اكتئاب نفسي وضعف بدني

[ابوالوليد المسلم]

اكتئاب نفسي وضعف بدني


أ. عائشة الحكمي





السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكرًا لإتاحة الفرصة لنا باستشارة ثِقاتٍ أمثالكم، سأحاول الاختصار قدْرَ الإمكان؛ فلا رغبة لديَّ في الكتابة.



أنا آنسة في 23 من عمري، أشعر أنِّي مُتَهالكة من الدَّاخل؛ كلُّ شي يمر كما اللاَّشيء، الأشخاص والأحداث لا تُثِير اهتمامي، ولا أُعِير شيئًا انتباهًا، في داخلي حديثٌ متواصِلٌ في كلِّ شي بدون مَنْهجيَّة، هكذا يدور كلُّ شي عن نفسي، عن مستقبلي الوظيفي، عن وضعي الحالي، وهذا الشَّتات الذِّهني قبل فترة قصيرة جدًّا، أسبوع تقريبًا تلاَشى بشكل عجيب، هكذا فقط، ذهب مع الرِّيح.



مشكلتي الآن أنني بدأتْ فجأةً أشعر بضيق وانخفاض حادٍّ في المزاج، وضَجر وعَجْز حتىَّ إنَّني أترك أيَّ عمل في يديَّ، وأذهب للنوم؛ لأتخلَّص من هذا الشعور، دائمًا وغالبًا أشعر بالخُمول ونَقْص الطَّاقة، ولو لم أَبْذل أيَّ جهد، أرغب فقط في الاستلقاء، تأتيني أحيانًا - بعد أن كانت دائمًا - لحظاتُ خفقان سريع، وأحيانًا انخفاضٌ في النَّبض، لو كنت نائمة أستيقظ، ولو كنت على وشك النوم لا أستطيع النوم، بل أقوم لأتخلَّص من هذا الشُّعور، وربَّما طُفْت في أرجاء البيت حتىَّ يزول، مع أنَّني حينها أشعُر بالتعب، وأفكِّر أنه من الممكن أن يتوقَّف قلبي وأموت لا قدَّر الله، شهيَّتي للطعام لا تكاد تكون، فقط هكذا آكُل؛ لأنَّ هذه الوجبة كنت أستمتع بها، أو لمجرَّد الأكل، وأحيانًا لا أرغب في تناوُل أيِّ شيء، ولو كنتُ جائعة، نومي لا يقرُّ له قرارٌ، مرَّاتٍ أنام باكرًا وأستيقظ باكرًا، ومرَّات أسهر الساعات الطوال.



أشعر بأن لا شيء ممتع، كلُّ شي عادي، وأكثر من عادي، أنسَحِب من العلاقات الاجتماعية، أختَلِق الأعذار؛ لأعتَزِل الناس، لا أرغب في التواصل معهم، أو بالأحرى لا يوجد شيء أتواصل به معهم؛ فحياتي راكدة، لا شيء فيها، مجرَّد نوم واستيقاظ، لا وظيفة، ولا رحلات ولا شيء، فقط عالَم إلكتروني، مع العلم أنني عِشْت أوقاتًا من السَّعادة حينما كنتُ موظَّفة، وكنتُ فَخُورًا بنفسي، وأصبحتُ شخصيَّة واثقة من نَفْسها وكنت أقوم بزيارات عائلية، وأنا سعيدة بما أنا عليه، ولكنْ ذهَبَت الوظيفة.



أخجل من مقابلة الآخَرِين وأنا لا شيء، وقريبًا سأبدأ في دراسة السَّنة الأُولى في الجامعة، لا أعلم كيف ستكون وهذه حالي؟! شيءٌ حدث معي قَبْل فترة طويلة أعتقد أنَّ من المهمِّ ذِكْرَه؛ لأنِّي اعتقد أنَّه نقطة تحوُّل كبيرة، وسبَبٌ كبير فيما أُعاني منه، وهو في عام 2008 أُصِبت بنوبات الهَلَع والذُّعر؛ نتيجة توهُّمي بأنِّي مصابة بسرطان، وعِشْت في هذا الوهم والخوف فترة طويلة جدًّا قرابة 6 - 8 أشهر، لا أذكر، وقْتَها لم يتفَهَّم أحَدٌ وضْعي؛ فأمِّي وأبي أُمِّـيَّان، وأنا لم أكن أعلم أن ما أمرُّ به هو نوبات ذُعر، كنتُ أعتقد أنِّي أحتضر وأموت، أو أني مصابة بمرض خطير، هذه الأعراض كلُّها جاءتني بعد التوهُّم بالسَّرطان، عافانا الله وإيَّاكم.



كتب اللهُ لي الشِّفاء من هذه النَّوبات بالدُّعاء أوَّلاً، وبالقراءة عن الأعراض وتفسيرها، ولكن إلى اليوم تأتيني حالات من الخفقان، وإلى اليوم لا أستمتع بحياتي، تبلَّدت مشاعري إلاَّ من الحزن والضيق، أريد أن أشعر بالمتعة، بالحُبِّ أحيانًا، أفكِّر أنه عليَّ أن أعيش حالةَ حُبٍّ؛ لأختبر مشاعري، وأخشى من هذه الفكرة الخَرْقاء أن تدمِّر حياتي، قبل أسبوع أو أسبوعين - لا أَذْكر - انتابَتْني سكينة وسعادة لا أعرف لها سببًا، هكذا وجدت سلامًا داخليًّا، سَعدتُ به كثيرًا لمدَّة يومين، ثُم عُدت وانتكست، ثم عدت للسَّكينة، وهكذا.. ما الحلُّ في حالتي في رأيكم؟ كيف أعود كما كنت؟


الجواب
وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته.

بدايةً، أُحيِّيكِ على هذا الوصف الدَّقيق لحالتكِ، والذي يَكْشِف عن مَدى وعْيِكِ وفهمكِ ونضجكِ واستبصاركِ بمشكلتكِ ومعاناتكِ، كان الله في عونكِ، وشفاكِ شفاءً تامًّا لا يغادر سقمًا، اللهم آمين.



الأعراض التي ذكَرْتِها هي أعراض "اكتئاب" Depression بلا منازع، وحين أقول "اكتئاب" فهذا يعني أنني أتحدَّث عن "الاكتئاب" كمرض نفسي، وليس مجرَّد حالة حزن عابرة.



أراكِ أيضًا تعانين من "نوبات هلع" Panic Attacks واضحة، والمعروف عن نوبات الهلَع أنَّها مرض نفْسي مستقلٌّ بذاته، ويَبْدو لي كما فهمْتُ من استشارتكِ أنَّ الاكتئاب لديكِ هو نتيجة لنوبات الهلع.



الدِّراسات الحديثة تُشِير إلى وجود علاقة ارتباطيَّة وثيقة الصِّلة بين مرضِ الاكتئاب النَّفسي ونوبات الهلع، يمكنك الاطِّلاع على بعض هذه الدِّراسات باللُّغة الإنجليزية؛ لمزيد من الفائدة:



http://www.healthyplace.com/depression/main/relationship - between - depression - and - anxiety/menu - id - 68



http://www.wisegeek.com/what - is - the - connection - between - depression - and - panic - attacks.htm



من المهمِّ أيضًا الإشارةُ إلى موضوع ترْكِك للوظيفة والذي لم تَذْكُرِي لنا أسبابه، ولم تخبرينا أيضًا متى كان ذلك؟ أعني هل تَلَت هذه الأعراضُ فُقدانَك للوظيفة مباشرةً؟ وهل بدَأَت هذه الأعراض في الظُّهور منذ بضعة أيام أو أسابيع؟



إنْ كان الأمر كذلك فسنكون هنا أكثر تحديدًا في وصف نوع الاكتئاب الذي تُعانين منه، وهو ما نَصْطلِح عليه في الطِّبِّ النَّفسي باسم "الاكتئاب التفاعلي" Situational Depression or Reactive Depression.



يأتي سببُ تسمية هذا النَّوع من الاكتئاب بهذا الاسم من ارتباطه المباشر بمواقف أو أحداث مؤْلِمة خارجية تصيب الشخص، كفقدان عزيز، أو الإصابة بمرض عُضال كالسَّرطان، أو فقدان وظيفة، أو طلاق، ونحو ذلك، فتكون الاستجابة للمرض هي نوعًا من التَّفاعل مع تلك المواقف التي تعَرَّض لها الشخص المصاب بالاكتئاب.



لكن هذا النوع من الاكتئاب وإنْ كان يشمل كلَّ أعراض الاكتئاب الرئيسة، إلاَّ أنه لا يستمرُّ طويلاً؛ بل يستمرُّ لمدة قصيرة لا تتجاوز الأيام أو الأسابيع على الأكثر؛ لذا إنْ كانت هذه الأعراض مستمرَّة لديكِ منذ عدَّة أشهر، فعندئذٍ يمكننا استبعاد هذا التَّشخيص إلى غيره.



التشخيص الفارق للمرض النَّفسي ليس بالأمر السَّهل من خلال مَشُورة طبِّية في العيادة وجهًا لوجه، فكيف إذا تمَّت هذه الاستشارة عبر الإنترنت؟! بالتأكيد سيصعب الأمر كثيرًا، وستزيد احتماليَّة الخطأ على الصَّواب، خصوصًا إن لم يكن هناك تواصُل مستمرٌّ بين المستشير والمستشار؛ للتعرف أكثر على الأعراض والأسباب التي أدَّت إلى ظهور المرض.



على أية حال، ما أنصحكِ به هو المسارعة في تلقِّي العلاج الدَّوائي عبر تناول مضادَّات الاكتئاب التي تَعْمل بفاعلية كبيرة لعلاج نوبات الذُّعر، وبالتَّالي التخفيف من أعراض الاكتئاب، وتحسين حالتك - إن شاء الله - شريطة أن يتمَّ ذلك تحت إشراف طبِّي.



موضوع الاكتئاب من أشهر الموضوعات النَّفسية المطروحة على الشبكة العنكبوتية عامةً، وعلى شبكة "الألوكة" بصفة خاصَّة؛ لذا يمكنك الرُّجوع إليها والاستفادة مما كتبناه في هذا المجال، وبالله التوفيق.



مُتمَنِّية لكِ في الختام الشفاءَ العاجل، والتوفيقَ في دراستك، والسَّعادة في حياتك، واعذرينِي كثيرًا على هذا التأخير غير المقصود.



تقبل الله منا ومنكِ، وكلَّ عام وأنت ومن تُحبِّين بألف خير.