​إزالة الاشتباه عند بعض الآيات المتشابهات - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850025 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386212 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 50 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-03-2019, 04:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي ​إزالة الاشتباه عند بعض الآيات المتشابهات

​إزالة الاشتباه عند بعض الآيات المتشابهات
د. أحمد شرشال
أستاذ أصول الدين

يجب أولا ألا نخوض في الحديث عن القرآن وأوصافه ونعوته وعلومه، حتى نحكم مصطلحاته، ونحسن فهمها واستعمالها في مواضعها الصحيحة، حتى لا تكون نتائج أبحاثنا مغلوطة أو يشوبها النقص والخلل. ومن هذه الجهة دخل الوهم والاشتباه على كثير من الباحثين في كيفية حفظ القرآن الكريم، فوصفوا آيات الله البينات المحكمات بالاشتباه واللبس! وهو واقع في أذهانهم. والآيات البينات المحكمات خالية من كل ذلك.
فقد وصف الله كتابه الحكيم بالإحكام العام، ووصفه بالتشابه العامل في كل ألفاظه ومعانيه، ولا تعارض بين هذين الوصفين، ويمكن الجمع بينهما، بل يجب وصفه بهما، فهو محكم ومتشابه، بل من مقتضيات الإحكام وجود التشابه، فهما وصفان لذات واحدة وهي القرآن الكريم.
ووصف بعضه بالإحكام، وهو الأصل، وأم الكتاب، ووصف ما يقابله، وهو القليل، بالتشابه. ويرد هذا إلى الأصل الأول، ويراد به التشابه المعنوي، وليس هذا مقصودا للقراء، فلا يشتبه عليهم؛ لأنه يتعلق بالمعاني لا بالحفظ كما هو مشهور ومعروف في كتب علوم القرآن والتفسير.
إن التشابه العام، الذي يقابل الإحكام العام، صفة ذاتية للقرآن الكريم كله لا تنفك عنه، فقد وصفه منزله بهذا في قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} (الزمر:23)، فإن هذا التشابه والإحكام وصف من أوصافه الجميلة ونعت من نعوته الجليلة.
أما المتشابه اللفظي في عرف القراء والحفاظ فهو جزء يسير منه كالجزء اليسير من التشابه المعنوي الذي يقابل الإحكام الخاص الذي هو الأصل، وهو الذي ينشأ عنده الاشتباه واللبس غالبا عند تلاوة الآيات المتشابهات، فهي مظنة للوقوع في الغلط والخطأ، وبقدر ما تكون زيادة في أوجه التشابه اللفظي والتكرار في مصطلح القراء يطرأ الاشتباه على القارئ لا على المقروء، وعلى الحافظ لا على المحفوظ، فلا ينسب الاشتباه إلى الآيات البينات المحكمات، وإنما الاشتباه يتأتى من قبل القارئ أو الحافظ لكثرة وجوه التشابه والتماثل والتكرار، فهو صفة طارئة تعرض للقارئ أو الحافظ عند تلاوته لهذه الآيات المتشابهات، وهو ما يسمى بالمتشابه اللفظي الذي اصطلح عليه القراء، خصوصا تلك السور والآيات التي تكثر فيها أوجه التشابه اللفظي.
ولن يستطيع أحد، مهما أوتي من بلاغة القول، أن يحدد مواضعه إلا القراء والحفاظ أنفسهم؛ لأنهم هم الذين يكابدونه، ويعانون من مشقته، ويخافون من مواقعه.
فإذا كان القارئ لا يعلم ما يفرق به بين وجوه التشابه والاختلاف فلاشك أن أمواج التشابه تقذف به عن المسار الصحيح في التلاوة، فيغرق في الاشتباه، فيجد نفسه في آية أخرى أو سورة أخرى، فيقع في الغلط والخطأ، وربما يكون ذلك صارفا له عن الحفظ إذا لم يتحصن بمعرفة معاني هذا التشابه الذي يقود إلى الاشتباه.
لذلك، كانت الحاجة الملحة إلى دراسة وتوجيه الآيات المتشابهات عند القراء، وإزالة الاشتباه عنها بإبراز علامات، يهتدي بها الحافظ، ويتعلق بها القارئ والمتعلم عند تلاوته، فتصونه من الاشتباه، وتحمي حفظه من الضياع والنسيان، وتشجعه على المزيد من المحفوظ.
فإذا فهم الحافظ للقرآن أو من هو في طريق الحفظ هذه المعاني، وتعلق بها قلبه، فإنها لمن أعظم ما يوثق الحفظ ويقويه، فلا يحتاج إلى المراجعة المستمرة والتكرار الدؤوب.
فإن إبراز الفروق اللغوية بين هذه الآيات، يزيل الاشتباه واللبس، ويحصن المحفوظ، ويقيه من شر التفلت والنسيان، فتصير هذه الآيات من المحكم المتيقن، ويزال عنها الاشتباه المتوقع أو الموهوم من أذهان الطلاب، فيقتحمون أمواج التشابه من دون الغرق في الاشتباه.
ومن أهم محاسن الحفظ العقلي والتوثيق الذهني، أنه يكون من المحفوظ والمقروء ذاته لا من خارجه، فليس غريبا ولا دخيلا على القرآن، لأن ضبط الحفظ وتقييده من المحفوظ ذاته.
فإذا استحضر الطالب هذه المعاني للآيات المتشابهات، وعقلها، واستذكرها عند تلاوته، تنير له طرق الوقاية من الوقوع في الاشتباه واللبس، وتحمي حفظه من الضياع والنسيان، وتشجعه على المزيد من المحفوظ.
بين «يفعل» و«يخلق»
من المتشابه اللفظي الذي يقع فيه الاشتباه والغلط غالبا قوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً} (آل عمران:40-41) الواقعة في قصة زكريا عليه السلام. هذه الآية تتشابه مع قوله تعالى من السورة نفسها: {قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا} (آل عمران:47) في قصة مريم بعد قصة زكريا مباشرة (1). موضع التشابه: {قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَفعل مَا يَشَاءُ} في قصة زكريا، وقوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} في قصة مريم، والقصتان متجاورتان ومتشابهتان في المبنى والمعنى والمقصود (2).
نوع التشابه: اختلاف في الخطاب بالتذكير والتأنيث، واختلاف في التعبير، فعبر بالفعل في قصة زكريا وعبر بالخلق في قصة مريم.
هذا التشابه قد يؤدي إلى الاشتباه لمن لم يحصن نفسه بالمعاني، لأن المعنى يبدد ظلمة الاشتباه. قد ينتقل الحافظ في قراءته من قصة زكريا إلى قصة مريم أو العكس؛ لوجود التشابه اللفظي، وقد حصل هذا فعلا، كما سمعته مرارا وتكرارا، وحالي كحالهم.
إزالة الاشتباه المظنون
الآية الأولى وردت في سياق زكريا عليه السلام، وهو شيخ كبير وامرأته عاقر، وجرت العادة في الطاعنين في السن ألا يحصل بينهما إنجاب الأولاد. فتوجه إلى الله بالدعاء والتضرع والتوسل أن يهب الله له ولدا، ونص دعائه في سورة مريم (3).
فأجاب الله دعاءه وبشّره بولد اسمه «يحيى»، فتعجب من هذا الأمر واستغربه، وذكر المانع من ذلك: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} (مريم:8).
أجاب الله عن تعجبه، وقال، وهو موضع الشاهد: {قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً} (آل عمران:40-41)، فالفعل: «يفعل» يعبر به عن القدرة على الشيء (4) ولم يقل: «يخلق» لوجود الزوج والزوجة.
وقصة مريم ذكرت بعد قصة زكريا مباشرة لشدة العلاقة والارتباط، وهي شبيهة بها، فبشرها الله بولادة عيسى، عليه السلام، فاستغربت ذلك كما استغرب زكريا، ولكن الغرابة هنا أشد لعدم وجود الزوج {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} (آل عمران:47)، أجاب الله عن تعجبها واستبعادها وجود الولد من أم فقط فقال: {كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا } (آل عمران:47).
التشابه في الخطاب بالمذكر والمؤنث وفي التعبير بالفعل والخلق، هذا التشابه بين القصتين يوقع في الاشتباه واللبس، فإزالته والفصل بين الآيتين والتمييز بينهما أن في قصة زكريا عليه السلام الخطاب للمذكر: {قَالَ كَذَلِكِ} والتعبير بالفعل: {اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}، في هذا الموضع، ولم يعبر بالخلق، لأن الزوج وزوجه موجودان، ولكن أسباب الإنجاب معطلة بسبب سن زكريا وعقر امرأته الصورة الظاهرة موجودة للولادة، ومن ثم عبر القرآن عن هذه الحالة بالفعل: «يفعل» الذي هو دون الخلق والإنشاء والإبداع.
وفي قصة مريم الخطاب للمؤنث: {قَالَ كَذَلِكِ} والتعبير بالخلق {اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء}، لأن ولادة عيسى من أم فقط، فالتعبير الصحيح عنه هو الأنسب لعدم وجود الأب فقال: {كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا}
(آل عمران:47)، فلا يصح استعمال أحدهما مكان الآخر.
فإذا فهم الطالب هذا المعنى، واستقر في ذهنه، وتذكر ذلك عند تلاوته، فإنه يزول عنه الاشتباه واللبس المظنون عند هذه الآيات المتشابهات، ويمكنه من أداء صلاة التراويح والامتحانات والمسابقات وتلاوة القرآن تعبدا لله، ويغنيه ذلك كثيرا عن الرجوع إلى المصحف، لأن هذه المعاني صارت مفهومة لدى الحافظ، لأن الكلام المفهوم قل ما ينسى.
وبهذا تنتقل الآيات المتشابهات من حيز الاشتباه من أذهاننا إلى حيز الإحكام والتفصيل والبيان، فهي مبينة ومحكمة ومفصلة كما وصفها منزلها، والاشتباه المزعوم في الأذهان والعقول لا في الآيات البينات، والله أعلم.
بيان علة التقديم والتأخير
من المتشابه اللفظي في عرف القراء، الذي يقع عنده الغلط والنسيان والتردد والحيرة من الطلاب والحفاظ ومن دونهم، ويكاد يكون ذلك شبه إجماع، ولو ما للتشابه من أثر في تلاوة الطلاب ما ذكرها العلماء ضمن المتشابه اللفظي (5)، وهو قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} (الأنعام:151).
هذه الآية من سورة الأنعام تتشابه مع قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (الاسراء:31).
موضع التشابه: في سورة الأنعام: {َنحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}، وفي سورة الإسراء: {ََنحْنُ نرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}.
نوع التشابه: الاختلاف في التقديم والتأخير قدم ما أخره في الإسراء، وأخر ما قدمه في سورة الأنعام، قدم رزق الآباء على الأبناء في سورة الأنعام، وقدم رزق الأبناء على الآباء في سورة الإسراء.
إزالة الاشتباه وبيان الفرق بين الآيتين
أن رزق الأبناء قد قدم في آية الإسراء: {ََنحْنُ نرْزُقُهُمْ} على رزق الآباء، لأن الخطاب في سورة الإسراء للأغنياء بدليل قوله: {خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ }، فإنه لا يخشى الفقر إلا من كان عنده ما يكفيه، إذ الفقير منغمس في الفقر فلا يقال فيه يخشى من الفقر. ولفظ الخشية يوحي بالخوف الآتي مستقبلا. والسياق من أوله إلى آخره يدل على أن الخطاب للأغنياء، فقال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } (الإسراء:26)، المأمور بإتيان حق القرابة غني، {وَلَا تُبَذِّرْ} المأمور بعدم التبذير هو الغني، لأن الفقير لا يتأتى منه التبذير، {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (الإسراء:29) نهي الغني عن بسط اليد بالمال. ثم نهي عن قتل الأولاد خشية وقوع الفقر، فكان من البلاغة بمكان أن يقدم الوعد برزق الأولاد على الآباء.
وقدم رزق الآباء في آية الأنعام على رزق الأبناء، لأن الخطاب للفقراء، وقد كان العرب في الجاهلية يقتلون أولادهم بسبب الفقر الحاصل المفهوم من قوله: { مِّنْ إِمْلَاقٍ } (6).
قدم الوعد برزق الآباء على رزق الأولاد في سورة الأنعام: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ }،وقدم الوعد برزق الأولاد على رزق الآباء في سورة الإسراء: {نحْنُ نرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}.
نهي عن قتل الأولاد كما كان يفعله أهل الجاهلية، سواء بسبب الفقر الحاصل كما أفادته آية سورة الأنعام، أو خشية حصوله كما أفادته آية سورة الإسراء، ومجموع الآيتين المتشابهتين بالتقديم والتأخير، أفاد النهي عن قتل الأولاد بسبب الفقر الحاصل كما في سورة الأنعام أو الخوف من الفقر المتوقع المظنون كما في سورة الإسراء.
إزالة الاشتباه والغموض
ليس في هذا غرابة أو غموض أو إبهام لمن تأمل وتدبر، فهو جلي واضح المعنى، لأن ما في سورة الأنعام الفقر حاصل للآباء، فاستوجب ذلك تقديم الوعد برزق الآباء على رزق أولادهم.
وأما في سورة الإسراء فقدم رزق الأولاد على رزق الآباء، لأن الخوف من الفقر المتوقع الذي يجلبه الأولاد هو السبب - وفق اعتقادهم - فقدم الوعد برزقهم على رزق آبائهم، وهو الموافق للمنطق العقلي ومفهوم من فحوى الخطاب، ولا إشكال فيه.
وبناء على ما تقدم، فإذا قرأت الآية في سورة الأنعام: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ} قدم كاف الخطاب وأخّر ضمير الغيبة والقيد: {مِّنْ إِمْلَاقٍ} قدم وعد الله برزق الآباء على أبنائهم وجوبا: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ..}.
وإذا قرأت الآية في سورة الإسراء: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} قدم ضمير الغيبة وأخّر كاف الخطاب. والقيد: {خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ}، قدم وعد الله برزق الأبناء على آبائهم وجوبا: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا }، لأنهم هم السبب في الفقر في ظنهم.
إن الخطاب في آية الأنعام لقوم فقراء يهمهم رزقهم أولا ثم رزق أولادهم، فقدم في القراءة رزقهم، لأنه أهم عندهم، واقرأ: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ }.
والخطاب في آية الإسراء مع قوم ليسوا فقراء، لكنهم يخشون الفقر مستقبلا بسبب أولادهم، فقدم في القراءة الوعد برزقهم على رزق آبائهم، واقرأ: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ }.
فإذا فهم الطالب هذه المعاني والفروقات، واستحضر ذلك في باله عند التلاوة، زال عنه الاشتباه واللبس، وصارت الآيتان في ذهنه من المحكمات البينات الواضحات، فيكون آمنا من الوقع في الغلط والاشتباه واثقا من قراءته، وسيجد نفسه تلقائيا مدفوعا نحو السياق الصحيح فيما بعد موضع التشابه أو التماثل، فهذا يثبت الحفظ ويقويه ويمنع التفلت والنسيان.
بيان علة الإفراد والجمع
من المتشابه اللفظي الذي يقع فيه الاشتباه والغلط غالبا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) } (النحل:10-13).
موضع التشابه: الموضع الأول «لآية»، الموضع الثاني «لآيات»، الموضع الثالث «لآية».
نوع التشابه: التعبير بالإفراد في الموضع الأول والموضع الثالث، والتعبير بالجمع في الموضع الثاني. فما سبب استعمال المفرد في موضعه؟ وما سبب استعمال الجمع في موضعه؟
1- إن هذه الآيات الثلاث تكرر فيها قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} ثلاث مرات باختلاف صيغ الجمع والإفراد، وكثيرا ما كنت أخطئ فيها ويقع الغلط واللبس في تلاوتي لها، ثم يضاف إلى هذا التشابه اشتباه آخر، وهو أن خواتم هذه الآيات غالبا ما يحصل في تلاوتها الخطأ والاشتباه نفسه فتنتهي الآية الأولى بالإفراد وقوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}� � وتنتهي الآية الثانية بصيغة الجمع وقوله: {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، وتنتهي الآية الثالثة بصيغة الإفراد وقوله: {لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}.
فهذه الآيات مظنة للوقع في الغلط والنسيان، وقد ذكرها علماء المتشابه اللفظي ضمن الآيات التي يقع عند تلاوتها الاشتباه واللبس (7)، فالخطأ فيها واقع ومتوقع، وكثيرا ما تشتبه على الطلاب، ولم يسلم من ذلك الحفاظ مع تفاوتهم في جودة الحفظ.
ثانيا - إزالة الاشتباه الموهوم
المنهج السديد لنفي الاشتباه عند هذه الآيات المتشابهات يجمع بين حسنتين: تثبيت الحفظ العقلي والتوثيق الذهني وتعليم اللغة العربية، فالعربية أساس لدفع الاشتباه، والفصل بين الآيات المتشابهات في أذهاننا.
2- إن الآية الأولى جاءت بصيغة الإفراد: { إِنَّ فِي ذَلِكَ}، وهو المتعين، لأن المشار إليه بذلك هو مفرد، وهو نزول الماء من السماء، وفوائده على الإنسان والحيوان والنبات. فنقيد الآية الأولى بصيغة المفرد في الموضع الأول؛ لأن المدلول عليه واحد مفرد، فلا يصح الجمع، فلا نقرأ إلا بالإفراد: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}، وحينئذ ينتفى الاشتباه.
الآية الثانية التي تليها مباشرة جاء لفظ الآية بصيغة الجمع: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }، وهو المتعين، لأن المشار إليه مجموعة من الآيات الدالة على قدرة الله، وهي الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم، وكل واحدة منها آية وجمعها آيات، فلا تصح القراءة إلا بصيغة الجمع وموافقة لقوله: «مسخرات» بالجمع، فلا تلتبس بالآية الأولى ولا بالثالثة.
والآية الثالثة: تتحدث عن شيء واحد وهو جنس ما تخرجه الأرض من ألوان النباتات والزروع والمعادن وغيرها. فلذلك كانت الإشارة إليه بالمفرد: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}. وهكذا نجد أن كلمة «آية» حينما استعملها القرآن مفردة كانت في موضع لا يصح فيه إلا الإفراد، وحينما جاء بها على صيغة الجمع كانت في محل يتطلبه ويقتضيه لفظ الجمع: «لآيات».
4- إزالة الاشتباه في خواتم الآيات الثلاث، فالآية الأولى تنتهي فاصلتها بقوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}� �
والآيــــة الـثانية تنتهي فاصلتها بقوله: {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، والآية الثالثة تنتهي فاصلتها بقوله: {لّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}.
هذا الترتيب البديع بين التفكر والتعقل والتذكر من شأنه أن يكون عاملا قويا لحفظ القرآن وتثبيته، ومنع التفلت والنسيان، وأدعى للتذكر لا أنه مصدر اشتباه ولبس، الاشتباه في الأذهان لا في القرآن.
إن النظر في نزول الماء من السماء بهذه الطريقة، وما ينتج عنه من المنافع العظيمة، يحتاج إلى إعمال فكر وتأمل وتدبر، ولذلك ختمت الآية الأولى بقوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
فإذا تفكر الإنسان وجال خاطره في مجموعة من الأشياء ثم وصل إلى نتيجة مرضية تمخضت عن تفكيره، فإنه يعقل ويمسك ما وصل إليه تفكيره وهداه إليه، ولذلك ختمت الآية الثانية التي بعدها بقوله: {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.. فإذا قيد ذلك وأمسكه وعقل ما هداه إليه إعمال فكره، يأتي التذكير والعبرة والاتعاظ فلذلك ختمت الآية الثالثة بقوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}� � فهذه نتيجة عملية منطقية من شأنها نفي الاشتباه المظنون ومنع التفلت واللبس، وحماية الحفظ من الضياع والنسيان، تفكير وعقل وتذكر.
وبهذا يزول الاشتباه المتوهم واللبس المظنون، وتنتقل هذه الآيات من أذهان الطلاب من الآيات المشتبهات إلى البينات المفصلات كما وصفها الحكيم الخبير، فاجتمع فيها التشابه العام والإحكام العام، وانتفى عنها الاشتباه الطارئ على تلاوة القارئ.
فالتفكير أولا، ثم عقل ما توصل إليه التفكير ثانيا، ثم التذكير والاتعاظ والعبرة بما دلت عليه هذه الآيات.
الهوامش
(1) وقد ذكر أحدهم إحدى عشرة آية متشابهة مع هذه الآية، وهي ليست من المتشابه اللفظي أصلا، ولا يقع عندها الاشتباه، انظر: كتاب الآيات المتشابهات، ص:189 و243.
(2) وهذه الآيات من ضمن مقرر الحفظ على طلاب جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية كلية الشريعة والقرآن (7) رقم: 4401 ut فحفظوها كلهم في زمن قياسي، بعد ما عرفوا كيف يقتحمون أمواج التشابه دون الغرق في الاشتباه.
(3) من أول سورة مريم إلى الآية 6 وما بعدها.
(4) انظر: عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ،3/286.
(5) درة التنزيل 99، البرهان 178، ملاك التأويل، 1/479.
(6) انظر وجوه الاستبدال في القرآن للكردي 155.
(7) انظر: درة التنزيل 181، البرهان 217، ملاك التأويل 2/732.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.52 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]