مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" - الصفحة 6 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         قـامـوس البدع العقـديــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 107 )           »          الأمة الإسلامية بحاجة إلى مرفقين- مرفق الإفتاء ومرفق القضاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 82 - عددالزوار : 18725 )           »          أهــل الجمعــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          وثيقــــة الفســــاد!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أهل السنة أرحم الناس بالخلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          إغاثة الملهوف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أجهزة تجسس يهودية في البلاد العربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          المسجد الأقصى والعدوان المستمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          احذر من مدمرات الموهبة لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #51  
قديم 19-03-2024, 10:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القرآن"(53)
مثنى محمد هبيان


﴿ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾ [البقرة: 46]
السؤال الأول:
ما دلالة قوله تعالى (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ) [البقرة:46] في الآية ؟
الجواب:
لا شك أنّ قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ) في هذه الآية تعني اليقين والجزم والإيمان المطلق باليوم الآخر , وهذا من الأمور الرئيسية والأساسية للإيمان لكل مؤمن ,وبدون هذا اليقين لا يوجد إيمان , وهذا ما عليه إجماع المفسرين دون استثناء .
وما سوف نناقشه هنا وفي السؤال الذي يليه هومناقشات لغوية لموضوع الظن والرجحان واليقين للفعل ( ظنّ ) حيث يمكن أن يكون له أكثر من معنى وحسب السياق .
وعندما يجزم شخص بأمرٍ وهو ليس له وجود فهذا هو الجهل, والجاهل شر من الأمي؛ لأنّ الأمي لا يعلم، ومتى علم فإنه يؤمن .
فإذا كانت القضية غير مجزوم بها ومتساوية في النفي والوجود، فإنّ ذلك يكون شكاً, فإنْ رجحت إحدى الكفتين على الأخرى يكون ذلك ظناً .
والله سبحانه يقول في الآية: (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ) [البقرة:46] ولم يقل مثلاً: الذين تيقنوا أنهم ملاقوا ربهم , فلماذا؟
الجواب: إن مجرد الظن أنك ملاقٍ الله سبحانه وتعالى يجعلك تلتزم بالمنهج الرباني، فما بالك إذا كنت متيقناً !! بل المطلوب للمؤمن أن يكون متيقنا بشكل كامل .
ومثال ذلك: هب أنك سائر في طريق وجاء شخص يخبرك أنّ هذا الطريق فيه لصوص، فمجرد هذا الكلام يجعلك لا تمشي في هذا الطريق إلا إذا كنت مسلحاً أو معك أشخاص آخرون , فأنت تفعل ذلك للاحتياط , إذن فمجرد الظن دفعنا للاحتياط .
وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ) [البقرة:46] فمجرد رجحان القضية في الذهن يدفعك لليقين يجعلك تلتزم بمنهج الله، فتقي نفسك من عذاب عظيم , لذلك لا بدّ من اليقين في هذا الأمرلأنه من أسس الإيمان , وبدون ذلك ينتفي الإيمان .
قيل أن الشاعر المعري قال في آخر حياته:
زعم المنجّم والطبيب كلاهما=لا تحشر الأجساد قلت إليكمـا
إنْ صح قولكما فلست بخاسر=أو صح قولي فالخسار عليـكما
فكل مكذب بالآخرة خاسر , والنفس البشرية لا بدّ لها أن تعترف وتوقن أنّ هناك حشراً أمامها وتعمل لذلك , وإلا فالخسارة ـ كل الخسارة ـ ستلاقيه.
ثم يقول الله تعالى: (وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ) [البقرة:46] فالرجوع إلى الله تعالى أمر يقيني، فما دمت قد جئت للدنيا مخلوقاً من الله, فأنت لا محالة سترجع إليه , وهذا اليوم يجب أنْ نحتاط له حيطة كبرى لأنه يوم عظيم؛ قال تعالى: (فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا١٧) [المزَّمل:17] .
ونحن نحتاط لأمور دنيوية لا تساوي شيئاً بالنسبة لأهوال يوم القيامة . فكيف لا نتمسك بمنهج الله تعالى , ونوقن بأننا سنلاقي الله تعالى وأنْ نعمل لذلك ألف حساب !!!!.
السؤال الثاني:
ما دلالة الفعل ( ظنّ) في القرآن الكريم ؟
الجواب:
1ـ الظن هو التردد بين طرفي الاعتقاد غير الجازم , وقال الراغب : الظن اسم لما يحصل من إمارة , ومتى قويت أدتْ إلى العلم , ومتى ضعفت لم تتجاوز حد الوهم , ولذلك :
آ ـ فإنّ الفعل ( ظنّ ) قد يستعمل للشك أو للاعتقاد الراجح المظنون, كما في قوله تعالى : ﴿ٓ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ ﴾ [البقرة:230] .
ب ـ وقد يأتي الفعل ( ظنّ ) بمعنى : اليقين , لأنّ الظنّ فيه طرف من اليقين , ولولاه كان جهلاً , كما في قوله تعالى :
(ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ) [البقرة:46] .
(إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ﴾ [الحاقة:20] .
والفرق بينهما في القرآن ضابطان :
آ ـ أنه حيث وُجِدَ الظنُ محموداً مثاباً عليه , فهو اليقين , كما في قوله تعالى : ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ٢٠ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ٢١ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ﴾ [الحاقة: 20ـ22] , وحيث وُجدَ مذموماً متوعّداً بالعقاب عليه , فهو الشك , كما في قوله تعالى : ﴿بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا﴾ [الفتح:12].
ب ـ وكل ظن اتصل به ( أنّ) المشددة ,أو(أنْ) المخففة منها, فالمراد به اليقين والتأكيد :
* شواهد على ما اتصل به ( إنّ) المشددة: قوله تعالى :
(إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ) [الحاقة:20].
﴿وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلۡفِرَاقُ﴾ [القيامة:28] .
* شواهد على ما اتصل به ( أنْ) المخففة : قوله تعالى :
﴿وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ﴾ [التوبة:118], أي بتقدير : ( أنّه لا ملجأ).
﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعۡجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَن نُّعۡجِزَهُۥ هَرَبٗا﴾ [الجن:12] أي بتقدير : ( أنّه لن نعجز).
وللعلم فإنّ ( أنْ) المخففة في الآيتين السابقتين قد خففت من (أنّ) المشددة بتقدير ( إنّه) وضمير الشأن محذوف .
كما أنّ كل ظنٍ اتصل بـه ( إنْ) الخفيفة فهو شك , كقوله تعالى :
(إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ) [البقرة:230] .
2 ـ ومثل ذلك أيضاً فعل (عَلِمَ ) , فما اتصل بـ(إنّ) المشددة فذلك يفيد التوكيد , كما في قوله تعالى : ﴿ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ﴾ [الأنفال:66] .
﴿فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ ۡ﴾ [محمد:19] .
3ـ ما ذهب إليه بعضهم من أنّ كل ظنٍّ ورد بعده (أنْ ) الناصبة فالمراد به الشك، فهذا يردّه قوله تعالى: ﴿وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذِۢ بَاسِرَةٞ٢٤ تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةٞ﴾ [القيامة:24-25] وهذا موطن يقين لا موطن شك.
4ـ قال بعضهم : إنّ الظن ليس بيقين عيان , وإنما هو يقين تدبر , وهذا يرده قوله تعالى : ﴿وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا﴾ [الكهف:53], وهذا يقين عيان .
5ـ يظهر مما سبق أنّ الأصل في الظن أن يكون شكاً , وهذا الشك يتردد بين القوة والضعف , فقد يكون ضعيفاً قريباً من الوهم , وقد يقوى حتى يكون يقيناً .
والله أعلم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 29-04-2024 الساعة 08:04 PM.
رد مع اقتباس
  #52  
قديم 19-03-2024, 10:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (54)
مثنى محمد هبيان





﴿يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧﴾
السؤال الأول:
ما دلالة تفضيل بني إسرائيل في الآية ؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى ﴿وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧﴾ [البقرة:47] هؤلاء أتباع موسى عليه السلام في زمانه قبل مجيء عيسى عليه السلام , وأتباع كل نبي مفضّلون على العالمين في زمانهم قبل أنْ يأتي النبي الآخِر محمد صلى الله عليه وسلم, وليس معنى العالمين كل الأمم إلى قيام الساعة .
ولذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧﴾ [البقرة:47] يعني على عالمي زمانكم؛ وذلك لأنّ الشخص الذي سيوجد بعدهم ليس بموجود ولم يدخل بعد في العالمين، فمثلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق على الإطلاق لم يكن موجوداً في ذلك الوقت، ولو كان موجوداً لَفَضَلَهم بالتأكيد.
2ـ لاشك أنّ المقصود منهم هم المؤمنون؛ لأنّ عصاتهم مسخوا قردة وخنازير.
السؤال الثاني:
ما الفرق بين النِّعمة والنَّعمة في القرآن ؟
الجواب:
آ ـ النِّعمة : - بكسر النون- هي المنة وما يُنعِم به الرجل على صاحبه.
ب ـ وأما النَّعمة: - بفتح النون- فهو ما يٌتنَعَّم به في العيش ﴿وَنَعۡمَةٖ كَانُواْ فِيهَا فَٰكِهِينَ٢٧﴾ [الدخان:27].
ج ـ أنعُم : هي جمع قِلَّةٍ لنعمةٍ , كقوله تعالى ﴿شَاكِرٗا لِّأَنۡعُمِهِۚ ٖ﴾ [النحل:121] ونِعَمٌ جمع كثرة، كقوله تعالى ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ ٞ﴾ [النحل:18] .
السؤال الثالث:
ما النعم التي ذكرها الله في القرآن وأنعمها على بني إسرائيل ؟
الجواب:
ذكر القرآن الكريم بعض النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل، وعدَّ منها عشرة :
آ ـ ﴿وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩﴾ [البقرة:49].
ب ـ ﴿وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٠﴾ [البقرة:50].
ج ـ ﴿وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ٥١﴾ [البقرة:51].
د ـ ﴿وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ٥٣﴾ [البقرة:53].
هـ ـ ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ٥٤﴾ [البقرة:54].
و ـ ﴿ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦﴾ [البقرة:56].
ز ـ ﴿وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ٥٧﴾ [البقرة:57].
ح ـ ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ٥٨﴾ [البقرة:58] نعمة؛ لمحو الذنوب بدخول الباب سجداً.
ط ـ ﴿وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ٦٠﴾ [البقرة:60].
ي ـ ﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ٦٣﴾ [البقرة:63].
والله أعلم .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 08-05-2024 الساعة 05:18 PM.
رد مع اقتباس
  #53  
قديم 20-03-2024, 02:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير"من روائع البيان في سور القرآن" (55)
مثنى محمد هبيان



(وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ)


السؤال الأول:
ما دلالة الاختلاف في الشفاعة والعدل بين آيتي سورة البقرة (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48] و (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123] ؟
الجواب:
العدل معناه: ما يعادل الجُرم الذي هو الفدية.
وإيصال هذا المال أو المبلغ لمستحقه في حال قيام الإنسان بجريمة أو ما شابه لأهل المرتكب عليه الجريمة أو الشخص نفسه، هذا الإيصال له أسلوبان:
1ـ الأول أنْ يرسل وفدَ صُلحٍ وشفاعة حتى يقبلوا ما يقدِّمه لهم فيبدؤوا أولاً بإرسال الوفد ثم يذهب بالفدية أو المقابل.
2ـ والصورة الأخرى أنْ يذهب ابتداء فيقدم ما عنده، فإذا رفض يذهب ويأتي بوسطاء يشفعون له.
والآيتان كل واحدة منهما نظرت إلى صورة, فنفى الصورتين عن القبول فيما يتعلق بالأمم التي آمنت قبل اليهود بشكل خاص حتى يؤمنوا بالله تعالى ورسوله محمد وبكتابه:
آ ـ الآية الأولى (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48] هذه الصورة الأولى تقدمون الشفاعة، و الشفاعة لا تقبل، والفدية لا تؤخذ.
ب ـ الآية (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123] هذه الصورة الثانية.
والجمع بين الآيتين على بُعد ما بينهما أنه كل آية نظرت في صورة , فالأولى نظرت في صورة والثانية نظرت في صورة , ومع ذلك انتفت كلتا الصورتين, وهذا يعني أنه لا يمكن أنْ يقبل منكم إلا أنْ تتبعوا هذا النبي الكريم محمداً ﷺ, وبدون ذلك لا تقدموا الشفاعة ابتداء ولا تأتوا بالشفاعة لأنً هذا كله لا يُقبل , والذي يقبل منكم هو الإيمان بالرسول محمد عليه السلام والقرآن الكريم .
وكأنّ ذلك نوع من التيئيس؛ لأنّ الإنسان إذا ارتكب جرماً إمّا أن يذهب بالعدل ،أي: المال المقابل للجرم إلى القبيلة، فإذا رُفِض يذهب ويأتي بالشفعاء، أو العكس يأتي بالشفعاء أولاً حتى يقبلوا العدل منه.
والقرآن الكريم يأَّس بني إسرائيل من الحالتين: لا يقبل منكم عدل ابتداء وبعده شفاعة, ولا شفاعة ابتداء ثم يأتي العدل بعد ذلك , ولا ينفعكم إلا أنْ تتبعوا محمداً ﷺ.
ملخص الجواب للشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى :
1ـ المعنى العام :
بشكل عام الخطاب للكفار والآية نازلة فيهم , أمّا المؤمنون فلهم الشفاعة رزقنا الله تعالى إياها وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة .
والعربي الذي يقع في كريهة يحاول أعوانه الدفاع عنه بمقتضى الحمية، فإنْ لم يستطيعوا حاولوا بالملاينة بدل المخاشنة، فإنْ لم تغن عنه الحالتان لم يبق عنده إلا فداء الشيء بالمال, فإنْ تعذر ذلك تعلل بما يرجوه من شفاعة الأخلاء والإخوان .
ومن كان ميله إلى حب المال أشد من ميله إلى علو النفس فإنه يقدم التمسك بالشافعين على إعطاء الفدية، ومن كان بالعكس يقدم الفدية على الشفاعة.
فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغني شيء من هذه الأمور عن المجرمين في الآخرة.
2ـ المعاني اللغوية :
آـ (يَوۡمٗا) [البقرة:48] : هو يوم القيامة وهو بذاته لا يُتَّقى فلا بد منه, وإنما المقصود اتقاء ما يحصل في ذلك اليوم من الشدائد والعقاب.
ب ـ الشفاعة: ضم غيره إلى وسيلته, والشفع ضد الوتر؛ لأنّ الشفيع ينضم إلى الطالب في تحصيل ما يطلب فيصبح شفعاً بعد أنْ كان وتراً .
ج ـ العَدل : هو الفدية، وأصله ما يساوي الشيء قيمة وقدراً وإنْ لم يكن من جنسه.
والعِدل والعديل : هو المِثلُ أو هو المساوي للشيءِ في الجنسِ والجرمِ، تقول : عندي عِدلُ شاتِكَ أو عِدلُ غلامِكَ إذا كان شاة تعدل شاة، وغلاماً يعدل غلاماً , فإن أردت قيمَتَه من غير جنسه فتحتَ العَين.
والعَدلُ ضِدُّ الجورِ، والعديلُ الذي يعادِلُك في القدر والوزن.
د ـ (وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) : أي ليس لهم من يمنعهم وينجّيهم من عذاب الله.
هـ ـ جزى : بمعنى قضى، وقضاء الحقوق يوم القيامة إنما يقع في الحسنات.
سؤال :
هل الفائدة من قوله تعالى (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا) [البقرة:48] هي نفس الفائدة من قوله: (وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨﴾ [البقرة:48] ؟
جواب :
معنى القسم الأول من الآية (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا) [البقرة:48] أنه لا يتحمل عنه غيره ما يلزمه من الجزاء , وأمّا النصرة فهي أنْ يحاول تخليصه من حكم المعاقِب.
سؤال :
قدّم المولى عز وجل (الشفاعة ) على ( العدل ) في الآية ( 48 )، بينما قدّم (العدل ) على ( الشفاعة ) في الآية (123 )، فما الحكمة من التقديم والتأخير؟
جواب :
آ ـ الآيتان المذكورتان في نفس السورة، وهما :
الآية الأولى (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48].
الآية الثانية (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123].
والملاحظ أنّ صدر الآيتين واحدٌ وعجزهما مختلف أي :

ب ـ الآيتان [ 48 ] و[123 ] سبق كلٌ منهما نفس الآية أي أنّ الآية [ 47 ] و [122 ] هي نفسها؛ وبيان ذلك: قال تعالى:
(يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧) [البقرة:47].
(َٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ١٢٢) [البقرة:122].
والمقصود بـ (وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ) أي: على عالمي زمانكم , وهو من باب عطف الخاص على العام؛ لأنّ النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور على عالمي زمانهم بما أعطوا من الملك والرسل والكتب في زمانهم ؛ فإن لكل زمان عالماً .
ج ـ والحق أن أمة الرسول ﷺ هي أفضل منهم؛ لأنّ الله أشهد بني إسرائيل فضل أنفسهم فقال: (وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ) وأشهد المسلمين فضل نفسه؛ قال تعالى: (قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ٥٨) [يونس:58] وشتان مَن مشهوده فضل ربه، ومن مشهوده فضل نفسه .
قال رسول الله ﷺ : «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله» .
والله يقول : (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ ١١٠) [آل عمران:110] .
فالحمد لله الذي فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً.
د ـ سياق الآيات التي قبلها :
لقد سبق الآية 48 الآيات من [48:40] وهي قوله تعالى :
(يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ٤٠ وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ٤١ وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ٤٢ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣ ۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ٤٤ وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ٤٥ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ٤٦ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧ وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48:40] .
وهذه الآيات تؤكد كمال غفلة بني إسرائيل عن القيام بحقوق النعم التي أنعم الله عليهم بها وليربط بما بعده من الوعيد الشديد بالترغيب والترهيب , فذكّرهم بنعمه أولاً ثم عطف على تحذيرهم من طول نقمه بهم يوم القيامة إنْ لم يؤمنوا برسوله ﷺ ويتابعوه على ما بعثه به , فإنه لا تنفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهباً، كما قال تعالى: ( مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ ٢٥٤) [البقرة:254] .
أمّا الآية الآية[122] المذكورة سابقا؛ ففيها تكرير التذكير لبني إسرائيل وحثهم على اتباع الرسول الأمي ﷺ الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه، وأنْ لا يحملهم الحسد للعرب على مخالفته وتكذيبه .
هـ ـ نعود الآن إلى أصل السؤال :
1ـ نلاحظ في قوله تعالى (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا) [البقرة:48] أي: هناك نفسان نفس جازية، والثانية مجزي عنها .
2ـ ففي الآية [48] المعنى العام لها أنه سيأتي إنسان صالح ـ حتى تقبل شفاعته عند الله ـ فيقول: يا رب أنا سأشفع لفلان أو أقضي حق فلان .
فنفس الإنسان الصالح جازية والأخرى مجزي عنها, لكن لا تقبل شفاعته؛ لأنه يشفع لكافر وبالتالي لا يؤخذ منه عدل، أي: فدية، ولا يسمح بأي مساومة أخرى .
ففي هذه الآية بدأ عجزها بالشفاعة، وهي تعود على النفس الأولى في الآية .
3ـ أما الآية الثانية [123] فيتحدث الله تبارك وتعالى عن النفس المجزي عنها قبل أنْ تستشفع بغيرها وتطلب منه أنْ يشفع لها, بعد أنْ يكون قد ضاق بالكافر الحيل وهذا اعتراف بعجزه فيقول يارب : ماذا أفعل حتى أكّفر عن ذنوبي، فلا يقبل منه , كما في قوله تعالى في سورة السجدة الآية [12]: (وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢) [السجدة:12] فيكون رد الحق سبحانه كما في الآية [14] (فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ١٤) [السجدة:14] .
فهم عرضوا على ربهم أن يكّفروا عن سيئاتهم بأنْ يعودوا إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فلم يقبل الله منهم هذا العرض, وكما في قوله تعالى في سورة الأعراف: ( فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ٥٣) [الأعراف:53] حيث خرج الاستفهام إلى النفي، أي: ما لنا من شفعاء .
وجاء بـ (قد) والفعل الماضي (قَدۡ خَسِرُوٓاْ) لتأكيد النتيجة النهائية، وهي الخسران.
لذلك هنا النفس المجزي عنها هي التي تطلب التكفير والفداء فبدأ عجزها بـ(عَدۡلٞ) .
4ـ الملخص:
النفس الأولى: الجازية يناسبها الآية الأولى؛ لأنها بدأت بطلب الشفاعة ,أمّا النفس الثانية: المجزي عنها, فيناسبها الآية الثانية؛ لأنها بدأت بتقديـم الفداء .
5ـ والمعنى العام للآيتين أنّ الله تعالى لا يقبل ممن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحداً من عذابه منقذ ولا يخلّص منه أحد ولا يجير منه أحد , وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه للكافرين الشفعاء والنصراء فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها , وكما قال تعالى في القران الكريم :
(إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةُ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ١٦١) [البقرة:161].
(إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ٣٦) [المائدة:36].
(فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ١٥) [الحديد:15].
( َإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ ٧٠) [الأنعام:70].
(فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةٖ وَلَا نَاصِرٖ١٠) [الطارق:10] .
( وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيۡهِ ٨٨) [المؤمنون:88].
(فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥٓ أَحَدٞ٢٥ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ٢٦) [الفجر:25-26] .
(مَا لَكُمۡ لَا تَنَاصَرُونَ٢٥ بَلۡ هُمُ ٱلۡيَوۡمَ مُسۡتَسۡلِمُونَ٢٦) [الصافات:25-26].
(فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ ٢٨) [الأحقاف:28] .
(وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48].
(وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢) [السجدة:12] .
السؤال الثاني:
ماذا عن تذكير وتأنيث لفظة (شَفَٰعَةٞ) في القرآن الكريم ؟
الجواب:
1ـ في آية البقرة [48] قوله تعالى (وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ) [البقرة:48].
آ ـ ذكّر الفعل (يُقۡبَلُ) مع الشفاعة؛ لأنّ الشفاعة هنا لمن سيشفع، أي: للشافع وهو مذكر .
ب ـ الشفاعة ليست مؤنثة حتى تكون الشفاعة مطلقة .
ج ـ إذا فصلت بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي يجوز التذكير والتأنيث، تقول : ذهب إلى الجامعة فاطمة, وذهبت إلى الجامعة فاطمة، هكذا إذا كان هناك فصل، لكنْ : ذهبت فاطمة لا يجوز غير هذا: ذهبت فاطمة.
د ـ أمّا المؤنث المجازي، فتقول: طلعت الشمس، وطلع الشمس، ابتداء فهذا مؤنث مجازي .
2ـ في آية البقرة[ 123] أنّث الفعل، فقال: ( وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ ١٢٣) [البقرة:123] ؛لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها وليس الكلام عن الشفيع .
3ـ في آيات يس 23 قوله تعالى: ( لَّا تُغۡنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُنقِذُونِ٢٣) [يس:23] والنجم [26] قوله تعالى : ( لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ‍ًٔا ٓ٢٦) [النجم:26] أنّث الفعل؛ لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها.
السؤال الثالث:
قال تعالى فى سورة لقمان: ( وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ ٣٣) [لقمان:33] وفي البقرة قال: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا) [البقرة:48] . فما الفرق بين الوالد والولد والنفس؟
الجواب:
1ـ لا ننسى أنه في سورة لقمان ذكر الوالدين والوصية بهما ( وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ ١٥) [لقمان:15] والسورة تحمل اسم لقمان (وَالِدٌ) وهي مأخوذة من موقف لقمان وموعظته لابنه وكيف أوصاه, ووصية ربنا بالوالدين ، وقد وردت ضمن وصية لقمان لابنه، إذن هذه أنسب أولاً مع اسم السورة ومع ما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر بهما ومصاحبتهما في الدنيا معروفاً .
2ـ في البقرة لم يذكر هذا، وإنما جاءت كلمة (نفس) عامة تقع على الروح وعلى الذات .
3ـ وذكر الوالد والولد في آية لقمان مناسب لما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر، مع ملاحظة أن قوله تعالى: ( وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ) [لقمان:15] خاص بالدنيا، بينما في هذه الآية (لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ) [لقمان:33] الأمر متعلق بالآخرة الآخرة, لذلك يتبين أنّ المصاحبة بالمعروف والإحسان إليهما وما وصّى به في السورة لا يمتد إلى الآخرة, وأنّ هذه المصاحبة ستنقطع في الدنيا، وهي ليست في أمور الآخرة .
إذن هذه مناسبة لقطع أطماع الوالدين المشركين في الحصول على نفع ولدهما إن كان مؤمنا أو دفعه شيئا عنهما في الآخرة, إضافة إلى أنها مناسبة لما ورد في السورة من ذكر الوالدين والأمر بالمصاحبة لهما ونحوه.
السؤال الرابع:
ما دلالة حذف العائد المقدر (فيه) مع الآيات عندما يستعمل الفعل (يجزي) كما في آية البقرة[ 48] (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ) [البقرة:48] وآية لقمان (وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ ٣٣ ) [لقمان:33] وآية البقرة [123] (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ) [البقرة:123] بينما ذُكرت (فيه) مع آيات أخرى، كما في آية البقرة (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١ ) [البقرة:281] وآية النور (يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ٣٧) [النور:37] فما الفرق ؟
الجواب:
آ ـ جملة الصفة عادة يكون فيها عائد أي (ضمير) يعود على الموصوف قد يكون مذكوراً وقد يكون مقدّراً، وهنا مقدر, أي: أن النحاة يقدرون : لا يجزي فيه, هذا من حيث التقدير، وهو جائز الذكر وجائز التقدير؛لأنه ذكرها في مواطن أخرى: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ) [البقرة:281] فالأمران جائزان، وقد ذكرا في مواطن.
ب ـ يبقى لماذا اختار عدم الذكر؟ والجواب أنّ الحذف عادة يفيد الإطلاق عموماً، فعندما تقول : فلان يسمعك أو فلان يسمع، (يسمع) أعم، يقول الحق أو يقول، (يقول): أعم، يعطي المال أو يعطي، يعطي أعمّ. وعدم ذكر المتعلقات يفيد الإطلاق، إذن هو الآن أظهر التعبير بمظهر الإطلاق ولم يذكر (فيه)؛ لأنه أظهره بمظهر الإطلاق.
ج ـ يبقى السؤال لماذا لم يذكر هنا و ذكر في مواطن أخرى؟
والجواب: لو (جزى فيه) والد عن ولده , أي لو دفع ( في ) يوم القيامة هل هذا الجزاء يختص بهذا اليوم أو بما بعده؟ والجواب: هو بذلك اليوم.
ولو (جزى) والد عن ولده بدون( فيه) لو جزى عنه يعني لو قضى عنه ما عليه، هذا الجزاء سيكون الجنة , والجزاء ليس في ذلك الوقت وإنما أثر الجزاء سيمتد، أي أنّ الجزاء سيكون في هذا اليوم ولكنّ الأثر هو باق، ولذلك حيث قال: (لَّا يَجۡزِي) لم يقل فيه ) في كل القرآن.
شواهد قرآنية بدون ( فيه ):
(وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48] ما قال (فيه).
(وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123] ما قال (فيه).
شواهد قرآنية مع ( فيه ):
(وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١) [البقرة:281] أي تُوَفَّى في ذلك اليوم ؛ فإمّا يذهب للجنة وإمّا إلى النار.
(يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ٣٧) [النور:37] في ذلك اليوم وبعدها ليس فيه تقلب؛ لأنه يذهب للجنة، وذِكر (فيه) خصصها باليوم فقط .
ولمّا قال: (ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ) [البقرة:281] هذا في يوم القيامة وليس مستمراً يومياً، والذي في الجنة تُوُفِّيَ عمله والذي في النار تُوُفِّيَ عمله، والتَّوفِّي هو في يوم القيامة وأثر التَّوفيةِ إمّا يذهب إلى الجنة وإمّا إلى النار، وتقلُّبُ القلوب والأبصار هو في يوم القيامة ثم يذهب أصحاب الجنة إلى الجنة وأصحاب النارإلى النار، ولا يعود هناك تقلب قلوب ولا أبصار.
ولو جزى والدٌ عن ولده لكان أثر الجزاء ليس خاصاً في ذلك اليوم، وإنما يمتد إلى الخلود إلى الأبد، ولذلك لم يذكر (فيه) وأخرجه مخرج الإطلاق، لذلك حيث قال: (لا تجزي) ولم يقل (فيه) يكون لنفي المتعلق وإطلاق الأمر.والله أعلم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 08-05-2024 الساعة 05:22 PM.
رد مع اقتباس
  #54  
قديم 20-03-2024, 02:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (56)
مثنى محمد هبيان



(وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩ )
السؤال الأول:
ما دلالة كلمة ( ءََالِ ) في الآية، وليس أهل؟
الجواب:
الآل : هم الأهل والأقراب والعشيرة، وكلمة (آل) لا تضاف إلا لشيء له شأن وشرف دنيوي ممن يعقل، فلا تستطيع مثلاً أن تقول: آل الجاني، بل تقول: أهل الجاني.
السؤال الثاني:
ما الفرق بين ( يُذَبِّحُونَ ) [البقرة:49] و(وَيُذَبِّحُونَ) [إبراهيم:6] ؟ أي لماذا ذكر (الواو) في آية ابراهيم ؟
الجواب:
في سورة البقرة قال تعالى: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩ ) [البقرة:49] وفي سورة إبراهيم قال تعالى: (وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٦ ) [إبراهيم:6] .
1ـ في البقرة جعل سوء العذاب هو تذبيح الأبناء، أي: (بَدَل) لأنّ السؤال في قوله تعالى: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ) [البقرة:49]، ما هو سوء العذاب؟ والجواب: (يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [البقرة:49]، هذه بدل من (يسومونكم)، وهذه الجملة بدل لما قبلها فسّرتها ووضحتها، والبدل يكون في الأسماء والأفعال وفي الجُمَل.
2ـ وأمّا في سورة إبراهيم قال تعالى: (يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [إبراهيم:6] وهنا ذكرالله أمرين : سوء العذاب بالتذبيح وبغير التذبيح، وكان التعذيب لهم بالتذبيح وغير التذبيح باتخاذهم عبيداً وعمالاً وخدماً وبالإهانات أيضاً، وموسى عليه السلام يذكِّرهم هنا بنعم الله عليهم فيذكر لهم أموراً.
و الواو عاطفة في آية سورة إبراهيم : (وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [إبراهيم:6] ووجهه أنه في سورة إبراهيم تقدّم قوله تعالى : (وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ ٥) [إبراهيم:5]ﯛ وهي أوقات عقوبات, إلى أن قال : (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ٥ ) [إبراهيم:5] واللائق أنْ يعدد امتحانهم تعديداً يؤذن بصدق الجمع عليه لتكثر المنة , ولذلك أتى بالعاطف ليؤذن بأن إسامتهم العذاب مغاير لتذبيح الأبناء وسبي النساء , وهو ما كانوا عليه من التسخير , بخلاف المذكور في آية البقرة , فإنّ ما بعد (يَسُومُونَكُمۡ)تفسير له , فلم يعطف عليه .
وربما يقول قائل: إنّ السياق واحد والتعبير مختلف، فلماذا؟ والجواب أنّ هذا لا يوحي بملاحظة أو علامة استفهام أمام هذا التغير, حتى في واقع الحياة أنت أحياناً تذكر لشخص أموراً ولا تذكر أموراً أخرى، يعني تذكر أموراً لا تحب أنْ تشرحها كثيراً وفي موقف آخر تقولها، والآيات تتكامل مع بعضها وتضيف إطاراً آخر حتى تكتمل .
السؤال الثالث:
قال تعالى في البقرة [49] :( يُذَبِّحُونَ) [البقرة:49] وفي آية الأعراف [141] (يُقَتِّلُونَ) [الأعراف:141] فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
1ـ بشكل عام، القتل أعم من الذبح، والقصة في الأعراف مبنية على العموم والتفصيل، بينما في البقرة لم تذكر إلا هذه الآية، فناسب لفظ التقتيل في الأعراف دون البقرة.
2ـ ذكر القرآن قول فرعون في الأعراف :(سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ) [الأعراف:127] وقال في الآية[141]: (يُقَتِّلُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [الأعراف:141] وهو المناسب فقد فعل ما قاله وهدّد به.
3ـ في آية البقرة جعل (يُذَبِّحُونَ) [البقرة:49] هنا بدلاً من يسومونكم، بدل فعل من فعل، وخصّ الذبح بالذكر لعظم وقعه عند الأبوين؛ ولأنه أشد على النفوس.
4ـ القصة في الأعراف فصّلت في ذكر الحوادث قبل موسى وبعده، وذكرت فتنة فرعون لبني إسرائيل وذكرت مجيء موسى إلى فرعون وتبليغه بالدعوة. وذكرت موقف فرعون من السحرة وتهديد فرعون لبني إسرائيل بالقتل والإذلال والإيذاء، حتى قالوا لموسى عليه السلام: (قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ) [الأعراف:129] وذكرت الآيات التي حلت بفرعون وقومه فناسب العموم في الأعراف العمومَ في اللفظ وهو التقتيل، فقال تعالى :( يُقَتِّلُونَ)لأنّ القتل أعم من الذبح.
5ـ كما أنه لم يرد في البقرة ذكر لهارون عليه السلام، بخلاف سورة الأعراف حيث ورد فيها (رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ)[الأعراف:122] وحيث إنّ ذكر موسى وهارون أعم من ذكر موسى وحده فناسب العموم للعموم، وناسب ذلك ذكر التقتيل؛ لأنّ القتل أعم من الذبح . والله أعلم.
السؤال الرابع:
ربنا تعالى قال في سورة البقرة: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ)[البقرة:49] وفي إبراهيم قال على لسان سيدنا موسى: (إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ) [إبراهيم:6] أنجاكم ولم يقل هنا: نجّاكم. فلماذا ؟
الجواب:
هناك فرق بين الصيغتين فعّل وأفعل : (فعّل) فيها تمهل وتلبّث، بينما (أفعل) فوقتها أسرع و أقصر وأقل, لذلك (نجّى) يفيد التمهل والتلبّث والبقاء، مثل علّم وأعلم، لأنّ (علّم) تحتاج إلى وقت، أمّا (أعلم) فهو إخبار.
و موسى عليه السلام يعدد النعم عليهم فقال : (أَنجَىٰكُم) [إبراهيم:6] فأنهى الموضوع بسرعة ، كما قال تعالى: ( وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ)[البقرة:50] لأنهم لم يمكثوا في البحر طويلاً فقال: أنجيناكم، وحتى في إبراهيم عليه السلام قال: (فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ) [العنكبوت:24] ولم يقل : ( نجّاه) ؛ لأنه لم يلبث كثيراً في النار.
السؤال الخامس:
قال تعالى في هذه الآية: (يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ)فما الفرق بين الأبناء والأولاد؟
الجواب:
آ ـ الأبناء، أي: الذكور جمع ابن، وهي للذكور، مثل قوله تعالى: (يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [البقرة:49].
ب ـ أما الأولاد فجمع ولد، وهي عامة للذكور والإناث (يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ) [النساء:11] الذكر والأنثى (وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ)[البقرة:233] والإرضاع للذكور والإناث.
السؤال السادس:
ما دلالة رسم كلمة ( بلاء ) بصورتين مختلفتين في القرآن الكريم , وهما (بَلَآءٞ) و(بَلَٰٓؤٞاْ) ؟
الجواب:
وردت كلمة (بَلَآءٞ) بصورتها العادية في محل رفع ثلاث مرات في القرآن الكريم كله .
ووردت كلمة(بَلَٰٓؤٞاْ) بصورتها المختلفة مرتين فقط وهي في محل رفع , وذلك لتبين البلاء ووضوحه وأنه بلاء مبين , خاصة لسيدنا إبراهيم عليه السلام حينما اختبره الله بذبح ابنه إسماعيل بيده لا بيد غيره , فهو بلاء صعب جداً على النفس.وللعلم فإن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى .
(بَلَآءٞ):
(وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ)[البقرة:49].
(وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ) [الأعراف:141].
(وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ)[إبراهيم:6].
(بَلَٰٓؤٞاْ):
(إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَٰٓؤُاْ ٱلۡمُبِينُ) [الصافات:106].
(وَءَاتَيۡنَٰهُم مِّنَ ٱلۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ) [الدخان: 33].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #55  
قديم 20-03-2024, 02:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (57)
مثنى محمد هبيان


(وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ)
السؤال الأول:
ما اللمسة البيانية في ورود لفظة (اليَمّ) 8 مرات في قصة موسى، ووردت لفظة (البحر) 8 مرات في القصة نفسها، ووردت لفظة (البحرين) مرة واحدة؟
الجواب:
1ـ القرآن الكريم يستعمل اليم والبحر في موقفين متشابهين، كما في قصة موسى عليه السلام؛ فمرة يستعمل اليم ومرة يستعمل البحر في القصة نفسها .
2ـ اليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون : إنها عبرانية وسريانية وأكادية، وهي في العبرانية (يمّا) وفي الأكادية (يمو). (اليمّ ) وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر , ومن التناسب اللطيف أنْ ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية.
واليم يستعمل للماء الكثير, وإنْ كان نهراً كبيراً واسعاً فيستعمل اليم أو البحر .
3ـ لكن من الملاحظ أنّ القرآن لم يستعمل (اليم) إلا في مقام الخوف والعقوبة، ولم يستعمل اليم في مقام النجاة.
قال تعالى: (فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ) [القصص:7] هذا خوف، (فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ) [الأعراف:136]، (فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِيَهُم مِّنَ ٱلۡيَمِّ مَا غَشِيَهُمۡ) [طه:78] هذه عقوبة.
4ـ أمّا (البحر) فعامة، وقد يستعمله القرآن الكريم في مقام النجاة أو العقوبة, واستعمل القرآن كلمة (البحر) في النِّعم لبني إسرائيل وغيرهم،وفي نجاة بني إسرائيل ولم يستعمل (اليم).
وقد استعمل القرآن كلمة (البحر) في النجاة والإغراق فقال : (وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ) [البقرة:50].
واستعملها في الإغراق والإنجاء فقال : (وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ) [الأعراف:138] أي: أنجيناهم .
5ـ اللغة تفرق بين البحر والنهر واليم: النهر أصغر من البحر، والقرآن أطلق اليم على الماء الكثير. ويُشتق من اليم ما لم يشتق من البحر, مثلاً: (ميموم) أي: غريق؛ لذلك كلمة ( اليم ) تناسب الغرق، والعرب لا تجمع كلمة (يم) فهي مفردة , وقالوا: لم يُسمع لها جمع ولا يقاس لها جمع، وإنما جمعت كلمة بحرعلى (أبحر وبحار) وهذا من خصوصية القرآن في الاستعمال, كونها خاصة بالخوف والعقوبة .
(وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ)[البقرة: 51]
السؤال الأول:
ما الفرق بين قوله تعالى في آية البقرة [51] (وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ) [البقرة:51] وآية الأعراف [142] (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ)[الأعراف:142] ؟
الجواب:
قال تعالى في سورة البقرة: (وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ) [البقرة:51] وقال في سورة الأعراف: (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) [الأعراف:142] آية فيها إجمال , وآية فيها تفصيل .
لكن لماذا الإجمال في موضع والتفصيل في موضع آخر؟ لو عدنا إلى سياق سورة البقرة نجد أنه ورد فيها هذه الآية فقط في هذا المجال، بينما في المشهد نفسه في سورة الأعراف فيه تفصيل كبير من قوله تعالى: (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) [الأعراف:142] إلى قوله (وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ) [الأعراف:145] فالكلام طويل والقصة والأحداث في المواعدة مفصلة أكثر في الأعراف, ولم تذكر في البقرة؛ لأنّ المسألة في البقرة فيها إيجاز, فناسب التفصيل في سورة الأعراف والإيجاز في سورة البقرة, لذا جاء في تفسير آيات الأعراف أنّ موسى عليه السلام صام ثلاثين يوماً ثم أفطر فقال تعالى: صم، فصام عشرة أيام أخرى، أمّا في سورة البقرة فجاءت على سبيل الإجمال (أربعين يوماً).
السؤال الثاني:
ما دلالة قوله تعالى: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) [البقرة:51] في الآية ؟ ولماذا لم يقل مثلاً: (بعده)؟
الجواب:
آية البقرة في بني إسرائيل وتعداد نعم الله عليهم وعصيانهم مع ظهور الآيات, وهم بعد أنْ أغرق آل فرعون اتخذوا العجل بلا مدة فاصلة، فجاء بمن فقال: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) [البقرة:51] ولم يقل: (بعده)؛ لأنها تفيد الزمن الطويل والقصير, بينما (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) تفيد الابتداء، أي: فعلوا ذلك مباشرة بعد إنقاذهم من البحر .
وكذلك الأمر في الآية التالية رقم [52] (ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ) [البقرة:52] فجاء بـ (من بعد) للدلالة على أنّ عفو الله جاءهم مباشرة بعد اتخاذهم العجل، والله أعلم
السؤال الثالث:
ما دلالة لفظة (وَٰعَدۡنَا) [البقرة:51] في الآية ؟
الجواب:
الوعد هو الإخبار بشيء سارّ، والوعيد هو الإخبار بشيء سيء.
السؤال الرابع:
لماذا استعمل لفظة (لَيۡلَةٗ) [البقرة:51] في الآية ؟
الجواب:
وَعْدُ اللهِ تعالى لموسى عليه السلام كان لإعطائه المنهج لإبلاغ بني إسرائيل.
وعندما يتكلم الدين عن الزمن يتكلم دائماً بالليلة, والسبب أنك تستطيع أنْ تحدد الزمن بمجرد أنْ تنظر إلى القمر فتقول: هذا القمر هلالا أو بدرا أو أول الشهر. أمّا قرص الشمس في النهار فلا يحدد لك في أي وقت من الشهر نحن .
والبدوي في الصحراء يستطيع أنْ يحدد لك الزمن بالتقريب بالليالي فيقول لك مثلاً : هذا القمر ابن كذا ليلة. والله أعلم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #56  
قديم 21-03-2024, 05:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (58)
مثنى محمد هبيان



(وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ)
السؤال الأول:
ذكر الله الفرقان في هذه الآية (وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [البقرة:53] ولم يذكره في سورة القصص (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ) [القصص:43]
ما الفرق بين الكتاب والفرقان؟ ولماذا؟
الجواب:
1ـ الكتاب هو التوراة، والفرقان هي المعجزات التي أوتيها موسى كالعصا، والمعجزات الأخرى؛ وهي تسع آيات , والفرقان هو الذي يفرّق بين الحق والباطل. , لذا قد يكون الفرقان وصفاً للتوراة , وهو أيضاً وصف للقرآن , قال تعالى : (تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1].
2ـ لكنّ السؤال: لماذا قال في الأولى: (الكتاب والفرقان)، وفي الثانية قال: (الكتاب) فقط؟
والجواب أنّ السياق هو الذي يحدد.
فالآية الأولى جاءت في سياق الكلام عن بني إسرائيل (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ) [البقرة:40]، من الذي شاهد الفرقان؟ شاهده بنو إسرائيل وفرعون الذين كانوا حاضرين , لكنّ الناس الآخرين لم يشاهدوا هذا الشيء , فلمّا تكلم مع بني إسرائيل خصوصاً كان الخطاب لهم وهم الذين شاهدوا قال: (ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ ) وقال: (لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [البقرة:53].
وأمّا الثانية فقال: (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ) [القصص:43] .
فلمّا قال: (بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ)[القصص:43] لم يقل: الفرقان؛ لأنهم لم يشاهدوا هذا الشيء , بل قال: (ٱلۡكِتَٰبَ)[القصص:43] لأنّ الفرقان ذهب وبقي الكتاب , والكتاب بصائر للناس. والله أعلم.
السؤال الثاني:
جاء في الآية (وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ)[البقرة:53] وجاء في آية آل عمران (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ)[آل عمران:186] فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
في هذا الباب ما نراه في القرآن الكريم في (ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) فإنه على العموم إذا كان المقام مقام مدح وثناء أظهر الله ذاته ونسب إتيان الكتاب إلى نفسه، فيقول: (ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ) وإذا كان المقام مقام تقريع وذم، قال: (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ).
شواهد قرآنية في إسناد الإيتاء إلى نفسه في مقام المدح والثناء :
البقرة [53،121، 146] الجاثية [16] الأنعام [114] الرعد [36] القصص [52] العنكبوت [47] النساء [54].
شواهد قرآنية في مقام الذم ويُبنى فيها فعل الإيتاء للمجهول :
البقرة [101، 144، 145] آل عمران [19، 23، 100،186، 187] النساء [44، 47، 51] المائدة [57] التوبة [29] الحديد [16].
****
(وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ)
السؤال الأول:
ما الفرق بين الفاءين في قوله تعالى: (فَتُوبُوٓاْ) (فَٱقۡتُلُوٓاْ) في الآية ؟
الجواب:
الفاء الأولى للسبب؛ لأنّ طلب التوبة سببه الظلم, والفاء الثانية للتعقيب؛ لأنّ القتل من تمام التوبة، والمعنى : فأتبعوا التوبة القتل .
السؤال الثاني:
ما النفحات الفكرية والإضاءات البيانية في الآية ؟
الجواب:
1ـ أوحى الله إلى موسى عليه السلام أنّ شرط توبتهم قتل النفس، كما أنّ القاتل عمداً لا تتم توبته إلا بتسليم نفسه حتى يرضى أولياء المقتول أو يقتلوه.
2ـ قوله (فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ) [البقرة:54] أي: توبة بعيدة عن الرياء نابعة من القلب وهو مطّلعٌ على ضمائركم , ولو كانت توبتكم على غير ذلك فقد تبتم إلى الناس، وذلك مما لا فائدة فيه؛ لأنكم أذنبتم إلى الله فوجب أنْ تتوبوا إلى الله بارئكم.
3ـ جاء في التفاسير :أمر الله أن يقتلَ منْ لم يعبد العجلَ ،مَن عبده قتلاً حقيقياً , فيكون المعنى من قوله: (فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ)[البقرة:54] أي: استسلموا للقتل، وهو المعنى الأقرب، وقيل المعنى: ليقتل بعضكم بعضاً.
4ـ قوله: (ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ) [البقرة:54]؛ لأنّ حالتهم كانت دائرة بين ضرر الدنيا وهو متناهٍ ، وضرر الآخرة وهو غير متناه؛ ولأنّ الموت لا بدّ منه فليس في تحمل القتل إلا التقديم والتأخير, وأمّا الخلاص من العقاب والفوز بالثواب فذاك هو الغرض الأعظم.
5ـ قوله: (فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ)[البقرة:54] هوإمّا من قول موسى عليه السلام كأنه قال : إن فعلتم فقد تاب عليكم, وإمّا أن يكون خطاباً من الله لهم على طريق الالتفات بتقدير : ففعلتم ما أمركم موسى فتاب عليكم بارئكم .
السؤال الثالث:
ما دلالة حذف حرف الألف (يَٰقَوۡمِ) من حرف النداء(يا) في الآية ؟
الجواب:
حُذفَ حرفُ الألف من حرف النداء ( يا ) في جميع القرآن الكريم , ويوحي ذلك بأنّ النداء لا بدّ أن يكون من قرب حتى يكون تأثيره مؤكداً , فعبّر عن القرب بحذف حرف الألف .
ومثل ذلك كلمات : (يَٰٓـَٔادَمُ) (يَٰرَبِّ) (يَٰبَنِيٓ) (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ) (يَٰصَٰلِحُ).
والله أعلم .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #57  
قديم 21-03-2024, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (59)
مثنى محمد هبيان



﴿ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾
السؤال الأول:
قال هنا : (مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ)[البقرة:56] ، وقال في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ) [البقرة:109] بينما لم يذكر (من) في آية آل عمران (بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ) [آل عمران:100] فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
بشكل عام (مِن) للابتداء . تقول مثلاً : سافرت من مكة إلى المدينة , أي ابتداء السفر من مكة . وعندما تذكر ( من ) تكون للفترة أو للمسافة القصيرة لأنها ذكرت الابتداء , وبدون
( من ) يمكن أن تكون للفترة أو للمسافة القصيرة أو الطويلة . انظر إلى قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا﴾ [فصلت:10] فذكرهنا ( من ) ليدل على أنّ الرواسي ملتصقة بالأرض ليس بينها وبينها فراغ , بينما قال تعالى : (أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ﴾ [الملك:19] لم يذكرهنا ( من ) لأنّ بينهم وبين السماء مسافة طويلة .
1ـ في آيتي البقرة (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [البقرة:55ـ56 ]معناها أنّ الله لم يتركهم مدة طويلة ميتين .
2ـ وفي آية البقرة ﴿وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [البقرة: 109]
ذكر الله فيها أنّ كثيراً من الكفار يتمنون لو أنهم ردوا المسلمين من بعد الإيمان كافرين أي بلا مهلة (حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) فهم يتمنون الإسراع في تكفيرهم، وأنْ ينقلوهم فوراً من حالة الإيمان إلى حالة الكفر.
بينما في آية آل عمران (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ) [آل عمران:100] ففيها تحذير للمسلمين من إطاعة الكافرين؛ لأنهم ينفثون فيهم أوهامهم وضلالهم شيئاً فشيئاً حتى يردوهم مع مرور الزمن كافرين, وليس معناه أنهم ينقلونهم فوراً من الإيمان إلى الكفر.
لذلك الأولى مقام تمنٍّ، والثانية مقام تحذير.
والله أعلم.
﴿وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ﴾
السؤال الأول:
قدّم المفعول به، وهو(أَنفُسَهُمۡ) [البقرة:57] على الفعل، وهو (يَظۡلِمُونَ) [البقرة:57] فما دلالة هذا التقديم ؟
الجواب:
إنّ في تقديم المفعول به على فعله تأكيداً وتنويهاً:
آـ فيه تأكيد على أنّ حالهم كحال الجاهل بنفسه، فالجاهل يفعل بنفسه ما يفعله العدو بعدوّه .
ب ـ وفيه تنويه لك أيها المسلم أنّ الخروج من طاعة الله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً فيه ظلم، ولكنه ظلمٌ لنفسك قبل ظلمك لغيرك.
السؤال الثاني:
ما الفرق بين قوله تعالى فى سورة البقرة : (وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [البقرة:57] وفي آل عمران : (وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [آل عمران:117] بدون (كانوا) ؟
الجواب:
في العموم عندما يتكلم القرآن عن الحال، أي: الوقت الحالي وليس الزمن الماضي يقول: (أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) وعندما يتكلم عن الأقوام البائدة القديمة الماضية يقول: (كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [البقرة:57] . فيستعمل ( كانوا ) للدلالة على الزمن الماضي .
انظر كذلك الآيات : العنكبوت [ 40] التوبة [70] الأعراف [160]
السؤال الثالث:
ما دلالة اختلاف رسم كلمة (ٱلۡغَمَامَ) و(ٱلۡغَمَٰمَ) في القرآن الكريم؟
الجواب:
وردت كلمة (ٱلۡغَمَٰمَ) في القرآن الكريم ( 4) مرات , إثنان منها بالألف الوسطية , وإثنان :بدون ألف وسطية , والحالتان هما :
الحالة الأولى : (ٱلۡغَمَامَ)
﴿وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ ﴾ [البقرة:57].
﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ﴾ [البقرة:210].
جاءت (ٱلۡغَمَامَ) بألف وسطية في سورة البقرة لتدل أنّ الغمام لم يكن مضموماً وإنما كان متفرقاً, حيث كان بنو إسرائيل في شك من الإيمان بموسى عليه السلام حتى يروا الله جهرة . وتعني آية البقرة 210 أنهم ينتظرون رؤية الله مظللاً بالغمام منفصلاً عن الملائكة .
الحالة الثانية :(ٱلۡغَمَٰمَ)
(وَقَطَّعۡنَٰهُمُ ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ١٦٠﴾ ) [الأعراف:160].
(وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا) [الفرقان:25].
جاءت كلمة (ٱلۡغَمَٰمَ) بدون ألف وسطية مما يوحي بأنّ الغمام كان قريباً من بعضه , وبذلك كان الظل وارفاً , وكان هذا جزاء للأمة التي ذكرها الله من قوم موسى(وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ) [الأعراف:159].
وآية الفرقان تعني أنّ الغمام كان كثيفاً يوم القيامة . والله أعلم .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #58  
قديم 21-03-2024, 05:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (60)

مثنى محمد الهبيان


﴿وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ٥٨ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ٥٩ ۞وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ٦٠﴾
السؤال الأول:
المطلوب إجراء مقارنة بين قصة موسى في آيات البقرة ( 58ـ60) والقصة نفسها في آيات سورة الأعراف (160ـ 162) وهي قوله تعالى :
{وَقَطَّعۡنَٰهُمُ ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ١٦٠ وَإِذۡ قِيلَ لَهُمُ ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ وَقُولُواْ حِطَّةٞ وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِيٓـَٰٔتِكُمۡۚ سَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ١٦١ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظۡلِمُونَ١٦٢} ؟
الجواب:
مقدمـــة :
سياق آيات سورة البقرة هو في تعداد النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل, بينما سياق آيات سورة الأعراف هو في مقام تقريع وتأنيب لما فعله بنو إسرائيل بعد أنْ أنجاهم الله من البحر وأغرق فرعون .
وإليك أهم الفروق التعبيرية بين السورتين :
فما سر هذا الاختلاف ؟
البيان هو حسب التسلسل المذكور أعلاه :
1ـ قال في البقرة (وَإِذۡ قُلۡنَا) [البقرة:58] وفي الأعراف (وَإِذۡ قِيلَ) [الأعراف:161] ببناء الفعل للمجهول , والقرآن الكريم يسند الفعل إلى الله سبحانه في مقام التشريف والتكريم ومقام الخير العام والتفضل، بخلاف الشر والسوء، فإنه لا يذكر فيه نفسه تنزيهاً له عن فعل الشر وإرادة السوء.
ـ شواهد قرآنيةعلى ذكر نفسه تعالى :
المائدة [3]، النساء [72، 69] الإسراء [ 83] الفاتحة [7] الزخرف [59] الشعراء [ 78، 80] الجن [10] الكهف [79، 82 ] الحجرات [7 ] الصافات [ 6] الملك [ 5 ] الحجر [16].
ـ شواهد قرآنية على عدم ذكر نفسه تعالى :
البقرة [ 212] الرعد [33 ] الأنعام [ 122] فاطر [ 8 ] غافر [37] التوبة [37] الفتح [12].
ملاحظات :
ـ قد تجد (زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ) [النمل:4] ولكن لا تجد (زينا لهم سوء أعمالهم)؛ لأنّ الله لا ينسب لنفسه السوء.
ـ تجد (ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ) [البقرة:121] في مقام المدح والثناء، وتجد (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) [البقرة:101] في مقام الذم والتقريع.
ـ تجد (أَوۡرَثۡنَا) [فاطر:32] في مقام المدح، وتجد (أُورِثُواْ) [الشورى:14] في مقام الذم.
ـ شواهد قرآنية على (ءَاتَيۡنَا ) :
البقرة [53 ] الجاثية [16] البقرة [121، 146 ] الأنعام [20 ]الأنعام [114 ][89 ] الرعد[ 36] القصص[ 52] العنكبوت [47] النساء [54].
ـ شواهد قرآنية على (أُوتُواْ ) :
البقرة [ 101، 145] ـ آل عمران [ 19، 23، 100، 187] النساء [44، 47، 51 ] المائدة [ 57 ] التوبة [ 29 ] الحديد [16].
ـ شواهد قرآنية على (أَوۡرَثۡنَا ) :
فاطر [32 ] غافر [53]
ـ شواهد قرآنية على (أُورِثُواْ) :
الشورى [14].
وليس معنى هذا أنّ الله سبحانه لا ينسب إلى نفسه عقوبة، بل إنه يفعل ذلك لأنه من الخير العام , ولكنه لا ينسب إلى نفسه سوءاً، فإنه من أكبر الخير أنْ يهلك الطغاة الظالمين (لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ) [إبراهيم:13] (ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ) [فاطر:26] .
2 و3 ـ قال في البقرة: (ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ) [البقرة:58] وقال في الأعراف : (ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ) [الأعراف:161] .
في البقرة المطلوب الدخول ثم الأكل مباشرة (فَكُلُواْ) [البقرة:58] بالفاء.
بينما المطلوب في الأعراف : السكن والاستقرار ثم الأكل (وَكُلُواْ) بالواو.
والدخول غير السكن؛ لأنّ السكن لا يكون إلا بعد الدخول، فجعل الطعام في البقرة مهيأ قبل السكن والاستقرار, وفي الأعراف مع السكن بلا تعقيب فقد يطول الزمن وقد يقصر، فكان الموقف في البقرة أكرم وأفضل .
4ـ قال في البقرة : (رَغَدٗا) [البقرة:58] ولم يقل ذلك في الأعراف تناسباً لتعداد النعم في البقرة ، مع ملاحظة أن كلمة (رَغَدٗا) تكررت مرتين في سورة البقرة مع قصتي آدم وموسى عليهما السلام؛ لأنّ جو البقرة جو تكريم لآدم وتكريم لذريته من بني إسرائيل, ولم تذكر الكلمة في الأعراف في القصتين؛ لأنّ جو السورة جو عقوبات وتأنيب.
ثم انظر كيف قدّم (رَغَدٗا) في الجنة وأخّرها في الدنيا، فقال في الجنة: (وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا) [البقرة:35] وقال في الدنيا : (فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا) [البقرة:58]؛ لأنّ الرغد في الدنيا قليل.
5 ـ في البقرة قدّم السجود على القول (وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ) [البقرة:58] وذلك لسببين:
آ ـ السجود أشرف من القول .
ب ـ السياق يقتضي ذلك، فقد جاءت هذه القصة في عقب الأمر بالصلاة، انظر آيات سورة البقرة( 43- 47 ) فناسب تقديم السجود لاتصاله بالصلاة والركوع , وكلا الأمرين مرفوع في سورة الأعراف فأخّر السجود.
6 ـ في البقرة قال: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ) [البقرة:58] بجمع الكثرة وهو مناسب لمقام تعداد النعم , وقال في الأعراف : (خَطِيٓـَٰٔتِكُمۡۚ) [الأعراف:161] بجمع القلة وهو مناسب لمقام التقريع والتأنيب.
7ـ قال في البقرة: (وَسَنَزِيدُ) [البقرة:58] فجاء بالواو الدالة على الاهتمام والتنويع ولم يجىء بها في سورة الأعراف.
8 ـ قال في سورة البقرة : (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ) وقال في سورة الأعراف (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) وذلك لأنه سبق هذا القول في سورة الأعراف قوله تعالى : (وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ) [الأعراف:159] أي : ليسواجميعاً على هذه الشاكلة من السوء , فناسب هذا التبعيض في الآية. وجاء في ( التفسير الكبير ) أنّ سبب زيادة كلمة ( منهم ) في الأعراف أنّ أول القصة مبني على التخصيص بلفظ ( من ) كما في الآية (159 ) فذكر أنّ منهم من يفعل ذلك , ثم عدّد صنوف إنعامه عليهم وأوامره لهم , فلمّا انتهت القصة قال تعالى : (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) فذكر لفظة ( منهم ) في آخر القصة كما ذكرها في أول القصة ليكون آخر الكلام مطابقاً لأوله .
9ـ الفرق بين قوله تعالى في البقرة: (فَأَنزَلۡنَا) وبين قوله في الأعراف : (فَأَرۡسَلۡنَا ) أنّ الإنزال لا يشعر بالكثرة، والإرسال يشعر بها،والإرسال أشد في العقوبة من الإنزال , قال تعالى في أصحاب الفيل : (وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ٣ تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيلٖ٤ فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۢ٥) فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب القليل ثم جعله كثيراً, والسبب أنّ سياق آيات سورة البقرة هو في تعداد النعم التي أنعم الله على بني إسرائيل, بينما مقام آيات سورة الأعراف هو مقام تقريع وتأنيب لما فعله بنو إسرائيل.
وللعلم فقد ورد لفظ ( الإرسال ) ومشتقاته في الأعراف حوالي ثلاثين مرة , وفي البقرة سبع عشرة مرة , فوضع كل لفظ في المكان الذي هو أليق بها .
10 ـ قال في البقرة: (عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٥٩) وقال في الأعراف: (عَلَيۡهِمۡ ١٦٢) وهو أعم من الأول , أي أنّ العقوبة أعم وأشمل وهو المناسب لمقام التقريع .
11ـ قال في البقرة: (يَفۡسُقُونَ ٥٩) وقال في الأعراف: (يَظۡلِمُونَ ١٦٢) والظلم أشد من الفسق، وهو المناسب لـ ( إرسال ) العذاب فذكر في كل سيلق ما يناسبه . وقد يظلم الإنسان نفسه وقد يظلم غيره، ولكنّ الفاسق هو الذي يظلم نفسه بخروجه عن طاعة الله وليس شرطاً أنْ يظلم غيره، وجاء في الحديث القدسي «ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا» . والله أعلم.
تتمة النقاط وتفصيلات أخرى تجدها فيما يلي :
السؤال الثاني:
ما الفرق من الناحية البيانية بين (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60] في سورة البقرة ، و(فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] في سورة الأعراف في قصة موسى عليه السلام؟
الجواب:
1ـ جاء في سورة البقرة (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ) [البقرة:60] .
وجاء في سورة الأعراف (وَقَطَّعۡنَٰهُمُ ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [الأعراف:160] .
والسؤال ماذا حدث فعلاً هل انفجرت أو انبجست؟ والجواب كلاهما، وحسب ما يقوله المفسرون: إنها انفجرت أولاً بالماء الكثير، ثم قلّ الماء بمعاصيهم.
في سياق الآيات في سورة البقرة الذي يذكر الثناء والمدح والتفضّل على بني إسرائيل جاء بالكلمة التي تدل على الكثير، فجاءت كلمة (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60]، أمّا في سورة الأعراف فالسياق في ذمّ بني إسرائيل فذكر معها الانبجاس (فَٱنۢبَجَسَتۡ) وهو أقلّ من الانفجار, وهذا أمرٌ مشاهد فالعيون والآبار لا تبقى على حالة واحدة، فقد تجفّ العيون والآبار، فذكر الانفجار في موطن والانبجاس في موطن آخر، وكلا المشهدين حصل بالفعل.
2 ـ سياق الآيات في البقرة هو في التكريم لبني إسرائيل، فذكر أموراً كثيرة في مقام التفضيل والتكرّم والتفضّل: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩ وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٠) [البقرة: 49 ،50] و (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ) [البقرة:47] .
أمّا السياق في الأعراف فهو في ذكر ذنوبهم ومعاصيهم، والمقام مقام تقريع وتأنيب لبني إسرائيل: (وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ) [الأعراف:138] والفاء (فَأَتَوۡاْ) [الأعراف:138] هنا تفيد المباشرة، أي: بمجرد أنْ أنجاهم الله تعالى من الغرق أتوا على قوم يعبدون الأصنام فسألوا موسى أنْ يجعل لهم إلهاً مثل هؤلاء القوم.
3ـ قوم موسى استسقوه، فأوحى إليه ربه بضرب الحجر (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ) [البقرة:60] وفيها تكريم لنبيّ الله موسى عليه السلام واستجابة الله لدعائه. والإيحاء أنّ الضرب المباشر كان من الله تعالى, وفي الأعراف موسى عليه السلام هو الذي استسقى لقومه (إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ) [الأعراف:160].
4ـ قال في البقرة: (كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ) [البقرة:60] والشرب يحتاج إلى ماء أكثر، لذا انفجر الماء من الحجر في السياق الذي يتطلب الماء الكثير, بينما قال في الأعراف:( كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ)[الأعراف:160] لم يذكر الشرب فجاء باللفظ الذي يدل على الماء الأقلّ (فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] .
5ـ في البقرة جعل الأكل عقب الدخول، وهذا من مقام النعمة والتكريم (ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ) [البقرة:58] والفاء تفيد الترتيب والتعقيب، بينما في الأعراف لم يرد ذكر الأكل بعد دخول القرية مباشرة، وإنما أمرهم بالسكن أولاً ثم الأكل (ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ) [الأعراف:161] .
(رَغَدٗا) تذكير بالنعم وهم يستحقون رغد العيش كما يدلّ سياق الآيات، وفي الأعراف لم يذكر (رغداً)؛ لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم .
7ـ في البقرة قال: (وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ) [البقرة:58] بُدئ به في مقام التكريم وتقديم السجود أمر مناسب للأمر بالصلاة الذي جاء في سياق السورة (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ) [البقرة:43] والسجود هو من أشرف العبادات، بينما قال في الأعراف:
( وَقُولُواْ حِطَّةٞ وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا) [الأعراف:161] لم يبدأ بالسجود هنا؛ لأنّ السجود من أقرب ما يكون العبد لربه ، وهم في السياق هنا مبعدون عن ربهم لمعاصيهم .
8ـ قال في البقرة: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ) [البقرة:58] (الخطايا) جمع كثرة, وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً, وهذا يتناسب مع مقام التكريم الذي جاء في السورة، بينما قال في الأعراف: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِيٓـَٰٔتِكُمۡۚ) [الأعراف:161] وخطيئات جمع قلّة، وجاء هنا في مقام التأنيب، وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم في السورة .
(وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [البقرة:58] إضافة الواو هنا تدل على الاهتمام والتنويع، ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم، وفي الأعراف (سَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [الأعراف:161] لم ترد الواو هنا؛ لأنّ المقام ليس فيه تكريم ونعم وتفضّل.
10ـ في البقرة قال: (فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ) [البقرة:59] وفي الأعراف (فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) [الأعراف:162] هم بعض ممن جاء ذكرهم في أول الآيات.
11ـ في البقرة قال:( فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ)[البقرة:59] وفي الأعراف قال: (فَأَرۡسَلۡنَا) [الأعراف:162] (أرسلنا) في العقوبة أشدّ من (أنزلنا)، وقد تردد الإرسال في السورة 30 مرة، أما في البقرة فتكرر 17 مرة .
12ـ في البقرة قال: (بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ) [البقرة:59] وفي الأعراف (بِمَا كَانُواْ يَظۡلِمُونَ) [الأعراف:162] والظلم أشدّ؛ لأنه يتعلّق بالنفس وبالغير.
لذلك (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60] جاءت هنا في مقام التكريم والتفضّل، وهي دلالة على أنّ الماء بدأ بالانفجار بالماء الشديد فجاء بحالة الكثرة مع التنعيم، وجاءت (فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] في مقام التقريع؛ قلّ الماء بمعاصيهم، فناسب ذكر حالة قلّة الماء مع تقريعهم .
وخروج الماء كان كثيراً في البداية لكنه قلّ بسبب معاصيهم، وليس هذا تعارضاً كما يظن بعضهم، لكن ذكر الحالة بحسب الموقف الذي هم فيه، فلمّا كان فيهم صلاح قال: انفجرت، ولمّا كثرت معاصيهم قال: انبجست.
13ـ في الآية (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ) [البقرة:60] موسى ضرب الحجر، لكنه لم يقل (فضرب) إذن الكلام فيه حذف، وهو مفهوم ولكن لم يذكره .
السؤال الثالث:
قال تعالى: (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ) [البقرة:60] ولم يقل مثلاً : (وإذ استسقى موسى ربّه) ؟ أليس موسى أحد أفراد القوم ؟
الجواب:
في هذا السؤال دلالة على عناية الله تعالى بعباده الصالحين، فهذا الدعاء والاستسقاء يدلك على أنّ موسى عليه السلام لم يصبه العطش؛ لأنّ الله تعالى وقاه الجوع والظمأ، كما قال رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم : «إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني».
وانظر كيف كان الاستسقاء لموسى عليه السلام وحده دون قومه، فلم يقل ربنا سبحانه وتعالى مثلاً : (وإذا استسقى موسى وقومه ربهم)، وذلك ليظهر لنا ربنا كرامة موسىِ عليه السلام وحده، ولئلا يظن القوم أنّ الله تعالى أجاب دعاءهم.
السؤال الرابع:
ما نوع الفاء في كلمة (فَقُلۡنَا) [البقرة:60] في الآية ؟
الجواب:
الفاء هي الفاء الفصيحة، وهي الفاء التي تبين وتفصح عن :
1 – محذوف وتدل على ما نشأ عنه مثل قوله تعالى: (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ) [البقرة:60] وتقدير الكلام ( ... فقلنا اضرب بعصاك الحجر فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) .
2ـ أو تفصح عن جواب شرط محذوف، مثل قوله تعالى: (قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ) [يوسف:32] و تقدير الكلام : إنْ كنتن لا تدرين فذلكن الذى لمتنني فيه .
3ـ الفاء الفصيحة لا محل لها من الإعراب .
والله أعلم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #59  
قديم 22-03-2024, 04:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران"(61)
مثنى محمد الهبيان


(وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ٦١)
السؤال الأول:
ما المقصود بـ (مصر) في الآية ؟
الجواب:
كلمة (مِصۡرٗا) منونة، يعني أي: مدينة من المدن، وليست مصر المعروفة؛ لأنّ هذه الثانية تكون ممنوعة من الصرف (وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦ) [يوسف:21]، فإذا صرفت تكون أي مدينة، فقوله تعالى : (مِصۡرٗا) معناه أي بلدة؛ لأنّ ما طلبوه ليس هنا في الصحراء وإنما في أي مدينة.
السؤال الثاني:
كلمة (ضرب) تكررت في القرآن كثيراً بمعانٍ مختلفة، فكم معنى لها في اللغة؟
الجواب:
الضرب كثير في اللغة، وهو في اللغة: إيقاع شيء على شيء، والضرب مختلف في اللغة، وهذا يسمى (مشترك لفظي) أي: كلمة تتعدد معانيها بتعدد سياقها .
ومن ذلك :
ـ الضرب باليد والعصا.
ـ ضرب الدراهم، أي سكّها .
ـ الضرب في الأرض، أي: سار أو تاجر (وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ) [النساء:101] تجارة أو ابتغاء الرزق .
ـ ضرب على يد فلان: إذا حجر عليه (وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ) [البقرة:61] مثل الخيمة، وضرب على يده : إذا تبايعا وتعاقدا على البيع.
ـ المنع من السمع (فَضَرَبۡنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمۡ فِي ٱلۡكَهۡفِ سِنِينَ عَدَدٗا) [الكهف:11] .
ـ ضرب المثل: يعني بيّنه (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥ) [يس:78].
ـ بمعنى الإهمال (أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ) [الزُّخرُف:5] يعني : نهملكم .
ـ ضرب الوتد : يعني دقّه .
ـ ضرب ابنه : يعني ربّاه.
السؤال الثالث:
قوله تعالى (وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ) [البقرة:61] لِمَ لمْ يقل ربنا سبحانه وتعالى مثلاً : (أصابتهم الذلة والمسكنة) ؟ أليست هذه الصيغة تؤدي معنى ( ضربت عليهم الذلة والمسكنة)؟
الجواب:
تخيل قوماً أقاموا في مكان ما فضربت عليهم قُبّة، كيف تشاهد هذه الصورة؟ إنك تتخيل أفراداً ماكثين تحت قُبّة بحيث تحوطهم من كل جانب وتظلّهم, وكذلك هذه الآية فقد شبّه الله تعالى الذلة والمسكنة بالقبة التي أحاطت أهلها فلازموها ولم يغادروها، فكانت الذلة والمسكنة بيتهم الذي لايغادرونه ولا يحولون عنه، والمسكنة هي الفقر، وأُخِذ هذا المعنى من السكون؛ لأنّ الفقر يقلل حركة صاحبه ويجعله يؤثِر السكون.
السؤال الرابع:
ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ) [البقرة:61] في سورة البقرة وقوله سبحانه: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران: 112] في سورة آل عمران؟ ما دلالة الاختلاف بين : (النبيين والأنبياء) وبين: (بغير حق وبغير الحق) ؟
الجواب:
قال تعالى في سورة البقرة : (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ) [البقرة:61].
وقال سبحانه في سورة آل عمران: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران:21] و (ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ) [آل عمران:112] .
أولا ً : (النبيين ـ أنبياء) :
1ـ جمع المذكر السالم بشكل عام يفيد القلة، نحو : نبيون .
2ـ جمع التكسير يفيد الكثرة، نحو : أنبياء .
لذلك من حيث اللغة (الأنبياء) أكثر من (النبيين) من حيث العدد؛ لأنّ (الأنبياء) جمع تكسير وهو من جموع الكثرة، و(النبيين) جمع مذكر سالم وهو من جموع القلة.
ثانياً : بغير حق ، بغير الحق .
1ـ كلمة (الحق) معرّفة: تعني الحق الذي يدعو للقتل، وهو معلوم (النفس بالنفس) فهناك أمور يستحق بها القتل.
2ـ أمّا (بغير حق) نكرة، فهي تعني لا حق يدعو إلى القتل ولا إلى غيره، فإذا أراد تعالى أنْ يبيّن لنا العدوان يذكر (بغير حق).
3ـ عندما يقول القرآن: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران:112] هذا أعظم وأكبر جرماً من : (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ) [آل عمران:21] ؛ لأنّ الأنبياء أعم وأشمل , وكلمة (حَقّٖ) من دون أي داعٍ؛ فهذا أكبر جرماً .
بينما (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ) [البقرة:61] النبيون أقل، و(الحق): الحق الذي يدعو إلى القتل .
ثالثاً ـ السياق :
نلاحظ في مقام الذم والكلام عن بني إسرائيل أنّ القرآن يقول: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران:112] ؛لأنها أكثر وأعظم جُرماً من : (يقتلون النبيين بغير الحق).
وفي القرآن الكريم عندما يذكر معاصي بني إسرائيل يذكر (الأنبياء) لكثرة معاصيهم.
السؤال الخامس:
ما دلالة رسم كلمة (وَبَآءُو) بدون ألف في القرآن الكريم ؟
الجواب:
وردت كلمة (وَبَآءُو) بدون ألف في آخرها ثلاث مرات في كل القرآن الكريم في الآيات :
[ البقرة 61 ـ90 آل عمران 112 ] وكلها بدون ألف في آخرها , ويوحي هذا النقص في حذف الألف بسرعة اكتسابهم غضب الله , وهم اليهود الذين عصوا الله سبحانه فاستحقوا سرعة غضبه . والله أعلم .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #60  
قديم 22-03-2024, 04:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,817
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير "من روائع البيان في سور القران" (62)
مثنى محمد الهبيان


(إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٦٢)
السؤال الأول:
لِمَ عبّر تعالى في هذه الآية بـ (وَٱلَّذِينَ هَادُواْ) [البقرة:62] ولم يقل اليهود؟
الجواب:
في هذا التعبير إشارة إلى أنهم ليسوا اليهود، وإنما هم الذين انتسبوا إلى اليهود ولم يكونوا من سبط يهوذا أكبر أولاد يعقوب عليه السلام.
والنصارى جمع (نصرى)، نسبة إلى الناصرة، وهي قرية نشأت فيها مريم عليها السلام أم المسيح، وقد خرجت مريم من الناصرة قاصدة البيت المقدس فولدت المسيح في بيت لحم، ولذا سمي عيسى: يسوع الناصري، ومن ثَمَّ أُطلق على أتباعه اسم: النصارى.
السؤال الثاني:
ما وجه الاختلاف من الناحية البيانية بين آية 62 في سورة البقرة، وآية 69 في سورة المائدة وآية الحج 17؟ ولماذا النصب والرفع في: (الصابئين) و(الصابئون)؟وما دلالة التقديم والتأخير؟
الجواب:
جاء ذكر كلمة (الصابئين) في القرآن في ثلاث آيات، لكن بصور مختلفة:
فلماذا مثلاً في آية المائدة (69) قدّم (الصابئون) ورفعها وأخّر النصارى؟
والجواب أنه:
1ـ في آية البقرة ( 62 ) جاءت كلمة (وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ) بالنصب والعطف على اسم إنّ باللفظ، وجاءت في الوضع العادي بعد اليهود والنصارى , فالتسلسل هو المناسب تاريخياً.
بينما رفع (وَٱلصَّٰبِ‍ُٔونَ) في آية المائدة على غير إرادة التوكيد، ولو أراد التوكيد لنصبها , وذلك لأنّ الصابئين هم أبعد المذكورين عن الإيمان، أي: أقلهم منزلة فقلّل التوكيد لهم؛ أي: أنّ الله جعل موازنة في آية المائدة فقدّم الصابئين ولم يؤكدهم ولم يعطهم الأولوية ليكون مقامهم كما في آية سورة البقرة مؤخرين على من ذُكر معهم , وأخّر النصارى وأكّدهم, بينما في سورة البقرة قدّم النصارى وأكّدهم وأخّر الصابئين، لكنْ جعلهم ملحوقين بالنصارى.
2ـ التقديم كان لمقتضى السياق وليس التقديم للأفضل, والسياق في سورة المائدة هو ذم عقائد النصارى وأنهم كفروا بالله وجعلوا له شركاء, فأخّر النصارى لتقترب الكلمة من متابعة ذم عقائد النصارى, قال تعالى: (لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِيحُ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ٧٢ لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ٧٣﴾ [المائدة:72-73].
لذلك رفع (الصابئون) للدلالة على أنهم أبعد المذكورين في الضلال؛ ولأنهم أقل منزلة، وأخّر النصارى لمتابعة السياق في ذم عقائدهم.
وكلمة (الصابئون) تعرب مبتدأ، وقد تكون اعتراضية وخبرها محذوف بمعنى: والصابئون كذلك.
3ـ الدليل على أنّ التقديم ليس من الضروري أنْ يكون للتفضيل قوله تعالى في سورة الحج: (ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ٤٠) [الحج:40] , فالمساجد هي أفضل المذكور في الآية لكن أحيانا يُقدم ما هو أقل تفضيلاً؛ لأنّ سياق الآية يقتضي ذلك، وكذلك نرى في ذكر موسى وهارون في القرآن أحيانا يُقدم موسى على هارون وأحيانا يُقدم هارون على موسى بحسب سياق الآيات.
4ـ في آية الحج رقم (17) قال فيها سبحانه: (وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ) فنصب الصابئين وقدّمهم على النصارى لأنّ السياق في سورة الحج موقف قضاء، والله سبحانه وتعالى لا يفرّق بين المتخاصمين ما داموا في طور الفصل (وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ) [النساء:58] فالمتخاصمون جميعهم سواء أمام القاضي حتى على المستوى اللغوي. قال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ) [الحج:17].
5 ـ هناك فرق بين نهايتي آيتي البقرة والمائدة، علماً أنّ المذكورين في الآيتين واحد:
نهاية آية البقرة (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:62].
نهاية آية المائدة (فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [المائدة:69].
فلماذا جاء في البقرة (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ) [البقرة:62] ولم تأتِ في المائدة؟
والجواب على ذلك أنه:
آ ـ السياق في سورة المائدة في ذم عقائد اليهود والنصارى بشكل مسهب, أمّا في البقرة فالكلام عن اليهود فقط وليس النصارى, أي أنّ سورة المائدة تكلمت عن اليهود أكثر مما جاء في سورة البقرة, حتى أنّ القرآن لم يذكر في البقرة العقوبات التي ذكرها في المائدة, انظر آيات المائدة [60،65] وسياق الغضب في المائدة على معتقدات النصارى أشد، فاقتضى السياق أنْ يكون زيادة الخير والرحمة في المكان الذي يكون أقل غضباً أي في آية البقرة. مع ملاحظة أنّ جوَّ الرحمة ومفردات الرحمة وتوزيعها في سورة البقرة أكثر مما جاء في سورة المائدة, ولم تُجمع القردة والخنازير إلا في سورة المائدة.
ب ـ وردت الرحمة ومشتقاتها في سورة البقرة (19) مرة، بينما وردت في المائدة (5) مرات؛ لذا اقتضى التفضيل بزيادة الرحمة في البقرة، والأجر يكون على قدر العمل للذين آمنوا من أهل الكتاب قبل تحريفه وهم مؤمنون بالله واليوم الآخر إيماناً حقيقياً.
ج ـ ورد في سورة المائدة ذكرحوالي (10) أنواع من العمل الصالح، ومنها: الوفاء بالعقود ـ الوضوء ـ الزكاة ـ الأمر بطاعة الله ورسوله ـ الإحسان ـ التعاون على البر والتقوى ـ إقام الصلاة ـ الجهاد في سبيل الله ـ استباق الخيرات.
بينما ورد في سورة البقرة أكثر من (30) نوعاً من أنواع الخير، وتشمل كل ما ذُكر في المائدة عدا الوضوء إضافة إلى [ الحج والعمرة ـ الصيام ـ الإنفاق ـ العكوف في المساجد ـ بر الوالدين ـ الهجرة في سبيل الله ـ إيفاء الدين ـ الإصلاح بين الناس وغيرها كثير ]؛ لذا اقتضى كل هذا العمل في البقرة أنْ يكون الأجر أكبرفقال:(فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ) [البقرة:62].
د ـ لم ترد الآية (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٦٢) [البقرة:62] بهذا الشكل إلا في سورة البقرة , وترددت مفردات الجزء الأول منها (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ) [البقرة:62] في البقرة أكثر من المائدة حسبما يلي:


جاء حرف (الفاء) في البقرة (751) مرة، وفي المائدة (291) مرة.
(لَهُمۡ) في البقرة (29) مرة، وفي المائدة (15) مرة.
(أَجۡرُهُمۡ) في البقرة (5) مرة، وفي المائدة (1) مرة واحدة.
(عِندَ) في البقرة (19) مرة، وفي المائدة (1) مرة واحدة.
(رَبِّهِمۡ) في البقرة (10) مرات، وفي المائدة (2) مرتان.
والله أعلم.
6ـ وقوله تعالى: (وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:38] [المائدة:69] يفيد التالي:
آـ الفاء ليست للعطف وإنما هي جواب شرط.
ب ـ نفى الخوف بالصيغة الاسمية، ونفى الحزن بالصيغة الفعلية , وخصص الحزن بالضمير (وَلَا هُمۡ) وعطف بـ (هُمۡ) على الجملة الاسمية؛ لأنها أفصح وأثبت.
ولا يصح أنْ يقال: (لا يخافون) فالخوف شيء طبيعي موجود عند الإنسان , فالمعنى أنه لا يُخشى عليه خطر، فقد يكونون خائفين لكنّ الأمان من الله أمّنهم بأنه لا خوف عليهم.
ج ـ جعل الحزن بالفعل وأسنده إليهم, ولو قال: (لا حزن) فتعني لا حزن عليهم من الغير، بينما المهم للإنسان أنْ لا يكون هو في حزن، وليس المهم حزن الآخرين عليه.
د ـ قالوا: إنّ معنى (وَلَا خَوۡفٌ) أي: على الماضي من الدنيا، فجاء بالصيغة الاسمية للتثبيت أنه لا خوف (وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) مما يقابلهم في المستقبل، وقد تتكرر دواعي الحزن فجاء بالفعل الدال على الحدوث.
هـ ـ قدّم الضمير: (هُمۡ) للقصر، فنفى عنهم الحزن وأثبته لغيرهم من أهل الضلال.
وـ لم يقل: (لا عليهم خوف)؛ لأنه لا يصح المعنى ولو قالها لكان معناها: أنه نفى الخوف عنهم وأثبت أنّ الخوف على غيرهم، يعني يخاف على الكفار.
زـ لم يقل: (لا خوفَ)؛ لأنه في هذه الحالة تكون (لا) نافية لجنس الخوف، أي: للجميع، أمّا (وَلَا خَوۡفٌ) بالرفع فتفيد نفي الجنس ونفي الواحد, والسياق عيّن أنه لا خوف عليهم على سبيل المدح والاستغراق. والله أعلم.
السؤال الثالث:
ما المعنى العام المشترك بين آيات [ البقرة 62 ـ المائدة 69 ـ الحج 17 ]؟
الجواب:
المعنى العام للآيات: أنّ من آمن وعمل صالحا من كل هذه الفرق في زمانه أو زمان رسوله الخاص فله أجره, وهذا ما قبل بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم , أمّا بعد بعثته فلا بدّ من الإيمان به والتصديق بدعوته، ولا يصح إيمان الفرق السابقة بعد بعثة الرسول الكريم (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ) [آل عمران:85].
وفي الآية دعوة للجميع للدخول في الإسلام، وذكر الذين آمنوا بمعنيين:
آ ـ الذين آمنوا بدين أنبيائهم وفي زمانهم آنذاك, وهؤلاء مطالبون بالدخول في الإسلام إنْ كانوا لا يزالون أحياء على زمن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ب ـ غيرهم، فالجميع حتى المسلمون مطالبون بالدخول في الإسلام، والآية تعطي تساويا للجميع في طلب الدخول في دين الإسلام, وحتى يشعر اليهود الذين يظنون أنهم شعب الله المختار أنه طالما طُلِبَ من المسلمين أنْ يدخلوا في الإيمان بدين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فمن الأولى أنْ نطالب نحن بذلك أيضاً , والله أعلم.
السؤال الرابع:
ما سبب تقديم وتأخير كلمة (الصابئين)، وما سبب رفعها ونصبها في آيتي البقرة [ 62] والمائدة [69]؟ ولِمَ بقي الوضع على أصله في آية الحج؟
الجواب:
في سورة المائدة قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِ‍ُٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [المائدة:69] وفي سورة البقرة: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:62].
بشكل عام نقول: (النصب) ليس فيه إشكال، وإنما (الرفع) هو الذي كثيراً ما يُسأل عنه، والنصب معطوف على منصوب.
1ـ الرفع في آية سورة المائدة من حيث الناحية الإعرابية ليس فيه إشكال عند النحاة؛ لأنهم يقولون على غير إرادة (إِنَّ) أي: على محل إسم إنّ.
وفي الأصل اسم إنّ قبل أنْ تدخل عليه مرفوع، فهذا مرفوع على المحل، أو يجعلونه جملة: (والصابئون كذلك)، لكن لماذا فعل ذلك حتى لو خرّجناها نحوياً؟ هي ليست مسألة إعراب فالإعراب يُخرّج؛ لأنه يمكن أنْ نجعلها جملة معترضة وينتهي الإشكال، لكنْ لماذا رفع؟
(إِنَّ) تفيد التوكيد، معناه أنه قسم مؤكّد وقسم غير مؤكد، أي: (الصابئون) غير مؤكد والباقي مؤكد لماذا؟ لأنهم دونهم في المنزلة، فهم أبعد المذكورين ضلالاً، ويقول المفسرون: إنّ هؤلاء يعبدون النجوم، (صبأ) في اللغة، أي: خرج عن المِلّة، عن الدين , فالصابئون خرجوا عن الديانات المشهورة، وهم قسمان:
قسم قالوا إنهم يعبدون النجوم، وقسم متبعون ليحيى عليه السلام، فهؤلاء أبعد المذكورين، والباقون أصحاب كتاب، الذين هادوا أصحاب كتاب وعندهم التوراة، والنصارى عندهم كتاب الإنجيل، والذين آمنوا عندهم القرآن, بينما الصابئون ليس عندهم كتاب, وبالنسبة لنا هم أبعد المذكورين ضلالاً، ولذلك هم دونهم في الديانة والاعتقاد ولذلك لم يجعلهم بمنزلة واحدة فرفع فكانوا أقل توكيداً. و(إِنَّ) للتوكيد. نقول: محمد قائم،ونقول: إنّ محمداً قائم، هذه أقوى.
2ـ لكن لماذا لم يأت بها مرفوعة ووضعها في نهاية الترتيب؟
في آية التوبة (وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة:3] ما قال: (ورسولَه) بالنصب، مع أنه يمكن العطف على لفظ الجلالة (ٱللَّهَ)، فلم يعطف على اسم الجلالة وإنما عطف على المحل، أي: (ورسولُه بريء)؛ لأنّ براءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليست ندّاً لبراءة الله تعالى ولكنها تبعٌ لها وليست مثلها، فبراءة الله تعالى هي الأولى، ولو قال: (ورسولَه) بالنصب تكون مؤكدة كالأولى، فإشارة إلى أنّ براءته ليست بمنزلة براءة الله سبحانه وتعالى، وإنما هي دونها فرفع على غير إرادة (إِنَّ)، حتى في الشعر العربي قول الشاعر جرير:
إنّ النبوةَ والخلافةَ فيهم= والمكرماتُ وسادةٌ أطهارُ
قال: (المكرماتُ) بالرفع ولم يقل: (المكرماتِ) بالنصب؛ لأنّ هؤلاء السادة لا يرتقون لا إلى النبوة ولا إلى الخلافة، هذه الدلالة موجودة في الشعر ففهمها العرب.
3ـ يبقى السؤال حول التقديم والتأخير في الترتيب: آية المائدة قال: (وَٱلصَّٰبِ‍ُٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ) [المائدة:69] وآية البقرة: (وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ) [البقرة:62]، أي: في المائدة قدّم ورفع الصابئين؛ لأنه أتبع هذه الآية بذمّ النصارى في المائدة ذماً فظيعاً على معتقداتهم، وتكلم عن عقيدة التثليث فجعلهم كأنهم لم يؤمنوا بالله وكأنهم صنف من المشركين , قال تعالى:
(لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ) [المائدة:72]
(لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ٧٣ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَيَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٧٤) [المائدة: 73 - 74].
فلمّا كان الكلام عن ذم العقائد (عقيدة النصارى) أخّر النصارى حتى تكون منزلتهم أقل وقدّم الصابئين مع أنهم لا يستحقون، وأخّر النصارى لأنه ذمّ عقيدتهم.
4ـ في سورة الحج تحدث عن مطلق الإيمان والكفر والحساب يوم القيامة، لذلك لمّا ذكرهم أولاً ذكرهم بالتأكيد ثم جمعهم جميعاً حتى يأتي معنى كلمة يفصل بينهم. لاحظ الآية: (وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يُرِيدُ١٦إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ) [الحج: 16 - 17] إذن هنا لا مجال ولا معنى لفصل المؤمنين؛ لأنّ الفصل سيكون يوم القيامة.
السؤال الخامس:
قال في آية البقرة: (وَعَمِلَ صَٰلِحٗا) [البقرة:62] فما الفرق بينها وبين: (فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا)؟
الجواب:
في عموم القرآن إذا كان السياق في العمل يقول: (عَمَلٗا صَٰلِحٗا) كما في آخر سورة الكهف (فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا) [الكهف:110] لأنه تكلم عن الأشخاص الذين يعملون أعمالاً سيئة , ويكون السياق في الأعمال نحو: (قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا١٠٣ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا) [الكهف:103-104] والسورة أصلاً بدأت بالعمل (وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا) [الكهف:2].والله أعلم.
أمّا قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:62] فليست في سياق الأعمال فقال: (وَعَمِلَ صَٰلِحٗا). والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 234.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 228.56 كيلو بايت... تم توفير 5.98 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]