تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850152 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386293 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 57 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 13-08-2020, 05:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (35)
الحلقة (42)




تفسير سورة البقرة (130)

إن الله عز وجل عليم بعباده، خبير بما تعالجه نفوسهم، فمن أنفق نفقة أو نذر نذراً فإن الله يعلم إن كان يريد بذلك وجهه تعالى، فيكفر بذلك سيئاته، ويرفع به درجاته، وإن كان يريد بذلك غير وجه الله فإنه يحرم أجر ما أنفق أو نذر، ورب العزة يبين هنا أن من أنفق نفقة فأظهرها مريداً بها وجه الله فهو خير، وإن أخفاها فهو أفضل وأجدر أن يكفر الله به سيئاته ويجزل مثوبته.
قصة بقرة بني إسرائيل
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق رجاءنا إنك ولينا.وها نحن وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:270-271].معاشر المستمعين والمستمعات! أليس هذا كلام الله؟ إي والله، كلام الرب تعالى، وصل إلينا والحمد لله، فملايين البشر محرومون، لا يسمعون عنه ولا يعرفون، ومن عرف كفر وكذب وأنكر ليحترق ويخسر، ولكن منة الله على المسلمين أن أنزل كتابه على رسوله وأورثه فيهم، يحفظونه في صدورهم، ويحفظونه بسطورهم؛ حتى يرفعه الله حيث لم يبق من ينتفع به في آخر ساعات هذه الأيام. من القائل: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ [البقرة:270] أليس الله؟ بلى؛ لأن هذا كلامه في كتابه، وهذه الآيات من سورة البقرة، وهي ثاني سورة من سور كتاب الله عز وجل، الأولى الفاتحة، والثانية البقرة، هذه البقرة لا تتصور منها ذات اللبن واللحم، هذه السورة ذكر فيها لفظ البقرة؛ فسميت بذلك.وحادثة البقرة حادثة عظيمة، تليت على الرسول صلى الله عليه وسلم وقرأها في الكتاب ولم يشهد أيامها ولم يعرف عن أهلها ولا عن تاريخها، إلا أن اليهود وهم أهلها كانوا يسكنون هنا ويجادلون، والله! ما استطاعوا أن يردوا حادثة ذكرت في القرآن وهي من أحداث آبائهم وأجدادهم، فلهذا قل: آمنت بالله.وحادثة هذه البقرة: أن رجلاً كان يحب الدينار والدرهم مثلنا، وكان له ابن أخ يرثه، وطالت المدة، فمتى يموت هذا؟ فاستعجل فقتله وأخذ يصرخ: ابن أخي قتل!وتمضي القرون وعشراتها ويحدث هذا في قرية كنا نقيم بها، رجل من أهل القرية له ابن أخ يشترك معه في بستان، فوالله! لقد ذبحه تحت نخلة في حوض، وخرج يندب ويصرخ ويبكي: ابن أخي ذبحوه، وقامت البلاد وقعدت، وجاء الباحثون أو المحققون، وما هي إلا جولة واعترف بأنه هو الذي ذبحه؛ لأن طباع البشر هي هي، إذا لم يمتلئ قلبك بنور الله فأنت في الظلام، والماشي في الظلام كيف ترون مشيته؟ يتخبط، يقوم ويقعد. إذاً: فلما رفعت القضية إلى نبي الله موسى عليه السلام بم حكم؟ أوحي إليه أن: اذبحوا بقرة من خيرة ما تملكون. وأخذوا يتشددون: ما وصفها؟ ما سنها؟ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو رضوا بأول بقرة ذكرت وذبحوها لأجزأتهم، لكن انتهوا إلى أن اشتروا بقرة من يتيم بملء جلدها ذهباً، وذبحوها وأخذوا قطعة لحم وضربوه بها فاعترف، لهذا سميت بسورة البقرة، ولا بأس بأن نسمعكم تلك الآيات، وهي قصة عجب، ولم يستطع اليهود أن يردوا فيها حرفاً واحداً.قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [البقرة:67-70] قالت العلماء: لولا هذا الاستثناء فوالله ما اهتدوا، لكن ألهمهم الله فقالوا: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى [البقرة:70-73]، ضربوا المقتول بقطعة منها فقال: قتلني فلان ومات، ومن عجيب أسلوب القرآن أنه قدم القصة وأخر سببها؛ لتبقى النفس متشوقة، ولو ذكرت الحادثة من أولها فقد لا تقرأ الآيات بعد، فآمنا بالله.
انصراف المسلمين عن الاجتماع على مدارسة القرآن الكريم
فهذا القرآن، هذا النور الرباني حرمه المسلمون من قرون لا يجتمعون عليه ولا يقرءونه ولا يعلمون ما فيه، ولا يحكمونه ولا يطبقون شرائعه، وإنما يقرءونه على الموتى، إذا مات أحد في العائلة يأتون بطلبة القرآن يقرءونه ويطعمونهم ويضعون في أيديهم ما شاء الله من النقود، هذا هو القرآن، فمتنا، من فعل بنا هذا؟الثالوث المكون من المجوس، واليهود، والنصارى، لم فعلوا بنا هذا يا أبنائي؟ عرفوا أن حياة هذه الأمة كانت بالقرآن، فقالوا: هيا نبعدها عن القرآن، أما أن نبعد القرآن عنها فما نستطيع، حاولوا أن يسقطوا حرفين وهي كلمة (قل) وانعقدت مؤتمراتهم السرية مئات المرات وعجزوا، فكيف يصنعون؟قالوا: إذاً نبعدهم عن قراءته فقط، فحولوه إلى المقابر، وإلى المآتم، وإلى بيوت الموتى، أما التفسير فإن قلت: قال الله؛ فإنه يقال لك: اسكت، هل أنت تعرف ما مراد الله؟ قل: قال سيدي فلان، قال الشيخ! ووضعوا قاعدة أيضاً حفظناها، يقولون: تفسير القرآن العظيم صوابه خطأ، إن فسرت وأصبت فأنت آثم، وخطؤه كفر، ومن فسّر فأخطأ فقد كفر، فألجموا أهل القرآن وأسكتوهم، فضلت الأمة وهوت وسقطت، فمزقوها وشتتوها وعذبوها واضطهدوها، وما زالت إلى الآن ترزح تحت كلكل معتقداتهم.وإلى الآن أروني اثنين أو ثلاثة يجتمعون تحت سارية، تحت شجرة، في ظل جدار ويقول أحدهما للآخر: من فضلك أسمعني شيئاً من كلام ربي.إذاً: ما زال الموات هو هو، ولهذا ما زلنا أذلة فقراء منحطين، اليهود يضحكون علينا، والمسلمون أذل الناس، من أذلهم؟ الله. لم يذلهم؟ أعرضوا عنه، ما عرفوه، جهلوه، ما هم بأولياء، إذاً: سلط عليهم أعداءه إلا من رحم الله، فهيا مع هذه الآية.


تفسير قوله تعالى: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ...)
يقول تعالى لنا معشر المؤمنين والمؤمنات، وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270] صغيرة أو كبيرة، ذهب أو تمر، أو ثوب؛ لأن التنكير هنا للتعميم، وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ [البقرة:270] مطلق النفقة، أنفقتموها أولاً: على الفقراء والمساكين، ثانياً: لأجل رضا الله وحبه لكم ورضوانه عليكم، أما إذا أنفق للرياء والسمعة، أو أنفق على الكفار والمنافقين فهذا ليس لله، وما أنفقتم أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات من نفقة صغيرة أو كبيرة، هذا أولاً.
النذر الجاهلي الشركي
ثانياً: أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ [البقرة:270] النذر هذا في لغة العامة يسمونه العينة وهي لغة فصيحة، ويسمونه الوعدة وهي بين بين، فالعينة فصيحة والوعدة لا بأس بها، ولفظ النذر نسيناه، ما أصبح أهل القرآن ولا غيرهم يقولون: النذر، في أكثر قرى العالم ومدنه أيام الهبوط يقال: العينة والوعدة، فما هذه الوعدة؟ كانت المرأة إذا ما يسر الله زوجاً لابنتها وتريد زواجها تعد سيدي عبد القادر بوعدة: يا سيدي عبد القادر ! إذا تزوجت ابنتي ذبحت لك كبشاً.وإن كانت في خصومة مع زوجها تقول: يا سيدي إدريس، يا مولاي كذا! إذا غلبته وخاصمته في المحكمة فسأذبح بقرة، وقد سمعت أذني وأنا طفل أمشي مع عجوز، فمرت بولي في قبة فواجهته فقالت: إذا انتصرت على زوجي فسأفعل كذا، واسألوا العجائز.هذا هو النذر، لا يعرفون نذراً لله قط، إلا للأولياء، لسيدي فلان ولسيدي فلان، من إندونيسيا إلى موريتانيا، حتى المدينة قبل دخول عبد العزيز وتطهيرها.هذا النذر الجاهلي، وهو في الحقيقة شرك في عبادة الله تعالى، من نذر لغير الله فقد أشرك، أي جعل المنذور له إلهاً وأقبل عليه، ورغب أن يقضي حاجاته ويعطيه سؤله، فجعل له شركاً محضاً.هذا النذر الشركي زالت غيومه وسحبه إلا القليل بفضل الله تعالى ثم بفضل هذه الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، واتسع نطاقها، وانتقل رجالها، وعانوا من كلمة وهابي، ففي السودان وفي كل بقعة كل من يدعو إلى الله يقال له: هذا وهابي إذا كان يحارب الخرافات والضلالات، ولكن بقضاء الله وقدره انتشر الكتاب وجاءت هذه المواصلات العصرية، وأصبح الناس يحجون ويعتمرون ويعودون، فانتشرت دعوة التوحيد، وإلا فقد مضت قرون والأمة هابطة، والله! ما يعرفون الله كما يعرفون غيره، فالحمد لله.فالنذر لغير الله شرك، أن تقول: يا سيدي فلان، أو يا رسول الله، أو يا فاطمة، أو يا مولاي، أو يا معشر الصالحين! إن فعل الله بي كذا فسنفعل لكم كذا وكذا، هذا شرك محض، صاحبه لو لم ينقذه الله بالتوبة أو بالإقرار بالتوحيد فيموت وقد تبرأ من ذلك الشرك فهو خالد في جهنم، أما قال الرب تبارك وتعالى: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] وهذه الكلمة قالها عيسى عليه السلام في اليهود، هذه كلمة ابن مريم سجلها الله في القرآن وأسمعنا إياها؛ إذ جاء من سورة المائدة: وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].ومن سورة النساء آيتان لنا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وفي آية: فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، فمن هنا ما أصبح بين العارفين والعارفات من يقول: يا رسول الله. وقد كان الشيخ الكبير يقول والمسبحة في يده: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله في غمرة من الأنوار، وحين ينعس وتسقط المسبحة يقول: يا سيدي فلان! فيمسح كل ذلك، ويسقط الفنجان من يده أو الكأس أو الملعقة فيقول: يا فلان! وهل الله ما يسمعون به أم ماذا؟! وقد ذكرت لكم أن أحد الإخوان حضر دروسنا وظنناه تفوق وتعلم، ركبنا معه السيارة وهو السائق رحمة الله عليه، وخرجت السيارة عن الطريق فقال: يا رسول الله! يا رسول الله! بأعلى صوته، فقلت له: أين الله؟ ولو مات على هذه الحال لمات مشركاً، وهو عامي؛ لأن العوام إذا لم يتربوا تربية في حجور الصالحين زمناً طويلاً فما يكفيهم السماع؛ إذ لا بد من الصدق في الطلب، والرغبة في تحقيق العلم والعمل به، ويجلس العام والأعوام، أما في أيام محدودة أو مواسم معينة فما ترسخ هذه العلوم في النفس البشرية.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 13-08-2020, 05:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

النذر المكروه
وهناك النذر الجائز ولكنه مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل ) أن يقول: يا رب! إن نجح ولدي وأخذ البكالوريوس أو الماجستير فسأذبح بعيراً للفقراء والمساكين، فإن نجح ولده وأخذ الماجستير وجب أن يذبح لا محالة، وإذا ما نجح ولده ورسب مع الراسبين فليس عليه شيء، لا يذبح ولا يصوم.وآخر يقول: إن يسر الله لي ووجدت سكناً أو بنيت غرفة أسكنها فسأصوم شهراً لله رب العالمين، وتمضي الأيام وتحقق مطلوبه وحصل، يجب أن يصوم ذلك الشهر وجوباً، فإن لم يتحقق مطلوبه فلا شيء عليه، لا يصوم.امرأة تقول: لو يرزقنا الله ولداً لأصومن عاماً كاملاً، وهي عاقر ما تلد، وإذا بها تحمل وتلد، يجب أن تصوم عاماً، هذا النذر جائز، لكن مكروه؛ لأنك تقول لربك: إن تعطني أعطك، وإن لم تعطني فلن أعطيك، أليس هذا سوء أدب؟ أنت تخاطب سيدك ومولاك وحبيبك وتقول: إن تعطني أعط، وإلا فلن نعطي! الله يقبل هذا، لكن فيه سوء أدب، وإذا أعطاك الله ما طلبت فما أعطاكه من أجل نذرك، بل أعطاكه قبل أن يخلقك ويخلق الملكوت كله، هذا في قضائه وقدره، فالنذر لا يأتي بشيء.هذا النذر دون الأول، الأول شرك محض أعوذ بالله منه ومن أهله، والثاني جائز، فالعجز، والضعف، والحاجة تجعل الإنسان ينذر هذا النذر رجاء أن يعطيه الله، فلا بأس، وتركه أولى.
النذر المحمود المعني في الآية الكريمة
ثالثاً: النذر الذي يعنيه تعالى هنا كما في قوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7]، هذا النذر يا أبنائي ليس عندنا، هذا النذر هو أن يتكلم مع الله سراً ويقول: يا رب! لك علي أن أحج هذا العام على رجلي، أعذب نفسي من أجلك، وجاء الحج وخرج، فيقال: اركب. فيقول: ما نركب، تقف السيارة والبعير فيقال: اركب يا شيخ! فيقول: دعوني أمشي، فيحج ماشياً يريد أن يرضى الله عنه، أن يحبه الله، أن يسجله في ديوان أوليائه الصالحين.وآخر يقول: لك يا رب علي أن أبيت هذه الليلة راكعاً ساجداً حتى يطلع الفجر، ويصلي العشاء ويبدأ، فيصلي ويبكي إلى أن يطلع الفجر، لماذا فعل هذا؟ هل ليزوجه؟ لا. بل ليرضى عنه، ليحبه، يتملق إلى الله ويتزلف إليه.أو يقول: لك يا رب من الآن ثلث ما أملك، كلما جاءه خير تصدق بثلثه، لم يفعل هذا؟ يتملق الجبار، يتزلف إلى الجليل العظيم ليرفع مستواه ويعلي مقامه، وينزله في مستويات أوليائه الصالحين، هذا النذر الثالث هو الممدوح، هو المحبوب، هو المرغوب، لكن هذا قل من يراه أو يفعله؛ لأننا طماعون نريد أشياء حاصلة.فالنذور ثلاثة: أولها: شرك وحرام، وثانيها: جائز ومكروه، وثالثها: مرغوب ومحمود.هذا الثالث هو الذي عناه ربنا تعالى في قوله: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] أهذا هو الجزاء: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]؟ هذا ما هو بالجزاء، الجزاء فوق ما تتصور، فلهذا ما ذكر الجزاء، واكتفى تعالى بقوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]، وإذا علمه فهل سيضيعه؟ هل سيفرط فيه؟ كلا. معناه: اتركوا لي هذا الجزاء، فهذا هو النذر الثالث لا الأول ولا الثاني؛ فإن الله يعلمه ويجزي به أعظم الجزاء وأوفاه وأوفره؛ لأنك نذرت من أجل أن يحبك أو يعلي شأنك أو ينزلك في منازل الصالحين، فأبشر بما نذرت لله.وأما من نذر أن يعصي الله فلا يعصه، هذا مجنون، يقول: لله علي أن أضرب الشيخ الفلاني على وجهه، فهل هذا يجوز؟ هذا كلام باطل، ومن نذر نذراً آخر لسيدي عبد القادر وسيدي علي؛ فهذا لا يجوز الوفاء به أبداً، ويحرم الوفاء به.
معنى قوله تعالى: (وما للظالمين من أنصار)
وقوله تعالى: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270] لم هذه الجملة هنا في هذا السياق؟ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270]، لا يوجد من نصير ولا ناصر للظالمين أبداً، الظالمون هنا هم المشركون الذين ينذرون لغير الله، الذين يتقربون إلى غير الله، يتزلفون ويتملقون لسوى الله، هؤلاء ما لهم من نصير.إذا نذر أحدنا لسيدي عبد القادر فهل سيتحقق له شيء؟ إذا نذر أن يجدد قبة مولاي إدريس، ويصبغها بالخضرة لا بالحمرة، فهل سيثاب؟ هذا ظلم، فمن ينصره؟ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270].والظالم: الذي يضع الشيء في غير موضعه، ومن الظلم أيضاً أن تنذر لله وأنت قادر ولا تفعل، تعد ربك وتخلف وتعدل عن ذلك! فهذا ظلم، ووضع للشيء في غير موضعه، فلنحذر أيها المستمعون ويا أيتها المستمعات من الظلم؛ فإن الظالم لا ناصر له أبداً، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بإخبار الله تعالى وتقريره: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270].
تفسير قوله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي ...)
ثم قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة:271] إن تتصدقوا وتعلنوا صدقاتكم وتظهروها فلا حرج، فنعم تلك الصدقات. إِنْ تُبْدُوا [البقرة:271]: أي تظهروا صدقاتكم، سواء كانت لحماً أو ثياباً أو مالاً أو تمراً أو طعاماً، إن تبدوها وتظهروها فلا بأس ما دمتم لا تريدون إلا وجه الله، لا تنظر إلى وجه علي ولا عمر ولا فلان ولا فلان حتى تمدح، أو يدفع عنك الذم ويقال: فلان ما هو ببخيل، إن أعلنتها أديتها والناس يشاهدون أو يسمعون وأنت لا تريد إلا رضا الله فلا حرج، فنعم الصدقة هي، فنعم ما تصدقتم به، وهذا تشجيع للمؤمنين على أنهم يتصدقون، فمتى فتح باب الصدقة ووجد من يطلبها وهو مستحق لها لا يقل: آتيه في الليل فقط، أو ما دام الناس ينظرون إلي فلن أتصدق! إذ الشيطان أحياناً يفعل بالعبد هذا، يقول: ما دام الناس يشاهدونني فلن أتصدق؛ حتى لا أكون قد راءيت، يأتي بهذا حتى يمنع الصدقة، فأغلق الله الطريق في وجهه، وأذن لعباده المؤمنين أن يتصدقوا علناً، وبشرهم بأنه نعم الصدقة هذه.وأحياناً إذا كانت الصدقة واجبة فالإعلان عنها وإشهارها أفضل؛ حتى يتتابع الناس، ولعلكم تذكرون ذاك الرجل الذي جاء بزنبيله أو كيسه في الروضة، والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب، وأخذ الأصحاب يتتابعون حتى امتلأت جمع كوم من الطعام وآخر من الثياب.فلا بأس أن تتصدق والناس يشاهدونك، أي: واحد أو اثنان أو عشرة، ليس في السوق أو في المسجد، فلا تخف ما دمت لا تريد إلا وجه الله، وقد يأتيك الشيطان ويمنعك من الصدقة بحجة أن الناس يشاهدونك كأنك ترائي، إذا سمعت هذا النغم فاعرف ما هو ومن صاحبه، وامض في صدقتك.


معنى قوله تعالى: (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم)
ثانياً: الصدقة السرية، كما قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( صدقة السر تطفئ غضب الرب )، صدقة السر -أي الخفاء- تطفئ غضب الله عز وجل، من فعل فعلة تغضب ربه عليه وأراد أن يخرج من هذه فليتصدق في ليله، هذه الصدقة السرية تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى.وبلغنا عن أهل المدينة أنهم كانوا يأتون في الليل بالصدقة، يأتي أحدهم بعد المغرب أو بعد العشاء ويقرع الباب فيفتح الباب فيرمي كيس النقود أو السكر أو الدقيق ويمضي وما يلتفت، هذه مأثورة عن ديارنا هذه، يأتي في الليل والأموال في يده أو في كيسه فيقرع الباب فيفتحون الباب فيرميه ويذهب، ويجري وراءه الأولاد فما يلتفت إليهم، عرفوا أنها صدقة يريد صاحبها أن يخفيها؛ ليعظم الجزاء عليها، نظراً إلى قول الله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271]. ومن هم الفقراء؟الفقراء: جمع فقير، وهو الذي لا يجد قوته، ولا ما يستر به عورته، ولا ما يكنه، هذا المحتاج، هذا الفقير، هذا الذي إذا كتمت صدقتك ووضعتها بين يديه حيث لا يراك إلا الله فأبشر بالجزاء الحسن، فهو خير لكم من إعلانها؛ لأن الإعلان ذكرنا له علة، فقد لا يسلم منها الإنسان، لكن إن تشجع بذلك غيره فلا بأس، كما أن الإعلان الثاني مستحب ليشجع الحاضرين على الإنفاق، فقير وقف بين أيدينا فتصدق واحد ليتابعه الآخرين، من أجل هذا أعلن عن صدقته: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] حالاً ومآلاً، في الدنيا وفي الآخرة، خير لكم تنالونه وتظفرون به اليوم قبل يوم القيامة، ويوم القيامة؛ إذ هذا أسلم من الرياء والسمعة، حتى الفقير حين تعطيه ولا تواجهه يفرح بذلك، أما إذا قلت: خذ يا عدنان فإنك تؤلمه بها، وقد تقدم لنا وعرفنا أنه لا يجوز أبداً المن على المتصدق عليه، هذا ولي الله ابتلاه الله بالفقر لينظر أيصبر أم يجزع، فهو في أيام محنته وأنت تتصدق عليه وتقول: أنت كذا وكذا، فعلنا معكم كذا وكذا! فتذله وتكسر شرفه، هذا لا يجوز.والأذى كالمن أيضاً، يعطيه ويدفعه بيده، أو يرمي له الفلوس أو كيس التمر وهو متكبر عليه مترفع، فهذا حطم هذا الولي وأذله وأهانه وهو ولي الله.قال تعالى: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] حالاً ومآلاً، ومن الخير: أن الفقير ينشرح صدره وتطمئن نفسه ولا يشعر بإهانة ولا بذل ولا بصغار؛ لأنك أخفيتها عن غيره حتى ما يسمع الناس أن فلاناً محتاج وفقير.
دلالة التبعيض في قوله تعالى: (ويكفر عنكم من سيئاتكم)
وأخيراً: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ [البقرة:271]، لماذا قال: (من) وما قال: (ويكفر عنكم سيئاتكم) فتستريحون مرة واحدة؟ قال: مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ [البقرة:271]؛ لأن من السيئات ما هي حقوق للآدميين، كضرب المؤمن وكسلب ماله، كانتهاك عرضه، كإذلاله وإهانته، كسجنه وتعذيبه، هذه ما تكفرها الصدقات، فحقوق الناس لو تتصدق بملء الأرض ما ينفعك ذلك حتى تتحلل منهم، وترد ما أخذت منهم أو تضع خدك على الأرض ليضربوك كما ضربتهم، أو ليشتموك ويسبوك كما شتمت وسببت، أو يعفوا عنك ويتكرموا بفضلهم وإحسانهم عليك، فكونك تتصدق وتقول: هذه الصدقة تكفر سيئاتي مطلقاً غير صحيح؛ لأن الحكيم العليم قال: مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ [البقرة:271] و(من) للتبعيض، ولو شاء لقال: (ويكفر عنكم سيئاتكم) وهو على ذلك قدير، لكن مراعاة لحقوق عباده من رجال ونساء من المؤمنين والمؤمنات، فكونك تتصدق كل يوم بمليار دولار وتظن أنه يكفر ما أخذت من أموالهم أو اضطهدتهم وعذبتهم وأن هذه الصدقة تكفي؛ فوالله! ما تكفي.وقد بين هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعرض عرضاً كاملاً في عرصات القيامة، إذ يجاء بالرجل له الحسنات الكثيرة، ويأتي المظلومون يأخذون من حسناته، والميزان يهبط، وحين لا تبقى له حسنة يأتون بسيئاتهم ويضعونها عليه فيغرق ويهلك، ذلكم هو المفلس، إذ قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( هل تدرون من المفلس؟ قالوا: من لا درهم له ولا دينار. قال: المفلس من يأتي بحسنات كالجبال، ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ويؤخذ لهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار )، هذا هو المفلس، والإفلاس معروف.
معنى قوله تعالى: (والله بما تعملون خبير)
قال تعالى: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:271]، لا تفهم أنك تستطيع أن تخادع الله، وأن تدعي أنك أنفقت في الخفاء، تقول: أنا الآن أعطيت فلاناً كذا وكذا، انتبه، فالله تعالى بما تعملون من خير وغيره خبير، إذاً: فراقبوه، لا تفهم أنك وحدك، والله! لا يخفى عليه من أمرنا شيء، فلهذا إذا قوي هذا الشعور عندك، أو إذا ارتفع هذا المستوى للإيمان عندك فإنك تستحي أن تقول كلمة لا ترضي الله عز وجل، تستحي من الله أن تكشف سوأتك أو عورتك وحدك أيضاً، تخاف من الله أن ترتكب أدنى ذنب من الذنوب؛ لأنك مع الله والله معك، هذه هي المراقبة، وفضلها الله حتى على الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله في آية التربية الإلهية؛ إذ قال تعالى وهو يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته تابعة له: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45]، تلاوة القرآن في ليل أو نهار من شأنها أن تحفظ الإنسان من السقوط في مهاوي الشر والفساد، تعصمه من زلات القدم؛ لأنه مع الله يتلو كتابه، ويعرف ما بين الله وما أحل وما حرم، وما أوجب وما منع، فكيف يعصيه؟ ثانياً: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45] أقم الصلاة، ما قال: صلّ؛ لأن إقامة الصلاة تحتاج إلى طهارة بدن، طهارة ثوب، طهارة مكان، وقت معين، مكان معين، وتقف بين يدي الله تتكلم معه وقد نصب وجهه الكريم إليك وأنت بين يديه، ثم تبكي، وتسجد وتركع، ويأتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في حلقة من حلق الاتصال بالله عز وجل، أين الوقت الذي تعصي الله فيه؟ ما تستطيع، وعلل لذلك بقوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] بما توجده من طاقة النور في القلب البشري، لأنها أكبر مولد للنور، أكبر من الصيام: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].ثالثاً: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45] أي: مما سبق، أكبر في الحفاظ على قلب العبد حتى لا يزل ولا يسقط، والدليل عندنا أننا نقول: من منكم يذكر الله ويمد يده إلى ما حرم الله؟ يذكر الله وينكب على جريمة يفعلها، لا يتأتى أبداً.وما يقع على المعصية إلا في حال نسيانه لله، وعدم ذكره لله، فلهذا من لازم الذكر ما يستطيع أن يقع في سيئة أبداً، الذكر بقلبه ولسانه، بشروط الذكر.وأخيراً قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]، هذه هي المراقبة، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:271]، إذاً مراقبة الله العصمة الكاملة، الذي يراقب الله لا يضجر، لا يسخط ولا يكذب ولا يفجر، ولا يترك واجباً أبداً؛ لأنه مع الله، فكيف أنت مع الله وتعصيه؟ أنت تمشي بين حراس خمسة أو ستة من البوليس فهل تستطيع أن تسرق وأنت بينهم؟ أو تقوم وتسب وتشتم وتضرب أحد المارة وأنت بينهم؟ ما تستطيع، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].وقوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة:271] أصلها: نعم ما، فأدغمت الميم فيها، نعم شيء عظيم، فأصلها: (نِعم) ما هذا، فسكنت الميم وأدغمت في الميم، فكانت (نعما).
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
والآن مع معنى الآيتين الكريمتين من التفسير.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيتين:بعدما دعا تعالى عباده للإنفاق في الآية السابقة أخبر تعالى أنه يعلم ما ينفقه عباده، فإن كان المنفَق جيداً صالحاً يعلمه ويجز به، وإن كان خبيثاً رديئاً يعلمه ويجز به، وقال تعالى مخاطباً عباده المؤمنين: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]، فإن كان مبتغىً به وجه الله ومن جيد المال فسوف يكفر به السيئات، ويرفع به الدرجات، وما كان رديئاً ونذراً لغير الله تعالى فإن أهله ظالمون، وسيحرمون أجر نفقاتهم ونذورهم لغير الله تعالى ولا يجدون من يثيبهم على شيء منها؛ لأنهم ظالمون فيها حيث وضعوها في غير موضعها: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270].وأما الآية الثانية فقد أعلم تعالى عباده المؤمنين: أن ما ينفقونه لوجهه ومن طيب أموالهم علناً وجهراً هو مال رابح، ونفقة مقبولة يثاب عليها صاحبها، إلا أن ما يكون من تلك النفقات سراً ويوضع في أيدي الفقراء يكون خيراً لصاحبه لبعده عن شائبة الرياء، ولإكرام الفقراء وعدم تعريضهم لمذلة التصدق عليهم، وأنه تعالى يكفر عن المنفقين سيئاتهم بصدقاتهم، وأخبر أنه عليم بأعمالهم، فكان هذا تطمينًا لهم على الحصول على أجور صدقاتهم وسائر أعمالهم الصالحة ].
هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيتين:أولاً: الترغيب في الصدقات ولو قلت ] لأنه تعالى قال: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ [البقرة:270]، [ والتحذير من الرياء فيها، وإخراجها من رديء الأموال وخبيثها.ثانياً: جواز إظهار الصدقة عند سلامتها من الرياء.ثالثاً: فضل صدقة السر، وعظم أجرها، وفي الحديث الصحيح: ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) ] في سبعة رجال ونساء: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) وذكر منهم: رجلاً تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 13-08-2020, 05:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (36)
الحلقة (43)




تفسير سورة البقرة (131)

وعد الله عز وجل الذين ينفقون أموالهم في سبيله بالليل والنهار سراً وعلانية بالأجر العظيم والثواب الجزيل، لما في إنفاقهم على إخوانهم من التوسيع على فقرائهم، خاصة ممن لا يستطيعون الضرب في الأرض طلباً للرزق، وهم مع ذلك متعففون عن سؤال الناس، ولا يعرفهم إلا من أنار الله قلبه وهيأه لأن يكون سبباً في التوسيع عليهم، والله عز وجل يوفيهم أجرهم يوم القيامة.
تفسير قوله تعالى: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) ، اللهم حقق رجاءنا يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ * لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:272-274].أين هؤلاء؟ لقد مضوا، فهل حلف الزمان أن لا يأتين بمثلهم؟ الجواب: لا، بل يوجدون إن شاء الله تعالى، فهيا نتدارس هذه الآيات الطيبات المباركات.من القائل: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272]؟ الله. ومن المخاطب بهذا الكلام؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهل أمته معه؟ إي وربّ الكعبة.

سبب نزول الآية الكريمة

يقول تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272] لِم؟ هذه الآية لها سبب في نزولها، وإذا عرف السبب اتضح المعنى أكثر.فقد كان يوجد من اليهود ممن بينهم وبين أهل المدينة أرحام ومصاهرة ومصادقة، ويوجد أيضاً من المشركين أقارب للمؤمنين، وحسبنا أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما جاءتها أمها من مكة وهي مشركة، وكانت ترغب في أن تساعدها ابنتها أسماء، فاستشارت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: ( صلي أمك ) فأعطتها ما شاء الله أن تعطيها، فلما تحرج المسلمون من الصدقة على الكفار من يهود أو من مشركين من إخوانهم وأقاربهم أنزل الله هذا البيان الشافي: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272] أيها المتصدق، كونك لا تتصدق إلا على مؤمن ولا تتصدق على فقير كافر كتابياً أو غير كتابي؛ فالهداية بيد الله ليست بيدك.إذاً: فأذن لنا أن نتصدق على فقراء الكفار الذين يسكنون معنا ونشاهد فقرهم وحاجتهم، ونحن في غنى عما نعطيهم إياه، والأمر كما علمتم لم ينسخ، يجوز للمؤمن والمؤمنة أن يتصدق على المشرك إذا كان فقيراً محتاجاً إلى سد حاجته، وأما هدايته فبيد الله، ليس لك أنت حتى تمنع الصدقة عنه.

حكم دفع الزكاة لفقراء الكفرة

وهذا أضيف إليه: أن الصدقة التي يجوز التصدق بها على الكافرين هي صدقة التطوع، وليست هي الصدقة الواجبة، فالزكوات كلها واجبة فلا يصح أن تعطي كافراً من زكاة مالك درهماً ولا ديناراً، لِم؟ لأنها حق فقراء المسلمين، فليست حقك أنت فتعطيها لمن تشاء، هذا المال الذي أعطاك الله فرض عليك فيه (2.5%) لعباده الفقراء، فلا حق لك في أن تعطيه لغير المؤمنين، ما هو بمالك، والمال الذي هو بيدك تصدق به على الفقراء والمساكين. أعيد واحفظوا وبلغوا: أن الزكاة الواجبة على المؤمن لا يصح أن يخرج منها للفقراء والمساكين الكافرين، لماذا؟ لأن هذا حق للفقراء والمساكين المسلمين، فمن أين لك أن تتصرف فيه أنت، ما هو مالك ، وجب هذا القدر من المال في مالك الصامت أو الناطق، فليس من حقك أن تعطيه من تشاء، هذا بين الله تعالى مصارفه الثمانية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]، على أن يكون هؤلاء مؤمنين وليسوا بكافرين، واختلف في صدقة الفطر، زكاة الفطر، فمن رأى أنها فرض واجب منع أن تعطى لفقراء اليهود والنصارى والكافرين، ومن رأى أنها ليست بفرض كأبي حنيفة فإنه يقول: يجوز أن تعطى للفقراء أهل الكتاب وغيرهم.وحديث ابن عمر في الموطأ: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ..)، الحديث، فكلمة (فرض) توقف الإنسان عند حده.إذاً: عرفنا أنه يجوز التصدق على الفقراء والمساكين الكافرين، إي والله، وهذه الآية هي الدليل: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، من شاء الله هدايته هداه، أنت لا تستطيع أن تهديه، كأن تقول له: اسمع: إن تسلم الآن وتدخل في الإسلام فسأكسوك، سأشتري لك بغلة أو سيارة، ليس هذا لك.

حكم دفع الزكاة لتارك الصلاة

وإنما قد يعترض علينا بكلام سبق لنا أن قلناه، وهو: إذا كنت في بلد لا تقام فيه حدود الله كسائر العالم الإسلامي باستثناء هذه الديار، وأخوك لا يصلي، أو عمتك لا تصلي، جارك لا يصلي، وهم فقراء، لو كانوا هنا فسنقول: يجب أن تعلم الهيئة وأن تنقل إليهم حتى يصلوا رغم أنوفهم، أو يقتلوا، لكن ما دام أن الحدود لا تقام ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، أقول: قل لأخيك: إن تصل فسأعطيك، يا فلانة! إن تقيمي الصلاة فإن شاء الله سأعطيك من الزكاة ومن الصدقة، فهذا لا بأس؛ لأنه مؤمن لكنه فاسق، أو جاهل، فإن أنت قلت له: الزكاة لا تصح لغير المصلي، فصل وسنعطيك؛ فلا بأس أن تقول ذلك حتى يصلي؛ لأنك لا سلطان لك عليه وهو ما هو بكافر بالصلاة، مؤمن بها، لكن التقليد الأعمى والكسل والجهل جعله ما يصلي، فإن أنت قلت له: اسمع يا جاري: أنت فقير، وعندنا الزكاة، ولكن لا تصح لتارك الصلاة، إن صليت فإن شاء الله سيكون لك نصيبك مع إخواننا.هذا القول قلناه مرات، وهو إن شاء الله من الصواب بمكان، أما في المملكة فالذي يقول: إن ابني ما يصلي أو امرأتي؛ نقول: يجب أن تبلغ الهيئة، وحرام أن تسكت، فضلاً عن أن تعطيهم الزكاة أو لا تعطي، يجب أن يصلوا، لكن البلاد التي ما فيها حكم إسلامي ما يستجيبون لك، تبلغ بهم الشرطة فيقولون: اذهب، وما يستمعون لك.

معنى قوله تعالى: (ولكن الله يهدي من يشاء)


إذاً: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272]، هذه الآية نزلت في الصحابة لما تحرجوا: هل يعطون الصدقات للفقراء من اليهود من جيرانهم، وللمشركين الكفار أو لا؟ لما تحرجوا أزال الله الحرج والضيق في القضية، وأذن لهم وقال: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، من هم الذين يشاء الله هدايتهم؟دائماً أنبه على أن الذي يرغب في الهداية ويطلبها ويطرح بين يدي الله، ويبكي بين يديه يسأله؛ لا يحرمه الله الهداية، الذي يقرع باب الله: ربّ تب عليّ، رب ارحمني، رب اهدني؛ هذا الذي يهديه الله، أما المعرض الذي يعطي دبره ولا يلتفت إلى الله ولا يسأله ولا يرغب في الهداية فلن يهتدي، وهذا البيان نافع بإذن الله، فالذي يقبل على الله ويسأل الهداية ويطلبها كسلمان الفارسي تنقل كذا سنة يبحث عن الدين الإسلامي من فارس إلى الشام حتى وصل المدينة، وانتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فأسلم.فالذي يقرع باب الله: يا ربّ تب عليّ، يا رب ارحمني، يا رب اهدني، هذا يشاء الله هدايته، وحاشا لله أن تطلبه ويردك عن الهداية، ومن أعرض أعرضَ الله عنه، هكذا نفهم مشيئة الله في باب الهداية. وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272] هدايته، فإذا شاء هدايته جعله يطلب الهداية ويقرع أبوابها، ويسأل عنها.

معنى قوله تعالى: (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم)

إذاً: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272]، هذه فاصلة أخرى، أنت حين تعطي للفقير اليهودي أو الكافر إنما أعطيتَ لنفسك، فافهم هذا. وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة:272] مطلق خير، طعام أو شراب أو غيره، فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272]، أنتم الذين تستفيدونه، وتدخرونه، ويسجل لكم عند الله، وتحاسبون به وتجزونه، لا تفهم أنك إذا أعطيت لكافر لا تثاب عليه، بل ثوابك كامل، أنت ما أعطيت إلا لنفسك، هذا الواقع: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272]، فإذا تصدقت على فقير أو مسكين فلا تفهم أنه الذي انتفع، أنت الذي انتفعت، هو يأكل وتنتهي، أما أنت فتسجل لك وتضاعف حسناتك بها ويزاد فيها، هذا إخبار الله تعالى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272] لا لأولئك الفقراء ولا المساكين، لأنفسكم أنتم.

معنى قوله تعالى: (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)

وقوله: وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [البقرة:272]، يا عباد الله! لا ينفقن أحدكم نفقة صغيرة أو كبيرة إلا وهو يريد وجه الله بها، لا للوطن ولا القرابة ولا الصلة ولا الطمع ولا الشكر، ولا الثناء، لا ينفق إلا طلباً لرضا الله عز وجل، يجب هذا، ومن أنفق نفقة ليمدح .. ليثنى عليه.. ليقبل على سلعته.. ليشكر بين الناس؛ فهذه ولو كانت قناطير فوالله! لا تزن حسنة واحدة، ما أراد بها وجه الله: وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [البقرة:272] أي: طلباً لوجه الله ليقبل عليك.إذاً: الصدقة الواجبة أو صدقة التطوع يجب أن يكون المراد بها: طلب رضا الله عنك، أما إذا التفت في صدقتك أدنى التفات إلى غير الله فقد بطلت ولو كانت قناطير، هذا تعليم الله، فهل استفاد منه المؤمنون؟الذين عرفوا استفادوا، ينفق النفقة ولا يريد أن يسمع به أحد، أو يطلع عليه أحد، لا يريد إلا أن يرضى الله عنه: وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة:272]. وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة:272]، الماء، الطعام، الشراب، اللباس، قل ما شئت في كلمة خير، حتى الكلمة الطيبة: ( والكلمة الطيبة صدقة )، الابتسامة في وجه الفقير صدقة، إذاً: كلمة (خير) منكرة لتشمل كل ما ينفع: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ [البقرة:272] كاملاً الحسنة بعشر يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ [البقرة:272] والحال أنكم لا تُظْلَمُونَ [البقرة:272] جراماً واحداً، ولا حسنة، لو أنفقت ملياراً فلا تخف أن تحرم ثواب درهم واحد، لا يظلم الله عبده بأن ينقص من حسناته أبداً، ما دام قد أنفق لله لا لغيره فالله عز وجل لا يبخسه شيئاً مما أنفق.هذا واضح الدلالة: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [البقرة:272]، والحال أنكم لا تظلمون بنقص حسنة ولا بزيادة سيئة، عدالة الله عز وجل اقتضت هذا، لا تفهم أنه يزاد عليك سيئة ما فعلتها، أو ينقص من حسناتك حسنة وأنت ما تريد نقصانها؛ لأن الله حرم الظلم على نفسه: ( يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا )، فهذا مما حملته الآية الأولى من النور.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 13-08-2020, 05:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

ملخص لما جاء في تفسير الآية

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة:272] أي: أولئك الفقراء الكافرين، إذا احتاجوا إلى طعام وشراب وكسوة فأعطهم، لا تقل: ما داموا كافرين فلن نعطيهم، لا، فهدايتهم ليست إليك أنت، هذا لله، أليس كذلك؟والصدقة الواجبة -الزكاة- هل تعطى للفقراء والمساكين من الكافرين؟ لا، لماذا؟ لأن هذا حق للفقراء المسلمين في ذمتك، فكيف تعطيه لغيرهم، من أين لك؟ لا بد أن يعطى لأهله وهم إن شاءوا تصدقوا.والهداية بيد الله، من هو الذي يشاء الله هدايته؟الذي يتعرض لها، يرغب، يطلب، يجري وراءها، أما المعرض فقد أعرض الله عنه.وعرفنا: أن ما ننفقه من خير على الفقراء والمساكين لا تفهم منه أنك أنفقت عليهم، بل أنفقت على نفسك، فهو لك أنت، هو يأكل ويشرب ويبول ويتغوط، وأنت أخذت الأجور وسجلت الحسنات في ديوانك، إذاً: أنفقت لنفسك أنت: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272].وهنا تنبيه آخر: لا بد عند الإنفاق وعند الصدقة ألا تلتفت أبداً إلى غير الله، لا تريد بريالك ولا درهمك إلا وجه الله، فإن أنت التفت لتحمد أو يثنى عليك أو تدفع عن نفسك المذمة والعيب والعار بطل مفعول صدتك بالتزكية والتطهير؛ لأن هذه العبادات -كما علمتم وزادكم الله علماً- سرها أنها تزكي النفس البشرية، فإن كانت فاسدة فكيف تزكي؟ فلا بد أن تكون صالحة.فلو صليت صلاة ما أتممتها وما أديت شروطها فهي باطلة، ما معنى باطلة؟ ما تولد الطاقة ولا تزكي، والصيام كذلك، والجهاد كذلك، والصدقة كذلك، وصدقة ما أردت بها وجه الله بطل مفعولها، لن تنتج في نفسك طهارة أبداً. وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [البقرة:272]، هذا وعد الله، ما أنفق مؤمن خيراً إلا وفاه الله إياه، وما بخسه جراماً واحد من قناطيره: وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة:272].

تفسير قوله تعالى: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض ...)

وفي الآية الثانية يقول تعالى: لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273]، هذا أمر آخر: أنفقوا للفقراء، لتكن نفقاتكم للفقراء، ارعوا هذا الجانب من الفقراء، وهم الذين أحصروا في سبيل الله.وقد كان هناك مكان يقال له: الصفة، في مكان دكة الأغوات الآن، مكان عريض لاصق بالمسجد، لكن منفصل عنه، يجلس فيه المهاجرون الذين جاءوا من مكة، أو جاءوا من الطائف أو جاءوا من جدة، هربوا من الكافرين ولحقوا بالمسلمين، هؤلاء لا يستطيعون أن يخرجوا من المدينة للتجارة ولا للعمل، البلاد كلها ضد المسلمين من شرق وغرب، وليس عندهم في المدينة ما يقومون به من أعمال، فهم محصورون، ما سبب إحصارهم؟ في سبيل الله، فروا بدينهم، هربوا من بلاد الكفر والتعذيب والضغط إلى بلد يأمنون فيه، هؤلاء قد يكونون في بلادهم أغنياء، عندهم أموال، لكنهم الآن محصورون، ما يستطيعون أن يعودوا إلى بلادهم أبداً فسيقتلون، هؤلاء رغب الله تعالى المؤمنين في الإنفاق عليهم: لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:273]، ما قتلوا وما جنوا وما ظلموا وهربوا إليكم، هؤلاء ما هربوا إلا من أجل الله عز وجل، لينصروا رسوله ودينه، أحصروا في سبيل الله، فإيمانهم.. تقواهم هو الذي جعل العدو يحاربهم ويضطهدهم ويخرجهم من بلادهم. لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ [البقرة:273]، الضرب في الأرض ما هو هذا؟ يعني: يمشي برجليه ويضرب بالأرض، فالمسافر يضرب في الأرض، كم ضربة يضرب على وجهها؟ آلافاً، كل مرة يرفع رجله ويضعها على وجه الأرض، فهذا ضرب أم لا؟ وإذا كان على فرس أو سيارة فإنه يضرب الأرض، ولهذا أطلق على السير في الأرض بالسفر أنه ضرب الأرض، أو ضرب في الأرض، وهذا شائع عندهم في لغتهم. لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ [البقرة:273]، أي: لا يستطيعون مشياً، لا يشرقون ولا يغربون؛ لأن الكفار محاصرون الإسلام وأهله في المدينة، من أين لهم أن يسافروا إلى الشام أو إلى العراق أو إلى كذا؟ ما يستطيعون.

معنى قوله تعالى: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف)

لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة:273]، هذا الجاهل ما هو بالجاهل الذي نندد به، إنما الجاهل بحالهم، غير العالم بهم فقط وإن كان علي بن أبي طالب ، الجهل هنا بحال القوم، لا بالله ومحابه ومساخطه وشرائعه، هذا الجهل ما هو بمذموم كالأول. يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة:273]، بسبب التعفف.

معنى الإلحاف في المسألة

لا يَسْأَلُونَ [البقرة:273]، لا يتعرضون لك، لا تفهم منهم أنهم يطلبون أبداً. لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273] ولا غير إلحاف، فضلاً عن الإلحاف، وما هو الإلحاف؟ الإلحاف مأخوذ من اللحاف الذي تتلحف به المرأة ويحيط بجسمها، فهذا الملحف والعياذ بالله، يسألك من هنا، ويأتيك من ورائك، يأتيك عن يمينك، يأتيك عن شمالك، يقول: يا عم، فهل ألحف أو لا؟ أصبح كاللحاف يدور بك من كل جنباتك! عجب هذا القرآن! لا إله إلا الله، لا يسألون الناس إلحافاً ولا إلحاحاً ولا إحفاءً، الإلحاح معروف، يلح عليه: من فضلك أعطنا كذا أعطنا كذا، هذا الإلحاح، والإحفاء يتعبك أكثر، فلا إلحاح ولا إلحاف ولا إحفاء، لا يسألون الناس ملحين ولا ملحفين ولا محفين ولا غير ذلك، فقد يمضي عليه اليوم والليلة وما أكل ولا شرب ولا يقول: أعطني، لكمالاتهم.

قصة صبر أبي هريرة رضي الله عنه على الجوع

ولعلكم تذكرون صورة أبي هريرة الدوسي من اليمن ، لما هاجر في السنة السابعة قال: كنت أجوع فأصرع في المسجد، فيأتي أولاد المدينة فيصعدون على ظهري، يركبون على بطني، ويقولون: جُن أبو هريرة ، جن أبو هريرة ! قال: والله! ما بي جنون، ولكن بي الجوع، ما أستطيع أن أمشي.وفي مرة ماذا صنع؟ مر به أبو بكر فقال: يا أبا بكر ! ما معنى قوله تعالى كذا وكذا؟ وإنما سأله لعله يقول: تعال إلى البيت عندنا، فما التفت إليه أبو بكر ، فجاء عمر فقال: يا عمر ! ما المراد من كذا وكذا؟ قال: والله! ما أريد أن أعرف قط، وإنما لألفت نظرهم إليّ، فما التفت إليه، ثم جاء أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وما إن نظر إليه وتفرس في حاله حتى عرفه بسيماه، فقال: أبا هريرة ! امش ورائي، قال: فمشيت وراءه.وهنا نعرف أننا ما نحن بشيء، ولا نعد شيئاً أبداً، فدخل مع رسول الله إلى حجرته فجلس، فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لأهله: هل عندكم شيء؟ قالوا: أهدانا فلان لبناً، لا تمر، ولا زبدة ولا خبز.أحد الأنصار أهدانا قدح لبن، فقال: هاتوه، ثم قال: أبا هريرة ! أخرج فادع أهل الصفة، فقال في نفسه: ماذا سنشرب الآن؟ وكانوا ثلاثين رجلاً، فناولهم أبو هريرة القدح واحداً واحدًا، يقال للأول: سمّ الله واشرب، فيشرب ويشرب، فيقول: أعطه الثاني، سم الله واشرب.. حتى دار على ثلاثين رجلاً، ثم قال: أبا هريرة ! اشرب. قال: فشربت فقال: اشرب فشربت، ثم قال: اشرب. فقلت: لم يبقَ له مسلك يا رسول الله!

صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأهله على الجوع


هذه أمنا الصديقة عائشة الحبيبة أم المؤمنين تقول: كان يمضي علينا الشهر والشهران، الهلال والهلالان لا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، وإنما كان طعامنا التمر واللبن.ولما اتسعت الحال ورزقهم الله وفتح عليهم بعث لها معاوية رضي الله عنه خليفة المسلمين بكذا ألف درهم فضة، وكانت صائمة، فقالت لمولاتها: وزعيه، فظلت تلك المولاة كالديدبان من بيت إلى بيت توزع الدراهم، وجاء الليل وأذن المغرب فقدمت لها خبزاً بلا مرق، فقالت: يا فلانة! لو اشتريت لنا بدرهم زيتاً نأكل به الخبز! فأين نحن من هؤلاء؟ ولا نحمد الله ولا نثني عليه، ولا نبكي بين يديه، فلا إله إلا الله! إننا هابطون وكنا في علياء السماء نسامي الملائكة، فهبطنا إلى الأرض كالحيوانات نأكل ونشرب ونلبس ونركب ونطير في السماء، وقلّ منا من يقول: الحمد لله في صدق.ونسرق ونفجر، ونأكل الربا ونكذب ونغش ونخدع ونمنع الحقوق، ونمنع حتى الزكاة، فكيف نحن؟

معنى قوله تعالى: (تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً)

وهؤلاء المحاصرون في سبيل الله: لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ [البقرة:273] أيها السامع بِسِيمَاهُمْ [البقرة:273]، والسيما: العلامة، قال تعالى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ [الفتح:29]، لو تفتح التوراة صفحة بعد أخرى لوجدت هذه الصفة لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإنجيل، لوجدت هذا الوصف بالحرف الواحد: وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]، وأغاظ بهم الكفار من المجوس والمشركين واليهود والنصارى. سِيمَاهُمْ [الفتح:29] من السيما إن كنت من ذوي البصائر، إذا نظرت إلى أخيك وهو جائع أو عطشان فإنك تستطيع أن تتفرس فيه ذلك، كالطبيب ينظر فيشخص ويعرف المرض، فذو البصيرة إذا نظر إلى المؤمن يعرف أنه محتاج، هذه علامات خاصة: تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273] ولا غير إلحاف، لا يلحون ولا يسألون. وهنا أفتى الإمام أحمد وغيره أنه يجوز للمؤمن إذا لم يتغدّ وجاع، أو لم يتعش وجاع، له أن يقول: أي فلان! ما تغديت، فيعطيه قرص عيش، أو حفنة تمر، أو يقول: فلان! ما تعشيت، أو مضى عليّ يوم ما أكلت، فلا بأس، إن كان صادقاً يجوز هذا لإحياء نفسه، والإبقاء على عبادة الله عز وجل، أما أن يطلب ليدخر ويوفر فلا، لا يحل هذا.

معنى قوله تعالى: (وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم)

ثم قال تعالى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:273] أيما نفقة تنفقها لا تفهم أنها تخفى على الله ولا يجزيك بها، ولا يثيبك عليها، كلا أبداً، والله! ما يخفى عليه درهم واحد تنفقه في الليل أو في النهار، في الخفاء أو في العلانية، لا تفهم أنك إذا ما أعلنت نفقتك لا يعرفها الله، فقد طمأننا أننا ما نفعل من خير فهو تعالى به عليم، أفضل من (عالم)، ويجزي به أوفى الجزاء، إذ قال: يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة:272].فالمؤمن مطمئن النفس هادئ البال، إذا أخرج درهمه أو قرصه فهو مطمئن إلى أن الله عرفه وعلمه وهو الذي أعانه على ذلك وأنفقه ويثيبه عليه، سبحان الله!هذا القرآن إذا لم ندرسه هذه الدراسة في العالم الإسلامي ونعيش عليه فهل سنكمل؟ والله! ما نكمل.طريق كمالنا أغلقناه، انصرفنا عنه، كيف بشخص عاش أربعين سنة ما سمع هذا الكلام، كيف يتعلم، كيف يكون وفياً طاهراً نقياً يحسن إذا أعطى، ويحسن إذا أخذ؟ مستحيل، فهيا نتعلم، كم ليلة بكينا، هيا بنا نتعلم. وقد تقول: يا شيخ! مدارسنا الآن بالملايين، أصغر بلد فيه الجامعات والمدارس، فأي تعليم تنادي به أنت؟ أقول: أين آثار ذلك العلم؟ أين مظاهره في الآداب والأخلاق، في العدل والرحمة، في الصدق والوفاء في الطهر والصفاء، أين آثار ذلك العلم؟ وجوده كعدمه، لِم؟ لأنه ما أريد به وجه الله، فلن يثمر، أريد به الدنيا، حتى البنت يقال لها: تعلمي يا بنت لمستقبلك! هذه البنت مستقبلها مضمون بإذن الله، ما دامت في حجر أبيها فهو الكفيل، وزوجها هو الكفيل لها، فإن ولدت فأولادها الضامنون، أي مستقبل يا بابا! هل يبعث بها لتتعلم كيف تعبد الله، كيف تستحي، كيف تطيع زوجها، كيف تربي أولادها؟ لا، بل للمستقبل، للوظيفة! وزاحم النساء الرجال في الوظيفة، فلا إله إلا الله، ماذا أصابنا؟ الجهل، فهيا بنا لنزيل هذا الجهل، هل نحتاج إلى مليارات الدولارات؟ لا، والله ولا ريال واحد، كيف الطريق؟اسمعوا: كتبنا هذا وأعلناه وصحنا به وضحكوا علينا وسخروا منا، واستهزءوا بنا، وحسبنا الله، ولن نترك هذا، ما هو الطريق إلى أن يتعلم المسلمون ليكملوا، ويسعدوا يطيبوا ويطهروا، وتتحقق ولاية الله لهم، فينتفي من بينهم الحسد والغل والغش، والكفر والبدع والضلال؟ هل الطريق أن نقتدي باليهود والنصارى؟ الطريق إذا دقت السادسة مساءً، أي: مالت الشمس إلى الغروب؛ نوقف العمل، كاليهود والنصارى، أغلق الدكان، أغلق المقهى، أغلق المطعم، ارم المسحاة من يدك يا فلاح، ارم القلم يا كاتب، ارم المرزبة يا حداد، يا صانع، اغتسلوا، تطهروا، توضئوا، واحملوا بناتكم وأولادكم ونساءكم إلى بيوت ربكم فقط، فما يؤذن للمغرب إلا والقرية ما يوجد فيها رجل ولا امرأة ولا ولد خارج المسجد، والأحياء في المدن، حي بني فلان، الحي الفلاني رقم (6) أو رقم (10) إذا أذن المغرب لا تجد في الحي رجلاً ولا امرأة في الشارع ولا في البيت، كلهم في بيت الرب، فهل هذا شرف أو لا؟ في الرب يصلون المغرب كما صلينا، ويجلسون كما نحن جالسون، النساء وراء الستارة، ومكبرات الصوت بينهن، والأولاد بيننا، ونحن نتعلم الكتاب والحكمة كتعلمنا هذا، وكل ليلة وطول العام، وعلى مدى حياتنا، فهل يبقى والحال هكذا جاهل أو جاهلة؟ والله! ما يبقى، لا نكتب ولا نقرأ، كما كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، نتلقى الكتاب والحكمة بأسماعنا، ونتفاعل في نفوسنا، ونحوله إلى آيات النور والهداية بيننا، فهل هذا يكلف المسلمين شيئاً؟ وأما عوائده فوالله! فوق ما تتصور، أقسم بالله: إن ميزانية الدولة سيكتفى بنصفها إذا أقبلنا على الله، وينتهي الفقر والخلف والكبر والكذب والغش والخداع، والتكالب على الدنيا، ونصبح أشباه الملائكة في الأرض، تسودنا الرحمة والصفاء والمودة والإخاء والحب والطهر والصفاء، فما المانع أن نفعل هذا؟ لا ندري.اليهود والنصارى ما يقبلون قطعاً، ولو يشاهدون هذه الأنوار فإنهم ما يطيقون، لكن دائماً نمد أعناقنا لهم ليذبحونا، فهل عرفتم كيف يزول الجهل، فهل هناك غير هذه الطريق؟ كلا.

تفسير قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ...)

وأخيراً: يقول تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً [البقرة:274]، أبو بكر فعل هذا، علي فعل هذا، من يفعل منكم هذا لينطبق عليه هذا اللفظ؟ تصدق بعشرة ريال في النهار، وبعشرة ريال في الليل، تصدق بعشرة ريال أمام الناس علانية، وتصدق بعشرة في الخفاء، أربع مرات فقط، أصعب هذا؟ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً [البقرة:274]، والمقصود: أنهم ينفقون دائماً، ما ينتظرون إلى العام الفلاني والشهر الفلاني وكذا، أو حتى يطلع النهار، أو حتى يجيء الليل، هذه حالهم، صدقة بالليل والنهار سراً وعلانية حسب الحاجة، هؤلاء يقول تعالى عنهم: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، نفى الخوف عنهم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة، ونفى الحزن عنهم كذلك، أهل هذا الإيمان وهذا الطهر هل يحزنون؟ هل كان أبو هريرة حزيناً؟ والله! ما كان حزيناً أبداً، جاء يتألم وقلبه منفتح، وهو ينتظر رحمة الله، هذا وعد الله: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً [البقرة:274]، على من ينفقونها؟ على الفقراء والمساكين كافرين ومؤمنين، فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]، والله! لا يخافون كما يخاف غيرهم، ولا يحزنون كما يحزن غيرهم، لصلتهم بالله، وولايتهم المتأكدة لله، فهم في ذلك دائماً مطمئنون، لا يخافون ولا يحزنون عندما يخاف غيرهم ويحزن.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 13-08-2020, 05:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (37)
الحلقة (44)




تفسير سورة البقرة (132)

إن أكل الربا سبب للخسارة في الدنيا والآخرة، ومؤذن بحرب الله عز وجل، وقد مثل الله عز وجل آكل الربا بالذي يمسه الشيطان فيظل يتخبط بسبب هذا المس، وهذا هو حال المرابي حين يقوم من قبره، وذلك أنه كان في الدنيا يزعم أن الربا إنما هو نوع من أنواع البيوع المباحة، والتي يجوز للتاجر أن يتحصل منها على ربح معلوم كسائر السلع، وللشر والفساد المترتب على تعاطي الربا فإن الله عز وجل وعد صاحبه بالمحق في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.

قراءة في قوله تعالى: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الثلاثاء من يوم الإثنين المبارك- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا هذا المأمول يا رب العالمين.وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، وقبلها نذكر هداية الآيات السابقة.

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: جواز التصدق على الكافر المحتاج بصدقة التطوع لا الزكاة، فإنها حق المؤمنين ]، من أين أخذنا هذه الهداية؟من قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، إذاً: يجوز أن نتصدق على اليهودي والمسيحي والمشرك والبوذي إذا كان فقيراً ونحن أغنياء وهو يعيش بيننا، وهل يجوز أن نعطيهم من الزكاة؟ لا، فهذا خاص بصدقة التطوع، أما الصدقة الواجبة كنذر نذرته للفقراء والمساكين فللمؤمنين، والزكاة، وزكاة الفطر، وإنما الصدقة المطلقة، ومن لامك أو عتب عليك وتعنتر، وقال: هذا يهودي فكيف تعطيه؟ فقل له: إن ربي تعالى قال لنا: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272].[ ثانياً: ثواب الصدقة عائد على المتصدق لا على المتصدَّق عليه ]، وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272]، فلا تبال إذا أعطيت لغني أو فقير كافر أو مؤمن؛ لأنها عائدة عليك أنت لا عليه هو، وفي هذا تشجيع على الصدقات المطلقة. [ ثالثاً: وجوب الإخلاص في الصدقة، أي: يجب أن يراد بها وجه الله تعالى لا غيره ]؛ لقوله تعالى: وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [البقرة:272]، إياك أن تنفق قليلاً أو كثيراً وأنت تريد فلاناً يراك أو يسمع بك، أو تريد فلاناً يشكرك أو يثني عليك، أو لتروج سلعك وبضائعك كما يفعل الجاهلون، لا يقبل الله صدقة إلا إذا أريد بها وجهه هو تملقاً إليه وتزلفاً، تقرباً إليه وتحبباً، إذ لا إله إلا الله. [ رابعاً: تفاضل أجر الصدقة بحسب فضل وحاجة المتصدَّق عليه ]، أجر الصدقة يتفاوت، فكونها على ولي من أولياء الله وعبد من عباد الله الصالحين أفضل منها على صعلوك، هذا الواقع.فمؤمن رباني عفيف لا يسأل، فتعطيه هذه الصدقة، فأجرها أعظم من أجرها على شخص آخر ليس من أهل الفضل، وكذلك حاجة المتصدَّق عليه، هذا من ثلاثة أيام ما أكل شيئاً، وهذا تغدى اليوم وقال: أعطني، فعلى الذي ما أكل من ثلاثة أيام أفضل، الصدقة مقبولة والأجر عظيم، لكن تتفاوت الأجور بحسب الحاجة، وفقيران كافر ومؤمن تصدقت عليهما، أيها أعظم أجراً؟ الصدقة على المؤمن أعظم، هذا يعبد الله وهذا كافر به.[ خامساً: فضيلة التعفف ] وما هو التعفف؟ عفّ: كف، تعفف: طلب ذلك؛ لأن الله قال: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273] ولا إلحاحاً ولا إحفاء، أحفى في الطلب: أكثر، ألحى: كرر، ألحف: يصبح كاللحاف يدور بك، يأتيك من اليمين ويأتيك من الشمال، تلقاه أمامك، وتلتفت فإذا هو وراءك، كاللحاف يدور بالإنسان: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273]، ولا إلحاحاً.[ سادساً: جواز التصدق بالليل والنهار وفي السر والعلن؛ إذ الكل يثيب الله تعالى عليه ما دام قد أريد به وجهه لا وجه سواه ].وقد علمتم زادكم الله علماً أن هذه فاز بها أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب ، تصدق بأربعمائة ريال في النهار، وتصدق بأربعمائة في الليل، وتصدق بأربعمائة أمام الناس، وتصدق بأربعمائة خفية، ولستم أمام فقراء في حاجة إلى أربعمائة من الواحد، بل ريال في النهار، ريال في الليل، ريال أمام الناس، ريال في الخفاء فتفوز بهذا، ومن طلب وجد.ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، لا يمنعه النهار ولا الليل ولا حضور الناس ولا غيابهم، المهم: أن يتطلب الموقف الصدقة، هذه خلاصة ثلاث آيات شربنا عسلها بالأمس والحمد لله رب العالمين.
تفسير قوله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ...)

وقفة مع أسباب نشأة البنوك الربوية في العالم الإسلامي


والآن مع ثلاث آيات يا ليتهن ما نزلن! هذه الآيات أمامنا تقول: الذي يراه الله أمام بنك يودع فيه ويستلف منه بالربا لأن يموت خير له. ولما هبطنا من علياء السماء بالجهل الذي غمرنا، وصب علينا قروناً حيث حول روح حياتنا إلى الموتى، فلم يحي الموتى ولم نحي نحن، صرفونا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، فلم نسمع في البيت من يقول: قال رسول الله، ولا في السوق ولا في الشارع، وهبطنا فأصبحنا نسرق، يسرق بعضنا بعضاً، بل يغزو بعضنا بعضاً، قبائل تغزو بعضها، والعداوات والحروب في العالم الإسلامي أسوأ من الجاهلية قبل الإسلام.ومن ثم سلط الله علينا أعداءنا الكفار، فساسونا وشردونا وحكمونا، وفعلوا فينا الأعاجيب، وتركونا أمواتاً غير أحياء، فأصبحت أحوال كثير من المسلمين أيام الاستعمار أحسن منها اليوم، وهذا شأن الميت والمريض.إذاً: في تلك الظروف كان المسلمون يتعاملون بالربا بدون بنوك، بل في بيوتهم، ونعرف عنهم ونسمع، يتعاملون بالربا في بيوتهم، أو دكاكينهم، فمن ثم انقطعت صلة المودة والتعاون بين المؤمنين، أصبحت كل قبيلة لا ترى إلا نفسها، وكل مواطن لا يرى إلا نفسه، وكل ذي مال لا يرى إلا ماله، فلم يبقَ شيء اسمه قرض حسن أبداً، ولا سلفة حسنة، ولا سلم يأتي صاحبه ويؤديه، فلما وصلنا إلى هذا المستوى جاء الله بالبنوك! وقد تقولون: كيف جاء الله بالبنوك؟ ستسألون هذا السؤال، وأنا على علم، قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، السيئة تلد سيئة، والعقرب تلد عقرباً أو تلد فأرة؟ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، لما انتشر بين المسلمين السرقة والخيانة، والغش والخداع، والكذب والنفاق انتهت الأمانة ورفعت، ما بقي من يسلف ولا من يقرض ولا من يقضي حاجة أخيه إلا نادراً، والنادر موجود، بقية لا تزول في هذه الأمة، لكن إذا غلب جانب الباطل فهو الذي يسود، وعندنا نص قطعي في هذا، فأم المؤمنين زينب رضي الله عنها لما رأت الرسول صلى الله عليه وسلم منفعلاً وهو يقول: ( ويل للعرب من شر قد اقترب، قالت: أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث ).فالمجتمعات الإسلامية ثلثاها هابط، والثلث الأخير فيه خير، لكن لا يشفع، لو كان النصف صالحاً فالسفينة لا تغرق، ولو كان ثلث هابط وثلثان مرتفعان فالسفينة ماشية إلى شاطئ السلامة، لكن إذا كان الثلثان في الأرض فهذا الثلث ما يحفظ ولا يقي أبداً.إذاً: فعوضنا الله بالبنوك، فهششنا إليها، وفرحنا بها، وتنافسنا فيها؛ حتى إن المؤمنين الموحدين الربانيين ينشئون بنوكاً في مدينة الرسول، فلا إله إلا الله! مدينة ما فيها يهودي ولا نصراني، ولا بوذي ولا كافر، أبناؤها ولدوا فيها وتربوا فيها، وصلوا في مسجد رسولهم، ويفتح بنكاً ونأتي نحن مسرعين نساءً ورجالاً أيضاً، وندخر ونتقاضى تلك الفوائد سنوياً، وكأننا ما عرفنا الله ولا رسوله!أبعد هذا تسألونني عن المسلمين في الشرق والغرب، الوضع واحد؟ ما السبب؟ لأن الإخاء مات، التعاون فني، الحب والولاء انقرضا، كل يعيش لنفسه، وجرب: فهيا نفتح باباً للقرض: لو تقرض مليوناً فلن يرجع إليك ثلثاه قط، وإن شئتم حلفت لكم بالله، لو تقرض إخوانك في القرية أو المدينة مليوناً موزعاً على مائة شخص ففيما أظن أنه لن يرجع إليك ثلثه.

العودة إلى المساجد طريق السعادة وسعة الرزق

إذاً: ماذا نصنع؟ كيف نتحرك، ما الحيلة؟أرى الطريق واضحاً، في أربع وعشرين ساعة ونحن أولياء الله، نؤمن ونحقق إيماننا، ونعيد بيان الطريق؛ إذ والله! ما وجدت طريقاً إلا هو، وإلا فكيف أكرره، فمريض بالصداع ما عنده إلا الإسبرين، فماذا تصنع؟ هل تستحي فتبدل الإسبرين؟الطريق للعالم الإسلامي في القرى والمدن، إذا أرادوا أن يكملوا ويسعدوا: هو أن أهل القرية يجتمعون بنسائهم وأطفالهم ورجالهم كل ليلة في بيت ربهم، إذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة أقبلوا يهرعون، يحملون نساءهم وأطفالهم في شوق إلى بيت ربهم، فيصلون المغرب كما صليناها، ويجلس لهم مربٍ عالم بالكتاب والسنة كجلوسنا هذا، وليلة آية من كتاب الله يتغنون بها حتى يحفظوها، وتفسر لهم وتشرح، ويبين مراد الله منها، فيعلمون ويوطنون النفس على التطبيق والعمل، وليلة أخرى حديثاً وسنة من سنن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم تبين معنى الآية الأولى وتزيد فيه، وتقوي معانيها، فيحفظون الحديث، يفهمون مراد الرسول منه، يعزمون على العمل، ويوماً بعد يوم لا أقول: سنة، بل في أربعين يوماً فقط ما يبقى بينهم من يفكر في الغش والخداع، ولا في السرقة والتلصص والإجرام، وتمضي أيام العام والعامين وينتهي شيء اسمه سرقة، ظلم، اعتداء غش، خداع، كبر، عجب سرف، ترف، تكالب على الشهوات، على الدنيا، كل هذا يمسح حسب سنة الرب تعالى.ومن ثم يفيض المال، فماذا يصنعون به؟ أصبحوا يكتفون بالأكلة وبالثوب الواحد، أصبحوا يكتفون بالقليل، نفوسهم تعلقت بالله، ما أصبحت لها رغبة في الأرض الهابطة ولا في أهلها، فيتوافر المال، ونصبح نبحث عمن يستقرض، والله! ليصبحن يبحثون عمن يقرضون؟لِم هذا المال أنا في صندوقي يبقى هكذا، من يستقرض لأبنائنا فيغرس أو يزرع، أو يصنع أو يتجر أو يربح، وذاك المؤمن الذي يأخذ تلك الأموال يرضى أن يقتل أن يصلب أن يحرق، ولا يرضى أن يخون.هذا هو الطريق، وإلا فقولوا ما شئتم، وقولوا: والبنوك والحكومات، فكل هذا -والله- ما يجدي نفعاً، بل كأننا نضحك على الله، نحن مقبلون على الباطل والشر ونقول: يا ربّ لِم هذا؟والله لا طريق إلى خلاص هذه الأمة إلا من هذا الطريق أن تعلم، فإذا علمت وعرفت ربها أحبته وآثرت ما يحب وخافته، وتركت ما يكرهه؛ لأنها تخافه، ومن ثم فلا كذب، لا خيانة، لا عجب، لا سرف، لا ترف، أمة كأسرة واحدة، وقد تقول: هل لهذا مثال يا شيخ؟ فأقول: نعم، لم تكتحل عين الوجود بأمة أطهر ولا أعدل ولا أرحم ولا أصفى ولا أطهر من تلك الأمة في القرون الثلاثة: الصحابة، وأبناؤهم وأولاد أحفادهم: ( خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )، لم فضلوا وكملوا؟ لأنهم ما صرفوا عن الوحي الإلهي، ما عندهم إلا قال الله وقال رسوله، لا مذهبية ولا عنصرية ولا قبلية، فلما عرف العدو مصدر كمالهم سلبهم القرآن والسنة وأنشأ المذاهب والطرق والخرافات، ومزقهم، ولما ماتوا ركبوا على ظهورهم.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 13-08-2020, 05:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

أنواع الربا

والآن هيا مع الآيات الثلاث:يقول تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا [البقرة:275] ما هو هذا الربا؟ هل يأكلونه كما يأكلون اللحم والخبز؟ لا، اللفظ بالأكل يطلق ويراد به التعامل، يشتري به سيارة، يشتري به ثوباً، ومنه ربا النسيئة وربا الفضل فالربا نوعان: ربا النسيئة وربا الفضل، فهل تعجز أن أن تقول: النسيئة والفضل؟ وإذا غنيت فإنك تغني بعشرين كلمة! وهذا جربناه، يصلي وراء الإمام خمسين سنة ما يحفظ الفاتحة، خمسين سنة يصلي ما يحفظ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ [قريش:1-2]، و تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ [المسد:1]، ويسمع أغنية من عاهرة فيأتي بنفس اللحن والصيغة، وإياكم أن تفهموا أن هذا الشيخ الذي يودعكم في آخر أيامه يكذب في مسجد رسول الله، إياك أن تفهم هذا الفهم. هذه أم الفضل أم عبد الله بن عباس قالت: ( صليت وراء رسول الله فقرأ في صلاة المغرب بـ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] فحفظتها )، ائتني بأذكى الناس اليوم يسمع المرسلات ويعيدها ويحفظها وأعطيك مليار دولار! وكم من شبيبتنا وشاباتنا يتغنون بأغاني العهر والباطل ويحفظونها بنفس الألحان، ولا يحفظ سورة المرسلات ولا العاديات، ما السر؟ إن أم الفضل تعلق قلبها بربها وبكلامه وأحبت أن يغمرها نوره فأصبحت كلها متهيئة فحفظت، والذي غمره حب الزنا والفجور والباطل ما إن يسمع ذاك الصوت حتى يملأ قلبه ويفيض على لسانه وحواسه. فربا النسيئة مثاله: أن يكون لي على فلان خمسون ألف ريال، أجلها الموسم إما الحصاد وإما جذاذ التمر، فيأتي الموسم وما يستطيع الأداء، فيقول: أخرني وزد برضا، هذا ربا النسيئة.

مقارنة بين ربا الجاهلية وربا البنوك

قلت: وغضب الناس فقالوا: كيف يقول: ربا الجاهلية أفضل من ربا البنوك؟! فأقول: والله! لربا الجاهلية أفضل من ربا البنوك، فربا الجاهلية ما هو؟ أن تأتي إلى غني فتقول: أقرضني ألفاً أو ألفين إلى الموسم أو إلى شهرين أو عام، فيقرضك، فإن جاء الموعد وأنت الصدوق وأنت صاحب المروءة والشهامة وما وجدت المال فهل تهرب؟ تأتيه معتذراً وتقول: أخرني سنة أخرى وزد علي برضاك. وأما ربا البنوك فمن أول ساعة تحسب الزيادة، فإن كنت تريد عشرة آلاف قيل: سجل عليه أحد عشر ألفاً وأعطه العشرة عاجلاً، فأيهما أفضل؟ ربا الجاهلية أفضل. وإذا تأخر مرة ثانية زادوا نسبة مئوية، هذا الربا وضع بني عمنا اليهود الحذاق؛ لأنهم يعبدون الدينار، ولا تلوموهم، فهم يريدون أن يسودوا العالم ويحكموا البشرية كلها، فكل ما يبذلون ويحتالون ما هو بشيء كبير، يريدون أن يسودوا العالم بأسره لأنهم شعب الله المختار كما يزعمون، يريدون مملكة سليمان الذي ملك الشرق والغرب، يريدون أن يعتزوا ويسودوا؛ فهم -كما يقولون- أبناء الله وأحباؤه، فيبذلون كل ما يستطيعون بذله فيضعون هذه الحيل، واسألوا المؤرخين من صنع البنوك بأنظمتها؟ اليهود، وإن كانت جنسيته بريطانية، فهو يهودي، والله عز وجل ندد بهم في القرآن أنهم يأكلون الربا؛ في سورة النساء في غير ما آية، والمقصود اليهود.

أمثلة للربا وذكر بعض ما لا يجري فيه الربا


فربا النسيئة أن تعطي لأخيك عشرة أو خمسة وحين يتأخر عن الأداء تزيد عليه، وربا الفضل هو أن تبيع ربوياً بآخر بزيادة، تبيع تمراً بتمر فتعطيه عشرة قناطر فيقول: أعطني خمسة عشر مثلاً؛ لأنه تمر برني أو عجوة وأنت تمرك دونه، فلا يجوز ذلك. تعطي هذا مائة ريال سعودي وتقول له: أعطني مائة وعشرة، فما يجوز، وهكذا ربا الفضل في الذهب والفضة والطعام والملح وسائر الربويات، الطعام هو التمر والشعير والبر، فهذه الأطعمة ما يجوز التفاضل فيها، تبيع شعيراً صاعاً بصاع وقنطاراً بقنطار، لا بقنطار وزيادة؟ وفي الريالات ألف ريال بألف ريال، لم ألف وزيادة؟ بأي حجة؟ وإذا اختلفت الأجناس فقد قال: بيعوا كيف شئتم، تبيع قنطار تمر بعشرة من قمح حسب حاجتك وظروف الناس، تبيع -مثلاً- قنطار ملح بقنطارين من قمح، بشرط أن يكون في المجلس الواحد يداً بيد، هذا الشرط لا بد منه. فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم في الزيادة والنقص، لكن لا بد أن يكون في مجلس واحد، هذا ربا الفضل، ولا ربا سوى هذين النوعين: ربا النسيئة وربا الفضل فقط، والحيوان ليس فيه ربا، تبيع بقرة باثنتين لأنهما أقل منها شحماً ولحماً مثلاً. لكن الذهب والفضة والقمح والشعير والملح والتمر وما قيس عليها مثل ما هو مدخر ومطعوم كالذرة مثلاً أو أي حبوب أخرى يجري فيها الربا.

حال أكلة الربا يوم القيامة

قوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا [البقرة:275] ما لهم؟ قال: لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] هل المراد أنهم لا يقومون الآن من بيوتهم؟ أو من على مكاتبهم؟ وإن كان بعض أهل العلم فهم هذا، لكن المراد: لا يقومون من قبورهم؛ لأن الساعة ستأتي وسوف ينفخ الله الأرواح في أبدان خلقها وهيأها، تقوم البشرية ويقوم أصحاب الربا وبطونهم كالخيام، فانظر إلى هذا المرابي صاحب هذا البنك، ثم إنه يقوم ويقع، يمشي خطوتين ويصرع إلى أن ينتهي الموقف وهو في هذا البلاء. لا يَقُومُونَ [البقرة:275] أي: من قبورهم إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] يقال: فلان به مس جنون، أما تعرفون الصرع؟ وهذا واضح للعرب بالذات، كانوا يشاهدونه، هذه محنة الصرع يصاب بها بسبب الجني يمسه في تيارات دمه فيصرع، هذه حال آكلي الربا إذا لم يتوبوا وماتوا وهم على ذلك. الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا [البقرة:275] ما لهم يا رب؟ لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275].

معنى قوله تعالى: (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا)

ما سبب أكلهم الربا يا رب؟ قال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة:275] ما الفرق بينهما؟ الآن يقولونها، يقولون: هو كالتجارة، تشري القنطار بعشرين ريالاً وممكن أن يباع بأربعين! هذه الكلمة قالها أهل الجهل، قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة:275] تشتري بعيراً بألف وتبيعه بألفين بحسب الأسواق، وتشتري قنطار القمح بعشرة ريالات وتبيعه بعشرين حيث السوق كذلك، قالوا: والربا مثل ذلك.

معنى قوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله)

فأبطل الله دعواهم وقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] البيع أذن الله فيه وأحله، وأما الربا فما زال محظوراً حراماً، لأن الربا يمنع التعاون والإخاء والمودة والرحمة والصدق، كل هذه انتهت مع الربا، فلهذا حرمه الله عز وجل لأنه أذية مؤمن وأكل ماله بدون حق وبدون عوض إلا بالتأخير فقط. ثم قال تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى [البقرة:275] أيها المستمعون والمستمعات! هل جاءتكم موعظة من ربكم؟ أمر ونهي إلهي، فمن تاب الليلة فكل ما أخذه وأكله حلال، يأكل ويتصدق، لأنه تاب، فمن جاءه موعظة وفتوى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275]، كله، ولا أقول: أرجعه للناس وابحث عنهم، بل يكفيك التوبة. وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275] إلى من أمره؟ إلى الله، إن شاء آخذ وإن شاء عفا، والظاهر أنه يعفو ويغفر، وإنما يبقى الباب مفتوحاً لترتعد النفس وتضطرب، فما يطمئن ويضحك، يجب أن يتوب بالبكاء والدموع والاستغفار وفعل الخيرات.

معنى قوله تعالى: (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)

وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ [البقرة:275] البعداء أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، هل هذا كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟ أو كلام الصوفية الخرافة؟ هذا كلام الله عز وجل، فمن يعقب؟ وَمَنْ عَادَ [البقرة:275] ورجع بعد أن تاب فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، فلهذا لن تجد عبداً عرف الله تعالى وبكى واطرح بين يدي الله وترك الربا ثم يعود، لن يعود، قلما يعود، ومن عاد فباب السجن مفتوح: فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275] . هل هذا الكلام ما يفهمه المسلمون؟ لو قرءوه وتدارسوه أما يفهمونه؟ سيفهمون، لو فهموه فهل سيعملون بالربا؟ والله! لا يفعلون، لكن الجهل والظلمة، فالماشي في الظلام يتخبط وما يسلم أبداً من العثور والهلاك. فهيا نعود إلى دراسة كتاب الله؟ وقد تقول: هذا موجود في الجامعات والمدارس يا شيخ! وأقول: لا، نريد أن نصدق ربنا في إيماننا به وبلقائه ونعمر بيوته بنسائنا وأطفالنا كل ليلة وطول العمر، والنصارى إذا دقت الساعة السادسة ذهبوا إلى المقاهي إلى المراقص إلى المقاصف إلى دور اللهو إلى العهر، ونحن إلى أين نذهب؟ نذهب لبيوت الرب لتلقي الكتاب والحكمة لتزكية نفوسنا وتهذيب أخلاقنا وسمو آدابنا، والعدو يذهب إلى العهر والباطل والشر والفساد، أنى لهذا العدو أن يعلو فوقنا أو ينال من كرامتنا؟ والله! ما كان، لا تفهموا أن هذه العودة أن نبقى هكذا وهكذا، والله! لنسودن البشرية كلها وبلا شيء، وإنما بالعودة إلى بيوت الرب، فتستقيم العقائد والآداب والأخلاق ونرتفع، وحينئذ إذا قلنا: الله أكبر رددها العالم الإسلامي. لا شك أن هذا الدرس ممكن أن يصل إلى اليهود والقسس فيحتفلوا ويهتموا، أما نحن فلا، يدخل الكلام من هنا ويخرج من هنا، فذلك غير مهم؛ لأن لهم أملاً أن يعملوا أم لا؟ وهل نحن لا أمل لنا! آيسون؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.هيا نعيد هذه الآية العظيمة أطول الآيتين، يقول تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275] .

تفسير قوله تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم)

وفي الآية الثانية قال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة:276] يسحقه ويمحوه، لا بركة فيه أبداً، وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276]، الصدقات يربيها وينميها ويرفعها حتى تغدو كالجبال، هذا وعد ممن؟ من الله تعالى القادر على أن يعطي، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا [البقرة:276] لا يبارك فيه أبداً: أولاً: أي بركة في مال تدخل به النار؟ أية بركة هذه؟ مال لا يطيب نفسك ولا يزكي روحك ولا تشعر معه بقلة الحياة فهذا مال مسحوق. والصدقة ينميها الله كما أخبر رسول الله عز وجل؛ إذا تصدق المتصدق بصدقة وقعت في كف الرحمن عز وجل فيربيها له كما يربي أحدنا مهره ابن فرسه، وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] والختام وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276] كفار: جحود للنعم يجحد الله وشرعه وقوانينه وما دعا إليه وما أمر به ويتنكر له. وأثيم: مغموس في الآثام من إثم إلى آخر من زلة إلى زلة، خبث وتعفن ونتن، فالله ما يحبه وأنت تحبه؟ هل فيكم من يحب كل كفار أثيم؟ أعوذ بالله! يحبه من هو مثله في الخبث.

تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ...)

وأخيراً: الطابع الأخير لكم أيها المؤمنون ويا أيتها المؤمنات: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277] ، فالحمد لله، الحمد لله، اللهم اجعلنا منهم، الحمد لله. أعيد هذا البيان؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277] هؤلاء أولياء الله، ما هم أعداءه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 13-08-2020, 05:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (38)
الحلقة (45)




تفسير سورة البقرة (133)

إن حرب الله عز وجل على الربا لا تقتصر على الكافرين وحدهم، وإنما يدخل في ذلك أهل الإسلام، فالحرب على كل مرابٍ، وقد وجه الله عباده المؤمنين إلى تقواه عز وجل وترك ما بقي لهم من أموال عند الآخرين ناتجة عن الربا، ويكتفون برءوس أموالهم، فلا يأخذون شيئاً زائداً عليها، ولا يتركون شيئاً منها لغيرهم، وحضهم تعالى على إنظار المعسر من المدينين، وأفضل من ذلك التصدق عليه بهذا الدين، والله عز وجل يجزي المتصدقين.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذي آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن يتحقق لنا ذلكم الموعود الذي أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.وقد انتهى بنا الدرس ونحن ندرس سورة البقرة مواصلين دراسة كتاب الله حتى ننتهي بإذن الله، وها نحن مع هذه الآيات الأربع: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:278-281].

أهلية المؤمنين لنداء الله تعالى لهم

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا نداء الله عز وجل موجه إلينا بوصفنا مؤمنين، وكوننا مؤمنين هذا يؤهلنا لأن ينادينا ربنا تعالى؛ لأن المؤمنين أحياء يسمعون ويعون ويقدرون على أن يمتثلوا الأمر والنهي؛ وذلك لحياتهم بإيمانهم، أما الكافرون فلا ينادون بمثل هذا النداء ليأمرهم أو ينهاهم؛ لأنهم أموات غير أحياء وما يشعرون. فهذه نعمة من نعم الله فالحمد لله عليها وعلى غيرها من نعمه التي لا نحصيها؛ لأننا مؤمنون، أي: مصدقون به عز وجل وبربوبيته وألوهيته وأنه رب كل شيء ومليكه، مؤمنون بكتابه الذي نتلو آيه ونتدارسها ونعلم مراده تعالى منها رجاء أن نمتثل الأمر ونجتنب النهي لنكمل ونسعد، وآمنا برسوله وبكافة رسله، آمنا بلقائه والوقوف بين يديه للاستنطاق والاستجواب ثم الجزاء إما بالنعيم المقيم وإما بالعذاب الأليم. يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:278] لبيك اللهم لبيك، مر نفعل، انه نترك، أعلم نتعلم، بشر نستبشر، حذر نحذر؛ لأننا عبيدك وأنت سيدنا فلا تنادينا إلا لصالحنا.

مقاصد النداءات القرآنية

وبالتتبع والاستقراء لآي كتاب الله وجدنا في القرآن الكريم تسعين نداء، ودرسناها بمنه وفضله هنا ثلاثة أشهر، كل يوم ندرس نداء، فوجدناها تدور على تحقيق ما يلي: أولاً: على أمره لنا باعتقاد أو بفعل أو بقول ما من شأنه إعدادنا للسعادة والكمال، أو لينهانا عما من شأنه أن يخسرنا ويضيعنا ويكسبنا الشقاء والخسران، أو ينادينا ليبشرنا لتنشرح صدورنا وتطمئن نفوسنا ونقبل في سرعة على الصالحات وتنافس في الخيرات، أو ينادينا لينذرنا من الأخطار والعواقب السيئة والمدمرات والهلاك في الدنيا وفي الآخرة، أو ينادينا ليعلمنا ما نحن في أمس الحاجة إلى علمه ومعرفته. هذه النداءات الإلهية التسعون نداء، وقد يسر الله طبعها مرات ووزعت، والله أسأل أن يحيي بها موات قلوب إخواننا. أيناديك ربك ولا تصغي ولا تسمع؟! إنه قد يناديك أبوك أو ابنك أما تسمع له؟ فكيف يناديك خالقك مالكك سيدك، من بيده حياتك وموتك وإليه مصيرك وأنت تعلم، لا يناديك للهو ولا للباطل ولا لإضاعة الوقت ولا لإرهاقك وإشقائك، والله! لا ينادينا إلا ليكملنا ويسعدنا. إذاً: هيا ندرس هذه الآيات، وهي مختومة بآخر آية نزلت من السماء، آخر آية نزلت من الله عز وجل هذه الآية: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281]، أول آية نزلت: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] وآخر آية نزلت من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية هذه الآية: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] .

كيفية امتثال الأمر بتقوى الله تعالى


يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:278] نادانا ليأمرنا بتقواه إذ قال: اتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:278]، كيف نتقيك يا رب وبماذا نتقيك؟ هل بالأسوار والحصون، بالجيوش الجرارة، بالسراديب تحت الأرض؟ بم نتقي الله ونحن بين يديه وفي قبضته؟ يقول لنا العالمون: اتقوه فقط بالإيمان به وطاعته وطاعة رسوله وأنتم مؤمنون، لا يتقى الله بشيء سوى هذا، لا تعصه، لا تخرج عن طاعته، فإن كنت كذلك فأنت آمن فلا تخف؛ إذ لا يغضب ولا يسخط إلا على من عصاه وتمرد عليه وخرج عن طاعته وفسق عن أمره وهو عبده مملوك له يغذوه ويسقيه ويكسوه، يحفظه من شياطين الجن لو تركه لاختطفوه، ثم لا يسمع نداءه ولا يمتثل أمره ولا يجتنب نهيه، فما لهذا المخلوق، ما لهذا الإنسان؟ إذاً: عرفنا بم نتقي ربنا، أي: بم نتقي عذابه وبلاءه وسخطه وغضبه وناره وجحيمه، نتقيه بطاعته وطاعة رسوله، لا تستمر على المعصية ولا تداوم عليها، وإن زلت قدمك وسقطت فعد إليه طالباً العفو والصفح وهو كريم حليم، يكفيك أن ترفع صوتك: غفرانك ربي وإليك المصير، أستغفر الله .. أستغفر الله .. أستغفر الله، وأنت تبكي، فيعفو ويصفح ويتجاوز ويغفر؛ لأنه حليم عظيم.أما أن تستديم معصيته غير مبال بقدرته عليك ولا بنعمه التي أغدقها عليك، فتكفرها وتجحدها وتواصل التمرد عليه، يقول: قف فتمشي، يقول: نم فتستيقظ، يقول: كل فلا تأكل؛ فأين يذهب بك يا عبد الله؟ تريد أن تتمزق وتتلاشى؟ وذلكم هو الخسران المبين: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]، إن أحدهم يلقى في عالم لا يلتقي فيه بأب ولا أم ولا أخ ولا صديق ولا قريب ولا بعيد لمليارات السنين، وأفظع من هذا أن الرجل الكافر قد يوضع في صندوق من حديد ويغلق عليه ويرمى في ذلك العالم فلا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم ولا يبصر وهو في الجحيم مليارات السنين؛ إذ الحياة هناك غير قابلة للفناء، الحياة الدنيا -بحسب سنة الله فيها- قابلة للفناء، لا يبقى شيء إلا ويتلاشى ويتمزق، وها أنت تشاهد طفلك يشب ويكبر ثم يموت، وأما الحياة الآخرة فالذي أوجد هذه أوجدها غير قابلة للفناء، فأهل دار السلام لا يكبرون لا يهرمون لا يمرضون لا يشيخون لا يموتون لا ينامون، غير قابلة لهذه الظواهر في الحياة الدنيا الزائلة الفانية.

حاجة العباد إلى العلم بشرع الله لتحقيق التقوى

إذاً: والسؤال المكرر لعله ينفع الله به: هل الذي لا يعرف أوامر الله ونواهيه وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ونواهيه يستطيع أن يتقي الله؟ والله! ما يستطيع، إذاً: فمن الضروريات أن يعرف عبد الله وأمة الله ما أمر الله ورسوله به من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات، وأن يعرف أيضاً ما حرم الله وكرهه من المعتقدات والأقوال والأفعال والصفات والذوات. وهنا وقفنا عند الباب، فهيا ندخل، وهو مغلق فلا بد من العلم، نحن مأمورون بأن نتقي ربنا حتى لا نخسر حياتنا وحتى لا نلقى في عالم الشقاء أبد الآبدين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] في أي شيء نطيع؟ لا بد من معرفة ما نطيع الله ورسوله فيه، أي: معرفة الواجبات ومعرفة المنهيات في هذين المجالين من الاعتقاد والقول والفعل والصفات. وإذا ما وجدنا من يعلمنا فلنذهب نشرق ونغرب ونسأل عن الذي يعرف محاب الله ومكارهه، فإن قالوا: إن رجلاً يقال له: فلان يوجد في جبال التبت من القارة الهندية هذا الذي يعرف ما يحب الله وما يكره؛ فوالله! لو آمنا حق الإيمان لمشينا حتى نجلس بين يديه ليعلمنا ما يحب ربنا لنأتيه وليعلمنا ما يكره ربنا لنذره ونتركه، فلم لا يتعلم المؤمنون؟ سأشرح لكم: إن مظاهر الضعف والعجز، بل مظاهر الخبث والظلم والشر والفساد كلها نتيجة الجهل بالله وبمحابه ومكارهه، من عرف الله خافه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، ومن خاف الله عمل على ألا يخرج عن طاعته ولا يفسق عن أمره؛ لأنه علم أن حياته ومصيره بيد ربه، فكيف يجرؤ على أن يتمرد عليه ويخرج عن أمره؟ ونعيد القول: لم لا نتعلم في بيوت ربنا؟ اليهود والنصارى والمشركون والكافرون إذا انتهى العمل الدنيوي ودقت الساعة السادسة مساءً أوقفوا العمل كما هو مشاهد في أوروبا وأمريكا واليابان والصين، ونظفوا أنفسهم ولبسوا أحسن ملابسهم وذهبوا إلى دور الباطل من المراقص والمقاصف والسينما والملاهي والأباطيل ينفسون عن أنفسهم يروحون عنها من آثار البلاء النفسي؛ لأنهم كالبهائم لا هم لهم إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح واللهو والباطل، آيسون من رحمة الله جاهلون بالله والدار الآخرة، يذهبون للترويح على أنفسهم، ومصيرهم معلوم هو جهنم خالدين فيها أبداً. ولتعرف صورة توضيحية لجهنم اخرج في الساعة الثانية عشرة ظهراً وارفع رأسك وانظر إلى الشمس، هذه الشمس أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، وكلها لهب وسعير، ولا شجر فيها ولا حطب، نار ملتهبة، لو اجتمعت البشرية كلها خمسين مرة ما سدت زاوية من زوايا الشمس، وتسألني عن النار؟ فإذا كشطت هذه السماوات وأبعدت فالعالم الآخر الذي لا نهاية له. وإن ارتبت فأغمض عينيك وضع رأسك بين ركبتيك وفكر وتصور نفسك وأنت هابط إلى الأسفل، فإلى أين ستنتهي؟ إذاً: قولوا آمنا بالله .. آمنا بالله .. آمنا بالله. فنحن الربانيون أولياء الله أهل الطريق والصراط المستقيم، إذا مالت الشمس إلى الغروب ودقت الساعة السادسة لم لا نتوضأ في بيوتنا ونلبس أحسن ثيابنا ونأتي بنسائنا وأطفالنا إلى بيوت ربنا، فنجلس الساعة والساعتين نتلقى الكتاب والحكمة، نزكي أنفسنا بهذه الأنوار الإلهية، سنعود شباعا إلى بيوتنا لا رغبة لنا في وافر الطعام والشراب، ولا هم لنا إلا أن يرضى ربنا عنا، لم ما عملنا هذا؟ أهل القرية في الجبل في السهل في الوادي حيثما كانوا أليسوا مؤمنين؟ ويزعمون أنهم المسلمون! فلم يعيشون على الجهل فيستبيحون الغش والخداع والغيبة والنميمة والشح والبخل والسب والشتم في أمراض لا يرضاها الله لأوليائه؟ لأنهم ما عرفوا -والله- وما علموا، ما طلبوا العلم حتى يعلموا، ما صدقوا حتى يصدقوا، هذه حال أمتنا، وقد شاهدنا ما فعل الله بنا في الشرق والغرب، وما زلنا في سكرتنا ما أفقنا، ما زالت السكرة هي هي، والجهل مطبق وآثار الجهل مشاهدة، كل ظلم كل خبث كل شر كل فساد مرده إلى الجهلبالله وبمحابه ومساخطه، فكيف نتقيك يا ربنا ونحن لا نعرف الكلمة التي إذا قلناها ترضى بها، أو تسخط ولا ترضى؟ فلا بد أن نتعلم، وما نحتاج للمدارس والأقلام والأوراق، هذا العلم الضروري فقط نتلقاه من فم المربي من وجهه إلى وجوهنا ونعزم على العمل في ساعته، فلا نزال نتلقى الحكمة يوماً بعد يوم حتى ما يبقى في قريتنا رجل ولا امرأة لا يعرف الله ولا ما يحب ولا ما يكره.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 13-08-2020, 05:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

أمر المؤمنين بترك الربا بعد بيان حكمه وحال آكليه

ونعود إلى الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [البقرة:278] هذا أولاً، وقد بين لنا قبل إذ قال متوعداً: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] يقومون من قبورهم ساعة الانتشار والخروج من الأرض حالهم كالمصاب بالصرع كلما وقف وقع، كلما أفاق هلك؛ لأنهم قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة:275] وهم المتمسكون بالباطل أيام نزول الآيات، فقال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275] وإن ملك مليارات، وأمره إلى الله، ومن عاد بعد التوبة فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:275-277]. بعد هذه البيانات الإلهية نادانا مرة أخرى، فماذا قال؟ يا من علمتم وآمنتم! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا [البقرة:278] اتركوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [البقرة:278]، من بقي له شيء فليتركه إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278] أما غير المؤمن فليس هذا من شأنه، ما يقدر، فإن كنتم حقاً مؤمنين فاتركوا ما بقي من الربا عندكم وتخلوا عنه.

تفسير قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ...)

إذاً: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:279] فتكبرتم وترفعتم وأبيتم أن تذعنوا لنا وتسلموا وجوهكم وقلوبكم، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ [البقرة:279] اعلموا أن الحرب دارت بيننا وبينكم، والذي يحارب هل الله ينتصر؟ أمعقول هذا الكلام؟اعلموا أن الحرب قد دارت رحاها بين الرب تبارك وتعالى وبين العصاة المرابين من عباده، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] وكلمة (ورسوله) تعني الرسول ومن ينوب منابه من الأئمة والحكام، إذا رأوا من يستحل الربا يستتيبونه ثلاثة أيام، فإن لم يتب قتلوه نيابة عن رسول الله، من عرفوا أنه يتعاطى الربا يستتيبونه بالضرب حتى يتوب، أما إذا استحله فقد ارتد وكفر، مستحل الربا كافر، والذي يقول: إنه حرام ويفعله فهو عاص فاسق يستتاب ويرد، أما الذي ينكر شرع الله فهو مرتد.

معنى قوله تعالى: (وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)

قال تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279]. مثال ذلك: أنا رابيت خمسين رجلاً في قريتنا، لي على كل واحد عشرون ألفاً، منها خمسة عشر حق مالي هي رأس مالي وخمسة آلاف ربا، فماذا نصنع؟ قال لي ربي عز وجل: خذ رأس مالك واترك الباقي، فتقول: يا جماعة! ردوا علي خمسة عشر فقط، والخمسة الآلاف التي كانت فوائد ربوية لا آخذها، تركتها لله، بذلك أمرني ربي، وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] لا تظلمون بأن تزيدوا ريالاً واحداً لا حق لكم فيه، ولا ينقص من رأس مالكم ريال واحد أيضاً، تسترده كما هو، لا تظلمون من داينتموهم بالربا ولا يظلمونكم هم فيأخذون من رأس مالكم ريالاً واحد.
تفسير قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون)
ثم قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280].وإن فرضنا أنه كان ذو عسرة استدان منك وفي ذمته عشرون ألفاً، ثم ما استطاع أن يسدد شيئاً، لا يملك ديناراً ولا درهماً، فماذا نصنع مع هذا الرجل وقد تبنا؟ قال الملك الحق جل جلاله: فَنَظِرَةٌ [البقرة:280]، من أنظره ينظره: إذا أمهله، فمتى يسر الله عليه أعطاه، فنظرة إلى متى؟ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]. والميسرة: اسم من اليسر، أي: حتى ييسر الله عليه بعد عام أو عامين أو بعدما يحصد، فإذا يسر الله عليه أعاد لك رأس مالك فقط ولا تأخذ درهماً واحداً زائداً على رأس مالك. ثم جاء الكرم الإلهي وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280]، وأن تتصدقوا بذلك المال الذي عند معسر ذي عائلة وما يستطيع أن يجمع هذا المال، فقلت له: تركته لله، فبات منشرح الصدر يعبد الله ويشكره ويدعو لك بالخير وزوجته وأولاده فيحصل لك خير عظيم، وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280] . فهذه التوجيهات توجيهات ممن؟ من الله، فكيف يكفرون بالله؟ من أين يأتي هذا الكلام وهذه العلوم والمعارف، ثم يقولون: لا إله والحياة مادة! ألا لعنة الله عليهم. ولقد استجاب الله لنا فتحطمت الشيوعية البلشفية الحمراء وانتهت، لا عودة ولا رجعة، ومع هذا ما زال الهالكون بين المسلمين يسبحون بحمدها ويقدسون، أين الشيوعية؟ حفنة من الشيشان دمروا روسيا هذه الأيام، أذاقوها المر، فصفقت الدنيا. يقولون: لا إله؟! مجانين، أنت من أوجدك؟ كيف تقول: لا إله؟ أمجنون أنت؟ الذي يقف بيننا نقول له: أنت مخلوق، فإن قال: لا، أنا غير مخلوق، قلنا: أخرجوه، فهذا مجنون! وإن قال: أنا مخلوق؛ قلنا: من خلقك؟ هل جبال الألب أو البحر الأسود تتفنن في وجودك هكذا وفي سمعك وبصرك وعقلك ولسانك ومنطقك؟هذا الخالق لا بد أن يكون ذا علم وقدرة لا يعجزها شيء، فقل: آمنت بالله خير لك.

تفسير قوله تعالى: (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)


وأخيراً جاء الطبع والختم: وَاتَّقُوا يَوْمًا [البقرة:281] عظيماً يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281] يقال: فلان مات، رجع إلى ربه، أول خطوة هي القبر، وتتم محنة فيه من أعجب المحن وفتنة لا تقابل بفتنة أبداً، ثم يلي المشكلة إما نزول إلى أسفل سافلين وإما علو إلى عليين، وتبقى النفس مرهونة فقط إلى أن تنتهي هذه الدورة، وهي أوشكت على نهايتها، شاخت الدنيا وشابت، وحينئذ يقع الزلزال العام وتتحلل الكائنات كلها وتعود سديماً وبخاراً كما كانت، ثم يعيد الله عز وجل الحياة لتخلد وتبقى، امتحن الكون وأهله فترة من الزمان ثم استقر في ملكوته، أهل الجنة في جواره يكشف الحجاب عن وجهه الكريم ويسلم عليهم فيسعدون سعادة لا يعرفون الشقاء بعدها أبداً: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:55-58]. ‏

وقفة مع نعيم أهل الجنة

وهنا نعيد هذا البيان من سورة يس الذي تقرءونه على الموتى وتحرمون الأحياء منه، مضت أربعمائة سنة أو ستمائة سنة والمسلمون لا يقرءون القرآن إلا على الموتى، هل الميت ينهض ويقوم ليغتسل من جنابة ويصلي ويعترف بحقوق الناس ويردها؟ أما الأحياء فلا يقرءون عليهم القرآن أبداً، يقرءونه على الموتى. إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ [يس:55] ما هذا الشغل؟ هل يبنون يحرثون يخيطون الثياب يطبخون الطعام؟ ما هذا الشغل؟ قال العلماء: إنه افتضاض الأبكار، الله أكبر، بشراكم أيها الفحول! إنه افتضاض الأبكار، والبكر هي التي ما تزوجت. إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:55-58] قول لا بالكتابة أو بواسطة الملك، مباشرة يكشف الحجاب عن وجهه الكريم ويسلم عليهم فتغمرهم فرحة وسعادة لم يعرفوا لها معنى أبداً قبل ذلك.

استحقاق الجنة بزكاة الأنفس وطهارة الأرواح

فمن هؤلاء؟ هل هم البيض؟ هل هم بنو هاشم؟ من هؤلاء؟ أصحاب النفوس الزكية والأرواح الطيبة الطاهرة، والله العظيم! لهؤلاء هم أهل هذا النعيم؛ لأن الله عز وجل أصدر حكمه وأعلمنا أنه إذا أصدر حكماً لا يعقب على حكمه ولا استثناء ولا مراجعة أبداً؛ لعظيم علمه وحكمته وإرادته. اسمع هذا الحكم الصادر عليك وأنت غافل، يقول تعالى بعد أيمان مغلظة: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8] كم قسماً هنا؟ أحد عشر قسماً من أجل هذا الحكم الصادر على البشرية العمياء التائهة في متاهات الحياة: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] فمن يعقب على الله؟ قد أفلح من زكى نفسه وقد خاب من دسى نفسه. أفلح بماذا؟ هل في تجارته؟ في مصنعه الجديد؟ الفلاح حقيقته أن تبعد عن عالم الشقاء وتدخل دار السلام والنعيم المقيم أبداً، وبينه تعالى بنفسه ما تركه للناس؛ إذ قال -وقوله الحق- من سورة آل عمران: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185].

مواد زكاة النفس وتطهير الروح

قد تقول: يا شيخ! ما هي المواد التي نزكي بها أنفسنا يرحمك الله؟ هل الصابون (تايت)، أم العطور (الكلونيا)؟ هل هذه تزكي النفس؟ هل الأغاني وأصوات العواهر والماجنين تزكي النفس؟ بم نزكي أنفسنا؟ دلونا يرحمكم الله، ما هي المواد التي تزكي النفس؟ الجواب: النفس تزكى بما وضع لها من أقوال وأعمال واعتقادات، هذا الذي قلنا: إنه به يتقى الله، كلمة لا إله إلا الله هذه أكثر من طن من الصابون لتغسل بها جسمك، إذا قلتها مؤمناً موقناً تحولها إلى كتلة من النور، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، تحولها إلى أطيب من الطيب وأطهر من الطهر، كما أن كلمة الكفر تحيلها إلى مزبلة منتنة لا تطاق روائحها. فالعليم الحكيم شرع من العبادات بالأقوال والأفعال ما شرع لتزكية النفس وتطهيرها، وما حرمه من ذلك فلأنه يدسي النفس ويخبثها ويعفنها، فبفعل الإيمان والعمل الصالح تزكو النفس البشرية، وعلى الشرك والفسق والفجور تدسى وتخبث النفس البشرية. هذه هي الحقيقة، فهل عرفها المسلمون؟ ما عرفوها، ما يسمعون بهذا الكلام أبداً، لو سمعوا هذا لما كان يقتل بعضهم بعضاً، ولما كان يزني بعضهم بنساء بعض، ولما كان يسرق بعضهم أموال البعض، ولما تكبر بعضهم على بعض، وقل ما شئت؛ فكل الأمراض والأسقام والعلل هي ثمرة الجهل بالله وبمحابه ومساخطه، وكلمة واحدة تبين لك الطريق: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]. في قريتك ذات الألف ساكن اعلم وفتش فستجد أن أعلمهم بالله أتقاهم له، أقلهم جريمة وكذباً وسرقة، فهيا نتعلم. فإن قيل: ما نستطيع، قلت: أما نستطيع أن نجمع نساءنا وأطفالنا في بيت ربنا؟ في الحي الذي نسكن فيه أو في القرية؟ ونتعلم الكتاب والحكمة؟ لم ما نستطيع؟نعم في أوقات معينة عند إثارة الفتن الحكومات توقف هذا التيار، لكن سينتهي، وكان غير موجود قروناً وأبينا أن نتعلم.فهيا نتلو الآية مرة أخيرة نسمع هذا البيان الإلهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [البقرة:278] إن بقي عندكم، والحمد لله فليس عندنا، ما انغمسنا فيه ولا هو عندنا، لكن إن كان واحد منا فربنا تعالى يقول: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:278-279] وأصررتم وتكبرتم فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:279-280].وأخيراً: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281]. فالطريق يا أبناء الإسلام للنجاة أن نعود إلى كتاب الله وسنة رسول الله، نغتنم أوقات الفراغ، لا نوقف مصنعاً ولا مزرعة ولا متجراً، فقط من المغرب إلى العشاء في صدق نتعلم الكتاب والحكمة على هذا المنظر الذي تنظرون إليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 16-08-2020, 03:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (39)
الحلقة (46)




تفسير سورة البقرة (134)


حرم الله عز وجل الربا وأحل لعباده عوضاً عن ذلك البيع، ومن أنواع البيع التي أحلها بيع السّلم، وقد بين عز وجل لعباده أنه يلزمهم عند التبايع بهذا النوع وغيره كتابة تفاصيل العقد، مع بيان وقت تسليم قيمة المبيع ومقداره، وما يلزم كاتب هذا العقد من العدل وعدم الحيف، وعدم تقديم مصلحة طرف من الأطراف على الآخر، ومع كتابة عقد الاتفاق يلزم أيضاً وجود شاهدين عدلين يشهدان على ما فيه، وهذا التوجيه يلزم كل كبير وصغير، ويلزم الجميع تطبيقه والعمل بتعاليمه، وهو أمر الله عز وجل لعباده المتقين.

تفسير آية الدين

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. وها نحن قد انتهى بنا الدرس من سورة البقرة إلى أطول آية في كتاب الله، أطول آية في كتاب الله هي آية الدين، أو آية كتابة السَّلَم، فهيا نتلوها أولاً تبركاً بها وتقرباً إلى منزلها، ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282].لو يجتمع البشر كلهم من ذوي العقول والأفكار وخريجي علم الاجتماع والسياسة فوالله! ما استطاعوا أن يأتوا بمثل هذه الآية، ولا تمكنوا حتى من مشابهتها، هذه الآية نزلت على رجل أمي لا يعرف الألف ولا الباء، لا يكتب ولا يقرأ، ما جلس بين يدي مرب قط، كيف يأتي بهذه العلوم والمعارف؟ والله لن يكون إلا رسول الله.

ظهور فضيلة الإيمان بنداء المؤمنين

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:282] هذا نداء، فمن المنادي؟ الله جل جلاله، ومن المنادون؟ نحن المؤمنين، فالحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله أن رب السماوات والأرض رب العالمين ينادينا، الحمد لله، أما تفرحون بهذا؟ هل يدخل في هذا النداء مجوسي كافر أو يهودي أو صليبي مشرك؟ لا والله، ما هم بأهل لأن يناديهم الرحمن عز وجل. هذه هي فضيلة الإيمان، ولعلكم ما نسيتم أن الإيمان بمثابة الروح للحياة، فالمؤمن حي والكافر ميت، والبرهنة القاطعة أننا لا نكلف يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً تحت رايتنا بأن يصوم رمضان أبداً، ولا نكلفه بصلاة ولا زكاة،لم؟ لأنه ميت، وهل الميت يكلف؟ هل يفعل إذا كلم؟ لا. فإذا نفخنا فيه الروح بإذن الله وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ صار حياً، فقل له: اغتسل وتقدم إلى بيت الرب لتناجيه وتعبده؛ فإنه سيفعل، أما وهو ميت فهل نكلف الموتى؟

معنى قوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)

نادانا ربنا تعالى ليقول لنا: إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ [البقرة:282] أي داين بعضكم بعضاً، وكلمة (بدين) لطيفة هنا، تداينتم من المداينة، حتى المضاربة. قال تعالى: إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282] يقول الحبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: هذه الآية نزلت في بيع السلم. وهو كذلك إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن هذا كتاب للبشرية إلى يوم القيامة، ما هو كتاب حادثة وانتهت. وما هو بيع السلم أو السلف؟ كان أهل المدينة النبوية التي كانت تسمى في الجاهلية بيثرب ذات السبخة والنخيل، كانوا يسلفون ويسلمون، مثلاً: أنا عندي بستان في قباء واحتجت إلى نقد من دراهم أو دنانير، فآتي إليك وأقول لك: أبيعك خمسين قنطاراً من العجوة أو البرني أو الصفاوي؛ إذ لا بد من تحديد العين، فتدفع لي القيمة على أساس أن القنطار بمائة دينار، وإذا جاء وقت الجذاذ أقدم لك الخمسين قنطار كما اتفقنا، هذه المعاملة فيها نوع من الغرر، قد يموت البائع أو المشتري ويحصل التباس، قد لا توجد هذه السلعة، قد يفسد الثمر وهو على رءوس النخل، ولكن لرحمة الله عز وجل بالمؤمنين وببركة نبيهم الجليل بينهم أذن الله لهم في هذا؛ لعلم الله تعالى بضعفهم وحاجتهم، فأذن لهم في بيع السلم. فالحصاد ما زال بعد ستة أشهر وتقول: أي فلان! أبيعك خمسين قنطاراً من البر أو القمح أقدمها لك بعد ستة أشهر في منزلك أو في دكانك، يقول: بكم؟ فيتفقان في السعر قطعاً، إذا كان السعر يساوي الآن عشرين فسوف يرفعه، فقد يطرأ عليه طارئ فيصبح أغلى من هذا، فيحتاط لنفسه ويقول: بعناك بخمسة وعشرين مثلاً. ويأخذ النقود فيشتري بها أبقاراً أو يسافر بها أو يبني أو ينفق على أهله حتى يأتي وقت الحصاد فيأتيه بذلك البر الذي اشتراه منه، هذا هو بيع السلم، فيه رخصة من الله رحمة بالمؤمنين، وإلا فالبيع يكون بأن تكون السلعة أمامك فتعطي ثمنها وتأخذ البضاعة، لا حتى تأتيك يوم كذا، لكن من رحمة الله بالمؤمنين وببركة نبيهم بينهم رحم الله ضعفهم وأذن لهم بهذا السلم.


وجوب تسمية الآجال وبيان حكمة مشروعية كتابة الدين

فاسمع الآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282]، لا بد من تحديد الوقت، لا تقل: في الصيف. أي صيف هذا؟! لا بد أن تذكر الوقت المسمى بالشهر المعين، إذاً: إِلَى أَجَلٍ [البقرة:282]، الأجل هو الوقت، فنحن لنا آجال أم لا؟ لنا أوقات. فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] هذا فرض: إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] وجوباً.قال إمام المفسرين: الأمر هنا للوجوب، لم؟ حتى لا يتنازع المؤمنون، حتى لا يكون هذا البيع سبباً لبغضائهم ولعداوتهم ولكره بعضهم بعضاً وهم أمة واحدة كرجل واحد يحملون راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فكل ما من شأنه أن يفرقهم وأن يشتتهم وأن يوجد البغضاء بينهم حرام لا يجوز. وهذه كررناها، فهل من واع؟ تستطيع أن تعرف المعاملات التجارية بهذه النظرية، كل ما من شأنه أن يسبب خلافاً أو عداوة أو بغضاء بين المؤمنين فهو حرام، لأنهم كجسم واحد يحملون راية واحدة ينشرون الإسلام والهدى في العالم، فلا يحل -إذاً- اختلافهم ولا قتالهم ولا كل عمل من شأنه أو يوجد عداوة أو بغضاء بينهم. وكيف حال العالم الإسلامي اليوم؟ هل هم متحابون متوادون متفقون متعانقون؟ لا والله، إذاً: هبطت راية لا إله إلا الله ومزقوها، ما سبب هذا؟ العدو نشر بينهم الفرقة والخلاف، فجعل مذهبهم مذاهب، وأخيراً الاستعمار قسمهم تقسيماً، والآن صاروا ثلاثاً وأربعين دولة. ولم يصح المسلمون، ما بلغنا إلا هذه الصحوة، وأية صحوة هذه؟ ما رأينا لها آثاراً، أية إفاقة هذه؟ لنترك هذا لله ولنواصل دراسة كتاب الله؛ لنخرج من هذه الآية بنور ينفعنا.

معنى قوله تعالى: (وليكتب بينكم كاتب بالعدل)

قال تعالى: فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] فعرفنا وجوب الكتابة، ثم قال تعالى: وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ [البقرة:282] يكتب بينكم كاتب بالعدل، لا يميل ولا يحيف ولا ينظر إلى وجه هذا وعيني هذا فيزيد أو ينقص أو يقدم أو يؤخر، بل بالعدل. فإذا كنت تكتب في دين بين اثنين فلا تلفت إلى قرابة ولا صداقة، أقم العدل كما أمرك الله، والعدل ضد الحيف والانحراف والسقوط، هو الاعتدال.

معنى قوله تعالى: (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله)

وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ [البقرة:282] ولا يرفض كاتب أن يكتب، ولا يمتنع كاتب أن يكتب، إذا ما وجدناك إلا أنت يا عبد الله فيجب أن تكتب، ولا تقل: أنا مشغول. ما دام قد احتاج إليك المؤمنون لكتابة عقد بينهم فينبغي أن تكتب، وإياك أن ترفض.فـ(لا يأب) معناه: لا يرفض، وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ [البقرة:282] تكتب كما علمك الله، وهذه لطيفة، فأنت ما كنت تعرف الكتابة، ولا تعرف الباء ولا الألف، فمن علمك؟ الله. هل كائن غير الله يعلم؟ علمك الله، إذاً: رد إليه ما أعطاك، يأتي عباده المؤمنون يطلبونك فاذكر نعمة الله عليك واستح من الله واكتب بينهم. وفيها معنى: ألا يحيف ولا يجور ولا يقدم ولا يؤخر، بل بالعدل في الكتابة، وفيها معنى: أن يذكر هبة الله عليه.وهذا ينبغي أن نلاحظه في كل شئون حياتنا، أنت كنت تمشي على رجليك من بيتك إلى المسجد، ورزقك الله دابة تمشي بالنار أو بالماء، فإذا رآك مؤمن فقال: أركبني فأركبه، اذكر نعمة الله عليك، بهذا تنتظم حياتنا كلها، النعم التي أنعم الله بها علينا يجب ألا ننساها، وهذه الجملة من هذه الآية عجب، كما علمه الله يكتب، كما أعطاك الله فأعط، كما أقدرك الله أقدر، ولكن أهل الغفلة ما يعرفون هذا، أما الذاكرون فيشعرون بهذه، لأن أحاسيسهم فوق العادة مرهفة؛ لأنهم دائماً مع الله بقلوبهم وأبدانهم.

معنى قوله تعالى: (وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً)

وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ [البقرة:282] ثم قال تعالى: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ [البقرة:282]. أنا الكاتب والقلم بيدي والقرطاس بين يدي، وأنتما اثنان تبايعتما، فمن يملي علي؟ الذي اشترى أو الذي باع؟ الذي اشترى هو الذي يملي؛ حتى يعترف بأنه اشترى خمسة قناطير أو سبعين قنطاراً، بخلاف البائع، فإذا قلنا له: أمل أنت فقد يقول: بعناه مائة قنطار، اكتب مائة وخمسين! وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ [البقرة:282] هو الذي يملل ويمل، وبالفك: يملل، أمل وأملى بمعنى واحد. وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ [البقرة:282] وليخف الله حتى لا يزيد ولا ينقص ولا يقدم ولا يؤخر، أو يغش في صفة من صفات هذه الدين. وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا [البقرة:282] معنى يبخس: ينقص، بخسه أو نقصه، فلا ينقص من ذلك الحق أدنى شيء، يكتبه كاملاً وافياً غير منقوص. وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا [البقرة:282] هذا الذي يملي، والكاتب كذلك.

معنى قوله تعالى: (فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل)

قال: فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ [البقرة:282] فكيف نفعل؟ الذي عليه الحق سفيه ما يحسن التصرف في المال، فهذا لا يملي، أو كان ضعيفاً أبكم ما ينطق، أو مريضاً ملازماً للفراش، أو لا يستطيع ولا يقدر أن يمل، فمن يملي؟ قال تعالى: فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [البقرة:282] الذي يتولى أمره من عم أو أب أو قريب أو بعيد هو الذي يملي. فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [البقرة:282] وكلمة العدل عليها قام أمر السماء والأرض، العدل عليه قام أمر السماء والأرض، والله! لو تنحرف الشمس في فلكها أدنى شبر لخرب العالم، قائمة بالعدل، كل الكواكب في أفلاكها لو تنحرف يخرب العالم، أمر السماء والأرض قام بالعدل، فإذا انعدم العدل هبطت الأمة، فلهذا يعدل الرجل بين نسائه، يعدل بين أولاده، يعدل في حكمه، يعدل في قوله، إذا قال لا يحيف بكلمة ولا يجور بها: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152]. وما أصبح العالم الإسلامي اليوم يشعر بشيء اسمه العدل، إلا من رحم الله عز وجل، العدل حتى في المشي، فإذا مشيت فامش في عدل ولا تتمايل.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 16-08-2020, 03:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم)

ثم قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282] الكتابة ضرورية، والإشهاد عليها ضروري أيضاً، الكتابة وحدها ما تكفي، ففي الإمكان أن تنكر، لكن إذا كان عليها شاهدان شهداها، ووضعا ختمهما عليها فما يستطيع أحد أن ينكر، لا بد من الشاهدين على الكتابة، وليس شرطاً أن يكون هذا الصك بمليون ريال، بل ولو كان ألف ريال، ولو كان مائة ريال، صغيراً أو كبيراً كما سيأتي.قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282] أي: اطلبوا شهيدين، فالهمزة والسين والتاء أحرف استفعال بمعنى الطلب، ابحث عمن يشهد من إخوانك.

معنى قوله تعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)

فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ [البقرة:282] ما وجدنا من الشهود رجلين، وجدنا رجلاً واحداً، والرجال سافروا أو في غزو، ونحن اضطررنا لأن نكتب هذه الصك وهذا السند، قال تعالى: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282] الرجل موجود، والثاني غير موجود، إذاً: نأتي بامرأتين من الصالحات المؤمنات القانتات تشهدان، فشهادتهما تعدل شهادة الرجل الذي انعدم وما وجدناه.وإذا ما وجدنا المرأتين ووجدنا الشاهد فحسب فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بيمين وشاهد، هذا في باب القضاء والتحاكم، أما الآن فإما رجلان أو رجل وامرأتان أو أربع نسوة، وأما الكاتب فإن كان غير صاحب الحق؛ فإنه يكتب لهما ويتخذانه شاهداً يشهد. والشاهد عندنا: أنه إن لم يكن الشهداء رجلين وإنما وجد رجل واحد فيقوم مقام الرجل الثاني امرأتان، فتشهدان ويمضي البيع: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282] كل جملة لها مفعولها، ممن ترضون، لا بد أن يكون الشهود صالحين عدولاً بررة أتقياء، أما تاجر يتعاطى الخمر ويتعاطى الجريمة فما تصلح شهادته. وحد العدل عند أهل العلم: الرجل الذي يجتنب الكبائر كلها، ما يعرف كبيرة من كبائر الذنوب، ويتجنب الإصرار على الصغائر أيضاً، هذا هو العدل. أما من عرف بجريمة من الجرائم فلا يستشهد ولا تقبل شهادته، ولما هبطنا بلغنا أن بعض الصعاليك يجلسون حول المحكمة يلعبون الكيرم أو الورق، وإذا احتاج إليهم واحد من المحكمة قال: تعال لتشهد بعشرة ريال أو خمسين ريالاً، ويدخل ويشهد معه، وهذا وجد في العالم الإسلامي، ولا غرابة ولا عجب، فما عرفوا الله حتى يخافوه.


معنى قوله تعالى: (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)

قال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ [البقرة:282] إذاً فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ [البقرة:282] مخافة أو كراهة أن تضل إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]؛ لأن المرأة بطبعها الذي طبعها الله عليه ضعيفة في إرادتها وفي عقلها، كثيراً ما يسري إليها النسيان وتنسى. فالذي يقول: المرأة والرجل سواء عندنا نحن كفر وخرج من الإسلام، والذي يقول: يجب أن تتفوق فوالله! لا حظ له في الإسلام، يقول تعالى في امرأة لوط ونوح: كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ [التحريم:10] ما معنى (كانتا تحت عبدين)؟ هل يعني أنهما مساويتان لهما، أو فوقهما؟ إذاً: فالذي يقول: المساواة؛ هذا كاليهودي وكالنصراني، بل اليهود والنصارى كانوا يستحون من هذا، لكنه عمل البلشفة الحمراء واللادينيين الذين حلموا بهذا الحلم: المساواة، فهل أنت رب الناس؟ هل أنت الخالق؟ أما تستحي إذاً؟ ما خلقت أنت ولا رزقت ولا دبرت الكون، وخالقهم فضل هذا على هذا، فتقول: أنت يا رب ما تعرف! فهل هذا يبقى مسلماً؟ هل يدخل في رحمة الله؟! ويتبجح الغافلون والمقلدون والعميان الذين لا بصائر لهم، ويطالبون بالمساواة وحرية المرأة، فكما أن الرجل يعهر ويفجر فلها حق هي أن تعهر وتفجر، أهذا دين؟!قال تعالى: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282] لم يا رب؟! أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا [البقرة:282] تنسى، أو تخطئ لصغر عقلها وطاقة فهومها؛ فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282] حين تكونان اثنتين إذا نسيت الأولى فالثانية تذكرها: أما تذكرين كذا وكذا؟ فيثبت الحق لأهله، ولا تضيع حقوق الناس.

معنى قوله تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا)

ثم قال تعالى: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة:282]، إذا استدعاك القاضي وقال: هل أنت شهدت البيع الفلاني؟ فتعال لتشهد، يجب أن تأتي، لا ترفض فتقول: أنا لا أشهد! إخوانك يكتبون كتاباً، فقالوا: تعال اشهد معنا، وأنت مؤمن تقي، فتقول: سامحوني، فلن أشهد؟! وأذكر أني عوقبت بهذه؛ فقد كنت في دكان عند المحكمة، فجاءتني امرأة فقالت: قم يا شيخ لتشهد معي، فأنا تضايقت وكرهت أن أشهد وما أعرفها، فاعتذرت وامتنعت، فقالت: إذاً: والله! لأدخلنك المحكمة بنفسها، وتمضي الأيام، وزوجها من البهاليل، فكان يزورني في البيت ويطلعني على خفايا أمره، ثم مات، فقالت: إن الشيخ الفلاني عنده مال زوجي، وهو مدخر عنده، وفجأة يجيء العسكري فيقول: القاضي يريدك في المحكمة! فحضرت المرة الأولى فما نجحت، وشاء الله ذلك، ولو جاءت بشاهد آخر علي لكانت تأخذني، لكن الله صرفها صرفاً كاملاً، إذاً: فلم يبق إلا أني حلفت بالله الذي لا إله غيره ما ترك عندي فلان شيئاً، فصدر الحكم بإلغاء شكواها. أرأيتم كيف عوقبت؟ لأنني ما شهدت لها، والله يقول: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة:282] احضر، وأد شهادتك، فالحمد لله؛ أرانا الله مصداق آياته.

معنى قوله تعالى: (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا)

قال تعالى: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ [البقرة:282] لا تقل: هذه ألف ريال ما هي بذات قيمة، أو خمسة آلاف ما هي بشيء، فلا نشهد ولا نكتب، وَلا تَسْأَمُوا [البقرة:282] لا تملوا ولا تضجروا أن تتركوا الكتابة إلى أجل وإن كان المبلغ ما هو بشيء، لأن المبلغ وإن كان ما هو بشيء فإنه إن أنكرك أخوك أو جحدك تبغضه فتحدث الفتنة، فلهذا كما سمعتم توجيه الله عز وجل، يقول تعالى: وَلا تَسْأَمُوا [البقرة:282] والسآمة: الملل والإعياء وعدم الرغبة، أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا [البقرة:282] لا تقل: هذا شيء تافه ما نكتبه، بل اكتب، واكتبوه إلى أجله، حددوا الآجال.ثم يقول تعالى: ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:282] ذلكم الذي علمتم من الكتابة والإشهاد أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا [البقرة:282] لا إله إلا الله! هذا كلام الله، ذلك الذي سمعتم أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:282] يعني: أكثر قسطاً وعدلاً، وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ [البقرة:282] حتى لا يظلم صاحبها أو يضيع حقه، وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا [البقرة:282] أقرب ألا تشكوا، فالكتابة وحدها ما تكفي، فلا بد من الإشهاد، كتبتم الصك فأشهدوا من عدولكم رجلين، وإذا ما وجدتم إلا رجلاً واحداً فأضيفوا إليه امرأتين من نسائكم.

معنى قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها)

ثم قال تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا [البقرة:282] الذي يبيع التمر والبر في بقالة، تشتري منه مثلاً عشرة كيلو، خمسة كيلو، أو جزار تشتري منه مثلاً خمسة كيلو لحم، وتقول: سآتيك بالمبلغ بعد أسبوع؛ فهذا ما يحتاج إلى كتابة؛ لأن الأصل: خذ وهات. فإن اضطر أخوك إلى أن أجلته يومين أو ثلاثة أو أسبوعاً فما هناك حاجة إلى كتابة؛ لأن هذه التجارة حاضرة، ونحن كنا نتكلم عن بيع السلم.إذاً: في هذه الحالة إذا كانت تجارة مدارة: خذ وأعط، كحال الدكاكين، فلو فرضنا أنه استلف منك كذا؛ فإذا ما كتبتم فلا شيء فيه: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا [البقرة:282] لا إثم عليكم في عدم الكتابة، ولا مضايقة ولا إرهاق وإتعاب، هذا ما هو في بيع المنازل والدور والسيارات، هذا في البصل والثوم والسكر والزيت، هذه تجارة حاضرة، فهذه إذا ما كتبتم فيها فلا شيء عليكما، أما ما كان من إبل وبقر وغنم مثلاً وبساتين ودور، وسيارات؛ فحين تبيع سيارة وما تكتب الدين ولا تشهد؛ فإنها تضيع.

معنى قوله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم)

ثم قال تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة:282] هذا -كما قلنا- في المنازل والبساتين وأنواع الإبل والسيارات؛ هذه الأموال، فالآن إذا باع إنسان لآخر سيارة -مثلاً- إلى أجل ألا يكتب؟ يجب أن يكتب ويشهد: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة:282] أي: باع بعضكم لبعض.

معنى قوله تعالى: (ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم)

وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282] لنتأمل هذه الفقرة، أي: لا يضر أحدكم الكاتب ولا الشهيد، مثلاً: نحن الآن في المدينة بين المغرب والعشاء، لكن بعدما نصلي العشاء وننام هل يجوز أن تقول: تعال يا فلان لتكتب لي أو لتشهد لي؟ أضررت به أم لا؟ أقمته من نومه، اترك هذا إلى غد، كيف توقظه؟ أو شهد معك في المحكمة، وحصل خلاف بينك وبين الخصم في أبيار علي، فتقول للشاهد: تعال عندنا إلى أبيار علي، وهو عاجز أو مريض ما يستطيع أن يمشي، فهل أضررت به أم لا؟ أو أن فلاناً معروف أنه كاتب في القرية، فتأخذه إلى قرية أخرى ليكتب لك؟ أما أضررت به؟ فسبحان الله العظيم! بين الله تعالى كل جزئيات هذه القضية! وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282]، فالذي يكتب لك لا تكلفه ما لا يطيق، تأتي به في نصف الليل، أو في وقت برده شديد، انظر إلى الوقت المناسب له، والشهيد كذلك، لا تقل: تعال لتشهد معنا، وتمشي به خمسين كيلو؟! آذيته، فلا بد أن يكون الكاتب الذي كتب والشاهد الذي شهد أن يكون ذلك ميسوراً سهلاً عليهما، ما فيه ما يكلفهما عناء أو مشقة أو فقد مال مثلاً.لا تفهم أنه بما أن الله أمرنا أن نشهد وأن نكتب ففي هذه الحال نلزم كل واحد أن يكتب لنا ويشهد، ونكلفه ما فيه مشقة عليه، عجب هذا الكلام الإلهي! وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ [البقرة:282] إن أضررتم بالكتاب أو بالشهود فهذا فسق منكم وخروج عن طاعة الله ورسوله. وما المراد بالفسوق؟ هل هو الخروج عن الأدب؟ عن اللياقة؟ الفسوق: هو ترك أمر الله أو انتهاك ما حرم الله.فإبليس فسق عن أمر ربه، أبى أن يسجد لآدم فقط، ما ترك صلاة ولا صياماً، بل قال له: اسجد فقال: لن أسجد، أنا أفضل منه، وتكبر، قال تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50] فكل من ترك واجباً وهو يعلمه وقادر على فعله يقال فيه: فسق، أي: خرج عن الطاعة. والفسق مأخوذ من قولهم: فسقت الفأرة: إذا خرجت من جحرها، ولذا تسمى الفويسقة، تأتي في الليل وتحرق عليهم المنزل، أيام كانوا يستصبحون بالفوانيس، تأتي على الفانوس فتحترق، وحين تشعل فيها النار تدخل بين النائمين في فرشهم فتحرق عليهم الفراش، فلهذا سماها النبي صلى الله عليه وسلم بالفويسقة، فهي تأتي على الفانوس، وحين تشتعل في شعرها النار ماذا تصنع؟ تبحث عن النائمين فتدخل بينهم، فالفسق: الخروج عن طاعة الله ورسوله عن عمد وعلم.

معنى قوله تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم)

ثم قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:282] هذا خطاب لنا، اتقوا الله في هذه التعاليم، ما كان أمراً فأنجزوه، وما كان نهياً فاجتنبوه، وما كان رغيبة فارغبوا فيها وافعلوها، وما كان مكروهاً فاكرهوه وتباعدوا عنه، بذلك تتم لكم تقوى الله عز وجل، واتقوا الله في هذه التعاليم، احفظوها، افهموها، طبقوها، امشوا عليها، علموها، بهذا تحصل لنا تقوى الله عز وجل. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] أخذ منا وأعطانا، أخذ وعطاء، اتقوا الله ويعلمكم الله، والله! ما اتقى الله عبد إلا علمه، وعدنا إلى تلك القضية، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً إلا علمه، والله يقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282]؛ لأنه إذا أراد الله أن يتخذك ولياً له فإنه يعلمك، أنت أحببته ورغبت فيما عنده وخفته ورهبته، فأصبحت تطلب معرفته ومعرفة محابه ومساخطه، وتفعل المحبوب، وتتخلى عن المكروه، يوماً بعد يوم ستبلغ مستوى الولاية وتصبح تقياً ولياً لله تعالى.فاتقوا الله ويعلمكم الله، فما تنسونه أو تجهلونه أو يُحدث لكم تعباً أو يحدث لكم سوءاً، فالله يعلمكم.

التصرف العسكري لخالد بن الوليد أنموذج لنور التقوى

وهذه أيضاً كالآية التي تحمل لنا الفرقان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، فما الفرقان هذا؟ طاقة أكبر من هذه الطاقات الكهربائية، نور في القلب، ما إن تنظر حتى تميز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين السيء والصالح، وبين الضار والنافع، بهذا النور الذي أنتجته لك طاعة الله وطاعة رسوله.وضربنا لهذا أمثلة: كـخالد بن الوليد ، ولم تكتحل عين الدنيا بقائد عسكري يقود الجيوش كما قادها خالد بن الوليد ، حتى كفار الشرق والغرب كانوا يتمثلون حياته ويعرفونها، خالد بن الوليد سيف الله في أرضه، في وقعة مؤتة كان المسلمون فيها ثلاثة آلاف، خرجوا من المدينة يقودهم زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه جعفر ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثلاثة آلاف واجهوا مائتي ألف، ما هناك مدافع ولا صواريخ، بل وجهاً لوجه بالرماح والسيوف، ثلاثة آلاف مع مائتي ألف! واستشهد القادة واحداً بعد واحد، فتولى خالد القيادة، فاستل تلك البقية من ثلاثة آلاف استلال الشعرة من العجين.فخالد بن الوليد كيف حصل على هذا العلم؟ في أي كلية حربية درس؟ من هم أساتذته؟ ما هو إلا تقوى الله عز وجل، اتقى الله فيما أسند إليه، فيما أمر به، فأداه على الوجه المطلوب كما يحبه ربه الذي أمره به، فأوتي هذا الفرقان، فأصبح يعرف القتال وكيف ينتصر فيه على أعدائه.فاتق الله، فإن فعلت فوالله! لن تخلو من هذا الفرقان، وستصبح تميز في بيتك ومع إخوانك النافع من الضار؛ نتيجة تقوى الله. وهل تقوى الله تتم بدون علم؟ مستحيل! لا بد أن تعرف الله عز وجل بأسمائه وصفاته، بآياته في الكون والكتاب، فيصبح قلبك مملوءاً بحبه والخوف منه، ثم تعرف ما يحب من الكلام من القول، من العمل، من النيات، من الاعتقادات، من الصفات، من الذوات، فتعرف ذلك وتصبح تحب ما يحبه، وتكره ما يكره، وتفعل المحبوب وتكره المكروه، وشيئاً بعد شيء تتم لك ولاية الله، وتصبح ولي الله، فلو سألته أن يزيل الجبال لأزالها.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 310.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 304.13 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]