لبيد والذكرى المستديرة ( مرايا السيرة، وأصداء النص) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836929 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379447 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191303 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2671 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 664 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 951 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1105 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 857 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-02-2019, 02:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي لبيد والذكرى المستديرة ( مرايا السيرة، وأصداء النص)


لبيد والذكرى المستديرة


( مرايا السيرة، وأصداء النص)



الدكتور


محمد سيد علي عبد العال





مقدمة:


من المعلوم أنه لا توجد كلمة على حالتها الطبيعية ما دامت قد وجدت في سياق يوفر لها حواراً داخلياً (Monolog) مع قريناتها داخله، وحواراً آخر خارجياً (Dialog) توفره لها ظلالها المستمدة من سياقات أخرى، بعضها مشع بطاقات إيحائية، ونسقية تضمن لها سرعة الحوار، والتواصل مع المتلقي، وبعضها مضمر تتفاوت الحوارات معه تفاوتاً بيناً بقدر ثقافة المتلقي، وقدرته على قراءة شفرة النص، وظلال الكلمة.
هذا الحوار الخارجي (الديالوج) يأتي من كون الكلمة؛ كما يرى ميخائيل بأختين (MikhilBakhtin)، تشق طريقها عبر تناغمها مع كلمات الآخرين التي تستدعي معها سياقاتهم ولحظاتهم ليصير موضوع الكلمة متجاوزاً الزمن الحاضر إلى الماضي المتحاور معه، والمستقبل الذي سيستمر مع قدرات المتلقي على غزل السياقات، وربطها، وإيجاد علاقات متخيلة، أو ممكنة لها؛ مما يجعل للنص مستقبلاً بما يحمله في أعماقه، وحواره مع نصوص أخرى لاحقة، فما من كلمة يمكنها أن تطرق موضوعاً إلا بعد أن تلتقي بكلمات الآخرين، وتدخل في حوار حي، ومتوتر، وتفاعل متبادل بينها(1).
ولعل هذه الفكرة –التي عرفت بحوارية باختين- هي التي ولدت فيما بعد ما صكته الناقدة البلغارية جوليا كريستيفا (Julia Kristive) بالتناص (Inter Textuality)؛ فعولج من أطراف عدة، ولكن ظلت فكرة التركيز على المبدع المتأثر هي المسيطرة غالباً على الدرس الأدبي والنقدي، اللهم إلا بعض الدراسات التي اهتمت باستدعاء الشخصية في الشعر، وركزت على استدعاء شخصية شاعر معين في الشعر العربي الحديث؛ كتلك التي درست أثر عنترة وامرئ القيس، والمتنبي، والمعري خاصة على شعراء العصر الحديث بالتحديد(2).
وربما كان السبب في ذلك إشارة المرحوم علي عشري زايد في دراسته الرائدة عن استدعاء الشخصية التراثية، وتأكيده فيها أنها ظاهرة خاصة بالعصر الحديث "على نحو لم يعرفه شعرنا من قبل في أي عصر من عصوره حتى أصبحت سمة من أبرز سمات هذا العصر"(3).
ومع مكانة لبيد وعناية القدماء بشعره ومنزلته(4)، وهو من جلة الصحابة في الإسلام؛ فإن دراساتنا الحديثة أهملت لبيداً أو كادت(5).
ومع الكثرة النسبية للدراسات التي درست أثر شعراء الجاهلية في الشعر الحديث، لم تتوقف دراسة عند أثر لبيد بن ربعية خاصة، وظل أثر لبيد وشعره في المدونة الشعرية مغبوناً في الدرس النقدي، اللهم إلا ما جاء في إشارات سريعة عابرة بوصفه أحد الشعراء المخضرمين.
سؤال البحث:


ما مدى انعكاس سيرة لبيد وشعره في مرايا المدونة الشعرية العربية؟ وكيف ترددت أصداء نصوصه الشعرية في شعر الشعراء اللاحقين به؟ وليس مرادي، هنا، التأثير على مستوى تلقي السياقات الشعرية فحسب، بل على مستوى السياقات الثقافية والحضارية المحيطة بالنصوص؛ لمعرفة أطوار الشعرية العربية تلقيا وإبداعاً من خلال حوارات معاني الشعراء، وصورهم مع الشاعر بوصفه حكاية من ناحية، وكيفية اشتغالات معانيهم، وأخيلتهم مع شعره بوصفه شاعراً من ناحية أخرى، وأصداء ذلك على بنية نصوصهم الشعرية المتواشجة مع سيرة لبيد وشعره لغوياً وبلاغياً وإيقاعياً وفنياً، ومدى توفيقهم في ذلك.
تمهيد:


1. ومضة لسيرة طويلة:
يمكن تلخيص سيرة لبيد بن ربيعة باختصار اضطراري في أنه أحد شعراء المعلقات السبع، وأحد الخمسة الكبار المتفق عليهم بين حماد الراوية والقرشي، والشاعر الوحيد منهم الذي أسلم حقيقة، وحس إسلامه، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم(6)، واقترن اسمه؛ شأن الصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، بالدعاء له برضا الله عز وجل في كتب التراجم والأدب والتاريخ بوصفه صحابياً جليلاً رضي الله عنه(7)، وامتد هذا التقدير والإجلال إلى ابنتيه من بعده. وثبت في الصحيح أنه، وعدي بن حاتم، أول من وصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأمير المؤمنين(8). وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صاحب: "أصدق كلمة قالتها العرب"؛ وهي قوله: ألا كل شيء ما خلا الله باطل(9)، الذي استحسنه، وأثنى عليه، واتخذ منه النقاد القدماء شاهداً على فضل الشعر(10).
طال عمره في حسن سيرة، ومات في إمرة عثمان رضي الله عنه بالكوفة، وهو ابن مائة وخمسين سنة، سنة اثنتين وأربعين، وعرف بالتقوى والورع؛ مما حدا بكثير من الرواة أن يذكروا أنه لم يقل في الإسلام سوى بيت واحد، اختلفوا عليه، والصواب أنه قال في الإسلام كثيراً من شعره ومراثيه في أربد أخيه خاصة بلا شك. ومهما اختلف الرواة حول نسبة بعض القصائد؛ فإن ثمة إجماعاً على إسلامية أكثرها، ويؤكد ذلك أثر القرآن الكريم والحديث الشريف في نسيجها، وروحها الإسلامية الخالصة(11).
كل ذلك كاف لأن يتأثر به بعض الشعراء، ولكن سيرة لبيد الثرية ذات التجارب الكبرى الأصيلة، وشاعريته الفريدة، وسمات شخصيته القادرة على التراسل مع موضوعات إنسانية لا تنفد، جعلت تأثيره قوياً في الشعرية العربية بشكل لافت لم تفرد له، فيما أعلم، دراسة من قبل.
2. لبيد وذكرى بروست:

وإذا كان لكل شخصية وهج في سيرتها يمكن أن يكون مفتاحها أو سر عبقريتها، فإن شخصية لبيد اتسمت ببعض التيمات المتوهجة والمغرية بالتأثر، حتى صارت ذكرى لبيد، في سياقات بعينها، كأنها الذكرى المستديرة التي يتحدث عنها الناقد الفرنسي رولان بارت (Roland Barthes 1915- 1980م) عن أثر قراءة الروائي الفرنسي مارسيل بروست (Marcel Broust 1871- 1922م) الطاغي في فلوبير (Gustvel Flaubert 1821- 1880م) وغيره من الأدباء بما يمكن أن نسميه الشخصية الأيقونية التي تعد دستوراً في الكتابة بما تمثله من مرجعية مشحونة بطاقات إيحائية؛ إذ تبث اللغة من روحها بما لا يمكن الفرار منه عند الكتابة الملتبسة بها، والمتقاطعة معها في الإبداع وصفاً، وإنشاءٍ. "ولقد قرأت في مكان آخر، ولكن بالطريقة نفسها: أشجار التفاح النورماندية المزهرة عند فلوبير، وذلك انطلاقاً من قراءتي لبروست، وإني لأتذوق سلطان الصياغات، وانقلاب الأصول، والمرح الذي يأتي بنص سابق من نص لاحق. وأني لأفهم أن مؤلفات بروست الأدبية، إنما هي مؤلفات مرجعية، هذا على الأقل بالنسبة إلي.
كما أفهم أيضاً، أنها نسق إنتاجي عام، ورسم تأملي لنشأة الكون الأدبي كله. وهكذا كانت رسائل مدام دي سي فينيه بالنسبة إلى جدة الراوي، وهكذا، أيضاً، كانت روايات الفروسية بالنسبة إلى دون كيشوت، الخ. وإن هذا الأمر لا يعني بتاتاً أني مختص ببروست: فبروست هو من يأتيني، وليس هو من أناديه. إنه ليس سلطة، ولكن مجرد ذكرى مستديرة. وهذه هي خاصية النص المتداخل: إنها استحالة العيش خارج النص اللامتناهي، ولا فرق في ذلك: أن يكون هذا النص هو بروست، أو الجريدة اليومية، أو شاشة الرائي: فالكتاب يبدع المعنى، والمعنى يبدع الحياة"(12).
وأستطيع بعد ذلك أن أقول: إن المناطق المتوهجة في سيرة الشاعر كلما كانت حادة، ومثيرة، ومتباينة إلى حد المفارقات، كانت أقوى تأثيراً، وأكثر إغراء بالتأثر، والاستلهام، والاستدعاء والحوار، وما يماثل هذه المصطلحات من أشكال التناص مع الشخصية الشعرية.
3. تيمات السيرة المتوهجة:


لست في حاجة إلى الإفاضة في ترجمة لبيد المتوافرة، والمتواترة في كتب الأدب والتراجم، يمكنني فقط أن أتوقف أمام بعض التيمات المثيرة والجذابة المغرية بالاستلهام في الشعرية العربية عبر نماذج دالة.
تتسم سيرته بسمتين في غاية الإغراء بالتأثر؛ هما الحدة في صفاء الصفة، وتمكنها من صاحبها؛ كالكرم الفياض، والإخلاص النادر لأخيه رغم جرمه، الثانية: وجودها قوية مع وجود غيرها؛ بما يوحي بالتناقض وثراء الشخصية، واختلاف وجهات النظر حولها؛ كالحكمة والجهل، أو الإسلام القوي والارتباط بأهل الشرك والوثنية؛ كعمه ملاعب الأسنة، وأهله الجاهليين، أو طول العمر مع الإشعار بالزهد في الحياة والحرص على مغادرتها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يرصد البحث تجاوز الشعراء سيرته إلى شعره، وكيف حاورت أشعارهم سيرته وشعره؛ فجاءت متواشجة معهما بكل صور التواشج عبر آليات مختلفة ومتنوعة؛ بالنقض، والتحوير، والتحويل، وقلبها للضد، ونقلها من معنى إلى آخر، ومن غرض إلى غرض مخالف، ومن عاطفة إلى أخرى، ومن سياق إلى آخر.
وقد تشغل شخصيته بعض الشعراء أكثر من نصه أو العكس، وقد يفلحون في الحوار مع النص الكلي الذي يصير لبيد نفسه جزءاً منه. وربما يخفقون في ذلك، وهو ما سوف يكشفه البحث عبر مراحله.

أولاً: مرايا السيرة:

1- الفحل الحزين:
أ- فحولة غامضة: لبيد أحد الأربعة الذين اقتسموا ناقة الشعر حسب شهادة الفرزدق (همام بن غالب ت110هـ) الذي دعته شاعرية لبيد إلى أن يسن سنة لم تسن لغير لبيد من شعراء الدنيا، وهي أن يسجد لشاعريته سجدة يسميها الفرزدق سجدة الشعر(13). ومع ذلك تناقضت الروايات حول شاعريته بشكل حاد؛ فالأصمعي (عبد الملك بن قريب ت216هـ) يصف شعره بالطيلسان الطبراني المحكم الصنعة، ولكن بلا رونق، ويصفه أبو عمرو بن العلاء (ت154هـ) برحى البزر لخشونته، وعدم حسنه في السماع، في الوقت الذي يراه ابن سلام الجمحي (ت231هـ) عذب المنطق، رقيق حواشي الكلام، ويقرن ذلك بصدقه وإسلامه(14).

وهناك روايات كثيرة تروى عن شاعرية لبيد، وأن العرب لم تكن تعدل به أحداً؛ وما زالت أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، تبدي إعجابها البالغ بشعره، وتدعو الله له حتى روت من شعره ألف بيت(15). ورأى طه حسين معلقته أنموذجاً للتماسك النصي، أو لما أسماة بالوحدة المعنوية والنظام الشعري المتسق البديع(16)، أن ما يحددها به محمد زكي العشماوي بوحدة الموقف الإنساني(17). ويرى كمال أبو ديب أن رؤياه للوجود تعد ركيزة أساسية في الشعرية العربية،(18) ورآه ذو الرمة (ت117ه) أشعر الناس(19). وهو عند النابغة الذبياني وبشار بن برد (ت168هـ) أشعر العرب، وعني اللغويون والرواة بشعره أيما عناية، حتى اندهش بعض الباحثين من هذا الإعجاب منقطع النظير لشعر لبيد لدرجة ترتفع به إلى منزلة التالية والربوبية(20)، ولكنهم لم يتوقفوا عند صدى سيرته وشاعريته عند الشعراء العرب قدامى ومحدثين.
وفي العصر الحديث ترجم (وليم ربولك) معلقته في مائة وسبع وسبعين صفحة عام 1974م، وأبى ألا تترجم إلا فوق حروف ذهبية منقوشة فوق النص العربي الذي رسم حروفه خطاط مصري موهوب. ويفسر سهيل بن سالم ذلك بأنه أبدع نصوصاً خالدة في أوضاع الإنسان ومأساته في الحياة، كانت في لمعان البرق الذي يخترق كبد السماء، ويمزق أوصال الظلمة، نصوصاً تترقب الحياة وهي تنفلت من بين أيدي الإنسان، والموت يختبئ خلف المجهول؛ فلبيد، كما يرى، في مقدمة شعراء الجاهلية الذين وضعوا نصوصاً إنسانية خالدة لها طابع العالمية(21).
من هنا كان يجب على هذه الدراسة أن تكشف أصداء هذا الفحل الحزين سيرة ونصاً.
ب- الشاعر المثال: أعجب الشعراء بشعر لبيد حتى جعلوه مضرب المثل في الشاعرية؛ فهو عند ابن الرومي (علي بن العباس بن جريج ت283هـ) مثال لأئمة الشعر(22):

فيك قالت أئمة الشعر ما قال لت بلا رؤية ولا لقيان

كامرئ القيس قرمهم وزهير وزياد أخي بني ذبيان
وكأوس فصيحهم ولبيد وعبيد أخي بني دودان
فلبيد، عنده، في ذرا الشعرية العربية، وصنو الفحول الكبار المشهورين(23)؛ ولذا فهو القمة التي يضرب بها المثل في صعوبة الوصول إليها. يقول ابن سناء الملك (550- 608هـ) مفتخراً بشاعريته، واضعاً لبيداً في القمة المستحيلة(24):
لو لم أكن أشعرها لم أطق نظماً لبيت ولو أني لبيد
وكان الإمام الشافعي (محمد بن إدريس ت204هـ) سباقاً إلى ضرب المثال في الشاعرية بلبيد حين علل ترفعه عن قول الشعر، مفتخراً بفصاحته أمام الذين أرادوا أن يتعالوا أمامه، رحمه الله، بفصاحة إمامهم أبي حنيفة (النعمان بن ثابت ت150هـ)(25):
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
ويستغل ابن قلاقس (ت567هـ) قصة الوليد بن عقبة، الذي حاول أن يساعد ابنتي لبيد على البر بقسم والديهما، والوفاء بنذره في الذبح وتوزيع اللحم كلما هبت الصبا؛ ويحاجج ممدوحه ياسر بن بلال بأنه إن لم يرق هو إلى قامة لبيد، فإن ممدوحه جدير بأن يرقى إلى منزلة الوليد بن عقبة(26):
وإن لم أغد فيك لبيد عصري فكن لي أنت وفقت الوليدا
فالوصول لقمة لبيد الشعرية مستحيل، أو في حكم المستحيل، في حين أن الوصول لقامة الوليد في كرمه وجوده ممكن ميسور. وبالرغم من قلة مدائح لبيد نسبياً، فإن الشاعر الأندلسي أبا عامر الأصيلي يرثي الوزير الفقيه أبا عبد الله محمد بن إبراهيم الفهري، مستبعداً أن يكون فيمن بقي بعده من يستحق مديح لبيد في قوة شاعريته وشاعرية المهلهل(27):
وفي من يحاك المدح جزلاً أنما أتى عن لبيد قوة مهلهل
ورأيي أنه لم يقصد بذلك المديح، بل الرثاء لما خلد به لبيد ذكر أخيه أزبد، والمهلهل ذكر أخيه كليب وائل، وهو ما نجد نظيره عند الشاعر الغزي (إبراهيم بن عثمان الأشهبي- ت523هـ) يمدح سديد الدولة ابن الأنباري الوزير الكاتب صاحب الحريري، وصاحب الرسائل المشهورة (ت558هـ)(28):
لملمومة لم يعيه صيد صيدها
مكارمه نقض لبيت لبيدها
إشارة وتلميحاً لبيت لبيد الذائع الذكر(29):
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
وكان لبييت لبيد تأثير كبير في الشعرية العربية، كما سيأتي الحديث عنه في موضعه، ولكن السؤال هنا: هل نستطيع أن ننسى الأوائل جملة كما دعانا الغزي؟ وهل استطاع هو أن ينساهم؟
الإجابة بالنفي قطعاً؛ لأنه بنى معناه، هنا، على نقض بيت للببيد؛ مما أكسب معناه ارتكازاً على أساس مرجعي قوي مما تركه له الأوائل.
وأبو العلاء المعري (ت449هـ) شديد الولع بلبيد، كما سيأتي مفصلاً؛ فهو عنده المثل الأعلى في الإفحام والحجاج والقدرة على هزيمة الخصم ودحره، وإسكاته بشعره، وأنه في ذلك في مقام الحطيئة (جروب بن أوس ت45هـ)، شاعر الهجاء الأشهر في عصره(30):
قضاء الله يفحمني وشيكاً ولو كنت الحطيئة أو لبيداً
فلبيد عند كثير من الشعراء الكبار هو الشاعر المثال، والقمة المستحيلة؛ كما سيظهر ذلك بتفاصيله في مواضعه.

ت- التوبة المدعاة، وخبر وفاة الفحل:
شاع عن لبيد أنه لم يقل في الإسلام إلا بيتاً واحداً؛ وتداولت بعض المصادر القديمة قرار توبته عن قول الشعر بعد إسلامه(31). وذكر ابن قتيبة الدينوري (ت276هـ) رواية تفيد ذلك، ونقلها عنه غيره. وتداول النقاد العرب النص كدأبهم في تداول النصوص كما يتداول الشعراء المعاني والصور والتراكيب والقوالب الفنية المختلفة. و"اختلف في بيته الإسلامي الوحيد بزعمهم، قال أبو اليقظان: هو:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى كساني من الإسلام سربالاً
وقال غيره: بل هو قوله:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالح(32)
وقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنشدني من شعرك، فقرأ سورة البقرة، وقال: ما كنت لأقول شعراً بعد إذ علمني الله سورة البقرة وآل عمران، فزاده عمر في عطائه خمس مائة درهم، وكان ألفين، فلما كان في زمن معاوية قال له معاوية: هذان الفودان فما بال العلاوة؟ يعني بالفودين الألفين، وبالعلاوة الخمس مائة، وأراد أن يحطه إياها، فقال: أموت الآن وتبقى لك العلاوة والفودان! فرق له معاوية، وترك عطاءه على حاله، فمات بعد ذلك بيسير.(33)"
وقد أثبتت الدراسات الحديثة خطأ هذه الرواية، وفند أكثر من باحث دعوى توبته عن الشعر في الإسلام، وفصلوا القول في الفروق الموضوعية والفنية بين شعره الجاهلي والإسلامي والمشكوك في نسبته إلى أي العصرين، ورأى أن الشعر الإسلامي أكثر من قسيميه الآخرين(34)، ومع ذلك فإن الشعراء تداولوا هذا المعنى كما تداوله النقاد. فأبو العلاء المعري يرى أنه إذا لم يوفق في قول ما يريده؛ فسيقع في الإثم الذي يضطره إلى اعتزال الشعر والتوبة عن قوله؛ توبة تشبه توبة لبيد عن قول الشعر بعد إسلامه(35):
إذا قلت شعراً لست فيه بحائب فما أنا إلا تائب كلبيد
ويؤكد أستاذنا حسين نصار في هوامش اللزوميات أن مرثية لبيد في أربد إسلامية(36) لا جاهلية، إنها توبة مدعاة.

ث- الهجاء العفيف:

لم يكن لبيد من الشعراء الهجائين، فلا يتفق ذلك وما عرف عن عفته، وخلقه الرفيع في جاهليته، وصدق صحبته في إسلامه. ولم يعرف عنه إلا هجاؤه اللاذع للربيع بن زياد خاصة، وإن أظهر فيه قدرته الفائقة على الحجاج والسخرية الكاريكاتورية، وانتصاره لقومه، واقتصاصه لهم من الربيع بعد أن فشلت كل أسلحتهم في النصر عليه، وانتزاع حقهم منه، وكما اتخذه الشعراء مثالاً على تسنم ذروة الشعرية في الحكمة والمديح والوصف والحجاج، والغوص وراء المعاني البعيدة المستحيلة، جعلوه أيضاً مثالاً للهجاء، مع أن هجاؤه قليل نادر؛ فطبيعة لبيد ذات عفاف، ووقار وتعقل وميل إلى المسالمة والموادعة، مما جعله بمنأى عن معترك الهجاء، ولاسيما بعد إسلامه وورعه، وما عرف عنه من تقوى وحسن صحبه(37). فإذا كان أبو العلاء قد قرن بينه وبين الخطيئة في قدرته على إفحام الخصم وإسكاته(38). فالفرزدق (همام بن غالب ت110هـ)، وهو من هو في هجائه وشاعريته المشهودة فيه، قد سبقه إلى ذلك حين قال(39):
ولم يستطع نسج امرئ القيس مثلها و أعيت مراقيها لبيداً وجرولاً
وهذا حكم له قيمته عندما يصدر من مثل الفرزدق؛ فإن مساواته بالحطيئة مساواة لها دلالة واضحة لما عرف عن الأخير من قدرات خاصة تميزه عن غيره في ذلك(40). على كل حال فقد كان الفرزدق شديد الولع بلبيد؛ وسيأتي بيانه في مواضعه، ولكنه أرسى الملازمة بين لبيد والحطيئة؛ مما وجدنا صداه بعد ذلك عند الشعراء؛ كما في قول البحتري (ت284هـ)(41):
ومعان لو فصلتها القوافي هجنت شعر جرول ولبيد
وأغرت هذه الملازمة العجيبة خيال الشعراء، حتى وجدنا صفي الدين الحلي (ت752هـ) يصر على ذلك، رغم اتساع البون بينهما(42):

هجنت شعر كل من عقد القاف جميعاً لا جرول ولبيد
والرأي عندي أن الجمع بين لبيد والحطيئة إنما جاء للمطابقة بين الهجاء العف الذي اتسم به لبيد في لجوئه النادر، أو القليل، إلى شيء منه، ولكنه هجاء المظلوم المضطر إلى الذب عن حياض أهله ضد الطغاة المستبدين الذين لا يرعوون، ولا يوفون بالعهود والمواثيق، ويستهينون بذوي الأخلاق؛ ويصيبهم صمت الآخرين ذوي المروءات بالغرور والكبر والعنجهية والبطر والغطرسة المستفزة(43)، على عكس الحطيئة الذي كان يبادر الآخرين بالهجاء الفاحش ظلماً وعدواناً، حتى تبارى وجهاء القوم وأشرافه في التلطف إليه بالهدايا والنعم خوفاً من أن يسبقهم لسانه(44).

ج- عبقرية لبيد وشعرية المفارقة:
المفارقة (Irnoy) في أوضح ما يمكن أن نميزها به هي تعبير يتطلب من المتلقي ازدواجية التلقي (Double Audience)؛ أي إن هناك اتفاقاً ضمنياً من أن هذا التعبير لا يصح أن نحمله على المعنى السطحي؛ لأنه مناقض تماماً للمعنى الذي يحدده السياق(45). وتتبدى المفارقة في التناقض والتعاكس بين طرفين؛ بين ما هو باطن، وما هو ظاهر، أو بين ما هو حق وما هو زائف، أو بين الجد والهزل، والمعقول واللامعقول، أو المنطق واللامنطق(46)؛ ولتوضيح ذلك أقول: لقد دأب الشعراء على المفارقة بين العبقرية والبلادة في أشعرهم؛ كما هو واضح في المدونة الشعرية العربية، ولكننا نجد أبا سعيد الرستمي (ت400هـ) ينعت لبيداً بالبلادة. ليس على معناها السطحي المستشعر من البنية السطحية، ولكن على وجه الادعاء الذي به يمكنه الفخر بنفسه وإثبات شاعريته قياساً إلى عبقرية لبيد الشعرية التي يستحيل بها أن يوصف بالبلادة، فالرستمي يفتخر بمعانيه الشعرية، ويرى أنها بلغت الغاية التي لا تبلغ، وآية ذلك أن لبيداً يقف أمامها بليداً(47):
قواف إذا ما رواها المشوق هزت لها الغانيات القدودا
كسون عبيداً ثياب العبيد وأضحى لبيد لديها بليداً
يحاول الرستمي أن يرفع مقامه في البلاغة، ليجبر أهل زمانه على الاعتراف بفضله، وجنيهم من ثمار بلاغته وشاعريته التي يدعى أنها فاقت شاعرية لبيد(48)، وقد جمع بين لبيد وعبيد مستغلاً الاتفاق الصرفي، مع القدرة على الاشتقاق من عبيد وقلب البنية في لبيد؛ ليحدث تناغماً دلالياً وإيقاعياً. ومن العجيب أن نجد العالم الدمشقي فتيان الشاغوري النحوي (ت615هـ) مفتوناً بهذه المفارقة لدرجة تجعله يكررها كثيراً(49):
خذ مدحة وافتك من مفوه بالأفوه الأودي جاءت تودي
ردت لبيداً كالبليد وانثنى عنها عبيد في ثياب عبد
ويضيف إلى لبيد وعبيد الأفوه الأودي ليشتق من اسمه مفوهاً ليزيد في البديع بالتجنيس.
ويفسر محقق ديوانه سبب هذا الانحطاط الشعري في عصره؛ هكذا" ولقد انحط الشعر في رأي الكثيرين من قرائه خلال هذه الفترة، وتحول عن غاياته الهامة التي كانت تنحصر في التعبير الصادق عن الهواجس والأحاسيس التي تتأثر بالطبيعة والحياة؛ فيصورها الشعر تصويراً صادقاً بعيداً عن التكلف والصنعة، إلى الصنعة التي تعين على تجويد الشعر وتقويمه وتهذيبه. والإجماع في رأي أصحاب الشعر على الانحطاط الشعري قد بدأ بعد أبي العلاء والشريف الرضي، ومن عاصرهما؛ أي منذ أوائل القرن الخامس للهجرة، وسبب هذا الانحطاط يرجع في الغالب إلى ولع الشعراء بالمحسنات اللفظية من جناس وطباق وتورية، واستعارة، وتشبيه (هكذا!!)، التي تحمل في طياتها المبالغة المستكرهة، والتكلف المستهجن، والصنعة الثقيلة التي تحول دون التعبير الشعري الصادق المحبب.
وعندي أن من أهم الأسباب التي دعت إلى هذا الانحراف الفني عند الشعراء في هذا العصر أن الملوك والممدوحين من الرؤساء والأمراء كان أكثرهم من أصل غير عربي، بل ربما كان الكثيرون منهم لا يجيدون فهم اللغة العربية فهماً فنياً صحيحاً بحيث كان الشعراء يضطرون إلى تبسيط أشعارهم، والتلاعب بألفاظهم لتعجب أولئك الممدوحين الذين أولعوا بالبساطة اللفظية، والمعاني السطحية التي قد تصل إلى حد التفاهة، وبالتلاعب بالمحسنات اللفظية التي كنا نعجب بها، ونصفق لها أول عهدنا بقراءة الشعر، وهو عهد البساطة والطفولة الفكرية(50)".
قق أحمد الجندي بعد كل ما ذكره من أسباب الضعف أن يستثني فتيوحاول المحان الشاغوري لأنه عالم بالنحو والأدب، وهذا تعصب ليس في موضعه؛ والدليل قائم على عكسه؛ فماذا يقول عن شاعره الذي حاول الإبداع فلم يجد إلا هذه المجانسات اللفظية؟، ومع قبولنا لها مرة فكيف نحتملها تارة، وتارة؟ حين يكرر(51):
إن لبيداً للبليد الذي شعرك لا يحسن إحساناً
كذا عبيد لك في شعره أضحى عبيداً حيثما كانا
فليست هناك إضافة تذكر؛ فلا حيلة نستشعرها، ولا لطف نمتدحه، ولكنه لا يفتأ يكرر(52):
اسمع قريضاً عند إنشادي له في الناس يجعل في العبيد عبيداً
جزل رقيق النسج راق فصاحة يثني لبيداً في القريض بليداً
ونلحظ أنه لا يحتاج من اسم عبيد بن الأبرص سوى الاشتقاق اللفظي الذي استبدل به كلمة (العبيد) للمجانسة الساذجة المكررة المملة، وادعى بعد ذلك لشعره رقة النسج والفصاحة التي ترد لبيداً بليداً، ومع ذلك لم يمل هو من تكرار هذه المفارقة المبتذلة(53):
لبيد بليد إن روى الشعر منشداً أجل وعبيد ثم أصغر من عبد
وكأنه شعر في النهاية أنه مل وأمل؛ فحاول أن يضيف إلى مبالغته اسم التفضيل (أصغر)، الذي لم يزد ابتذاله إلا فجاجة، ولا أرى أصغر من هذه الموهبة الشعرية التي لا تفتأ تكرر وتبتذل حتى الملل.
ويأخذ صفي الدين الحلي (ت752هـ) المفارقة ليصف عبقرية ممدوحه، وأنه بلغ المدى في الذائقة الشعرية، حتى لم يعد يطربه مديح إلى الدرجة التي يصير فيها لبيد بليداً لو مدحه(54):
يرنحه سمع المديح تكرما وإن لبيداً عنده لبليد
ومن المعلوم أن في تكرار المعاني دليلاً واضحاً على الضحالة الشعرية لهذا العالم النحوي، بل دليلاً أوضح على عجزه عن الابتكار، فضلاً على أن تكرار المعاني، أو الصور الشعرية للشاعر كسل فكري فاضح. فبدلاً من أن يحاول توليد معاني جديدة واختراع صور فنية، يعيش عالة على معاني غيره وابتكاراته؛ فيبتذلها(55)، ويسفهها. بل ربما ابتكر هو نفسه معنى ما أو صورة ما، ثم يعود فيجترها، ثم يزيد ويعيد من هذه الصور والمعاني المدخرة الجاهزة مرات ومرات، كما لاحظنا، متى دعته الضرورة أطل بخياله الكسول إلى تلك المعاني والصور الجاهزة؛ فيقتلها ويقضي على قدرتنا على الاستمتاع بشعره، أو إحساسنا بدهشة التلقي في القصيدة الجديدة. وقد يعمد إلى شيء يسير من التغيير الباهت مراعاة لوزن القصيدة الجديدة وقافيتها.
ويحاول صلاح الدين الصفدي (696- 764هـ) تغيير المفارقة قليلاً، بلا طائل(56). وتظل المفارقة مبتذلة بينهم حتى كتب قاضي القضاة في عصره أحمد بن علي بن عبد الكافي (ت745هـ) إلى الصفدي نفسه قصيدة يثني فيها على علمه وشاعريته؛ فلم يجد صورة أبلغ منها في توضيح مراده(57) ويفخر ابن فركون الأندلسي (ت820هـ) بمدحته أمام ممدوحه ليعلي من خلالها شأنه(58) تسويقاً لنصه(59).
ويحاول الشاعر جمال الدين محمد بن عمر الشهير بتحرق (ت930هـ) تطوير المعنى مستغلاً المفارقة والمجانسة بين لبيد وبليد وما اكتنزه المعنى من مخزون دلالي"(60). والواضح أن المجانسة اللفظية بين لبيد وبليد من ناحية والمخزون الدلالي المتراكم من ناحية ثانية قد جراه إلى توليد مجموعة من المفارقات المتناسلة(61)؛ كما نجد عند ابن الخزار (محمد بن علي القاضي) الذي يضيف إليها بأنه إن كان سحبان مضرب المثل في الخطابة(62)، وابن مقلة في حسن الخط(63) فلبيد هو مضرب المثل في بلوغ الشاعرية(64).
وهو ما فعل مثاله مهذب الدين أبو نصر محمد بن محمد الخضر لحلبي، حين مدح الحكيم رشيد الدين بن الصوري (573- 639هـ)(65) وقد أخذوها من أبي سعيد الرستمي (ت400هـ)(66).
ويساوي ابن معتوق (شهاب الدين الموسوي ت1087هـ) بين لبيد في سموقه البشعري وسحبان في سموقه النثري، ثم يسحب البلادة المدعاة للمبالغة على سحبان هذه المرة، ليغير معنى الرستمي السابق، ويبني عليه؛ مما ينشئ حواراً تفاعلياً مع النصوص على اختلاف الأزمنة والأمكنة(67).
وانتقلت هذه المفارقة "لبيد بليد" من الشعر إلى النثر الفني(68)، وظلت جزءاً من الإطار الشعري في محاولات لاستثمارها تارة، ولتطويرها تارة أخرى. وتردد التجديد فيها بين نجاح وإخفاق؛ فنجد الشعراء يستخدمونها في مراسلاتهم الشعرية للإشادة بأشعارهم في مقابل شعر لبيد حتى تحكمت فيها الصنعة. ومن ذلك ما نجده عند ابن فضل الله العمري (ت749هـ)(69) واستدعت المفارقة على غرارها مفارقات أخرى(70)، كما نجد عند الشاعر عبد الرحمن العيدروس (1135- 1192هـ)(71) وهو ما نجد مثاله عند الشاعر الحويزي صالح حجي الكبير (ت1275هـ- 15م)(72).
ومما لا شك فيه أن التناص عملية إبداعية خلاقة لا تتوقف تحولاتها عند البنية الجمالية، بل تنعكس على كافة البنيات الثقافية والحضارية والمعرفية والسياسية التي تكشف عن نسقية العقل العربي(73) ومدى جموده أو تطوره. ولذا يمكننا فهم طبيعة هذا الجمود بالمقارنة بين شاعرين بينهما سبعة قرون تقريباً، لقباً بالساعاتي، الأول بهاء الدين أبو الحسن علي بن رستم (553- 402هـ)، والثاني محمود صفوت الملقب بالساعاتي (1221- 1298هـ).
وينتمي الأول إلى نهاية الدولة العباسية تاريخياً، ولكن: لم يتطور واقع التناص وحواريته مع أنموذج لبيد واتهامه بالبلادة المدعاة تجميلاً للذات الشاعرة وتصويراً لقوة الشاعرية والقدرة على البلاغة، ومع مرور أكثر من ثلاثة قرون على ابتداع الصورة، لا نجد تجديداً فنياً عنده في استخدام هذه المفارقة(74).
ويبدو أنهم كانوا يسيرون للوراء فعلاً في بداية انهيار الدولة والشخصية، ولم يعد هناك إلا الادعاءات الجوفاء المبتذلة، والصور النمطية التي سبق له أن قالها موظفاً هذه المفارقة المبتذلة(75) فالصنعة هي التي تقوده، فأخذ يكررها تكراراً مبتذلاً، لا روح فيه فضلاً عن الصنعة والتكلف(76)؛ نوعاً من تسويق النص زهيد المعنى بتلويناته البديعية المنمقة وزخرفته(77). وعلى كل حال؛ فالواضح وضوحاً لا مرية فيه هو استحواذ لبيد على خيال الشاعر، وعده مثالاً للتفوق الشعري، وقمة الشعرية التي ليس بعدها قمة إلا المدعاة مبالغة.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-02-2019, 02:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لبيد والذكرى المستديرة ( مرايا السيرة، وأصداء النص)

لبيد والذكرى المستديرة


( مرايا السيرة، وأصداء النص)



الدكتور


محمد سيد علي عبد العال




والشاعر الثاني هو محمود صفوت الساعاتي (1241- 1298هـ)(78) ولا يشي التناص عنده بعد سبعة قرون في أحسن الظنون إلا بالاستنساخ الثقافي والحضاري بما يعكس جمود الواقع، وأثر ذلك على الإبداع في بعض الأمصار الإسلامية.
يمتلك الشاعر الحقيقي حساسية حقيقية للتراث؛ فيعمد خياله النشط عبر موهبته الفردية إلى تحليل مخزونه الشعري، أو ذاكرته الشعرية، ويعيد تلقائياً هذا الموروث بحيث يحمل سمات جديدة، أو على الأقل ملامح كالجديدة(79). وقد حاول الشاعر جعفر الحلي (1277- 1315هـ) في ديوانه (سحر بابل وسجع البلابل) أن يكسو المعنى كساءً جديداً؛ فقال مهنئاً أحد الوجهاء ومادحاً لخصاله؛ كدأب قصيدة التهنئة(80):
لك هيبة في الصدر يابن محمد تكسو لبيد الشعر ثوب بليد
ولكن ظل المعنى بارداً، ولم يخرج عن المعنى المألوف "لبيد بليد"، الذي أخذه أيضاً الشاعر عبد الباقي العمري (1279هـ- 1862م) في ديوانه المسمى بالترياق، محاولاً أن يجاوزه(81):
لساني إلى الكوفي يعزي وإنه لبيد بليد عنده ومحير
فقد أضاف العمري إلى المفارقة المبتذلة وصفاً بالعطف المراعاة للقافية ومحير"، والبليد محير بطبيعته؛ فلم يضف شيئاً ذال بال. وإن كنا لا نجحد أن ذكر لبيد في مثل هذه التهاني يكسب القصيدة نوعاً من البهاء، لم نكن لنشعر به لولاه ذكره، كما يكسب الشاعر نفسه نوعاً من الصقل الفني بمعرفة الإطار الثقافي للشعرية العربية، ولكننا في آخر الأمر لا نجد تجديداً يمكن أن نتوقف عنده.
وقد لا نجد هذه البرودة فيما سلكه محمد بن حمير الهمداني (ت651هـ) يمدح الشيخ ناصح الدين الزني(82):
نقحته قريحة أنتجتها فكرة تستقل شعر لبيد
وقد مكنت ثقافة محمد بن حمير الواسعة من أن يستمد من شعر لبيد وغير لبيد ما يعينه على صوغ أفكاره المختلفة في شعره، ويستلهم من مواقفه ما يشحذ قريحته لصياغة المعاني وفق الموقف الشعري(83)، وإن كانت الصياغة مجددة فالمعنى قريب، ولكن فيه روح التوقير للشاعر المستدعي تحمل من روح صاحبها المشهور بأنه لا يجنح إلى المبالغة والغلو(84) حتى نصل إلى مفارقة هذه المفارقة والتشبه بلبيد بشكل مباشر في شاعريته وتوسطه الشعراء الفحول؛ كالنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى في قول ابن هتيمل الضمدي (ت695هـ)(85):
وعلوت حتى صرت أحسب أنني كزهير، أو كزياد، أو كلبيد
وهك ذا تتراوح المفارقة بين المباشرة ومحاولة الإثارة عن طريق الاستفهام الإنكاري تعظيماً لشاعرية الذات؛ كما نجد عند ابن أبي حجلة (ت776هـ)(86):
أيطمع في معارضتي لبيد له من شعره أبداً سعير
وظلت محاولات مفارقة هذه المفارقة المبتذلة حتى طورها علي الجارم (ت1949م) بشاعرية تنبئ عن تطور ملحوظ في التلقي الشعري والذائقة الشعرية العربية التي صارت انعكاساً لما لاحظناه من نهضة عربية كانت آخذة في الصعود إبان هذه الفترة. يقول الجارم في حفل زفاف الملك فاروق(87):
أجهد الشعر أن يرى عزمات يعجز الوصف دونها وجهوداً
ومعانيك لا تحد فماذا يعمل الشعر قاصراً محدوداً
وإذا ما البيان عق لبيداً في المقام المهيب فاعذر لبيدا
فلم يتهم لبيداً بالبلادة؛ كما عهد سلفه في مفارقاتهم التي ابتذلوها، بل توجه إليه معتذراً إذا ما عجز عن التعبير في هذا الموقف المهيب مع ما عرف عن بلاغته وشاعريته؛ فخالف أفق توقع القارئ بما يثير دهشته ويمتعه بالنص، رغم أنه من شعر المناسبات الذي لا يتأتى لذاتية الشاعر فيه الإفصاح والتعبير بعواطف صادقة في الغالب. ولكن التصرف في الإطار الثقافي كان انعكاساً للسباقات الثقافية والحضارية التي شهدتها تلك الفترة، وهو ما يسميه بعض الباحثين بالاستدعاء المرن للتراث، مع حرص الجارم على استدعاء النموذج العروبي في شعره، واعتزازه الدائم بذاته وأصالة شاعريته بحيث لا تذوب في شعرية الآخر المستدعي، مهما بلغت قوة تأثيره وسحر شاعريته(88). وهو ما يعبر عنه باحث آخر بأن هذا الاستلهام بالإضافة إلى كشفه عن جوانبه الخفية عن طريق الشخصية المستحضرة، فإنه يستنهض الهمم؛ إذ يجعل الواقع العربي قادراً على الإفصاح عن عجزه، مع أننا نملك ميراثاً مهيباً يمكن أن ننظر إليه بإجلال(89)، واتخذ الجارم من لبيد وسيلة للقدرة على الإفصاح من خلال الاستدعاء الفني، وترك مساحة للشخصية المستدعاة لكشف المسكوت عنه، وما لم يقله النص بشكل مباشر يمنح النص فرصة أكبر لتعبير والتأثير المتلقي.
ونصل إلى طريقة خاصة في استثمار الإطار الشعري عند أمير الشعراء أحمد شوقي (ت1932م)، حين يلمح إلى المعنى تلميحاً لطيفاً يسمو بتجربته حين يخاطب ذكاء المتلقي، ويختبر ذائقته، وذاكرته في رثائه محمد ثابت، واصفاً براعته في الفارسية والعربية(90):
آخذاً من لسان فارس قسطاً وافر القسم من لسان لبيد
يشير شوقي إلى بلاغة لبيد مكتفياً بالإشارة إلى لسانه آلة بلاغته ودليل شاعريته على سبيل المجاز المرسل الذي يفتح آفاقاً أمام المتلقي للحوار مع النص، وتصور حقيقة المجاز بنفسه، وخياله، وقدرته على التصور.
ومن اللافت أيضاً أن الشاعرات رأين لبيداً هو قمة الشاعرية التي يرجونها ويتمثلن بها، في العصر الحديث؛ فالشاعرة الأديبة وزدة اليازجي (ت1924هـ) بنت الشيخ ناصيف اليازجي، التي درست في الجامعة الأمريكية ببيروت(91)، ترسل رسالة شعرية ترد بها على مجاملة من الشاعرة عائشة التيمورية (1840- 1902م)، بعد أن أهدتها الأخيرة ديوانها حلية الطراز(92)، حين تقول من قصيدة لها في ديوانها (حديقة الورد)(93):
فغدوت أشعر من لبيد دون أن يزري بقدر من علاك جليل
وهي مجاملة فيها من الظرف واللياقة ما فيها، ويهمنا منها كيف وظفت أنموذج الشاعرية المتمثل في لبيد ببلاغة وبراعة؛ إذ تلمح بذكاء من طرف خفي إلى ما اكتنز البيت من خطابات شعرية عبر رحلته الطويلة في الشعرية العربية، منذ أن قال الشافعي بيته الشهير(94):
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
فتصل وردة اليازجية بعائشة إلى ذروة لبيد مع احتراز لطيف مما احترز منه الشافعي. وهكذا تراوحت المفارقة الدالة على عبقرية لبيد بين إدهاش قليل نادر، وإخفاق كثير في عصور الضعف والاضمحلال، وإن كانت في النهاية تؤكد أمراً واحداً توكيداً لا لبس فيه؛ هو أن عبقرية لبيد الشعرية شغلت خيال الشعراء عبر العصور والبيئات، فجعلوها القمة المستحيلة التي يضرب بها المثل في بلوغ قمة الشاعرية، وإن استخدموا المفارقة المبتذلة في سبيلهم إلى ذلك.

2- الحزن الأبدي/ تيمة لبيد وأزبد:

تمثلت علاقة الأخوة الصادقة في تراثنا الشعري في ثلاث علاقات مشهورة طغت على ما عداها؛ هي: علاقة الخنساء بأخويها معاوية وصخر، ولاسيما الأخير، ومتمم ومالك ابنى نويرة، ولبيد وأربد أخيه الأكبر لأمه الذي عشق فروسيته، وجعل منه مثالاً للبطولة والشجاعة بمراثيه التي أبدع جلها في الإسلام بلا شك، مع أن هذا الأخ مات كافراً بصاعقة من السماء أحرقته استجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم عليه بالهلاك بعدما تآمر مع عامر بن الطفيل لقتله(95).
ويرى بعض الباحثين أن عرب الجزيرة العربية خاصة، ولبيد ابن وسط الجزيرة، تميزوا بدرجة عالية من العلاقات الحميمة بين الإخوة لم تصل إليها المجتمعات البدائية التي حولهم، ووصل بهم الارتقاء بالعلاقة الأخوية إلى أن يرى الأخ متعة الحياة في جوار أخيه فحسب، فإذا ما أسر أحدهما، أو قتل، تحولت حياة الآخر إلى جحيم لا يطاق، وتبدلت له الدنيا بوجه كالح كئيب؛ فلم يزل يبكيه حتى يلحق به. وعرفت عندهم علاقات حميمة مشهورة؛ كعلاقة المهلهل بكليب، وكعب بأبي المغوار، وقيس بمالك والحارس، وقس بن ساعدة بأخويه، وصخر بمعاوية(96)، ولبيد بأربد، والخنساء بصخر، ومتمم بمالك، ولكن الشعر هو الذي خلد بعضها، وأعرض الزمن عن كثير منها.

أ- ائتلاف الدم واختلاف العقيدة:
كثيراً ما تقابلنا النصوص التي تنتصر لرابطة الدين على رابطة الأخوة إلا فيما ندر، والندرة هي مناط الشاعرية ومثيرتها، وإن اختلفنا معها اعتقاداً. ولعل علاقة لبيد بأربد من أبرز ما يمثل هذه الندرة التي جعلت بعض الصحابة يرى أحقية النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المعاني النبيلة التي يضعها لبيد بعاطفته المفرطة في أخيه الذي حاول قتل النبي صلى الله عليه وسلم(97).
وواضح سيطرة هذه التيمة قد سيطرت على خيال الشعراء الكبار أصحاب التجارب الكبرى؛ وإلحاحها عليهم في تجاربهم، واستثمارهم لها في شعرهم بداية من معاصريه؛ كتميم بن مقبل (ت37هـ)، الذي يصور لوعته على أحبته بلوعة لبيد عند مفارقة أربد(98):
وإنا وإياكم وموعد بيننا كمثل لبيد يوم زايل أربدا
وكما اتخذ هذا البيت شاهداً على إسلامية قصيدة تميم، اتخذ دليلاً على براعته في الإشارة والتلميح(99) إلى شعر لبيد في أربد، وذلك أنه كان يتمثل برؤى لبيد في شعره(100).
ويصور ابن زيدون(ت 463هـ) إسحاق أمير قرمونة، عدو ممدوحة المعتضد بن عباد، وهو يندب ابنه العز ويبكيه، كما بكى لبيد على أربد(101)
فأصبح يبكيه المصاب بثكله بكاء لبيد حين فارق أربدا
والتشابه هنا في البكاء للرحيل من ناحية الأب وتشبيه حزنه ودموعه بدموع لبيد على أخيه. وقد أصاب ابن زيدون في تشبيهه من ناحية وأخفق من ناحية أخرى؛ فإن كان قد شبه العز بن إسحاق بأربد الكافر الذي أراد أن يقتل نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقد شبه أباه إسحاق بلبيد بن ربيعة رضي الله عنه الصحابي الجليل، مع ما عرف من وفائه ودينه وورعه من ناحية، وما عرف من خيانة إسحاق لممدوحه، وربما أراد ابن زيدون صدق البكاء نفسه، وهو وجه الشبه المنتزع. ونجد مثاله عند ابن نباتة المصري (ت768هـ)، حين يصف إجهاز ممدوحه على أعدائه؛ وبكاء حيهم على فقيدهم بكاء لبيد على فراق أربد(102):
وخلفهم تبكي على الجسد الطلا بكاء لبيد يوم فرقه أربد
ويبدو إعجاب ابن نباتة بشعر لبيد، وأن صورته أعجبته، وشغلته حتى نقلها من الرثاء إلى الغزل(103):
وفارقته أبكي عليه حقيقة بكاء لبيد يوم فرقة أربد
وهو ما نجد مثاله أيضاً، عند الشاعر أبي علي الأنصاري الكاتب (حسن بن زيد بن إسماعيل) الذي يصفه الصفدي بأنه كان من المقدمين في ديوان المكاتبات بمصر في أيام العبيديين، وأثنى عليه القاضي الفاضل، وهو أحد شعراء الخريدة(104) في قوله(105):
أعاذل أنحيت لوماً على تروح بعذلك أو تغتدي
ففضلي يبكي على نفسه بكاء لبيد على أربد
ولم يسمح لهم انبهارهم بهذه التيمة أن يفصلوا بين عناصر التشبيه؛ فكان تركيزهم على الإخلاص في البكاء الذي أكسبه لبيد سحراً خاصاً وصدقاً لا يزول مع الزمن؛ فيستخدمها البحتري أكثر من مرة؛ في مديحه أبا أيوب بن شجاع الذي ينتهي في وصف حاله أمامه بحال لبيد في حزنه على أخيه أربد(106). وواضح أن لبيداً حاضر في الوعي الشعري للبحتري منذ لحظته الأولى في مطلع قصيدته، رغم أننا لا نجد قصيدة للبيد في هذا الروي. يقول البحتري في البيت الثالث من مطلع هذه القصيدة(107):
في كل يوم دمنة من حيهم تقوى وربع منهم يتأبد
وهو ما يذكرنا تلقائياً ببيت لبيد الشهير في معلقته(108):
عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها
ويخاطب البحتري رجلاً من أهل نصيبين؛ يقال له: سعيد بن معاوية يشكو إليه أهل زمانه، وأخلاقهم التي تشبه أخلاق البغال في افتقاد الأصل الطيب النقي، كما يشكو خلفهم الوعد إلى أن ينتهي إلى قوله(109):
أناس لو تأملهم لبيد بكى الخلف الذي يشكو لبيد
يلمح إلى بيت لبيد الشهير في أخيه أربد، ويتحاور مع قوله(110):
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
وتكرار اسم لبيد في العروض والضرب من قبيل التلذذ؛ وتكثيف الإيقاع الموسيقي، والحضور لشاعر استولى على إعجابه، كما استولى على كثير من خيال الشعراء، ويومئ البحتري هنا إلى موروث طويل مختزلاً روايات كثيرة قيلت في حضور أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، منها ما رواه الطبري (ت310هـ) في تهذيب الآثار "عن عائشة، أنها قالت: يا ويح لبيد حيث يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
قالت عائشة: فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عروة: رحم الله عائشة، فكيف لو أدركت زماننا هذا؟ ثم قال الزهري: رحم الله عروة، فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ ثم قال الزبيدي: رحم الله الزهري، فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال محمد: وأنا أقول: رحم الله الزبيدي، فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال أبو حميد: قال عثمان: ونحن نقول: رحم الله محمداً، فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال أبو جعفر: قال لنا أبو حميد: رحم الله عثمان، فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال أبو جعفر: رحم الله أحمد بن المغيرة، فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الشيخ رحم الله أبا جعفر، فكيف لو أدرك زماننا هذا؟"(111).
والبيت متداول مع سرديات كثيرة في أبواب تبدل الأحوال في كتب التراث(112). وأوشك بيت البحتري أن يختزل كل هذه الأحاديث والمرويات من ناحية، وينميها، ويحدث لها نوعاً من التواصل والاطراد من ناحية أخرى.
ومما لا شك فيه أن شاعرية البحتري استوعبت أن تيمة لبيد وأربد مشابهة لتيمة متمم بن نويرة وأخيه مالك الذي قتله ضرار بن الأزور الأسدي بأمر من خالد بن الوليد. ولمتمم مراث مشهورة في مالك أخيه؛ ولذا يجمع البحتري بينهما(113):
ألوى بأربد عن لبيد واهتدى لابني نويرة مالك ومتمم
وهو تشابه لاحظه أبو العلاء المعري، وقرنهما بالمشابهة الثالثة التي أشرت إليها آنفاً؛ أعني تيمة الخنساء وأخيها صخر، ورأى في رسالة الغفران أنهم سيلتقون في الآخرة بعدما خمدت جمار الإحن التي كانت في الدنيا، وستباركهم الملائكة(114)، وكأن أبا العلاء الذي يتناص مع أرسطو كثيراً، يشاركه في مفهوم التطهير (Catharsis)، ويراه غاية الفن(115)؛ ولذا يجري حواراً حميماً مع لبيد(116) في جنة الخلد(117) في مشاهد مختلفة تنم عن توقيره إياه وتقديره لعبقريته الشعرية(118).
ويبلغ تعلق البحتري الشديد بشعر لبيد درجة الذوبان والتقمص؛ فيشبه دموع أحزانه بدموع لبيد على أربد(119):
وأنا لبيد عند آخر دمعة يصف الصبابة والمكارم أربد
وحاول الشاعر الطبيب ابن شبل البغدادي (ت474هـ) أن يكون واقعياً في رثاء أخيه، ويضرب المثل على أن الحزن لا يميت أحداً(120):
غاية الحزن والسرور انقضاء ما لحي من بعد ميت بقاء
لا لبيد بأربد مات حزناً وسلت صخراً الفتى الخنساء
مثل ما في التراب يبلى الفتى فالـ حزن يبلى من بعده والبكاء
غير أن الأموات زالوا وأبقوا غصصاً لا يسيغها الأحياء
يتسلح الشاعر الطبيب بحكمة الحياة في انقضاء الحزن؛ كما ينقضي السرور، فلا يجد مثالاً أصدق من حزن لبيد العميق والطويل على أربد، ومع ذلك فلم يمت لبيد حزناً. بل على العكس امتد به العمر، رغم حزنه حتى مل الحياة. وتستدعي تيمة لبيد وأربد تيمة الخنساء وصخر لتوكيد فكرته؛ فالحزن يبلى لا محالة كما يبلى المرء، ولكنه يعود عن حكمه في اضطراب واضح بأن غصة موت الأحباء لا تنقضي، ولا تستساغ، وكأنه رجع إلى الحال التي كان عليها لبيد والخنساء.
ب- فلسفة الموت سر البقاء: ربما صارت تيمة لبيد أشيع، وأكثر تأثيراً عند الشعراء لأنه الأرحب شاعرية، والأكثر عمقاً، واتصالاً بالحقائق الوجودية الكامنة والمستترة خلف الأحداث من خلال تجربته الطويلة وشخصيته الرصينة، وطبيعته التأملية، والأهم أنه استطاع أن ينفذ إلينا معاناته الصماء القاتمة عبر لغة شعرية شفيفة وصادقة، وتحمل بصماته الأسلوبية، وسماته الفنية الخاصة. فنجح في رسم صور الألم الإنساني العام، ومظاهر العبث في الإحياء، ورمز إلى المضمرات الوجودية من خلال ظواهر الكون والأحياء؛ بما لم يتيسر لشاعرية الخنساء، ولا خطابية المهلهل الشعرية؛ فعبارة لبيد وليدة تثقيف طويل، وتنخل واع، وقدرة مميزة على النحت الذي يصفه إيليا حاوي بأنه ينحت لغته على غرار البرناسيين في القرن التاسع عشر نحتاً ضنيناً على قدر المعاني، ولا يتركها تتهلهل؛ فتتخلف عن مضامينه وتجاربه. وتنداح تجربة الرثاء خاصة في نفسه حتى تشمل العالم كله؛ ولذا لم يلحق به المهلهل ولا الخنساء(121).
خلف موت أربد في نفسه حزناً نادراً؛ إذ لم يقتل في معركة، أو تحتشد عليه قبيلة ككليب وائل أو صخر، إنه القدر الذي انقض عليه من السماء عقاباً لجريرة ارتكبها؛ فصار كأن لم يكن. ومع أن لبيداً من السادة المنعمين المتمرسين بالفروسية؛ فإنه انكفأ على ذاته، إثر مقتل أخيه؛ فتكشف وجه آخر حزين. ولكنه تسلح بالإيمان والشعر، والبحث عن فلسفة مجهولة مستترة خلف الأشياء؛ فبدا في حزنه المبهم المركب فيلسوفاً يحس ببواطن الوجود الإنساني، ويقرنها بما يحس من الموجودات حوله. فالنجوم السائرة في الليل، والجبال المسيطرة على أفق الرؤية في النهار تقيم وتبقى، ويرحل الإنسان، ويموت، ويأتي المساء ولا تشعر النجوم بفقده(122)، ويسطع النهار، فلا تفتقده الجبال الشامخة ولا البحار الواسعة، كأن شيئاً لم يحدث. والذي مات لا شأن له، ولن تحفل برحيله، أو تتعطف لمصيره. فالحياة إذاً هي أفجع من حياة كثير من الموجودات التي يرقبها ليل نهار؛ أو كما يقولون: الطبيعة لا تعني بمصير أبنائها. إنه عمق لبيد في تأمل الوجود، والتمرس بآفاته؛ ولذا رأى أن كل شيء باطل وزائل، لا يستحق أن نجزع لأمر، أو أن نغتر بخدع الحياة الفانية؛ فامتاز شعره الرثائي بالترفع عن الصورة الحسية الزائلة نحو صور ذات دلالات نفسية ورمزية تستمد مما وراء الواقع، مبطنة بمعاناته الخاصة، ومشحونة برؤيته الإنسانية العامة.

3- شخصية البطل، وأخلاق الفرسان:

أ- الحاكم الحزين وقانون البكاء:
الحكم كلمة شديدة الوطء على النفس البشرية لما فيها من الشعور بالإجبار أو الغرم إذا كان موجهاً إليها، ولكنه يصير عزاء إذا وجه إلى الآخر الجاني، وربما جاء تخفيفاً ونجاة للنفس من الشعور بالذنب، ونجاة لها من جلد الذات، وعقاب الضمير. وشاع بين الشعراء التمثل بحكم لبيد(123) الذي صار يضرب مثلاً في الميت يبكى عليه، والغائب يخترم له سنة واحدة(124). وقد استنبطوه من وصيته الأخيرة لابنتيه حين حضرته الوفاة، وكذا من وصيته لابن أخيه؛ إذ لم يعقب ذكراً(125)، وهو ما عرف عند الشعراء بحكم لبيد(126):
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
ونائحتان تندبان بعاقل أخا ثقة لا عين منه ولا أثر
وفي ابني نزار أسوة إن جزعتما وإن تسألاهم تخبرا فيهم الخبر
وفيمن سواهم من ملوك وسوقة دعائم عرش خانة الدهر فانقعر
فقوما فقولا بالذي قد علمتما ولا تخمشا وجهاً ول تحلقا شعر
وقولا هو المرء الذي لا خليله أضاع ولا خان الصديق ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملاً فقد اعتذر
يمثل المقطع على صغره نصاً درامياً فيه الصراع مع الموت، والحوار والشخصيات، في كثافة سردية تغري الشعراء بالتناص معه، وبث تجاربهم من خلال استلهامه تلخيصاً لتجاربهم المريرة، أو للمناطق الأكثر حساسية وتأثيراً فيها، متجاوزين المبني الشعري إلى المتن أو المرجع الذي انبثق منه؛ وهذا الحكم المنصوص عليه في عجز بيته الأخير يضع فيه حكماً للبكاء الذي يعذر به صاحبه، وهو الحكم الذي تمسك به أبو تمام (حبيب بن أوس ت231هـ) في مقدمته الغزالية التي يوطئ بها لاعتذاره لأحمد بن أبي دؤاد(127):
ظعنوا فكان بكاي حولاً بعدهم ثم ارعويت وذاك حكم لبيد
يشير الطائي إلى حكم لبيد المشار إليه آنفاً(128). كما نجد عند أبي العلاء في لزومياته(129):
أوصى ابنتيه لبيد الــ ماضي ولا أوصي ابنتيا
فحال لبيد الذي لم يخلف ذكراً، أحسن حالاً من المعري الذي لم يجد ابنتين يوصيهما، وينعى شبابه، وأيام فتؤته وأحلامه التي طالت الفرقدين، ثم لم يجد في نهاية الحياة من يندبه وينوح عليه، ويحزن لفراقه.
ويبدو أن لبيداً قد قر في وعي المعري حتى جمع هاتين الابنتين وعمهما أربد وأعمامه العامريين الذين ظل يرثيهم لبيد بعد الإسلام لينعي المعري نفسه، ويودع الحياة مستريحاً أن لا بقاء لأحد ولا رثاء يخلف بقاء؛ فالعدم هو الفكرة المسيطرة على فكره. ولذا يتساءل نافياً ومؤكداً أن لا بقاء لأحد، الكل هباء، ولا يجد ما يضرب به المثال، ويلخص القضية إلا في هذا البيت الدال الذي لا يلخص حياة المعري وفلسفته فحسب، بل حياة لبيد، أيضاً(130):
أين لبيد وأين أسرته تزخر عند الضحى مسابلها
ويتوقف المعري أمام ما عرف باعتذار لبيد في نصيحته لابنتيه في رسالة الغفران بوصفه مثالاً للفقد الذي ليس له نظير، والنواح الصادق الذي يجرع صاحبه كؤوس الأسى والحزن بلا انقطاع(131). وهو ما نجد نظيره عند ابن زيدون شعراً وسرداً(132)؛ فقد تجاوز تأثير بيت لبيد الشعر إلى السرد؛ كما في سرديات أبي حيان التوحيدي (ت414هـ)(133).
واستمر هذا الحكم مقياس الاعتذار، متى وفاه المحب على أعز أحبابه فقد بلغ الغاية حتى صار حداً، وسنة للبكاء؛ كما يقول ابن الشجري (ت542هـ)(134):
هل الوجد خاف والدموع شهود وهل مكذب قول الوشاة جحود
وحتى متى تقني شئونك بالبكا وقد حد حداً للبكاء لبيد
وإني وإن لانت قناتي لضعفها لذو مرة في النائبات شديد
فالبكاء الزائد لا قيمة له، ولن يغير واقعاً؛ ولذا يجب على الإنسان أن يتماسك أمام محن الدهر حتى لا يترك للوشاة فرصة، وأن يقوى أمام النائبات مهما دعته إلى الضعف والانكسار، وربما لهذا السبب استجاده الأدفوي (ت685هـ)(135)، ولم يظل هذا الحكم معياراً للحزن الوافي؛ إذ استطاع المحبي (ت1111هـ) أن يبني حكماً على حكم، ومعنى على معنى؛ ليزداد المعنى حيوية بالتقادم والتواشج؛ فيصير مقسوماً بين ثلاثة شعراء لا شاعرين. فقد أخذ ابن هانئ الأندلسي (ت363هـ) حكم لبيد، وحاول تطويره بأن جعله مقصراً في بكائه على أحبابه؛ إذ اكتفى بعام واحد، مع أن بكاء الدهر لا يكفيهم(136):
سأبكي عليه مدة العمر إنني رأيت لبيداً في الوفاء مقصراً
وبالغ ابن هانئ في حكمه كما يصنع في شعره؛ إذ يرى أن بكاء العمر على الأحباب لا يكفي، متهماً لبيداً بالتقصير في حكمه، ولكن المحبي (ت1111هـ) يزيد عليه:
يا صديقي تركتني لهمومي نقضي قبلها زمان الزمان
لست أرضى عليك حكم لبيد مذهبي في الوفاء حكم ابن هاني
عيل صبري وإنما أتاسى بعموم المصاب في الأعيان
أسعد الصاحبين من مات من قبــ ل وأبقى الصديق للأحزان
إنما هذه مراحل تطوى والبرايا تساق كالركبان
ويعلق المحبي نفسه على قصيدته موضحاً مراده؛ قائلاً: "ومرادي بحكم لبيد قوله: ويذكر البيت"(137).
ولم تأت محاولات المحبي من فراغ؛ فقد سبقه ابن الزقاق البلنسي (491- 530هـ) حين رأى أن بكاءهم على أحبابهم ألف عام قليل، وإن كان لبيد قد وضع حداً لذلك بعام واحد(138):
قليل بكانا ألف حول وإن قضى باكمال حول بالبكاء لبيد
لا يقتصر هذا التوالد الواضح لمعنى لبيد عند المحبي في هذه الصورة، بل تستدعي الصور بعضها بعضاً، ويلح الشاعر الساكن في الوجدان بصوره وتراكيبه وموسيقاه، بل يتجاوز كل ذلك إلى الحضور بشخصه، كلما سنحت فرصة وجوده في النص الجديد؛ فيتجاوز شعرية المبنى إلى شعرية المتن؛ من ذلك ما نجده عند المحبي في إحدى مراثيه، ويستحضر آيات سورة الرحمن، ونستشعر حضور لبيد في مطلعها(139):
كل حي على البسيطة فإن غير وجه المهيمن الرحمن
وعلى كل حال فليبد حاضر في شعره ووعيه بوضوح، وظل هذا الحضور ماثلاً في المخيلة الشعرية العربية حتى جاء البارودي (محمود سامي ت1904م) رائد الإحياء؛ فأخذ متن الحكاية متجاوزاً سطح المعنى بعد تمامه واختماره في نصوص من سبقه؛ فقال في رثاء حليلته (عديلة يكن) التي توفيت وهو في سرنديب(140):
فلئن لبيد قضى بحول كامل في الحزن فهو قضاء غير جواد
وهنا نوع من التطور الدلالي؛ فشعرية البارودي، التي أسست لحركة الشعر الحديث، قد جمعت بين تيمتين مختلفتين من تيمات لبيد؛ وهما الوصية التي وصاها ابنتيه، وما عرف عن جوده ونحره الجزائر كلما هبت الصبا، ورأى أن وصيته لا تتفق مع ما عرف عن جوده، وذلك لأنه لا ينظر في المبنى الشعري، بل يسيطر عليه متن سيرة لبيد. ولذا يرى بعض الباحثين أن تناص البارودي يمثل تحول نسق علامي إلى نسق علامي آخر، ليس داخل البنية النصية فحسب، بل داخل البنية الثقافية والتاريخية التي يفتح التناص آفاقها من جميع الجهات(141).
ومن أحكامه التي عدت أحكاماً مطلقة قوله الذي اشتهر وصار قضاءً، وضرب بذلك المثل: "إنما يجزي الفتى ليس الجمل"، ومعناه إنما يعرف النعم، وما يجب لها من شكر المنعم أرباب العقول وذوو التمييز، لا البهائم، فمتى أسديت إليك نعمة فكن مجازياً عليها؛ فإن ذلك من تمام العقل(142) من قوله(143):
فإذا جوزيت قرضاً فاجزه إنما يجزي الفتى ليس الجمل
وقد ضمنه الشعراء أيضاً، وجعلوا منه قضاءً، ومن لبيد قاضياً وحكماً؛ من ذلك قول ابن الرومي(144):
قد قضى قول لبيد بيننا إنما يجزي الفتى ليس الجمل
فقد استدل ابن الرومي على فكرته ومحاجاته بحكم لبيد الذي لا يرد، وله القبول من كل أطراف النزاع بوصفه دستوراً حكيماً، وقد شاع عدهم الاستدلال والاستشهاد على صواب أحكامهم بغير حكم له. من ذلك أيضاً ما نجده من إجابة أبي محمد بن أبي المجد، على صاحبه أبي الحسن الجياب، وهما من أدباء الأندلس المرموقين "وقال يوماً شيخنا أبو الحسن بن الجياب هذين البيتين على عادة الأدباء في اختيار الأذهان:
جاهد النفس جاهداً فإذا ما فنيت عنك فهي عين الوجود
وليكن حكمك المسدد فيها حكم سعد في قتله لليهود
قال: فأجابه أبو محمد بن أبي المجد(145):
أيها العارف المعبر ذوقاً عن معان غزيرة في الوجود
إن حال الفنا عن كل غير لمقام المراد غير المريد
كيف لي بالجهاد غير معان وعدوه مظاهر بجنود
ولو أني حكمت فيمن ذكرتم حكم سعد لكنت جد سعيد
فأراها صبابة بي فتوناً وأراني في حبها كيزيد
سوف أسلو بحبكم عن سواها ولو أبدت فعل المحب الودود
ليس شيء سوى إلآهك يبقى واعتبر صدق ذا بقول لبيد
يشير إلى قول لبيد الشهير(146):
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
وواضح أنه مهد لهذا الحكم تمهيداً كافياً لأنه حاضر في وعيه من البداية؛ فجعله خير ختام، وقولاً فصلاً في الإجابة التي لا ترد؛ لما يحمله الحكم من الحجة الدامغة، والحكمة القاطعة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 117.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 114.94 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.00%)]