولة وحماها من الشقاق والاختلاف، وجمعها به على ما سُمي عام الجماعة والائتلاف، ولولاه لم يقدر عمرو بن العاص ولا معاوية رضي الله عنهما على جمع الأمة على كلمة سواء، ولأصبح أمر الناس دويلات كحكم ملوك الطوائف بالأندلس حتى يتهافت عليه الروم وتتداعى عليه الأمم، فيصبح ملك الإسلام كأمس الذاهب.
وهذا الحسين عليه السلام قد قام في وجه الطاغية يزيد وأجمع العلماء على استحسان صنيعه، ولم يخالفوه في الخروج عليه لجوره وظلمه ومنكراته، وإنما نازعوه في استيثاقه بعهود أهل الكوفة من الشيعة؛ لعلمهم بأنهم أهل نقض للعهد وخذلان لمن يتولونه.
فإن قلت: إنه مخطئ في ثورته كما يقوله بعض من لا يدري النظر من غلاة السلفيين! قيل لك: وعمرو بن العاص كمعاوية رضي الله عنهما باغيان بالنص والإجماع، وليس معك في دعواك عن الحسين نص ظاهر أو إجماع، وليس معك سوى رد فعل غاضب تجاه شيعته الذين أمعنوا في خراب العراق والشام واليمن واستباحوا قتل السنة بالظنة في هذه الأيام، ومثل هذا الفعل ورد الفعل تجاهه لا تقوم به الأمور ولا توزن به الأفعال.
على أن أهل البيت أخلق الناس بالإمامة والخلافة، ودونك دولة الأدارسة بالمغرب التي أقاموها على العدل والخير، ودونك دولة الناصر الأطروش الفقيه المجتهد الذي أقام خلافة ببلاد الجيل والديلم وغير ذلك، لكن عصبية الأمويين والعباسيين عاندتهم وثارت في وجوههم والملك عقيم، وهذا عبد الملك بن مروان كان لا يطعم ولا يشرب إلا صحبة صديقه مصعب بن الزبير، فلما قام عليه مع أخيه قاتله، ولما قتله بكى فقالت له امرأته: تقتله وتبكيه؟ فقال: الملك عقيم!
وأما حديث الحسنين وعليٍّ وفقههم فموجود وهو كثير، وإنما تنكَّب أهل السنة كثيراً منه لكثرة الكذب عليهم، ولهذا لما شيَّد الإمام إدريس دولته بالمغرب أمر القضاة أن يعملوا بمذهب مالك، ولم يذكر لهم مذهب أهل البيت؛ لعلمه أن فيه ما اختلط بكذب الرافضة.
وعند مسلم عن ابن أبي مليكة قال: كتبتُ إلى ابن عباس أسأله أن يكتبَ لي كتابا، ويُخفي عني، فقال: (ولد ناصح أنا أختار له الأمور اختياراً، وأُخفي عنه)، قال: فدعا بقضاء علي، فجعل يكتب منه أشياء، ويمرُّ به الشيء، فيقول: (والله ما قضى بهذا عليٌّ إلا أن يكون ضلَّ)!
ومعلوم أن من أفسد علم أهل البيت وحديثهم هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي قام للثأر من قتلة الحسين عليه السلام، فكان يأمر بالكذب في الحديث مقابل المال ليروج لمذهبه ودعوته وحكمه، فمن يومئذ شرع الناس بتطلب الأسانيد، كما قال خيثمة: (لم يكن الناس يسألون عن الإسناد حتى كان زمن المختار فاتهموا الناس) ذكره الخطيب في (الجامع) ونحوه عن إبراهيم النخعي.
ولهذا قال صلة بن زفر: (قاتل الله المختار أي حديث أفسد، وأي شيعة شان) ذكره البخاري في (التاريخ) وهذا لأنه كذب على أهل البيت ودس في حديثهم فأفسده، ولهذا قلَّت رواية الحديث والمسائل عن أهل البيت، ولهذا لعنه زين العابدين عليه السلام.
وهؤلاء الزيدية مع شدة عنايتهم بمذهب أهل البيت ولا سيما الحسن وآله، لا يذكرون في كتب فروعهم شيئا كثيراً من مذاهبهم؛ لعلمهم بأن أكثره إما ضاع وتلف بالعصبية عليهم من الأمويين والعباسيين، وإما اختلط كثير منه بباطل مكذوب عليهم فلم يتميز، وإذا كان حديث الراوي المختلط إذا لم يتميز يُترك، فكيف بالرأي؟ وقد علم أن الأثر أرفع من الرأي وأعظم وأجل مهما بلغت منزلة صاحب الرأي.
ودونك يحيى بن معين وهو ممن يحفظ ألف ألف حديث، أين حديثه في الدواوين؟ ومثله يعقوب ابن شيبة أين حديثه وهو كذلك ممن يحفظ ألف ألف إسناد؟ وقد علم أن حديث يحيى إنما تُرك عصبية عليه؛ لأنه تكلم في الشافعي وأبي حنيفة وأحمد ورأي مالك ديانة لا هوى، وأكثر العلماء والمصنفين أتباع مذاهب هؤلاء، فتُرك حديثه وهُجر!
ويعقوب بن شيبة كان من الواقفية، فلهذا هُجر حديثُهُ؛ لأن أهل الحديث أطبقوا على أن من وقف في القرآن فهو مبتدع، وليس الرجل بمبتدع، بل هو متبع، فإنه لا يُحفظ عن السلف إلا قول: (القرآن كلام الله) ولم يصح عنهم أنهم قالوا: (غير مخلوق) وهذا في الاعتقادات، فكيف إذا انضم إلى عصبية الاعتقاد: عصبية النسب والسعي للحكم والدولة!؟
والعجب من جعل الأستاذ زهير عدم علمه حاكما على علم غيره فيقول: (لم يمر معي عن سيدنا الحسن رضي الله عنه غير رواية مريبة تخالف ما عليه جمهور الفقهاء)! فإن للحسن عليه السلام تفاسير منتقاة مدونة، ولو راجع (الدر المنثور) لمرت به، على أن سبب قلة العلم عنهم وهم معدنه وأصله: اشتغالهم بالسياسة وإصلاح ما أفسده الطغاة، وقد عُلم أن شيئين من اشتغل بهما انصرف عن العلم في الجملة: التجارة والسياسية.
وأهل البيت كانوا يرون ذلك حقا عليهم، وهم أولى بالحق والقيام بأمره، كما يرون أنهم أولى بالحساب على التفريط به؛ لمكانهم من صاحب الشرع، وليسوا هم كأكثر من ينتسب للشرف اليوم: يطلب غُنم الشرف، ويتمحَّل من غُرمه، حتى صار أكثر من ينتسب للشرف من الشيعة اليوم موالين للطغاة يأكلون بجورهم الأموال ويطلبون الدنيا بالباطل، فهم كما قيل:
إذا القرشيُّ لم يُشْبِهْ قريشا ....... بفِعْلِهمُ الذي بَذَّ الفِعَالا
فتَيْسٌ من تيوسِ بني تميمٍ...بذي العَبَلاتِ أحسنُ منهُ حالا
ومن أنبأك أن الكثرة توجب الأعلمية، فهذا أبو هريرة أكثر رواية من علي وابن عباس، بل ومن الشيخين، وليس هو بأعلم ولا بأفقه منهم إجماعا، وحديث: (عترتي أهل بيتي) يغلط فيه طرفان: النواصب حيث يبطلون دلالته ويطعنون في صحته، والروافض حيث يجعلون التمسك بالعترة الثقل الثاني، وأنه قرين الكتاب وبديل عن التمسك بالسنة.
وكلاهما غلط، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوصاية بأهل البيت ورقابة حقهم وقرابتهم، ولهذا لا تصح رواية التمسك بهم في هذا الحديث، والمحفوظ رواية الوصاية بهم، وأراك يا أستاذ زهير في كلمتك هذه لم تراعِ الأمرين مع الأسف.
والحسن عليه السلام على قلة ما روى، فما رواه أصل للعلماء؛ بنوا عليه وفرَّعوا وخرَّجوا، كحديث الصدقة وحديث القنوت وغيرهما، وأين من ارتكب الأخطاء في ولايته بقتل أو ضرب ممن خرج منها لم يُرَ في أيامه ظلم؟!
كما قال أبو بكرة رضي الله عنه: (لما ولي -أي الحسن- لم يُهْرَق في خلافته مَحْجَمة من دم) حتى أخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال: (دخلت أنا وصاحب لي على الحسن بن علي فقال: لقد لفظتُ طائفةً من كبدي، وإني قد سُقيت السُّمَّ مراراً، فلم أُسْقَ مثلَ هذا! فأتاه الحسين بن علي فسأله: من سقاك؟ فأبى أن يخبره رحمه الله تعالى) وإنما أبى حقنا للدماء لأنه أدرك أن الحسين يثأر له.
والعجب أن الأستاذ زهير يستشهد بعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهذا لا حجة فيه؛ فإنه تفرغ للعلم ولم يطلب الملك، على أنه هو أحد من روى حديث الفئة الباغية، كما في (تاريخ حلب) لابن العديم عن حنظلة بن خويلد قال: كنت عند معاوية بن أبي سفيان فأتاه رجلان يختصمان في رأس عمار بن ياسر؛ كل واحد منهما يقول: أنا قتلته!
فقال عبد الله بن عمرو: لتَطِبْ نفسُ أحدكما لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (تقتله الفئة الباغية).
فقال معاوية: ألا تُغني مجنونَكَ يا عمرو عنا، فما بالُكَ معنا؟
فقال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي: (أطِعْ أباك ما دام حيَّا ولا تَعْصه) فأنا معك ولستُ أقاتل.
ومفهوم هذا الخبر أن عبد الله بن عمرو مع علي عليه السلام يراه على الحق وأن مخالفه -كمعاوية وعمرو- باغٍ، وأنه لولا عموم وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بطاعة أباه حال حياته، لكان يقاتل أباه مع علي، فتأمل.
ثم يقول الأستاذ زهير: (وأنا أقول لم يؤت أئمة الحديث الشريف من أصحاب السنن والصحاح والمسانيد إلا من قبل الشيعة، وسهل عليهم قبولَ الكذب حبُّهم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولآله)!
وهذا الكلام فيه طعن قبيح على حفاظ السنة وأئمة الحديث من جنس طعن الحداثيين، وهو أيضا من جنس كلام الناصبي طه الدليمي الدخيل على العلم، ولا يقوله من يتصور حركة رواية الحديث في عصر الرواية، أو كان ممن يميز بين تشيع محمود ورفض مذموم، فإن التشيع الذي هو نصرة علي وإثبات أحقيته، حق دلت عليه النصوص الصريحة الصحيحة.
وقد انتدب أئمة السنة لرواية ما لا يصح من الفضائل وتبيان عدم صحتها دون فرق بين العترة والصحابة، فبينوا ما افتراه النواصب من فضائل معاوية والشيخين، وما افتعله الروافض من فضائل العترة، وهو أكثر وأفحش، وأنصحك بمطالعة كتاب صاحبنا الدكتور الفاضل أحمد صنوبر الموسوم بـ (السلطة السياسية وحركة رواية الحديث) فقد أبطل بدراسة عملية دعوى وخرافة تأثر المحدثين بالمذاهب كالشيعة وبالسلطة السياسية في رواية الحديث، نعم وقع من بعض من انتدب للرواية من القصاص الغفلة وعدم التمييز والتأثر بمذهبه، لكن أئمة الحديث وحفاظه كشفوا ما فيه من الخطأ والكذب وميزوا الحق من الباطل دون مجاملة أو هوى، وإنما يقع في الهوى من يتكلم فيهم بالعواطف والحمية.
وأما ما هو محتمل للقبول من الروايات فهو محل نظر واجتهاد ولا حاجة لبيانه، فاكتفوا بإسناده ومن أسند لك فقد أحالك، كما هو الأصل عندهم، ولهذا خرج علينا في ذيل الزمان من يطعن في الحاكم لتشيعه بلا ورع ولا عقل ولا علم، وكان هذا ذريعة لهجوم مثل الدعي طه الدليمي للطعن في بعض أحاديث البخاري بزعم أنه اغتر بحديث الشيعة!
وكل هذا كلام بالهوى والتخرص، وليس بعاقل من يشتغل بمثل هذه الضفطات لو استحضر رحلة أئمة الحديث وتطوافهم البلاد وسهرهم لتنقيح الروايات وتمحيص الرواة سنوات، وهم حفاظ يستظهر الواحد منهم مئة ألف حديث على الأقل، ما أطلق مثل هذه البدعة، ثم تريد أن نقبل طعن دخيل لا يعرف مبادئ فن الحديث يجلس على أريكته بعقاله يحتسي الشاي، ولو طُلب منه أن يسرد متون أول خمس أحاديث من (الأربعين) لعجز عنها فضلا عن إسنادها، ثم يطلق لسانه في أئمة الحديث الحفاظ بكل صلف، بكاسد رأيه!
وراجع لتعلم غباء هذه الدعوى كتاب (من النبي إلى البخاري) وكتاب (النمو العكسي للأسانيد) لزاما.
وليعلم الأستاذ زهير أن طرح مثل هذه المقارنات خلل معرفي؛ فإن لكل رجل منزله الذي أنزله الله، عدا أن من الناس من لم يُقدَّر له الظهور والتصدُّر، وفيه من الخير ما لو ظهر وتمكَّن لفاق غيره، ولا سيما بنو هاشم؛ فإن لهم من النبوة نوراً ومدداً، وقد ذكر ابن عساكر عن علي بن الحسين قال: كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان يتهدَّدُه ويتوعدُه ويحلف له ليحملن إليه مائة ألف في البر ومائة ألف في البحر أو يؤدي إليه الجزية!
فسقط في درعه، فكتب إلى الحجاج أن اكتُب إلى ابن الحنفية فتَهَدَّدْه وتوعَدْه ثم أعلمني ما يردُّ عليك؟
فكتب الحجاج إلى ابن الحنفية بكتاب شديد يتهدَّدُه ويتوعدُه فيه بالقتل، فكتب إليه ابن الحنفية: (إن لله تعالى ثلاثمائة وستين لحظة إلى خلقه، وأنا أرجو أن ينظر الله إليَّ نظرةً يمنعني بها منك).
فبعث الحجاج بكتابه إلى عبد الملك بن مروان، فكتب عبد الملك إلى ملك الروم بنسخته، فقال ملك الروم: (ما خرج هذا منك، ولا أنتَ كتبتَ به، ما خرج إلا من بيت نبوة)!
فمثل هذه المقارنات تجدها عند الروافض أو النواصب وأنا كنت أربأ بك عن هذا المهيع، ومثَلُك فيه مثل من قال: أين ما روى أبو بكر في جنب ما روى ابن عقدة الذي يحفظ ثلاثمائة ألف حديث! وأين ما فتح عثمان وعلي إلى جنب فتوح سلاطين آل عثمان! وهذا طرح ساذج مناقض للسنن الإلهية في خلقه وكونه، وما صوَّح بنا إلى مهاوي الجهالات إلا مثل هذه السخافات!
ولا نزاع أن الحسنين أعلم وأفضل من عمرو بن العاص، مع أن عمراً رضي الله عنه لما أسلم كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقربه ويُدنيه لمعرفته وشجاعته، وولَّاه غزاة ذات السلاسل، وأمدَّه بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح، ثم استعمله على عمان، فمات وهو أميرها، ثم كان من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام في زمن عمر، وهو الذي افتتح قِنّسرين، وصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية، وولَّاه عمرُ فلسطين، وقد استوعبنا عيون فضائله في كتاب (الهبرزي) لكنك لا تدري لعل مقام الحسن في الخلافة بالعدل على قلة أيامه، ونزوله عنها حقنا للدماء، يعدل أو يربو عند الله على كل أعمال عمرو، كما أن قيام الحسين في وجه الطغيان يعدله أو يكثره، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وأي جور كجور يزيد وأي طغيان ومنكر كطغيانه ومنكراته!؟
وأين من جهد في تطلُّب الملك وسعى لنيله وولج في الدماء وقاتل وقوتل وقَتَل وقُتِل منه بالبغي على إمام العدل، ممن ترك الملك ولم يَسْعَ إليه حقنا للدماء، وقد قال تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من طلب الإمارة وكِلَ إليها، ومن لم يطلبها أُعين عليها بمَلَك يسدده، فلا تغتر بالظواهر يا أستاذ ودع عنك تهويش النواصب وتشويش الروافض، فإنه مُنتن.
ولك أن تتخيل لو أن معاوية وعمراً رضي الله عنهما لم يخالفا في بيعة علي عليه السلام، وأذعنا له وأطاعاه -ومعهم أهل الشام، وهو الإمام العدل بالإجماع- مبلغَ الفتوحات التي كانت تكون والصحابة مجتمعين على كلمة سواء، فبدلا من أن يعمل السيف في الأمة كان سيعمل في العدو والفتوح.
وبه يعلم غلط ابن تيمية ومجازفته حين قال بنفس الدافع الذي دفع الأستاذ زهير لهذه المقالة، وهو رد الفعل على غلو الرافضة، فقال في (المنهاج): (فلا ريب أن أهل السنة وإن كانوا يقولون: إن النص على أن عليا من الخلفاء الراشدين، لقوله: "خلافة النبوة ثلاثون سنة"، فهم يروون النصوص الكثيرة في صحة خلافة غيره، وهذا أمر معلوم عند أهل العلم بالحديث، يروون في صحة خلافة الثلاثة نصوصا كثيرة، بخلاف خلافة علي؛ فإن نصوصها قليلة، فإن الثلاثة اجتمعت الأمة عليهم فحصل بهم مقصود الإمامة، وقوتل بهم الكفار، وفُتحت بهم الأمصار، وخلافة علي لم يُقاتَل فيها كفار، ولا فُتح مصر، وإنما كان السيف بين أهل القبلة).
وهذه مغالطة وسفسطة منه رحمه الله، فإن عليا معه النص في قتال الفئة الباغية وهو متواتر، ومن معه من السلف أفضل ممن مع معاوية قطعا، وإنما لم يُقاتَل في خلافته كفار، ولا فُتح مصر، وكان السيف بين أهل القبلة؛ بسبب بغي من بغى عليه، لا بسببه هو.
ومع هذا فقد أغزى زياد بن أبيه خراسان، وليس بعاقل من يقول إنه لم يفتح مصراً وهو يرى بعينه البغاة يقاتلونه ويمنعونه بعصيانهم وبغيهم عليه وهو الإمام العدل، من الفتوحات وتثبيت أمر الدولة، وقد قال علي عليه السلام لمن قال له: ما بال أيامك أيام فرقة، وأيام أبي بكر وعمر أيام جماعة؟ فقال: لأن الرعية في أيامهما مثلي، والرعية في أيامي مثلك، أو كما قال.
وهذا الذي يحتج به الأستاذ زهير من جنس عذر معاوية حين قال عن قتل عمار: إنما قتله من أخرجه، فأفحمه علي بقوله: فالنبي صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة!
وهل هذا إلا كمن يقول: ماذا صنعت الثورات على ولاة الجور في سوريا وليبيا، وماذا صنع الثوار غير الفساد والقتل، وكانت الدولة مستقرة أيام القذافي وبشار والدم معصوما، وهو يعلم أنه لم يُتح للثوار أن يتمكنوا من شأن الدولة وتدبير الحكم، كما أُتيح لبشار والقذافي حال انقلابهم على الملكية تدبير الحكم فأفسدوا وطغوا.
وبمثل هذه السذاجة يفكر من يطلق لسانه في الحسين عليه السلام ويرميه بالبغي والخروج وهو قد قام لإنكار المنكر وإحقاق الحق لكن العامة والدهماء كانوا في وجهه مع الطاغية، وإنما أراد من يقول هذا الكلام الاعتذار لولاة جور زمانهم وطغيانهم، كما صنف عبد المغيث الحربي كتاب (فضائل يزيد)! وكان أمير وقته متشيعا فهمَّ به، فاعتذر له عبد المغيث بأنه إنما قصد كفَّ العامة عن الأمراء!
قال ابن رجب: قرأت بخط يحيى بن الصيرفي الفقيه الحراني، قال: حكي لي أنه كان يوما في زيارة قبر الإمام أحمد -يعني الشيخ عبد المغيث- وأن الخليفة الناصر، وافاه في ذلك اليوم عند قبر الإمام أحمد، فقال له: أنت عبد المغيث الذي صنف مناقب يزيد؟
فقال: معاذ الله أن أقول: إن له مناقب، ولكن من مذهبي: أن الذي هو خليفة المسلمين إذا طرأ عليه فسق لا يوجب خلعه.
فقال: أحسنت يا حنبلي، واستحسن منه هذا الكلام، وأعجبه غاية الإعجاب.
وأنا سمعت سلفيا بمصر يقرر في خطبة جمعة سمجة، أن الحسين يستحق القتل لأنه خرج على الحاكم، وهو يريد تقرير جور ولي أمره في قيامه على من ينكر عليه منكراته وجوره، وقد سمع مالك إمام دار الهجرة من يسمي النفس الزكية وأخاه خوارج؛ لثورتهم على المنصور، فأنكر هذا وقال: لو خرجوا على مثل عمر بن عبد العزيز!
فالعلماء لا ينظرون إلى نفس الخروج كما هو نظر مهابيت السلفية ومشيشوخاء المتصوفة ممن يسوغ لولاة الجور جورهم، وإنما ينظرون إلى قصد الخارج الثائر وحال المخروج عليه، ويحكمون بحسبه، ولهذا زل من زعم أن الحسين عليه السلام قتل بسيف جده، وقد أجمع العلماء على أن حديث: (من أتاكم وأمركم جميع..) إلخ، لا يشمل الصحابة، لا الحسين ولا ابن الزبير ولا معاوية ولا عمراً، بل ولا يدخل فيه من خرج من التابعين والأئمة على بني أمية وبني العباس، كخروج ابن الأشعث وزيد بن علي وابنه يحيى والنفس الزكية وأخيه إبراهيم.
والغريب أن الأستاذ يقارن بين عمرو بن العاص وبين الحسنين وقد عاشا نصف عُمْر عمرو بن العاص، ولا يلتفت إلى فرق السن وأن عمراً أدرك النبي صلى الله عليه وسلم كهلا، فماذا لو كان الحسنان كهلين كعمرو في زمان النبوة الأول، واستعملهما النبي صلى الله عليه وسلم كما استعمل أباهما واستخلفه وفتح به خيبر وغيرها!
وأما سائر كلام الأستاذ زهير كإطلاقه أن كل الروايات في عمرو لا تصح، وإطلاقه إخراج الأزواج وبقية العترة من مسمى الآل، فلا طائل منه؛ لأنها مقالات مذهبية راجعة إلى دلالات النصوص أو صحة النقل وهو محل اجتهاد، وليس بعالم من يعدها عصبية أو من أثر التشيع بلا دليل، وأقول للأستاذ زهير: دع عنك التأثر بالمؤثرات العاطفية الدينية؛ فإنه مركب وعر لا مخلص لك منه، ولن يسلك بك إلا طريق العُنْصلين!
أراد طريقَ العُنْصُلين فيَاسَرتْ ... به العِيسُ في نائي الصُّوى مُتَشائِم








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.08 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]