علاقة الطلاق في نظرية التعسف في استعمال الحق - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191097 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2653 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 658 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 937 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1091 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 853 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 836 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 920 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92811 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-11-2020, 02:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي علاقة الطلاق في نظرية التعسف في استعمال الحق

علاقة الطلاق في نظرية التعسف في استعمال الحق
فراس رياض السقال



مقدمة:
الحمد لله، والصلاة على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

أما بعد:
فإن التعسف هو استعمال الإنسان حقَّه على وجه يضر به أو بغيره، وهو معروف عند فقهاء القانون الوضعي[1]، وقد يستخدم هذا التعسف في كثير من نواحي الحياة، وفي عدد من العلاقات الاجتماعية، ويكثر في العلاقات التي تجد فيها احتكاكًا وصدامًا بشكل دائم ويومي، ومنها بعض الحالات الاجتماعية بين الزوجين، وخاصة إذا رافَقها عدم التوافق بينهما، فوصل بهما المطاف إلى طريق مسدود، ولم يَجِدَا بُدًّا من الطلاق، عندها يتجلى التعسف في بعض هذه المسائل نتيجة عداوات وضغائن من كلا الطرفين، وفي هذه المقالة سنلقي الضوء على علاقة الطلاق في التعسف. أرجو الله أن يوفِّقنا لتوضيح هذا المفهوم إنه سميع مجيب.

أولًا: معنى التعسف لغة واصطلاحًا:
لغة:
التعسف لغة: عسَفَه عَسْفًا من باب ضربه؛ أي: أخذه بقوة، والفاعل عَسوف وعساف، وعسف في الأمر فعَله من غير روية[2].
معناه في القانون الوضعي: هو استعمال الإنسان حقه على وجه يضر به أو بغيره، وهو معروف عند فقهاء القانون الوضعي[3]، والتعسُّف في استعمال الحقِّ تعبيرٌ واردٌ إلينا عن الحقوقيين الغربيين، فيَجمل بنا أن نعرفه بما أرادوا منه، ثم نتكلَّم عمَّا يقابله في الفقه الإسلامي، فالتَّعسف في استعمال الحق عندهم هو: استعمال الحق على وجه غير مشروع، فالمفروض أن الحق أمر مشروع ومباح الاستخدام، ولكن الذي استعمله نحا في ذلك نحوًا غير مشروع، كما سيتبيَّن هذا فيما بعد.

تعريف التعسف في الطلاق: مصطلح التعسف في الطلاق مصطلح حديث عرفه د. عروة صبري بأنه: إيقاع الطلاق بدون سبب، أو بقصد إيذاء الزوجة، وهذا ذكر لبعض حالات التعسف في الطلاق، وليس تعريفًا لحقيقة التعسف في الطلاق وماهيته.
وقد عرفه د. مجيد العبيدي بأنه: الطلاق الذي يقع من الزوج بالمفهوم العامِّ للطلاق، ولكن إيقاعه بدون سببٍ معقول أو مبرر، وبدون سوء تصرُّف من الزوجة، وبدون طلبها أو رضاها، وإنما يقع لمجرد قصد الإضرار بالزوجة، وهذا أيضًا تعريف بذكر بعض الأمثلة دون تعريف الماهية، وفيه بُعد عن الدقة بسبب حصره التعسفَ في الطلاق في حالة قصد الإضرار بالزوجة[4]، وقد عرف التعسف الدكتور أيمن الدباغ، فقال: مناقضة قصد الشارع في التصرف بحق الطلاق المأذون فيه شرعًا حسب الأصل[5].

ثانيًا: صفة التعسف والفرق بينه وبين الفعل الضار، والفرق بين النهي عن التعدي والنهي عن التعسف:
صفة التعسف: وصف الدكتور أيمن الدباغ الطلاق التعسفي وقيَّده، فقال: النهي الشرعي إذا تعلق بأوصاف خارجية منضبطة، كان نهيًا عن مجاوزة الحق لا عن التعسف فيه، وإذا تعلق النهي بالباعث أو بالأضرار الخارجية الناتجة عن التصرف - والحال أن التصرف تَمَّ ضمن القيود الشرعية الخارجية له - فإنه يكون نهيًا عن التعسف في الحق[6].

الفرق بين النهي عن التعدي والنهي عن التعسف:
النهي عن إيقاع الطلاق لمسوغ غير معقول، هو نهي عن التعسف في الطلاق، بخلاف النهي عن إيقاع زمن الحيض مثلًا؛ إذ هو نهي عن مجاوزة قيد شرعي من قيود الطلاق الصحيح[7].
الفرق بين التعسف والفعل الضار: وفرق بين التَّعسف وبين الفعل الضار، أو الامتناع الضار؛ لأن الأخيرين أمر غير مشروع؛ أي: ممنوع ومحرم من أول الأمر، أما التعسف فهو استعمال الحق المشروع على وجه غير مشروع[8].

ثالثًا: معايير التعسف في الطلاق، وأدلة تحريم التعسف، وأسباب التحريم، وقواعد منع التعسف:
معايير التعسف: الغالب أنه لا يلجأ الناس إلى الطلاق إلا لمسوغات معقولة، وخاصة الرجالَ الذين يتحملون أعباء قرار الطلاق، وتكاليفه المادية، وقد يقال أيضًا: إنه ليس من السهل إثبات التعسف في الطلاق، فلا يعد كل طلاق تعسفيًّا، حتى يثبت الزوج العكس، ولا نوافق على ذلك ونراه تعسفًا في حق الرجل؛ لأن الغالب ألا يقدم الرجل على التطليق إلا لمسوِّغ قوي، والحل لمشكلة صعوبة إثبات التعسف في الطلاق، تكمُن في نظرنا في تقنين معايير واضحة أمام القاضي، يُمكنه تطبيقها مباشرة على الحالات المعروضة أمامه، ومن هنا تأتي أهمية وضع معايير محددة وتفصيلية لما يعد مسوغًا مقبولًا للطلاق أو غير مقبول، ولم يتجه الباحثون إلى تحديد معايير خاصة للتعسف في الطلاق، مكتفين بتَعداد المعايير العامة للتعسف في الحقوق، وأغلب القوانين التي تعرضت للطلاق التعسفي لم تتجه إلى تحديد معايير له أصلًا، واكتفى بعضها بالإشارة إلى معيار انتفاء سبب معقول للطلاق، ومن ذلك نص المادة 134 من القانون الأردني لسنة 1976: (إذا طلق الزوج زوجته تعسفًا كأن طلقها لغير سبب معقول..)[9].

أدلة تحريم التعسف:
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ [البقرة: 231]، فهذه الآية نهي من الشارع في استعمال الحق في المراجعة بقصد الإضرار، كما كان يفعل الرجل بزوجته في الجاهلية؛ حيث يطلق زوجته، ثم إذا قارَبت عدتها على الانتهاء راجَعها، ثم طلَّقها، فنهى الشرع عنه، والنهي يفيد التحريم، فيكون التعسف حرامًا.
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ ﴾ [النساء: 5]، وهنا أمر الله بالحجر على السفيه الذي يُبذر ماله؛ إذ إنه تعسف في استعمال حق الإنفاق، فيكون التعسف ممنوعًا مستحقًّا التأديب والحجر.

السبب في تحريم التعسف:
1- ليس لصاحب الحق حرية مطلقة في ممارساته، فهو مقيد بعدم الإضرار بالغير.
2- لا تقتصر المصلحة المستفادة من الحق الخاص على صاحبه فقط، وإنما تعود على المجتمع أيضًا؛ كالزكاة والصدقات والكفارات والوصايا، وهذا ما يعبر عنه اليوم باشتراكية الحقوق.

قواعد منع التعسف في استعمال الحق:
أ- القاعدة الأولى: قصد الإضرار.
ب- القاعدة الثانية: قصد غرض غير مشروع.
ج- القاعدة الثالثة: الاستعمال غير المعتاد وترتب ضرر عليه.
د - القاعدة الرابعة: استعمال الحق مع الإهمال أو الخطأ.
هـ- القاعدة الخامسة: ترتب ضرر أعظم من المصلحة[10].

رابعًا: حالات طلاق التعسف، وأقوال العلماء فيه، وعلاقة الطلاق بالتعسف:
حالات طلاق التعسف في القانون السوري: ذكر القانون السوري (م 116، 117) حالتين للتعسف في استعمال الطلاق، وهما:
1- الطلاق في مرض الموت، أو طلاق الفرار: ونص القانون السوري على ما سبق في المادة (116): من باشر سببًا من أسباب البينونة في مرض موته، أو في حالة يغلب في مثلها الهلاك طائعًا، بلا رضا زوجته، ومات في ذلك المرض، أو في تلك الحالة، والمرأة في العدة - فإنها ترث منه، بشرط أن تستمر أهليتها للإرث من وقت الإبانة إلى الموت، والسبب في تقرير الإرث على الرغم من الطلاق: هو معاملة الزوج بنقيض مقصوده، فإنه أراد إبطال حق الزوجة في الميراث، فيرد عليه قصده، ما دامت العدة باقية لبقاء آثار الزوجية[11].

فإن دلَّت القرائن على أنه لم يرد حِرمانها من الإرث، كأن يكون الطلاق بطلبها أو عن طريق المخالعة، فلا تَرث في عدة الطلاق البائن، وتَرث في عدة الطلاق الرجعي، ويشترط لإرث المرأة في طلاق الفار أن تكون مستحقة للإرث منذ الطلاق حتى وفاة الزوج، فإن كانت غير مستحقة للإرث وقت الطلاق؛ كأن كانت كتابية، أو غير مستحقة للإرث وقت وفاة الزوج؛ كأن كانت مسلمة عند الطلاق، ثم ارتدَّت عند الوفاة - فلا تَرِث.

2- الطلاق بغير سبب معقول: نص القانون السوري (م 117 معدلة) على ما يلي: إذا طلق الرجل زوجته، وتبيَّن للقاضي أن الزوج متعسفٌ في طلاقها دون سبب معقول، وأن الزوجة سيُصيبها بذلك بؤسٌ وفاقة - جاز للقاضي أن يحكم لها على مُطلقها بحسب حاله ودرجة تعسُّفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة، وللقاضي أن يجعل دفعَ هذا التعويض جملةً أو شهريًّا بحسب مقتضى الحال.

وقد تضمن هذا التعديل عام (1975) أمرين:
أ- عدم تقييد الزوجة بكونها فقيرة.
ب- جعل التعويض مقدرًا بنفقة ثلاث سنوات، بدلًا من سنة في الماضي.
ومستند هذا الحكم الجديد: هو العمل بمبدأ السياسة الشرعية العادلة التي تمنع ظلم المرأة وتعريضها للفاقة والحِرمان، بسبب تعنُّت الزوج، وربما يستند هذا الحكم إلى المتعة المعطاة للمطلقة التي أوجبها بعض الفقهاء، واستحبَّها بعضهم، ورغَّب فيها القرآن، وجعلها بالمعروف، فيترك تقديرها للقاضي بحسب العرف[12].

وقد ذكر الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى التعسف في الطلاق، فقال: للطلاق أو التفريق أسباب يكون الطلاق أو التفريق فيها أمرًا تُحتمه المصلحة؛ إما مصلحة الزوجة، أو مصلحة الزوج، وهنالك حالتان يكون الطلاق فيهما تعسفًا وعدوانًا خالصًا، وقد تعرَّض القانون لهما أيضًا:
الحالة الأولى: أن يطلق الرجل المريض مرض الموت زوجته؛ ليَحرمها من إرثها منه، وهذا بلا شك عدوان لا يرضاه الله، وتأباه المُروءة، وللأئمة فيه آراء مختلفة:
الشافعية: أن المرأة إذا طلقها زوجها طلاقًا بائنًا وهو في مرض الموت، ثم مات قبل أن تنتهي عدتها، لا ترث من ذلك الزوج؛ لأن الطلاق البائن يقطع ُعرى الزوجية، فلما مات لم تكن زوجته، فلا ترث منه، أما أن يكون قصدُه من طلاقها حينئذ الفرارَ من إرثها، فذلك أمر يعاقبه الله عليه، ولا يؤثر على الصيغ والعقود[13].

الجمهور: ويرى الأئمة الثلاثة أن العدل يقتضي معاقبته على قصد إضراره بالزوجة، واختلفوا بعد ذلك في الحكم:
أ- رأى أبو حنيفة توريثها منه إذا مات وهي لا تزال في عدتها، فان انقضت عدتها من الطلاق، ثم مات بعد ذلك، لم ترث منه.
ب- رأى أحمد أنها ترث منه ولو مات بعد انتهاء عدتها، ما لم تتزوج زوجًا آخر، فإذا تزوجت فلا إرث لها من زوجها الأول.
ج- رأى مالك أنها ترث ولو انتهت عدتها وتزوَّجت من آخر، وهذا كما ترى على طرف النقيض من رأي الشافعي، بينما مذهب أبي حنيفة وأحمد متوسط.

وقد اختار القانون رأي أبي حنيفة، بينما يختار الدكتور السباعي رأي الإمام أحمد، فهو أقرب الآراء إلى العدالة (حسب رأيه)، وأدناها إلى معاملة الزوج بخلاف قصده، إذا قصد الفرار من إرثها، فورَّثناها منه ما لم تتزوج زوجًا آخر، فإنها سترث من هذا الأخير، فلا معنى لتوريثها من الأول.

الحالة الثانية: من حالات التعسف أن يُطلقها لغير سبب معقول، وقد تكون فقيرة أو عجوزًا لا أمل في زواجها مرة ثانية، فبقاؤها من غير زوج ينفق عليها إضرارٌ بها، ولؤمٌ في معاملتها، وهو آثم بلا شك فيما بينه وبين الله تعالى، ولكن العمل قديمًا على عدم إنصاف مثل هذه المرأة، فجاء قانوننا يعطي الحق للقاضي أن يفرض لها على مطلقها التعويض بنسبة التعسف ودرجته.

ومِن ثَمَّ نجد مما تقدم أن الإسلام في أصل نظامه الذي وضعه للطلاق، راعى فيه ضرورات الحياة وواقع الناس في كل زمان، كما أنصف فيه المرأة من فوضى الطلاق التي كانت سائدة عند عرب الجاهلية؛ حيث لا عَدد ولا عِدة، ولا حقوق ولا التزامات، كما كانت سائدة في الشعوب التي تبيح شرائعها الطلاق[14].

ونجد أيضًا أن المرأة لم تعد تحت رحمة الرجل الذي يملك حق الطلاق، بل فتح لها الإسلام منافذ تنفذ منها إلى حياة الراحة من زوجية شقية بائسة مع زوج قاس ظالم، فأعطاها حق اشتراط أن يكون الطلاق بيدها عند عقد الزواج، ويسَّر لها الخلاص من الزوج برضاه ورضاها إذا كفلت له التعويض عن خسائره المالية بسبب الطلاق، وذلك عن طريق "الخلع" أو "المخالعة"، كما فتح لها الطريق إلى القضاء؛ ليحكم بالتفريق بينها وبين زوجها في حالات لا تستطيع الحياة فيها مع زوجها.

وحتى في حالات الطلاق التعسفي من جانب الرجل، فقد ضمن لها الإسلام حقوقها كما رأينا، فلم يبق بعد ذلك مجال للشكوى إلا من حالات أساء فيها الزوج استعمال حق الطلاق، ومثل هذه الحالات لا يستطيع أي قانون في الدنيا أن يحتاط لمنع وقوعها، وإنما المدار في ذلك على:
التربية الدينية، ويقظة الضمير، واستقامة الوِجدان، وهذا ما حرص الإسلام على أن يُربَّى عليه المسلم تربية تَمنعه من الإساءة لا إلى زوجته فحسب، بل إلى أي إنسان كان قريبًا أو بعيدًا، مواطنًا أو أجنبيًّا، وإني أُحيل الذين يشككون في هذا الأمر إلى إحصاءات الطلاق؛ ليروا كيف أن الطلاق يكاد ينعدم في البيئات المتدينة تدينًا واعيًا صادقًا، لا جهل فيه ولا غباوة، ولا تدجيل ولا تجارة[15].

حالات الطلاق[16]:
1- إيقاع الطلاق دون مسوغ مشروع.
2- إيقاع الطلاق لمسوغ تافه.
3- إيقاع الطلاق بقصد التحايل على مقصد الإسلام.
4- الامتناع عن الطلاق مع وجود المسوغ المشروع المقتضي لإيقاعه.
5- التعسف في المخالعة إذا طالبت المرأة بالمخالعة، أو ألجأَت الزوج إليها دون وجود مسوغ مشروع، أو إذا امتنعتْ عن الإجابة إليها مع وجود مُسوغ مشروع لها.

أقوال العلماء في الطلاق دون مسوغ أو لسبب تافه:
1- الأصل في الطلاق الإباحة، ويُكره إن كان لغير حاجة، وهو مذهب جمهور الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، ودليلهم: عموم النصوص المبيحة للطلاق؛ قال تعالى: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ [البقرة: 236]، ووجه الدلالة إباحة الطلاق دون تقييده للحاجة.

2- الأصل في الطلاق الحظر ويباح للحاجة، ودليلهم قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 34].
ووجه الدلالة أنه نُهي عنه لغير حاجة، ولحديث: ((أيما امرأةٍ سألتْ زوجَها الطلاق في غير ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحة الجنة)[17].
وقد تتعسفتعسفًا سلبيًّا، وذلك إذا كانت هي سبب الإضرار بالزوج، أو سبب تخلُّف مقاصد النكاح في حقه، أو تخلَّفت عن القيام بواجباته الزوجية، وامتنعت مع ذلك عن إجابة طلب الزوج بالمخالعة، مع إعفائه من الأعباء المالية المترتبة على حل النكاح؛ لتُلجئه إلى الطلاق وتحمُّل تبعاته المالية، وفي المقابل قد يتعسَّف الزوج في عدم قَبول طلب الزوجة بالمخالعة، مع كونه المتسبب لها بالأذى والضرر[18].

وختامًا: يتضح لنا أن الطلاق في الأصل مكروه، فأبيح منه للحاجة ما تدعو إليه الحاجة، ولكن عند تعلُّق شبهة ضرر بهذا الطلاق أو بالامتناع عنه، يُحوَّل الأمر إلى التعسف، وينقلب المباح إلى حرمة، حسمها الشرع لرفع الظلم عن المظلوم ومحاسبة الجاني، وهذه هي حكمة التشريع.
والحمد لله رب العالمين.




[1] انظر: الفقه الإسلامي وأدلته - ج9/ ص39.

[2] انظر: مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه، مريم محمد صالح الظفيري، ج1/ ص280.

[3] انظر: الفقه الإسلامي وأدلته - ج9/ ص39.

[4] انظر: مقالة التعسف في الطلاق: حقيقته، معاييره، حالاته، الجزاء المترتب عليه، الدكتور أيمن مصطفى الدباغ، مجلة جامعة الأقصى (سلسلة العلوم الإنسانية) المجلد 18، العدد الأول، ص101.

[5] انظر: المرجع السابق.

[6] انظر: المرجع السابق.

[7] انظر: المرجع السابق.

[8] انظر: مقالة (نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي)، أحمد فهمي أبو سنة، موقع الألوكة. 16 /5 /2008.

[9] انظر: المرجع السابق.

[10] انظر: الفقه الإسلامي وأدلته - ج9/ ص42-43.

[11] المرجع السابق.

[12] انظر: الفقه الإسلامي وأدلته - ج7/ ص506-507-508.

[13] انظر: المرأة بين الفقه والقانون، الدكتور مصطفى السباعي، ج1/ص116.

[14] انظر: المرأة بين الفقه والقانون، الدكتور مصطفى السباعي، ج1/ ص118.

[15] انظر: المرأة بين الفقه والقانون، الدكتور مصطفى السباعي، ج1/ ص118.

[16] انظر: مقالة في التعسف في الطلاق؛ د. أيمن مصطفى الدباغ، مجلة جامعة الأقصى، المجلد 18/ العدد الأول، يناير2014.

[17] انظر: سنن أبي داود، كتاب الطلاق، باب الخلع، رقم الحديث (2226) ص 359.

[18] انظر: مقالة في التعسف في الطلاق، د. أيمن مصطفى الدباغ، مجلة جامعة الأقصى، المجلد 18/ العدد الأول، يناير2014.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.80 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]