سياحة في عقول الأدباء والشعراء - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 714 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 55 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 344 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 734 )           »          منيو إفطار 18رمضان.. طريقة عمل كبسة اللحم وسلطة الدقوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          5 ألوان لخزائن المطبخ عفا عليها الزمان.. بلاش منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-06-2019, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,553
الدولة : Egypt
افتراضي سياحة في عقول الأدباء والشعراء

سياحة في عقول الأدباء والشعراء



أحمد محمود أبو زيد




الحياة الجادة في حاجة إلى محطات للاسترواح، والعقل المشغول طول الوقت بشواغل الحياة، في حاجة بين الحين والآخر إلى نزهة فكرية، يغذي بها روحه بحِكَم الأوّلين والآخرين، وأقوالهم، ومواقفهم.


والنزهة والسياحة في عقول البلغاء والفصحاء، من الأدباء والشعراء والعلماء؛ لذة لا يدرك حلاوتها إلا من كان محباً للغة العربية وعلومها، مقبلاً على القراءة والإطلاع في بيانها، شعراً ونثراً.



فقد قيل للمأمون يوماً: ما ألذُّ الأشياء إليك؟ قال: التنزُّه في عقول الناس.



وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: (عليكم بطرائف الأخبار؛ فإنها من عِلم الملوك والسادة، وبها تُنال المنزلة والحَظْوة منهم).



وسمع الرشيد من سهل بن هارون كلاماً أعجبه؛ فقال له: يا سَهْلُ، من رَوَى من الشعر أحسَنه وأرصنه، ومن الحديث أفصحَه وأوضَحه، إذا رام آن يقولَ لم يُعْجزه القول.



وقال الحكماء: يسود المرء بأربعة أشياء: بالعقل، والأدب، والعلم، والمال.



وفي ذلك يقول عبيد بن الأبرص:




إذا أنت لم تعمل برأي ولم تطع أولي الرأي أو تسكن إلى أمر مرشد
ولم تجتنب ذم العشيرة كلها وتدفع عنهم باللسان وباليد
وتحلم عن جهَّالها وتحوطها وتقمع عنها نخوة المتهدد
فلست وان عللت نفسك بالمنى بذي سؤدد باد ولا قرب سؤدد





ونجد علي بن الجهم يفضل الأدب على المال، فيقول:


لو قيل لي تملك الدنيا بأجمعها ولا تكون أديبا تحسن الأدبا
لقلت لا أبتغي هذا بذاك ولا أرى الى غيره مستدعيا أربا
لجلسة مع أديب في مذاكرة أنفي بها الهم أو أستجلب الطربا
أشهى إلي من الدنيا وزخرفها ومثلها فضة أو ملئها ذهبا



* صديق الأصمعي *


ولنبدأ سياحتنا هذه الفكرية مع الأصمعي، ونتركه يحكي لنا عن واحد من أهل الأدب الذين عرفهم؛ يقول الأصمعي:

كان لي صديق من أهل الأدب والمروءة والحسب قد أتى عليه ثلاثة أعصار، مشتهر بحفظ العلوم والأخبار، والمُلَح والأشعار، وكان لا تسكن حركاته، ولا تتوفر لذَّاته؛ إلا في قضاء حوائج الإخوان، وإدخال السرور على من عرفه من الناس، فألهاني ما شهدت منه عمّا وُصِف لي عنه، فقلت له يوماً: ما هذا الذي تفعله؟ وما قواك على ما تصنعه؟

فقال: يا أصمعي، إني شهدت الأيام في اخضرار عيشها، ورأيت تصرُّفها، وحلبت الدهر أشطُرَه، ولهوت في ريعان الشباب، وجالست العلماء، وصحبت أهل التصابي، فما طربت بما سمعت، ولا ابتهجت بما رأيت، كابتهاجي لنشر نعمة، وشفاعة شافع في طلب شاكر، يرجو بذلك الحياة في العاجل، وجزيل الثواب في الآجل، واني لأتشوق إلى الرجل الأديب، تشوق المريض إلى الطبيب، وأطرب إليه كطرب المحب إلى الحبيب، وأنشد يقول:



وإذا الأديب مع الأديب تحدَّثَا كانا من الآداب في بستان
لا شيء أحسن منهما في مجلس يتطاعمان جواهراً بلسان



* الفتى العاشق *


وحكى الأصمعي -أيضاً- فقال:

بينما كنت أسير في بادية الحجاز؛ إذ مررت بحجر قد كتب عليه هذا البيت:



أيا معشر العشاق، بالله خَبِّروا إذا حلَّ عشق بالفتى كيف يصنع؟


فكتب الأصمعي تحت ذلك البيت:




يداري هواه ثم يكتم سرَّه ويخشع في كل الأمور ويخضع!





ثم عاد في اليوم التالي الى المكان نفسه، فوجد تحت البيت الذي كتبه هذا البيت!



وكيف يداري، والهوى قاتلُ الفتى وفي كل يوم قلبُه يتقطع؟





فكتب الأصمعي تحت ذلك البيت:



إذا لم يجد صبراً لكتمان سرِّه فليس له شيء سوى الموت ينفع!





قال الأصمعي:

فعدت في اليوم الثالث إلى الصخرة، فوجدت شاباً ملقى تحت ذلك الحجر، وقد فارق الحياة ،وقد كتب في رقعة من الجلد:



سمعنا، أطعنا، ثم متنا فبلغوا سلامي إلى من كان للوصل يمنع





* المخبر والجوهر *


ودخل المختار بن أبي عبيد على معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- وكانت عليه عباءة رثَّة فاستحقره، فقال له المختار: يا أمير المؤمنين، إن العباءة لا تكلمك، ولكنْ يكلمك من فيها، وأنشد:



أما وإنْ كان أثوابي ملفقة ليست بخز ولا من نسج كتان
فان في المجد هماتي وفي لغتي فصاحة ولساني غير لحان


ودخل ضمرة بن ضمرة على المنذر بن ماء السماء، وهو إذ ذاك ملك الحيرة واليمامة، وكان ضمرة ذا عقل وعلم وحلم وحكمة وشجاعة، إلا أنه كان دميم الخلقة، قصير القامة، وكان ذِكره قد شاع في الآفاق لما فيه من الخصال المحمودة، فلما رآه المنذر احتقره لدمامة خِلقته وقصر قامته، فقال: سماعك بالمُعَيْدِيِّ خير من أن تراه.

فقال له ضمرة: أيها الملك، ليس المرء بحسنه وجماله، وبهائه وكماله، وهيئته وثيابه، لا والله؛ حتى يشرِّفه أصغراه، لسانه وقلبه، ويعلو به أكبراه، همته ولبُّه، وقد قال الشاعر:




رأيت العِزَّ في أدب وعلم وفي الجهل المذلةُ والهوانُ
وما حُسنُ الرجال لهم بفخر إذا لم يُسعِدِ الحُسْنَ البيانُ
كفى للمرء عيباً أن تراه له وجه وليس له لسانُ!



* الشعر بضاعة مزجاة *


ويحكى أن جماعة من الشعراء اجتمعوا بباب أبي الغيث؛ لكي يمتدحوه بقصائدهم، ويأخذوا العطايا، فلم يأذن لهم بالدخول، فكتبوا إليه:



أيها العزيز، قد مسَّنا الضر ودبت به الخطوب إلينا
ولدينا بضاعة مزجاة قل طِلابها فبارت لدينا
فأزل ضرنا وأوف لنا الكيل بما شئت أو تصدق علينا


فعندما قرأ هذه الأبيات أحسن إليهم، وانصرفوا.




* رثاء الأب *




ومن قبيل الكلام الحسن في الرثاء: ما قالته تلك الأعرابية التي وقفت على قبر أبيها ترثيه، فقالت:

يا أبت، إن في الله -تبارك وتعالى- من فقدك عوضاً، وفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مصيبتك أسوة.


ثم قالت:


اللهم، نَزلَ بك عبدك مقفراً من الزاد، ومخشوشن المهاد، غنياً عما في أيدي العباد، فقيراً إلى ما في يدك يا جواد، وأنت خير من نزل به المؤمِّلون، واستغنى بفضله المُقلُّون، وولج في سَعة رحمته المذنبون، اللهم فليكن قِرى عبدك منك رحمتك، ومهاده جنتك.

ثم انصرفت.


* البلاغة وأصحاب الصناعات *




وفي محطة أخرى من محطات سياحتنا هذه الفكرية في عقول الأدباء والشعراء؛ نقف مع مجموعة من أصحاب الصناعات، اجتمعوا، فوصف كل منهم البلاغة من طريق صناعته:


فقال الجوهري:


أحسنُ الكلام نظماً ما ثقبَته يَد الفكرة، ونظمته الفِطْنة، ووُصِل جَوْهَرُ معانيه في سُموط ألفاظه، فاحتملته نحورُ الرواة.


وقال العطار:


أطيبُ الكلامِ ما عُجِنَ عَنْبَرُ ألفاظه بمسْك مَعَانيه، ففاح نسيمُ نَشَقِه، وسطعت رائحة عبَقه، فتعلّقت به الرُوَاة، وتعطَّرت به السَّراة.


وقال الصائغ:


خيرُ الكلام ما أَحْمَيْتَه بكِير الفِكر، وسبَكْتَه بمشَاعِل النَّظر، وخلَّصته من خَبَث الإطناب، فبرز بروزَ الإبريز، في معنى وَجيز.


وقال الصيرفي:


خيرُ الكلام ما نَقَدَتْهُ يدُ البصيرة، وجلَته عين الروية، ووزنْتَه بمِعْيار الفصاحة، فلا نظر يُزَيِّفه، ولا سماعَ يُبَهْرِجُه.


وقال الحداد:


أحسن الكلام ما نصبتَ عليه مِنْفَخة القريحة، وأشعلْتَ عليه نارَ البصيرة، ثم أخرجتَه من فحم الإفحام، ورقَّقته بفطِّيس الإفهام.


وقال النجار:


خيرُ الكلام ما أحكمتَ نَجْرَ معناه بقَدُوم التقدير، ونَشَرْتَه بمنشار التدبير، فصار باباً لبيت البيان، وعارِضة لسَقفِ اللسان.


وقال الحائك:


أحسنُ الكلام ما اتَّصَلت لُحمة ألفاظه بسَدَى معانيه، فخرج مُفوَّفاً مُنيراً، وموشَّى محبراً.


وقال الجمّال:


البليغُ من أخذَ بخِطام كلامه، فأناخَه في مَبْرك المعنى، ثم جعل الاختصار له عِقَالاً، والإيجاز له مَجالاً، فلم يَندَّ عن الآذان، ولم يشذَّ عن الأذهان.


* وصف الخلفاء *



وقال معاوية بن أبي سفيان لصعصعة بن صوحان: صف لي عمر بن الخطاب!

فقال: كان عالماً برعيته، عادلاً في قضيَّته، عارياً من الكبر، قَبولاً للعذر، سهل الحجاب، مَصون الباب، متحرِّياً للصواب، رفيقاً بالضعيف، غير مُحاب للقريب، ولا جاف للغريب.


وقال معاوية -أيضاً- لضرار الصدائي: يا ضرار، صف لي علياً!


قال: اعفني يا أمير المؤمنين.

قال: لَتصفنَّه!

قال: أما إذ لابد من وصفه؛ فكان -والله- بعيد المدى، شديد القُوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته.

وكان والله غزير العَبرة، طويل الفكرة، يقلِّب كفَّه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن.

وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا اذا استنبأناه، ونحن، مع تقريبه إيانا، وقربه منا؛ لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته، يعظِّم أهل الدين، ويحب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.

وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول:

يا دنيا، إليك عني، غُرِّي غيري! ألي تعرَّضْتِ؟ أم إليَّ تشوقتِ؟ هيهات! هيهات! لقد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها؛ فعمرك قصير، وخطرك حقير، وخطبك يسير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.

فبكى معاوية حتى أخضلت دموعه لحيته، وقال: رحم الله أبا الحسن، فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال حزن من ذُبِحَ وحيدُها في حجرها.


* وصف صديق *



ولنقف في محطة أخرى مع عبد الله بن المقفع، وهو يصف صديقاً له، يقول:

كان لي أخ أعظم الناس في عيني، وكان رأسما عظَّمه في عيني صغر الدنيا في عينه.

وكان خارجاً من سلطان بطنه؛ فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد.

وكان لا يأشر عند نعمة، ولا يستكين عند مصيبة.

وكان خارجاً من سلطان لسانه؛ فلا يتكلم بما لا يعلم، ولا يماري فيما علم.

وكان خارجاً من سلطان الجهالة؛ فلا يتقدَّم -أبداً- إلا على ثقة بمنفعة.

وكان أكثر دهره صامتاً، فاذا قال بذَّ القائلين.

وكان ضعيفاً مستضعَفاً، فإذاجدّ الجدّ؛ فهو الليث عادياً.

وكان لا يدخل في دعوى، ولا يشارك في مِراء، ولا يدلي بحجة؛ حتى يرى قاضياً فَهِما وشهوداً عُدُولاً.

وكان لا يلوم أحداً فيما يكون العُذر في مثلِه؛ حتى يعلم ما عذرُه.

وكان لا يشكو وجعَه إلا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير صاحبا إلا أن يرجو منه النصيحة.

وكان لا يتبرَّم، ولا يتسخَّط، ولا يتشَكَّى، ولا يتشهَّى، ولا ينتقم من العدو، ولا يغفُل عن الولي، ولا يخُصُّ نفسه بشيء دون إخوانه، من اهتمامه وحيلته وقوّته.

فعليك بهذه الأخلاق إن أطقتها، ولن تطيق. ولكنَّ أخذ القليل خيرٌ من ترك الجميع.


* فطنة كعب الأسدي *



ولنقف مع فطنة أحد الصحابة، وهو كعب الأسدي؛ فقد ذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن معن الغفاري، قال:

أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقالت:

يا أمير المؤمنين، إن زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه، وهو يعمل بطاعة الله، عز وجل!

فقال لها: (نعم الزوج زوجك!).

فجعلت تكرر عليه القول، وهو يكرر عليها الجواب..

فقال له كعب الأسدي: يا أمير المؤمنين، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه!

فقال عمر: (كما فهمت كلامها فاقض بينهما).

فقال كعب: علي بزوجها..

فأُتي به، فقال له: إن امرأتك هذه تشكوك.

قال: أفي طعام أم شراب؟

قال لا!!

فقالت المرأة:



يا أيها القاضي الحكيم رشدهْ ألهى خليلي عن فراشي مسجدهْ
زهَّده في مضجعي تعبُّدهْ فاقض القضا كعبُ ولا ترددهْ
نهاره وليله ما يرقدهْ فلست في أمر النساء أحمدهْ!


فقال زوجها:




زهَّدني في فرشها وفي الحجلْ أني امرؤ أذهلَني ما قد نزلْ
في سورة النحل وفي السبع الطِّوَلْ وفي كتاب الله تخويفٌ جللْ





فقال كعب:



إن لها عليك حقاً يا رجل نصيبُها في أربع لمن عَقل

فأعطها ذاك ودعْ عنك العِلل!


ثم قال: إن الله -عز وجل- قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع؛ فلك ثلاثة أيام ولياليهن، تعبَّدْ فيهن ربك.


فقال عمر: (والله، ما أدري من أي أمريك أعجب؟ أمن فهمك أمرهما؟ أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة).


* الجود والكرم *



ومن أعظم ما قيل من الشعر في الجود والكرم: قول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جُدعان، وكان من كرماء العرب:


أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك، إن شيمتك الحياءُ!
وعلمُك بالأمور وأنت قِرْمٌ لك الحَسَب المهذَّب والسَّناء
كريم لا يغيِّرُه صباح عن الخُلُق الجميل ولا مساء
تباري الريحَ مَكرُمةً ومجداً إذا ما الكلب أحجره الشتاء
اذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء



* مآرب العصا *


ولقي الحجاج أعرابياً، فقال: من أين أتيت؟

قال من البادية.

قال ما بيدك؟

قال: عصا، أركِزُها لصلاتي، وأُعِدُّها لِعُداتي، وأسوقُ بها دابَّتي، وأَقوى بها على سَفَري، وأعتمد عليها في مشيتي؛ لِيتَّسِعَ بها خَطْوي، وأعبُرُ بها النهرَ فتؤمِّنُني، وأُلْقي عليها كِسائي؛ فيستُرُني من الحَرِّ، ويقيني من القَرِّ، وتُدني ما بَعُدَ مني، وهي مِحْمَلُ سُفْرَتي، وعَلاقة إدَاوَتي، ومِشجب ثيابي، أعتمد بها عند الضَّراب، وأقرع بها الأبواب، وأتقي بها عَقور الكلاب، تنوب عن الرُّمح في الطِّعان، وعن الحَرْبة عند منازلة الأقران، ورثتُها عن أبي، وأورِّثُها بعدي ابني، وأهشُّ بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، كثيرة لا تحصى.


* منابع السعادة *



ولنقف مع السعادة، ومعانيها، عند العلماء والأدباء والشعراء؛ فالسعادة، كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي:

"شيء ينبع من داخل الإنسان، ولا يستورد من خارجه، وإذا كانت السعادة شجرة منبتُها النفس البشرية، والقلب الإنساني؛ فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها.. وغذاؤها.. وهواؤها".


ويقول أديب مصر مصطفى لطفي المنفلوطي، رحمه الله:


"حسبك من السعادة في الدنيا: ضمير نقي.. ونفس هادئة.. وقلب شريف".


وتجاربنا في الحياة -كما يقول الدكتور أحمد أمين- تدلنا على أن الإيمان بالله موردٌ من أعذب موارد السعادة ومناهلها، وإن أكبر سبب لشقاء الأسر وجود أبناء وبنات فيها لا يرعون الله في تصرفاتهم، وإنما يرعون أهواءهم وملذاتِهم، وإذا فشا الدِّين في أسرة؛ فشت فيها السعادة.



ويقول الدكتور كامل يعقوب:


"والحقيقة التي لامستها في حياتي -كطبيب- أن أوفر الناس حظاً من هدوء النفس هم أكثر نصيباً من قوة الإيمان.. وأشدهم تعلُّقاً بأهداب الدين".


ويقول الدكتور مصطفى السباعي:


"زُرِ المحكمةَ مرة في العام؛ لتعرف فضل الله عليك في حسن الخلق..

وزر المستشفى مرة في الشهر؛ لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض..

وزر الحديقة مرة في الأسبوع؛ لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة..

وزر المكتبة مرة في اليوم؛ لتعرف فضل الله عليك في العقل..

وزر القبر كل آن؛ لتعرف فضل الله عليك في نعم الحياة".


ويقول أيضاً:


"إذا همَّت نفسُك بالمعصية؛ فذكرها بالله.

فإذا لم ترجع؛ فذكرها بأخلاق الرجال.

فإذا لم ترتدع؛ فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس!

فإذا لم ترجع؛ فاعلم أنك في تلك الساعة انقلبت إلى حيوان!!".


وفي هذا المعنى يقول نابغة بن شيبان:



إن من يركب الفواحش سِرّاً حين يخلو بسره غيرُخالي
كيف يخلو وعنده كاتباه شاهداه وربُّه ذو الجلال؟!



* زهد عمر بن عبد العزيز *


وكان عمر بن عبد العزيز -وهو أمير من أمراء الدولة الأموية- يغيّر الثوبَ من حريرٍ في اليوم أكثر من مرة، وعنده الذهب والفضة، الخدم والقصور، المطاعم والمشارب، وكل ما اشتهى وطلب وتمنى.


ولما تولى الخلافة، وصار مُلك الأمة الإسلامية تحت يديه؛ انسلخ من ذلك كله، وزهد فيما تحت يديه!!



وقف على المنبر يوم الجمعة فبكى، وقد بايعتْه الأمة، وحَولَه الأمراءُ، والوزراء، والعلماء، والشعراء، وقواد الجيش، فقال: خذوا بيعتكم!!


قالوا: ما نريد إلا أنت!

فتولاها، فما مرّ عليه أسبوع، إلا وقد هزل وضعف وتغيّر لونه، ما عنده إلا ثوب واحد!!


قالوا لزوجته: مالِ عمرَ تغيَّرَ؟!


قالت: والله، ما ينام الليل، والله، إنه يأوي إلى فراشه، فيتقلّب كأنه ينام على الجمر، يقول: آه آه، توليت أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- يسألني يوم القيامة عن الفقير، والمسكين، والطفل، والأرملة.


وقال له أحد العلماء، وهو ابن زياد: يا أمير المؤمنين، رأيناك وأنت ولي مكة، قبل أن تتولى الملك، في نعمة، وفي صحة، وفي عافية، فمالك تغيَّرتَ؟!


فبكى، حتى كادت أضلاعه تختلف، ثم قال:

كيف بك يا ابن زياد، لو رأيتَني في القبر بعد ثلاثة أيام، يومَ أُجَرَّدُ عن الثياب، وأتوسَّد التراب، وأفارق الأحباب، وأترك الأصحاب؟ كيف لو رأيتني بعد ثلاث! والله، لرأيت منظراً يسوؤك!

ورحم الله القائل:



والله لو عاش الفتى في عمرِهِ ألْفاً من الأعوام مالكَ أمرِهِ
متنعماً فيها بكل لذيذةٍ متلذذاً فيها بسكنى قصرِهِ
لا يعتريه الهمُّ طولَ حياتِهِ كلا، ولا تَرِدُ الهمومُ بصدرِهِ
ما كان ذلك كلُّه في أن يفي فيها بأول ليلةٍ في قبرِهِ


وخطب عمر بن عبد العزيز يوماً، فقال:


أيها الناس، إن لكل سفر زاداً لا محالة، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى، وكونوا كمن عاين ما أعدَّ اللهُ من ثوابه وعقابه، فترغبوا وترهبوا، ولا يطولَنَّ عليكم الأمد؛ فتقسوا قلوبكم، وتنقادوا لعدوكم.


وكان-رضي الله عنه- يتمثل دائماً بهذه الأبيات:



نهارك يا مغرور سهوٌ وغفلةٌ وليلُك نومٌ والأسى لك لازمُ
تُسَرُّ بما يفنى وتَفرَح بالمُنَى كما سُرَّ باللَّذَّاتِ في النوم حالمُ
وسعيُكَ فيما سوف تَكرَه غِبَّهُ كذلك في الدنيا تعيش البهائمُ!



* أبو العتاهية وموعظة بليغة *



وأتى أبو العتاهية لسلطان من السلاطين ببغداد، غرَّته قصورُه العظيمة ، فدخل عليه يهنئه على تلك القصور، فقال له:



عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً في ظِلّ شاهقَةِ القُصورِ
يجري عليكَ بِمَا أردتَ معَ الغُدُوِّ معَ البُكُورِ
فإذا النّفوسُ تَغَرْغَرَتْ بزفيرِ حَشرجَةِ الصّدورِ
فَهُناكَ تَعلَم مُوقِناً مَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُرُورِ


فبكى السلطان حتى أغمي عليه.



المراجـع:


1. عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة، أبو الحسن، علي بن عبد الرحمن بن هذيل، مكتبة مصطفى الحلبي، مصر، 1969م.

2. معراج البيان، علام سلامة، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1929م.

3. الإيمان ينبوع السعادة، الدكتور حسان شمسي باشا، موقع الدكتور حسان شمسي باشا على الإنترنت.

4. شنين الدموع، د.عبد العزيز الخويطر، كتيب المجلة العربية، العدد 123، ربيع الأول 1428هـ/ أبريل 2007م.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.49 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]