|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
خاطرة من فراش المرض
خاطرة من فراش المرض سعيدة بشار غريبةٌ هي الأفكار التي تزورنا ونحن على فراشِ المرض، والحياة من حولنا تستمرُّ في المسيرِ لا تبالي بآلامنا، وهي في خضم تلك الضَّوضاء تُخبرنا همسًا: أنَّ رحيلَنا من قائمتها لن يؤثر في مسيرتها، غريبةٌ هي المشاعر التي تزورنا وتحتوينا، غريبةٌ هي أنفاس الحياةِ من حولنا، وأصواتها وصورها، غريبٌ أمر المراتب كيف تتغيَّر في لحظات، ما كانت له الأولوية بالأمسِ ما عادت له أية أهميةٍ اليوم، وما كان لا يُشعر بقيمتِه أصبح هو جوهر الحياة، نتنفسُ، نتحرَّكُ، نمشي بسهولة، وبلا تركيز، نحمل ما شئنا من أشياء، نقومُ بما نريده من أعمالٍ دون أن نشعرَ بعبئها أو تعبها، وتمضي الحياةُ بنا على ذاك الحال، أحيانًا سنوات طويلة، فننسى لدوامِها أنَّها نِعمٌ مُهداة، فيغيب الشُّكر وننسى المُنعم، وإن ذكرنا شكرَه أحيانًا فغالبًا ما يكونُ باللِّسان؛ لأنَّنا لم نذقْ ألم الفَقد، كم هو مؤلمٌ أن تفقدَ النِّعم بعد امتلاكِها! في نهاية المطاف كلها دون استثناء ممتلكاتٌ مؤقتة. حينما نشعرُ بالعجزِ والألَم، وتتكالبُ علينا الأفكارُ السَّوداء، مُهدِّدة إيَّانا بغدٍ قاتمٍ لا نورَ فيه، تتهالك فينا بقايا الدِّفاع، ولكن وفي قمةِ الضَّعفِ تأتينا من هناك، من فوق، جيوشٌ من الأنصارِ المساندين، المواسين لتُخبرَنا أنَّه وإن غابت الدُّنيا عنَّا، فإنَّه لا يزالُ إلى جانبنا، يرعانا، ويحنُّ علينا، ويحيطُنا بحبِّه، تُخبرنا بذلك روحُه التي تسري فينا، تُعظِّم فينا اليقينَ فيه، تزيدنا حبًّا له، واشتياقًا إليه. تنزل الجيوشُ إلى ساحة يأسنا لتُبدِّدَ ظلمته، وتفجِّر الأنوارَ في كلِّ اتِّجاه، فيبدأ بعضُ الأشخاص في الحركةِ من أجلنا، من أجل راحتنا، لخدمتنا بحبٍّ صادق؛ (لأنَّ حبَّه صادق)، وتُشع وجوههم أُنسًا وهم يتوددون إلينا؛ (لأنَّه الودودُ الرَّحيم)، ويُشتتون شملهم ليجمعوا شملَنا؛ (لأنَّه يعلم ألمنا وتشتتنا وهو اللَّطيف الخبير)، كيف نسيناه؟ كيف تجرأنا على ذلك؟! كم هو رائعٌ أن نمرضَ بشدَّة فجأة، ونسقط عاجزين عن كلِّ شيء في لحظة! لأنَّه فقط عند ذاك المقام نتذكرُه بصدق، ونشعرُ بحبه بصدق، ونرى نِعمَه كذلك بصدق، فنشعر أنَّنا كنَّا نحيا كالأنعام؛ غافلين، غير مركزين، غير واعين، ومن شدَّة حبه لنا يُهدي إلينا ما يرفعنا إلى مراتبِ البشر، يؤلم الصُّعود كثيرًا، ويُبكينا كثيرًا، ويُرهقنا كثيرًا، لكن كلَّ صعودٍ يتطلَّبُ جهودًا مضاعفة، ونشعر بوحي من الرُّوح التي تسري فينا أنَّنا ما دُمنا نطمح إلى عُلاه فإنَّ المسالك التي سنرتقي فوقها ستكون مؤلمةً جدًّا، ومرهقة جدًّا، وقد تكون داميةً أيضًا إذا كانت طموحاتنا تمتدُّ إلى المراتبِ العليا عنده، وإذا رُمنا الفردوسَ الأعلى، فإنَّ الضَّريبة ستكون يقينًا أغلى، ليس المرض نقمةً أو انتقامًا، ولا حتَّى عقابًا لمن فهم معناه، وفكَّ رموزَه، وتمكَّن من استثمارِه. أحبَّتي فلنعِد قراءة رسائل ربِّنا من جديد، سنكتشف يقينًا الكثير ممَّا غاب عنَّا.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |