التأويل النحوي عند المفسرين: "مجمع البيان" للطبرسي نموذجًا - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-10-2020, 06:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي التأويل النحوي عند المفسرين: "مجمع البيان" للطبرسي نموذجًا

التأويل النحوي عند المفسرين: "مجمع البيان" للطبرسي نموذجًا
حسين خضير


المقدمة

الحمدُ لله على سوابغِ النِّعم، وجلائل القسم، والحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسانَ ما لم يعلم، والصلاةُ والسلام على رسوله الكريم، خاتم النبيِّين، محمد الأمين، وآله الطاهرين، الغرِّ الميامين، وصحبه المنتجبين.

وبعد:
فما زال القرآن الكريم بحرًا زاخرًا، ومَعِينًا ثرًّا، يغدق بعطاياه على العالِم والمتعلِّم، وما زال معجزة حارَ بها الفكرُ البشري بدقة تعابيره، وروعةِ أسلوبه، مما دفع العلماءَ الأجلاَّء إلى وضع أسس، تحفظه من التحريف، وتصونه من اللَّحْن، فأدَّى ذلك إلى وضع اللبنة الأولى لعِلم النحو العربي.

وأخذ العلماء يصوغون قواعدَ هذا العِلم، من خلال استقراء الكلام الفصيح، وبناء الأحكام على الشائع منه، فتشكلت لهم فيما بعد قواعد نَحْويَّة عديدة،
سَّرت تعليمَ النحو العربي.

لكنَّ عددًا من النصوص خالَف هذه القواعد، الأمر الذي اضطر النحويِّين إلى البحْث عن وسيلة تسوغها لتتفق وإيَّاها.

ومن فكرة الاتفاق بين النُّصوص الفصيحة والقواعد النحْويَّة، تشكَّلت البدايات الأولى للتأويل النحوي، الذي شكَّل ظاهرة نحويَّة في تراث النحويِّين والمفسرين.

فقد يجد النحويُّون صيغًا ينبغي بمقتضى تلك الأحكام النحْويَّة الشاملة أن تعمل، ومع ذلك ليس ثمة معمول لها، أو يجدون صيغًا تتغيَّر حركتها دون أن يكون وراءَها عامل أحدث هذا التغيير، مما اضطرهم إلى اصطناع التأويل سبيلاً إلى التقنين.

وقد اضطرب العديدُ من النحويِّين في توجيه عدد من النصوص القرآنيَّة المخالفة لقواعدهم، حتى أصبحتْ ميدانًا يتبارون فيه بتقديراتهم البعيدة، وتأويلاتهم المتكلِّفة، لا لشيءٍ إلاَّ للتوفيق بين النصوص وتلك القواعد.

وأنا في هذا القول لا أنكر ظاهرةَ التأويل مطلقًا؛ لأنَّ عددًا من نصوص القرآن لا يستقيم معناها إلاَّ به، وفي الوقت ذاته لا أنكر على النحويِّين جهدَهم الكبير في وضْع قواعدَ للنحو العربي، ساعدتْ على تعليمه، وحفظتْ لنا اللغة الفصيحة، إلاَّ أنَّ ما يعاب عليهم أنَّهم لم يتخذوا كلَّ ما ورد في القرآن الكريم أساسًا في تقنين القواعد، ولو كان معينهم في بناء الأحكام النحويَّة لَمَا احتاجوا إلى تأويل العديد من نصوصه.

ومن هنا جاءتْ فكرة دراسة التأويل النحوي، ولكن ليس من جانب النحويِّين؛ لأنَّ اهتمامهم في الغالب انصبَّ على تطبيق قواعدِهم النحوية على النصوص المخالفة، وإنَّما ارتأيتُ أن تكون دراسةُ التأويل عند المفسِّرين؛ لأنَّهم أقربُ إلى المعنى القرآني، لكن تحديد المدة الزمنية للبحث، وفقدان العديد من أجزاء التفاسير ألْزَمني أن أحدِّد الدراسة في أحد التفاسير، مستعينًا به في تحديد النص القرآني المشكل نحويًّا، ومن ثم التعرُّف على توجيهات المفسِّرين النحوية لذلك النص، محاولاً بذلك إعطاءَ فِكرة شاملة عن التأويل عند المفسِّرين.

ووقع الاختيار على تفسير "مجمع البيان" للطبرسي؛ لكونه يحظَى باهتمام خاص عند المذاهب الإسلاميَّة كافَّة، ولأنَّ صاحبه قد أعطى للجانب النحويِّ حيِّزًا واسعًا في تفسيره.

وقد سَبَق هذا البحث بدِراسات عدَّة في هذا التفسير، منها ما تناولتِ المباحث النحْويَّة وغيرها الأبنية الصرفيَّة، وأخرى المباحث اللُّغويَّة، وذهبت غيرها إلى دراسة الطبرسي، ومنهجه في التفسير.

أمَّا التأويل النحويُّ في ميدان الدِّراسات القرآنية، فتناولتْه دراسات عدَّة، منها ما هو مطبوع؛ كـ"التأويل النحوي في القرآن الكريم"، للدكتور عبد الفتاح الحموز، و"ظاهرة التأويل في إعراب القرآن"، للدكتور عبد القادر هنادي، ومنها دراسات حديثة مثلتها أطاريح الرسائل الجامعيَّة؛ كـ(التأويل النحْوي في معاني القرآن للفراء)، و(التأويل النحوي واللغوي عند أبي البركات الأنباري)، و(التأويل النحوي عند أبي جعفر النحاس)، و(التأويل النحْوي في البرهان في علوم القرآن للزركشي)، وغيرها من الدِّراسات.

واقتضتِ الدِّراسة أن تكون خطَّة البحث في ثلاثة فصول، تسبقها المقدمة والتمهيد، وتنتهي بالخاتمة.

أمَّا التمهيد فقسم على مبحثين:
أحدهما: تناولتُ فيه معنى التأويل لغةً واصطلاحًا.
والآخر: ذكرت فيه الفرق بين التأويل والتفسير.


واختصَّ الفصل الأول بأساليب التأويل عندَ الطبرسي، وهي ستة: (الزيادة، الحذف، التقديم والتأخير، النيابة، الحمل على المعنى، التعلُّق).

وشمل الفصل الثاني أسبابَ التأويل عند الطبرسي، وهي نوعان: (أسباب نحْوية، وأسباب عقَدية).

أمَّا الفصل الثالث، فتضمَّن أدلة التأويل عند الطبرسي، كدليل السياق، وإيراد النظير، والمشاكلة، وغيرها.

ثم نصل إلى الخاتمة التي أدرجتُ فيها ما توصَّل إليه البحث من نتائج.

وقد اقتضتِ الدِّراسة أن تكون مادة الفصل الثالث أقلَّ من مادتي الفصلَين الأول والثاني؛ وذلك لقلَّة الآراء في النُّصوص القرآنية التي استدلَّ عليها الطبرسي.

ومن الصعوبات التي واجهتْها الدِّراسة:
فقدان العديد من أجزاء التفاسير، مما اضطرني إلى البحثِ عنها من مكتبة إلى أخرى، وهذه الحال عانيتُها مع أغلب التفاسير؛ لكثرةِ أجزاء كلٍّ منها.

أما منهجي في هذه الدِّراسة، فحاولتُ فيه الإحاطة بالآراء النحْويَّة التي عَرَضها المفسِّرون في توجيه النص القرآني المشكل، والموازنة بينها، واصفًا بعضها بالضعف، وبعضَها الآخَر بالتكلُّف، وغيرهما بأنَّها أقوال حَسَنة، ولم أقتصرْ على آراء التأويل، بل جاوزتُها إلى آراء التوجيه للنصِّ القرآني المشكل، وربما أطلت الكلامَ فيها أكثرَ من مذاهب التأويل لا سيَّما في الفصل الثاني (الأسباب العقائدية)، وغايتي من هذا الأمر الدلالة بشكل أو بآخرَ على إمكانية حمْل النصوص القرآنية على الظاهر، دون الحاجة إلى تأويلها، وقد استمرَّ هذا المنهج في فصول الرِّسالة كافَّة.

وقد استقتِ الدِّراسة مادتها من مصادرَ ومراجع عدَّة، أهمها كتب التفاسير، والمؤلَّفات الأخرى التي تناولتْ دراسة القرآن، مثل كتب معاني القرآن، وإعرابه، وغريبه، ومجازه، فضلاً عن مصادر النحو واللُّغة، كما استعانتِ الدِّراسة بعدد من أطاريح الرسائل الجامعية والبحوث.

وفي الختام أقول:
إنَّ مرحلة الماجستير تمثِّل التجرِبة الأولى لطالِب العِلم؛ لذلك لا يمكن أن تخلوَ هذه الرِّسالة من الأخطاء التي لم يتنبه إليها الباحث؛ لأنَّ الكمال لله وحدَه – جلَّت قدرتُه - إلاَّ أني سعيتُ بكلِّ طاقتي وجهدي لإظهارِ هذه الرسالة بأكمل ما أستطيع، ويعلم الله أنِّي ما ادخرتُ وسعًا ولا توانيت في عملي لإنجاز هذا البحث، فما أصبتُ فيه كان بتوفيق من الله – تعالى - وما أخطأتُ فيه كان مِن نفسي، والله - تعالى - هو الموفِّق إلى كلِّ شيء، وله الحمدُ أولاً وآخرًا.


التمهيد

أولاً: التأويل في اللغة والاصطلاح:
أ. التأويل لغة: لو تتبعْنا لفظةَ التأويل عند اللُّغويِّين وعددٍ من المفسِّرين، لوجدناها تُشير إلى معانٍ عدَّة؛ منها:

1. الرُّجوع والعاقبة والجزاء: ذهب صاحبُ العين إلى أن: (وأل يَئِل لا يَطَّرد في سَعة المعاني اطرادَ آل يؤول إليه، إذا رجع إليه، تقول طبختُ النبيذ والدواء، فآل إلى قدر كذا وكذا إلى الثُّلث أو الربع؛ أي: رجع)[1].
وورد في اللِّسان أنَّ: (أَوَّل إليه الشيءَ: رجَعَه)[2].
وذهب عددٌ من المفسِّرين إلى أن معنى: (أحسن تأويلاً) في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59] معناه: أجمل عاقبة أو جزاء[3]، وذلك أنَّ الجزاء هو الذي آل إليه أمرُ القوم، وصار إليه[4].

2. التفسير والبيان: ذهب الخليلُ بن أحمد (ت175 هـ) إلى أنَّ "التأوُّل والتأويل: تفسيرُ الكلام الذي تختلِف معانيه، ولا يصحُّ إلاَّ ببيان غير لفظِه، قال: نحن ضربْناكم على تنزيله، فاليومَ نضربكم على تأويله"[5].
وذكر الجوهريُّ (ت393 هـ) في معجمه: أنَّ "التأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء"[6].
وورد في اللِّسان: "أوَّله وتأوَّله: فسَّره"[7].
وقد ورد هذا المعنى في التنزيل في قوله – تعالى -: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]، فالتأويل في النصِّ بمعنى التفسير والبيان [8].

3. التدبُّر والتقدير: أشار إلى هذا المعنى صاحبُ اللسان بقوله: "وأوَّلَ الكلامَ وتأوَّله: دبَّره وقدَّره"[9]، وذكره أيضًا صاحب القاموس بقوله: "وأوَّلَ الكلامَ تأويلاً وتأوَّله: دبَّره وقدَّره"[10].

4. الجمع والإصلاح: جاء في الصحاح "وآل مالَه؛ أي: أصلحه وساسَه، والإتيال: الإصلاح والسياسة"[11]، وورد في اللسان: "قال أبو منصور: يُقال: ألت الشيء أؤوله: إذا جمعتُه وأصلحته…..وقال بعضُ العرب: أوَّلَ الله عليك أمرَك؛ أي: جمعَه، وإذا دعوا عليه، قالوا: لا أول الله عليك شملَك، ويقال في الدعاء للمضلِّ: أول الله عليك؛ أي: ردَّ عليك ضالتك وجمَعَها لك"[12].

5. التحري والطلب: أشار إلى هذا المعنى ابنُ منظور (ت711 هـ) قائلاً: "تأوَّلت في فلان الأجْر: إذا تحرَّيته وطلبته"[13].

6. نوع من النبات:جاء في "القاموس المحيط" أنَّ أحد معاني التأويل "بقلة طيِّبة الرِّيح"[14]، وهي بقلةٌ ثمرتها في قُرون كقرون الكباش، وهي شبيهةٌ بالقفعاء، وورقها يشبه ورق الآس، وهو نبتٌ يعتلفه الحمار، واحدتُه تأويلة[15].

7. موضع في بلاد هوازن: ذَكَر البكريُّ الأندلسي (ت487 هـ): أنَّ (التأويل): موضع في بلاد هوازن[16].

ب. التأويل اصطلاحًا:
عرَّف ابن الجوزي (ت597 هـ) التأويل بأنَّه: "نقلُ الظاهر عن وضعه الأصليِّ إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل، لولاه ما تُرِك ظاهرُ اللَّفْظ"[17]، وهذا يعني: صرْف ظاهر اللَّفْظ إلى معنى من المعاني المحتملة، ولا يظهر إلاَّ بدلالة تعيين المعنى المراد منها؛ لأنَّ التأويل: "توجيه لفظ متوجِّه إلى معانٍ مختلفة لواحد منها بما ظهر من الأدلَّة"[18].

أمَّا التأويل عند المفسرين فهو: "صرْف اللَّفْظ عن معناه الظاهر إلى معنًى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقًا للكتاب والسُّنَّة، مثل قوله – تعالى -: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الروم: 19]، إن أراد به إخراجَ الطير من البيضة كان تفسيرًا، وإن أراد به إخراج المؤمن من الكافر، أو العالِم من الجاهل كان تأويلاً"[19]، وعرَّفه الزركشيُّ (ت794 هـ) بأنَّه: "صرف الآية إلى معنًى موافق لِمَا قبلها وما بعدها، تحتمله الآيةُ، غير مخالِف للكتاب والسُّنَّة من طريق الاستنباط"[20].

واشترط المفسِّرون لصرْف اللفظ عن ظاهره شروطًا ثلاثة[21]:
1. ألاَّ يمكن حملُه على الظاهر.
2. جواز إرادة ما حُمِل عليه.
3. الدليل الدالُّ على إرادته.


أما التأويل عندَ النحويِّين، فقد نقل السيوطيُّ (ت911 هـ) عن أبي حيَّان (ت745 هـ) في شرْح التسهيل، أنَّ "التأويل إنَّما يسوغ إذا كانت الجادَّة على شيء، ثم جاء شيءٌ يخالِف الجادة، فيتأوَّل، أمَّا إذا كان لغةَ طائفة من العرب لم يُتكلَّم بها، فلا تأويل"[22]، ويبدو أنَّ المراد بالجادة: "القواعد النحْويَّة التي يلتزم بها النحاة، فإذا اصطدم نصٌّ بقاعدة نحْوية، عمد النحاة إلى تأويل النصِّ بما يتفق ومذهبَهم النحْويَّ أو اللُّغوي"[23].


وبهذا القول نخلص إلى أنَّ التأويل أصبح يُطلق على الأساليب المختلِفة التي تهدف إلى إسباغ صِفة الاتِّساق على العَلاقة بين النصوص والقواعد[24].

ثانيًا: الفرْق بين التأويل والتفسير:
التأويل والتفسير كلمتانِ تدلاَّن معًا على بيان معنى اللَّفْظ، والكشْف عنه، واللفظتان ظهرتَا في بحوث القرآن عند المفسِّرين، إلاَّ أنَّهم اختلفوا في تحديد مدى التطابُق بينهما، فذهب قسمٌ منهم إلى القول بالترادُف بينهما، فكلُّ تفسير تأويل، والعكس صحيح أيضًا، ولعلَّ منه قول الخليل بن أحمد: "والتأوُّل والتأويل: تفسير الكلام الذي تختلف معانيه، ولا يصحُّ إلا ببيان غيرِ لفظه"[25]، وإلى القول ذاتِه ذهب أبو عُبيدة (ت210 هـ)، إذ يقول: "التأويل: التفسير والمرجع"[26]، ونسب أيضًا إلى المبرِّد (ت285 هـ)[27]، واختاره من المفسِّرين ابنُ جرير الطبري (ت310 هـ)، فعند تفسيره الآيات القرآنية يقول: القول في تأويل قوله كذا ….واختلف أهلُ التأويل في الآية، وهو يَعني بذلك التفسير.


وذهب القسم الآخَرُ إلى وجود فرْق بينهما، ومن هؤلاء الراغب الأصبهاني (ت502 هـ)، إذ يرى أنَّ التأويل: ردُّ الشيء إلى الغاية المرادة منه قولاً أو فعلاً [28]، والتفسير قد يُقال فيما يختصُّ بمفردات الألفاظ وغريبها، وفيما يختصُّ بالتأويل، ولهذا يقال: تفسير الرؤيا وتأويلها[29]، ويرى الطبرسيُّ (ت548 هـ): أنَّ التفسير: كشفُ المراد عن اللفْظ المشكِل، والتأويل: ردُّ أحد المحتملَين إلى ما يطابق الظاهر[30]، وذهب ابنُ الجوزي إلى أنَّ التفسير: إخراجُ الشيء من معلوم الخفاء إلى مقام التجلِّي، والتأويل: نقلُ الكلام عن موضعه إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليلٍ لولاه ما تُرِك ظاهر اللَّفْظ[31]، ويرى غيرُه أنَّ التفسير بيانُ لفظ لا يحتمل إلاَّ وجهًا واحدًا، والتأويل: توجيه لفظ متوجِّه إلى معانٍ مختلفة بما ظهر من الأدلَّة[32]، ونقل الزِّبِيدي (ت1205 هـ) قولاً يكون فيه معنى التفسير: شرْحُ ما جاء مجملاً من القَصص في الكتاب الكريم، وتقريب ما تدلُّ عليه ألفاظُه الغريبة، وتبيين الأمور التي أُنزلِت بسببها الآية، أمَّا التأويل، فهو تبيين معنى المتشابه، والمتشابه هو ما لم يُقطعْ بفحواه من غير تردُّد فيه، وهو النصُّ[33].

وذهب آخرون إلى غيرها من الأقوال للدلالة على الفرْق بين التأويل والتفسير[34]، ومن خلال هذه الآراء نخلصُ إلى أنَّ للتأويل مزية زائدة على التفسير، ويُرشِد إليه قوله – تعالى -: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب} [آل عمران: 7]، حيث حصر - سبحانه وتعالى - عِلمَ التأويل به، وبِمَن رَسَخ في العلم، ويدلُّ عليه أيضًا دعاء النبي - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - لابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: ((اللهمَّ فقِّهْه في الدِّين، وعلِّمْه التأويل))[35]، فلو لم يكن للتأويل مزيدُ فضل، لم يكن لتخصيص ابن عبَّاس بذلك - مع جلالة قدره، وعظيم شأنِه - مزيدُ فائدة[36].




ـــــــــــــــــ
[1] "العين" (8 /369)، مادة (أول)، وينظر: "الصحاح" (4/1628)، مادة (أول).
[2] "لسان العرب" (11/32)، مادة (أول)، وينظر: "المصباح المنير" (1/29)، مادة (أول)، "القاموس المحيط" (1/244)، مادة (أول).
[3] ينظر: "جامع البيان" (15/85)، "زاد المسير" (5/27)، "الجامع لأحكام القرآن" (10/257).
[4] ينظر: "جامع البيان" (15/85).
[5] "العين" (8/369)، مادة (أول)، وينظر: "تهذيب اللغة" (15/458)، مادة (أول).
[6] "الصحاح" (4/1627)، مادة (أول).
[7] "لسان العرب" (11/33)، مادة (أول).

[8] ينظر: "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" (1/42).
[9] "لسان العرب" (11/33)، مادة (أول).
[10] "القاموس المحيط" (1/1244)، مادة (أول)، وينظر: "تاج العروس" (7/215)، مادة (أول).
[11] "الصحاح" (4/1628)، مادة (أول).
[12] "لسان العرب" (11/33)، مادة (أول).
[13] المصدر نفسه (11/33)، مادة (أول).
[14] "القاموس المحيط" (1/1244)، مادة (أول).
[15] ينظر: "تاج العروس" (7/215)، مادة (أول).
[16] ينظر: "معجم ما استعجم" (1/300).
[17] "غريب الحديث" (1/37).
[18] "مفتاح السعادة ومصباح السيادة" (2/574)، وينظر: "التأويل النحوي واللغوي عند أبي البركات الأنباري" (رسالة ماجستبر): (14).
[19] "التعريفات" (72).

[20] "البرهان في علوم القرآن" (2/150).
[21] ينظر: "معجم لغة الفقهاء" (119).
[22] "الاقتراح في علم أصول النحو" (47 - 48).
[23] "ظاهرة التأويل في إعراب القرآن" (14)، وينظر: "التأويل النحوي عند أبي جعفر النحاس" (رسالة ماجستير) (16).
[24] ينظر: "التأويل في النحو، أهدافه ووسائله" (بحث)؛ الدكتور علي أبو المكارم (24).
[25] "العين" (1/369)، مادة (أول).
[26] "مجاز القرآن" (1/86).
[27] ينظر: "الفروق اللغوية" (130)، "مجمع البيان" (1/13).
[28] ينظر: "مفردات غريب القرآن" (31).
[29] ينظر: المصدر نفسه (380).
[30] ينظر: "مجمع البيان" (1/13).
[31] ينظر: "التوقيف على مهمات التعاريف" (1/194).
[32] ينظر: "الفروق اللغوية" (130).
[33] ينظر: "تاج العروس" (7/215)، مادة (أول).
[34] ينظر: "الفروق اللغوية" (130 – 133)، "تاج العروس" (7/215)، مادة (أول).
[35] مسند أحمد (1/266).
[36] ينظر: "الفروق اللغوية" (134).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 100.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 98.75 كيلو بايت... تم توفير 1.92 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]