أين الاقتداء برسول رب العالمين في رحمته التي شملت العالمين؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أسباب انقطاع المطر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أصناف الناس بعد رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          غزوة أحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الإيمان والأمل وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (8): حفصة بنت عمر رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (8) (فقه الأسماء الحسنى) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          بين يدي أعظم سورة في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          فضل دعاء غائب لغائب وما يحمله من معاني عظيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الخطاب الدعوي في ألمانيا بين الحس الأمني والحفاظ على الثوابت: خطبة عن فلسطين كأنموذج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          سلسلة شرح الأربعين النووية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 681 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 24-10-2020, 03:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,733
الدولة : Egypt
افتراضي أين الاقتداء برسول رب العالمين في رحمته التي شملت العالمين؟

أين الاقتداء برسول رب العالمين في رحمته التي شملت العالمين؟
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد





إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.



﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. [الأحزاب:70، 71].



أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.



أين الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحمته التي شملت العالمين؟ أين هذه الأمة ورجالها ونساؤها وأطفالها وشبابها كبارها وصغارها من رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للعالمين.



ومن رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمته بالعالمين عامة والأمة، قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[الأنبياء: 107]، وقال سبحانه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].



إنه صلى الله عليه وسلم رحمة للمؤمنين وغير المؤمنين؛ قال ابن جرير رحمه الله بعد أن ذكر قولين في المسألة: [إن الله أرسل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم، مؤمنهم وكافرهم.

فأما مؤمنهم فإن الله هداه به، وأدخله بالإيمان به، وبالعمل بما جاء من عند الله -أدخله ذلك- الجنة.



وأما كافرهم -كيف يكون الرسول رحمة للكافر؟- فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينـزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله]. بتصرف من تفسير الطبري. [1]



انظر! [كيف كانت رحمته - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة؟! وأنهم حصلوا على رحمته من وجهين: أحدها: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته:

1- أما أتباعه؛ -مثل الصحابة ونحن من بعدهم إلى يوم الدين- فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة.



2- وأما أعداؤه المحاربون له، فالذين عجّل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم، لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر.



3- وأما المعاهَدون له -المعاهد صاحب كتاب يهودي أو نصراني يعيش بين الأمة، يعني مواطنين- فعاشوا في الدنيا تحت ظلِّه وفي عهدِه وذمَّتِه، وهم أقلُّ شرًّا بذلك العهد من المحاربين له.



4- وأما المنافقون فحصل لهم -كرامته لهم- بإظهار الإيمان به؛ حقنُ دمائهم وأموالهم وأهلهم، واحترامُها، وجريانُ أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها.



5- وأما الأمم النائية عنه -كيف وصلتهم رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟- فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض، فأصاب كل العالمين النفع برسالته.



الوجه الثاني: أنه رحمة لكل أحد، -أي كل فرد بذاته- لكنِ المؤمنون قبلوا هذه الرحمة، فانتفعوا بها دنيا وأخرى، والكفار ردُّوها، فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم، لكن -هم- لم يقبلوها]. بتصرف من قطوف من الشمائل. [2]

وهذه بعض معاملته صلى الله عليه وسلم لغير المسلمين التي يجب علينا أن نقتدي به فيها؛ فمنها حرصُه صلى الله عليه وسلم على هدايتهم ودعاؤه لهم، وكان يأبى الدعاءَ عليهم بالهلاك، ويتحاشى أن يكون سبباً في هلاكهم؛ فقد رفض الدعاء على قبيلة دوس اليمنية لمّا رفضت أن تسلم، ولم يقبلْ عرضَ ملكِ الجبال بإطباق الأخشبين أي الجبلين -جبل أبي قبيس والذي يقابله- على كفار قريش الذين آذوه، ولم يقبلْ دعوةَ قومِه أن يدعوَ ربَّه بأن يحوِّلَ لهم الصفا ذهباً؛ خشية أن يُكذِّبوا فيستحقوا نزول العذاب، كما جرت سنة الله تعالى بذلك.



ونهى عن قتل المصلين، فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ - يتشبه بالنساء - قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَالُ هَذَا؟!" فَقِيلَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ)، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ، -وهي بلدة قريبة من المدينة- فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَقْتُلُهُ؟) فَقَالَ: "إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ"، قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: (وَالنَّقِيعُ نَاحِيَةٌ عَنِ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ بِالْبَقِيعِ). رواه أبو داود. [3]



نعم! كان رحيماً بالعالمين رفيقاً، فقد (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم رحيمًا، وكان لا يأتيهِ أحدٌ إلاَّ وَعَدَه)، -أي يعطيه شيئا- (وأَنْجَزَ لَه؛ إِنْ كانَ عندَه)، وأقيمت الصلاةُ، وجاءه أعرابىٌّ فأخذ بثوبه، فقال: (إنما بقي من حاجتي يسيرة، وأخاف -أن- أنساها)، -يعني انتظر حتى تعطيني، الأعرابي يريد أن يأخذ من النبي صلى الله عليه وسلم حاجته- فقام معه حتى فرغ من حاجته، ثم أقبل فصلى. رواه البخاري في الأدب المفرد. [4]



قال المناوي رحمه الله في شرح هذا الحديث: [(كان رحيماً) حتى بأعدائه؛ لما دخل يوم الفتح مكةَ على قريش وقد أُجلُسوا بالمسجد الحرام، وصحبُه ينتظروه أمره فيهم؛ من قتل أو غيره -لما قدموه من أذى للمسلمين ولدعوة الإسلام، قال: "ما تظنون أني فاعل بكم؟!" قالوا: (خيراً! أخ كريم وابن أخ كريم). فقال: "أقول كما قال أخي يوسف: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ [يوسف: 92]" اذهبوا فأنتم الطلقاء...]. فيض القدير. [5]



إنه رحمة لمن في الأرض عامة: إن أردت أيها المسلم! رحمةَ مَن في السماء سبحانه؛ فعليك أن ترحم من في الأرض، من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وذلك بتوجيه من الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم، فعن جرير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لا يرحم من في الأرض؛ لا يرحمه من في السماء". رواه الطبراني.[6]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحَمْكم من في السماء". رواه أبو داود والترمذي. [7]



"ومن" للعموم "ارحموا من في الأرض" تشمل الكافر والمسلم والعاقل الإنسان وغير العاقل؛ من الحيوانات والحشرات وما شابه ذلك. قال ابن حجر: [قَالَ اِبْن بَطَّال: فِيهِ الْحَضُّ عَلَى اِسْتِعْمَالِ الرَّحْمَةِ لِجَمِيعِ الْخَلْق؛ فَيَدْخُل الْمُؤْمِن وَالْكَافِر، وَالْبَهَائِم؛ الْمَمْلُوك مِنْهَا وَغَيْر الْمَمْلُوك، وَيَدْخُل فِي الرَّحْمَة -وكيف نرحمهم؟- التَّعَاهُدُ بِالإِطْعَامِ وَالسَّقْي، وَالتَّخْفِيف فِي الْحَمْل، وَتَرْك التَّعَدِّي بِالضَّرْبِ.



وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى مَنْ لا يَرْحَم غَيْره بِأَيِّ نَوْع مِنْ الإِحْسَان؛ لا يَحْصُل لَهُ الثَّوَاب كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]..] أهـ من الفتح. [8]



إنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وتشمل كلمة العالمين العالم الذي يعيش في البرِّ أو البحر أو الهواء، ولا يستثنى من ذلك حشرةٌ صغيرةٌ مأواها جبل أو جُحْر، أو كائن دقيق يعيش في بحر أو نهر، فهو صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة لها، سواء بالنصّ العامّ أو -بالنص- الخاصّ.



ومن معالم رحمته في الحروب؛ أن منَعَ من قتل النساء غير المحاربات، فعَنْ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيءٍ، فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ: "انْظُرْ عَلاَمَ اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ" فَجَاءَ فَقَالَ: (عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ). فَقَالَ: "مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ!" قَالَ: وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ: "قُلْ لِخَالِدٍ: لاَ يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلاَ عَسِيفًا". رواه أبو داود [9]، والعسيف: الأجير، فنحن منهيون عن قتل النساء وكذلك قتل العبيد المملوكين.



وحذر صلى الله عليه وسلم من قتل أطفال المشركين في الحروب وغيرها، وذلك بعد انتصار المسلمين عليهم، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ رضي الله عنه قَالَ: (بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ، فَأَفْضَى بِهِمُ الْقَتْلُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ)، فَلَمَّا جَاؤُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِ الذُّرِّيَّةِ؟!" قَالُوا: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا كَانُوا أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، أَلَا لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، كُلُّ نَسَمَةٍ تُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا، فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا وَيُنَصِّرَانِهَا"). رواه أحمد [10]



فأين من يسفكون دماء الأبرياء باسم الدين من هذه النصوص النبوية؟

وفي الجهاد يرحم صلى الله عليه وسلم ويدعو للمجاهدين والمقاتلين المسلمين أن يرحموا؛ الزهادَ والمنقطعين للعبادة من العُبَّاد، وغيرهم من كبار السن والعجزة.



وعلينا أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم في معاملته ورحمته بالأسرى؛ والأسير من وضع سلاحه من جيش العدو المقاتل، ورفع يديه وأسلم نفسه، فهذا له أحكامه عندنا فلا يجوز قتله، فقد حثَّ على تقديم ما يحتاج إليه الأسير، دون تعذيب أو تجويع، بل شجّع على إطلاق الأسرى؛ بمقابل وبدون مقابل، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فُكُّوا الْعَانِيَ"، يَعْنِي الأَسِيرَ، "وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ". رواه البخاري [11]



هذه هي صفات الرحماء الذين يتبعون هدي الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا[الإنسان: 8].

ورَبط صلى الله عليه وسلم أسيراً في المسجد حتى يسمع كلام الله، رحمةً به لعله يهتدي إلى الإسلام، وينجو من الخلود في النيران، عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ؛ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ". فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. رواه البخاري ومسلم [12]



وعلينا أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم في معاملته ورحمته بأهل الذمة من اليهود والمعاَهدين، والمستأمَنين، الذين يعيشون كمواطنين في أمة الإسلام، وكذلك من دخل ديار المسلمين بإذن ولي الأمر، بتصريح أو تأشيرة أو ما شابه ذلك، فحذَّر من قتلهم، أو الاعتداء عليهم دون وجه حقٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا؛ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا". رواه البخاري [13]



وهذا يشمل السُّفَراء والتجار والزوار والسواح، وكل من أُذن لهم بدخول البلاد لا يجوز التعرض لهم بالقتل وغير ذلك؛ لأنهم دخلوا بتأشيرة وأمان، ودخلوا بإذن فهم في حكم المستأمنين، وأيضا المعاهدين.

وكان اليهود يعيشون في المدينة المنورة في أمن وسلام، حتى إن بعض أبنائهم كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم لأخلاقه، فقد كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ -أي الغلام اليهودي-، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ!" فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ؟ فَقَالَ: (لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم). فَأَسْلَمَ -الغلام-، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ". رواه البخاري [14]



ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي ثمنا لطعامه عليه الصلاة والسلام، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ)... قال الأَعْمَشُ: (رَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ). رواه البخاري [15]



وليس من خُلُق نبي الرحمة تحجيرُ رحمة الله الواسعة عليه فقط، فعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ)، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ: (اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا)، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ: "لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا". رواه البخاري [16]



يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ؛ التي وسعت كل شيء، وأنت تريد أن تقصرها علي وعليك؟

فأين من يريد تحجير رحمة الله به وبحزبه وفصيلته التي تؤيه فقط؟ وبمن يمشي على منهجه فقط وبقية الأمة يحرمهم من رحمة أرحم الراحمين، ويحرم باقي المسلمين من رحمة الله الرحمن الرحيم؟! نسأل الله السلامة.

وعلينا يا عباد الله! أن نقتدي به في رحمة الفسقة والفجار والمجرمين، ومن ارتكب جرما وخطيئة يستحق عليها الحدّ، أو التعزير أو الرجم أو الجلد، فلم تشرع الحدود والتعزيرات انتقاماً، ولم تسنّ ظلماً وإجحافاً، وإنما شرع ذلك للعدل والإنصاف والحكمة، وليسودَ الأمنُ والسلامُ ولتعمَّ الرحمة، فمن ذلك إذا وقع من بعض الناس ما يقتضي الحدَّ كالسرقة أو القتل مثلاً، أو اقتضى التعزيرَ كالشتم والسبَّ؛ فالأصلُ التعافي والتسامحُ والتصالح، وعدمُ رفع الأمر إلى الإمام، وذلك من توجيهات نبي الرحمة وإرشاداته عليه السلام، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَعَافَوْا الْحُدُودَ قَبْلَ أَنْ تَأْتُونِي بِهِ، فَمَا أَتَانِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ". أبو داود؛ والنَّسائي [17]



وحتى لا يُظلمَ البريء، ولا يجرَّمَ المظلوم؛ فلا بد من إثباتٍ للجريمة، وأدلةٍ للجُنْحةِ، وذلك بشهادة الشهود، أو الاعتراف دون سُكر أو إكراه، قَالَ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ". رواه البخاري ومسلم [18]
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 135.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 133.63 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]