مقاصد سورة الأنبياء - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدور الحضاري للوقف الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          آفاق التنمية والتطوير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 3889 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6961 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6430 )           »          الأخ الكبير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          فوائد متنوعة منتقاة من بعض الكتب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 198 )           »          الحفاظ على النفس والصحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          شرح النووي لحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          نظرية التأخر الحضاري في البلاد المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الاستعلائية في الشخصية اليهودية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 18-01-2021, 01:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد سورة الأنبياء

مقاصد سورة الأنبياء
أحمد الجوهري عبد الجواد





نور البيان في مقاصد سور القرآن










"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".











(21) سورة الأنبياء



الحمد لله ربّ العالمين، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، نحمده سبحانه وتعالى أن كان واحداً أحدا، لم يتخذ شريكةً ولا صاحبة ولا ولدا، نحمده ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل إلى البشرية ديناً واحدا، بعث بشرائعه جميع الأنبياء إلى كل الأمم، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى أمانته، ونصح للأمة، وكشفت الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهادٍ حتى أتاه اليقين، وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: "الأنبياء إخوة لعَلات"، يعني يشبهون الإخوة لأمهات، "الأنبياء إخوةً لعَلات؛ دينهم واحد وأمهاتهم شتى"[1]، أي أن الأنبياء كالإخوة لأمهات، يكون أبوهم واحداً، ومصدر وجودهم واحداً، فالأنبياء كذلك مصدر نبوتهم ورسالتهم جميعاً هو واحدٌ فقط وهو الله، وأمهاتهم شتى أي شرائعهم مختلفة، متنوعة حسب كل أمةٍ ورحمة الله بها، وإرادة الله فيها، صلي يا ربنا وسلم على من علمنا الخير صلاةً وسلاماً دائمين أبداً ما دامت السموات والأرضون.







أما بعد:



أيها الإخوة المسلمون، هذا لقاءنا مع تلكم السورة المباركة وهي سورة الأنبياء، تحمل هذا الاسم العظيم، اسمٌ يشمل سلسلةً مباركةً وصفوةً مختارةً من البشر، الأنبياء، والأنبياء جمع نبي والنبي بشرٌ أرسل الله إليه وأوحى إليه ليدعو إلى الله بوحي من الله معصوم، فهو إنسانٌ بشر ولكنه نبا عن غيره من البشر، نبا عن أمثاله من البشر، أي ارتفع وعلا، ففي لغة العرب نبا، أي ارتفع وعلى ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ، هو بشرٌ مثلنا عليه الصلاة والسلام ولكنه ارتقى وكذلك إخوانه الأنبياء والمرسلون جميعاً ارتقوا وارتفعوا بأن الله يكلمهم، بأن الله يوحي إليهم، بأن الله عصمهم، بأن الله ائتمنهم على رسالته، وائتمنهم على بلاغ أمانته للناس.







فسورتنا المباركة سماها ربنا سبحانه وتعالى عندما أنزلها بسورة الأنبياء، وهي بهذا الاسم إلى الآن وإلى أن تقوم الساعة، ولم يذكر العلماء لها اسماً آخر، لا من عند الله ولا باجتهادٍ من العلماء، وهي سورةٌ مكيةٌ نزلت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة[2]، وبالتالي فقد حفظنا وثبت في قلوبنا والحمد لله أن كل السور المكية إنما تتحدث عن العقيدة، وعن تثبيتها في النفس، وعن تصحيحها عند البشر، وكثر هذا كما استمعنا عبر واحد وعشرين هذه هي الواحدة والعشرون، من خلالها سورٌ مكيةٌ كثيرة ويأتي أكثر إن شاء الله، كثر الكلام عن العقيدة، وكثرت السور المكية لأن الكافرين كانوا أهل جدال وأهل مراء، والله تعالى يريد أن يوفي لهم بالحجة، وأن يبين لهم كلّ بينة لئلا يكون للناس على الله حجةٌ ولا شيءٌ يدافعون به عن أنفسهم أو يقومون به في وجه الله مساءلين يوم القيامة بعد هذا البيان العظيم، فيوفي الله لكل مدعوٍ بحاجته في الدعوى، فيعطيه كلّ ما ينبغي أن يُعطى وربما يزيد، فلذلك كثر الحديث في القرآن الكريم عن العقيدة لأنها هي الأساس، ويركز القرآن دائماً كما قلنا أكثر من مرة، يركز على هذه الأركان الأربعة أو تجعلها ثلاثاً اختصاراً، على معرفة الإله ووحدانيته، الإله الحق، من الذي يستحق عبادتنا؟ وما أسماؤه وما صفاته التي تؤهله لذلك وتجعلنا بقناعة نصرف كل عبادتنا له؟ وماذا يريد ذلكم الإله منا، لا شك أن له تكليف علينا، وله برنامج معين يريد أن نعيش به حياتنا، وأن نعبده به، فأرسل الرسالات، فيؤكد الله تعالى على صدق الرسالة، وعلى ربانية القرآن وأنه من عند الله وليس حديثاً يُفترى.







وإذا كان أمر الرسالة كذلك فلابد أن نتعرف على الرسول الذي جاء بالرسالة، وقد واجهه الناس بغير حقيقته ووصفوه بغير صفته، فقالوا عنه شاعرٌ ومجنونٌ وكذاب ومفترٍ إلى غير ذلك، فالله تعالى يحقق هذا، واحتجوا كيف يكون الرسول بشراً، الله يبين لهم هذا، أنه لا يصلح أن يكون الرسول إليكم يا بشر إلا بشراً، ما يصلح أن يكون إلا بشراً، ثم ما الغاية من وجود الإله ثم وجودنا، وما الغاية من بعث الرسل وإرسال الرسالات، الحساب عليها يوم القيامة، فيوم القيامة هو الحياة الحقيقية ولكن يفرز الله الناس في الدنيا أولاً، يميز الله الخبيث من الطيب في الدنيا أولاً، بعرض رسالاته وبعث رسله عليهم الصلاة والسلام وأنبيائه ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ عرف وكفر عرف الحق وكفر به فمات على كفره، فهذا هلك وهو يعلم أنه على باطل، هلك بعد أن بلغه العلم ووصلته الدعوى، وقامت عليه الحجة، ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ، الذي يدخل الجنة ويبقى حياً كريماً في قبره يُنعَّم فتعتبر فترة موته في القبر حياة لأنه ينعم، ويوم القيامة يعيش في الجنة حياةً كريمةً عالية، هذا أيضاً يكون قد حيَّ وعاش في الدنيا والقبر والآخرة على بيِّنة كذلك، ثم يوم القيامة يحاسبهم الله تعالى، فيأخذ كلٌ جزاءه وحسابه ولا يملك حجة، ولا يملك عند الله عذراً ﴿ بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ .







السور المكية عادةً تركز على هذه النقاط الأربعة، ولو ضممت الرسل والرسالات في عنصر واحد صاروا ثلاثة، الألوهية والنبوة والأنبياء ويوم القيامة، فسورتنا مكيةٌ من هذا النوع، ولذلك فهي تبسط هذا الأمر بسطاً عظيماً، ومن بلاغة القرآن ومن حكمة الرحمن سبحانه وتعالى أنك تجد كل سورة مكية تعرض هذا الأمر عرضاً جديداً، عرضاً يختلف عن عرضه في السورة الأخرى، وما أكثر هذه السورة، ومع كثرتها لم تتشابه أساليبها، ولم تتكرر كلماتها، إنما هناك تجديدٌ دائماً في الحديث وفي الخطاب، فالخطاب الديني مجدداً تلقائياً لا يحتاج إلى تجديد ولا يحتاج إلى تعديل، طالما الدعوة بالقرآن والسنة فإنه خطابٌ جديدٌ دائماً في كل مرة.







أحبتنا الكرام، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وحدث في بعض أحاديثه عن هذه السورة وعن الإسراء والكهف وطه ومريم والأنبياء، قال: "هن من العِتاق الأُول وهن من تلادي"[3]، من العتاق الأول أي من السور المكية التي نزلت قديماً من السور الأوائل في النزول، وهن من تلادي أي من الأشياء التي أداوم عليها، ومن السور التي أحبها وأكثر قراءتها وأعاهدها بالقراءة والتلاوة، فكانت لها مكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض السور المكية الأخرى.







هذه السورة تبدأ حديثها حول العقيدة في أربعة موضوعات اختصاراً، بدايةً جولةٌ عظيمةٌ من السورة يستفتحها الله تعالى بهذا الخبر الشديد المفزع المروع ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ، ثم تكلم عن الكافرين ﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ استطرق الحديث واستطرد إلى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال الكافرون عنه: إنه بشر، وإنه مفترٍ ﴿ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ، أهو بشرٌ، أو شاعرٌ أو كذابٌ، أو ساحرٌ، أو كاهن، أوصافٌ تتعارض مع بعضها وتختلف مع بعضها، أي واحدٍ هو من هؤلاء؟ تنوعت كلماتهم فيه عليه الصلات والسلام، وذلك مما يدل على تخبطهم وعدم يقينهم بالباطل الذي لزموه وقاموا عليه، لذلك في آيةٍ أخرى الله تبارك وتعالى يُعجِّب من حالهم، ﴿ انظُرْ أي انظر وتعجب يا محمد عليه الصلاة والسلام، يا نبي الله الكريم تعجب من حال هؤلاء الناس ﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ أي الأمثال الكثيرة، والأمثال هنا معناها الأوصاف، أي وضعوا لك أوصافاً كثيرة لينفروا عنك وليصدوا عن سبيلك ﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ، لا يهتدون إلى طريقٍ حق، مرةً يقولون هكذا، ومرةً يقولون هكذا، وهذه الأوصاف تتعارض مع بعضها وتختلف عن بعضها، الله تبارك وتعالى يحاورهم في هذا الإطار ويُبيّن لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول حقٍ، هو واحدٌ ختم الله به سلسلةً مباركة ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ اسألوا أهل الذكر هل بعث الله قبل ذلك رسولاً من غير البشر، هل بعث الله رسولاً امرأة من البشر، أو بعث رسولاً من غير البشر من الجن أو الملائكة فجاء يكلم الناس برسالة الله، ما حصل هذا أبداً عبر الدنيا كلها، كل رسولٍ يبعثه الله إنما هو بشرٌ مثلكم، ولكنه ملك وبلغ الكمال البشري، فهو صفوةٌ من قومه عليهم جميعاً وعلى نبينا الصلاة والسلام، ثم تطرق الأمر إلى جانبٍ آخر من جوانب الكفر عند هؤلاء الكافرين، كما أنكروا الرسالة وكذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يقف شرهم عند ذلك الحد وإنما تعدوا على الله تبارك وتعالى، فنسبوا إليه الولد وقالوا ﴿ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ نسبوا لله الولد وعبدوا آلهةً أخرى من دونه، جرائم متعددة في جانب الألوهية وفي جانب الوحدانية، فجعلوا آلهةً مع الله، ونسبوا الولد لله وعبدوا أولاد الله - إن كان لله أولاد -، وهكذا باطلٌ في باطل، الله أيضاً يبين لهم ويناقشهم في هذا المجال، وكان من خبث ما قالوا، ومن أخبث ما ادعوا أن الله تعالى - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - حصلت بينه وبين الجن معاشرة زوجية فأنتجوا الملائكة، إذاً بالملائكة بنات الله فلنعبد بنات الله، وبنات الله لا ينزلون إلينا إلى الأرض إنما تحل أرواحهم في هذه الأحجار، وفي هذه الأصنام، خَيّلوا لأنفسهم هذا الخيال الواسع المقيت الذميم، وعبدوا الأصنام على أن فيها أرواح الملائكة الذين هم بنات الله، الله تعالى يرد كل هذا ويقول ﴿ سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ تكلم عن الملائكة وبين موقفهم ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ *لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ *وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ، الملائكة لا يملك أحدهم أن يقول إني إله ولا ابن للإله إنهم يخافون الله ويعظمون الله، إنهم يقومون بأمره، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، الله يعلم كل شيءٍ عنهم وهم لا يعلمون شيئاً عن الله، صفاتهم صفات الخلق، والله يعاملهم معاملة الخلق، ولو كانوا بناتٍ لله لكانت مكانتهم أعظم من ذلك، ولماذا يخبئ الله عنا أن له ولداً؟ أيخاف منا؟ أيحرج منا؟! كلا والله، لو كان لقال وأعلن سبحانه وتعالى، ولكن وجود الولد في حياة الأب والأم يكون لحاجةٍ وعلة، نحتاج إلى أولادنا، إذاً فينا نقصٌ لن يسده إلا أولادنا، وأقل شيء أن يحملوا ذكرنا بعد موتنا، هذا أقرب شيء، أو يعنوننا في حياتنا على المعاش ونحوه، وهذا كله نقص، وكل نقصً محالٌ على الله، فالله تعالى هو الذي وجبت له الكمالات كلها، ولا كمال إلا لله تبارك وتعالى، فيناقشهم الله تعالى في هذه القضية أيضاً.







إلى أن يأتي يوم الحساب بعد الموت ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ وهذه بوابة الدار الآخرة، الموت، نسأل الله أن يقبضنا إليه وأن يدخلنا من هذه البوابة على خير وصلاح، اللهم آمين.







فيكلمهم الله تعالى عن يوم القيامة وما يكون فيه في طرفٍ قصير من باب التذكرة، ثم بعد ذلك يعرض الله تعالى عرضاً جليلاً لستة عشر نبياً وامرأة قيل إنها نبية والصحيح أنها ليست من الأنبياء، هي مريم ولكنها كانت أماً لنبيٍ كان معجزةً وآيةً في الأنبياء وهو سيدنا عيسى عليه السلام، الذي جاء من طهر ولا يعرف الخبث طريقاً إليه، جاء من عند الله آيةً وكلمة ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، جاء من غير نكاحٍ ولا سِفاح، جاء بغير أب، من أم فقط، فكان آيةً على كمال قدرة الله تبارك وتعالى الذي خلق قبل ذلك من غير أب ولا أم، وخلق حواء من آدم فكان لها كالأب ولا أم لها، وخلق الخلق جميعاً من ذكرٍ وأنثى فكان هناك أب وأم، بقيت الصورة الرابعة التي تدل على كمال قدرة الله وأن الله لا يعجز عن شيء أبدا، وهو أن يخلق من أم بدون أب، فكانت في عيسى عليه السلام.







ستة عشر نبياً يذكر الله خبرهم في هذه السورة، وإن أطال في بعضهم وقصَّر أو أوجز في قصة بعضهم فإنها تذكرة، ولم يكن هذا في سورةٍ أخرى، لم تجمع هذه الكوكبة من الأنبياء في سورةٍ أخرى غير سورة الأنعام، ذكر الله فيها ثمانية عشر نبياً، ولكن قال العلماء: لما نزلت سورة الأنبياء قبل سورة الأنعام فازت بهذا الاسم وسميت سورة الأنبياء، ففيها كوكبةٌ عظيمة من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، ويذكر الله الأنبياء هنا مع أقوامهم من خلال منظورٍ معين، ويعرض مشهداً خاصاً من حياة الأنبياء مع أقوامهم، وهو كيف أن الأنبياء كانوا على هدىً وأن الكافرين كانوا على ضلال، هذا هو المشهد فقط الذي يُعرض من خلال قصص الأنبياء في هذه السورة، ولذلك يقدم الله تعالى بقصة إبراهيم بقوله ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ، فيعرض الله تعالى رشاد الأنبياء في دينهم وفي دعوتهم، وأنهم كانوا راشدين، ومن تبعهم رشد معهم، أما من خالفهم وعارضهم فقد سفه نفسه، وقد ضل ضلالاً مبينا، وظهر هذا واضحاً جلياً من خلال موقف سيدنا إبراهيم عليه السلام حين كسَّر أصنام قومه، ودار الحوار بينهم ﴿ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ ، فكانت صدمةً صدم بها إبراهيم قومه في كلمةٍ قصيرة، وكان ذلك قبل نبوته ﴿ فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ فأفاق الناس ورجعوا إلى أنفسهم، قالوا إنكم أنتم الظالمون، إبراهيم على حق فالآلهة لا تتكلم ولا تنطق، كيف تكون آلهة، إبراهيم على حق والحق معه ﴿ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ ، رجعوا إلى الوضع الذي كانوا عليه قبل ذلك من لحظات، فكانت رؤوسهم تحت وأرجلهم إلى أعلى كأنهم كانوا يمشون هكذا، الله يصورهم بهذه الصورة الذميمة، إنسانٌ يمشي على رأسه ويرفع قدميه، فينحسر ثوبه عن عورته وتظهر سوءته، ورأسه إلى أسفل ورجلاه إلى أعلى، فهو بأي شيء يفكر، يفكر بقدميه ولا يفكر برأسه وقلبه، فهذا إنسانٌ منكوس معكوس وبالتالي أفكاره معكوسة، المشاهد التي يراها معكوسة، الرأي الذي يراه معكوس، حياته كلها منتكسة، فهو في انتكاسة خطيرة ﴿ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ .







انتهى الأمر إلى أن أعدوا له ناراً عظيمة تحرق كل ما يقع فيها، تحرق بلداً، كانوا يتقربون إلى آلهتهم بجمع الحطب لهذه النار، يريدون أن يقتلوا إبراهيم قربى إلى الآلهة المزعومة، حتى ذُكر أن المرأة الحامل والتي تريد ساعةً سهلةً في الميلاد وهي تلد ولدها كانت تقدم قرباناً إلى الآلهة جمعاً من الحطب تضعه على هذه النار، وكل هذا الكيد، وكل هذا المكر لم ينفع بشيء، كان ضلالاً، في النار قال حسبي الله ونعم الوكيل، قال الله ﴿ نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ ، وفي سورة الصافات ﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ فكانوا الأخسرين وكانوا الأسفلين، من الخسران ومن السَفَل والانحطاط، مع من تريد أن تكون أيها الإنسان في هذه الأمة، مع أهل الرشد والرشاد، أو مع أهل السَفَل والانحطاط، هذا منظر يعرضه الله تعالى أمام هذه الأمة ليعقل الناس.







وتُختم السورة بموضوعٌ وجولةٌ رابعة وهي عرض المصائر، عرض النهايات، يوم القيامة يسير خلقٌ إلى النار ويسير خلقٌ إلى الجنة جعلنا الله تعالى من أهل الجنة، إذ يقول الله تعالى قولةً عظيمة مفزِّعة، قولةً مستفزة للآلهة وعبادها لو كانوا على حق لقاموا في وجهها، فسكوتهم أثبت عجزهم وأثبت أنهم على باطل، الله تعالى يقول لهم ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ليس فقط يحترقون بجهنم، بل هم وقود النار، ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ أنتم وآلهتكم التي أشركتموها منع الله حصب أي وقود وحطب جهنم، ﴿ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ، هذا مصيرٌ مشئوم نعوذ بالله منه، مصير المشركين مع شركائهم، أما مصير المؤمنين جعلنا الله تعالى بفضله منهم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ، ما شاء الله، مصيرٌ عظيمٌ هائلٌ رائع، مصيرٌ جميل، مصيرٌ مطمئن، ما شاء الله.







وبهذا تنتهي السورة بعد تعليقٍ صغير كالنتيجة والخلاصة من هذه السورة ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ عليه الصلاة والسلام، يعني يا هذه الأمة بعد هذا البيان الطويل أخلُص إليكم لأقول لكم إن رسولكم محمداً صلى الله عليه وسلم ليس كما تقولون، ليس مُلكاً ولا سلطاناً ولا قلباً لنظام حكمٍ ولا غير ذلك في مكة وفي المدينة ولا في العرب ولا في العجم، بل إنه جاء رحمة، لمن؟ للعالمين، ليس لكم فقط بل لكل العالمين، والعالمين تشمل عالم الإنسان، وعالم الجان، وعالم الحيوان، وعالم الحشرات، وعالم النبات، فإن الله تعالى حينما أهلك قوم نوحٍ قبل ذلك بالطوفان، أو أهلك قوم عادٍ بالريح الدبور، أو أهلك قوم صالحٍ بالصيحة، وقوم لوطٍ بالرفع والقلب، وغيرهم كذلك، حينما أهلك أمةً وسلط عليها عذابه، إنما أهلك الأمة بمن فيها، جاء الطوفان فأخذ الكل، ولذلك أمر الله نوحاً أن يحمل معه في السفينة من كلٍ - من كل خلق - من كلٍ زوجين اثنين لتستأنف الحياة بعد الطوفان من كل نوعٍ في الخلق، فجاء الطوفان فأخذ كل شيء، النبات، والحشرات، والحيوان، والكلاب، والحمير، ماتت كل هذه المخلوقات البريئة ودُمرت الأكوان بشؤم الكفر والشرك والعياذ بالله، وبسبب هذا الإنسان الجاهل الضال.


يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 135.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 133.35 كيلو بايت... تم توفير 1.94 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]