من إشعاعات القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3951 - عددالزوار : 390836 )           »          حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-11-2020, 09:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي من إشعاعات القرآن

من إشعاعات القرآن


أ. رشيد حفوظة




الإشعاع الأول - من سورة الفاتحة:

أول شعاعٍ يلوح لك وأنت تقرأُ فاتحةَ الكتاب، هو أنك تناجي ربَّك بصلاتك، وأنك تقابله كفاحًا لو كنت تشعرُ بذلك؛ فقد أخرج النسائي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الله مُقبِلًا على العبد في صلاته ما لم يلتَفِت، فإذا صرَف وجهه، انصرف عنه))، فلا تلتفت إلى غير جهة قِبْلتك، ولا تبصُق جهةَ قِبلَتك، والويل ثم الويل لك لو مررتَ بين يدي مُصلٍّ، فقطعتَ عليه مناجاته لربه!



وليس من الأدب أن تتشاغَل عنه بتقليبِ بصرك فيما حولك، أو بالتفكر في غير شأن الصلاة، فقد افتتحتَها بقولك: الله أكبر، فلا تنقض قولَك بفعلِك، ولا تتعجَّل إنهاء اتصالك بربك عز وجل؛ فتكون ممن يكره لقاءه يوم القيامة، واستحضِر أنك تُحادِث ربَّك؛ كما في الحديث القدسي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالِكِ يوم الدين، قال: مَجَّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمتَ عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))؛ أخرجه مسلم وأصحاب السُّنن.

فأنت في حالٍ يتمنَّى الشيطان لو يُفسِدها عليك، حتى ولو بالتفاتة؛ كما في الحديث: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد))؛ أي: هو يَسرق منك لحظةً مِن مناجاتك لربك عز وجل.



والفاتحة دعاءٌ مباشر منك إلى الله تعالى من غير واسطة، فلا تضيِّعه؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن دعاء الفاتحة:

"وهو أجلُّ مطلوب، وأعظم مسؤول، ولو عرَف الداعي قدرَ هذا السؤال، لجعله هِجِّيراه - يعني دَيْدَنه - وقرَنه بأنفاسه، فإنه لم يَدَعْ شيئًا من خير الدنيا والآخرة، إلا تضمَّنه".

والله أعلم.



الإشعاع الثاني: من سورة البقرة / 30:

(الرأي الآخر)

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].

الشعاع الذي يلوح من هاته الآية الكريمة هو قيمةُ الرأي الآخر، وحق الآخر في فَهم حقائق الأمور، ففي هاته الآية ربُّ العزة سبحانه يَعرِضُ على ملائكته الكرامِ أنه (جاعلٌ في الأرض خليفة)؛ يعني قرارًا قد تَمَّ، ومع هذا الملائكة الكرام يسألون متعجِّبين ليس من باب الرد على الله سبحانه، بل من باب التعجُّب والتساؤل، واستكشاف الحكمة؛ لأنهم حسب علمهم بهذا المخلوق كما في آية الحجر: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 28]، فعلِموا من ذلك بأنه سيَحدُثُ منه إفساد وسفك للدماء، أو لأنهم على علم بما أحدثه الجن الذين سكنوا الأرض قبل الإنسان من فساد، وهو سبحانه عاملهم بلطفه، وأبان لهم حكمته من ذلك حتى اقتنعوا، فقالوا: ﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 32].



وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقابِل اعتراضَ أصحابه - ربما في أمور دينية لا حقَّ لهم بالاجتهاد فيها - بحكمةٍ، ويُبيِّن لهم دون تعنيف أو توبيخٍ؛ كالشاب الذي طلب الرخصة في الزنا، واعتراض عمر على صلح الحديبية، واعتراض أهل المدينة على عزم الرسول صلى الله عليه وسلم إعطاء غطفان ثُلُث ثمار المدينة سنة كاملة، على أن تعود غطفان وتترك حصار المسلمين.

فالأب في بيته، والمعلم أو الأستاذ في فصله، والحاكم في سلطانه، والمربي أو القائد في جماعته أو عسكره، كل هؤلاء أو أكثرهم لا يَقبَلون الاعتراض أو الانتقاد، حتى قال بعضهم: لا تجادِلْ ولا تناقِشْ!



هذا إن لم يكن يُنبئ عن دكتاتورية واستبداد بالرأي، فهو طريق إلى قتل المواهب ودفن الجهود التي قد نحتاج إليها يومًا ما فلا نَجدها.

فالواجب أن نسمع كل اعتراض، وأن نُبيِّن لكل مستفهم؛ حتى يكون للفرد قيمتُه، ويشارك في صنع القرار، ويقترح الحلول، ولا نسمح للدكتاتورية أو التفرد أن يأخذ بزمام المبادرة، وإلا صِرنا إلى ما صار إليه فرعون وقومه حين قال لهم: ﴿ أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ﴾ [غافر: 29].

والله أعلم.



الإشعاع الثالث: من سورة البقرة / 260:

(يقين الكبار)

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260].

الشعاع الذي يلوح ها هنا هو كيف يُحقِّق الله تعالى اليقين للذين ينتدِبُهم لتحمُّل رسالاته إلى الناس؛ لأنه مِن دون يقين لا يستطيع المرء أن يصبر ويستمر في تحمُّل الأعباء الكبيرة التي قد تنوء بحملها الجبال؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5]، وكما علَّل صلى الله عليه وسلم تحمُّله لوصال الصيام: ((‏إني لستُ كهيئتِكم، إني أَبِيتُ يُطعِمني ربي ويسقيني))؛ أخرجه مالك عن ‏أبي هريرة، وطبعًا ليس المقصود الإطعام الحقيقي، بل هو معنوي؛ حيث يمدُّه الله تعالى بما يقوِّي يقينه ويثبِّت قلبه، ويُجدد عزمه؛ على رأي كثير من العلماء.



قال تعالى في سورة الأنعام: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام: 75]، وهاته الآية كذلك تزيد إبراهيم عليه السلام يقينًا؛ حيث يرى ما يصنع الله تعالى بتلك الطيور الأربعة، وإن لم يرَ سر الخلق؛ فهو من اختصاص الله تعالى، ولكنه رأى مظهر القدرة الإلهية.

وقد كلَّم الله تعالى موسى تكليمًا، وتجلَّى للجبل، فجعله دكًّا، فعايَن موسى عليه السلام عظمة الله تعالى.



وكذلك أخذ الله تعالى رسولَه محمَّدًا صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 18]، هكذا يصنع الله تعالى مع العظماء الذين يؤهِّلهم لتحمُّل رسالاته، ولن يستطيع وارثو الرسالات أن يحملوها كما ينبغي، حتى يكون لهم من اليقين ما يُمكنهم من ذلك، ويحصل لهم ذلك بالنظر في آيات الله الكونية والقرآنية، ومطالعة أخبار أولئك الكبار، وقيام الليل، وذكر الله تعالى، والدعاء، تأمَّل تدابير القدر في حياتهم، وكيف يعاملهم الله تعالى بلطفه وعفوه!

فاللهم ارزقنا يقينًا لا ريب فيه، وعزمًا لا تردُّد فيه، وإخلاصًا لا نفاق فيه.

والله أعلم.



الإشعاعالرابع: من سورة النساء / 43:

(لا إشكال في الآية)

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 43].



الشعاع الذي يلوح في هاته الآية يُبدِّدُ وَهْمَ الإشكال أو الاضطراب في كتاب الله تعالى، الذي قد تفهمُه مِن كلام كثير من المفسِّرين بسبب التقليد وتأويل القرآن بحسب فروع الفقه.

وهذا الشعاع لاح لبعض العلماء مثل رشيد رضا، وشيخنا محمد الغزالي، فالآية تنهَى عن قربانِ الصلاة في حال السكر (طبعًا هذا في بداية التشريع)، ولا في حال جنابة إلا لمسافر - (على رأي الجمهور؛ كما قال ابن عاشور رحمه الله) - أما غير المسافر، فيجب أن يغتسل، فالغسل واجب في الأحوال العامة، واستُثنِي منه السفر، فلا يجب فيه الغسل، ولكن ما بديله؟ وهو ما ذكر بعد ذلك.



أما في حالتَي المرض والسفر؛ حيث المرض لا يناسب معه استعمال الماء، فقد يزيده أو قد يهلك الإنسان، وأما السفر، فهو مظنة المشقة وضيق الوقت، فاستعمال الماء فيه قد يكون فيه كلفة أو مشقة، وقد يحتاج إليه لشرب، ففي كلتا الحالتين يباح التيمم ولو وجد الماء.

وأما في حالة انتقاض الوضوء بخروج ناقض: ﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ﴾ [النساء: 43]؛ أي: كناية عن المجيء من دورة المياه، أو مكان قضاء الحاجة، وفي حالة انتقاض الغسل: ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ [النساء: 43]؛ أي: كناية عن المباشرة - ففي هاتين الحالتين يُباح التيمم إذا لم يوجد ماء، وإذا وُجد وجب الاغتسال.



وأمَّا ما يقال من إشكال فمردود؛ لأن شرط عدم وجود الماء متعلق بالحالتين الأخيرتين فقط، ولا يعود على المرض والسفر؛ لأن المرض لا يستعمل معه الماء، ولأن السفر قد بيَّنَتْه الآية الأولى ﴿ إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾ [النساء: 43]، فلا إشكال، وإنما الإشكال في التقليد وعدم تدبر كلام الله تعالى.

والله أعلم.



الإشعاع الخامس: من سورة المائدة / 30:

(النفس تُطوع القتل)

قال تعالى حين قرر قابيلُ قتل أخيه هابيل: ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 30].

لقد حاول أخوه أن يَثنيَه عن عزمه على قتله، ببيان أنه لم يرتكب جرمًا يستحق القتل، لقد تقبل الله منه؛ لأنه كان تقيًّا، وأنه لن يردَّ عليه، لن أقاومك، عساك تترك ما تفكر فيه، فأنا أخاف الله، وأنت يفترض فيك أنك تخافه، فهو رب العالمين، وإن لم تسمع كلامي، فافعل ما تريد، ولن أردَّ عليك؛ حتى لا أكون آثمًا، بل تحمَّل أنت وحدك إثم قتلِك لي، وآثامك التي ارتكبتها من قبل وحالت دون قَبول قربانك، فتكون من أصحاب النار، وذلك جزاء الظالمين!



فاحذر يا أخي أن تكون منهم، لقد صوَّر له أخوه القتل جبلًا وعرًا يصعب تجاوزه أو اقتحامه، أو فرسًا جموحًا لا يمكن ترويضها، ولكن نفسَه الأمَّارة التي تفيض حسدًا وغيظًا، تفوَّقت على بلاغة أخيه ونصحه، واستطاعت أن تُهوِّن ذلك الجبل وتروِّض تلك الفرس، فيرى القتل أمرًا هينًا، كمَن يهُشُّ الذبابَ عن أنفه، ولم تترك له مبررًا للإحجام أو الخوف، بل برَّرت له أنه مُحق، وأن أخاه الذي تفوَّق عليه أو كان أفضل منه، لولاه كان هو مكانه، فهو إذًا سبب عدم قَبول قرباني، وبسببه قدر هذا عليَّ!



فقتله فأصبح من الخاسرين أصحابِ النار الذين اتبعوا هوى النفس الأمَّارة، ولم يستجيبوا للنصح والتنبيه، فاحذر أخي أن تكون ممن تُزيِّن له نفسه المنكر أو المعصية، وتُهوِّنها وتُصغرها في عينه، فلا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عظمة مَن تعصيه سبحانه وتعالى.

والله أعلم.



الإشعاعالسادس: من سورة المائدة / 105:

(لا تقل: نفسي نفسي)

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 105].

لا تقل: حسبي أنني اهتديتُ، وليذهَبِ الآخرون إلى الجحيم!



كلَّا، بل أنت مُكلَّف بنصحهم ودعوتهم إلى طريق الحق، مِن باب الشهادة على الناس؛ عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق أنه قال: "يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، وإني سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناسَ إذا رأَوا ظالِمًا، فلم يأخذوا على يدَيْه أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب منه))؛ أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.



وإذا قمتَ بهذا الواجب، فأنت في حل مما يصدر عنهم من ضلال ومخالفات؛ لأنك لست عليهم بوكيل، ولا يضرك ضلالهم، فكل امرئٍ بما كسب رَهِين.



الإشعاع السابع: من سورة المائدة / 118:

(بين الشفاعة والتفويض)

المسيح عليه السلام رقيقُ القلب، وذو رحمة وشفقة بأتباعه، لكنه لم يتجرَّأ على أن يشفع فيمَن بدَّل دينه، وجعل الله تعالى ثلاثة، بل يُفوِّض أمرهم إلى الله، مع تقرير عبوديتهم لله وحده، وتقرير قوة الله على المغفرة لهم أو عذابهم، وحكمته فيما يقسم لهم من جزاء، سواء كان هو المغفرة أو العذاب: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، ولهذا كان التعقيب: ﴿ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118].



ولو كان شافعًا لكان التعقيب: (فإنك أنت الغفور الرحيم)، وها هو الحبيب صلى الله عليه وسلم على خطى ابنِ مريمَ عليه السلام، يُفوِّض أمر المبدِّلين إلى ربهم، ولكنه يسأله الشفاعة في المذنبين من الموحدين، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فلما أصبح قلت: يا رسول الله، ما زلتَ تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها، قال: ((إني سألتُ ربي عز وجل الشفاعة لأُمتي فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمَن لا يشرك بالله عز وجل شيئًا))؛ أخرجه أحمد، وصحَّحه عبدالقادر الأرنؤوط.

والله أعلم.



الإشعاع الثامن: من سورة الأنعام:

(إن كنت تريد دليلًا فها هنا دلائل)

هاته السورة عظيمة؛ فهي سورة التوحيد ودلائل قدرة الله تعالى وآياته في الكون، وفيها صنوف من الحِجاج مع مختلف أنواع الكفار المنكرين للغيب، وقد عَنْوَن لها الأستاذ محمود طهماز رحمه الله في تفسيره بـ(بصائر الحق في سورة الأنعام)، وقد نزلت جملةً واحدة، وشيَّعها جمعٌ من الملائكة، وهي سورة لو فهم الإنسان معانيَها، فسوف تُحلِّق به في سماء اليقين، ويصير الغيب عنده كالشهادة، فهي تدعونا لنقبس مِن يقين الكبار، وبالذات سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ((نحن أحق بالشك من إبراهيم))؛ قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام: 75]، وهذا اليقين سيكون سبيل النجاة يوم القيامة.



وأما المُمارون في الله فهُمْ في شكِّهم يترددون؛ قال الله تعالى عنهم: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ [الأنعام: 158].

وسيُوقَفون يوم القيامة على ما كذَّبوا به؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنعام: 27].



سيُواجِهون النار كفاحًا ويتركون شكَّهم إلى عين اليقين، ويودون لو رُدُّوا إلى الدنيا، لكنهم كذبوا: ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 28]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الأنعام: 30]، فحين يُقابِلون ربَّهم تعالى الذي كانوا ينكرونه، أو لا يحسبون له حسابًا - يحلفون به مقرِّين: ﴿ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا ﴾ [الأنعام: 30].

فيا أيها الباحث عن البصيرة واليقين، عليك بهاته السورة العظيمة، تدبَّرها وتأمل معانيها، فستسكب في قلبك بَرْد اليقين، وتكون من المحسنين الذين يعبدون الله كأنهم يرونه.

والله أعلم.



الإشعاع التاسع: من سورة الأنعام:

(آزر أبو إبراهيم وليس عمه)

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 74].

قيل عن (آزر): إنه ليس أبا إبراهيم، بل عمه؛ لأن المؤرِّخين والتوراة يحكون أن اسم أبيه (تارح)! وقال بعضهم بأن نسب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس فيه مشرك، وهذا كله مردود؛ لأن القرآن هو الأصل الذي يرجع إليه؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48]، فمنطوق القرآن: لأبيه آزر، فهو أبوه، وكل قولٍ خالفه يجب أن يُضرَب به عُرض الحائط، مهما كان قائله، ومهما تفلسف في نصر رأيه، فكتاب الله أَولى.

والله أعلم.



الإشعاع العاشر: من سورة الأعراف / 27:

﴿ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ﴾ [الأعراف: 27]

قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27].



العاقل يُوعَظ بغيره، القصة ماثلة بين أيدينا، كيف استطاع الشيطان لعنه الله أن يخدَع أبوَيْنا وينزع عنهما لِباسَهما، ويخرجهما من الجنة، ولم يكن لهما مثالٌ سابق يقيسان عليه، وإن كان رب العزة حذَّرهما من كيده، ولكن الشيطان دلَّاهما بغرور.

حين نقرأ القصةَ ينبغي أن تكونَ لنا عبرةٌ، فلا نصدق الشيطان فيما يوسوس به إلينا، وإلا حصل لنا ما حصل لأبوَيْنا، ولا عذر لنا عندئذٍ، فعندنا مثالٌ سابق نقيس عليه، وبعد ذلك وقبله رب العزة يُحذِّرنا: ﴿ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ﴾ [الأعراف: 27].

والله أعلم.



الإشعاع الحادي عشر: من سورة الأعراف / 46 - 47:

(أصحاب الأعراف)

قال تعالى: ﴿ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 46، 47].

والأعراف مكان مرتفع بين الجنة والنار، ومشرف عليهما، وأصحاب الأعراف - على الصحيح - هم قومٌ تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فلا رجحت سيئاتهم فدخلوا النار، ولا رجحت حسناتهم فدخلوا الجنة، فصاروا في الأعراف ما شاء الله، فيُطْلِعون أهل النار على ما في الجنة، ويُطْلِعون أهل الجنة على ما في النار، ثم إن الله تعالى يدخلهم برحمته الجنة.

والله أعلم.



الإشعاع الثاني عشر: من سورة الأعراف / 53:

(يوم يأتي تأويله)

قال تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأعراف: 53].



والتأويل في اللغة: الترجيع مأخوذ من الأول وهو الرجوع، وله في اللغة معانٍ تدور حول الرجوع، والعاقبة، والمصير، والتفسير.

1- التفسير: وعند السلف هو تفسير الكلام وبيان معناه، وهذا الذي قرره الإمام ابن الجرير الطبري؛ حيث كثيرًا ما يقول في تفسيره: نقول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا؛ أي: في تفسيره، وقد دعا صلى الله عليه وسلم لابن عباس، فقال: ((اللهم فقِّه في دين، اللهم علِّمه التأويل))؛ يعني: علِّمه التفسير.



2- العاقبة والمصير؛ مثل قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]؛ أي: مآلًا وعاقبة.




3- وقوع المخبَر به؛ قال تعالى عن يوسف عليه السلام: ﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ [يوسف: 100]، وذلك حينما رفع أبوَيْه على العرش وخرُّوا له سجدًا، تحقَّقت الرؤيا بعد أربعين سنةً، وهذا هو المعنى المقصود في الآية: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ﴾ [الأعراف: 53]؛ أي: هل ينتظرون إلا وقوع ما أخبروا به من البعث والحساب؛ أي: يعاينوا القيامة وأحداثها؛ ليؤمنوا بها.



وللتأويل معنى آخر محدث، وهو المعنى الأصولي: وهو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى احتمال مرجوح لقرينة؛ مثل: تأويل أحاديث الصفات.

والله أعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.31 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]