فقه التعامل مع النعم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854922 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389805 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-04-2019, 02:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي فقه التعامل مع النعم

فقه التعامل مع النعم

د. مسعود صبري





امتن الله تعالى على عباده بالنعم، وأسبغ عليهم تلك النعم ظاهرا وباطنا، فالمرء محاط بنعم الله، كيف لا، وهو نعمة من نعم الله تعالى، فالمرء نعمة الله على والديه، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِل ِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } (النحل:72).

ولما خلق الله تعالى الإنسان، فأوجد له السبل للعيش والحياة، وسخر له ما في السماء والأرض، كما قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الجاثية:13)، فيتفكر المسلم في خلق الله تعالى وأن هذا الكون بكل ما فيه مسخر له؛ حتى يكون عبدا لله حقا، كما قال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)} (إبراهيم:32-33)، فكل ما في الكون من سماء وأرض، وأنهار وبحار، ونبات وأشجار، وشمس وقمر وليل ونهار وغير ذلك من المخلوقات من نعم الله تعالى على الإنسان.

وهذه النعم هي النعم الكونية، وهناك نعم دينية، كنعمة الإسلام، ونعمة الرسول " صلى الله عليه وسلم" ، وختم الرسالات به، ونعمة الهداية.

وهناك نعم دنيوية، كنعمة الولد ونعمة المال، ونعمة الزوجة، ونعمة الغنى، ونعمة الصحة وغيرها من النعم الدنيوية.

وفي عدة الصابرين (ص:142): قال وهب بن منبه: رؤوس النعم ثلاثة؛ فأولها نعمة الإسلام التي لا تتم نعمة إلا بها. والثانية نعمة العافية التي لا تطيب الحياة إلا بها، والثالثة نعمة الغنى التي لا يتم العيش إلا به.

وقسم الإمام ابن القيم النعم إلى ثلاث، فقال في الفوائد (ص:172):

النعم ثلاثة؛ نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظرة يرجوها، ونعمة هو فيها لا يشعر بها. فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده؛ عرفه نعمته الحاضرة، وأعطاه من شكره قيدا به حتى لا تشرد؛ فإنها تشرد بالمعصية وتقيد بالشكر، ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة، وبصره بالطرق التي تسدها، وتقطع طريقها ووفقه لاجتنابها، وإذا بها قد وافت إليه على أتم الوجوه وعرفه النعم التي هو فيها فلا يشعر بها.

ويحكى أن أعرابيا دخل على الرشيد، فقال: يا أمير المؤمنين، ثبت الله عليك النعم التي أنت فيها بإدامة شكرها، وحقق لك النعم التي ترجوها، بحسن الظن به، ودوام طاعته، وعرفك النعم التي أنت فيها ولا تعرفها لتشكرها. فأعجبه ذلك منه، وقال: ما أحسن تقسيمه!

ولما كانت النعم ابتداء من المنعم سبحانه وتعالى، وجب على العبد أن يفقه حسن التعامل مع تلك النعم لبقائها وزيادتها، ومن فقه التعامل مع نعم الله تعالى ما يلي:

أولا- العلم بالمنعم على الحقيقة

من فقه النعمة أن يوقن المسلم أن المنعم هو الله تعالى ليس غيره، كما قال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (النحل:53)، ذلك أن طبائع بعض البشر إذا كثرت عندهم النعم غرتهم أنفسهم، وظنوا أنهم هم مصدر النعمة، كما قال تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } (الزمر:49)، وكما قص الله تعالى على لسان قارون، { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } (القصص:78).

ثانيا- شكر النعمة

ومن فقه النعم أن يشكر الإنسان المنعم سبحانه وتعالى على ما وهبه من النعم الكثيرة، وهذا الشكر مردود عليه محفوظ له عند ربه سبحانه وتعالى، كما قال: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (لقمان:12). وشكر النعم من الواجبات المفروضة، كما قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (البقرة:152)، وقوله سبحانه: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأعراف:69)، قال الحليمي: فثبت بهاتين الآيتين ونحوهما وجوب شكر الله تعالى على العباد لنعمه السابغة عليهم.

وأفضل الشكر يكون على نعمة الإسلام، كما قال الحليمي: «وأولى النعم بالشكر نعمة الله تعالى على العبد بالإيمان والإرشاد إلى الحق، والتوفيق لقبوله، لأنه هو الغرض الذي ليس بتابع لما سواه، وكل غرض سواه فهو تابع له، والتيسير له نعمة عظيمة تقتضي الشكر لها بالانتهاء عن المعاصي وإتباع الإيمان حقوقه؛ لأن الإيمان بالله عهد بينه وبين العبد ولكل عهد وفاء. وكل عبادة تتلو الإيمان من فعل شيء فهو شكر لنعم الله تعالى، والتيسير لكل شيء من ذلك نعمة يجب شكرها بالقلب واللسان» (المنهاج في شعب الإيمان 2/ 554).

ثالثا- عدم الإفراط في الفرح بالنعمة

ومن فقه العبد أن لا يبالغ في الفرح بالنعمة فرحا يخرجه عن حد العبودية، فيكون فرحه -كما في الظلال (5/ 2711)- فرح الزهو المنبعث من الاعتزاز بالمال، والاحتفال بالثراء، والتعلق بالكنوز، والابتهاج بالملك والاستحواذ.. لا تفرح فرح البطر الذي ينسي المنعم بالمال وينسي نعمته، وما يجب لها من الحمد والشكران. لا تفرح فرح الذي يستخفه المال، فيشغل به قلبه، ويطير له لبه، ويتطاول به على العباد..

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}.. فهم يردونه بذلك إلى الله، الذي لا يحب الفرحين المأخوذين بالمال، المتباهين، المتطاولين بسلطانه على الناس.

ولهذا قال الله تعالى على لسان العقلاء من قوم هارون { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)} (القصص:76-77).

والاعتدال في النعم أن يرجو المرء الدار الآخرة فيما آتاه الله من تلك النعم، كما قال {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (القصص:77).

فنعم الله تعالى خلقت ليستمتع بها الخلق في طريقهم إلى الله تعالى، فتحقق الموازنة والاعتدال في حياة المسلم الذي يجعل الدنيا مزرعة للآخرة.

رابعا- استعمال النعمة في الطاعة

ومن فقه النعمة أن يستعمل المرء نعمة الله تعالى عليه في طاعته، فقد قال المناوي في (فيض القدير 2/293) في شرح حديث الترمذي: «إن الله تعالى يحب أثر نعمته على عبده... أن الله تعالى يحب أن يرى مزيد الشكر لله تعالى بالعمل الصالح والثناء والذكر له بما هو أهله والعطف والترحم والإنفاق من فضل ما عنده في القرب { وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ } (القصص:77)، والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله فيرى في أثر الجدة عليه زيا وإنفاقا وشكرا، هذا في نعمة الله».

أما في النعمة الدينية، فبأن يرى على العبد نحو استعماله للعلم فيما أمر به، وتهذيب الأخلاق، ولين الجانب والحلم على السفيه، وتعليم الجاهل، ونشر العلم في أهله، ووضعه في محله بتواضع ولين جانب في أبهة واحتشام.

وفي ولاة الأمور بالرفق بالرعية، وإقامة نواميس العدل فيهم، ومعاملتهم بالإنصاف، وترك الاعتساف، إلى غير ذلك من سائر ما يجب عليهم ويطّرد ذلك في كل نعمة مع أن نعمه تعالى لا تحصى.

خامسا- إظهار النعمة

ومن فقه النعم -كما قال الصنعاني في سبل السلام- أن الله إذا أنعم على عبد نعمة فإنه يحب أن يرى أثرها عليه في مأكله، وملبسه، فإنه شكر للنعمة؛ ولأنه إذا رآه المحتاج في هيئة حسنة قصده ليتصدق عليه؛ ولأن بذاذة الهيئة سؤال وإظهار للفقر بلسان الحال، ولذا قيل: ولسان حالي بالشكاية ينطق

وقيل: وكفاك شاهد منظري عن مخبري.

وقد قال عمر "رضي الله عنه" إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم.

وروى النسائي عن مالك بن نضلة الجشمي قال: كنت عند رسول الله " صلى الله عليه وسلم" جالسا، فرآني رث الثياب فقال: ألك مال؟ قلت: نعم، يا رسول الله، من كل المال. قال: " صلى الله عليه وسلم" «إذا آتاك الله مالا فلير أثره عليك». وروى أبوسعيد الخدري عن رسول الله " صلى الله عليه وسلم" أنه قال: «إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده».

سادسا- التحديث بنعمة الله

ومن فقه النعم أن يحدث المسلم بنعمة الله تعالى عليه، لقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } (الضحى:11)، وقد كان هذا منهج السلف الصالح، فقد أخرج الطبري في تفسيره (24/ 489) عن أبي نضرة، قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها.

وفي تفسير ابن أبي حاتم (10/ 3444) عن الحسن بن علي في قوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } قال: إذا أصبت خيرا فحدث إخوانك.

وفي تفسير القرطبي (20/ 102): قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أي انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء. والتحدث بنعم الله، والاعتراف بها شكر. وعن الحسن ابن علي رضي الله عنهما قال: إذا أصبت خيرا، أو عملت خيرا، فحدث به الثقة من إخوانك.

وعن عمرو بن ميمون قال: إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به، يقول له: رزق الله من الصلاة البارحة كذا وكذا.

وكان أبوفراس عبدالله بن غالب إذا أصبح يقول: لقد رزقني الله البارحة كذا، قرأت كذا، وصليت كذا، وذكرت الله كذا، وفعلت كذا. فقلنا له: يا أبا فراس، إن مثلك لا يقول هذا! قال يقول الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } وتقولون أنتم: لا تحدث بنعمة الله!

وقال بكر بن عبدالله المزني قال النبي " صلى الله عليه وسلم" : «من أعطي خيرا فلم ير عليه، سمي بغيض الله، معاديا لنعم الله».

وقد جعل النبي " صلى الله عليه وسلم" التحدث بنعمة الله تعالى من شكره نعمه، فقد روى الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال النبي " صلى الله عليه وسلم" : «من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر الله، والتحدث بالنعم شكر، وتركه كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب».

سابعا- ترك العجب بالنعمة

ومن فقه النعمة أن لا يعجب المرء بالنعمة وينسى صاحب النعم سبحانه وتعالى، لأن هذا يورث العجب بالنفس، ففي (المدخل لابن الحاج 3/54) أن أصل العجب عند العلماء هو حمد النفس، ونسيان النعمة، وهو نظر العبد إلى نفسه، وأفعاله، وينسى أن ذلك إنما هو منة من الله تعالى عليه، فيحسن حال نفسه عنده، ويقل شكره، وينسب إلى نفسه شيئا هو من غيرها، وهي مطبوعة على خلافه.

ثامنا- عدم تبديل النعمة

فالمحافظة على نعم الله تعالى من فقه النعم، وعدم تغييرها وتبديلها، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (البقرة:211).

فإن يبدل نعمة الله عليه بالآيات الدالة على الحق، والوحدة الداعية إلى الشكر «من بعد ما جاءته» بالبيان، وأبرهت بالبرهان، بجعلها مثارا للتفرق والاختلاف، وجعل الأمة الواحدة شيعا وأحزابا ومذاهب وفرقا بسوء التأويل وعصبيات الرياسة والسياسة «فإن الله شديد العقاب» لمن تنكب سنته وخالف شرعته (تفسير المنار 2/ 214).

تاسعا- تذكر نعم الله

فمن فقه النعم أن يتذكر الإنسان نعم الله تعالى عليه دائما، لأن تذكر النعم فيه تذكر للمنعم سبحانه وتعالى، والتذكر هنا بمقام الشكر والحمد والثناء عليه سبحانه وتعالى، والتذلل والتضرع له -جل في علاه-، وقد خاطب الله تعالى عباده بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } (الأحزاب:9)، وطالب أنبياءه أن يذكروا أتباعهم بتذكر نعم الله عليهم، كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ } (المائدة:20).

قال الطبري في تفسيره (10/ 91): واذكروا نعمة الله عليكم أيها المؤمنون، بالعقود التي عقدتموها لله على أنفسكم، واذكروا نعمته عليكم في ذلك بأن هداكم من العقود لما فيه الرضا، ووفقكم لما فيه نجاتكم من الضلالة والردى في نعم غيرها جمة.

فتذكر النعم فيه ضمان السعادة في الدارين، كما جاء في (تفسير المنار 2/ 317):

«واذكروا نعمة الله عليكم» بإرسال هذا الرسول، وبيان الحدود والحقوق التي تحفظ لكم الهناءة في الدنيا، وتضمن لكم السعادة في الآخرة.

عاشرا- ثبات النعم وتغيرها


ومن فقه النعم أن الله تعالى لا يغير ما بقوم من نعم أنعم بها عليهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من أهلية حلول النعم عليهم، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (الأنفال:53).

وهو تعبير عما آلت إليه أمة الإسلام كما في تفسير المنار (10/ 38): «أرشدنا سبحانه في محكم آياته إلى أن الأمم ما سقطت من عرش عزها، ولا بادت ومحي اسمها من لوح الوجود إلا بعد نكوبها عن تلك السنن التي سنها الله على أساس الحكمة البالغة، إن الله لا يغير ما بقوم من عزة وسلطان ورفاهة وخفض عيش وأمن وراحة، حتى يغير أولئك ما بأنفسهم من نور العقل، وصحة الفكر، وإشراق البصيرة، والاعتبار بأفعال الله في الأمم السابقة، والتدبر في أحوال الذين جاروا عن صراط الله فهلكوا، وحل بهم الدمار، ثم لعدولهم عن سنة العدل، وخروجهم عن طريق البصيرة والحكمة، حادوا عن الاستقامة في الرأي، والصدق في القول، والسلامة في الصدر، والعفة عن الشهوات، والحمية على الحق، والقيام بنصره، والتعاون على حمايته، خذلوا العدل، ولم يجمعوا هممهم على إعلاء كلمته، واتبعوا الأهواء الباطلة، وانكبوا على الشهوات الفانية، وأتوا عظائم المنكرات، خارت عزائمهم، فشحوا ببذل مهجهم في حفظ السنن العادلة واختاروا الحياة في الباطل على الموت في نصرة الحق، فأخذهم الله بذنوبهم، وجعلهم عبرة للمعتبرين.

حادي عشر: سؤال الله النعم

ومن فقه النعم أن يسأل العبد ربه سبحانه وتعالى مسألته، ولا يمل من السؤال، فالله تعالى يعطي الناس ما سألوه من النعم وما لم يسألوه، فهو ينعم على عباده بالطلب وبدون الطلب، كما قال تعالى: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} (إبراهيم:34).

ثاني عشر- نعم الله غير محصورة

ومن فقه النعم أن يدرك العبد أن نعم الله تعالى غير محصورة، كما قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (إبراهيم:34)، لا يمكن الإنسان حصرها ولا عدها، ولو حاول ذلك، «وذلك مثل النعم المعتاد بها التي ينسى الناس أنها من النعم، كنعمة التنفس، ونعمة الحواس، ونعمة هضم الطعام والشراب، ونعمة الدورة الدموية، ونعمة الصحة. وللفخر هنا تقرير نفيس فانظره. (التحرير والتنوير 13/ 236).

فنعم أكبر وأكثر من أن يحصيها فريق من البشر، أو كل البشر. وكلهم محدودون بين حدين من الزمان، بدء ونهاية. وبين حدود من العلم تابعة لحدود الزمان والمكان. ونعم الله مطلقة -فوق كثرتها- فلا يحيط بها إدراك إنسان» (في ظلال القرآن 4/ 2108).

وأكثر النعم لا يدريها الإنسان، لأنه يألفها فلا يشعر بها إلا حين يفتقدها.. وهذا تركيب جسده ووظائفه متى يشعر بما فيه من إنعام إلا حين يدركه المرض فيحس بالاختلال؟ إنما يسعه غفران الله للتقصير ورحمته بالإنسان الضعيف «إن الله لغفور رحيم».. (في ظلال القرآن 4/ 2164).

وإن كانت نعم الله لا تعد ولا تحصى فكيف يشكرها المسلم؟

يجيب عن ذلك الشيخ الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير (14/ 123)

بأن قوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}: «للتنبيه على وفرة نعم الله تعالى على الناس بحيث لا يستطيع عدها العادون، وإذا كانت كذلك فقد حصل التنبيه إلى كثرتها بمعرفة أصولها وما يحويها من العوالم».
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.36 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]