بنيتي.. رسائل محبة وشفقة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 553 - عددالزوار : 92644 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56861 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26158 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 714 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 55 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 344 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-06-2019, 08:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,564
الدولة : Egypt
افتراضي بنيتي.. رسائل محبة وشفقة

بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (1)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ



إلى بُنيَّتي وفلذة كبدي، إلى مُهجة عيني وقُرَّة فؤادي، إلى من أعزَّها الله بالإسلام، وكانت من قبله من سَقَطِ المتاع، إلى من عدَّ الإسلام تربيتها والصبر عليها من أسباب دخول الجنان، والنجاة من النيران، إلى من جعل الإسلام من قُتِلَ دِفاعًا عنها من الشهداء، إلى من يتنافس من ينتسبون للإسلام لحِفْظِها من كيد الفجَّار وشرِّ الأشرار، إلى عقيلة النساء، وجالبة الأصهار، وحاضنة الأبناء، ومربية الأجيال.



إلى بُنيَّتي التي أدعو لها دائمًا بالحفظ والصلاح والستر والعفاف، أبدأ رسالتي إليك بأن أُحيِّيكِ بتحية الإسلام، بتحية أهل الجنة: فالسلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، أما بعد:



فأسأل الله الرحمن الرحيم، الجَوَاد الكريم، كما جمعنا في هذه الحياة الدنيا أن يجمعَنا ووالدينا وأحبابنا في أعلى جنات النعيم، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وبعد: فهذه رسائل إليكِ ملؤها المحبَّة والشفقة، أسأل الله الكريم فيها الإعانة والتوفيق والسداد لقول الحق، فأبدأُ مُستعينًا بالله:

لقد وضع الله جلَّ جلالُه في قلب الوالدين وخصوصًا الأمهات الرحمة بالأبناء؛ فقلوبهن تمتلئ شفقةً وحنانًا على أبنائهن، فهذه أمُّ إسماعيل زوج أبينا إبراهيم عليهما السلام، يضعها إبراهيم مع ابنها إسماعيل عند البيت فوق زمزم، ويضع عندها جرابًا فيه تمْرٌ، وسِقاءً فيه ماء، حتى إذا نفد ما في السِّقاء عطِشَتْ وعطِشَ ابنُها، وجعلت تنظُر إليه يتلوَّى، فانطلقت تسعى بين الصفا والمروة كراهية أن تنظر إليه وهو يتلوَّى من العطش.



وها هي أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما تقول: دخلتْ عليَّ امرأةٌ معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتُها إيَّاها، فقسمتْها بين ابنتيها، ولم تأكُل منها، ثم قامتْ وخرجتْ، قال أهل العلم: هذا الحديث فيه عجائب، منها: الرحمة العظيمة في هذه المرأة؛ فإنها إن قسمت التمرة أثْلاثًا ضعُف نصيبُ كل واحدة، وإن أعطتْها واحدةً دون الأخرى صار في ذلك جُور، فما بقي إلا أن تُؤثِرَ ابنتيها على نفسها، وتشُقُّ التمرة بينهما نصفين.



وهذا أبو هريرة رضي الله عنه، يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال واصفًا نساء قريش أنهن: ((خيرُ نساء ركبْنَ الإبل: صالحُ نساء قريش، أحْناه على ولدٍ في صِغَرِه)).



وقد ذكر أهل التفسير: أن امرأة لها صبيٌّ صغيرٌ من قوم نوح لم تؤمِنْ به، فلما جاء الطوفان الذي أغرق أهل الأرض جميعًا، ونبَع الماء، وصار في السكك، خشيتْ أمُّ الصبي على صبيِّها، وكانت تحبُّه حبًّا شديدًا، فخرجتْ إلى الجبل حتى بلغَت ثُلُثَه، فلما بلغها الماءُ ارتفعتْ حتى بلغت ثُلُثيه، فلما بلغها الماء، خرجت به حتى استوت على الجبال، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها، لكنهما غرقا جميعًا.



فإذا كان والداك هما أكثر الناس شفقةً عليكِ، فأرعي سمعَكِ جيدًا لما يقولان لكِ، فهما لا يأمُران إلا بخيرٍ، ولا ينهيان إلا عن شرٍّ:

بُنيَّتي: الدنيا تتغيَّر وتتبدَّل سريعًا، وقد أشار إلى هذا رسولُنا صلى الله عليه وسلم عندما وعظ أصحابه رضي الله عنهم موعظةً بليغةً وجِلَتْ منها قلوبُهم، وذرفَتْ منها دموعُهم، فقالوا: يا رسول الله كأنها موعظة مودِّع فأوصِنا، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أوصيكم بتقوى الله، والسَّمْع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ؛ فإنه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا))؛ قال أهل العلم: فيه من معجزاته صلى الله عليه وسلم: الإخبار بما يقع بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر.



ولقد تغيَّرت الدنيا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في كلِّ شيءٍ، في الاعتقادات، والأعمال، والأقوال، ولقد اختلفت أحوالُ الناس، وتغيَّرت فتبَدَّلت أحوالهم تبدُّلًا كاملًا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمدد متفاوتة.



وممَّا تغيَّر بعده حال النساء، فقد قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المساجد"، قال أهل العلم: قولها: "ما أحدثَ النساء" من الزينة والطيب وحُسْن الثياب؛ ولهذا عندما حدَّث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: ((لا تمنعُوا نساءكم المساجدَ إذا استأذَنَّكم إليها))، قال بلال بن عبدالله رضي الله عنهما: "والله لَنَمْنَعهُنَّ" قال أهل العلم: ليس قصْدُه ردَّ الحديث، لكن قصده أن الأمر تغيَّر، وأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يخرجْنَ بلباس الحشمة، بعيدات عن التبرُّج والطيب، وأن الوقت قد تغيَّر.



وإذا كان هذا حدث بعد سنوات من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد تغيَّرتْ أحوال النساء الآن تغيُّرًا كبيرًا، فالثبات الثبات يا بُنية على تعاليم الإسلام وأحكامه وآدابه، ففيها النجاة والسلامة في الدنيا والآخرة، وأبدأ برسائلي إليكِ:



الرسالة الأولى:

طاعتُكِ لله ولرسوله خيرٌ لكِ في دُنياكِ، وسعادةٌ لكِ في آخِرتِكِ

بُنيَّتي: اجعلي طاعة الله ورسوله نُصْبَ عينيكِ؛ فأنتِ إن فعلتِ ذلك فستنالين الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة، فمن أطاع الله ورسوله فهو في أعلى درجات الجنة، مع أولياء الله الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصدِّيقين، والشهداء، والصالحين - جعلنا الله منهم - قال ربُّنا عز وجل: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]، وطاعة الله والرسول عليه الصلاة والسلام يجني الإنسانُ ثمارَها في الدنيا قبل الآخرة، فإن أردتِ دليلًا لهذا، فاستمعي لما تقوله واحدةٌ من بنات جنسك، وهي الصحابية فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، فقد ذكرت أن زوجها طلَّقها ثلاثًا، وأنه خطبها معاوية، وأبو جهم، وأسامة بن زيد، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما معاوية فرجُلٌ ترِبٌ، وأما أبو جهم فرجُلٌ ضرَّاب للنساء، ولكن أسامة بن زيد))، فقالت: بيدها أسامة! أسامة! فقال لها رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((طاعةُ الله وطاعةُ رسوله خيرٌ لَكِ)) قالت: فتزوَّجْتُهُ، فاغتبَطَتْ به.



لقد جنَتْ رضي الله عنها ثمارَ طاعتِها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا قبل الآخرة، حيث قالت: تزوجتُه، فاغتبطْتُ به، وسعِدْتُ معه.



قال أهل العلم: طاعة الله ورسوله كلُّها خيرٌ، والعاقبة لمن أطاع الله ورسوله، حتى وإن توهَّم في أول الأمر أنه لا يستفيد، فهذا أسامة بن زيد كرهتْهُ فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما، وفي النهاية تقول: إنها اغتبطَتْ به، وجعل الله بينهما مودَّةً ورحمةً، فإيَّاك أن تُخالِفَ أمرَ الله ورسوله، أطِع الله ورسوله؛ فإن الخير في طاعة الله ورسوله، والعاقبة للمتَّقين.



وإن رغبْتِ دليلًا ثانيًا فاستمعي لما تقوله أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنها، فقد ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عَبْدٍ تُصيبُه مُصيبةٌ، فيقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أجرني في مُصيبتي، وأخْلِف لي خيرًا منها إلا أَجَرَهُ الله في مُصيبته، وأخْلَف له خيرًا منها))، قالت: فلما تُوفِّي أبو سلمة، قلتُ: أي المسلمين خيرٌ من أبي سلمة، أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية، قالت: فلما تُوفِّي أبو سلمة، قُلْتُ: مَنْ خيرٌ من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ عزم الله لي فقلتها كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرًا منه؛ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.



قال أهل العلم: لم يكن يخطُر ببالها أن يتزوَّجَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لثقتها بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، قالَتْ ذلك.



فأنتِ يا بُنيَّتي: كوني واثقةً مطمئنةً لما يأمُر به الله جل جلاله، ورسوله عليه الصلاة والسلام، وأن في ذلك الخير في الدنيا والسعادة في الآخرة.



بُنيَّتي: ليكن هدفُكِ ومرادُكِ وغايتُك رضا الله ورسوله والدار الآخرة، كما فعلت أمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن اللائي اخترْنَ ذلك عندما خيَّرهُنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فعن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يُخيِّرَ أزواجَه، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إنِّي ذاكِرٌ لَكِ أمْرًا، فلا عليكِ ألَّا تستعجلي حتى تستأمري أبويك))، وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمُرانني بفِراقه، قالت: ثم قال: ((إن الله قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ﴾ [الأحزاب: 28])) إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبويَّ؟ فإني أُريدُ الله ورسوله والدار الآخرة.



لقد اختارَتْ رضي الله عنها الله ورسوله والدار الآخرة، وقال: ذكر أهل العلم أن عمرها كان إذ ذاك أربعة عشر عامًا تقريبًا، فكانت صغيرة السن، شابَّةً، والشابة غالبًا تريد الحياة الدنيا وزينتها، ومع ذلك تركتها لله ولرسوله وللدار الآخرة، فما أعقلها رضي الله عنها! فلتكُن هي وبقية أمهات المؤمنين قدوةً لكِ في ذلك.



قال أهل التفسير رحمهم الله: اخترْنَ رضي الله عنهن وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة.



بُنيَّتي: إن من مقتضيات الإيمان إذا قضى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام أمرًا ألا يخالف المؤمنُ أو المؤمنةُ أمرَ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وألَّا يختار خلاف أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، فالخير كل الخير فيما قضاه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فينبغي السمع والطاعة والتسليم لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51].




بُنيَّتي: عليكِ بالسمع والطاعة، والامتثال لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولتكن أمهات المؤمنين أفضل النساء في أفضل القرون، هنَّ قُدوتكِ في ذلك؛ عن معاذة بنت عبدالله، قالت: سألتُ عائشة، فقلتُ: ما بالُ الحائض تقضي الصومَ، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية، ولكني أسألُ، فقالت: كان يُصِيبُنا ذلك، فنؤمَرُ بقضاء الصوم، ولا نُؤمَر بقضاء الصلاة.





واحذري من الاستماع لدُّعاة الضلال الذين يزخرفون الفساد بقوالب ناعمة سامة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-07-2019, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,564
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بنيتي.. رسائل محبة وشفقة

بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (2)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ









الرسالة الثانية: حياؤكِ زينتُكِ وشعبةٌ من إيمانكِ:

بُنيَّتي: الحياء من مكارم الأخلاق التي تُقِرُّها العقول السليمة، وتحبُّها الفِطَرُ المستقيمة، وهو من شُعَب الإيمان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمانُ بضع وسبعون شُعْبة، فأفضلُها: قول لا إله إلَّا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياء شُعْبةٌ من الإيمان))، فإن قُلتِ يا بُنيَّة: هناك في الشرع ما هو أعظمُ منزلةً من الحياء، كَبِرِّ الوالدين، فلماذا خصَّهُ النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر؟ فالجواب كما قال أهل العلم: خصَّه بذلك حثًّا عليه؛ لأن بعض الناس قد يكون عنده أعمال بِرٍّ كثيرة، ولكن ليس عنده حياء، والحياء خُلُقٌ محمودٌ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الحياءُ لا يأتي إلا بخيرٍ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((الحياءُ خيرٌ كلُّه)).



ويكفي الحياء فضيلة أن الله جل جلاله يحبُّ الحياء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حَيِيٌّ، سِتِّير، يُحبُّ الحياء والسَّتْر، فإذا اغتسل أحدُكم فليستتر))، ونبيُّنا عليه الصلاة والسلام: كان أشدَّ حياءً من العَذْراء في خِدْرها، والحياء كان من أخلاق الأنبياء عليهم السلام؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((إن موسى كان حَيِيًّا سِتِّيرًا، لا يُرى من جلده شيء استحياءً منه)).



والحياء من أخلاق الملائكة عليهم السلام، فها هو جبريل عليه السلام يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة التي كان فيها عند أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فلم يدخل عليه بيته، وقد ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها أسباب عدم دخوله بقوله: ((إن جبريل أتاني فناداني، ولم يكن ليدخُلَ عليكِ، وقد وضَعْتِ ثيابَكِ)).



ومن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت الملائكة تستحيي منه، وهو أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا أستحيي من رجُلٍ تستحيي منه الملائكة))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الحياءُ من الإيمان، وأحْيى أُمَّتي عثمان)).



والحياء خُلُق يبعث على ترك الأمور القبيحة، فيمنع الإنسان من الوقوع في المعاصي وما يُعاب، قال الشاعر:



ورُبَّ قَبِيحةٍ ما حال بيني

وبين ركُوبِها إلَّا الحياءُ



فكانَ هو الدَّواء لها ولكِنْ

إذا ذَهَبَ الحَياءُ فلا دواءُ






فمن لا حياء فيه فهو ميت الأحياء، وبين ارتكاب الذنوب وقلة الحياء تلازُمٌ قويٌّ، فكلٌّ منهما يستدعي الآخر ويطلُبه، ومن نُزِعَ منه الحياءُ فعل كل قبيح ومستهجَن، قال عليه الصلاة والسلام: ((إن ممَّا أدركَ الناسُ من كلام النُّبوَّةِ الأولى: إذا لم تَسْتَحْيِ فاصْنَعْ ما شِئْتَ)).



قال الشاعر:



إذا لم تَخْشَ عاقبةَ اللَّيالي

ولم تَسْتَحْ فاصْنَعْ ما تشاءُ



فلا والله ما في العيش خيرٌ

ولا الدُّنيا إذا ذَهَبَ الحَياءُ






والمرأة بفطرتها السليمة التي خَلَقها الله عليها - مجبولةٌ على الحياء الذي يُعَدُّ من الأخلاق الجميلة، وما أجمله في النساء! قال الله عز وجل: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25]، فمن كمال أدبها أنها جاءت تمشي على استحياءٍ، ذكر أهل التفسير عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: جاءت وقد وضعَتْ ثوبَها على وجهها استحياءً.



وكانت البكر من النساء تستحيي أن تُفصِحَ عن رغبتها في النكاح؛ ولهذا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تُنْكَحُ البِكْرُ حتى تُستأذَن)) قالت عائشة رضي الله عنها: "يا رسول الله، إن البِكْرَ تستحي"، فقال عليه الصلاة والسلام: ((رِضاها صَمْتُها)).



ومن استحيت غطَّتْ وجهها؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحَقِّ، فهل على المرأة من غُسْلٍ إذا احتَلَمَتْ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم، إذا رأتِ الماءَ)) فغطَّت أمُّ سلمة رضي الله عنها وجهَها، وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ((نعم، تَرِبَتْ يداكِ، ففيم يُشبِهُها ولَدُها؟)).




ومن استحيَتْ لم تمشِ مع الرجال الأجانب عنها؛ فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: تزوَّجني الزبير وما له في الأرض من مال، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه نَفَرٌ من الأنصار فدعاني، ثم قال: إخ، إخ ليحملني خلفه، فاستحييْتُ أن أسير مع الرجال، فعرَف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنِّي قد استحييْتُ فمضى.



استحيت رضي الله عنها أن تسير مع الرجال، ومَنْ هم هؤلاء الرجال؟ إنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابتُه رضي الله عنهم، أفضل القُرُون، وبعض النساء هداها الله تخرج من بيتها، وقد نزعت حياءها لتغشى منديات الرجال وأماكن وجودهم، وتُخالطهم وتضحك معهم، وتُلِين القولَ لهم، وقد يكون ثمن ذلك فقْد الشَّرَف وانتهاك العِرْض، فالحذر الحذر، قبل الحسرة والندم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-07-2019, 07:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,564
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بنيتي.. رسائل محبة وشفقة



بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (3)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ










الرسالة الثالثة: عفافُكِ حياتُكِ، فاستمسكي به وحافظي عليه






بُنيَّتي: العفاف للمرأة كالماء للسمكة، فكما أن السمكة إذا خرجت من الماء ماتَتْ، فالمرأة بدون عفاف تموت؛ ولذا فإن العفيفة تتمنَّى الموت على ألَّا تُتَّهَم في شَرَفِها، وقد تمنَّتْ مريم أمُّ المسيح عليهما السلام الموتَ خوفًا من ذلك؛ قال عز وجل: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مريم: 16 - 23].



لقد كانت عليها السلام في خلوتها عندما دخل عليها جبريل عليه السلام في صورة رجُلٍ سَويٍّ، فخافَتْ منه، وحُقَّ لها أن تخاف؛ فهي الفتاة العفيفة الطيبة البريئة، ذات التربية الصالحة، فلجأت إلى ربِّها تستعيذ به، وتستنجد به، وتُذكِّر الرجل بالخوف من الله، ووجوب تقواه، وبعد أن أخبرَها جبريل عليه السلام أنه رسولٌ من الله، لِيَهَبَ لها غُلامًا، وبعد أن حملت به، وجاءها المخاض، تمنَّت الموت؛ لأنها كانت فتاةً عفيفةً، لا يُعرَف عنها إلا الطُّهْر والعِفَّة، ولا يُعرَف عن أهلها وأسرتها إلا ذلك؛ ولهذا قال لها قومُها عندما جاءتهم ومعها ابنها المسيح عيسى عليهما السلام: ﴿ يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 27، 28]، قال أهل التفسير: أي أنت من بيت طيب طاهر، معروف بالصلاح والعبادة والزهادة؛ فكيف صدر هذا منكِ؟! فالذرية في الغالب بعضها من بعض في الصلاح وضدِّه.



وإذا كانت مريم عليها السلام تمنَّت الموت على ألَّا يحصُل لها ما يخدش عفافَها، فقد تعجَّبَتْ أمُّنا أمُّ المؤمنين زوج النبي عليه الصلاة والسلام عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما أن يتحدَّث الناس في عِرْضِها، فقالت: "أو لقد تحدَّثَ الناس بهذا؟"، قال أهل العلم: الاستفهام هنا للتعجُّب، كيف يتحدَّث الناس بهذا الشيء، وهي عند نفسها حصينة، وزوجة سيد الرسل عليه الصلاة والسلام؟! هذا شيء مستبعد.



ومع ذلك وقع، ولله عز وجل حكمة في ذلك، وعندما خرجت عائشة رضي الله عنها مع أُمِّ مِسْطَح، وأخبرتها بقول أهل الإفْك فيها، ازدادت مَرَضًا على مَرَضِها، والمرض الأخير كما ذكر أهل العلم مَرَضٌ قلبيٌّ، وهو ينعكس على الجسم أيضًا.



ثم إنها رضي الله عنها بكَتْ بُكاءً كثيرًا، استمعي لها وهي تروي ما حدث لها بعد أن علمت بما قيل فيها، تقول رضي الله عنها: واستعبرتُ، وبكيتُ تلك الليلة حتى أصبحْتُ لا يرقأ لي دَمْعٌ، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحتُ أبكي، فأصبح أبواي عندي، وقد بكيتُ ليلتين ويومًا، لا أكتحل بنومٍ ولا يرقأ لي دمْعٌ، حتى إني لأَظُنُّ أن البكاء فالق كبدي.



لقد بكَتْ رضي الله عنها كثيرًا، حتى كاد البكاء أن يقطع كبدها، وحُقَّ لها أن تبكي، فالعفيفة لا يهون عليها أن تُرْمَى في شرفها أو أن تُخدَش في عفافِها.



قال حسان بن ثابت رضي الله عنه في حَقِّ عائشة رضي الله عنها بعد أن تاب من قول أهل الإفك:

حَصانٌ رَزانٌ مـا تُزَنُّ بِـرِيبةٍ *** وتُصبحُ غَرْثَى من لُحُوم الغَوافِل



فهو رضي الله عنه يصفها بالمحصنة، العفيفة، الرزينة العاقلة، التي لا تُتَّهَم ولا تُرمَى بريبةٍ، رضي الله عن صحابة رسول الله، وجازى من تكلَّم فيهم بما يستحقُّ من عقوبة.



بُنيَّتي: العفاف من أسباب مغفرة الذنوب ونيل الأجور العظيمة في الآخرة؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]، قال أهل العلم: من فوائد الآية الكريمة: فضيلة حفظ الفرج، وأنه ينبغي اتخاذُ الوسائل التي ينبغي بها حفظ الفرج؛ لأن الثناء على شيء ثناء عليه وعلى وسائله، فكلُّ ما يحصُل به حفظ الفرج فإنه مطلوب، والله سبحانه وتعالى أعدَّ لهؤلاء المتَّصفين بهذه الصفات المغفرةَ من الذنوب والأجر العظيم على الطاعات.



بُنيَّتي: من حرصت على المحافظة على شَرَفِها وعفافِها، حفظها الله في عِرْضِها وشرفها فلم يُدنَّس بقول، ولم يُنتهَك بفاحشة، مهما كاد الكائدون ومكر الماكرون، وإليكِ بعض الأدلة على ذلك لنساء وقع لهن ذلك:

فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك قالت: أنا والله أعلمُ حينئذٍ أني بريئة، وأن الله مُبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنتُ أظنُّ أن ينزل في شأني وحْيٌ يُتلَى، ولَشأني كان أحقرَ في نفسي من أن يتكلَّم اللهُ فيَّ بأمر يُتلَى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها، قالت: فو الله، ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج أحَدٌ من البيت حتى أنزل الله تعالى على نبيِّه فأخذه ما كان يأخُذه من البُرَحاء عند الوحي، قالت: فسُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلَّم بها أن قال: ((أبشري يا عائشة، أما الله عز وجل فقد برَّأكِ))، لقد حفظها الله جل جلاله، وأنزل في براءتها آياتٍ تُتْلى إلى يوم القيامة، قال أهل العلم: إذا تدبَّرَها الإنسانُ عرَف مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أن الله يُدافِع عن الذين آمنوا؟




وقال الله عز وجل عن مريم عليها السلام: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 27 - 30] لقد حفظها الله جل جلاله، فجعل براءتها ممَّا نسبت إليه من الفاحشة، بأمرٍ خارق للعادة، وهو كلام عيسى عليه السلام في المهد، فتكلَّم، وكان في ذلك تبرئة لأُمِّه مما نُسِبت إليه من الفاحشة.



وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دخل إبراهيم عليه السلام قريةً فيها جبَّار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلًا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، فسأله عنها، فقال: مَنْ هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة، وقال: يا سارة، ليس على وجه الأرض مؤمنٌ غيري وغيرك، وإنَّ هذا سألني عنكِ، فأخبرتُه أنكِ أختي، فلا تُكذِّبي حديثي، فأرسل إليها، فلما دخلت إليه قام إليها، قال: فأقبلت تتوضَّأ وتُصلِّي، وتقول: "اللهم إن كنت تعلم أنِّي آمنتُ بكَ وبرسولِكَ، وأحصنْتُ فَرْجي إلَّا على زوجي، فلا تُسلِّطْ عليَّ هذا الكافر"، قال: فغُطَّ حتى ركض الأرض برجله، فقال: ادعي الله ولا أضرُّكِ، فدعَتِ الله فأُطْلِقَ، ثم تناولها ثانية فأُخِذ مثلها أو أشدَّ، فقال: ادعي الله ولا أضرُّكِ، فدعت فأُطْلِق، وفي المرة الثالثة دعا بعض حَجَبتِه، وقال: إنكم لم تأتوني بإنسان؛ إنما أتيتموني بشيطان! ثم أطلقها، وأخدَمها هاجر، فجاءت إلى إبراهيم عليه السلام، فسألها: ما الذي حدث؟ فقالت: ردَّ الله كيد الكافر، وأعطانا جارية.



وقول هذا الظالم: "إنكم أتيتموني بشيطان!" الحق أنه هو الشيطان، وأن سارة حفظها الله جل جلاله من فجوره، ومن حفظ الله حفظه.



وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((انطلقَ ثلاثة رهط ممَّن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدَّت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة إلَّا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كانت لي بنت عَمٍّ كانت أحبَّ الناس إليَّ، فأردْتُها عن نفسها فامتنعت منِّي حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتُها عشرين ومائة دينار على أن تُخلِّي بيني وبين نفسها، ففعلت حتى إذا قدرتُ عليها، قالت: لا أحِلُّ لكَ أن تفُضَّ الخاتمَ إلا بحقِّه، فانصرفْتُ عنها وهي أحبُّ الناس إليَّ، وتركتُ الذهب الذي أعطيتُها.



وفي رواية: فلما أمكنتني من نفسها بَكَتْ، فقلتُ: ما يُبكيكِ؟ قالت: فعلت هذا من الحاجة، فقلتُ: انطلقي، وفي رواية: فأسلمتْ إليَّ نفسها، فلما كشفتها ارتعدت، فقلتُ: ما لك؟ قالت: أخاف الله ربَّ العالمين، فقلتُ: خفْتِه في الشدَّة، ولم أخفْه في الرَّخاء؛ فتركتها، وفي رواية: فلما جلستُ منها مجلسَ الرجل من المرأة ذكرتُ النار، فقمْتُ عنها.



بُنيَّتي: العفاف من أسباب دخول الجنة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلَّتِ المرأةُ خمسَها، وصامت شهرَها، وحفظتْ فرجَها، وأطاعت زوجَها، قيل لها: ادخُلي الجنة من أيِّ أبوابِ الجنةِ شِئْتِ)).



بُنيَّتي: حافظي على هذا الدعاء لستر العورات؛ فعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: ((اللهم إنِّي أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي، وآمن روعتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتالَ من تحتي)).











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-07-2019, 08:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,564
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بنيتي.. رسائل محبة وشفقة

بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (4)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ










الرسالة الرابعة: لا تكوني فتنة للرجال



بُنيَّتي: لا تكوني فتنةً للرجال حتى تسلمي من الإثم؛ فالمرأة أعظم فتنة للرجل؛ فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تركتُ بعدي فتنةً أضَرَّ على الرجال من النساء))؛ فالمرأة تفتن الرجل، وقد ذكر الإمام ابن الجوزي رحمه الله قصةً لمؤذِّن صعد المنارة ليؤذِّن، فرأى امرأةً جميلةً على السطح، فتعلَّق بها، وطلب الزواج منها، فقالت له: إنها نصرانية، وأنها لا تقبل الزواج منه حتى يتنصَّر، فحاول بها، فأبَتْ إلَّا أن يتنصَّر، فتنصَّر، فلما تنصَّر قالت له: إذا كان دينُكَ رخيصًا عندك، فأنا سأكون أرخَصَ من ذلك عندكَ، وستُطلِّقني بأدنى سبب؛ ولذا فلا رغبة لي فيك، ولن أتزوَّجَكَ، فخسِرَ الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة.







وحتى لا تكوني فتنةً للرجال، فاحرصي على ما يلي:



القرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة أو ضرورة:



قال الله عز وجل: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]، وعن أم ورقة بنت نوفل رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قِرِّي في بيتك)) فالأصل أن تقِرَّ المرأة في بيتها وألَّا تخرج منه إلا لحاجة؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد أُذِن لكنَّ أن تخرُجْنَ لحاجتكن))، فقرار المرأة في بيتها خيرٌ لها؛ لأنها إذا خرجت منه، فإن الشيطان يطمع في إغوائها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المرأة عورة، فإذا خرجَت استشرفَها الشيطانُ))، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "النساء حبالة الشيطان".







بُنيَّتي: لقد أجاز الإسلام للمرأة أن تخرُجَ من بيتها لأداء الصلاة في المسجد غير متطيِّبة ومُتجمِّلة، إلا أنه رغب في بقائها في بيتها والصلاة فيه؛ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، ولْيَخْرُجْنَ وهن تَفِلَات))، وفي رواية: ((وبيوتهن خيرٌ لهن))، وعن أم حميد الساعدية رضي الله عنها أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني أحِبُّ الصلاة معك، قال: ((قد علمْتُ أنَّكِ تُحبِّين الصلاةَ معي، وصلاتُكِ في بيتِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في حُجرتِكِ، وصلاتُكِ في حُجْرتِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في دارِكِ، وصلاتُكِ في دارِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجد قومِكِ، وصلاتُكِ في مسجد قومِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجدي)).







عدم التطيب عند الخروج من البيت:



بُنيَّتي: للطِّيب وخصوصًا إذا كان له رائحة طيبة تأثيرٌ في النفوس، والمرأة إذا تعطَّرَتْ ومرَّت بالرجال، أثَّر ذلك فيهم؛ ولذا نُهيَتْ عن ذلك؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله؛ ولكن لِيَخْرُجْنَ وهن تَفِلات))؛ أي: غير مُتطيِّبات، وعن زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا شهِدَتْ إحداكُنَّ المسجِدَ فلا تمسَّ طِيبًا))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أيما امرأة أصابَتْ بَخُورًا فلا تشهَد معنا العشاء الآخِرة))، وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أيما امرأةٍ استعطرَتْ، ثم خرجت فمرَّت على قومٍ ليجدوا ريحَها فهي زانيةٌ))، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((خيرُ طِيبِ النساء ما ظهر لونُهُ وخفيَ ريحُهُ))، وعن حفصة رضي الله عنها قالت: "إنما الطِّيبُ للفِراش".







تغطية الوجه وستره عن الرجال الأجانب:



بُنيَّتي: إن الوجه المصون بالحجاب كالجوهر المكنون في الوعاء، ولن تتزيَّن المرأة بزينة هي أجمل من ستر وجهها عن الرجال الأجانب عنها، وقد دلَّت النصوص الشرعية، وعمل أمهات المؤمنين، ونساء أفضل القرون، وأقوال أهل العلم المعتبرين، على وجوب تغطية المرأة لوجهها، وللعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رسالة لطيفة نافعة مفيدة سمَّاها "رسالة الحجاب"، أورد فيها الأدلة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والقياس، التي دلَّت على وجوب احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها، ثم ذكر رحمه الله أدلة المبيحين لذلك، وأجاب عنها.








بُنيَّتي: ليكن قدوتُكِ في ستر وجهك عن الرجال الأجانب - أمهات المؤمنين رضي الله عنهن؛ فعن عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت في حادثة أصحاب الإفك: "وكان صفوان يراني قبل الحجاب، فاستيقظْتُ باسترجاعه حين عرَفني، فخَمَّرْتُ وجهي عنه بجلبابي"، فقد بادرَتْ رضي الله عنها إلى تغطية وجهها حرصًا على الستر، وعنها رضي الله عنها، قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل؛ لما أنزل الله عز وجل: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31] شقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فاختمرْنَ بها، قال أهل العلم: "اختمرن"؛ أي: غطَّيْنَ وُجُوههن، وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: كنا نُغطِّي وجُوهَنا من الرجال.







ولما نزل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59]، قالت أم سلمة رضي الله عنها: "خرج نساء الأنصار كأن رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها".







بُنيَّتي: المرأة التي تُغطِّي وجهها لا تُؤذَى من الفُسَّاق؛ قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59]، ومن دعوا المرأة إلى السُّفُور اعترفوا بأنها إذا كشفت وجهَها أُوذِيَتْ من الناس، فقد ذكر من ألَّف في موضوع الحجاب أن أول من دعا إلى سُفُور المرأة وكشفها لوجهها للرجال الأجانب عنها، قد قال: أدركت الآن خطورة هذه الدعوة بما اختبرته من أخلاق الناس، فلقد تتبَّعْتُ خطوات النساء في كثير من أحياء العاصمة؛ لأعرِفَ درجة احترام الناس لهُنَّ، وماذا يكون شأنهم معهن إذا خرجْنَ سافرات، فرأيْتُ فسادَ أخلاق الرجال، رأيتُهم ما مرَّتْ بهم امرأة أو فتاة إلَّا تطاولوا إليها بألسنة البَذاء، ثم ما وجدت زحامًا في طريق مرَّت به امرأة إلا تناولتها الأيدي والألسنة جميعًا.







وما ذكره هو المتوقَّع فقد ذكر المفسِّرون: أن ناسًا من فُسَّاق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة، فيتعرَّضُون للنساء، أمَّا إذا غطَّيْنَ وجُوهَهن عُلِم أنهنَّ حرائر، فلا يتعرَّض لهن فاسق بأذًى ولا ريبة.







بُنيَّتي: تغطية المرأة لوجهها طهارة لقلبها ولقلوب المؤمنين من كلِّ خُلُق هابط؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: 53].







إنَّ من فوائد الحجاب طهارة القلب من الأخلاق الرذيلة، والإنسان العاقل يسعى في كل ما فيه تطهير لقلبه، ويبتعد عن كل ما فيه تدنيس لقلبه، فاحرصي على الحجاب، واستري وجهَكِ يَزْكُ قلبُكِ، فالله جل جلاله علَّل الأمر بالحجاب؛ لكونه أطهرَ للقلوب.







بُنيَّتي: المرأة العفيفة يعظُمُ عليها أن ينظر إليها أجنبي؛ فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: أتيْتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له امرأة أخطبُها، فقال: ((اذهب فانظر إليها؛ فإنه أجْدَرُ أن يُؤْدَمَ بينكما))، فأتيْتُ امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها، وأخبرتُهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنهما كرها ذلك فسَمِعَتْ ذلك المرأةُ وهي في خِدْرها، فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَكَ أن تنظُرَ فانظُرْ، وإلَّا فأنْشُدُكَ، كأنها أعْظَمَتْ ذلك.







لقد أعظمت رضي الله عنها أن ينظُرَ إليها رجلٌ أجنبيٌّ.







بُنيَّتي: السُّفُور مطيَّةُ الفجور، ومن سمح لقدمه أن تنزلق خطوةً واحدةً في أول الطريق، فإنه لا يدري إلى أين تسُوقاه قدماه، وإلى أين ينتهي به المسير، وما نراه من مظاهر لا تليق بالمرأة العاقلة فضلًا عن المؤمنة العفيفة، كانت بداياته تساهُل المرأة في السُّفُور وعدم تغطية الوجه، ومن هنا بدأت الفتنة، فقد خلعت المرأة المسلمة غطاء وجهها، وخلعت معه حياءها الذي طالما صانها من أذى كل فاجِرٍ وفاسِقٍ، والذي كان سياجًا يحمي المجتمع المسلم من مظاهر لا تليق به، فكوني بُنيَّتي سدًّا منيعًا، ولا تكوني ثغرةً ينفذ منها الأعداءُ لهدم بنيان المجتمع.







عدم التبرج وإبداء الزينة وإظهار المحاسن للرجال:



بُنيَّتي: المرأة لا يجوز لها أن تتبرَّج بإظهار زينتها ومحاسنها للرجال الأجانب عنها؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]، وقال جل جلاله: ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، وقال جل وعلا: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور: 31] قال أهل العلم: تُبدي وتُظهِر اللباس الذي لا بد من ظهوره.







بُنيَّتي: لقد أنزل الله جل جلاله اللباس لستر العورات والسوءات؛ قال الله عز وجل: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ ﴾ [الأعراف: 26]، فاجعلي لباسك لذلك، واستري به مفاتنك، والمرأة منذ القدم بفطرتها السليمة تستر مواضع فَتْنتِها، فترتدي الملابس الساترة؛ قال الله عز وجل: ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ﴾ [النمل: 44]، قال أهل العلم: ومن فوائد الآية الكريمة أن المرأة من قديم الزمان شِيمتُها التستُّر؛ لأن قوله: ﴿ وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ﴾ دليلٌ على أن الأصل أنها مستورة وهو كذلك.







وعن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ جرَّ ثوبَه خُيَلاء لم ينظُر الله إليه يوم القيامة))، فقالت أم سلمة رضي الله عنها: كيف يصنع النساء بذيولهن؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((يُرخِين شبرًا))، فقالت: إذًا تنكشف أقدامُهن، فقال صلى الله عليه وسلم: ((فيُرخينه ذِراعًا، ولا يَزِدْنَ عليه))، فنساء الصحابة رضي الله عنهم كُنَّ يرتدين الملابس الساترة، التي تستر أقدامَهن، فليكنَّ رضي الله عنهن هُنَّ القدوة لكِ والأُسْوة في هذا، لعلَّكِ أن تكوني معهن يوم القيامة في جنات النعيم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال لبعض أصحابه: ألا أُريكَ امرأة من أهل الجنة؟ قلتُ: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتَت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أُصْرَعُ، وإني أتكشَّفُ؛ فادعُ اللهَ لي، قال: ((إن شِئْتِ صَبَرْتِ ولكِ الجنة، وإن شِئْتِ دعُوتُ اللهَ أن يُعافِيكِ))، فقالت: أصبرُ، فقالت: وإنِّي أتكشَّفُ، فادعُ الله لي ألَّا أتكشَّف فدعا لها.







لقد صبرتْ رضي الله عنها على المرض، ولكنها طلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعوَ لها إلَّا تتكشَّف، فالمهم عندها عدم تكشُّفِها أمام الناس.







بُنيَّتي: لقد ذكر أهل العلم: أن المرأة لا يحلُّ لها أن تُظهِر شيئًا من بدنها لرجالٍ ليسوا من محارِمِها، فاحرصي على سَتْر جميع جسدك عنهم، واعلمي أن كشف العورات بعدم ارتداء اللباس الساتر للمفاتن أشدُّ فتنة من تزيين ووسوسة الشيطان؛ قال الله عز وجل: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ﴾ [الأعراف: 27]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا ﴾ [الأعراف: 20]، وقال جل جلاله: ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ﴾ [الأعراف: 22].







وقد جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه، فقال: إني نذرتُ لأَتعرينَّ يومًا حتى الليل على حراء، فقال له رضي الله عنه: إنما أراد الشيطانُ أن يفضحَكَ، ثم تلا:﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ﴾ [الأعراف: 27]، توضأ ثم البسْ ثوبَكَ وصلِّ على حراء يومًا حتى الليل، وعن ابن عباس رضي الله عنه في قصة المرأة التي تُصرَع فتتكشَّف، قالت: إني أخاف الخبيث أن يُجرِّدني.







بُنيَّتي: إن كشف العورات من طبائع الكفَّار الفجَّار، وليست من أفعال المؤمنين الأبرار؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كانت بنو إسرائيل يغتسلون عُراةً، ينظُر بعضُهم إلى بعض)).







والعرب في جاهليتهم وكُفْرهم وشِرْكهم كانوا يطُوفُون بالكعبة رجالًا ونساءً وهم عُراةٌ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانت المرأة تطُوف بالبيت وهي عريانة.







وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن أبا بكر رضي الله عنه بعثه في الحجَّة التي أمَّرَه عليها رسولُ الله قبل حجَّة الوداع في رهْطٍ يُؤذِّن في الناس: ألا لا يحجُّ بعد العام مُشركٌ، ولا يطُوف بالبيت عريان؛ فالعريُّ جاهليةٌ ورِجْس.







بُنيَّتي: من الفتن التي وقعت فيها كثيرٌ من نساء المسلمين لبس اللباس الكاسي العاري؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً فَزِعًا يقول: ((سُبحان الله! ماذا أَنْزَل الله من الخزائن، وماذا أُنْزِلَ من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحُجُرات - يريد أزواجه - لكي يُصلِّين؟ رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عارية في الآخرة))، فلا تتهاوني في هذا؛ فالعقوبة في الآخرة شديدة، فقد ذكر أهل العلم رحمهم الله: أن من معاني قوله صلى الله عليه وسلم: ((كاسية عارية))؛ أي: إنها كاسية بالثياب؛ لكنها شفَّافة لا تستُر عورتها، فتُعاقَب في الآخرة بالعري جزاءً على ذلك.







وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أهل النار لم أرَهُما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنَّة البُخْت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا)) فمن أصناف أهل النار - أجارنا الله وجميع المسلمين - النساء الكاسيات العاريات؛ قال أهل العلم رحمهم الله: إن من معاني قوله صلى الله عليه وسلم: (( كاسيات عاريات)) أنها تستُر بَدَنَها وتكشف بعضَه، إما لأن اللباس قصيرٌ لا يستُر جميع الجسد، وإما لأنه شفَّاف يُظهِر ما تحته، وإمَّا لأنه ضيِّق يُبرِز المفاتن، ويدخل في ذلك فتح أعلى الصدر، وما يكون مشقوقًا من الأسفل.







وإن مما يُعينكِ على عدم التبرُّج، إقامة الصلاة بأركانها وواجباتها وسُنَنها، وتأديتها بخشوع، قال أهل العلم: إن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ ﴾ [الأحزاب: 33]، ثم قال عز وجل: ﴿ وَأَقِمْنَ ﴾ [الأحزاب: 33]، فدلَّ هذا على أن من أسباب عدم التبرُّج إقامة الصلاة، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، وقال الله جل جلاله: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45].







الحذر من الخلوة والاختلاط بالرجال:



بُنيَّتي: المرأة بفطرتها السليمة تبتعد عن مزاحمة الرجال والاختلاط بهم؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ﴾ [القصص: 23]، فهما تنتظران ذَهاب الرجال الرِّعاء، ثم تسقيان لغنمهما.







بُنيَّتي: لخطورة اختلاط النساء بالرجال والخلوة بهم، فقد حذَّرت نصوص الشرع من ذلك، وجعلت الشيطان ثالثًا للرجل الذي يخلو بالمرأة؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألَا لا يَخْلُوَنَّ رجُلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))؛ قال أهل العلم: ((إلا كان الشيطان ثالثهما)) بالوسوسة وتهييج الشهوة، ورفع الحياء، وتسويل المعصية، حتى يجمع بينهما الجِماعُ، أو فيما دونه من مُقدِّماته التي تُوشِك أن تُوقِعَ فيه، والنهي للتحريم.







وإذا حدث الاختلاط بين الرجال والنساء، وحدثت الخلوة بين الرجل والمرأة؛ فوقوع الفاحشة بينهما ليس بمستبعد غريب؛ بل قد يُقال: إن عدم وقوعها هو المستبعد الغريب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قام رجل، فقال: يا رسول الله، اقْضِ لي بكتاب الله، فقام خَصْمُه، فقال: صدق يا رسول الله، اقْضِ له بكتاب الله، وائذن لي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((قل))، فقال: "إن ابني كان عسيفًا على هذا -والعسيف: الأجير- فزنى بامرأته"، فهذا الشابُّ لما تمَّت الخلوة بينه وبين زوجة من يعمل لديه زنى بها، فإذا كان هذا حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه خير القرون، فكيف بعصرنا الحاضر؟! لا شَكَّ أن الخطر أشدُّ وأعظم، وخصوصًا مع وجود ما يُثير ويهيج الغرائز.







بُنيَّتي: المرأة لا تخلو برجل أجنبي عنها إلا مع مَحْرَم لها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَخْلُوَنَّ أحدُكم بامرأة إلا مع ذي مَحْرَم))، وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندخُلَ على المغيبات"، وهي لا تخلو برجل أجنبي عنها حتى ولو كان هذا الرجل الأجنبي من أقارب الزوج؛ بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم سمَّاه الموت؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إيَّاكُم والدخول على النساء))، فقال رجل: أفرأيت الحَمْو، فقال صلى الله عليه وسلم: ((الحَمْوُ الموتُ))، قال أهل العلم: الحَمْو: أقارب الزوج؛ كأخيه، وعمِّه، وخاله، وما أشبه ذلك، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الحَمْوُ الموت)) معناها: المبالغة في التحذير؛ أي: كما تحذر من الموت فاحْذَر من الحَمْو، والموت الإنسان لا يحذر منه فقط، بل يفرُّ منه، فكأنه صلى الله عليه وسلم بالغ في التحذير من الحَمْو، ولا تستغربي بُنيَّتي أن يُحذِّر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ لأن خطرَه عظيم؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: يجب الحذر من الحَمْو، والشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم، ولا أخطر من هذا الأمر إطلاقًا، ونحن نسمع قصصًا ليس هذا موضع ذكرها يشيبُ منها الرأسُ، ونقول: كيف يقع من الإنسان هذا الشيء؟!







فالمرأة لا تخلُ مع أقارب زوجِها، ولا تخلُ مع خطيبها، ولا تخلُ مع الطبيب، طبيبة كانت أو ممرضة أو مريضة، ولا تخلُ مع السائق في السيارة، ولا تخلُ مع الخادم الذكر في المنزل، ولا تخلُ مع زميلها في العمل، ولا تخلُ مع المعلِّم في المدرسة، ولا تخلُ مع الأستاذ في الجامعة، لا تخلُ مع هؤلاء جميعًا؛ لأنهم رجال أجانب عنها، لا يجوز لها أن تخلوَ بهم؛ حتى لا يقع ما لا يُحمَد عقباه.







بُنيَّتي: من حرص الإسلام على مباعدة الرجال عن النساء، أن جاءت النصوص بمنع الاختلاط بينهم حتى في أماكن العبادة، والطرق المؤدية لها، وإليكِ بعضها:



عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوف النساء آخرُها، وشرُّها أولها))، وعن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد، فوجد النساء قد اختلطن بالرجال، فقال لهن: ((استأخِرْنَ فإنه ليس لكن أن تَحْقُقْنَ الطريق عليكُنَّ بحافَات الطريق))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس للنساء وسط الطريق))، وعن أُمِّ سلمة رضي الله عنها، قالت: "كانت رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا سلَّم قام النساء حين يقضي تسليمه، وهو يمكث في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم، قالت: نرى - والله أعلم- أن ذاك كي ينصرف النساء قبل أن يدركهُنَّ الرجال"، وعن أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسِكَ يومًا نأتيك فيه تُعلِّمنا ممَّا علَّمَكَ الله فقال: ((اجتمِعْنَ في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا)) فاجتمَعْنَ، فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلَّمَهُنَّ ممَّا علَّمه الله.







عدم التساهل في مصافحة الرجال الأجانب:



بُنيَّتي: ممَّا تتساهَل فيه بعض النساء مصافحة الرجال الأجانب، مجاملةً أو اتِّباعًا للتقاليد، وهو أمر لا يجوز؛ فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "ما مسَّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قَطُّ، ما كان يُبايعهن إلا بالكلام"، وعن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لا أصافح النساء))، وهو يُعطي انطباعًا للرجل أن هذه المرأة متساهلة، وقد يُغريه الشيطان بها.







عدم الخضوع بالقول مع الرجال الأجانب:



قال عز وجل: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب: 32]، قال أهل العلم: المعني: لا يكُن قولُكُنَّ في مخاطبة الرجال رقيقًا وضيعًا هيِّنًا؛ لأن المرأة فتنة، فإذا خضعت بالقول دَبَّ الشيطانُ بينها وبين الرجل الذي تُخاطِبُه مهما كان الإنسان فيه من شرف ومن نزاهة، فإن المرأة إذا خاطبته بصوت خاضع، فإنها قد تغُرُّه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما رأيْتُ من ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهب للُبِّ الرجُل الحازم من إحداكُنَّ)).







والرجل الحازم: الفطِنُ الكيِّس، لا أحد يُذهِبُ لُبَّه مثل ما تُذهِبُه المرأة؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ﴾ [الأحزاب: 32]؛ بل يجب على المرأة أن تكون عند مخاطبة الرجال من أبعد ما يكون على الخضوع بالقول، ولين القلب، وظرافته، بحيثُ يؤدِّي إلى هذا الأمر العظيم، وهو قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب: 32]، يطمع فيكُنَّ، إما بفعل الفاحشة، أو بالتمتُّع والتَّلذُّذ بخطابكُنَّ.







فإن الإنسان الذي في قلبه مرض إذا خضعت له المرأة بالقول، فإنه يستمرُّ معها في مخاطبتها حتى يُغريَه الشيطان، وربما يحصل بعد ذلك موعدٌ ولقاءٌ وفاحشةٌ.







بُنيَّتي: إن أنتِ فعلْتِ ما ذكرْتُ لكِ من أمور، فسوف تسلمين بإذن الله من أن تكوني فتنةً للرجال، أو مفتونةً بهم، وعند ذاك ستسلمين من الذنوب والأوزار، ولن تكوني نافذةً مفتوحةً يلِجُ منها الأعداءُ ومَنْ في قلوبهم مرض لتقويض بُنيان المجتمع المسلم، وسيكون أبناء هذا المجتمع رجالًا ونساءً فخورين بِكِ، مُعتزِّين بِكِ، حفظكِ الله وجميع بنات المسلمين من كل مكروه وسوء، ووفَّقْكُنَّ لكل خير، وجنَّبْكُنَّ كل شرٍّ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17-07-2019, 06:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,564
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بنيتي.. رسائل محبة وشفقة

بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (5)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ






الرسالة الخامسة:

التشبه بالرجال انحراف عن الفطرة، وطلب المساواة معهم تأبَاه الشريعة والحكمة.





بُنيَّتي، الله سبحانه وتعالى حَكَمٌ عَدْل، فما فضَّل الله به بعض الناس على بعض، سواء بسبب الذكورة، أو بسبب الغِنى، أو العلم، أو الصحة أو المال، أو غير ذلك، فهو من فضل الله، وعلى العبد أن يرضى بما كتب الله له، ولا يتمنَّى ما فضَّلَ الله به غيره عليه؛ لأن الفَضْل بيد الله يُؤتِيه من يشاء، فلا تتمَنَّى المرأة أن تكون رجلًا؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 32]، ذكر بعض أهل العلم: أن الآية نزلَتْ بسبب قول بعض النساء لما أنزل الله تعالى: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]، فقال بعضُهُنَّ: يا ليتني كنتُ ذكرًا؛ حتى يكون لي مثل الذكر ولا أنقُص عنه.

بُنيَّتي، لقد خلَق الله سبحانه وتعالى الرجل رجلًا، والمرأة امرأةً، لكل واحد منهما خصائصه الجسديَّة والنفسية والعقلية، وجعل بينهما فوارِقَ طبيعيةً لا يُمكِنُ إنكارُها؛ ولذا فإن محاولة أيِّ واحدٍ منهما التشبُّه بالآخر، تَمَرُّدٌ على خَلْق الله عز وجل، ورفْضٌ لحِكْمةِ أحْكَمِ الحاكمين التي اقْتَضَتْ أن يكون في المجتمع الإنساني ذكورٌ وإناثٌ، يقوم كل واحد منهما بأعمال لا يستطيع الآخر القيامَ بها.

والتشبُّه انحرافٌ عن الفطرة، ودليلٌ على عقلية فاسدة، وهو أمرٌ مستقبَح يأبَاهُ الشَّرْع، وتَنفُر منه النفوسُ السويَّةُ، والعقول السليمة، فالعاقلة من النساء ولو كانت غير مسلمة تريد أن تظَلَّ امرأةً لها أنوثتها؛ لأنها تعلم أن التشبُّه بالرجال يقضي على أنوثتها، وراحتها النفسية، وطُمَأْنينة قَلْبِها.

بُنيَّتي، قد جاءت النصوص بالتحذير مِن تشبُّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، ورتَّبَتْ على ذلك عقوباتٍ عظيمةً.
منها: أنها ملعونةٌ في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَن المتشبِّهات من النساء بالرجال والمتشبِّهين بالنساء من الرجال، وعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعَن الله الرَّجُلَةَ من النساء))، واللَّعْن هو الطَّرْد من رحمة الله؛ قال أهل العلم: الحِكْمة في لَعْن مَن تشبَّه، إخراجُهُ الشيءَ عن الصفةِ التي وضَعَها عليه أحْكَمُ الحكماء.

ومنها: عدم دخول الجنة، فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والدَّيُّوثُ، ورَجُلَةُ النساء)) وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدًا: الدَّيُّوثُ، والرَّجُلة من النساء، ومُدمِنُ الخَمْر))، قال أهل العلم: لا يدخلون الجنة؛ أي: مع السابقين الأوَّلين، أو مِن غير سَبْقِ عذابٍ.



ومنها: عدم نظر الله جلَّ جلالُه إليها يوم القيامة نظرَ رحمةٍ، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا ينظُر الله إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأةُ المترجِّلةُ المتشبِّه بالرِّجال، والدَّيُّوثُ)).

ومنها تبرُّؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس مِنَّا مَن تشبَّه بالرِّجال من النساء، ولا مَنْ تشبَّه بالنِّساء من الرِّجال))، قال أهل العلم: قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا)) يدلُّ على البراءة ممَّن فعل هذا، وأنَّه من الكبائر.



بُنيَّتي، اللباس من أكثر الأشياء التي تتشبَّه فيها المرأة بالرجل، فعن ابن أبي مُليكة رضي الله عنه، قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن امرأةً تلبَس النَّعْل، فقالت: "لعَن رسول الله عليه الصلاة والسلام الرَّجُلة من النساء".

قال أهل العلم: الرَّجُلة: بمعنى المترجِّلة، وهي المرأة التي تتشبَّه بالرِّجال في زيِّهم وهيْآتِهم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعَن الله الرجلَ يلبَس لِبْسةَ المرأة، والمرأةَ تلبَسُ لِبْسةَ الرجل)).

فاحذري أن تتشبَّهي بالرجال في لباسهم، والبنطال من أكثر الأشياء التي تتشبَّه فيها النساء بالرجال، وهو مُحرَّمٌ كما ذكر أهل العلم؛ لأنه يُجسِّد مفاتن المرأة، ولأن فيه تشبُّه بلِباس الرجال.

بُنيَّتي، إن محاولةَ بعض النساءِ التشبُّهَ بالرجال في بعض الصفات والحركات، وما أشبه ذلك - محاولةٌ فاشلةٌ، وستجعلها مَسْخًا؛ لا هي أنثى ولا هي ذكر؛ ولذا سُمِّيَت من تتشبَّه بالرجال بـ"الجنس الثالث"؛ لأنها قضَتْ على حيائها اللائق بشَرَفِها ومُروءتها وإنسانيَّتها، ومن ثَمَّ فقدت أنوثتَها فلم تَعُدْ امرأةً، فعافَها الرجال، وانصرفوا عنها، فصارت جنْسًا ثالثًا، جنسًا ليس فيه صفات الذكورة الحقَّة، ولا الأنوثة الحقَّة، جنسًا عارًا على مجتمعه وعبئًا ثقيلًا، لا يجلب أي نَفْعٍ، بل لا نَفْعَ فيه ولا فائدة، وهُنَّ لا يَشْعُرْنَ بسعادةٍ؛ لأنهن خالفْنَ فطرة الله عز وجل، وقد أُصِيبَ الكثيرُ مُنهُنَّ بحالة من الكآبة.

بُنيَّتي، تشبُّه المرأة بالرجل البوابة الأولى التي يُزيِّنُها الشيطان لبعض النساء، ليَصِلَ من خلالها إلى طَلَبِهنَّ المساواة مع الرجل في كل شيء، وهذه الدعوة تأبَاها الشريعة والحِكْمة، فالمرأةُ ليسَتْ كالرَّجُل، لا في الطبيعة، ولا في الأخلاق، ولا في المعاملة، ولا في الأحكام في بعض الأحيان.

بُنيَّتي، شريعة الإسلام التي تنتسبين إليها، لم يأتِ في نصوصِها من آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، ما يأمُر بالمساواة أبدًا، بل جاءت النصوص بنفي المساواة؛ يقول الله جلَّ جلاله: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾} [الأنعام: 50]، وإنما جاءت النصوص بالعَدْل؛ يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اتَّقُوا الله واعدِلُوا بين أولادكم))، فالشريعة تأمُر بالعَدْل وليس المساواة، والعَدْل إعطاء كلِّ ذي حَقٍّ ما يستَحِقُّه، وتنزيل كلِّ ذي منزلةٍ منزلتَه، هذا هو الموافق للمعقول والمنقول.

بُنيَّتي، المساواة لا تكون بين الأمور المختلفة، فهذا خلاف المعقُول والمنقُول؛ يقول الله جل جلاله: ﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]، فالذكَر ليس كالأنثى، قال أهل العلم: إذا انتفَتْ مساواةُ الذكر للأنثى انتفَتْ مساواةُ الأنثى للذكر؛ لأن التساوي يكون بين شيئَينِ، فإذا انتفت المساواة في أحدهما لزِمَ أن تكون منتفيةً في الآخر، فلا مساواة بين الذكر والأنثى، بل لكل واحدٍ منهما ميزاتُه وخصائصُه، وعلى هذا يا بُنيَّة، فإن مطالبة بعض النساء بالمساواة مع الرجل، مطالبةٌ مخالِفةٌ للفِطْرة والشريعة، فلا يمكن أن نسوِّي بين صِنْفَينِ فرَّقَ الله بينهما خَلْقًا وشَرْعًا، فالخَلْقُ الأمر فيه واضحٌ، فالرجل يختلف اختلافًا كثيرًا عن المرأة في القوة البدنيَّة والعقلية والفكرية، وأما شرْعًا، فهناك أحكام يُطالَب بها الرجلُ ولا تُطالَبُ بها المرأةُ، وأحكام تُطالَب بها المرأةُ، ولا يُطالَب بها الرجل، وقد ذكر بعض أهل العلم أن الفروق بينهما في الأحكام الشرعية تزيد على المائتين، وهذا الاختلاف يدلُّ على أن طَلَبَ المساواة شيء تأبَاه الفِطْرة والخِلْقة والحِكْمة والعقل، فهي فكرة لا تقبلها العقول السليمة ولا الفِطَر السويَّة.

بُنيَّتي، إن فكرة المساواة دعوةٌ قد يكون في ظاهرِها الرحمة في اعتقاد بعض النساء اللائي لم يعرفْنَ خفاياها، لكن الحقيقة أن في باطنها العذاب، فأنتِ إذا تأمَّلْتِ هذه الدعوة وجدْتِ أنها دعوة لا يمكن أن تستقيم بها الحياة الزوجية؛ فالزوج يريد أن تكون له القِوامة على زوجته؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]، والزوج يريد أن يسكن إلى زوجته؛ قال جل جلاله: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ [الروم: 21]، وهذا لن يتمَّ إذا كانت العلاقة قائمةً بينهما على المساواة والنِّدِّية، والتضادِّ والتصادُم، وبالتالي فلن يكون هناك المودَّة والرحمة اللتان هما أساس الحياة الزوجية، فالمودَّة والرحمة تكون مع التكامُل والتعاوُن، وقيام كل طرف بما يجب عليه من مهامَّ حسب الصفات والمميِّزات التي خصَّها الله سبحانه وتعالى به، تقول زعيمة "حركة كل نساء العالم": هناك بعض النساء حطَّمْنَ حياتهن الزوجية عن طريق إصرارِهِنَّ على المساواة بالرجل.

يجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة، ثم تتحدث عن نفسها، فتذكُر أنها كثيرًا ما تسبَّبَتْ في إزعاج زوجِها بسعيها المتواصِل من أجل المساواة، ولكنَّها اكتشفَتْ بعد ذلك أن هذا السَّعْي كان السبب الرئيس وراء كل خلافاتِها مع زوجها.

بُنيَّتي، إن مساواة المرأة بالرجل في الحقيقة إفسادٌ للأسرة، فالأبُ له دورٌ في الأسرة، والأُمُّ لها كذلك دورها، فإذا تساوَيَا فمَنْ يقوم بمهامِّ الآخَر؟! وأهمُّ شيءٍ في تلك المهامِّ الحنان والشفقة والعَطْف الذي تتميَّز به الأُمُّ عن الأب، فمن سيمنَح الأطفال الصِّغار العَطْفَ والحنان؟! فضَرَرُ المساواة يتعدَّى إلى الأولاد من ذكور وإناث.

بُنيَّتي، قد تسألين وتقولين: من أين جاءت هذه الدعوة الغريبة؟ فالجواب أنها جاءت من أقوام كانت المرأة تُعاني عندهم من إهمالٍ لها وتَميُّزٍ في المعاملة، وعدم إعطاءٍ لحقوقها، من أجل ذلك قامت المرأة تُطالِب بمساواتها مع الرجل، فاستغلَّ ذئابُ البَشَر وشياطينُ الإنْس مُطالبةَ المرأة بذلك، فكانت الاتِّفاقيَّات والمؤتمرات التي نصَّت على المساواة التامَّة بين الرجل والمرأة في جميع ميادين ومجالات الحياة المختلفة، فظاهر الأمر أن المرأة كسبتْ، ولكنها في الواقع هي الخاسرة؛ لأنهم لَمَّا جعلوها مساويةً للرجل في كل شيء ولم يُراعوا فِطْرتَها وطبيعتها وتكوينها، كلَّفُوها ما لا تطيق من باب تكريمها وإعطائها حقوقها، هكذا زعموا، والنتيجة أنْ ذاقَتِ المرأة وَيْلات هذه المساواة، فهذه المساواة جعلتْها تستغْني عن الرجل، فأدَّى هذا إلى تعدِّي الرجال عليها؛ لأنها خسِرت الرجل الذي كان يَحميها زوجًا كان أو أخًا أو أبًا.

وهذه المساواة جعلتها تترك بيتها وعشَّها الآمِن؛ لتبحث عن عملٍ، فالرجل الذي طلَبت المساواة معه لم يعد يُنفِق عليها، فخرَجت لتعمَل؛ ممَّا أدَّى إلى استغلالها؛ إذ صارت تَقْبَل أن تعمَلَ أيَّ عَمَلٍ تجدُه مهما كان ضئيلَ المردود، ومهما كان مُجْهِدًا مُنْهِكًا لجَسَدِها، وأهمُّ من هذا كلِّه ما يُصاحبُه من تنازُلات في شَرَفِها وعِرْضِها، فهذه المساواة بُنيَّتي جعلَت المرأة تخسَر الأمانَ والعطفَ والراحةَ والاستقرارَ، بل فقدت السعادة كلَّها.

هذه النتائج السيئة لما يُسمَّى "مساواة المرأة بالرجل"، جعلت العاقِلات من نسائهم يَرجِعْنَ عن هذه الدعوة، ويُعْلِنَّ أن الرجل خَدَعَ المرأةَ بهذه الدعوة، فامتصَّها زهرةً وتخلَّى عنها بعد أن ذَبَلَتْ، وأصبَحْنَ يُنادين بأنَّ المرأة تختلف عن الرجل، وأنَّ لها صفاتٍ وخصائصَ تميِّزُها عن الرجل، فالحمد لله يا بُنيَّة على نِعْمة الإسلام، وعلى تكريم الإسلام للمرأة، فتمسَّكِي بتعاليمه تسْعَدِي.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19-07-2019, 05:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,564
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بنيتي.. رسائل محبة وشفقة

بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (6)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ





الرسالة السادسة:

الدراسة لتعلم العلم النافع في الدنيا والآخرة




بُنيَّتي: إن الإنسان لضَعفه وقصور نظره، قد يختارُ العاجِلَ الرخيصَ على الآجل النفيس، فالنفسُ مولعةٌ بحُبِّ العاجلة وإيثارها على الآخرة؛ قال الله جل جلاله: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17]، فأكثرُ الناس يُقدِّمون ما فيه نفْعُهم في الدنيا على ثواب الآخرة؛ قال أهل العلم: الدنيا دار فانية، والآخرة شريفة باقية، فكيف يُؤثِر عاقلٌ ما يَفنى على ما يبقى، ويهتمُّ بما يزول عنه قريبًا، ويترك الاهتمام بدار البقاء والخُلْد؟! وبِناءً على هذا فينبغي أن يحرِص الإنسان رجلًا كان أو امرأةً - في كلِّ أموره - على ما ينفعه في دُنْياه وآخرته، وأن يُؤثِرَ آخِرتَه على دُنْياه.


بُنيَّتي: إن مما ينفع العبد في دنياه وآخرته، تعلَّم العلم النافع الذي هو فقه كتاب الله عز وجل، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأهَمُّ ما ينبغي أن تتعلَّمَه الفتاةُ المسلمةُ هذا العلمُ الذي يجعلُها تعبُدُ الله على بصيرةٍ، ويُمكِّنها من معرفة أحكام دينها، كما أنه يُنِير لها الطريق في كيفية التعامُل مع الناس على أساس قويم سليم متين.


هذا العلم يا بُنيَّة من أفضل الأعمال الصالحة، ومن أجَلِّ عبادات التطوُّع، ولقد مدَحه الله جلَّ جلالُه في كتابه، وجاءت السنة بذِكْر فضائله، وقد أُلِّف في بيان فضله وشرفه: المصنفات الكثيرة، فمن فضائله أن الله جل جلاله أمَرَ نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يسألَه الزيادةَ منه؛ فقال الله عز وجل: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، قال أهل العلم: وكفى بهذا شرفًا للعلم أن أمر نبيَّه أن يسألَه المزيد منه.


ومنها: رفعة درجات أهله في الدنيا والآخرة؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].


ومنها: أن أهله هم أهل خشية الله؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]؛ قال أهل العلم: وهذا حصر لخشيته في أُولي العلم.


ومنها: أنه طريق إلى الجنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومَنْ سَلَكَ طريقًا يلتمِسُ فيه علمًا، سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة)).


ومنها: أن مَن فَقِهَ في هذا العلم، فقد أراد الله به خيرًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّه في الدين))، قال أهل العلم: ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم، لكان كاملًا في الحثِّ على طلب علم الشريعة والفقه فيها.


بُنيَّتي: إن الخلق جميعًا في حاجةٍ ماسَّةٍ لهذا العلم؛ فهو نور يستضيئون به في أمور دينهم ودُنْياهم، فمن تعلَّم هذا العلم، فقد اتَّخذ مِصْباحًا يمشي به بين يديه، يدلُّه على الطريق، وتزداد الحاجة إلى هذا العلم في هذا الزمن؛ لجهل كثير من الناس بأحكام دينهم، ولظهور أناس يتطلَّعون إلى الإفتاء بغير علم.


بُنيَّتي: هذا العلم يجعلُكِ من الداعيات إلى الله على بصيرة، وأجْر الدعوة إلى الله عظيم؛ قال عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، قال أهل العلم: ولا ريبَ أن هذا الثناء يُحفِّز الهِمَم ويُلهِب الشعور، ويُخَفِّف عبء الدعوة، ويدعو إلى الانطلاق في سبيلها بكل نشاط وقوةٍ، وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ دَلَّ على خير، فله مثل أجر فاعله))، وهو يدلُّ على أن من دعا إلى الخير وأرشد إليه، كان له مثل أجر فاعله، وهذه فضيلة عظيمة للدعوة إلى الله.


بُنيَّتي: المقصود بالعلم في كلامنا السابق: هو علم الشريعة وما عداه من علوم، فهي ثلاثة أنواع:
علوم نافعة: فهذه تكون مطلوبةً لا لذاتها؛ ولكن لما يُرجى فيها من نفعٍ.
علوم ضارة: وهذه يجب اجتنابها والبُعْد عنها.
علوم غير نافعة ولا ضارة: فهذه لا ينبغي للإنسان أن يُضيِّع وقتَه فيها.


بُنيَّتي: يقول أحد الفضلاء: المرأة المسلمة حين تتجه إلى التعليم والاختصاص تضَعُ نُصْبَ عينيها هدى الإسلام العظيم في تكوينها العقلي والنفسي والاجتماعي، بحيث يؤهِّلها تعلُّمُها للقيام بالمهمة الأساس التي خُلِقَتْ من أجلها، وبحيث تغدُو شخصيةً واعيةً مُنتجةً بنَّاءةً في أسرتها ومجتمعها وأُمَّتها؛ فليس من الحِكْمة أن يكون تعليمها كتعليم الرجل في كل شيء، ولا تكون نسخة مماثلة للرجل.


بُنيَّتي: أهل العلم يرون أن أفضل الكليات في الجامعات هي الكليات الشرعية، فانظري في العلم الذي ترغبين التخصُّص فيه بعد انتهائكِ من دراسة المرحلة الثانوية، ورغبتكِ مواصلة دراستكِ الجامعية، فإن كان هذا العلم يزيد في إيمانِكِ، وخشيتِكِ لربِّك، وينفعكِ في دينكِ ودُنياكِ، ولا يُخِلُّ بأنوثتِكِ، ولا يجعلكِ ترتكبين لتُحصِّليه ما نهاكِ الشَّرْعُ عنه فاطْلُبيه، وإن كان غير ذلك فتوقَّفي مليًّا وتفكَّري: ما الفائدة منه؟



بُنيَّتي: ذَكَر أهلُ العلم أن السعادة الحقيقية هي سعادة العلم النافع، وأنها هي السعادة الباقية على تقلُّب الأحوال والمصاحبة للعبد في جميع أسفاره وفي دوره الثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القَرار، وبها يترقَّى العبد في معارج الفضل، ودرجات الكمال.


فكوني بُنيَّتي من أهل هذه السعادة الدائمة الباقية، وذلك بالمسابقة والمسارعة إلى طلب العلم النافع، وستجدين كلَّ خيرٍ وبَركةٍ، وفَّقَكِ الله للحصول عليه، وجعلَكِ من السُّعداء في دُورك الثلاث.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21-07-2019, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,564
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بنيتي.. رسائل محبة وشفقة



بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (7)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ




الرسالة السابعة:


الزواج استقرار للنفس وراحة للقلب







بُنيَّتي: الزواج فطرة جِبِلِّيَّة مركوزة في كل نفس سويَّة من الرجال والنساء، فبه يحصُل السكن والاستقرار النفسي، وبه يحصُل التحصين والاستمتاع، وبه يُوجَد الأولاد الذين هم من زينة الحياة؛ ولهذا شرَّعه الله جلَّ جلاله لعباده؛ قال عز وجل: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].




بُنيَّتي: تتوهَّم بعض الفتيات أنها تستطيع أن تعيش دون زواج، وهي إن استطاعت أن تبقى على قيد الحياة دون زواج، فإنها لن تستطيعَ أن تعيش حياةً نفسيَّةً مستقرةً هانئةً دون زواج؛ ولهذا تُخطئ كثيرًا مَنْ ترفُض الزواج بحجَّة أنها مُكرَّمةٌ عند أهلها؛ فالمرأة بحاجة للزواج؛ قالت أُمٌّ لابنتها: أي بُنيَّة، لو استغْنَتِ المرأةُ عن زوجها بغنى أبيها، لكنتُ أغنى الناس عنه، ولكن النساء خُلِقْنَ للرجال كما لهنَّ خُلِق الرجالُ.




يقول أحد المشايخ الفضلاء رحمه الله: البنْتُ مهما بلغَتْ من المنزلة والغِنى والشُّهْرة والجاه، لا تجد أمَلَها الأكبرَ وسعادتَها إلَّا في الزواج، وفي أن تكون زوجةً صالحةً، وأُمًّا موقَّرةً، وربَّةَ بَيْتٍ، سواء في ذلك الملِكات والأميرات؛ فالزواج أقصى أماني المرأة.




بنيَّتي: الزواج المبكِّر له فوائدُ كثيرةٌ، والله قد هيَّأ المرأةَ فطريًّا للحَمْل والإنجاب، فإذا عطَّلَتْ هذه الأعضاء فترة طويلة، فإنها قد تضمُر وتفقِد وظيفتَها الحيوية، فمَنْ ترفُض الزواج المبكِّر تُعرِّض نفسَها لهذه المخاطر، كما أنها قد لا تستيقظ إلَّا مُتأخِّرًا بعد أن فاتها قِطارُ الزواج، فهذه طبيبةٌ رفضَتْ الزواجَ في بداية عمرها بحجَّة إكمال الدراسة، واستمرَّ الرفْضُ بعد انتهاء الدراسة بحجَّة العمل، قالت بعد أن تقدَّم بها العمرُ وتوقَّفَ الخُطَّابُ عن طَرْقِ بابِ بَيْتِ أهلِها: خُذُوا شهادتي وأعطوني زوجًا.




بُنيَّتي: المواصفات التي ينبغي أن يكون عليها القَبُول أو الرَّدُّ في الخاطب الذي يتقدَّم: الدِّين والخُلُق؛ طاعةً لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ يقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاءكم مَنْ تَرْضَون دينَه وخُلُقَه فأنْكِحُوه، إلَّا تفعلُوا تَكُنْ فِتْنةٌ وفسادٌ عريضٌ))، فهذه وصية الرسول عليه الصلاة والسلام، مَنْ عَمِلَتْ بها نالَتْ كُلَّ خيرٍ، فهذه أُمُّ المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها قبل أن يتزوَّجَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تضرِبُ أروعَ الأمثلة في امتثالها أمرَ الله ورسوله، فقد خطبها الرسول عليه الصلاة والسلام لمولاه: زيد بن حارثة رضي الله عنهما، فأبَتْ رضي الله عنها، وقالت: لست بناكحته؛ أنا خيرٌ منه حَسَبًا، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، فقالت رضي الله عنها: قد رضيتَه لي يا رسول الله مُنكِحًا؟ قال: ((نعم))، قالت: إذًا لا أعصي رسول الله، قد أنكحتُه نفسي، ثم تزوَّجَها رضي الله عنهما، فحدَث بينهما خلافاتٌ انتهَتْ بالطلاق، فتزوَّجَها بعد ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ فطاعة الله ورسوله فيها كلُّ الخير والبركة.




إن الفتاة المسلمة العاقلة يا بُنيَّتي عندما تريد الزواج لا يَغُرُّها جمالُ الهيئة، وأناقةُ المظهر، ورِفْعةُ المنْصِب، ومظاهرُ الثَّراء، وما إلى ذلك من صفات تستهوي عادةً غالِبَ النساء؛ وإنما تقف عند دين وخُلُق الخاطب، فهما عماد بيت الزوجية الناجح، وبهما بعد توفيق الله، تكون الحياة الزوجية المستقرة التي تُعالَج كلُّ مشكلةٍ فيها بحِكْمةٍ.




بُنيَّتي: ما يُسمَّى بالعلاقات ما قبل الزواج لمعرفة كل طرف للآخر، هذه علاقة مُحَرَّمة؛ لأنها تقوم على علاقة بين امرأة ورجل أجنبي عليها، وكم حدَث منها مِن مآسٍ ومصائبَ، فبعد أن يألَف الطرفان هذه المجالس المنفردة، يأتي الشيطان ويُزيِّن لهما ما حَرَّم الله، ولا غرابةَ في ذلك فهو ثالثهما، ثم يحدث ما لم يكن في حُسبان الفتاة وتصوُّرها أنه سيَحدُث، فتستيقظ على المأساة وعلى الكارثة العظيمة وقد حلَّتْ بها، لقد ضاعتْ وفقَدتْ أغلى شيءٍ لدى المرأة، وتزداد المأساة، وهو المتوقَّع أن ينسحب هذا الخاطب من حياتها، ويتركها تتجرَّع مأساتها وحدَها، وهذه العلاقة بُنيَّتي لو كان فيها خيرٌ للخاطبين لأرشد إليها الإسلام، كما أرشد إلى رؤية كلِّ واحد منهما للآخر مع وجود مَحْرَم للفتاة، فهي علاقة مُحَرَّمة، لن يكون فيه بركة، وقد أثبتَتْ بعضُ الدراسات والأبحاث أن أكثر حالات الطلاق جاءتْ من حالات زواج سبقها علاقة قبل الزواج، فهذه العلاقات من وساوس الشيطان ومكْرِه فاحْذَريها، وحذِّري بنات جِنْسِكِ منها.




بُنيَّتي: كل فتاة يتقدَّم لها رجلٌ للزواج بها، بعد أن تتمَّ الموافقة عليه تتمنَّى أن تعيش معه في سعادة وراحة بال، وهي أُمنية نتمنَّى أن تتحقق لكل فتاة مؤمنة؛ لكن تُخطئ بعضُ الفتيات من حيث لا تقصِد ولا تشعُر، وذلك عندما تفتتح ليلة زواجها بمعاصٍ ومُنكرات من إسراف في الولائم، ومِن تبرُّجٍ واختلاطٍ، ومن استئجار قصور أفراح باهظة الأثمان، فهذه من أهمِّ الأسباب في عدم تحقيق السعادة والوِفاق بين الزوجين؛ فالله جل جلاله يقول: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63]، فإذا كان الله سبحانه وتعالى هو الذي يُؤلِّفُ بين قلوب العباد، ومن ذلك قلوب الزوجين، فكيف ترجو الفتاة أن يُؤلِّف بينها وبين قلب زوجها وهي تعصيه في أول ليلة من زواجها؟! إنَّ مَنْ تبدأ زواجَها بهذه البداية قد لا يحالفها التوفيق، وقد تنتهي الحياة الزوجية بعد مدة قصيرة بالطلاق والفِراق، وإن استمرَّت الحياة فمع وجود المشاكل والخلافات، فَلْيَكُنْ الزواجُ يا بُنيَّة مختصرًا على حضور الأقارب من غير إسراف ولا تبذير ولا مُنْكرات، يُبارك الله لكِ فيه.




بُنيَّتي: من أجمل الصفات في الزوجات رعاية الأزواج، وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء قريش بها؛ فقال: ((خَيْرُ نساء ركِبْنَ الإبلَ نساءُ قريش....وأرْعاهُ على زوج في ذات يده))، وبقيامك بما تتطلَّبُه هذه الصفة من مهامَّ تنجحين بعد توفيق الله لكِ في حياتِكِ الزوجية، وتسعدين مع زوجك، فاجعَليها شعارًا لكِ، وابذُلي يا بُنيَّة ما تقدرين عليه؛ لاستمالة قلب زوجِكِ إليكِ، بالتودُّد والتحبُّب، والظهور بالمظهر الحَسَن، والكلمة الطيبة، والمعاشرة بالمعروف، وشارِكيه همومَه ومسرَّاتِه، وأفراحَه وأتْراحَه، احرصي على إرضائه وإدخال السرور على نفسه، وأطيعي زوجَكِ في غير معصية الله.




بُنيَّتي: اصبري واحتسبي على ما قد ينالُكِ مِنْ تَعَبٍ من عمل البيت، فسيدةُ نساء الجنة بِنْتُ أفضل البشر، فاطمةُ بنت محمد صلى الله عليه وسلم، زوج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما - كانت تشكو من الرَّحَى، وأسماء بنت أبي بكر، تقوم بخدمة زوجها الزبير رضي الله عنهم، فكانت تُسوس فرسَه وتعلفُه، وتعجن الخبز.




بُنيَّتي: إن كنْتِ موظَّفةً عاملةً، فلا يعني هذا إهمالَ البيت والزوج والأولاد، فلا بُدَّ من إعطاء كل ذي حَقٍّ حقَّه، يقول عليه الصلاة والسلام: ((كُلُّكم راعٍ وكُلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه.... والمرأة راعية على بيت زوجها وولدها))، فأنتِ بُنيَّة مسؤولةٌ عن الزوج والأولاد، لا الخادمة أو المربية، والاستغناء عنهما هو الأفضل والأكمل، وكم تسبَّب وجودُهما في مآسٍ للأطفال، وفي حوادث شائنة للكبار، وإذا لم تستطيعي الموازنة بين البيت والعمل، فقدِّمي الأهمَّ وهو البيت والزوج والأولاد.




بُنيَّتي: من أكبر الأخطاء التي تقع فيها بعضُ الزوجات العاملات: اعتقادُهنَّ أن الرابطة بينها وبين زوجها رابطةُ إنفاقٍ، فما دام أنها تُنفِق على نفسها من راتِبِها، فلا قوامة لزوجها عليها، ولا طاعة له بالمعروف، ولها أن تعمل ما تشاء أذِنَ أو لم يأذَنْ، وهذا نذيرٌ خطيرٌ بانتهاء هذه العلاقة الزوجية التي تقوم على الحُبِّ والمودَّة، فالعلاقة الزوجية ليست شركةً اقتصاديةً، لغة التعامُل فيها الأرقام والحسابات.




بُنيَّتي: بعض النساء قد يهَبَهُنَّ اللهُ جل جلاله جمالًا وبهاءً وحُسْنًا، فمنهن مَنْ يكون جمالها وَبالًا عليها، ومنهن مَنْ تعرِف نعمة الله عليها بهذا الجمال، فتشكُر الله عليه، فتزداد مع جمالها الحسِّي جمالًا معنويًّا، تقول باحثة في رسالتها لنيل شهادة الدكتوراه: سارة زوج إبراهيم عليه السلام...على الرغم من أنها كانت ذات جمال أخَّاذ...لكن جمالها لم يَقُدْها إلى الغُرور والتكبُّر والتطاوُل على زوجها، كما لم تُوقِف هذا الجمال على غير زوجها، فكانت متواضعةً، صابرةً، عفيفةً، حييَّةً...وكانت قائمةً بخدمة زوجها وضيوفه حتى بعد أن كبرت سِنُّها ورَقَّ عظمُها.




إن كثيرًا من النسوة الممتازات بالحُسْن الأخَّاذ قد يعتري نفوسَهُنَّ العُجْبُ، وقد يقودهنَّ إلى التكبُّر على أزواجهن، والترفُّع عن ابتذال أنفسهنَّ لخِدْمتِهم! وإن منهن مَنْ يقُودُها الغُرورُ إلى كشف زينتها عند مَن لا يحِلُّ له النظرُ إليها، فتضنُّ بجمالها أن يكون مقتصرًا على زوجها، فتفتِن الرجالَ، ويلَذُّ لها أن يطرق مَسْمَعَيْها عباراتُ ثنائهم وإعجابهم...وإنه لا أعظم من الإيمان يُهذِّبُ النفوس المترفِّعة، والدواخل المغرورة المتكبِّرة، فلقد كان إيمانُ سارة وتَقْواها خيرَ مُعينٍ لها على العِفَّة والتواضُع.




بُنيَّتي: لا توجد حياةً زوجيةً دون مشكلات؛ لكن العاقل مَنْ يحاول أن يُقلِّل منها ابتداءً، ثم يعالجها بالحكمة انتهاءً، ومن أهمِّ ما يُنصَح به في هذا المجال، عدم إخراج هذه المشكلات للآخرين، فكم من مشكلة بين الزوجين كان بالإمكان حلُّها؛ ولكن تدخَّلَ فيها الأقاربُ ففسَدَت العلاقة بين الزوجين، فإن كان لا بُدَّ من إخبار أحدٍ ليقُومَ بالإصلاح، فليكُنْ إنسانًا عاقلًا حكيمًا ذا تجربةٍ، قريبًا كان أو بعيدًا.




بُنيَّتي: إيَّاكِ أن تُنهي حياتَكِ الزوجية دون أن تُشاوري أحدًا؛ فالمسائلُ العِظامُ لا بُدَّ لها من استشارة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم استشار عليَّ بن أبي طالب، وأسامة بن زيد رضي الله عنهما عندما تكلَّم مَنْ في قلوبهم مرضٌ والمنافقون في عِرْضِ أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والإنسانُ مهما بلغ ضعيفٌ بنفسه، قويٌّ برأي غيره، ومَلِكةُ بلقيس كانت لديها أسبابُ القوة المادية، ومع ذلك شاورَتْ قومَها عندما جاءها خِطابُ سليمان عليه السلام؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ [النمل: 32]؛ أي: حتى تُشيرون.




وينبغي أن يكون المستشار ناصِحًا مُحِبًّا، واحذري العَجَلة في طلب الطلاق؛ فبعض النساء تأتي إلى زوجها وتُلِحُّ عليه أن يُطلِّق، فإذا طلَّقَ فهي أوَّل مَنْ يبكي في مكانها وتندم، قال أحد كِبار العلماء رحمه الله: المرأة أحيانًا تُمسِكُ الزوج، وتأخُذ بتلابيبه، حتى إنها ربما تخنقُه، تقول: طلِّقْني، فيقول: أنت طالق...ثم إذا قال ذلك: صرخَتْ وقامَتْ تُولوِلُ وتبكي حُزْنًا، وهذا شيء مُشاهَدٌ، ودائمًا يأتي الناس يستفتون عن هذا.




بُنيَّتي: خاتمة هذه الرسالة ما قالته أُمٌّ لابنتها تُوصيها ليلة زفافها، قالت لها: "بُنية، إنكِ قد فارَقْتِ الجوَّ الذي منه خرجْتِ، والعُشَّ الذي فيه دَرَجْتِ، إلى وكْرٍ لم تَعرفيه، وقَرِينٍ لم تألفيه، فأصبح بِملكِهِ عليكِ مليكًا، فكُوني له أَمَةً يكُنْ لَكِ عَبْدًا".





هذا، وأسأل الله الكريم لَكِ يا بُنيَّة التوفيقَ والسعادةَ في حياتِكِ الزوجية، وأن يرزُقَكِ الأبناءَ البَرَرة الذين تَقَرُّ بهم عينُكِ، ويسعَد بهم قلبُكِ، واللهُ يتولَّاكِ ويحفظُكِ.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23-07-2019, 08:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,564
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بنيتي.. رسائل محبة وشفقة


بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (8)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ




الرسالة الثامنة:

الحب والحنان والعدل والدعاء أفضل عطاء لفِلْذة كبدكِ




بُنيَّتي: الأُمُّ الحنون صاحبة العاطفة الجيَّاشة هي التي تُربِّي العُظَماء، فما أغدقَتْ أُمٌّ على أبنائها أفضل من أن تَمنحَهم الحنانَ الفيَّاض المركوز في فِطرتها، ولنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه خيرُ أُسْوةٍ، فقد كان يُكِنُّ كُلَّ حنانٍ وشفقةٍ لبناتِهِ، فقد رقَّ رِقَّةً شديدةً لابنته زينب لَمَّا رأى القِلادة التي بعثَتْها في فِداء زوجها أبي الربيع بن العاص رضي الله عنهما؛ فعن أُمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت: لما بعَثَ أهْلُ مكة في فِداء أَسْراهم، بعثَتْ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فِداء أبي العاص بن الربيع بمالٍ، وبعثَتْ فيه بقِلادة لها كانت لخديجة رضي الله عنها، أدخلتْها بها على أبي العاص حين بنى بها، قالت: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لها رِقَّةً شديدةً، وقال: ((إن رأيتُم أن تُطلِقوا لها أسِيرَها، وتردُّوا عليها الذي لها، فافعلوا))، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردُّوا عليها الذي لها.


وقد كان يَرِقُّ لابنته فاطمة رضي الله عنها أيضًا، فقد كان يُرحِّب بها، ويغضَب لغَضَبِها؛ فعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنه، قالت: كنَّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده، لم يغادر منهن واحدة، فأقبلَتْ فاطمة رضي الله عنها تمشي، ما تُخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رآها رحَّبَ بها، فقال: ((مرحبًا بابنتي))، وقال: ((فاطمة بضعة مني، فمن أغضَبها فقد أغضبني))، وشملت شفقتُه وحنانُه عليه الصلاة والسلام بنتَ ابنته زينب "أمامة بنت أبي العاص" رضي الله عنهم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يَحمِلُها على عاتقه في الصلاة، فإذا ركع وَضَعَها، وإذا رَفَع من السجود أعادها.


بُنيَّتي: أرضعي أطفالَكِ رضاعةً طبيعيةً؛ قال عز وجل: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ [القصص: 7]، فالرضاعة الطبيعية تُشبِع عاطفة الأمومة لدى الأُمِّ، وذلك حين تحتضن صغيرَها، وتُدنيه من صَدْرِها، فيحدث بينهما تقارُبٌ نفسي وعاطفي يؤدي إلى استقرار نفسية الأُمِّ والرضيع الصغير، فاحرصي بُنيَّتي على إرضاع صغاركِ رضاعةً طبيعيةً؛ فأنتِ بذلك تُرضعينهم الحنان قبل الحليب، الحنان الذي يجعلهم يحبُّونَكِ ويحنُون عليكِ عندما تكبرين وتَهرمين، فيأتي وقت ردِّ الجميل، امْنَحيهم الحنان صِغارًا يردُّوه لكِ إحسانًا وجميلًا كِبارًا.


بُنيَّتي: أغدِقي على أطفالِكِ الحُبَّ العميق، فحُبُّ الأُمِّ لطفلها يَمنحه الاستقرار والأمن والطُّمأنينة، والحبُّ الذي تَمنحه الأُمُّ لطفلِها، لا يستطيع غيرُها أن يَمنحَه إيَّاه، وهو الذي يُعلِّم الطفل الحُبَّ، وقد ذكرتْ بعضُ الدراسات أن رابطة الحُبِّ بين الطفل ومَنْ تربطهم بالطفل أصولٌ أُسْرِيَّة من أهمِّ الأسباب بعد حِفظ الله عز وجل التي تَمنعه من ارتكاب الجريمة، وحُبُّ الأُمِّ لطفلِها يَمنحُه الاستقرارَ والأمْنَ والطُّمأنينة والصحة النفسية السويَّة، ودونه ينشأ قَلِقًا مُضطرِبًا.


بُنيَّتي: كلُّ أُمٍّ تتمنَّى لأبنائها فِلْذات كبدها كُلَّ خيرٍ وصَلاحٍ، والدُّعاء للأبناء من أهمِّ الأسباب لذلك، ومن أسباب حفظهم من شياطين الإنس والجنِّ؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 35، 36]، لقد ختمت امرأة عمران رحمها الله مناجاتها لربِّها بالدُّعاء لابنتها أن يُعيذَها الله وذُرِّيَّتَها من الشيطان الرجيم، ولم يقتصر دعاؤها على ابنتها؛ بل دَعَتْ لذُرِّية ابنتها؛ وهو ولدها عيسى عليه السلام، وقد استجاب الله الكريم لدعائها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولُودٍ يُولَد إلا مَسَّهُ الشيطانُ حين يُولَد، فيستهلُّ صارخًا من مَسِّه إيَّاهُ إلَّا مريم وابنها))؛ فأكثري بُنيَّتي من الدعاء لأبنائكِ ولذُرِّيَّتهم، ولا تَكِلِّي ولا تَمَلِّي، فدعاؤكِ لهم عبادةٌ يسيرةٌ تُؤجَرين عليها، ودعاؤكِ مستجابٌ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات مستجابات، لا شَكَّ فيهن: دعوة الوالد، والمسافر، والمظلوم))؛ والوالد تدخُل فيه الأُمُّ.


لقد دَعَتْ - بُنيَّتي - بعضُ النساء لأبنائهنَّ، فاستجاب الله جلَّ جلالُه لهُنَّ، فصار هؤلاء الأبناء أعلامًا في الهدى، ونفع الله بهم، كل ذلك بتوفيق الله، ثم بدعاء أُمَّهاتهم لهم.


بُنيَّتي: العدل مطلوب في كل الأمور، ومع كل الناس؛ فاعدلي بين أبنائك، واحذري التفرقة بينهم في المحبَّة والإيثار؛ ولهذا لما ظنَّ إخوة يوسف أن أباهم يُقدِّم يوسُفَ عليهم في المحبَّة، جرى منهم ما جرى؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 8، 9]، فلا تُشعِلي نارَ الغَيْرة والحقد والحَسَد بين أبنائك بتفضيل بعضهم على بعض.



بُنيَّتي: المربية في البيت أو في دُور الحضانة مهما كانت على علم وتربية، فهي لا تَملِكُ قلب الأُمِّ الذي يتدفَّق محبَّةً على أبنائها، فلا يوجد عندها حرصُ وصبر الأُمِّ، ولقد نتج من إهمال الأُمِّ لأبنائها بتركهم للمربَّيات ودُور الحضانة، وجودُ جيلٍ تائه ضائع، لا يعرف هُوِيَّتَه وما هو هدفه، مبلبل الأفكار، قَلِق النفس، يَميل إلى الانحراف والشذوذ بجميع صوره وأشكاله، فاحذَري من إهمال أبنائكِ؛ فثَمَنُ ذلك سيكون غاليًا عليكِ وعليهم وعلى المجتمع، أسأل الله أن يحفظَكِ وأبناءك من كل سُوءٍ ومكروه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29-07-2019, 03:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,564
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بنيتي.. رسائل محبة وشفقة


بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (9)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ




الرسالة التاسعة


عمل المرأة يكون داخل بيتها وخارجه


وما كان خارجه فبضوابط وحدود






بُنيَّتي: من صُور تكريم الإسلام للمرأة أن أوجَبَ نفقتَها على وليِّها، فهي إذا كانت بنتًا فوالدُها أو مَنْ يقوم مقامَه من أقربائها يقوم بالإنفاق عليها، فإذا تزوَّجَتْ فالزوجُ هو المنفِقُ عليها، فهي ليست بحاجة للعمل خارج المنزل من أجل المال، أمَّا غير المسلمة فتُجبَر على الخروج من المنزل للعمل، فالبنتُ إذا بلغَتْ ثمانيةَ عشرَ عامًا لا يجب على والدها الإنفاقُ عليها، فعليها أن تخرُج لتبحَثَ عن عملٍ تعيشُ منه، وتدَّخِر مبلغًا يكون مَهْرًا لزواجِها؛ لأنها هي التي تدفَع المهْرَ وليس الزوج، وإذا تزوَّجَتْ فالزوجُ ليس مُلزَمًا بالإنفاق عليها، وعليها أن تُشاركَه في نفقات البيت والأولاد، فإذا كبِرَتْ وشاخَتْ، وكانت قادرةً على الكَسْب وجَبَ عليها أن تستمرَّ في العمل لكسْب قُوتها، ولو كان أبناؤها من أغنى الناس، هذا يا بُنيَّتي سببُ خروج المرأة غير المسلمة للعمل خارج البيت، فهي إذا لم تَخرُجْ من المنزل وتعمَل خارجَه ماتَتْ جُوعًا.




بُنيَّتي: الأصل في عمل المرأة أن يكون داخلَ بيتِها، ورَحِمَ الله علماء المسلمين الذين أدركوا هذه الحقيقة مُبكِّرًا، فقد بوَّبَ الإمامُ البخاريُّ رحِمه الله في كتابه الصحيح: "باب عمل المرأة في بيت زوجها"، وأكبر وأغلى وأثمن تنميةٍ تُقدِّمُها المرأة لمجتمعها أن تعمَلَ داخِلَ منزلها، فتتفرَّغ للأُمُومة وأعبائها، وتُربِّي صِغارَها وتَحنو عليهم، وتُربِّيهم ليكونوا أناسًا أسوياءَ، ينفعون أنفسَهم ومجتمعَهم وأُمَّتَهم، فإن هي خرجَتْ للعمل خارجَ المنزل، ولم تستطِع الموازنة بين عَمَلِها وبين بَيْتِها وأطفالها، ترتَّبَ على ذلك تفكُّكُ الأسرة؛ مما يُنذِر بخَطَرٍ عظيمٍ، فهي قد تكسِب بعض المال من عملها، لكنها في الوقت نفسه تهدِم دعائم بيتها، ومن وراء ذلك دعائم المجتمع وبُنيانه.




بُنيَّتي: يمكن للمرأة إذا احتاجت للمال أن تعمَلَ داخِلَ منزلها في الأشياء التي تُحسِنُها من طَبْخٍ وخرز وخياطة وحياكة ونحوها، فهي بهذا تحصُل على ما تحتاج إليه من مال وتتجنَّبُ أضرارَ العَمَل خارج المنزل، وتستطيع كذلك بعون الله لها أن تُوفِّق بين عملها وبيتها وزوجها وأولادها، وقد كانت أُمُّ المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، امرأة صناعة باليد، وكانت تدبَغ وتخرُز.




بُنيَّتي: إذا احتاجت المرأة المسلمة للمال بأن لم تجد من يكفُلُها من والد أو زوج أو أقرباء، ولم تتمكَّن من العمل داخل المنزل، خرجَتْ للعمل خارج البيت؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [القصص: 23]، لَمَّا سأل نبي الله موسى عليه السلام الفتاتين عن سبب خروجهما للرعي والسقي؟ أجابتا: إنه لا يوجد لديهما رجل يقوم بهذه المهمة، فأبوهما شيخ كبير، لا يقوى على هذا العمل، فالفتاتان لم تخرجا إلَّا مضطرتَينِ للعمل.




بُنيَّتي: عندما خرجت الفتاتان التزمتا بآداب وضوابط خروج المرأة للعمل، ومن أهمِّها:

بُعْدهما عن مزاحمة الرجال وتجنُّب الاختلاط بهم، لقد تحاشتا الاقتراب من الرجال الأجانب، وانتظرتا طويلًا عند الماء إلى أن انتهى الرعاة من السقي، وعندما احتاجتا لمخاطبة رجل أجنبي عنهما، اقتصرتا على المهم من الكلام، ولم تَسترسلا معه لغير ضرورة: ﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [القصص: 23]، وقد خاطبته إحداهما بحياءٍ وأدَبٍ، وبأقصر لفظ وأوجزه: ﴿ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ [القصص: 25] أسندت الدعوة إلى والدها وعلَّلَتْها بالجزاء؛ لئلا يُوهِمَ كلامُها ريبةً، وهذا يا بُنيَّة طَبْعُ الفتاة العفيفة، وقد التزمَتْ بالوقار والحِشْمة في المشية؛ قال الله عز وجل: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25] جاءته تمشي بحياء، مستترة بكمّ درعها.




هذه يا بُنيَّة: من أهمِّ آداب خروج المرأة إلى العمل: الحياء، والبُعْد عن مخالطة الرجال، وعدم الخضوع معهم بالقول، والحجاب والستر، متى ما أخذتْ بها مَن اضْطَرَّتْها ظروفُها للخروج للعمل، سلِمتْ بحفْظ الله مِن كُلِّ شرٍّ ومَكروهٍ.




بُنيَّتي: المرأة إذا خرَجت للعمل لحاجة ثم زالت هذه الحاجة، فالأفضلُ أن ترجع لعُشِّها الآمن، ومستقرِّها الهادئ - بيتها - قال الله عز وجل: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، لقد طلبت إحدى الفتاتين من والدهما أن يستأجِرَ موسى عليه السلام؛ لرعاية الماشية بدلًا منهما، فهو عَمَلٌ غير مناسب لهما؛ لأنه يُعرِّضُهما للاختلاط بالرجال، والمرأة العفيفة الحيية أحَبُّ شيءٍ إليها ما يُجنِّبُها الاختلاط بالرجال الأجانب، ويُفهَم من طَلَبِها هذا كراهيتُها للخروج، ورغبتها في البقاء في البيت، ما دام أنه قد وُجِد مَنْ سيقوم بالعمل بدلًا عنها.




بُنيَّتي: المرأة التي خرجت للعمل خارج بيتها، تُعاني كثيرًا، حتى إنها تصيح الآن بأعلى صوتها تريد العودة لبَيْتها، بعد أن رأتْ بأُمِّ عينيها أنها ظُلِمَتْ في هذا العمل، فهي تعمل ساعاتٍ كثيرةً في أعمال مُنهِكةٍ لصحَّتِها، ومُدمِّرةٍ لنفسيَّتِها بأُجُورٍ زهيدة، كما أنها تُساوِمُ على شَرَفِها وعِرْضِها، حتى يوافِقَ صاحبُ العمل على تشغيلها، وتستمرُّ المساومةُ معها طول فترة عملها، فإن أبَتْ طُرِدَتْ من العمل أو ضُيِّق عليها.




بُنيَّتي: إذا احتاجت المرأة للخروج للعمل خارج عُشِّها الآمن، فيجب أن تُراعي في عملها الذي ستعمل فيه تركيبَها الفطري، وخصائصها النفسية، وقواها الجسدية، وما اختصَّتْ به من أحكامٍ وضوابطَ شرعية، فيكون عملُها فيما يخُصُّ بنات جنسها؛ كالمدارس والجامعات والمستشفيات النسائية، وألَّا يُؤثِّر عملُها في مهمتها الأساسية ووظيفتها الأولى: بيتها، وزوجها، وأبنائها، وأن يكون العمل بإذن وليِّها، فإن أهملتْ هذه الأمور فقد جَنَتْ على نفسِها في دينها أو دُنياها أو فيهما جميعًا.




بُنيَّتي: إن عملتِ وكان لكِ مالٌ من هذا العمل، فكوني طويلةَ اليدِ؛ فعن أُمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسْرَعُكُنَّ لحاقًا بي أطْوَلُكُنَّ يدًا))؛ قالت: فكُنَّ يتطاولن أيتهنَّ أطولُ يدًا، قالت: فكانت أطولنا يدًا زينب؛ لأنها كانت تعمَلُ بيدها وتتصدَّق؛ [متفق عليه]، فتصدَّقي بما يتيسَّر لكِ من المال كُلَّ شهر، ولو كان قليلًا، وأحَبُّ الأعمال إلى الله عز وجل ما دام ولو قَلَّ؛ فالصَّدَقة لها فضائل عديدة، وهي من أسباب دفع البلاء، وَقاكِ اللهُ كُلَّ بلاءٍ.




بُنيَّتي: أسأل الله الكريم ألَّا يُحوجَكِ ولا يضطركِ للعمل خارج عُشِّكِ الآمن، وبيتكِ الهادئ الذي يحسُدُكِ عليه مَنْ يعمَلْنَ خارجَ المنزل اللائي مَلِلْنَ الوظيفةَ، وأصْبَحْنَ بعد التجربة والمعاناة يَتَمَنَّيْنَ ويُفضِّلْنَ البقاءَ في البيت لرعاية الزوج وتربية الأطفال.





كما أسأله إن احتجْتِ للخروج للعمل أن يكون عملُكِ في مكان نسائي آمن، لا اختلاط فيه بالرجال ولا خلوة معهم، وأن يكون عملًا مُباحًا، وألَّا يستهلِكَ طاقتَكِ وجهدكِ.





وأسأل الكريم أن تزولَ تلك الحاجة التي جعلتْكِ تَخرُجين للعمل سريعًا، فتعودين لبيتِكِ المكان الذي تجدين فيه نفسَك، وأنُوثتَكِ، وأُمُومتَكِ، وراحتَكِ، وسعادتَكِ، حفظكِ الله من شياطين الإنس والجن، ومن كل سُوءٍ ومكروهٍ.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 02-09-2019, 07:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,564
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بنيتي.. رسائل محبة وشفقة


بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (10)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ




الرسالة العاشرة:


رسالة وداع وأمل





بُنيَّتي: ما أصعبَ الفِراقَ! لكن هذه طبيعة هذه الحياة الدنيا، فلا بُدَّ بعد كل اجتماع من فِراقٍ، ولولا أن النفوس تؤمن بلقاءٍ ثانٍ لتَفَطَّرَتِ الأكبادُ من لوعة الفِراق، وأنا أُودِّعُكِ يا بُنيَّتي أُوصيكِ أن تتنبَّهي لمكْرِ قومٍ يَظهرون بمظهر الناصح للمرأة، وهم في الحقيقة ألدُّ أعدائها، فهم لا يفترون ولا يَتْعبون، ولا يكلُّون ولا يملُّون من الحديث عن المرأة وحقوقِها وحُريَّتِها، بأقوال وعبارات مزخرفة الظاهر، جميلة الحواشي والأركان، لَمَّاعة برَّاقة، تكاد تأخُذُ بالألباب، ولكنهم حشوها بالسمِّ الناقع، قد طمَس الله على قلوبهم؛ فلا يشعُرون بما يقومون به من تدمير لمجتمعهم، وإفسادٍ لغيرهم، وهم يُظهِرون هذا المكْرَ في صورة النُّصْح، فعياذًا بالله من عدوٍّ في صورة ناصح.



بُنيَّتي: أيَّتُها الدُّرَّةُ المصونةُ، والجوهرةُ المكنونةُ، أنتِ مَلِكةٌ في دين الإسلام، قالت ذلك عجوزٌ غيرُ مسلمة، بعد أن عانَتْ مِنْ زيف وكذب الحضارة التي عاشتْها، فقد ذكر أحدُ المشايخ في كتاب له بعنوان "إنها مَلِكة" قصةَ طبيبٍ كان يدرس في بريطانيا، قال هذا الطبيب: كانت جارتُنا عجوزًا يزيد عمرُها على السبعين عامًا، كانت تستثير شفقةَ كُلِّ مَنْ رآها، قد احدودَبَ ظَهْرُها، ورقَّ عَظْمُها، ويبِس جِلْدُها، ومع ذلك فهي وحيدةٌ بين جُدْران أربعة، تدخل وتخرُج وليس معها مَنْ يُساعدُها من ولد ولا زوج، تطبخ طعامَها، وتغسل لباسَها، منزلها كأنه مقبرةٌ، ليس فيه أحد غيرها، ولا يقرَع بابَها أحدٌ، دَعَتْها زوجتي لزيارتنا ذاتَ يومٍ، فأخبرَتْها زوجتي بأن الإسلام يجعل الرجل مسؤولًا عن زوجته، يعمل من أجلها، يبتاع طعامَها ولباسَها، يُعالجُها إذا مرِضَتْ، ويُساعِدُها إذا اشتكَتْ، وهي تجلس في بيتها، تجِبُ عليه نَفَقتُها ورعايتُها، وحماية عِرْضِها ونفسِها، فإذا رُزِقَتْ أولادًا وَجَبَ عليهم هم أيضًا بِرُّها، فإن لم تكن المرأة ذات زوج وَجَبَ على أبيها أو أخيها أو وليِّها أن يرعاها ويَصُونَها، كانت هذه العجوز تستمع إلى زوجتي بكُلِّ دهشةٍ وإعجابٍ؛ بل كانت تُدافِعُ عَبَراتِها وهي تتذكَّرُ أولادَها وأحفادَها الذين لم تَرَهُمْ منذ سنواتٍ، ولا يزورُها أحدٌ منهم، بل لا تعرِف أين هم، وقد تموت وتُدفَن وهو لا يعلمون؛ لأنها لا قيمةَ لها عندهم، أنهَتْ زوجتي حديثَها، فبقيت العجوزُ واجمةً قليلًا، ثم قالت: "في الحقيقة، إن المرأة في بلادكم مَلِكةٌ...مَلِكة".




نعم بُنيَّتي أنتِ مَلِكة، تتمنَّى كثيرٌ من النساء أن يعِشْنَ حياتَكِ، فقد ألقى أحدُ مشايخ بلاد الشام محاضرةً في دولةٍ غير مسلمة عن حقوق المرأة في الإسلام، فقامَتِ امرأةٌ من تلك البلاد، وقالت: خُذُوني لأعيش عندكم فترةً ثم اقتلُوني!



وأنتِ يا بُنيَّتي ستبقين مَلِكةً، ما دُمْتِ متمسِّكةً بتعاليم دينِكِ، فإن أنتِ تهاونْتِ فيها فضلًا عن أن تتركيها، فقد أعملتِ معاولَ الهَدْمِ في عَرْشِكِ، أُعيذُكِ بالله من ذلك.



بُنيَّتي: إني آمُل وأرجو وأسال الله ألَّا يُخيِّبَ رجائي فيكِ، وأن يكون التزامُكِ بطاعة الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ من قرارٍ في البيت، وارتداء لحِجاب الوَجْه، وسَتْرٍ للبدن، واجتنابٍ لمخالطة الرجال الأجانب والخلوة بهم، بِناءً على قناعة تامَّة مِنْكِ أن هذه تعاليم الإسلام وأحكامه، يجب العمل بها؛ رجاء ثواب الله، وخوفًا من عذابه، وليست تقاليد وعادات مجتمعٍ قد تزول في يوم من الأيام، سُئِلَتْ فتاةٌ ترتدي الحجاب في عزِّ الصيف القائظ: ما الذي يجعلُكِ تَصبِرين على حجاب الوجه في هذا الحرِّ الشديد؟ فأجابت: ﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ﴾ [التوبة: 81].



بُنيَّتي: إن سُنَن الله لا تُحابي أحدًا، فمن أشعل نارًا اكتوى بها، فالسُّفُور يقود إلى الفُجُور، والاختلاط يُؤدِّي إلى انتهاك الأعراض، وإطلاق البَصَر فيما حرَّمَ اللهُ يُذهِبُ بحلاوة الإيمان ونور القلب، ومساواةُ المرأة بالرجل جعلَها ألعوبةً في أيدي السفهاء ومرضى القلوب، وما يُسمَّى بحرية المرأة هو في الحقيقة حريةُ وصول الرجل إليها؛ ليعلبَ ويلهوَ بها، وعملُها خارج بيتها جعلها تُساوِمُ على شَرَفِها وعِرْضِها، وواقع المرأة في كثير من البلدان شاهدٌ لذلك.



زار أحد مشايخ بلاد الشام بعض البلاد الأوروبية، فقال: زرْتُ أوروبا أربع مرات، فما تألَّمْتُ فيها لشيء كما تألَّمْتُ لشقاء المرأة الغربية وابتذالها في سبيل لقمة العيش، أو رغبتها في أن تكون مثل الرجل تمامًا، وقد استطاع الرجل أن يستغلَّ ضَعْفَ المرأة في هذه الناحية، فسخَّرَها إلى أقصى الحدود في سبيل منافعه المادية، وشهواته الجنسية.



بُنيَّتي: الصحابية بريرة كان لها زوج يُسمَّى مُغيثًا رضي الله عنهما، وكان يحبُّها حبًّا شديدًا، وهي تُبغِضُه بُغْضًا شديدًا، فكان يلحق بها في الأسواق يبكي، وهي تردُّه، حتى استشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فشفع له إلى بريرة، فقالت: يا رسول الله، إن كنت تأمرني فسَمْعًا وطاعةً، وإن كنت تُشيرُ عليَّ فلا حاجةَ لي فيه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((إنما أنا شافِعٌ))، فأبَتْ أن ترجع إليه، فلو أمرَها الرسول صلى الله عليه وسلم، فسترجع لزوجِها مع أنها تُبغِضُه؛ سمعًا وطاعةً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فكيف لا تُطيعُ الفتاةُ المسلمةُ أوامرَ الله جل جلاله، ورسوله صلى الله عليه وسلم، مع أن في امتثال تلك الأوامر الفلاحَ والسعادةَ لها في الدنيا والآخرة.





بُنيَّتي: بيتُكِ ليس سجنًا وضعَكِ فيه الرجلُ كما يُصوِّر ذلك البعض، بل هو عُشُّكِ الآمن، ففيه تحفظين نفسَكِ من أبواب الشيطان ومنافذه، وفيه تجدين سعادتَكِ وسرورَكِ، وهو المكان الذي يُوفِّر لك أسباب الراحة الذهنية والجسدية والنفسية، وهو المملكة التي تُربِّينَ فيها أجيالَ الأُمَّة، فقرِّي فيه تَسعَدي وتَغنَمي.




بُنيَّتي:إذا عرَفْتِ مقدار محبَّة وشفقة وحنان والدِكِ عليكِ، فاقبَلي منه ما كتَبه لكِ في هذه الرسالة والرسائل السابقة، فهو بالإضافة لمحبَّتِه لَكِ، له تجاربُ في الحياة، عرَف حُلْوَها ومُرَّها، وطيِّبَها وخبيثَها، وصالحَها وفاسِدَها، فكلامُهُ صادرٌ لكِ عن محبَّة وشفقة، ومن تجربة كذلك.




بُنيَّتي: أسأل الله الكريم أن تكون هذه الكلمات قد وصلت إلى قلبِكِ قبل أن تصِلَ إلى أُذُنيكِ، وأن ينفعَكِ بها، وأن يرزُقَكِ العلمَ النافعَ، والعمل الصالح، والزوج الطيب، والأبناء البَرَرة، وأن يُبارِكَ فيكِ وفي ذُرِّيَّتِكِ، وأن يُديمَ عليكِ السعادةَ في دُنْياكِ، وأن يجعلَها موصولة بالسعادة في حياة البرزخ، وحياة الآخرة، كما أسأله أن يجعل هذا العمل القليل مُباركًا نافِعًا، خالصًا لوجهه الكريم، إنه جوَاد كريم، سميع مجيب، وأستغفر الله من كل زَلَلٍ وخطيئة.




والدك المُحب المُشفق




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 214.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 208.87 كيلو بايت... تم توفير 6.03 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]