الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         لِمَ، ولمن الحج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          رمضان شهر الصبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 32 )           »          توجيهات قرآنية في مفترق طرق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وفي موت علمائنا عبرة وعظة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الاتِّبَاع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          العمل بنظام نصف الدوام فقط للمرأة: حلول مُمكنة لتحديات اقتصادية واجتماعية مستعصية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          البيت المبارك وحياتنا المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          قيام الليل يرفعك إلى درجة الشاكرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          إسرائيل تخسر الجامعات الأميركية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          أسرار الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 16-04-2024, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,173
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (61) حقيقة دين إبراهيم عليه السلام وعلاقته باليهودية والنصرانية (6)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال الله عز وجل: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ‌لِمَ ‌تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 65-68).
الفائدة السابعة:
دَلَّ قوله تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) على أن الولايةَ الحقيقية لإبراهيم صلى الله عليه وسلم، والانتسابَ إليه إنما هو في هذه الأمة الإسلامية؛ لأنها التي ورثت متابعة الأنبياء جميعًا، فهي وارثة ولاية مَن اتبعوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم على التوحيد مِن الأنبياء والأولياء عَبْر العصور، وورثت اتِّباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلم يعد هناك ولاية لإبراهيم صلى الله عليه وسلم إلا في هذه الأمة الإسلامية.
وأفعل التفضيل في الآية ليس على بابه؛ فهو بمعنى أن ولاية إبراهيم محصورة في الذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا، وأما ولاية النَّسب بين بني إسرائيل وبين إبراهيم صلى الله عليه وسلم بحكم الولادة مِن نَسْلِه -إن ثبت نسلُهم إليه-؛ فهي مقطوعة بظلمهم وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وتكذيبهم لرسول الله عيسى صلى الله عليه وسلم، ومحاولتهم قتله وصلبه، ثم تكذيبهم لرسول الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين؛ قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ ‌لَا ‌يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124)، والكفر والشرك أعظم الظلم.
وقال عز وجل: (‌وَلَقَدْ ‌أَرْسَلْنَا ‌نُوحًا ‌وَإِبْرَاهِيمَ ‌وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد: 26)؛ ولذا لم تبقَ لليهود ولا للنصارى نسبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض قراباته المشركين: (إِنَّ آلَ أَبِي ‌فُلَانٍ لَيْسُوا ‌بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (رواه البخاري ومسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه).
بل هذه الأمة هي التي ورتت ولاية موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وسائر الأنبياء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء لما سألَ اليهودَ في المدينة عن صيامه، فقالوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلهِ، فَقَالَ: (أَنَا ‌أَوْلَى ‌بِمُوسَى مِنْهُمْ)، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (متفق عليه).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: (أَنَا ‌أَوْلَى ‌النَّاسِ ‌بِعِيسَى، الْأَنْبِيَاءُ أَبْنَاءُ عَلَّاتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيسَى نَبِيٌّ) (متفق عليه)، فالمسلمون هم أتباع موسى، وهم أتباع عيسى على الحقيقة، كما قال عز وجل لعيسى عليه السلام: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ‌وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (آل عمران: 55).
فالذين اتَّبعوا المسيحَ صلى الله عليه وسلم هم أهل الإسلام، هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذا فَرِح أهلُ الكتاب بما أُنزِل إلى الرسول من الكتاب، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) (الرعد:36)؛ وذلك لأن وعدَ الله بظهور المؤمنين الحقيقيين بعيسى صلى الله عليه وسلم تحقق ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌كُونُوا ‌أَنْصَارَ ‌اللَّهِ ‌كَمَا ‌قَالَ ‌عِيسَى ‌ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف:14).
وإنما حصل ظهورُ أتباع المسيح صلى الله عليه وسلم الحق بظهور دينهم؛ التوحيد دون الشرك بالتثليث، ودون تكذيب عيسى صلى الله عليه وسلم، واتهام أمه بالبهتان العظيم!
فأصبحوا ظاهرين ببعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وظهور المؤمنين، وظهور الدين الحقيقي لعيسى صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كله إذا نزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان فإنه ينزل في هذه الأمة قائدًا لها، مصليًا صلاتها، مستقبلًا قبلتها، حاكمًا بشريعتها، متَّبِعًا لنبيها صلى الله عليه وسلم؛ أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كَيْفَ ‌أَنْتُمْ ‌إِذَا ‌نَزَلَ ‌ابْنُ ‌مَرْيَمَ ‌فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ)، وفي رواية لمسلمٍ: (‌فَأَمَّكُمْ ‌مِنْكُمْ).
وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْد ‌المنارة ‌الْبَيْضَاء ‌شرقيّ ‌دمشق) (رواه مسلم)، وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: ‌لَا، ‌إِنَّ ‌بَعْضَكُمْ ‌عَلَى ‌بَعْضٍ ‌أُمَرَاءُ، ‌تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ)؛ ولذلك ثَبَتَ أن منا مَن يصلي عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم خلفه ثم يقود الأمة بعد ذلك ويصير إمامهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ‌وَيَضَعَ ‌الْجِزْيَةَ) (متفق عليه)، وفي رواية: (‌وَتَكُونُ ‌الْمِلَّةُ ‌وَاحِدَةً) (أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (20843)، وقال الألباني: "إسناده مرسل صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين").
وبهذا -وغيره- يُعرَف أن ما يحاوله اليهودُ -أعداءُ الله- مِن خِدَاع العَالَم بتسمية اتفاقيات التطبيع باتفاقيات إبراهيم، والمسار الذي يريدونه المسمَّى بـ"مسار إبراهيم!" لن يحدث -بإذن الله-.
- وهم يريدون ويخططون؛ لتعميق التطبيع الاقتصادي -بل الاختراق الإسرائيلي لاقتصاد الدول العربية والتغلغل فيها-.
- والتطبيع الاجتماعي: بقبول المسلمين لوجود اليهود في وسط بلادهم ومجتمعاتهم محبين لهم، متعاطفين معهم، قابلين لدعاواهم بأنهم مظلومون مضطهدون! وهم الظالمون المضطهدون لأهل الإسلام.
- والتطبيع الإعلامي: بالظهور المشترك المتسارع لإعلاميين هنا وهناك.
- والتطبيع العلمي: بين الجامعات والأبحاث، والمنح المشتركة.
- والتطبيع الصحي: بعقد اتفاقات التعاون الصحي، والاطلاع على الخطط الصحية، وغيرها.
- والتطبيع الرياضي: بلعب الفِرَق الرياضية المشتركة بعد أن ظلَّ العربُ -بل والمسلمون- يأبون اللعب مع الفِرَق اليهودية، والرياضيين اليهود الإسرائيليين.
- والتطبيع في مسارات الطيران المباشر المنتظِم.
- والتطبيع السياحي: بوفود السياحة العربية والمسلمة إلى أرض فلسطين المحتلة؛ حتى ينسى وجود الاحتلال.
- والتطبيع المصرفي: بفتح فروع البنوك هنا وهناك.
وغير ذلك مما ينتهي كما يخططون -ولن يكون بإذن الله- إلى تدويل دول المسار، أي: تحويل دول المنطقة إلى دولةٍ واحدةٍ كونفدرالية، أو غيرها حسب الظروف، باسم: "الولايات المتحدة الإبراهيمية!".
ثم بعد ذلك تغيير دين الشعوب "خاصة المسلمين" إلى الدِّين الجديد المسمَّى: بـ"الدين الإبراهيمي الجديد"؛ القائم على مساواة الأديان وعقد صلوات وعبادات مشتركة، كما أدَّى "البابا" صلاة مشتركة في العراق تمهيدًا لهذا!
وبناء معابد مشتركة يجتمع فيها اليهود والمسلمون والنصارى، وكما يحاول اليهود فعله في المسجد الأقصى بتقسيم الوقت، وكذا في المسجد الإبراهيمي، وهذا مؤقتًا إلى أن يتمكنوا مِن أخذه بالكلية وطرد المسلمين في الحقيقة.
وكذلك عدم استقلالية الأماكن المقدسة؛ فهكذا يزعم أصحاب الدين الجديد، ويزعمون اعتماد التصوف العالمي القائل بوحدة الوجود، ووحدة الأديان، فكرًا يوحِّد بين الأديان المتحاربة مع اعتماد الرقص آلية لحلِّ النزاعات الدينية! كما كان يفعله أتباع جلال الدين الرومي المسمَّون بالمولوية؛ نسبة إلى مولاهم "جلال الدين الرومي"، والذي كان يحضر درسه ورقصه اليهود معهم التلمود، والنصارى معهم الإنجيل، والمسلمون معهم القرآن، ثم يتركون ذلك كله ويبدأون في الرقص الدوار، وحضر جنازته اليهود والنصارى والمسلمون؛ كل ينتسِب إليه! ونبرأ إلى الله من ذلك.
فكل ما يحاوله اليهود مِن ذلك هو مناقضة لأصل دين الإسلام، ومآله إلى الاضمحلال والذهاب، قال الله تعالى: (‌وَقُلْ ‌جَاءَ ‌الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء: 81)، وقال تعالى: (فَأَمَّا ‌الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) (الرعد: 17).
وما على المسلمين إلا أن يتمسكوا بدينهم، ويظهروا بطلان هذه الدعاوى اليهودية الصهيونية المدعومة مِن النصارى الصهيونيين في الغرب؛ الذين يظنون أن نزول المسيح لن يكون إلا بعد مُلكِ إسرائيل.
ولن يتم ذلك إلا ببيان نصوص القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وأن نعلِّم أجيالنا المتتابعة هذه النصوص ومعانيها، وكذا الحفاظ على هوية دولهم الإسلامية العربية، ومنع إضعافها أو أن تقسَّم، أو إحداث الفوضى فيها باسم: "الثورات"؛ فإنها خُطُوات على طريق الخراب.
والله المستعان وعليه التكلان.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 17-04-2024, 08:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,173
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (62) الدِّين الإبراهيمي الحق يستلزم حجَّ بيت الله الحرام وقصده



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله تعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:95-97).
إن مِن أخطر ما ينادي به أصحابُ الاختراع المحدَث الكفري فيما يسمونه -كذبًا وزورًا- بـ"الدِّين الإبراهيمي": هو عدم خصوصية الأماكن المقدسة، بل تشترك كل الطوائف في تقديس أماكنها جميعًا، مع أن هؤلاء اليهود لا يعظِّمون بيتَ الله الحرام، ولا يقصدون الكعبة المُشَرَّفة في صلاتهم، ولا يرون حجًّا ولا عمرة، وكذا النصارى؛ رغم أن أنبياءهم الذين مضوا قد حجوا بيت الله الحرام، وعيسى -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل إلى الأرض في آخر الزمان ليحجن إلى بيت الله الحرام، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما مَرَّ بوادي الأزرق فسأل: (أَيُّ وَادٍ هَذَا؟) فَقَالُوا: ‌هَذَا ‌وَادِي ‌الْأَزْرَقِ، قَالَ: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ، عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ -يعني: ليفًا- وَهُوَ يُلَبِّي) (رواه مسلم).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ ‌بِفَجِّ ‌الرَّوْحَاءِ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيُثَنِّيَنَّهُمَا) (رواه مسلم).
وهذه المسألة قد بيَّنها الله -سبحانه وتعالى- في القرآن العظيم ردًّا على اليهود والنصارى قديمًا في انتسابهم إلى إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- من غير اتباع ملته، ومن غير تعظيم لبيت الله الحرام، والكعبة المشرفة التي بناها.
وبيَّن -سبحانه وتعالى- وجوبَ الحج على كلِّ الناس إن استطاعوا إليه سبيلًا، فكذلك ينبغي أن نستدل بها على بطلان ما يدَّعونه من الدِّين الإبراهيمي المزعوم؛ لأنهم لا يعظِّمون الكعبة، ولا يرون الحج إلى بيت الله الحرام، ولا يرون الكعبة قبلة؛ فلا تصح لهم نسبة إلى إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- وإلى دينه إلا باتباع ملته، وهي: "التوحيد والاتباع لنبيه -صلى الله عليه وسلم- محمدٍ خاتم النبيين"، وكذا لا بد لهم من الحج إلى بيت الله الحرام.
وقوله -تعالى-: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: قل يا محمد: صدق فيما أخبر به، وفيما شرعه في القرآن على لسان محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية، وهي الطريقة التي لم يأتِ نبيٌّ بأكمل منها، ولا أبين، ولا أوضح ولا أتم، كما قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ ‌إِبْرَاهِيمَ ‌حَنِيفًا ‌وَمَا ‌كَانَ ‌مِنَ ‌الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:161)، وقال -تعالى-: (‌ثُمَّ ‌أَوْحَيْنَا ‌إِلَيْكَ ‌أَنِ ‌اتَّبِعْ ‌مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل: 123).
وقوله -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ): يخبر -تعالى- أن أول بيتٍ وُضِع للناس، أي: لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم، يطوفون به ويصلون إليه ويعتكفون عنده، (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) يعني: الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الذي يزعم كلُّ مِن طائفتي: النصارى واليهود أنهم على دينه ومنهجه، ولا يحجون إلى البيت الذي بناه عن أمر الله له في ذلك ونادى الناس إلى حجه؛ ولهذا قال: (مُبَارَكًا) أي: وضع مباركًا، (وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ).
وعند الإمام أحمد -بسنده- عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ)، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى) قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ حَيْثُمَا أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ ‌فَصَلِّ، ‌فَكُلُّهَا ‌مَسْجِدٌ) (وأخرجه البخاري ومسلم).
وقال ابن أبي حاتم عن علي في قوله -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا)، قال: كانت البيوت قِبْلَة، ولكنه كان أول بيت وُضِع لعبادة الله.
وروى أيضًا ابن أبي حاتم عن خالد بن عرعرة قال: قام رجل إلى علي، فقال: ألا تحدثني عن البيت: أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال: لا، ولكنه أول بيت وضع فيه البركة مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا، وذكر تمام الخبر في كيفية بناء إبراهيم البيت.
وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقًا.
والصحيح قول علي -رضي الله عنه-؛ فأما الحديث الذي رواه البيهقي في بناء الكعبة في كتابه: "دلائل النبوة" عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: بعث الله جبريل إلى آدم وحواء، فأمرهما ببناء الكعبة، فبناه آدم، ثم أمر بالطواف به، وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع للناس؛ فإنه كما ترى مِن مفردات ابن لهيعة، وهو ضعيف. والأشبه -والله أعلم- أن يكون هذا موقوفًا على عبد الله بن عمرو، ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك مِن كلام أهل الكتاب.
وقوله -تعالى-: (لَلَّذِي بِبَكَّةَ): من أسماء مكة على المشهور، قيل: سميت بذلك؛ لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة، يعني: أنهم يزلون بها ويخضعون عندها. وقيل: لأن الناس يتباكون فيها، أي: يزدحمون.
قال قتادة: إن الله بكَّ به الناس جميعًا، ويصلي النساء أمام الرجال، ولا يفعل ذلك ببلد غيرها، وكذا روي عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعمرو بن شعيب، ومقاتل بن حيان -(قلتُ: وهذا لا يصح شرعًا، وإن وقع كونًا؛ لأن الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- لم يشرِّع "لا في بيت الله الحرام، ولا في غيره": أن تصلي المرأة بجوار الرجل وأمامه، فإن ذلك منهي عنه، ويجب على النساء أن يتراجعن فيكن خلف الرجال، كما في جميع المساجد وجميع الصلوات)-، وذكر حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مكة من الفج إلى التنعيم، وبكة من البيت إلى البطحاء. وقال شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم: بكة: البيت والمسجد. وكذا قال الزهري.
وقال عكرمة في رواية، وميمون بن مهران: البيت وما حوله بكة، وما وراء ذلك مكة.
وقال أبو مالك وأبو صالح، وإبراهيم النخعي، وعطية العوفي ومقاتل بن حيان: بكة موضع البيت، وما سوى ذلك مكة.
وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة: مكة، وبكة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، والمأمون، وأُمَّ رُحْمٍ، وأم القُرَى، وصَلَاح، والعَرْش على وزن بَدْر، والقَادِس؛ لأنها تطهِّر من الذنوب، والمُقدَّسَة، والنَّاسَّة والباسَّة، والحَاطِمة، والرَّأْس، وكُوثى، والبلدة، والبَنِيَّة، والكعبة.
(فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ) أي: دلالات ظاهرة أنه مِن بناء إبراهيم، وأن الله عظَّمه وشرفه.
ثم قال تعالى: (مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ) يعني: الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل، وقد كان ملتصقًا بجدار البيت، حتى أخَّره عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في إمارته إلى ناحية الشرق بحيث يتمكن الطُّوَّاف منه، ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف؛ لأن الله -تعالى- قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال: (وَاتَّخِذُوا ‌مِنْ ‌مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة:125)، وقد قدَّمنا الأحاديث في ذلك -(قلتُ: يعني حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قَضَى طوافه بالكعبة نفذ إلى مقام إبراهيم، وقرأ قول الله عز وجل: (وَاتَّخِذُوا ‌مِنْ ‌مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) بجعل المقام بينه وبين البيت، وصلَّى خلف المقام ركعتين قرأ فيهما بـ"قل هو الله أحد"، و"قل يا أيها الكافرون" رواه مسلم من حديث جابر وغيره)-" (انتهى من تفسير ابن كثير).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 17-04-2024, 08:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,173
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (63) الدِّين الإبراهيمي الحق يستلزم حجَّ بيت الله الحرام وقصده



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله تعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 95-97).
قال ابن كثير رحمه الله: "وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ) أي: فمنهن مقام إبراهيم والمَشْعَر.
وقال مجاهد: أثر قدميه في المقام آية بينة. وكذا روي عن عمر بن عبد العزيز، والحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان، وغيرهم.
وقال أبو طالب في قصيدته:
ومَوْطئ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبةٌ عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ ناعلِ
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد، وعمرو الأودي، قالا: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: (مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ) قال: الحرم كله مقام إبراهيم. ولفظ عمرو: الحجر كله مقام إبراهيم.
وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: الحج مقام إبراهيم. هكذا رأيت في النسخة، ولعله الحجر كله مقام إبراهيم، وقد صرَّح بذلك مجاهد.
وقوله: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) يعني: حَرمَ مكة؛ إذا دخله الخائف يأمن مِن كلِّ سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية، كما قال الحسن البصري، وغيره: كان الرجل يَقْتُل فيَضَع في عنقه صوفة ويدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول؛ فلا يهيجه حتى يخرج.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو يحيى التيمي، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) قال: مَن عاذ بالبيت أعاذه البيتُ، ولكن لا يُؤوى ولا يُطعَم ولا يُسقى، فإذا خرج أُخِذ بذنبه.
وقال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) (العنكبوت: 67)، وقال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش: 3-4)، وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع أشجارها وقلع حشيشها، كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك عن جماعة من الصحابة مرفوعًا وموقوفًا؛ ففي الصحيحين، واللفظ لمسلم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة: "لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وإذَا استَنْفَرْتُمْ فَانْفِرُوا"، وقال يوم الفتح فتح مكة: "إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحرمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَد شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقطْ لُقَطتَه إِلَّا مَنْ عَرَّفها، وَلَا يُخْتَلى خَلاها"، فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذْخَرَ، فَإِنَّهُ لقَيْنهم ولبُيوتهم، فَقَالَ: "إِلَّا الإذْخَر".
ولهما عن أبي هريرة مثله أو نحوه، ولهما -واللفظ لمسلم أيضًا- عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد، وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولًا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلَّم به، إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إنَّ مَكِّةَ حَرَّمَهَا اللهُ ولَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلا يَحِلُّ لامرئ يُؤْمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ أنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، ولا يَعْضد بِهَا شَجَرةً"، فإن أَحَد ترخَّص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له: إن الله أَذِن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس؛ فليبلغ الشاهد الغائب. فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيًا، ولا فارًّا بدم، ولا فارًّا بخزية.
وعن جابر قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا يَحِلُّ لأحَدِكُمْ أنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلاحَ" (رواه مسلم).
وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وهو واقف بالحزورة في سوق مكة: "واللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أرْضِ اللهِ، وأحَبُّ أرْضِ اللهِ إلَى اللهِ، ولَوْلا أنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ" رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: حسن صحيح، وكذا صحح من حديث ابن عباس نحوه، وروى أحمد عن أبي هريرة، نحوه.
وقال ابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة بن هبيرة، في قوله تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) قال: آمنًا من النار.
وفي معنى هذا القول الحديث الذي رواه البيهقي بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل البيت دخل في حسنة، وخرج من سيئة، وخرج مغفورًا له"، ثم قال: تفرد به عبد الله بن المؤمل، وليس بقوي.
وقوله: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) هذه آية وجوب الحج عند الجمهور. وقيل: بل هي قوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (البقرة:196)، والأول أظهر.
وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعًا ضروريًّا، وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع.
قال الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس، قد فُرِض عليكم الحج فَحُجُّوا"، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم"، ثم قال: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فإنما هَلَك مَن كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه"، ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون، به نحوه.
وقد روى سفيان بن حسين بسنده عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج"، فقام الأقرع بن حابس فقال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ قال: "لو قلتها، لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها، ولم تستطيعوا أن تعملوا بها، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم من حديث الزهري، به، ورواه شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، بنحوه. وروي من حديث أسامة يزيد.
وقال الإمام أحمد بسنده عن علي قال: لما نزلت: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) قالوا: يا رسول الله، في كل عام؟ فسكت، قالوا: يا رسول الله، في كل عام؟ قال: "لا، ولو قلتُ: نعم، لوجبت"، فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (المائدة: 101).
وكذا رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، من حديث منصور بن وردان، به: ثم قال الترمذي: حسن غريب. وفيما قال نظر؛ لأن البخاري قال: لم يسمع أبو البختري من علي.
وقال ابن ماجه بسنده عن أنس بن مالك: قالوا: يا رسول الله، الحج في كل عام؟ قال: "لو قلت نعم، لوجبت، ولو وجبت لم تقوموا بها، ولو لم تقوموا بها لعُذِّبتُم".
وفي الصحيحين من حديث ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، عن سراقة بن مالك قال: يا رسول الله، متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال: "لا، بل للأبد"، وفي رواية: "بل لأبَد أبَد".
وفي مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، من حديث واقد بن أبي واقد الليثي، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجته: "هذه ثم ظُهُور الحُصْر"؛ يعني: ثم الزَمْنَ ظُهُور الحُصْر، ولا تَخْرُجْنَ مِن البُيُوت" (انتهى كلام ابن كثير رحمه الله).
وللحديث بقية إن شاء الله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 17-04-2024, 08:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,173
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدِّين إبراهيمي بين الحقيقة والضلال (64) الدِّين الإبراهيمي الحق يستلزم حجَّ بيت الله الحرام وقصده (3)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ. فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96-97).
قال ابن كثير رحمه الله: "وأما الاستطاعة فأقسام: تارة يكون الشخص مستطيعًا بنفسه، وتارة بغيره، كما هو مقرَّر في كُتُب الأحكام.
(قلتُ: المستطيع بغيره هو العاجز عن الحج بنفسه مع كونه يملك المال، وهو الذي يُسَمَّى: المعضوب؛ فهذا يجب عليه أن يحجِّجَ غيره؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: حج عن أبيك واعتمر، وحديث الخثعمية التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الراحلة، فهل يجزي أن أحج عنه؟ قال: نعم).
ورَوَى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مَن الحاجُّ يا رسول الله؟ قال: "‌الشَّعثُ ‌التَّفِل"، فقام آخر فقال: أي الحج أفضل يا رسول الله؟ قال: "‌العَجُّ ‌وَالثَّجُّ"، فقام آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله؟ قال: "الزاد والراحلة".
وهكذا رواه ابن ماجه من حديث إبراهيم بن يزيد وهو الخوزي. قال الترمذي: ولا نعرفه إلا مِن حديثه، وقد تكلَّم فيه بعض أهل العلم من قِبَل حفظه.
(قلتُ: قال الألباني في ضعيف الترمذي عن هذا الحديث: ضعيف جدًّا، وقال ابن حجر: طرقه كلها ضعيفة).
وقال في كتاب الحج: هذا حديث حَسَن لا يُشكُّ أن هذا الإسناد رجاله كلهم ثقات سوى الخوزي هذا، وقد تكلَّموا فيه من أجل هذا الحديث، لكن قد تابعه غيره، فروى ابن أبي حاتم: عن محمد بن عباد بن جعفر قال: جلست إلى عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة"، وكذا رواه ابن مردويه من رواية محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير به.
ثم قال ابن أبي حاتم: وقد روي عن ابن عباس، وأنس، والحسن، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، والربيع بن أنس، وقتادة، نحو ذلك.
وقد رُوي هذا الحديث من طُرُق أخرى من حديث أنس، وعبد الله بن عباس، وابن مسعود، وعائشة كلها مرفوعة، ولكن في أسانيدها مقال كما هو مقرَّر في كتاب الأحكام، والله أعلم.
وقد اعتنى الحافظ أبو بكر بن مردويه بجمع طرق هذا الحديث، ورواه الحاكم من حديث قتادة عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سُئِل عن قول الله عز وجل: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، فقيل ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة"، ثم قال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
(قلتُ: قال الدارقطني: الصحيح أنه مرسل، وكذا قال غير واحد مِن أهل العلم: الصحيح إرساله).
ورَوَى ابن جرير عن الحسن قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، قالوا: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة"، ورواه وكيع.
(قلتُ: وقد دَلَّ حديثُ الخثعمية على: أن السبيل قد لا يُستطَاع مع وجود الزاد والراحلة؛ فقد لا يثبت الرجل على الراحلة مع ملكه لها، مع وجود الزاد؛ فدلَّ هذا الحديث على ضعف معنى الزاد والراحلة، أو يحمل معنى الزاد والراحلة على الأغلب الأعم. والفائدة في هذا الخلاف: فيمَن قَدَر على الحج ماشيًا: كواحدٍ مِن سكان الحَرَم، أو نحوه؛ فهذا يلزمه على قول مَن ضعَّف الحديث، ولا يلزمه على مَن صححه أو حسنه، والراجح أنه ضعيف).
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعجلوا إلى الحج -يعني الفريضة- فإن أحدَكم لا يدري ما يعرض له"، وروى أيضًا عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أراد الحج فليتعجل"، ورواه أبو داود.
(قلتُ: حديث: "تعجَّلوا إلى الحج" مع ضعف إسناده -لأن فيه إسماعيل بن خليفة- ضعَّفه غيرُ واحدٍ؛ فقد حسَّن الألباني هذا الحديث لشواهده، وكذا حسَّن حديث أبي داود: "مَن أراد الحج فليتعجَّل"، مع ضعف إسناده أيضًا، لكن حسنه لكثرة الطرق والشواهد، وقد احتج بهذا الحديث -"تعجلوا إلى الحج"- ونحوه مَن يقول بأن الحجَ واجبٌ على الفور لمَن استطاع، والحديث مع ضعفه لا يصلح حجة؛ خصوصًا مع رواية: "مَن أراد الحج فليتعجل"؛ فإنه ردَّه إلى إرادته، وهذا واضح في أنه على التراخي، كما هو مذهب الشافعي رحمه الله، وهو الصحيح).
وقد رَوَى ابن جبير عن ابن عباس في قوله: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، قال: مَن ملك ثلاثمائة درهم فقد استطاع إليه سبيلًا.
وعن عكرمة مولاه أنه قال: السبيل الصحة.
وروى وكيع بن الجراح، بسنده عن ابن عباس قال: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) قال: الزاد والراحلة.
(قلتُ: قول ابن عباس المنقول: مَن مَلَك ثلاثمائة درهم فقد استطاع إليه سبيلًا؛ فهذا محمول على زمنه ومكانه، وإلا فقد لا يستطيع مَن مَلَك هذا المبلغ في زماننا الحج إلى بيت الله الحرام. وأما قول عكرمة مولاه أن السبيل هو: الصحة؛ فهو يدل على أنه لا تلزم الراحلة لمَن قَدَر على المشي).
وقوله: (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) قال ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد: أي: ومَن جحد فريضة الحج؛ فقد كفر، والله غني عنه.
وقال سعيد بن منصور، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة قال: لما نزلت: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا ‌فَلَنْ ‌يُقْبَلَ ‌مِنْهُ) (آل عمران: 85)، قالت اليهود: فنحن مسلمون. قال الله عز وجل ‌فأخْصَمْهُم فحجهم؛ يعني فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله فرض على المسلمين حج البيت مَن استطاع إليه سبيلًا"، فقالوا: لم يكتب علينا، وأبوا أن يحجوا، قال الله تعالى: (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
وقال أبو بكر بن مردويه بسنده عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن ملك زادًا وراحلة ولم يحج بيت الله؛ فلا يضره مات يهوديًّا أو نصرانيًّا، وذلك بأن الله قال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
ورواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم، ورواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا مِن هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وهلال مجهول، والحارث يُضعَّف في الحديث.
وقال البخاري: هلال هذا منكر الحديث. وقال ابن عدي: هذا الحديث ليس بمحفوظ.
وقد روى أبو بكر الإسماعيلي عن عبد الرحمن بن غنم أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: "مَن أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه يهوديًّا مات أو نصرانيًّا"، وهذا إسناد صحيح إلى عمر رضي الله عنه، ورَوَى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري، قال: قال عمر بن الخطاب: "لقد هممت أن أبعث رجالًا إلى هذه الأمصار فينظروا إلى كلِّ منَ كان له جدة -أي: سعة- فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين" (انتهى من تفسير ابن كثير).
(قلتُ: هذا الأثر الأخير الذي رواه سعيد بن منصور عن الحسن البصري مرسل؛ فإن الحَسَن لم يدرك عمر رضي الله عنه، ولا شك في صحة إسناد حديث عبد الرحمن بن غنم عن عمر رضي الله عنه، وهو محمول على الجاحد، أو محمول على الترهيب والتشديد في ترك الحج لمَن استطاع إليه سبيلًا، ولا يقول أحدٌ مِن أهل العلم بمقتضاه؛ خاصة أن الجزية لا تُفرَض على المرتد. والله أعلى وأعلم).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 17-04-2024, 08:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,173
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (65) الدِّين الإبراهيمي الحق يستلزم حجَّ بيت الله الحرام وقصده (4)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله تعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 95-97).
في الآية فوائد:
الأولى: أوجب اللهُ على جميع الناس اتِّباع ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم القائمة على الحنيفية، وهي: الميل إلى الله والإعراض عن غيره؛ فالتوحيد هو أول واجب على العباد، قال تعالى: (‌وَمَا ‌خَلَقْتُ ‌الْجِنَّ ‌وَالْإِنْسَ ‌إِلَّا ‌لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، وقال: (‌وَمَا ‌أَرْسَلْنَا ‌مِنْ ‌قَبْلِكَ ‌مِنْ ‌رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 25).
ولا يحصل تحقيق العبادة إلا باتباع الرُّسُل صلوات الله وسلامه عليهم، ولا يحصل الإيمان بأحدهم إلا بالإيمان بجميعهم، وبعد بعثةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي أحيا الله به مِلَّة إبراهيم عليه السلام بعد اندثارها في الأرض قبل بعثته؛ إلا بقايا قليلة جدًّا من أهل الكتاب بقوا على التوحيد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ‌فَمَقَتَهُمْ ‌عَرَبَهُمْ ‌وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) (رواه مسلم).
فبعد بعثته صلى الله عليه وسلم انحصر دين الإسلام وملة إبراهيم في الإيمان به صلى الله عليه وسلم واتباعه، واتباع الكتاب الذي أنزله الله معه، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَ?ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَ?هَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (الأعراف:156-158).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَكَانَ النَّبِيُّ ‌يُبْعَثُ ‌إِلَى ‌قَوْمِهِ ‌خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً) (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ‌لَا ‌يَسْمَعُ ‌بِي ‌أَحَدٌ ‌مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) (رواه مسلم)، وغير ذلك كثير.
وعموم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق من الإنس والجن معلومة بالضرورة؛ فدعوى الزنادقة المرتدين في زماننا بعدم ركنية الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم في الإيمان، وأنه يصح الإيمان ويمكن دخول الجنة لمَن كذَّبه، وكذَّب القرآن الذي أُنزِل معه، وأن الجنة ليست حكرًا على أتباعه صلى الله عليه وسلم بعد بعثته، مناقضة لأصل الملة ورِدَّة صريحة عن الإسلام بإجماع العلماء؛ كتم ذلك مَن كتم، وأظهره مَن أظهره، وداهن فيه مَن داهن.
ولا شك أن وجودَ هذه الدعاوى مِن منتسبين إلى الإسلام، بل إلى العِلْم أحيانًا! والتمهيد الذي يريده اليهود وأولياؤهم لما يسمونه: بـ"الدين الإبراهيمي الجديد" الذي يريدون به هدم الإسلام لإفساح المجال لهم، والسيطرة على فلسطين والقدس؛ أرض الميعاد في عقيدتهم الغريبة! وهيهات ... ! لن يكون ذلك بإذن الله، وإنما وعدهم الله الأرض المقدَّسة لما كانوا على التوحيد والإيمان، واتباع الرسل وليس على تكذيبهم؛ ولذلك فهذه الأرض وعدها الله عز وجل أهل الإيمان به مِن أي نَسَبٍ كانوا، وفي أي زمان كانوا، وذلك فهي أرض الإسلام وأهل الإسلام إلى يوم القيامة شرعًا وواقعًا بشرط التزام المسلمين بالإسلام، كما فتحها المسلمون في عهد عمر رضي الله عنه، وظلت في أيديهم إلى أن وقعت في أيدي الصلبيين ثم فتحها صلاح الدين، وظلت في أيدي المسلمين إلى أن احتلها الحلفاء الغربيون بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وسلموها لليهود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وستعود بإذن الله إلى أهل الإسلام قطعًا ويقينًا: (‌وَعَدَ ‌اللَّهُ ‌الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (النور: 55)، وقال سبحانه وتعالى: (‌وَلَقَدْ ‌كَتَبْنَا ‌فِي ‌الزَّبُورِ ‌مِنْ ‌بَعْدِ ‌الذِّكْرِ ‌أَنَّ ‌الْأَرْضَ ‌يَرِثُهَا ‌عِبَادِيَ ‌الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ . وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 105-107).
الفائدة الثانية: البراءة من الشرك أساس ملة إبراهيم وركنها الركين؛ ولذا تكررت هذه الجملة مع ذكر إبراهيم عِدَّة مرات، وما كان من المشركين، قال سبحانه وتعالى: (‌إِنَّ ‌إِبْرَاهِيمَ ‌كَانَ ‌أُمَّةً ‌قَانِتًا ‌لِلَّهِ ‌حَنِيفًا ‌وَلَمْ ‌يَكُ ‌مِنَ ‌الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل: 120-123)، وقال سبحانه وتعالى: (‌فَلَمَّا ‌أَفَلَتْ ‌قَالَ ‌يَا قَوْمِ ‌إِنِّي ‌بَرِيءٌ ‌مِمَّا ‌تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام: 78-79).
وقال تعالى: (‌قَدْ ‌كَانَتْ ‌لَكُمْ ‌أُسْوَةٌ ‌حَسَنَةٌ ‌فِي ‌إِبْرَاهِيمَ ‌وَالَّذِينَ ‌مَعَهُ ‌إِذْ ‌قَالُوا ‌لِقَوْمِهِمْ ‌إِنَّا ‌بُرَآءُ ‌مِنْكُمْ ‌وَمِمَّا ‌تَعْبُدُونَ ‌مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة: 4).
فلا يصح لأحدٍ إيمان إلا بالبراءة من الشرك والمشركين، وهذه البراءة تعني: اعتقاد بطلان عبادة غير الله؛ سواء كان المعبودُ مَلَكًا مُقَرَّبًا، أو نبيًّا مرسلًا، أو وليًّا صالحًا، أو أحبارًا أو رهبانًا، أو إنسًا أو جنًّا، أو حجرًا أو شجرًا، أو قبرًا أو ضريحًا، فصرف العبادة لغير الله شرك بأي نوع مِن أنواع العبادة، ثم يصرِّح الإنسان بلسانه بالبراءة مِن الشرك وبطلان عبادة غير الله، والدعوة إلى ترك عبادة ما يُعبد مِن دون الله، والسعي باليد واللسان والنفس والمال حسب القدرة المشروعة إلى إبطال عبادة كلِّ مَن يعبد مِن دون الله.
وأما مَن صَحَّح عبادة غير الله أو مَدَحَها؛ فقد خَرَج مِن الملة كمَن يَضيق بمَن ينكِر عبادةَ البقر أو بوذا، ويصف عبادة البقر بأنه حضارة ورقي؛ فلا يشك في كفره وزندقته مسلمٌ.
الفائدة الثالثة: شَرَفُ الكعبة بيت الله الحرام؛ لأنها أول بيتٍ وُضِع للناس في الأرض لعبادة الله، وقد كانت عبادة الله في الأرض قبله بلا شك، بل إن توحيدَ الله وعبادته بدأت مع وجود البشرية، وخلق آدم وحواء عليهما السلام في الجنة، وبعد أن نزلا إلى الأرض، لكن لم يكن يُخصص للعبادة والصلاة بيتٌ، وكان الأنبياء والمؤمنون قبل إبراهيم عليه السلام يعبدون الله في بيوتهم، وفي أي مكان في الأرض، فإن ثَبَت ما روي مِن طُرُق ضعيفة -لا تصح إسنادًا-: أن الملائكةَ هي التي بَنَت الكعبة، أو أن آدم عليه السلام هو الذي بناها؛ فهو أدلُّ على شَرَف الكعبة البيت الحرام، ولكن هذا لم يثبُت، والذي ثَبَت هو تحريم البقعة، فتحريم هذه البقعة وتشريع تعظيمها سابق على بناء الكعبة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (‌إِنَّ ‌اللهَ ‌حَرَّمَ ‌مَكَّةَ ‌يَوْمَ ‌خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) (متفق عليه).
وقال عز وجل عن إبراهيم عليه السلام: (‌رَبَّنَا ‌إِنِّي ‌أَسْكَنْتُ ‌مِنْ ‌ذُرِّيَّتِي ‌بِوَادٍ ‌غَيْرِ ‌ذِي ‌زَرْعٍ ‌عِنْدَ ‌بَيْتِكَ ‌الْمُحَرَّمِ ‌رَبَّنَا ‌لِيُقِيمُوا ‌الصَّلَاةَ ‌فَاجْعَلْ ‌أَفْئِدَةً ‌مِنَ ‌النَّاسِ ‌تَهْوِي ‌إِلَيْهِمْ ‌وَارْزُقْهُمْ ‌مِنَ ‌الثَّمَرَاتِ ‌لَعَلَّهُمْ ‌يَشْكُرُونَ) (إبراهيم: 37).
فقبل أن تكون مكة بلدًا، وقبل أن تُبنَى الكعبة؛ فهذه البقعة تُسمَّى بيت الله المحرَّم، فشرفها سابق، وتحريمها يوم خلق الله السماوات والأرض، وهذا كله شَرَف عظيم لهذه البقعة؛ نحمد الله عز وجل أن جعلها قبلتنا، وجعل حَجَّنا إليها.
وللحديث بقية إن شاء الله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 19-04-2024, 12:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,173
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (66)

الدِّين الإبراهيمي الحق يستلزم حجَّ بيت الله الحرام وقصده (5)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله تعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 95-97).
الفائدة الرابعة: بركة الكعبة المشرفة أمر مشاهد محسوس؛ في الأرزاق والأقوات، والطاعات والعبادات، وغير ذلك، ومضاعفة أجر الصلاة فيه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ ‌مِائَةِ ‌أَلْفِ ‌صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).
وقد طَرَد بعضُ العلماء ذلك في جميع العبادات؛ في الصيام، والصدقة، وقراءة القرآن والذِّكْر، ولا دليل صحيح على ذلك، والأحاديث في فضل رمضان بمكة ضعيفة، والله أعلم.
والناس يجدون من الهمة والعزيمة على الطاعة والقدرة على العبادة في الحَرَم ما لا يجدون في غيره، وهذا من بركة بيت الله الحرام، كما أن أحوال القلوب في الحرم وما حوله، يتضاعف الخير فيها، ويبعُد عنها الشر أكثر من غيرها.
ومن البركة العجيبة في ذلك: اتساع هذه البقعة الصغيرة لملايين البشر في الحج والعمرة؛ خاصة في المواسم، والله سبحانه وتعالى قد جعل هذا من بركة البيت؛ ولذا لا يُمنَع أحدٌ شرعًا مِن حج بيت الله الحرام ومن العمرة والطواف متى قَصَد ذلك وأراده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا ‌تَمْنَعُوا ‌أَحَدًا يَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ وَيُصَلِّي أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ ‌لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، فلا يصح منع الناس مِن الحج والعمرة، والأعداد يتسع لها مكان المشاعر ببركة الله عز وجل التي جعلها في هذه البقعة.
الفائدة الخامسة: الهداية الحاصلة ببيت الله الحرام لمَن قصده أو صلى إليه من آيات الله سبحانه؛ فهي هداية لكلِّ مِن قصده مَن العالمين "هُدَىً للعالمين"، ولعل هذه الهداية التي تحصل للعالم كله إذا قصدوا البيت هي السبب في مشروعية الحج والعمرة للصبيان وغير المميزين؛ لما يَحْدُث لهم من الهداية في مستقبل عمرهم؛ روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‌لَقِيَ ‌رَكْبًا ‌بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: (مَنِ الْقَوْمُ؟) قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ. فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: (رَسُولُ اللهِ)، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ).
بوَّب النووي رحمه الله على هذا الحديث: "باب صحة حج الصبي وأجر مَن حج به"، وقال: "فيه حُجَّة للشافعي ومالك وأحمد، وجماهير العلماء: أن حج الصبي منعقد صحيح يُثَاب عليه، وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام، بل يقع تطوعًا، وهذا الحديث صريح فيه. وقال أبو حنيفة: لا يصح حجه؛ قال أصحابه: إنما فعلوه تمرينًا له ليعتاده فيفعله إذا بَلَغ، وهذا الحديث يرد عليهم.
قال القاضي: لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان، وإنما منعه طائفة من أهل البدع، ولا يُلتفَت إلى قولهم، بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإجماع الأمة، وإنما خلاف أبي حنيفة في أنه هل ينعقد حجه، وتجري عليه أحكام الحج، وتجب فيه الفدية، ودم الجُبْرَان، وسائر أحكام البالغ؛ فأبو حنيفة يمنع ذلك كله، ويقول: إنما يجب ذلك تمرينًا على التعليم، والجمهور يقولون: تجري عليه أحكام الحج في ذلك، ويقولون حجه منعقد، يقع نفلًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له حَجًّا. قال القاضي: وأجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسلام" (انتهى من شرح النووي على مسلم).
الفائدة السادسة: الأمن الذي شَرَعَه الله لمن دخل الحرم ثابتٌ شرعًا بلا استثناء؛ إلا الساعة التي أحله الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وإلا مَن ارتكب جُرْمًا في الحرم، وأما كونًا: فهو في الأغلب الأعم كذلك، وقد يقع خوفٌ كاستثناء لمَن دَخَل الحرم كما حدث أيام حصار الحجاج لمكة أيام ابن الزبير، إلى أن قُتِل ابن الزبير رضي الله عنهما، وكذا أيام القرامطة، وغيرها: كأيام فتنة جُهيمان؛ فهذا لا ينافي أن الحَرَم في الأصل آمن في معظم الأحيان، وكل ما حدث من إخافةٍ لأحدٍ لم يرتكب جرمًا في الحرم؛ فهو مخالف للشرع.
فالواجب تأمين كل مَن دخل مكة؛ خاصة مَن قصد البيت للحج والعمرة والطواف مسلمًا؛ لأن الله حَرَّم مكةَ على المشركين، قال الله عز وجل: (‌إِنَّمَا ‌الْمُشْرِكُونَ ‌نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) (التوبة: 28)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (‌لَا ‌يَحُجُّ ‌بَعْدَ ‌الْعَامِ ‌مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ) (متفق عليه)، وباتفاق العلماء: لفظ الشرك هنا يعم اليهود والنصارى، وغيرهم مِن أهل الملل، وليس فقط عُبَّاد الأوثان.
وأما مَن ارتكب جُرْمًا يستوجب حدًّا أو تعزيرًا، ثم لجأ إلى الحَرَم: فالصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يهيَّج، ولا يؤخذ في الحرم، بل يضيق عليه؛ فلا يُبايَع ولا يشترى منه، ولا يعامَل بأي وجوه المعاملة حتى يخرج مِن الحرم فيؤخذ حين إذًا؛ فيُعاقَب بما يستحق من حدٍّ أو تعزير.
ومِن أهل العلم مَن أجاز أخذه من الحرم، وليس بصحيح؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: "لو وجدتُ قاتلَ عمر في الحرم ما ‌نَدَهْتُهُ -أي: زجرته-" (أخرجه عبد الرزاق في مسنده)، وروى عبد الرزاق -أيضًا- والأزرقي في أخبار مكة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لو وجدتُ فيه -أي: في الحرم- قاتل الخطاب، ما مسستُه حتى يخرج".
أما مَن ارتكب الجُرْمَ في الحَرَم؛ فهو الذي انتهك حُرْمَة الحرم وأمانه؛ فيجب منعه مِن ذلك بعقوبته حدًّا أو تعزيرًا.
الفائدة السابعة: هذه الآية: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) هي التي يَبِين منها مقصود عنواننا من هذه السلسلة من مقالات: "الدين الإبراهيمي"، وهو: أن الحج من أركان دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم قديمًا وحديثًا؛ فقد حج إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وحجت سارة، وحج إسحاق، وحج إسماعيل صلى الله عليهم وسلم، وحج موسى صلى الله عليه وسلم، ويحج عيسى صلى الله عليه وسلم قبل يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما مَرَّ بوادي الأزرق: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ ‌جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ) (رواه مسلم)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ ‌بِفَجِّ ‌الرَّوْحَاءِ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيُثَنِّيَنَّهُمَا) (رواه مسلم)، وهذه الأحاديث في الصحيح، وقد سبق ذكرها وتخريجها.
فكل مَن اتبع إبراهيم صلى الله عليه وسلم على دينه وَجَب عليه الحج؛ لأن إبراهيم نادى بأمر الله له: (‌وَأَذِّنْ ‌فِي ‌النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 27-29).
فنادى إبراهيم: إن لله بيتًا فحجوه، وهذا الأمر للوجوب، والآيات والأحاديث تدل على وجوب الحج على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في شرعهم، ولكنهم ضيَّعوا ذلك، وتركوا هذه الفريضة، وتركوا تعظيم الكعبة واستقبالها؛ رغم النصوص الصحيحة في تعظيمها في التوراة؛ فهي جبال فاران التي استعلن منها الرب، أي: أنزل الكتاب الذي فيه أوضح البيان، وأعلنه وأصرحه عن وحدانية الله، وبيان أدلة هذه الوحدانية بأنواعها: توحيد الربوبية، والإلهية، والأسماء والصفات؛ فأعظم وأعلن كتاب تضمَّن التعريف بأسماء الله وصفاته، وحقوقه، هو: "القرآن العظيم"، بما لم يَرِد في الكتب السابقة، وإن كان يصدقها في أصل ما جاءت به.
وبرية فاران هي التي سَكَنها إسماعيل بنصِّ التوراة، وقد نصَّت التوراة أيضًا على أن الله استجاب لإبراهيم في إسماعيل، وأن الله يجعل منه أمة عظيمة يلي أمرهم اثنا عشر رئيسًا، وليس للعرب شأنٌ، ولا أن أمتهم سارت أمة عظيمة؛ إلا ببعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ومع هذا اليهود والنصارى أبوا ويأبون حج بيت الله الحرام، فقد سار الحج ركنٌ من أركان الدِّين الإبراهيمي الحق؛ دين الإسلام، دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأصبح تعظيمه وقصده في الصلاة علامة على الانتساب إلى هذا الدِّين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (‌مَنْ ‌صَلَّى ‌صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ ‌الْمُسْلِمُ) (رواه البخاري).
ومفهومه الواضح: أن مَن صلَّى غير صلواتنا الخمس بهيئتها المعروفة مِن: القيام والركوع والسجود، وأعداد الركعات؛ فليس بمسلمٍ إذا كان يصلي صلاة غيرها، ويأبى أن يصلي؛ لا بمجرد الترك الذي فيه الخلاف المعروف، ومَن استقبل قبلة غير الكعبة المشرفة؛ فليس بمسلم، قال الله تعالى: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ).
فلا يصح أن ينسب أحدٌ إلى دين إبراهيم، وهو يأبى الحج، وهذا هو مقصود ما نُقِل عن الصحابة رضي الله عنهم في تكفير مَن لم يحج، وهو مَن يأبى الحج ويرفضه، ويرفض الانقياد لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقصد البيت الحرام، وهو أمر إبراهيم صلى الله عليه وسلم كما أنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسارت مسألة من مسائل الفرقان بين الحق والباطل.
وليس مجرد ترك الحج مع الإقرار بوجوبه، والعزم على فعله في المستقبل ولو كان قادرًا عليه الآن مِن هذا الباب؛ أما مَن يأبى ويقول: "إن الحج وثنية!"، كما يقوله زنادقة في زماننا! أو فيه مِن الوثنية: كتقبيل الحجر الأسود، أو أنه لا يقتنع بالطواف حول أحجار، ولا برجم أحجار، وكذا مَن يرى أو ترى: أن الأضحية غير مقبولة؛ لأنه ليس مِن المقبول أن تُزهق أرواح ملايين الحيوانات البريئة -كما تزعم- مِن أجل منام رآه بعض الصالحين؛ فهذا كله مِن الكفر والعياذ بالله، والردة الصريحة عن دين الإسلام؛ دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ودين إبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم وسلم أجمعين، وعلى كل الأنبياء.
فهذه الآية الكريمة تبيِّن بطلان الدعوة الجديدة المستحدثة التي خطط لها اليهودُ بعونٍ مِن نصارى الغرب بدينٍ موحَّدٍ بين المسلمين واليهود والنصارى؛ هدفه هدم الإسلام دون غيره من الأديان؛ لأنه الذي يقف في وجه مخططات اليهود.
هذا الدين المزعوم الذي لا توجد فيه أماكن مقدسة خاصة، بل المشترك منها فقط؛ يعنون المسجد الأقصى، ولا توجد فيه أماكن عبادة مستقلة، بل مجامع أديان للعبادة المشتركة، واعتماد الرقص كما يقوله "إلياس عميدون" زعيم الطريقة الصوفية العالمية، أحد مؤسسي ما يسمَّى بمسار إبراهيم الذي آخر خطوة فيه: الدين الإبراهيمي الجديد، بعد الولايات المتحدة الإبراهيمية في جمع دول منطقة الشرق الأوسط في كيانٍ واحدٍ بزعامة اليهود، حيث يقول في طريقته الصوفية العالمية، واعتماد الرقص كآلية لإزالة الخلافات بين الشعوب!
وهذا الرقص الذي يفعله اليهود الآن في المسجد الأقصى، وغيره من المساجد الإسلامية التي بُنِيت على التوحيد: كالمسجد الإبراهيمي؛ يفعلون ذلك في أعيادهم تدنيسًا منهم للمسجد الأقصى بخرافاتهم وسفاهة عقولهم، وهي خطوة أولى فقط، وسوف يمنعون بعدها المسلمين منه بالكلية إذا تمكَّنوا من ذلك، ونسأل الله أن لا يمكِّنهم أبدًا من ذلك.
كما فعل النصارى ذلك حين احتلوا القدس قبل أن يحررها صلاح الدين رحمه الله؛ فعندما أخذوا القدس في الحروب الصليبية رفعوا صليبًا عظيمة على قبة الصخرة، وجعلوا المسجد زريبة للخنازير، وإسطبلًا للخيول، ودنَّسوه بالنجاسات حتى طهَّره الله منهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وحرية العبادة ... شعار يرفعونه فقط؛ لخداع المسلمين، وها هي جرائمهم في المسجد طوال شهر رمضان وبعده، ومنع المسلمين من الصلاة فيه إلا بضوابط ابتدعوها، وكذا بعض المساجد الأخرى يمنعون المسلمين من الصلاة فيها أيامًا؛ ليؤدوا طقوس الرقص التي يسمُّونها: صلاة وعبادة! والله لا نقبلها ولا نرتضيها، ولا نرتضي هذا الدين الإبراهيمي الباطل المزعوم.
وأما زعيم أمريكا "بايدن" فيقول في تهنئته -غير المقبولة- للمسلمين بعيد الفطر: "إن أعياد الأديان الثلاثة اجتمعتْ هذا العام (يعني عيد الفصح عند اليهود - وعيد القيامة عند النصارى - وعيد الفطر عند المسلمين)، وهذه بالتأكيد رسالة -يعني بوضوح الدِّين الإبراهيمي الجديد، الباطل النسبة لإبراهيم عليه السلام-!".
ألم تكن هذه الأعياد عَبْر ثلاثة وثلاثين سنة مفترقة، وستظل كذلك حتى تأتي الدورة الجديدة التي تقترب فيها الشهور القمرية من الشهور الشمسية كل ثلاث وثلاثين سنة وثُلُث؛ لأن السنين القمرية أكثر من السنين الشمسية بتسع سنين، كل ثلاثمائة سنة؛ كل مائة ثلاث سنين، وكل ثلاث وثلاثين سنة وثلث بسنة، وبهذا تجتمع هذه الأعياد توافقًا؛ لا رسالة مِن الله، وإلا فالرسالة مِن الله حَمَلَها النبيُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم مجدِّدًا رسالة إبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليه وسلم ودينهم، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، وقال عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَ?هَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فإن قبلتم يا أهل الكتاب الكلمة السواء: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
إن قبلتم هذه الكلمة السواء وإلا فلكم دينكم ولنا ديننا، ونرفض دينكم الجديد المزعوم؛ فالله بريء منه، وأنتم من الله أبرياء: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 19-04-2024, 12:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,173
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (67)

عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وحسدهم لهم رغم أنهم من ذرية إبراهيم عليه السلام



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا . أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا . فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ? وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) (النساء:51-55).
إن عداوةَ اليهود للمسلمين عداوةٌ متأصِّلة متجذِّرَة كما وصفهم الله تعالى بقوله: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة:82)، وقد بدأت هذه العداوة بمجرد البَعْثَة النبوية الشريفة التي كرَّم اللهُ بها العربَ مِن نسل إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما وسلم، وقد كان الواجب عليهم في الشرع والعقل مراعاة النَّسَب الذي بين العرب وبينهم؛ إذ الجميع مِن ذرية إبراهيم صلى الله عليه وسلم؛ فهم أبناء إسحاق بن إبراهيم، والعرب أبناء إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما وسلم.
ومع ذلك فقلوبهم المليئة بالكبر والعدوان، والعُجْب بالنفس، وادِّعاء الاختصاص بالاجتباء، والحسد القاتل للعرب؛ رغم ما يعلمون مِن كتابهم مِن وجود أمة عظيمة من نسل إسماعيل وَعَدَ اللهُ عز وجل بها إبراهيم كما في التوراة في سفر التكوين رقم: (20) مِن قول الله عز وجل لإبراهيم: (أما إسماعيل فقد سمعتُ لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره، وأكثِّره كثيرًا جدًّا، اثني عشر رئيسًا يلد، وأجعله أمة كبيرة).
ولا وجود لهذه الأمة الكبيرة من نسل إسماعيل صلى الله عليه وسلم؛ إلا ببعثة النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وإيتائه النبوة والمُلْك لأمته مِن بعده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (‌إِنَّ ‌اللهَ ‌زَوَى ‌لِي ‌الْأَرْضَ، ‌فَرَأَيْتُ ‌مَشَارِقَهَا ‌وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا) (رواه مسلم).
ومِن هنا حدث لليهود الحسد والكبر على المسلمين، وزعموا أن المسلمين أولاد الجارية، وأن اليهود أبناء الزوجة، والعبرة بالأب في هذا المقام؛ فإن الأبَ واحدٌ، وهم كانوا يظنون -بعد ما حدث لهم من بلاءات؛ بسبب كفرهم وشركهم وقتلهم الأنبياء- أن هذا النبي المنتظر سيكون منهم، ولم يعلموا أن الاجتباء قد تحوَّل إلى أبناء عمومتهم العرب، والاصطفاء قد تمَّ به وَعْدُ الله لإبراهيم في إسماعيل ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ومُلك العرب والمسلمين بحمد الله تعالى الذين كانوا خير أمة أخرجت للناس كما وصفهم الله تعالى، فقال: (‌كُنْتُمْ ‌خَيْرَ ‌أُمَّةٍ ‌أُخْرِجَتْ ‌لِلنَّاسِ ‌تَأْمُرُونَ ‌بِالْمَعْرُوفِ ‌وَتَنْهَوْنَ ‌عَنِ ‌الْمُنْكَرِ ‌وَتُؤْمِنُونَ ‌بِاللَّهِ) (آل عمران: 110).
وجعل ملكهم في المشارق والمغارب، وكلَّفهم بأن يُعلوا كلمة الله عز وجل في الأرض كلها، وأن يجاهدوا بالقرآن وبالسنان، بالدعوة والقتال في سبيل الله؛ فعند ذلك كَفَرَ اليهودُ وآمنوا بالجبت والطاغوت، ووالوا الكفار المشركين عباد الأوثان ضد المؤمنين أتباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم حتى وصفوهم بأنهم أهدى مِن الذين آمنوا سبيلًا! وكل عاقل -فضلاً عن مؤمنٍ بالله وبرسله- يعلم أن دينَ النبي صلى الله عليه وسلم هو أرفع من دين المشركين، بل من كلِّ دين يخالفه على الإطلاق، وأن ما بعثه الله به، وما أنزل عليه في كتابه -الذي لا يوجد مثله من الكتب المنزلة؛ فضلًا عن غيرها- ما فيه مِن العقائد أعلى مِن كلِّ عقيدة أخرى، وأن ما فيه من العبادات والأخلاق، والشرائع، والتحليل والتحريم، ونظام الدولة والمجتمع، أعلى مِن كلِّ ما سبقه مِن الرسالات والكتب السماوية؛ فضلًا عمَّا وضعه الناس بآرائهم.
ومع ذلك فعداوة اليهود لنا أشد العداوة، وكفرهم أعظم الكفر؛ رغم أن المنطلقات التي عندهم كانت تُوجِب عليهم الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم كما آمن ورقةُ بن نوفل، وكما آمن عبد الله بن سلام، ولكن قَتَل الحسدُ قلوبَ كبراء اليهود مِن زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا!
فهذه الآيات البيِّنات من صورة النساء تبيِّن كفرَ اليهود وشركهم، وعداوتهم وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه، مع أنهم مِن آل إبراهيم الذين آتاهم اللهُ المُلْكَ العظيم في نسل إسحاق ويعقوب، ثم في نسل إسماعيل صلى الله عليه وسلم أبي الأمة العظيمة.
ثم جاء الدور على الأمة العظيمة ورؤسائها مِن خُلَفَاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: (لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ ‌اثْنَا ‌عَشَرَ ‌خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ) (رواه مسلم)؛ على خلاف بين العلماء في هذا الحديث؛ إلا أنه يتوافق مع ما ورد في التوراة، والظاهر أنهم خلفاء هذه الأمة الراشدون -كما سبق أن شرحناه في مواضع أخرى-.
فقوله سبحانه وتعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا).
قال ابن كثير رحمه الله: "أما الجبت: فقال محمد بن إسحاق عن حَسَّان بن فائدٍ، عن عمر بن الخطاب أنه قال: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان. وهكذا روي عن ابن عباس، وأبي العالية، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والشعبي، والحسن، والضحاك، والسدي.
وعن ابن عباس، وأبي العالية، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، وأبي مالك، وسعيد بن جبير، والشعبي، والحسن، وعطية: الجبت: الشيطان. وزاد ابن عباس: بالحبشية. وعن ابن عباس أيضًا: الجبت: الشرك. وعنه: الجبت: الأصنام.
وعن الشعبي: الجبت: الكاهن. وعن ابن عباس: الجبت: حيي بن أخطب. وعن مجاهد: الجبت: كعب بن الأشرف.
وقال العلامة أبو نصر بن إسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه: "الصحاح": الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر، ونحو ذلك، وفي الحديث: "الطيرة والعيافة، والطَّرْق من الجبت" (قلتُ: الطيرة: التشاؤم، وكذا التفاؤل بالطيور. والعيافة: زجر الطير؛ لتتجه يمينًا أو شمالًا، فيأخذ منها مسارًا يسير فيه بناءً على الاتجاه الذي ذهبتْ فيه؛ فإن خرجت يمينًا سافر، وإن خرجتْ يسارًا لم يسافر. والطَّرْق: الخطوط التي يفعلها الكهان، ثم يقرأون منها الغيب بزعمهم كقراءة الفنجان!).
قال: وليس هذا من محض العربية؛ لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة من غير حرف ذولقي.
وهذا الحديث الذي ذكره رواه الإمام أحمد في مسنده عن قَطَن بن قبيصة، عن أبيه -وهو قبيصة بن مخارق- أنه سَمِع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت"، وقال عوف: العيافة: زجر الطير. والطرق: الخط يُخَطُّ في الأرض. والجبت: قال الحسن: رنة الشيطان. وهكذا رواه أبو داود في سننه، والنسائي، وابن أبي حاتم (وهو حديث حسن).
وقد تقدَّم الكلام على "الطاغوت" في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا.
(قلتُ: والصحيح أنه كلُّ مَن عُبِد مِن دون الله وهو راضٍ، وكذا كل مَن اتبع على غير شرع الله عز وجل، وعلى غير بصيرة من الله؛ ولذا فهو يشمل: الشيطان، والكاهن، والساحر، والحاكم بغير ما أنزل الله، والحاكم المبدِّل لشرع الله).
وروى ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله أنه سُئِل عن "الطواغيت"، فقال: هم كهان تنزل عليهم الشياطين.
وقال مجاهد: الطاغوت: الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه، وهو صاحب أمرهم.
وقال الإمام مالك: هو كل ما يعبد من دون الله عز وجل" (انتهى من تفسير ابن كثير بتصرفٍ يسيرٍ).
وللحديث بقية إن شاء الله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 19-04-2024, 12:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,173
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (68) عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وحسدهم لهم رغم أنهم من ذرية إبراهيم عليه السلام (2)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا . أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا . فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) (النساء: 51-55).
قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: "(وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) أي: يفضِّلون الكفار على المسلمين بجهلهم، وقلة دينهم، وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم. وقد روى ابن أبي حاتم عن عكرمة، قال: جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة، فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم، فأخبرونا عنا وعن محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما أنتم وما محمد. فقالوا: نحن نصل الأرحام، ونَنْحَرُ ‌الْكَوْمَاءَ، ونسقي الماء على اللبن، ونَفُكُّ الْعُنَاةَ، ونسقي الحجيج، ومحمد صُنْبُور؛ قطع أرحامنا، واتبعه سُرَّاق الحجيج بنو غِفَار؛ فنحن خير أم هو؟ فقالوا: أنتم خير وأهدى سبيلًا؛ فأنزل الله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا).
وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس وجماعة من السَّلَف.
وقال الإمام أحمد: عن ابن عباس قال: لما قَدِم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش: ألا ترى هذا الصنبور المنبتِر من قومه؟! يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، وأهل السقاية! قال: أنتم خير! قال فنزلت: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) (الكوثر:3) -(قال الشيخ محمود شاكر رحمه الله: الصنبور: سفعات تنبت في جذع النخلة، غير مستأرضة في الأرض. ثم قالوا للرجل الفرد الضعيف الذليل الذي لا أهل له، ولا عَقِب، ولا ناصر: "صنبور"؛ فأراد هؤلاء الكفار من قريش أن محمدًا صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، صنبور نَبَت في جذع نخلة، فإذا قُلِع انقطع؛ فكذلك هو إذا مات، فلا عقب له! وكَذَبوا، ونصر الله رسوله وقطع دابر الكافرين)-.
ونزل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا).
وروى ابن إسحاق عن ابن عباس قال: كان الذين حزَّبوا الأحزاب من قريش، وغطفان، وبني قريظة: حيي بن أخطب، وسَلَّامُ بن أبي الحُقَيْق أبو رافع، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، وأبو عمار، ووحوح بن عامر، وهودة بن قيس؛ فأما وحوح وأبو عامر وهودة فمِن بني وائل، وكان سائرهم من بني النضير، فلما قَدِموا على قريش، قالوا: هؤلاء أحبار يهود، وأهل العِلْم بالكتب الأول؛ فاسألوهم: أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم، فقالوا: دينكم خير من دينه، وأنتم أهدى منه وممَّن اتبعه! فأنزل الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) إلى قوله عز وجل: (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا).
فهذا لعن لهم، وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا، ولا في الآخرة؛ لأنهم إنما ذهبوا يستنصِرون بالمشركين؛ وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم، وقد أجابوهم، وجاءوا معهم يوم الأحزاب، حتى حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق؛ فكفى الله شرهم: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) (الأحزاب:25).
وقوله -تعالى-: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا): يقول تعالى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ)؟! وهذا استفهام إنكاري، أي: ليس لهم نصيب من الملك، ثم وصفهم بالبخل، فقال: (فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) أي: لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك والتصرف لما أعطوا أحدًا من الناس، ولا سيما محمدًا صلى الله عليه وسلم شيئًا، ولا ما يملأ "النقير"، وهو النقطة التي في النواة، في قول ابن عباس والأكثرين.
وهذه الآية كقوله -تعالى-: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ) (الإسراء:100)، أي: خوف أن يذهب ما بأيديكم، مع أنه لا يتصور نفاده، وإنما هو مِن بخلكم وشحكم؛ ولهذا قال: (وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا) (الإسراء:100) أي: بخيلًا.
ثم قال: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) يعني بذلك: حَسَدَهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، ومنعهم مِن تصديقهم إياه حسدهم له؛ لكونه من العرب، وليس من بني إسرائيل.
روى الطبراني بسنده عن ابن عباس في قوله -تعالى-: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) الآية، قال: نحن الناس دون الناس (قلتُ: أي: نحن المقصودون بكلمة الناس في قوله عز وجل: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) دون باق الناس).
قال الله -تعالى-: (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) أي: فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل -الذين هم من ذرية إبراهيم- النبوةَ، وأنزلنا عليهم الكتب، وحكموا فيهم بالسنن وهي: الحكمة، وجعلنا فيهم الملوك، ومع هذا (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ) أي: بهذا الإيتاء، وهذا الإنعام، (وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ) أي: كفر به وأعرض عنه، وسَعَى في صدِّ الناس عنه، وهو منهم ومن جنسهم، أي: من بني إسرائيل، فقد اختلفوا عليهم؛ فكيف بك يا محمد، ولستَ من بني إسرائيل؟!
وقال مجاهد: (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ) أي: بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، (وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ) فالكفرة منهم أشد تكذيبًا لك، وأبعد عما جئتهم به من الهدى، والحق المبين.
ولهذا قال متوعِّدًا لهم: (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) أي: وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم، ومخالفتهم كتب الله ورسله" (انتهى من تفسير ابن كثير).
قال ابن جرير رحمه الله: "الجبت والطاغوت: اسمان لكلِّ معظَّم بعبادةٍ من دون الله، أو طاعة، أو خضوع له؛ كائنًا ما كان ذلك المعظَّم، مِن حجر أو إنسان أو شيطان، وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها، كانت معظَّمة بالعبادة من دون الله؛ فقد كانت جُبوتًا وطواغيت، وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولًا منهما ما قالا في أهل الشرك بالله.
وكذلك حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، لأنهما كانا مطاعين في أهل ملتهما من اليهود، في معصية الله والكفر به وبرسوله، فكانا جبتين وطاغوتين.
وفي قوله -تعالى-: (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا): يعني بذلك جل ثناؤه: ويقولون للذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (هَؤُلاءِ) يعني بذلك: هؤلاء الذين وصفهم الله بالكفر، (أَهْدَى) يعني: أقوم وأعدل (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا)، يعني: من الذين صَدَّقوا الله ورسوله وأقرُّوا بما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، (سَبِيلًا) يعني: طريقًا.
وإنما ذلك مَثَلٌ، ومعنى الكلام: أن اللهَ وَصَف الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، وأنهم قالوا: إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به، وأن دين أهل التكذيب لله ولرسوله، أعدل وأصوبُ من دين أهل التصديق لله ولرسوله، وذلك من صفة كعب بن الأشرف، وأنه قائل ذلك.
وأولى الأقوال بالصحة في ذلك: قولُ مَن قال: إن ذلك خبرٌ مِن الله -جل ثناؤه- عن جماعة من أهل الكتاب من اليهود، وجائز أن يكون: كانت الجماعةَ الذين سمَّاهم ابن عباس في الخبر الذي رواه محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد (يعني ابن جبير)، أو يكون حُيَيًّا، وآخَرَ معه؛ إما كعبًا، وإما غيرَه" (انتهى من تفسير الطبري بتصرفٍ واختصارٍ).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 19-04-2024, 12:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,173
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (69) عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وحسدهم لهم رغم أنهم من ذرية إبراهيم عليه السلام (3)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا . أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا . فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) (النساء: 51-55).
في الآيات فوائد:
الفائدة الأولى: ذَمَّ اللهُ اليهودَ بإيمانهم بالجِبْتِ، ومنه: الكهانة، والسحر، وعبادة الأوثان، وكلها مِن أمر الشيطان ورنته وصوته. والطاغوت، وهو: كل ما يُعبَد من دون الله، وهو راضٍ، وهذا الإيمان بالباطل إنما هو بموافقة أهله، وتصويب ملتهم وإن لم يعتقدوا بقلوبهم صحة عبادتها، ولكنهم يقولون ذلك مجاملة للمشركين؛ كراهية للحق الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحسدًا للمؤمنين، مع أن المؤمنين أقرب إليهم نَسَبًا، وأقرب إليهم عقيدة، وكتابهم أقرب إلى كتابهم، ومع ذلك فالحسد قد أَكَل قلوبَهم!
وهذا الذم للكفار مِن أهل الكتاب هو للمسلمين أيضًا؛ لو فعلوا فعلهم، واتَّبعوا أهل الكتاب على صنيعِهم؛ فادعاء الإيمان بالكتاب مع مخالفة ما يأمر به لا ينفع صاحبه؛ فالذين يدَّعون الإيمان بالقرآن والرسول عليه الصلاة والسلام من المسلمين، ثم يتعاملون بالسحر الذي يتضمَّن كفرًا، ويأتون الكهان والعرافين والمنجمين مدعي علم الغيب، ومنهم: قارئي الأبراج الذين يدَّعون معرفة ما في الغدِ مِن خلال تاريخ الميلاد، والبرج الذي وُلِد فيه الإنسان، وادِّعاء صفات ملازمة لكلِّ برج ومواليده، وبالتالي يتوقَّعون أنماطًا للشخصية بناءً على ذلك!
وللأسف: هذا من أكثر مواقع المطالعة على شبكة الإنترنت، وكل هذا ينافي الإيمان بالقرآن وبالرسول عليه الصلاة والسلام.
ومِن الإيمان بالطاغوت في زماننا: مَن يصححون عبادة غير الله، ويرون مَن يعبد البقرَ مثلًا على حضارة ورُقِيٍّ! وكذا مَن يَعْبُد "بوذا" عندهم، بل ويعلنون ذلك! ويعلنون كراهيتهم أن يزدري المسلمون هذه العقائد الفاسدة الكفرية، والتي كفرها معلومٌ مِن الدِّين بالضرورة؛ أما اليهود والنصارى عندهم؛ فهم مؤمنون! يدخلون الجنة التي زعموا كفرًا وزورًا أنها ليست حِكْرًا على المسلمين، وغير ذلك من الضلالات: كوصف قتلاهم بالشهداء، والترحُّم عليهم، والصلاة عليهم، والاستغفار لهم، وإهداء ثواب الأعمال لهم: كقراءة الفاتحة لهم.
وكذلك تهنئة الأحياء منهم بأعيادهم الشركية؛ بزعم أن هذا مِن البرِّ والقِسْط، وهذا من الكذب على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلو كان منه -من البرِّ- لبادر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته امتثالًا لأمر الله؛ لأنهم أحرص الناس على البرِّ والقسط الذي أمر اللهُ به؛ كيف وقد ثَبَت عنهم النهي عن ذلك والتحذير منه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (‌وَمَنْ ‌تَشَبَّهَ ‌بِقَوْمٍ ‌فَهُوَ ‌مِنْهُمْ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وقال الله عز وجل: (‌ثُمَّ ‌جَعَلْنَاكَ ‌عَلَى ‌شَرِيعَةٍ ‌مِنَ ‌الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الجاثية: 18)، وقد دخل في أهوائهم: كل ما يهوونه، ومِن ذلك: ما يهوونه مِن تعظيم المسلمين لعيدهم وتهنئتهم لهم، روى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر -رضي الله عنه- قال: "لَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، ‌فَإِنَّ ‌السَّخْطَةَ ‌تَنْزِلُ ‌عَلَيْهِمْ"، وروى البيهقي أيضًا بإسنادٍ جيدٍ عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "مَنْ مَرَّ بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ ‌فَصَنَعَ ‌نَيْرُوزَهُمْ ‌وَمَهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ، حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صَرَّح به الفقهاء مِن أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم" (أحكام أهل الذمة).
وروى ابن جرير وغيره عن: أبي العالية، وطاوس، وابن سيرين، والضحاك، وغيرهم، في قوله تعالى: (‌وَالَّذِينَ ‌لَا ‌يَشْهَدُونَ ‌الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان: 72)؛ قالوا: "هي أعياد المشركين".
قال أبو حفص الكبير الحنفي -رحمه الله-: "لو أن رجلًا عَبَد الله تعالى خمسين سنة، ثم جاء يوم النيروز وأهدى إلى بعض المشركين بَيْضَة يريد تعظيم ذلك اليوم؛ فقد كَفَر وحَبِط عملُه".
وقال صاحب الجامع الأصغر -أيضًا من الحنفية-: "إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلمٍ آخر، ولم يُرِد به تعظيم اليوم، ولكن على ما اعتاده بعض الناس؛ لا يكفر، ولكن ينبغي أن لا يفعل ذلك في هذا اليوم خاصة، ولكن يفعله قبله أو بعده؛ لكيلا يكون تشبيهًا بهؤلاء القوم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ).
وقال في الجامع الأصغر: "رجل اشترى يوم النيروز شيئًا يشتريه الكفرة منه، وهو لم يكن يشتريه قبل ذلك؛ إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما تعظِّمه المشركون كفر، وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر" (انتهى من البحر الرائق شرح كنز الدقائق للعلامة ابن نُجيم الحنفي 8/ 555).
وأما المالكية: فقد صَرَّح أشهب -كما في العتبية- قال: "قيل لمالك: أترى بأسًا أن يهدي الرجل لجاره النصراني مكافأة له على هدية أهداها إليه؟ قال: ما يعجبني ذلك، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ‌تُلْقُونَ ‌إِلَيْهِمْ ‌بِالْمَوَدَّةِ) الآية (الممتحنة: 1). قال ابن رشد -رحمه الله-: قوله: مكافأة له على هدية أهداها إليه؛ إذ لا ينبغي له أن يقبل منه هدية؛ لأن المقصودَ من الهداية التودد؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء"؛ فإن أخطأ وقَبِل منه هديته وفاتت عنده، فالأحسن أن يكافئه عليها حتى لا يكون له عليه فضل في معروفٍ صَنَعَه معه.
وسُئِل مالك -رحمه الله- عن مؤاكلة النصراني في إناءٍ واحدٍ، قال: "تركه أحب إليَّ، ولا يُصَادِق نصرانيًّا.
قال ابن رشد رحمه الله: الوجه في وَجْهِ مُصَادِقة النصراني بيِّن؛ لأن اللهَ -عز وجل- يقول: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ ‌مَنْ ‌حَادَّ ‌اللَّهَ ‌وَرَسُولَهُ) (المجادلة:22).
ومِن مختصر الواضحة: "سُئِل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم؛ فكَرِه ذلك مخافة نزول السَّخَط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له. قال: وكَرِه ابنُ القاسم للمسلم أن يهدي للنصراني في عيده مكافأة له، ورآه مِن تعظيم عيده وعونًا له على مصلحة كفره؛ ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم؛ لا لحمًا، ولا إدامًا، ولا ثوبًا، ولا يُعَارون دابة، ولا يعانون على شيءٍ مِن دينهم؛ لأن ذلك مِن التعظيم لشركهم، وعونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك، ولا أعلم أحدًا اختلف في ذلك (انتهى كلام ابن القاسم).
ويُمنَع التشبُّه بهم؛ لما ورد في الحديث: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)، ومعنى ذلك: تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كلِّ ما اختصوا به، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يكره موافقة أهل الكتاب في كلِّ أحوالهم حتى قالت اليهود: "إن محمدًا يريد أن لا يَدَع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه".
وقد جَمَع هؤلاء بين التشبُّه بهم فيما ذُكِر والإعانة لهم على كفرهم، ويزدادون به طغيانًا؛ إذ إنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم أو هما معًا؛ كان ذلك سببًا لغبطتهم بدينهم" (انتهى من المدخل لابن الحاج المالكي باختصارٍ 2 /46- 48).
(قلتُ: ما ذكره ابن القاسم عن الإمام مالك في كراهية الإهداء؛ إنما هو فيما إذا أراد بذلك التودد، ويدل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي ‌نُهِيتُ ‌عَنْ ‌زَبْدِ ‌الْمُشْرِكِينَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، حين رَدَّ هدية مشرك، وأما ما ثَبَت أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَبِل هدايا مِن بعض المشركين وأهدى إليهم؛ كما قَبِل من ‌أُكَيْدِرِ ‌دُومَة، وقَبِل مِن المقوقس، ومِن غيرهما؛ فهذا فيما لم يُرَد به التودد).
وقال الإمام الدميري من الشافعية -رحم الله- في فصل التعزير: "تتمة: يُعزَّر مَن وافق الكفار في أعيادهم، ومَن يمسك الحية، ومَن يدخل النار، ومَن قال لذمي: يا حاج، ومَن هنَّأه بعيده، ومن سَمَّى زائر قبور الصالحين حاجًّا، والساعي بالنميمة؛ لكثرة إفسادها بين الناس" (انتهى من النجم الوهاج في شرح المنهاج للعلامة الدميري الشافعي).
وكذا قال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (4/ 191).
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في باب الردة: "ثم رأيتُ بعض أئمتنا المتأخرين ذَكَر ما يوافِق ما ذكرتُه، فقال: ومِن أقبح البدع: موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم؛ بالتشبه بأكلهم، والهدية لهم، وقبول هديتهم فيه، وأكثر الناس اعتناءً بذلك: المصريون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)، بل قال ابن الحاج: لا يحل لمسلمٍ أن يبيع نصرانيًّا شيئًا مِن مصلحة عيده؛ لا لحمًا، ولا أدمًا، ولا ثوبًا، ولا يُعَارون شيئًا ولو دابة؛ إذ هو معاونة لهم على كفرهم، وعلى وُلَاة الأمر منعُ المسلمين من ذلك.
ومنها: اهتمامهم في النيروز بأكل الهريسة، واستعمال البخور في خميس العيدين سبع مرات؛ زاعمين أنه يدفع الكسل والمرض، وصبغ البيض أصفر وأحمر، وبيعه، والأدوية في السبت الذي يسمونه: "سبت النور!"، وهو في الحقيقة سبت الظلام، ويشترون فيه الشبت، ويقولون: إنه للبركة، ويجمعون ورق الشجر ويلقونها في ليلة السبت بماءٍ يغتسلون فيه لزوال السحر، ويكتحلون فيه لزيادة نور أعينهم، ويدهنون فيه بالكبريت والزيت، ويجلسون عرايا في الشمس؛ لدفع الجَرَب والحَكَّة، ويطبخون طعام اللبن، ويأكلونه في الحمام، إلى غير ذلك من البدع التي اخترعوها. ويجب منعهم من التظاهر بأعيادهم" (انتهى من الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي 4/ 238 -239).
وأما الحنابلة: فقد قال العلامة البهوتي في "كشف القناع عن متن الإقناع": "وقال الشيخ: يحرم شهود عيد اليهود والنصارى، وغيرهم من الكفار وبيعه لهم فيه، وفي المنتهى: لا نبيع لهم فيه. ومهاداتهم لعيدهم؛ لما في ذلك مِن تعظيمهم، فيشبه بداءتهم بالسلام، ويحرم بيعهم وإجارتهم ما يعملونه كنيسة أو تمثالًا -أي: صنمًا- ونحوه، كالذي يعملونه صليبًا؛ لأنه إعانة لهم على كفرهم، وقال تعالى: (‌وَلَا ‌تَعَاوَنُوا ‌عَلَى ‌الْإِثْمِ ‌وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2)، ويحرم كلُّ ما فيه تخصيص لعيدهم وتمييز لهم، وهو مِن التشبه بهم، والتشبه بهم منهي عنه إجماعًا؛ للخبر. وتجب عقوبة فاعله" (انتهى من كشف القناع على متن الإقناع للبهوتي 3 /131).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 21-04-2024, 02:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,173
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (70) عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وحسدهم لهم رغم أنهم من ذرية إبراهيم عليه السلام (4)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا . أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا . فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) (النساء: 51-55).
الفائدة الثانية:
ما يقع في زماننا مِن تصويبِ بعض مَن ينتسب إلى الإسلام لجميع الملل؛ خاصة اليهودية والنصرانية، وتشبههم باليهود الذين كان إيمانهم بالجبت والطاغوت ليس عن اعتقادٍ منهم لصحة عبادة الأوثان، بل كان مجاملة للمشركين، في سبيل تحريضهم على الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ فَذَمَّهم اللهُ أعظم الذمِّ، وجعلهم مؤمنين بالجبت والطاغوت كفارًا بالله مِن أجل ذلك!
فليحذر أهل الإسلام من ذلك؛ فإن كلَّ مَن رضيَ بعبادة غير الله ولو مِن غيره؛ فقد نقض شهادة: "أن لا إله الله"، ومَن صَحَّح مِلَّةَ منَ يكذِّب الرسول صلى الله عليه وسلم ويكذِّب القرآن "كلام الله"؛ فقد نقض شهادة: "أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقد صار مِن الفتنة في زماننا أن يُمتحَن البعضُ في هذه المسألة؛ فإن قال بالحق الذي هو مذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم، بل لا يُعلم فيه خلاف أصلًا عن أحدٍ مِن المسلمين؛ مُنِع من الإمامة والفُتيا والخطابة، وتولي أي وظيفةٍ دينيةٍ! لأنه عندهم تكفيري؛ لأنه يكفِّر اليهود والنصارى!
وهذا والله مِن الخطر العظيم، وتحريف الدِّين، ونشر الفساد في الأرض. فإلى الله المشتكى.
الفائدة الثالثة:
قولُ اليهود عن المشركين عُبَّاد الأوثان: (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا)، هو أيضًا مِن المداهنة في الدِّين؛ فإن النهي عن اتخاذ الصور والأصنام في التوراة ثابت إلى زماننا هذا؛ ففي التوراة في (سِفْر الخروج الإصحاح 20): "لا يكن لكَ آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا، ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن ولا تعبدهن" (انتهى).
ومع ذلك فقد قال اليهود للمشركين: (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) مداهنة لهم؛ لكي يحققوا لهم ما يريدون مِن تجييش الجيوش، وتحزيب الأحزاب؛ لحرب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وهم يقولون اليوم فيما يسمونه: بـ"الدِّين الإبراهيمي الجديد" الذي يروِّجون له، يقولون فيه بمساواة الملل! والبحث عما يسمونه: "القِيَم المشتركة بين الأديان"؛ حتى مع الهندوس -عُبَّاد البقر-، والبوذيين -عُبَّاد بوذا-؛ فضلًا عن النصارى الذين يكفِّرونهم، وكذا المسلمين.
ولا يجوز لمسلم أن يدعو إلى ما يُسَمَّى بالقِيَم المشتركة بين الأديان، مع إظهار المحبة للكفار الملحدين المائلين عن الحق؛ فإن هذه القِيَم المشتركة إن لم يكن معها عقيدة صحيحة، لا ينفع صاحبها شيءٌ مِن ذلك.
ومِن هذا الباب: ما يقع في زماننا مِن مداهنة الكثيرين لأهل الملل الأخرى، وتصحيح هذه الملل، والقول بأنهم أهدى سبيلًا ممَّن يسمونهم المتطرفين مِن الجماعات الإسلامية، وهم عندهم الذين لا يوافقونهم على أهوائهم في تحريف الدِّين، ومخالفة النصوص الصريحة، بل استنكر بعضُهم عدم تكفير الأزهر لـ"داعش، وجبهة النصرة، والقاعدة"، مع أنهم خوارج، ولكن لا يكفيهم التبديع، ولا يرضون إلا بالتكفير؛ مع أنهم لا يكفِّرون أهل الملل الأخرى!
وهذه المداهنة مما حذَّرنا الله عز وجل منها في كتابه، فقال: (‌وَدُّوا ‌لَوْ ‌تُدْهِنُ ‌فَيُدْهِنُونَ) (القلم:9)، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (‌وَإِنْ ‌كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا . وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا . إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) (الإسراء: 73-75).
وأمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقول لمَن عَرَض عليه مِن الكافرين: نعبد إلهك سنة، وتعبد إلهنا سنة؛ فأنزل الله عليه: (قُلْ يَا أَيُّهَا ‌الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون: 1-6).
فلا يمكن أن يكون عابدًا لله مَن يشرك بالله عز وجل؛ حتى لو أقرَّ بوجوده، ولو صَرَف له أنواعًا مِن العبادات، كما كان المشركون يقولون: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك؛ إلا شريكًا هو لك، ملكته وما مَلَك"؛ فالشرك محبط للعمل، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ ‌وَإِلَى ‌الَّذِينَ ‌مِنْ ‌قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الزمر: 65-66).
فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يستحيل منه أن يقع منه معصية فضلًا عن الشرك؛ إذا أشرك حبط عمله؛ فكيف بمَن دونه؟! ولذا قال الله تعالى: (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ).
فكيف يقول مَن يَنْتسِب إلى الإسلام بأن: اليهود والنصارى، والمجوس، والبوذيين، والهندوس؛ كلهم نحبهم، وكلهم بينهم قَدْر مشترك، ولا يفسد الخلاف الذي بينهم للود قضية؟!
فنحن لا نحتاج اليوم إلى إبراز القِيَم المشتركة بين الأديان، بل نحتاج إلى إبراز القِيَم الفَارِقَة؛ فهذا الفرقان الذي أنزله الله بين الحق والباطل، وهو "القرآن العظيم"، وما بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لا بد وأن يُبَيَّن للناس؛ أن الإسلام هو الدِّين الحق، لا دين عند الله سواه، وهو دين إبراهيم، ودين موسى، ودين عيسى، ولا نداهن، ولا نقول كما قال رؤساء اليهود للمشركين: (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا).
الفائدة الرابعة:
حَكَم اللهُ عز وجل باللعن على مَن دَاهَن في الدِّين، وقال عن المشركين: (هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا)، وهذا الطرد مِن رحمة الله والإبعاد عن جنته، طردٌ أبدي وخلود لصاحبه في نار جهنم، فالله عز وجل حَكَم بلعنهم، فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)؛ ولذلك فلا بد وأن يُخذَل هؤلاء "وأمثالهم ممَّن يُدَاهِن في الدِّين، وممَّن يسوي بين الحق والباطل".
واليهود لا بد وأن يزول نصرُهم، ولا بد أن يُهدَم سلطانُهم؛ لأنهم لا نَصِير لهم مِن الله؛ خاصة بعد ما ازدادوا كُفْرًا وعُدْوانًا؛ بانتهاك حُرُمات المسلمين، وبمحاولات تضليل المسلمين بما اخترعوا مِن "الدِّين الإبراهيمي الجديد"، ومَن وافق على هذا الدِّين ونَشَرَه، وخَرَج مِن الإسلام بسببه؛ فإنه ملعونٌ كما لُعِن هؤلاء، ومخذولٌ غير منصورٍ كما لم يُنصَر هؤلاء.
وللحديث بقية إن شاء الله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 196.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 191.09 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]