أولئك الذين يباهي الله سبحانه بهم ملائكته - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأمُّ الرحيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-04-2020, 05:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي أولئك الذين يباهي الله سبحانه بهم ملائكته

أولئك الذين يباهي الله سبحانه بهم ملائكته
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد



إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب:70، 71].

أما بعد: فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار.

عباد الله! من هم الذين يُبَاهِي الله بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ؟ من هم الذين يفاخر الله سبحانه وتعالى بهم أهل السموات؟ من هم الذين يثني عليهم ويمدحهم الله عز وجل عند الملأ الأعلى؟ من هم الذين يعظمهم ربهم بحضرة ملائكته؟ من هم الذين يذكرهم ربهم عند الملأ الأعلى في السموات العلى؟


أتعلمون يا عباد الله! أنكم إذا ذكرتم الله وأطعتم الله ماذا يحدث؟ تحدث أمور أنتم لا تعلمونها، وإنما تُخبرون بها إخبارا، فاستمعوا معي إلى رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي"، -أنت تذكر الله فالله معك، تظن بالله الخير يأتيك الخير- "فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي"، -أنت تذكر الله في نفسك، يذكرك الله في نفسه سبحانه ليس أمام أحد، فإن ذكرت الله عز وجل أمام الناس؛ ماذا يحدث؟ قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي:- "وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ"، -والملأ في اللغة؛ أي ذكرني في أشرافِ الناسِ ورؤَسائهم ومُقَدَّميهم الذين يُرْجَعُ إلى قولهم، وترجع إليهم الكلمة، وهم عِلْيَة القوم من المسئولين وغيرهم، إن ذكرت الله بينهم، قال سبحانه: "ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ"، من هم الملأ الذين هم خير من ملأ الأرض؟ وهم أشرافُ الملائكة ورؤَساؤُهم ومُقَدَّموهم الذين يُرْجَعُ إلى قولهم، قال سبحانه:- "وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً". صحيح البخاري (7405)، ومسلم (2675)، قدر ما تتقرب إلى الله، يتقرب الله منك، وإذا تقرب الملك العزيز الجبار من العبد الذليل الحقير رفعه، ولو كان وضيعا مكنه، وإن كان ليس بيديه شيء أعزّه وإن كان ذليلا، ونحن في هذه الزمن الذي اختلطت فيه الأمور وكثرت فيه الفتن، والفتن دخلت كل بيت في أحوج ما نكون إلى الله، وإلى عزة الله، وإلى التقرب من الله سبحانه وتعالى.


(إن ذكرني في نفسه) الذكر يا عباد الله! أيها الذاكرون الله كثيرا والذاكرات، يا من تذكرون الله كثيرا أنتم رجالا أو نساء، الله سبحانه وتعالى يذكركم، الله سبحانه وتعالى يباهي بكم ملائكته، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، -أي في خلافته- عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: (مَا أَجْلَسَكُمْ؟) -اليوم الحلقات في المساجد مشبوهة، وإن كان الأصل فيها ذكرَ الله، أصبحت لأمور أخرى يا عباد الله! فلذلك معاوية يسأل: ما أجلسكم؟- قَالُوا: (جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ)، قَالَ: (آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟!) -يستحلفهم بالله، وهو يثق بهم؛ لأنهم أناس صالحون، لكن استحلفهم بالله لأمر؛- قَالُوا: (وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ)، قَالَ: (أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ)، -يعتذر لهم- (وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي)، -يخاف معاوية رضي الله عنه من كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن يَزِيد أو ينقص، فكان يقلّل من الحديث، لكن الوضع الذي رآه استدعاه لأن يحدثهم حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- (وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ)، فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: (جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ، وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا)، قَالَ -عليه الصلاة والسلام-: «آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟» -يستحلفهم وهم صحابة، كأنه يستبشر في فعلهم وفي نيتهم، وبهذا العمل العظيم، ألا وهو ذكر الله عز وجل- قَالُوا: (وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ)، قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي؛ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ». صحيح مسلم (2701)، الذين يذكرون الله، الله يباهي بهم الملائكة، فـهنيئا لكم أيها الحمَّادون الشاكرون الذاكرون، هنيئا لكم مباهاة ربكم بكم عند ملائكته في الملأ الأعلى.


عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ؛ أَنَّ نَفَرًا كَانُوا فِي عَهْدِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ -تعالى- عَنْهُ يَشْهَدُونَ الْفَجْرَ، وَيَجْلِسُونَ عِنْدَ قَاصِّ الْجَمَاعَةِ، فَإِذَا سَلَّمَ تَنَحَّوْا إِلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ حَتَّى يَتَعَالَى النَّهَارُ، -والذكر المقصود ليس الذكر الجماعي، (اللهُ حيٌّ دايمٌ باقٍ)، أبدا، وإنما يذكر كل واحد لنفسه، أو أن يقرأ أحدهم والآخر يستمع، أو كل يقرأ لنفسه، ليست مسألة جماعة وعلى صوت واحد- فَأُخْبِرَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ -تعالى- عَنْهُ بِهِمْ، -وبصنيعهم- فَجَاءَ يُهَرْوِلُ أَوْ يَسْعَى فِي مِشْيَتِهِ، -جاء مسرعا وكأن هناك أمرا مهما- حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: (جِئْتُ أُبَشِّرُكُمْ بِبُشْرَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا رَزَقَكُمْ؛ أَنَّ نَفَرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَحْسَبُهُ قَالَ: كَانُوا يَصْنَعُونَ نَحْوًا مِمَّا تَصْنَعُونَ-، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي أَحْكِيهِ فِي مِشْيَتِهِ) -أي أن معاوية يقلد مشية النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان مستعجلا في مشيته، حتى وقف صلى الله عليه وسلم على أصحابه الذين يذكرون الله- (حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ)، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ»، الدعاء للطبراني (ص: 530، ح 1893)



أما الذين همُّهم الصلوات في الجماعات والجمعات، وينتظرون الصلاة بعد الصلاة، فهؤلاء يباهي بهم ربهم أهل السموات، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: (صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ)، -أي بعد الصلاة ذهب ناس إلى بيوتهم- (وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ)، -أي تخلف وجلس في المسجد من جلس- (فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) -بعد أن صلى المغرب ذهب إلى بيته ثم خرج- (مُسْرِعًا، قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، وَقَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ)، -وهذا دليل السرعة لإخبارهم بما أوحي إليه في تلك اللحظة- فَقَالَ: "أَبْشِرُوا! هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ، يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، يَقُولُ" -الله الذي يقول-: "انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً، -صلاة المغرب- "وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى"، (سنن ابن ماجة: 801) الصحيحة (661)، ينتظر الصلاة بعد الصلاة، هؤلاء يباهي الله بهم ملائكته.

أما أنتم يا معشر الحجاج! يا من تتابعون بين الحجّ والحج!، أنتم يا من توالون الوقوف بعرفات! فاستمعوا إلى ما قَالَتْه عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ"، -أيام السنة كلها فيها عتق لرقابنا من النار، لكن يوم عرفة أكثر- "وَإِنَّهُ" -سبحانه- "لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ"، -أي أهل عرفة، على عرفة في يوم عرفة- "فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"، مسلم (1348)، يعني ما أرادوا ينفذ، دعواتهم مجابة، وهي ما يبينها الحديث التالي.

فأيها الحاجّ أبشر! فقد باهى الله بك ملائكته، وذكرك عندهم، يا من حججت بيت الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَإِنَّ اللهَ تعالى يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ" -الله للملائكة-: "انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي! جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ؛ يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَمَغْفِرَتِي، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ عَدَدَ الرَّمْلِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا" -يخاطب أهل عرفة- "عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ،.." (طب)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- و(طب) في الأحاديث الطوال حديث رقم (61)، وانظر صَحِيح الْجَامِع: (1360، 1868، 5596)، وصَحِيح التَّرْغِيبِ: (1106، 1112)، أي لمن دعوتم له.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ -تعالى- عَنْهُمَا قَالَ: (يَوْمُ الْمُبَاهَاةِ يَوْمُ عَرَفَةَ، يُبَاهِي اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَتَهُ فِي السَّمَاءِ بِأَهْلِ الْأَرْضِ يَقُولُ: عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا، صَدَّقُوا بِكِتَابِي وَلَمْ يَرَوْنِي؛ لَأُعْتِقَنَّهُمْ مِنَ النَّارِ). قَالَ: (وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)، أخبار مكة للفاكهي (4/ 313) ح (2742) -وحسن إسناده المحقق المديهش-.

هؤلاء هم الذين يباهي الله بهم ملائكته، أهل الذكر والصلاة، أهل الحج إلى بيت الله سبحانه وتعالى، فما معنى يباهي الله، المباهاة؟ [قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: معناه: يُظهر فضلَكم لهم، ويُريهم حسن عملكم، ويُثني عليكم عندهم، -فمن الذي يثني علينا؟! إنه الله سبحانه وتعالى! واللهِ اليوم لو أن أحدنا ذكر اسمه بخير على صفحة من الإنترنت، أو على فضائية من الفضائيات، أو ذكر له أنه ذكر عنه في مجلس من مجالس الكبراء والمسئولين أنه ذكر بخير لانتفش وأصابه العجب، أنت يذكرك الله أيها الذاكر، أيها الطائع لله، يذكرك ملك الملوك سبحانه-.

وأصل البهاء: الحسن والجمال، وفلانٌ يباهي بماله: أي يفخر -ويفتخر-، ويتجمّل به عَلَى غيره، ويُظهر حسنه لهم. انتهى.

وَقَالَ المباركفوريّ رحمه الله تعالى: قيل: معنى المباهاة بهم أن الله تعالى يقول لملائكته: انظروا إلى عبيدي هؤلاء، -الذاكرون المصلون الحجاج إلى بيت الله، الطائعون- كيف سلّطتُ عليهم أنفسهم، وشهواتهم، وأهويتهم، والشيطان وجنوده، ومع ذلك قَوِيت همّتهم عَلَى مخالفة هذه الدواعي القويّة إلى البطالة، وترك العبادة والذكر، -خالفوها- فاستحقّوا أن يُمدحوا أكثر منكم؛ -أي أكثر من الملائكة-؛ لأنكم لا تجدون للعبادة مشقّة بوجه، وإنما -العبادة بالنسبة لكم أيها الملائكة- هي منكم كالتنفّس منهم، ففيها غاية الراحة، والملائمة للنفس. ذكره فِي (تحفة الأحوذيّ) (9/ 262).

إن الله سبحانه وتعالى يباهي الملائكة بعباده الصالحين منْ بني آدم، وذلك لعظم شأنهم، حيث أقبلوا عليه سبحانه وتعالى مدافعين عنهم النفسَ الأمارة بالسوء، والشيطانَ العدوَّ اللدود، وكسرَهم الشهوات، فاستحقّوا بذلك الثناء عليهم فِي الملأ الأعلى،..]. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (39/ 377، 378).

وهذا يا عباد الله! يذكرنا باستفسار الملائكة عندما قال الله عز وجل: ﴿ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون ﴾. [البقرة: 30]، فالله سبحانه يذكِّر الملائكةَ ببني آدم، بأعمالهم التي تعرض كل يوم بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر، وتعرض كل أسبوع في يوم الاثنين والخميس، وتعرض كل سنة، والذي يعرضها الملائكة الذين استفسروا قبل ذلك كيف تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، انظروا إليهم، انظروا إلى عبادي هؤلاء، يباهي الله بكم ملائكته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد؛
إذا كان الله يباهي بعباده طاعاته وعباداته، وذكرهم وحجهم وصلواتهم، فما بالكم بنبي الرحمة؛ محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، هل يتباهى أو يباهي أم لا؟ إن هذا النبيّ محمدًا صلى الله عليه وسلم يباهي بأمته الأمم، ويكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة، عليهم الصلاة والسلام، فأنتم أيتها الأمة! أكثر الأمم عددا يوم القيامة، وفي ذلك فخر له صلى الله عليه وسلم، وفخر لكم؛ لأن الأنبياء: منهم من يأتي ومعه الرهط، ومنهم من يأتي ومعه الاثنين والواحد والثلاثة، ومن الأنبياء من يأتي وليس معه أحد، أمّا محمد صلى الله عليه وسلم فلننظر كم عدد أمته يوم القيامة؟ فخر له وفخر لكم، لذلك حث أمته على التكاثر والتناسل، حثهم على الزواج، حث العزَّاب على الزواج، وأن لا يتركوا هذه السنة، الزواج بالودود الولود، وحذرهم من الرهبانية، وهي رهبانية النصارى وأمثالهم، وحذرهم من الانقطاع عن الزواج، فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً) -أي وجدت امرأة عروس تكون زوجة لي، ووصَفَها بما شاء الله من الأوصاف الحسنة- (ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ)، -وفيها عيب واحد- (وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟) -يستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا!» ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ». سنن أبي داود (2050)، والنسائي (3227). فأنت في حاجة إلى الأولاد رجالا كانوا أو نساء، ذكورا أو إناثا، تحتاج لأن يخرج من صلبك من يقول: لا إله إلا الله، يذكر الله سبحانه وتعالى، حتى يكاثر بنا الأمم يوم القيامة حتى نرد حوضه، وهو ينظر إلى عدد أمته.

عَنِ الصُّنَابِحِ الْأَحْمَسِيِّ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنِّي فَرَطُكُمْ" -وسابقكم- "عَلَى الْحَوْضِ"، -الكوثر، ﴿ إنا أعطيناك الكوثر ﴾، وهو الحوض العظيم الذي اختص به النبي صلى الله عليه وسلم- "وَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ فَلَا تَقْتَتِلُنَّ بَعْدِي»، سنن ابن ماجه (3944). فالاقتتال الذي يحدث بين المسلمين دون وجه حقٍّ يَحْرِم صاحبه من الورود على الحوض، فابتعدوا عن الفتن يا عباد الله!

عباد الله! سؤال حسابيٌّ: أتعلمون كم عددَ صفوفِ أهل الجنة في الموقف يوم القيامة؟ أتعلمون كم صفًّا أنتم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم من بين هذه الصفوف؟

الجواب: فيما ثبت عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله تعالى عنه-، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَيْفَ أَنْتُمْ وَرُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، -ما هو رأيكم يا صحابة لو كنتم ربع أهل الجنة من المسلمين أجمعين!-، لَكُمْ رُبُعُهَا، وَلِسَائِرِ النَّاسِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا؟"، قَالُوا: (اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ)، -ويقصدون هل هو خير لنا أولا؟ فنحن لا ندري- قَالَ: "فَكَيْفَ أَنْتُمْ وَثُلُثَهَا؟" -أي أن الخمس وعشرون في المائة أصبحت ثلاثون مثلا- قَالُوا: (فَذَاكَ أَكْثَرُ)، -أي أن الثلث أكثر من الربع- قَالَ: "فَكَيْفَ أَنْتُمْ وَالشَّطْرَ؟" -المناصفة، خمسين في المائة من أهل الجنة- قَالُوا: (فَذَلِكَ أَكْثَرُ!!)، -فأعطاهم النتيجة، التي هي لا ثلثا ولا نصفا-، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وانظروا إلى هذه البشارة العظيمة لهذه الأمة ما دامت على التوحيد، ما دامت على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: "أَهْلُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، أَنْتُمْ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا"، مسند أحمد (7/ 349)، ح (4328).

ثلاثة أرباع، فأبشروا يا عباد الله! وشمروا عن سواعد الذكر والعبادة لرب العالمين، بيننا وبين الجنة أن نموت، فإذا متنا بأمر الله دخلناها في روضة من رياض الجنة في القبر، ثم بعد ذلك في الحشر نحشر إلى الجنة إن شاء الله، فلا نخيِّب ظن النبي صلى الله عليه وسلم بنا، أنه يكاثر بنا، ويريدنا أكثر الأمم.

ألا هل من مشمر للجنة! فإن الطريق إليها هو طريق نبينا محمد عبد الله ورسوله.

فصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

اللهم وفقنا لأن نكون من عبادك الذين تباهي بهم ملائكتك، وتذكرهم في الملأ الأعلى كل حين، واجعلنا اللهم ممن يشرب من حوض نبيك صلى الله عليه وسلم؛ شربة لا نظمأ بعدها إلى يوم الدين، وأن نكون ممن شفع فيهم فجعلهم تحت لوائه لواء الحمد يوم يقوم الناس لرب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.51 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]