الشمولية في التربية الاقتصادية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 849928 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386134 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 49 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-04-2019, 06:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي الشمولية في التربية الاقتصادية

الشمولية في التربية الاقتصادية
كيندة حامد التركاوي






تتسم التربية الاقتصادية الإسلامية بمجموعة من الخصائص المميزة والتي تبرز معالمها الأساسية، كما توضح الفروق بينها وبين التربية الاقتصادية التقليدية الوضعية والعلمانية. فهي جزء من التربية الشاملة للمسلم من الجوانب الروحية والأخلاقية والسلوكية والاجتماعية والثقافية...، ونحو ذلك، فكل جانب يتفاعل مع الجوانب الأخرى كمثل الجسد الواحد والنظام الواحد الذي يتكون من عدة نظم فرعية بينها تفاعل وتكامل [1]. ومن هذه الخصائص الهامة:

الشمولية:
وتربية القرآن شاملة، فهي تجمع بين العبادة الحقة والسلوك القويم، وتهتم بالفرد وبالمجتمع، وتُعنى بالعقيدة الصحيحة، وتدعو إلى العمل لعمارة الكون، وتشييد صرح الحضارة البنَّاءة، من خلال الاهتمام بجوانب النفس كلها، وعَبْرَ كل الميادين الحيوية، إضافةً إلى إنصاف التربية الإسلامية باستمرار وعدم التوقف؛ لمواجهة تحَّديات الواقع، والعمل على إعداد الإنسان للحياة الدنيا وللحياة الآخرة؛ من خلال توازن سلوكي يحقق قضية الاستخلاف في الأرض والفوز في الدار الآخرة [2].

النظام الاقتصادي الإسلامي يُعرف: في مجموعة الأسس الأساسية الكلية المستنبطة من مصادر الفقه الإسلامي والتي تحكم المعاملات الاقتصادية المختلفة في ظل نظام شامل ومتكامل مع الأنظمة الإسلامية الأخرى بهدف تسيير النشاط الاقتصادي لإشباع الحاجات المادية والروحانية للبشرية بما يحقق لها الحياة الكريمة الطيبة في الدنيا والفوز برضاء الله في الآخرة [3].


فالنظام الاقتصاد الاسلامي بالسلوك الإسلامي الذي انبثق من العقيدة والاخلاق الاسلامية في استخدام الموارد المادية لإشباع الحاجات الإنسانية. نظام شامل لأن دين الإسلام دين شامل يُنظم علاقة العبد بربه وعلاقته بإخوانه في المجتمع، فقد قدَّم النظام الاقتصادي الإسلامي القواعد لكل أنواع العلاقات والمعاملات الاقتصادية في مجالات الملكية والحرية والعدالة والضمان الاجتماعي، وتدخل الحكومة وتوازن المصالح، ونظَّم شؤون الفرد والجماعة والدولة في مختلف النواحي الشخصية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في السلم والحرب، وكل ذلك على قواعد ثابتة وأحوال مستقرة تخدم أغراضاً محددة، وتحقق أهدافاً معروفة بتنظيم دقيق ومنطق راق.

إن سرَّ الشمولية في التربية الاقتصادية هو اعتمادها على مصدر تشريعي إلهي عادل ألا وهو القرآن الكريم والسنة النبوية، فقد شملت كل مناحي الحياة؛ لتُربي فرداً مقتصداً سلوكاً وعملاً وقولاً. وسيبين الباحث شمولية التربية الاقتصادية من خلال النقاط التالية:

1- المطعم والمشرب:
الطعام كلُّ ما يؤكل وبه قِوام البدن، وكلُّ ما يُتخذ منه القوت منه يُقتات به... والمُطعمُ هو الله، يحلِّلُ ويحرم الطعام المَأكول والمَشروب، ويُطعم الخلق أجمعين، أي يرزقهم ويهيئ لهم الأسباب[4]. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ [الشعراء: ٧٩].

والطعام والشراب من ضرورات الحياة؛ لذلك سخر الله سبحانه وتعالى ألواناً وأصنافاً من الطعام والشراب تتوافق مع حاجاته البدنية وتركيبته الجسدية، فمن ذلك حال الإنسان في مأكله ومشربه؛ فإن الداعي إلى ذلك شيئان: حاجة ماسَّة، وشهوة باعثة. فأما الحاجة فتدعو إلى ما سدَّ الجوع، وسكن الظمأ. وهذا مندوب إليه عقلاً وشرعاً لما فيه من حفظ النفس وحراسة الجسد؛ ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال بين صوم اليومين؛ لأنه يُضعف الجسد، ويُميت النفس، ويُعجز عن العبادة، وكل ذلك يمنع منه الشرع، ويدفع عنه العقل وليس لمن منع نفسه قدر الحاجة، حظٌّ من برّ، ولا نصيبٌ من زهد؛ لأن ما حرمها من فعل الطاعات بالعجز والضعف، أكثر ثواباً، وأعظم أجراً، إذ ليس في ترك المباح ثواب يقابل فعل الطاعات، وإتيان القرب. ومن أخسر نفسه ربحاً موفوراً، أو حرمها أجراً مذخوراً كان زهده في الخير أقوى من رغبته. ولم يبق عليه من هذا التكليف إلا الشهوة بريائه وسمعته. وأما الشهوة فتتنوع نوعين: شهوة في الإكثار والزيادة، وشهوة في تناول الألوان اللذيذة.

فأما النوع الأول: وهو شهوة الزيادة على قدر الحاجة، والإكثار على مقدار الكفاية فهو ممنوع منه في العقل والشرع؛ لأن تناول ما زاد على الكفاية نَهمٌ مَعَره، وشَرَهٌ مَضَر.
وقد روي عن النبي: صلى الله عليه وسلم أنه قال: إِيَاكمُ وَالبِطنَةُ في الطَعَامِ وَالشَرابِ فَإِنَّها مَفسَدةٌ للجَسدِ، مُورِثَةٌ للسقم، مكسلة عن الصلاة وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف وإن الله ليبغض الحبر السمين، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه[5].
وقال بعض الحكماء: أكبر الدواء: تقديرُ الغذاء. وقال بعض البلغاء: أقلل طعاماً، تحمد مناماً.
وقال بعض الأدباء: الرُّغَب لؤم، والنهمُ شؤم.
ورغُب الرجل: كان كثير الأكل وشديد النهم، ومنه قولهم هو رَغيبٌ البطن إي: واسع الجوف كناية عن كثرة الأكل والنهم، والرَغيب: الكثير الأكل الشديد النهم والواسع الجوف من الناس وغيرهم[6].

وأما النوع الثاني: وهو شهوة الأشياء اللذيذة، ومنازعة النفوس إلى طلب الأنواع الشهية؛ فمذاهب الناس في تمكين النفس منها مختلفة، فمنهم من يرى أن صرف النفس عنها أولى، وقهرها عن اتباع شهواتها أحرى، ليذِلّ له قيادها، ويهون عليه عنادها؛ لأن تمكينه وما تهوى، بطر يُطغى، وأشرٌ يُردى، لأن شهواتها غير متناهية، فإذا أعطاها المراد من شهوات وقتها، تعدّتها إلى شهواتٍ قد استحدثها، فيصير الإنسان أسير شهوات لا تنقضي، وعَبدُ هوى لا ينتهي، ومن كان بهذه الحال لم يرج له صلاح، ولم يُجد فيه فضل[7]. كما قال الشاعر:
يا خادمَ الجِسمِ كَمْ تَشقى بِخدمَتهِ
لتَطلبَ الرِّبحَ مما فيه خُسرانُ

أَقبلْ على النفسِ وَاِستكملْ فَضَائِلها
فَأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إِنسانٌ


وهنا يكمن دور التربية الاقتصادية في حياة النشء، فقد خلق الله سبحانه وتعالى ما لذّ وطاب، وجعل كل خيرات الأرض وبركاتها لنفعه، وأحل له الطيبات وحرم عليه الخبائث صوناَ لصحته وصلاح معاشه. وقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحث الإنسان على تناول أطايب الطعام، واحتساء عذب الشراب. قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 57]


وقال: صلى الله عليه وسلم كُلُوا واشْرَبُوا والِبسُوا وتَصدَّقُوا في غَيرِ إِسْرَافٍ ولا مَخِيلَةٍ[8].
أما السرف فحرام لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141]


فذلك دليل على أن الإسراف والتقتير حرام، وأن المندوب ما بينهما.
فالمندوب إليه التوسط بين الإسراف والتقتير، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]. وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ [الإسراء: 26]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكَلاتٌ يُقِمْنَ صلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَاَلَةَ فَثُلُثٌ لطَعَامَهِ، وَثُلُثٌ لشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لنَفَسِهِ[9].

ولا يلام على كفاف؛ لأنه يأكل لمنفعة نفسه، ولا منفعة في الأكل فوق الشبع بل فيه مضرة فيكون ذلك بمنزلة إلقاء الطعام في مزبلة أو شراً منه، ولأن ما يزيد على مقدار حاجته من الطعام فيه حق غيره، فإنه يسد به جوعته إذا أوصله إليه بعوض أو بغير عوض، فهو يتناوله جانياً على حق الغير وذلك حرام ولأن الشبع ربما يمرضه فيكون ذلك كجراحته نفسه [10].

2- الملبس:
اللباس من حاجات النفس وضرورتها لتدفع الحر والبرد وكما أن الطعام من حاجات النفس لدفع الجوع، وكما أن النفس غير قانعة بقدر الحاجة من الطعام بل تطلب الزيادات والشهوات فهكذا في اللباس تتفنن فيه أهوية متنوعة ومآرب مختلفة[11].

والحاجة إلى الملبوس ماسة، وبها إليه فاقة، لما في الملبوس من حفظ الجسد، ودفع الأذى، وستر العورة، وحصول الزينة. قال تعالى: ﴿ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ﴾ [الأعراف: 26] فمعنى قوله تعالى: أنزلنا عليكم لباساً أي: خلقنا لكم ما تلبسون من الثياب يواري سوءاتكم، أي: يستر عوراتكم،...

ففي اللباس ثلاثة أشياء: أحدها: دفع الأذى، والثاني: ستر العورة، والثالث: الجمال والزينة.
فأما دفع الأذى به فواجب بالعقل، لأن العقل يوجب دفع المضار، واجتلاب المنافع.
قال تعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ﴾ [النحل: 81].
سرابيل تقيكم الحر: ثياب القطن والكتان والصوف.
وأما الجمال والزينة: فهو مستحسن بالعرف والعادة، من غير أن يوجبه عقل أو شرع.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم لبستين: لبسة مشهورة، ولبسة محقورة .
وقال بعض الحكماء: البس ما لا يزدريك فيه العظماء، ولا يُعيبه عليك الحكماء.

وقال أحد الشعراء:
إن العيونَ رَمتكَ إِذ فاجأَتها وعليكَ من شَهْر الثيابِ لباسُ
أمَا الطَعامُ فَكُلْ لنفسِكَ ما تَشَا وَاجعلْ لِباسَكَ ما اشتهاهُ الناسُ

وقيل: اِلبسْ من الثياب ما يخدُمُكَ ولا يَستخدِمُكَ. وقد قيل: المروءة الظاهرة، في الثياب الطاهرة [12].

إذاً: اللباس كما رأينا من مستلزمات الحياة الضرورية لما فيها من ستر وجمال وزينة، ولكن كما يُقال: كلَّ ما زاد عن حده قُلب ضده. فبقدر الحاجة إلى اللباس، هنالك الحاجة إلى الاعتدال في اللباس واختيار ما يناسب ديننا وشرعنا الحنيف الذي أمرنا به الله سبحانه وتعالى، ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

والتربية الاقتصادية الإسلامية تحض المرء على التَّجمل والتزين والتطيب؛ لأنّ الظهور بالمظهر
اللائق من أوامر الله. بقوله ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].


فالإسلام حض على الظهور بالمظهر الحسن أمام الآخرين وهذا مطلب شرعي، وهديٌ نبوي. فالفرد المسلم ليس كما يتصوره البعض، أو كما يُصور للغرب بأنه إنسان يلبس ثوباً قصيراً مرقعاً، وينتعل الخف الجلدي الممزق، بل على العكس تماماً؛ فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس نظافةً، وأبهاهم حلة، وأجملهم طله. وقد أمرنا بارتداء أجمل الثياب شرط أن لا تتعارض مع الدين الحنيف. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّكُم قَادِمُون عَلى إِخوَانِكم أَحِسُنوا لِبَاسَكُمْ وَأَصلحوا رِحَالَكُمْ حَتَّى تَكُونوا كَأَنَّكمْ شَامَةٌ فِي النَّاس إِنَّ اللهَ لا يُحِب الفُحشَ وَالَتفَحُش[13].

كما أمرنا رسول الله بالتّزين والتطّيب والاغتسال والامتشاط بقوله صلى الله عليه وسلم: اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ [14].

ومن رفق النبي الأعظم بأمته، طالباً منهم بالإضافة إلى الثياب والشعر، نظافة الأسنان أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وضوء [15].


والأبوان الصالحان يُعودوا أبنائهما على ارتداء اللباس الساتر المتواضع الطاهر، لأن من شَّب على شيء شَّاب عليه، فجمال الثياب ليس بغلاء ثمنها، ولا بندرة مصدرها، وللأسف الشديد نجد معظم أبناء المسلمين ابتعدوا عن الزى الإسلامي، فنجد الفتيات يرتدين بما يُعرف بالحجاب العصري الذي لا يمت إلى الإسلام بصلة، انجرافاً وراء الموضة الحديثة. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحجاب بقوله: صنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ ُرءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا [16]. ولذلك كان على الأهل لزاماً تنشئة الأبناء على تمثَّل القيم الإسلامية.

3- الراحة والنوم:
خَلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ضعيفاً، يحتاج إلى الطعام والشراب، والنوم والراحة، ومن رحمته بخلقه أنهسبحانه وتعالى خلق كل شيء بقدر، وأمر الإنسان بطلب الرزق والعمل، والعبادة، والعلم، وكلَ هذا يحتاج إلىجهد وكد وتعب.﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6].

ولما كانت الطبيعة البشرية تحتاج إلى الراحة للاستمرار في الحياة؛ خلق الله سبحانه وتعالى الليل، والنهار ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ﴾ [الإسراء: 12] فقدرة الله تعالى قائمة على الاعتدال والتوازن في كل شيء، فقد جعل سبحانه وتعالى النهار للمعاش والعمل وكسب الرزق، وجعل الليل للسكينة والنوم والراحة. ﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ [النبأ: 9 - 11]. إن للنفس حالتين: حالة استراحة إن حرمتها إياها كَلّتْ، وحالة تصرُّفٍ إن أرحتها فيها تخلَّتْ فالأَولَ بالإنسان تقدير حاليه: حال نومه ودَعته، وحال تصرفه ويقظته؛ فإن لهما قدراً محدوداً، وزماناً مخصوصاً، يضرُ بالنفس مجاوزة أحدهما، وتغير زمانهما.

وقيل: من لَزِمَ الرُّقاد، عَدِمَ المراد. فإذا أعطى النفس حقها من النوم والدعة، واستوفى حقه بالتصرّف واليقظة، خّلُص بالاستراحة من عجزها وكلالها، وسلم بالرياضة من بلادتها وفسادها[17].

وللنوم فائدتان جليلتَّان إحداهما: هضم الغذاء ونُضج الأخلاط لأن الحرارة الغزيرة في وقت النوم تغور إلى باطن البدن فتُعين على ذلك ولهذا يبرد ظاهره ويحتاج النائم إلى فضل دِثار. والنوم المعتدل مُمكّن للقوى الطّبيعيّة من أفعالها، مُريحٌ للقوة النّفسانية، مُكثرٌ من جوهر حاملها حتّى إنّه رُبما عاد برخائه مانعاً من تحلّل الأرواح.

والثانية: سُكون الجوارح وراحتها ممّا يَعرض لها من التّعب فيريح الحواس من نصب اليقظة ويزيل الإعياء والكلال [18].


والتوازن في النوم نجده حتى بين فوائد النوم ومضاره، ومَفَاسِدُ نَوْمِ النّهَارِ وَبِخَاصةٍ آخِرُهُ: بأن نوم النهار رديءٌ يُورث الأمراض الرطوبيّة والنوازل ويُفسد اللّون، ويورث الطّحال ويُرخي العصب، ويُكسل ويُضعف الشّهوة إلا في الصيف وقت الهاجرة وأردؤه نوم أول النهار، وأردأُ منه النّوم آخره بعد العصر. قال الشّاعر:
أَلَا إنّ نَوْمَاتِ الضّحَى تُورِثُ الْفَتَى ••• خَبَالًا وَنَوْمَاتُ الْعُصيْرِ جُنُونُ

أما مفاسد نوم الصبحَةِ: يمنع الرزق لأنّ ذلك وقتٌ تَطلبُ فيه الخليقة أرزاقها وهو وقت قسمة الأرزاق. فنومه حرمانٌ إلاّ لعارضٍ أو ضرورة وهو مُضرّ جداً بالبدن لإرخائه البدن وإفساده للفضلات الّتي ينبغي تحليلها بالرياضة فيحدث تكسراً وعَيّاً وضعفاً [19].

فالتربية الاقتصادية تحض على الإيمان بقدرة الله تعالى بميزان الاعتدال الذي خلقه رحمةً لعباده، ومن خلال سنة رسوله في إتباع هذا الميزان في حياته، وللأسف الشديد فقد حاد كثيرٌ من المسلمين عن هذا الأمر الإلهي العظيم، فنجد من استبدل ليله بنهاره، وقضى معظم ساعات الليل في السهر، الذي يضني الجسد، ويتعب العقل، وبالتالي يقضي معظم ساعات النهار في النوم أو في إرهاق وتعب شديد، وخمول وهذا ملاحظ عند كثير من التلاميذ في المدارس مما يؤدي إلى تراجع في المستوى الاجتهادي وتقصير في الدراسة.

وبعد، فإن النوم يستأثر بنحو ثلث حياة المرء، إذ يتراوح نومه حول ثماني ساعات في اليوم. فإذا استطاع أن يكون في نومه مقتدياً بهدي الرسول من أفعال وأقوال، فإن هذا الوقت الطويل يعود عليه حينئذ بالنفع، إذ يثاب عليه من الله سبحانه وتعالى. والمرء الذكي هو من يستطيع أن يحوّل عاداته إلى عبادات. ولكن للأسف نجد أنّ الانحسار التدريجي في مفهوم العبادة من كونه شاملاً لكل حياة الإنسان، لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162] وإلى انحصاره في الشعائر التعبدية وحدها دون بقية الأعمال إلى تحول الشعائر ذاتها إلى أعمال تقليدية، تُؤدَّى بحكم العادة دون وعي حقيقي بمقتضياتها، إلى إهمالٍ لبعض الشعائر... وانتهاءً بالخروج من أدائها جملة حتى الصلاة! ونجد أن النمط السائد الآن في حياة المسلمين يعتريه الخلل من زاويتين: الكم والكيف من حيث الكم: فالناس متفاوتون في حاجتهم لساعات النوم، ويُعود ذلك لطبيعة الشخص الجسدية والعمرية، وإن كان الغالب تحديد ساعات النوم بثمان ساعات يومياً.

أما من حيث الكيف: نجد مثلًا أن الإسلام يحض على نوم الفرد مبكراً؛ حتى يتمكن من القيام لصلاة الفجر. وعدم النوم بعدها، للسعي وراء الرزق، لأن رزق الأمة المسلمة جُعل في بكورها، وعلى المسلمين أن يصبغوا حياتهم بهذه الصبغة، ويحرصوا على تنفيذها لكي تصبح حقيقة واقعة [20].

وللراحة حدَّ وهو إجمال النفس والتقوى المدركة والفعالة للاستعداد وللطاعة، واكتساب الفضائل، وتوفرها على ذلك بحيث لا يُضعفها الكد والتعب، ويُضعف أثرها، فمتى زاد على تلك صار توانياً وكسلاً وإضاعة وفات به أكثر مصالح العبد، ومتى نقص عنه صار مضراً بالقوى موهناً لها.


[1] شحاته، حسين، الاقتصاد الإسلامي بين الفكر والتطبيق،51.

[2] بديوي، يوسف وقاروط، محمد، تربية الأطفال، 108.

[3] شحاته، حسين، الاقتصاد الاسلامي بين الفكر والتطبيق، 6.

[4] الحنفي، عبد المنعم، تجليات في أسماء الله الحسنى، 407.

[5] المتقي الهندي، كنز العمال، كتاب المعيشة في الأفعال، باب محظور الأكل، 15، حديث (41713)، 696.

[6] البستاني، بطرس، (ت 1300ه/ 1883م) محيط المحيط، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، ط2، 1408 هـ/ 1988م، باب الراء، فصل الغين، 241.

[7] الماوردي، أدب الدنيا والدين، 333 وما بعدها.

[8] البخاري، الجامع الصحيح، كتاب اللباس (77/ 15)، باب: قوله تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده11)، 9،37.

[9] الترمذي، جامع الترمذي، كتاب الزهد (2304/2414)، باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل (47)، حديث (2380)، 664.

[10] الشيباني، محمد بن الحسن ( ت 189هـ/ 785م)، الاكتساب في الرزق المستطاب، عرف الكتاب وترجم للمؤلف وعلق حواشيه محمود عرنوس، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1406هـ / 1986م، 50 وما بعدها.

[11] الغزالي، إحياء علوم الدين، 5، 179.

[12] الماوردي، أدب الدنيا والدين، 337 وما بعدها.

[13] الحاكم ، المستدرك على الصحيحين، كتاب اللباس، حديث (7371)، 4،203.

[14] المرجع السابق، كتاب الجمعة (11 )، باب الدهن للجمعة (6/ 323 )، حديث (884 )، 2، 89.

[15] المرجع السابق، كتاب الصيام (30/ 9 )، باب السواك الرطب واليابس للصائم ( 27/27 )، 3، 181.

[16] مسلم، الجامع الصحيح، كتاب اللباس والزينة (37)، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات (34)، 3، حديث (2128)، 1680.

[17] الماوردي، أدب الدنيا والدين، 340.

[18] ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، 4، 219.

[19] ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، 4، 219.

[20] يوسف، محمد حسن، آداب النوم والاستيقاظ، مراجعة محمد يسري، مكتبة التوحيد، 1425هـ/1995م، بتصرف.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.91 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]