موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشوره - الصفحة 32 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836806 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379363 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191145 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 660 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 945 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1094 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 837 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #311  
قديم 10-04-2008, 08:59 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

الطب ومكانته في التشريع الإسلامي

بقلم الدكتور محمد نزار الدقر
إنه لمن نافلة أن العلوم الكونية ومنها العلوم الطبية لا تدخل بشكل مباشر في مهمات الرسالات السماوية، فإن تطوير هذه العلوم وترقيتها متروك للجهد البشري وأبحاث العلماء. إلا أن الدين الحنيف على العلوم الطبية بالتوجيه الرباني والإشراف النبوي حتى تستخدم لصالح الإنسانية.
وتعود أهمية الطب لحاجة الناس إليه، فهو الذي يحفظ البدن ويدفع عنه غوائل المرض وأنواع السقم. وفي هذا يقول الإمام الشافعي: (صنعتان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم والأطباء لأبدانهم) وليس غريباً أن يعنى الإسلام بأسس الصحة العامة وسبل الوقاية من الأمراض بصورة عامة، ذلك أن المسلم إذا كان قوياً صحيح البنية، كان أقدر على القيام بالواجبات المترتبة عليه، سواء تجاه ربه، أو تجاه نقسه وأسرته ووطنه، وبكلمة أخرى كان أقدر على القيام بالمهمة التي أوكله الله بها من إعمار الأرض وجعله خليفة فيها. قال تعالى: (هو أنشأكم من الأرض وأستعمركم فيها).
ومن هنا كانت أمور الطب الوقائي ووضع أسس الحفاظ على الصحة العامة ووضع التشريعات للممارسة الطبية الصحيحة هي من واجبات الدولة من منظار شريعتنا الغراء. لا بل نزلت النصوص القرآنية المحكمة، والتي جاءت كقواعد صحية عامة، وكانت بمثابة مواد دستورية في هذا الشأن:
قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة: 195
وقال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء: 29
وقال جل شأنه: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة 222.
ثم جاءت النصوص النبوية لتوضح هذه القواعد علماً وتطبيقاً ولتجعل من المحافظة على صحة البدن وقوته وحياته أمراً شرعياً: يقول النبيe:(إن لجسدك عليك حقاً) رواه البخاري. ويقول e: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم.
وتدل النصوص النبوية أن الإسلام جعل للصحة والعافية المقام الأول بعد اليقين بالله: يقول المصطفى e(سلوا الله المعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من المعافاة)رواه ابن ماجه.
ويقولe: (سلوا الله العفو والعافية فما أوتي أحد بعد يقين خيراً من معافاة)رواه مالنسائي. وقال e: (ما سئل الله شيئاً أحب من العافية)رواه الترمذي.
وقد روى الترمذي بسند حسن أن رجلاً قال: اللهم إني أسألك الصبر، فقل له النبيe: (سألتالله البلاء فاسأله العافية)وقالe(يا أيهاالناس إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيراً من اليقين والمعافاة فسلوها الله عز وجل) رواه أحمد بإسناد حسن.
وقال عليه الصلاة والسلام: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري.
ويجعل علماء العقيدة من (حفظ النفس) المقصد الثاني من مقاصد الشريعة الإسلامية بعد حفظ الدين، وفي هذا يقول الإمام الباجوري في متن جوهرة التوحيد:
وحفظ دين، ثم نفس، مال نسب ومثلها عقل وعرض، قد وجب.
ويؤكد هذا المعنى الإمام الشاطبي في الموافقات: الشريعة وضعت المحافظة على الضرورات تتصل بوجوب المحافظة على صحة البدن، ألا وهي النفس والعرض والعقل.
وإذا كان الإسلام قد أوجب المحافظة على النفس والعقل، أو ليست هذه غاية الطب، يقول العز بن عبد السلام: (الطب كالشرع وضع لجلب مصالح وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد الأعصاب والأسقام) ويقول الإمام الشافعي: (لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب).
والإسلام دين الفطرة، وله السبق نسبة للتشريعات الوضعية في مجال الرعاية الصحية.
وحفظ الصحة أم نلحظه بين فقرات كثيرة من التشريعات الإسلامية والتي نجدها مبثوثة في كتب والفقه والآداب الإسلامية وفي أمور الحلال والحرام، وحتى العبادات المحضة التي نؤديها شك طاعة لله سبحانه وتعالى: نجد حفظ الصحة في أس بنائها، أو ليس في طهارة الثوب والبدن والمكان المطلوبة قبل أداء الصلاة، وفي الوضوء خمس مرات يومياً، والغسل من الجنابة، والأغسال المسنونة نظافة رائعة في وقاية البدن من كثير من الأمراض ونحن لا نؤدي الصلاة (رياضة بدنية) كما يحلو للبعض أن يقول، إننا نصلي تعبداً وخضوعاً وامتثالاً لأمر الخالق العظيم. ولكن هل ينكر أحد أن أداء الصلاة بإتقان ركوعها وسجودها أمر يدرب عضلات الجسم ويمتع تيبس مفاصله، وهي آفات قلما تحصل عند المسلمين كما يؤكد ذلك كبار الأطباء.
والصوم، نؤديه تقرباً إلى الله طاعة وزلفى، ولكن ألم يثبت لعلماء الغرب أن الصوم الإسلامي صيانة (لمعامل البدن) شهر كل سنة، ينقي البدن من فضلاته وسمومه ويصقل الأجهزة ويعيد إليها (جدتها) وعملها الفيزيولوجي السوي.
أليست الدعوة إلى السواك في قول النبي e: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) سبق صحي ليس له مثال، دعا إليه نبي الرحمة يوم كانت نبيلات روما يتمضمضن بالبول، أليس عود الأراك مفخرة لأمتنا بين الأمم يوم لم يكن هناك فرشاة ولا معجون لتنظيف الأسنان، وهو بما فيه من مواد لكيماوية طبيعية صالح لأن يجمع خواص كل من المعجون والفرشاة على السواء.
وآداب الطعام والشراب في تشرعنا الإسلامي تلحظ صحة البدن والمحافظة عليه، ولها السبق في ذ لك على كل ما قروه الطب الوقائي الحديث، أليس في قوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) وقول النبي e: (ما ملأ ابن آدم شراً من بطنه). وقاية للبدن من أمراض البدن التخمة وويلاتها. وقواعد الشرب وآدابه التي وصفها محمدeللشاربين، من النهي عن الشرب واقفاً، والشرب على ثلاث و...، لقد أكد الطب الحديث إعجازها، خاصة وقد أمر بها النبي الأمي e، الذي لم يصل الطب في زمانه إلى كل هذه المعطيات.
وضع الإسلام قواعد صحية رائعة لتنظيم ساعات العمل والنوم ما تزال هي الأمثل بين كل التشريعات الوضعية. قال تعالى: (وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً) وقال النبيe: (بورك لأمتي في بكورها)إذ تؤكد إحصاءات منظمة الصحة العالمية كثرة انتشار الأمراض بين فئة العاملين نهاراً. كما أكدت أن الإنتاج العضلي والفكري للإنسان في ساعات الصباح الباكر تفوق إنتاجه بقية ساعات النهار أو الليل نوعاً وكماً.
لقد أثبت الطب أن النوم على البطن يؤدي إلى تشوهات عضوية وآثار مرضية سيئة على البدن أليس في هذا توافقاً مع نهي النبي eمن النومعلى البطن حين عدها (ضجعة يبغضها الله ورسوله) ثم ما أثبته الطب اليوم أن أفضل ضجعة للنوم هي النوم على الجانب الأيمن التي دعا إليها نبي الرحمةeإن محمداًeلم يدرس التشريح ولم يكن علم التشريح في عهد محمدeليعرف تفصيلات في الجسد عرفت اليوم، ومع ذلك فإن دعوة محمد eتنسجم تماماً مع كل معطيات العلم الحديث.
ولعل أروع ما في تشريعنا الإسلامي، تنظيم غريزة الجنس ووضعها في إطار يفجر طاقاتها لمصلحة الجسد لا لتدميره، لقد دعا النبيeإلى الزواج المبكر حين قال: (يا معشر طاقاتها من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) ودعا إلى اختيار الزوجة الصحيحة السليمة فقال: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ونظم قانوناً لمنع انتشار الأمراض العائلية بالوراثة في كلمتين خالدتين حين قال: (اغتربوا ولا تضووا)[1] ، وفي قول عمر لآل السائبة: (قد أضوأتم فانكحوا في النوابغ).
ونظم أمور المعاشرة الزوجية، بحيث ضمن سلامة الزوجين من الإصابة بعدد من الأمراض الجنسية، ووضع أسس صحة المرأة وعافيتها، فنهى عن المواقعة قبل المداعبة، ونهى عن إتيان الزوجة في المحيض في قوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) وعن الإتيان في الدبر وذلك في قول النبي e: (ملعون من أتى إمرأة في دبرها)، مما أثبت الطب الحديث مضاره ومفاسده وما يلحق به من أذى لكل من الزوجين.
وهل ينكر عاقل أو منصف من أطباء ما للزنى واللواط من أثر مفجع في انتشار الأمراض الجنسية كالزهري والسيلان، وانظر إلى الإعجاز في قوله تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً).
وهل يجد المسئولون اليوم وسيلة لمكافحة الإيدز (طاعون العصر) أفضل من إدخال التعاليم الدينية في روع الناس وتحذيرهم مغبة الإصابة بهذا الطاعون الجديد؟
لقد وضع الإسلام القاعدة الذهبية في الأطعمة، فأحل الطيب النافع وحرم الخبيث الضار، استمع إلى قوله تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فهو دليل واضح على تحكيم قواعد الطب في التشريع ودخوله في نطاق الحلال والحرام في الدين الحنيف. وهنا نقول: أليست الخمر أم الخبائث. لقد سأل رجل النبي eعن الخمريضعها في الدواء فنهاه وقال: (إنها داء وليست بدواء) وهل ينكر طبيب منصف مدى المنفعة التي تجنيها الإنسانية في صحة مجتمعاتها لو استطاع قادتها اليوم أن يتصلوا إلى تشريع يحرم الخمر و صنعه و تداوله .
أليس في تحريم الخمر و المخدررات في تشريعنا رحمة كبرى لمجتمعنا المسلم عندما نقارنه بما تعاينه المجتمعات الغربية من مشاكل صحية خطيرة أمام قضية الإدمان ؟ ألم تؤكد دراسات منظمة الصحة العالمية علاقة التدخين بانتشار السرطانات علاوة على اشتمال أضراره لكل أجهزة البدن و في مقدمتها الجهاز العصبي ؟
نعم . إن الالتزام بتطبيق قول الله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير ) وقاية للبدن من الإصابة بعدد من الأمراض منها داء عضال خبيث ينتقل إلى الإنسان بتناول لحم الخنزير، أما الميتة وما تحمل من لحم متفسخ بتأثير الجراثيم فقد يكون فيها المهلكة لآكلها.
وأكبر خطر على الإنسان وصحته وسلامة أعضائه نجده عند تعرضه لحوادث لا يحتسب لها حساب. وفي التشريع الإسلامي ما يضمن السلامة من الحوادث عندما نطبق تعاليمه. اقرأ إن شئت هذه النصوص الرائعة: يقول النبي e: (ولا تتركوا المار في بيوتكم حين تنامون)متفق عليه وقول النبي e: (غطوا السقاء وأغلقوا الباب وأطفئوا السراج) رواه مسلم. وقوله e: (من بات على ظهر بيت ليس له حجار برئت منه الذمة) رواه أبو داود.
ثم أليس في نظافة ومنع التبول والتبرز فيها تشريع صحي هام لمنع انتشار البلهارسيا والأنكلستوما والزحار وغيرها من الأمراض الطفيلية المهلكة لعضوية بني آدم.
قالe : (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل)رواه أبو داود.
لقد نطق المصطفى eبأول قانون للحجر الصحي لمنع انتشار الأمراض السارية وللوقاية من العدوى فيها والتي تعتمد أصلاً على عزل المريض عن الصحيح: (لا يورد ممرض على صحيح) رواه مسلم. و(إذا سمعتم بالطاعون فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها) رواه البخاري. والمعجز هنا أن ينطق النبي الأمي eبهذا الكلام قبل أن تكتشف (الجراثيم) و(الطفليات) العوامل الممرضة للأوبئة ـ بأكثر من ألف عام.
وأخيراً فلقد بعث النبي eفي بيئة أمية جاهلة اعتمدت في معالجة مرضاها على رقى وتمائم لكهنتهم وبالغت في استعمال الكي وتعليق الودع والخرز فوضع القواعد الصحيحة للتداوي، ومنع أو نهى عن التعلق بالأوهام من خرز وتمائم مرتبطة بلجان أو بالأصنام، وأمر بالتداوي فقال: (تداووا عباد الله) وأمرهم برقى تربطهم بالله خالق الداء والدواء، ووصف لهم، في بعض الحالات الشائعة، ما ألهمه له الوحي من معالجات وأدوية أثبت الطب اليوم فعاليتها، حيث وصف العسل والحبة السوداء والقسط وماء الكمأة والصبر وغيرها وبرد الحمى بالماء البارد، ووصف الحجامة للشقيقة وتداوى بها لكنه عليه الصلاة والسلام أرسل إلى الأطباء يستدعيهم لمعالجة حالات مرضية متفاقمة عند بعض أصحابه، فقد ثبت في الصحيح من حديث جابر (أن النبي eبعث إلى أبي كعب طبيباً فقطع له عرقاً وكواه عليه) وأمر باختيار أحذق الطبيبين. كما نهى الجهلة والمتطببين عن تعاطي هذه المهنة الشريفة عن غير علم وضمنهم عواقب جهلهم فقال e: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن) أليست هذه الأصول صحيحة لممارسة طبية ـ علمية متقدمة؟
في التداوي
لقد دعا الإسلام إلى التداوي وعدم التواكل وأن التداوي لا يتعارض مع التوكل، ومبحث النهي عن التداوي بالمحرمات، وجواز ذلك عند الضرورة، ومدى مسؤولية الطبيب عند معالجته لمرضاه، وضمان المتطبب الذي لم يعهد منه الطب أو تعلمه، وأخيراً في الآداب التي يفرضها الشارع الحكيم على من يزاول المهن الطبية وأدب عيادة المريض .
روى مسلم في صحيحه أن النبي eرخص إذا اشتكى المحرم عينه أن يضمدها بالصبر. قال ابن جرير الطبري: ((وفي الحديث دليل على بطل ما يقوله ذووا الغباوة من أهل التصوف والعباد من أن التوكل لا يصح لأحد عالج نفسه بدواء، وإذ ذاك عندهم طلب العافية من غير من بيده العافية والضرر والنفع، وفي إطلاق النبي eللمحرم علاج عينه بالصبر أول دليل على أن معنى التوكل غير ما قال الذين قولهم وأن ذلك غير مخرج فاعله عن الرضا بقضاء الله، لأن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء إلا الموت. وقد جعل أسباباً تدفع الأدواء، جعل الأكل سبباً لدفع الجوع).
يا عباد الله تداووا
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي eقال: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) رواه البخاري، وفي رواية (من داء).
وعن أسامة بن شريك عن النبي eقال: (تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحداً، الهرم) أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذي.

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــع
  #312  
قديم 10-04-2008, 09:02 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــــع موضوع .... الطب ومكانته في التشريع الإسلامي

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي eقال: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى) رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله eقال: (ما خلق الله من داء إلا وجعل له شفاء علمه وجهله من جهله إلا السام، والسام الموت) رواه ابن ماجة.
في هذه الأحاديث إثبات للمداواة وحث عليها وتعريف بأنها سبب للشفاء. وأن الأدوية ليست سوى أسباب خلقها الله وسائل للشفاء والأخذ بسنة الله في كونه. وفي قوله e(علمه من علمه وجهله من جهله) حث للأطباء المسلمين على البحث والاستقصاء لاكتشاف أدوية للأمراض التي لم يعرف لها بعد دواء ناجع واستخراج أدوية أفضل من سابقتها. وفي تأكيد النبي eأن لكل داء دواء. تقوية لنفس المريض عندما يستشعر بنفسه وجود دواء لدائه. يقوى به رجاؤه وترتفع معنوياته ويذهب توهمه الذي هو عدو آخر بعد المرض.
وقد علق النبي eالبرء بموافقة الدواء للداء، فللأدوية مقادير معينة تفعل بها يجب ألا تزيد عنها ولا تنقص. وفي هذا حث للأطباء المسلمين على زيادة معرفتهم ومهارتهم في الطب وعلومه ليتسنى لهذه المعرفة أن تصيب الداء بالمقدار المناسب من الدواء.
والتداوي بصورة عامة سنة من سنن الإسلام،يشهد بذلك فعل النبي eوأقواله وإذا حدث التباس فهو من فهم سقيم أو ناقص، فإن الرسول eق
هو المبلغ لشرع ربه قولاً وفعلاً: أما أقواله eفما أوردناه أعلاه، ونذكر منها ما وراه أسامة بن شريك قال: كنت عند رسول الله eوجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: نعم يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد. قالوا ما هو؟ قال: الهرم.
كما أن وصفات النبي eالعديدة والتي سنذكرها على صفحات هذا الكتاب لتشير إلى مشروعية التداوي بل وسنيته. ومن ذلك إرسال النبي eبعض الأطباء إلى أصحابه. فقد ورد عن جابر رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله eإلى أبي بن كعب طيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه) رواه مسلم.
وأما فعله eففيهأحاديث كثيرةمنها ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله eاحتجموهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به)وما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه (رمي في أكحله فحسمه النبي eبمشقص، ثم ورمت فحسمه الثانية)والمشقص سهم له نصل طويل.
فهذه الأحاديث تدل على أن التداوي سنة ولقد اتفق العلماء على جوازه بل أن عموم الأمر بالتداوي يدل على أنه أعلى من مرتبة الإباحة فإن اقل مراتب الأمر: الندب.
وقد ذهب الشافعية إلى أن التداوي أفضل من تركه وإل هذا ذهب أربعة من كبار أئمة الحنابلة (ابن الجوزي وابن يعلى وابن عقيل وابن هبيرة) مخالفين إمامهم وعزا النووي مذهب أفضلية التداوي إلى جمهور السلف وعامة الخلف وذهب الحنفية والمالكية إلى أن التداوي مباح، لا بأس بالتداوي وتركه. وذهب ابن حنبل إلى أن ترك أفضل حيث يقول: العلاج رخصة وتركه أعلى منه. والدليل عنده ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي eفقالت: ادعالله أن يشفعني فقال: إن شئت دعوت الله فشفاك وإن شئت صبرت ولك الجنة. قالت: يا رسول الله لا بل أصبر) وما أخرجه البخاري عن النبي eقوله: (سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنة لا حساب عليهم: الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون).
ويرى الكحال ابن طرخان أن النبي eأمر بالتداوي، وأقل مراتب الأمر الندب والاستحباب ومما يستدل على ذلك أن النبي eكان يديم التطبب في حال صحته ومرضه.
أما حال صحته eفباستعمال التدبير الحافظ لها مثل الرياضة وقلة التناول من الطعام وإكحال عينيه بالإثمد كل ليلة وتأخير صلاة الظهر في زمن الحر بقوله: (أبردوا بها) وأما تداويه عليه الصلاة والسلام فثابت بالأحاديث الكثيرة. مما يثبت ما ذكره من تداوي رسول الله eومداوته تطببه في صحه ومرضه، ولم يكن يداوم رسول الله eإلا على الأفضل.
ويؤكد الدكتور النسيمي ـ ونحن معه ـ أن اختلاف السلف حول أفضلية التداوي إنما هو لواقع الطب في زمانهم من ضعفه وكثرة ظنياته. أما إذا نظرنا إلى ما توصل إليه الطب الحديث، وإلى ما ورد من أحاديث في المداواة، ودعوة الإسلام أصلاً إلى حفظ النفس. فإننا نستطيع أن نقول أن التداوي تعتريه الأحكام الخمسة والله أعلم:
1ـ إنه مباح في المباحات إذا لم يغلب على الظن فائدته. كما في مداواة معظم أنواع السرطانات وخاصة إذا انتشرت ولم تكافح في بدئها.
2ـ إنه مندوب تجاه استعمال الأدوية التي يغلب على الظن فائدتها. سواء في شفاء المرض أو تلطيف أعراضه.
3ـ إنه واجب تجاه استعمال الأدوية قطعية الإفادة بإخبار الأطباء، إذا خاف المريض أو طبيبه أن يقعده المرض عن القيام بواجباته أو إذا خاف على حياته أو تلف عضو من أعضائه.
4ـ إنه مكروه عند استعمال الأدوية المكروهة مع توفر الأدوية المباحة.
5ـ إنه محرم عند استعمال أدوية محرمة دون الاضطرار إليها.
وعلى هذا فإن المريض إذا علم يقيناً، أو بغلبة الظن بحصول الشفاء من المداواة، وقد حكم الأطباء بأن حالته خطرة وأن حاجته للدواء أصبحت أمراً ضرورياً، وأنها كحاجته للطعام والشراب، بحيث لو تركه فقد جعل معرضاً للهلاك فإن إقدامه على المداواة يعتبر واجباً شرعياً يأثم بتركه.
ونص الشافعية على لسان الإمام البغوي: (إذا علم الشفاء في المداواة وجبت) وقال ابن تيمية في مجال التداوي (وقد يكون منه ما هو واجب، وهو ما يعلم أنه يحصل بع بقاء النفس لا بغيره، كما يجب أكل الميتة عند الضرورة ، فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء).
الرأي بأن التداوي تعتريه الأحكام الخمسة قال به حجة الإسلام الغزالي في (إحياء علوم الدين)، كما أرجحه ابن تيمية رحمه الله حين قال في فتاويه (والتحقق أن منه مات هو محرم، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مستحب، وقد يكون منه ما هو واجب).
وتعليقاً على الأدوية المحرمة يقول البغدادي: (ثم قد تكون العلة مزمنة ودواؤها موهوم، ومن شرب دواء سمياً أو مجهولاً فقد أخطأ لقوله e: (من سم نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جنهم) متفق عليه.
التداوي والتوكل:
إن تناول العلاج لا ينافى التوكل، الذي هو في حقيقته ملاحظة القلب عند تعاطي الأسباب، بأن الفعال المطلق هو الله سبحانه، وأنه هو الشافي وحده، إذ لا تأثير للدواء دون إذن منه سبحانه. وعلى هذا فإن تناول الدواء لا ينافي حقيقة التوكل، كما لا ينافي دفع الجوع بالأكل، بل إن حقيقة التوحيد وكمال اليقين لا تتم إلا بمباشرة الأسباب الني نصبها الله مقتضيات لمسبباتها. وإن تعطيلها يقدح في التوكل نفسه لأن في ذلك إهمالاً للأمر الشرعي بالتداوي.
والتداوي أيضاًَ لا يتنافى مع الإيمان بالقدر. فعن أبي خزامة قال: (قلت يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال: هي من قدر الله [2].
ففي هذا الحديث إبطال قول من أنكر التداوي متعللاً بالقضاء والقدر وبقول الله تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين) ويقال لأمثاله: إن قولك هذا يوجب عليك أن لا تباشر سبباً من الأسباب التي تجلب المنفعة أو تدفع الضرر، وفي هذا خراب الدين والدنيا وفساد العالم. وهذا لا يقوله إلا دافع للحق، معاند له.
وفي هذا المجال يقول البغدادي: (فالتسبب ملازم للتوكل فإن المعالج الحاذق يعمل ما ينبغي ثم يتوكل على الله في نجاحه ونعمائه، وكذلك الفلاح يحرث ويبذر ثم يتوكل على الله في نمائه ونزول الغيث. وقد قال تعالى: (خذوا حذركم) وقال عليه الصلاة والسلام: (اعقلها وتوكل) رواه الإمام أحمد.
أما الإمام الغزالي فيقول: (أما من ترك التداوي أو تكلم في تركها، كما يروى عن أبي بكر رضي الله عنه وبعض السلف، فالجواب بأمور:
الأول: أن يكون المريض تداوى فلم تفده الأدوية ثم أمسك أو أن علته لم يكتشف لها دواء ناجع.
الثاني: أو أن يكون ما قاله لا ينافي التداوي وإنما هو تذكيره بالقدر، أو أن يكون قد لاحظ في الحاضرين من يلقي اعتماده على الدواء فلتا يتعلق قلبه بالله فكان جوابه جواب الحكيم.
الثالث: أن يكون المريض قد كوشف بقرب أجله.
وعلى أحد هذه الوجوه يحمل ما ورد عن أبي بكر لمات قبل له: لو دعونا لك طبيباً فقال: الطبيب قد نظر إلي فقال: إني فعال لما أريد.
الرابع: أن يكون مشغولاً بذكر عاقبته عن حاله، فقد قبل لأبي الدرداء: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قيل فما تشتهي؟ قال: مغفرة ربي. قيل: ألا ندعو لك طبيباً؟ فاقل: الطبيب أمرضني فقد تأولها الغزالي بأن تألم قلبه خوفاً من ذنوبه كان أكثر من تألم بدنه بالمرض.
وفي تعليقه على حديث (لكل داء دواء) قال الإمام النووي: (فيه إشارة إلى استحباب الدواء، وفيه رد على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية محتجاً بأن كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي، لأن التداوي أيضاً من قدر الله، وكالأمر بالدعاء وقتال الكفار).
مراجع البحث
1ـ الإمام الغزالي: عن كتابه (إحياء علوم الدين).
2ـ الإمام النووي: عن كتابه (المجموع).
3ـ ابن ألأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول e).
4ـ د. محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحديث)
5ـ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك وكتابه~: (التداوي والمسؤولية الطبية)
6ـ الإمام ابن تيمية وكتابه (مجموع الفتاوي).
7ـ ابن قيم الجوزية وكتابه (الطب النبوي).
[1])ذكره صاحب مختار الصحاح، وذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه (تلخيص الجبير) نقلاً عن غريب الحديث لابن قنيبة (أغربوا لا تضووا).[2] رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
  #313  
قديم 10-04-2008, 09:06 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

مسؤولية الطبيب في الشريعة الإسلامية

بقلم الدكتور محمد نزار الدقر
روى الإمام مالك رضي الله عنه أن رسول الله e قال: (لا ضرر ولا ضرار).
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله e قال: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن) رواه أبو داود، وصححه الحاكم والذهبي.
وقال الإمام الخطاببي: (لا أعلم خلافاً في المعالج، إذا تعدى، فتلف المريض، كان ضامناً والمتعاطي علماً لا يعرفه، متعد).
وقال الإمام ابن رشد الحفيد: (وأجمعوا على أن الطبيب إذا أخطأ لزمته الدية، مثل أن يقطع الحشفة في الختان وما أشبه ذلك لأنه في معنى الجاني خطأ).
إنه لمن نافلة القول أن نؤكد أن الشريعة الإسلامية قد سبقت التشريعات الحديثة كلها في إرساء قواعد المسؤولية الطبية بما يكفل حماية الطبيب ويحفظ حقوق المريض ويشجع على تطوير المنهج العلمي للمهمة الطبية.
وإذا كان الطب منذ نشأته في عصور ما قبل التاريخ ممتزجاً بالسحر والخرافات، فقد كان الاعتقاد الشائع أن المرض ينجم عن تمكن الشيطان من البدن،ة وإذا مات المريض، فهذا يعني أن الشيطان قد تغلب، فلا مجال للبحث حينئذ عن مسؤولية الطبيب.
وعند الفراعنة كانت الأمور العلاجية محصورة في السفر المقدس وكان الطبيب الالتزام بها، فإذا خالفها وتوفي المريض دفع الطبيب رأسه ثمناً لذلك. وعند البابليين تضمن قانون حمورابي قواعد مشددة لمحاسبة ألأطباء قد تصل إلى قطع يد الطبيب إذا تسبب لفقد عضو عند رجل حر.
وعند الاغريق وبعد ما جاء أبقراط ليخلص الطب في كثير من الشعوذة، كان يجير تلاميذه على أداء قسمه المعروف، غير أنه لم يكن ليرتب على هذا القسم أي مسؤولية قانونية بقدر ما كان التزاماً أدبياً، إذ لم تكن أية مسؤولية جزائية على الأطباء عندهم. وعند الرومان كانوا يعتبرون جهل الطبيب أو خطأه موجبان للتعويض إلا أن العقاب كان يختلف بحسب المركز الاجتماعي للمريض، فموت المريض قد يؤدي إلى إعدام الطبيب أو نفيه.
وفي العصور الوسطى في أوروبا، كان إذا مات المريض بسبب إهمال الطبيب أو جهله، يسلم إلى أسرة المريض ويترك لها الخيار بين قتله أو اتخاذه رقيقاً.
وجاء الإسلام بدعوته إيذاناً ببدء عصر جديد تحكمه قوانين عادلة أنزلت من عند الإله الحق سبحانه وتعالى حيث أرسى محمد e قواعد، ما تزال حتى اليوم هي الأمثل في تنظيم العلاقة بين الطبيب ومريضه، وبمقتضى المنطق والعدل. ومن الحق أن نذكر أن فقهاء المسلمين اعتبروا العلم بالنفس وأحوالها أساساً في علم الطب حيث يقول ابن القيم: (لا بد أن يكون للطبيب خبرة باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها فذلك أصل عظيم في علاج الأبدان فإن انفعال البدن وطبيعته عن القلب والنفس أمكر مشهود. والطبيب إذا كان عارفاً بأمراض القلب والروح هو الطبيب الكامل. والذي لا خبرة له بذلك، وإن كان حاذقاً في علاج الطبيعة وأحوال البدن، نصف طبيب. وكل طبيب لا يداوي العليل بتفقد قلبه وصلاحه وتقوية روحه فلبس بطبيب، بل متطبب قاصر ..)
وباعتبار أن التطبيب ضرورة تحتاج إليها الجماعة فقد جعل الشارع دراسة الطب وممارسته من فروض الكفاية وبهذا سبقت الشريعة الإسلامية أحدث التشريعات الوضعية لأنها تلزم الطبيب أن يضع مواهبه في خدمة الجماعة.
يقول عبد الستار أبو غدة: (وباعتبار التطبيب واجباً كفائياً يقتضي ألا يكون الطبيب مسؤولاً عما يؤدي إليه عمله قياماً بواجبه، لأن القاعدة أن الواجب متروكة لاختبار الطبيب وحده كان ذلك داعياً للبحث عن مسؤوليته عن نتائج عمله إذا أدى إلى نتائج ضارة بالمريض).
يقول العلامة محمد أبو زهرة: (ونظراً لصعوبة تمييز الخطأ الذي يحدث منه تلف النفس أو العضو أصدر عن جهل الطبيب وإهماله أم صدر عما لا يمكن تقديره والاحتياط له، لذلك اختلف الفقهاء في تضمين الطبيب مغارم مالية عند حصول الضرر أو التلف، وتضاربت أقوالهم في ذلك لأنه يتنازع نظر الباحث أمران كلاهما واجب الرعاية:
أولاهما: أن ترتيب مغارم مالية على خطأ الطبيب قد يؤدي إلى احجام الأطباء عن المعالجة إذا لم يكونوا مستيقنين بالنتائج القطعية لعلاجهم لكيلا يتعرضوا للمغارم. كما أن كثيراًَ من الأخطاء يتكون عند رغبة الإنقاذ فكيف يغرم من يحتسب تلك النية؟ ثم إن عمل الطبيب واجب شرعي، ومن يقع في خطأ أثناء قيامه بالواجب لا يسأل عنه إلا إذا كان قد قصر، فيؤاخذ على تعديه بالتقصير لا على الخطأ. التقصير والخطأ نوعان مختلفان: إذ الأول فيه عدوان والثاني لا عدوان فيه.
وثانيهما: أن إتلاف النفس أو العضو أمر خطير في ذاته، وإن قد يكون نتيجة أن الطبيب قد أقدم على ما لا يحسن، طمعاً في المال من غير تقدير للتبعة، وقد يكون ممن يحسن لكنه قصر في دراسة المريض، وإنما أذن المريض أو الولي رجاء العافية لا لتعجيل المنية ومن أخطأ فيما كلف، وكان خطؤه يمكن تلافيه بالحذر والحرص فقد قصر، ومن قصر وأتلف بتقصيره استحق العقاب).
وقد أجمع الفقهاء على وجوب منع الطبيب الجاهل (المتطبب) الذي يخدع الناس بمظهره ويضرهم بجهله يقول الإمام أحمد: (إذا قام بأعمال التطبيب شخص غير حاذق في فنه فإن عمله يعتبر محرماً) كما أجمعوا أن المتطبب الجاهل إذا أوهم المريض بعلمه فأذن له بعلاجه فمات المريض أو أصابه ضرر من إجراء هذا العلاج فإن الطبيب يلزم بالدية أو بتعويض التلف، لكن ينفون عنه القصاص لوجود الإذن. أما إذا كان المريض يعلم أن هذا المتطبب لبس من صناعته الطب ثم سلم نفسه له بعد ذلك، ففي هذه الحال لا ضمان لأن المريض هنا مغتر لا مغرور.
يقول أبو زهرة: ونتكلم الآن في الضرر الذي يلحق المريض، والذي يقع من الطبيب الحاذق أو يقترون بعلاجه وهذه قسمها الفقهاء إلى أربعة أقسام:
الأول: أن يكزون موت المريض أو تلف عضو منه بسبب أمر لم يكن في الحسبان. ولم يكن باستطاعة الطبيب، مع حذقه تقديره والاحتياط له، وهذا لم يكن بحال نتيجة خطأ وقع من الطبيب أو تقصير منه يمكن أن يعد تعدياً فالطبيب هنا لم يكن به تقصير يجعله مسؤولاً على أي حال. فقد اتفق الفقهاء على أن الموت أو الضرر إن جاء نتيجة لفعل واجب مع الاحتياط وعدم التقصير لا ضمان فيه، كمن يموت عند إقامته الحد المقرر شرعاً، لأن ذلك في سبيل القيام بالواجب الديني، ولا تقصير فيكون التعدي الموجب للضمان، ولا خطأ، فيعد قتل إنساناً خطاً لتحب الدية ولأنه لو وجب الضمان هنا لكان فيه تعويق للأطباء عن القيام بواجبهم.
الثاني: أن يكون التلف قد أصاب العضو أو الجسم بسبب خطأ عملي وقع فيه الطبيب، كأن يحتاط الجراح كل الاحتياط ولكن تسبق يده إلى غير موضع فينال الجسم كله أو عضواً منه بتلف، وفي هذا يكون الضمان بلا ريب، لأنه إن أصاب الجسم كله بتلف كان قتلاً خطأ وفي مذهب ابن حنبل خلاف: أيكون الضمان في بيت المال أم في مال الطبيب؟ ووجه الرواية التي تقول في مال الطبيب أن الأصل أنها تكون على عاقلته وإن لم تكن عاقلة كانت في ماله. أما الرواية التي تقول أنها في بيت المال فهي تعتبر أن خطأ الطبيب كخطأ القاضي والحاكم لأن أولئك نصبهم ولي الأمر للنفع العام فكان ضامناً لأخطائهم التي لم تكن نتيجة تقصيرهم الشخصي بل لسبق القدر فيما يفعلون.
الثالث: تلف الجسم بسبب خطأ في وصف الدواء، لكن الطبيب قد اجتهد وأعطي الصناعة حقها ولكنه ككل مجتهد يخطئ ويصيب وقد أدى خطؤه إلى موت نفس بشرية وفي هذه الحال يكون الضمان ثابتاً وهو بالدية على قتل كان خطأ وهنا أيضاًَ روايتان عند ابن حنبل أحدهما أن تكون الدية على عاقلة الطبيب والثانية أن تكون في بيت المال.
الرابع: في الأقسام الثلاثة السابقة كان التطبيب بإذن من المريض أو من يتولى أمره. أما إذا كان الخطأ أو التقصير على أية صورة من الصور السابقة بغير إذن من المريض أو وليه فالفقهاء متفقون على أن الضمان يكون ثابتاً لأنه فعل أدى إلى هلاك النفس أو عضو فيها بغير إذن من وليها فيكون مسؤولاً عنها والضمان على العاقلة.
ويستحسن ابن القيم أن لا يكون الضمان على الطبيب في هذه الحال، ولعله يرى الضمان في بيت المال. ويعلل ذلك بقوله: (يحتمل ألا يضمن مطلقاً، لأنه يحسن ـ وما على المحسنين من سبيل، وأيضاً فإنه إذا كان متعدياً فلا أثر الولي في إسقاط الضمان، وإن لم يكن متعدياً فلا وجه لضمانه فإن قلت هو متعد عند عدم الإذن، غير عند الإذن، قلت: العدوان وعدمه يرجع إلى فعله هو فلا أثر للإذن وعدمه).
وهذه العبارة تؤدي في نتيجتها إلى أن ابن القيم لا يرى أي ضمان على الطبيب الحاذق إذا أدى الصناعة على وجه الكمال ثم جاء ما ليس بالحسبان، أو سبق القدر فتعدت يده موضع الداء أو أخطأ في وصف الدواء، فلا فرق في ذلك في أن يكون العلاج بإذن من المريض أو من وليه أو بغير إذن من أحد. لأنه في حال الإذن ممكن من صاحب الشأن وفي حال عدم الإذن متبرع بفضل ويقوم بحق الدين فلا ضمتن. إنما مناط الضمان هو كون الفعل جاء على وجهه أو لا. وما دام قد أتى بالفعل على وجهه أو بذل غاية جهد، جهد العالم الحاذق، فلا ضمان عليه ولا على عاقلته.
ويؤيد أبو زهرة رأي ابن القيم إلا أنه يميل إلى أن يكون الضمان في بيت مال المسلمين حتى لا يضيع دم مسلم خطأ والقرآن يصرح بأن دم المسلم لا يذهب خطأ قط (و ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ..) وإن من تشجيع الطب والصناعة الطبية أن لا يكون الضمان في مال الطبيب بل يكون في بيت مال المسلمين فنكون قد جمعنا بين النص القرآني وبين تشجيع البحث والعلاج.
قيس من محمد آل الشيخ مبارك، وفي دراسته المستفيضة عن المسؤولية الطبية في الفقه الإسلامي والتي فصل موجباتها في عشرة أمور:
1ـ العمد:
وهو أن يحصل من الطبيب أمر محظور يفضي إلى هلاك المريض أو أحد أعضائه ويكون قصده من هذا العمل إذاية المريض ومساءته كأن يصف له دواء ساماً بقصد إهلاكه وهذه تعتبر من قبل جناية العمد التي توجب القصاص. وهذا أمر يندر حصوله من الأطباء.
2ـ الخطأ:
كأن يخطئ في تشخيص المرض ومن ثم في وصف الدواء أو يقدر الحاجة لإجراء عملية جراحية ثم يتبين بعد العمل الجراحي أن المريض كان في غنى عنها أو تزل يد الجراح فيتجاوز الموضع المحدد لجراحته ولا شك أن الطبيب يعتبر مسؤولاً عن خطئه وعن الضرر الناجم عن ذلك الخطأ. إلا أن موجب الخطأ أخف من موجب العمد لعدم وجود قصد التعدي عند المخطئ لذا تميز عن العمد بعدم وجوب القصاص وإن اشترك ومعه في وجوب الضمان كما أن الخطأ وإن كان موجباً للمسؤولية الدنيوية غير أن صاحبه لا يأثم عند الله تبارك وتعالى.
3ـ مخالفة أصول المهنة الطبية:
ذلك أن إقدام الطبيب على معالجة المرضى على غير الأصول في علم الطب يحيل عمله من عمل مشروع مندوب إليه إلى عمل محرم يعاقب عليه. وقد بين الفقهاء أن إتباع الأصول المعتبرة عند أهل الصنعة يعتبر واجباً على الطبيب وعلى هذا فهو مسؤول عن الأضرار الناتجة عن مخالفته لهذا الواجب.
4ـ الجهل:
كأن يكون المتطبب دعياً على صنعة الطب وإنما غر المريض وخدعه بإدعاء المعرفة أو أن تكون له معرفة بسيطة لكنها لا تؤهله لممارسة هذا الفن (كطالب الطب مثلاً)، أو أن تكون له معرفة في فن من فنون الطب ثم يتصدى لممارسة العمل في تخصص آخر. ويعتبر المتطبب في كل هذه الحالات مسؤولاً، إذ أجمع مسؤولاً، إذ أجمع الفقهاء على تضمين الطبيب الجاهل ما تسبب في إتلافه بجهله وتغريره للمريض (من تطبب ولم يعلم منه قبل ذلك طب فهو ضامن).
5ـ تخلف إذن المريض:
إن ما متع الله به الإنسان من أعضاء ومنافع يعتبر حقاً له لا يجوز أن يتصرف فيها غيره إلا بإذنه، وعليه فلا يجوز للطبيب ولا لغيره أني قدم على مباشرة جسم الإنسان من فحص أو معالجة أو جراحة إلا بعد حصوله على إذن معتبر من المريض، أو من وليه إن لم يكن أهلاً للإذن كالصغير والمجنون والمغمى عليه. وقول الجمهور في المذاهب الأربعة أن الضمان لا يسقط عن الطبيب الذي عالج بدون إذن المريض. ففي الفتاوى الهندية (أما إذا كان بغير إذن فهو ضامن سواء تجاوز الموضع المعتاد أو لم يتجاوز) وخالف ابن القيم وابن حزم فاعتبروا أن لا ضمان إلى في الخطأ.
6ـ تخلف إذن ولي الأمر:
وهو هنا الحاكم الذي يرعى مصالح الأمة ويمثله في هذه الأيام في منح الإذن بمزاولة الطب: وزارة الصحة. وعلى هذا يعتبر الطبيب مسؤولاً عن عدم التزامه بالحصول على الإذن المذكور، غير أن إذن ولي الأمر لا يرفع عن الطبيب المسؤولية لو لم يكن مؤهلاً لذلك.
7ـ الغرور:
وهو لغة ـ الخداع، (ويعتبر الطبيب خادعاً (غاراً) عندما يصف للمريض دواء ضاراً أو لا يحتمله جسمه أو لا يفيده في حالته تلك، فيتناوله المريض مخدوعاً بطبيبه. ويعتبر الطبيب مسؤولاً عن الأضرار على تغريره بالمريض.
8ـ رفض الطبيب للمعالجة في حالات الضرورة (الإسعاف):
ففي التاج والاكليل من كتب المالكية (واجب على كل من خاف على مسلم الموت أن يحييه بما قدر عليه) ونقل محمد أبو زهرة الاتفاق على أن من كان معه فضل زاد وهو في بيداء وأمامه شخص يتضور جوعاً يكون آثماً إذا تركه حتى مات. وحيث أن المريض المشرف على الهلاك نظير الجائع في البيداء فغن إسعافه يعد أمراً واجباً عند جمهور الفقهاء، وعلى ذلك فإن من حق المريض أن يجير الطبيب على إسعافه إذا كان في مقدور الطبيب أن يسعفه وكان المريض مضطراً إلى ذلك.
9ـ المعالجات المحرمة:
ليس مما أباح الله للإنسان أن يعرض منافعه للهلاك والتلف حتى يقدم عليه. وكما لا يحق للمريض ذلك، فإن إذنه للطبيب بإتلاف نفسه أو شيء منها، لا يجيز للطبيب استباحة شيء من ذلك والعبث فيه. فالشريعة الإسلامية لا تجيز للمريض أن يأذن بهذا ولا يجعل لإذنه اعتباراً في إسقاط المسؤولية عن الطبيب في إقدامه
إلى قتل المريض ولو كان ذلك بدافع الشفقة عليه.
10ـ إفشاء سر المريض:
إن طبيعة عمل الطبيب وما فيها من مباشرة لجسم المريض عامة أن يطلع على عورات وأشياء يختص بها المريض ولا يحب أن يطلع عليها أحد سواه، ولولا قسوة المرض وشدة وطأته على المريض لما باح من أسراره للطبيب. فينبغي على الطبيب حفظ الأمانة التي استودعها إياه مريضه(والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون).
ثم إن إفشاء سر المريض، إن كان فيه إضرار للمريض، لا شك في حرمته، وحين ينتفي الضرر عنه، فإنه وإن لم يحرم، فهو مكروه. وإن الضرر الذي يمكن أن يلحق بالمريض، يجعل الطبيب مسؤولاً عن إفشاء سره.ولا يستثنى من ذلك إلا ما تدعو إليه الضرورة من ذلك للمصالح العامة كأن يعلم الطبيب أن مريضه الطيار مثلاً مصاباً بالصرع وأن هذا لا يسمح له بقيادة الطائرة و تعرض حياة الناس للخطر فيجب الإبلاغ عنه وعدم الستر عليه،وطبعاً فإن الضرورة تقدر بقدرها، فلا يجوز له الإباحة بأكثر من ذلك.
وخلاصة القول فالطبيب الحاذق لا يسأل عما يلحق مريضه من ضرر إذا توفرت الشروط التالية:
1-المعرفة الطبية المشهود له فيها.
2-إذن ولي الأمر.
3-إذن المريض أو وليه.
4-أن يعمل وفق الأصول الطبية المرعية بقصد العلاج.
5-ألا يقع في خطأ جسيم يستوجب المسؤولية.
كل هذا مع افتراض أن الطبيب الحاذق لم يقصر ولم يهمل العناية بمريضه. إلا أن الواقع يرينا أن الطبيب قد يقصر ولا يجتهد وقد صارت النفس البشرية وديعة بين يديه، وهذا كثير الوقوع في المشافي العامة التي يلجأ إليها الفقراء. فترى كثيراً من الأطباء مهملون، متقاعسون عن إسعاف المرضى، وتنبعث الشكاوي في أنات من صدور المرضى وفي أرواح تفيض إلى بارئها وهي تشكو ظلم هؤلاء الأطباء وتقصيرهم وقد تقع في بعض العيادات الخاصة لطبيب يزدحم عليه المرضى، فيلقي النظرة العابرة ويكتب الدواء عاجلاً والذي قد يكون معجلاً للمنية.
إن قواعد الفقه كلها توجب الضمان على أمثال هؤلاء الأطباء لأن التقصير تعد على الأرواح فيكون الضمان من التعدي. وقد أجمع الفقهاء على أن الضمان يكون عند التعدي وأجمعوا أن التقصير من التعدي. ولا مناص من عقاب الله في الآخرة بعد عقاب الدنيا والله تعالى يتولى الآثمين ويعاقبهم على تعديهم وتقصيرهم، كما يتولى المحسنين بإحسانهم (إنا لا نضيع أجر المحسنين).
مراجع البحث
1ـ ابن قيم الجوزية عن كتابه: (الطب النبوي).
2ـ محمد أبو زهرة: عن مقالة له (المسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية) مجلة لواء الإسلام العددان 11و 12 لعام 1949.
3ـ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك: عن كتابه: (التداوي والمسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية) دمشق: 1991
4ـ محمد فؤاد توفيق: عن مقالة له عن (المسؤولية الطبية): في أعمال المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي) الكويت: 1981
5ـ عبد الستار أبو غدة: عن مقالة له عن (فقه الطبيب وأدبه) في المصدر السابق نفسه.
6ـ أبو حامد الغزالي: عن كتابه (أحياء علوم الدين).
7ـ أسامة عبد الله عن كتابه (المسؤولية الجنائية للأطباء) مصر: 1987.
  #314  
قديم 10-04-2008, 09:15 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

أدب الطبيب في ظل الإسلام

بقلم الدكتور محمد نزار الدقر
يحتاج الطبيب، من وجهة نظر الشارع الإسلامي إلى مجموعة من الصفات، كي يكون مؤهلاً لتأدية واجبه الطبي على الوجه الأكمل ومع أن القيام بهذه المهنة واجب كفائي إلا أن علماءنا اعتبروها نمن أشرف المهن لارتباطها بحفظ النفس وحسن أداء الإنسان لمهمة استخلافه في هذه الأرض. بيد أنهم جعلوا ذلك رهين شرطين اثنين:
أولهما أن تمارس المهنة بكل اتقان وإخلاص، وثانيهما أن يراعي الطبيب بسلوكه وتصرفاته الخلق الإسلامي القويم. وقد جمع الدكتور شوكت الشطي صفات الطبيب الحاذق التي تتطلبها الشريعة الإسلامية عن مؤلفات الطب الإسلامية في عشرة صفات:
1ـ على الطبيب أن يلم بأسباب المرض والظروف التي أحاطت به بما في ذلك النظر في نوع المرض ومن أي شيء حدث والعلة التي كانت سبب حدوثه.
2ـ الاهتمام بالمريض وبقوته والاختلاف الذي طرأ على بدنه وعاداته.
3ـ أن لا يكون قصد الطبيب إزالة العلة فقط، بل إزالتها على وجه يؤمن معه عدم حدوث على أصعب منها. فمتى كانت إزالتها لا يؤمن معه حدوث ذلك أبقاها على حالها وتلطيفها هو الواجب.
4ـ أن يعالج بالأسهل فالأسهل فلا ينتقل من العلاج بالغذاء على الدواء إلا عند تعذره ولا ينتقل إلى الدواء المركب إلا عند تعذر الدواء البسيط.
5ـ النظر في قوة الدواء ودرجته والموازنة بينها وبين قوة المرض.
6ـ أن ينظر في العلة هل هي مما يمكن علاجها أم لا؟ فإن لم يكن علاجها ممكناً حفظ صناعته وحرمته ولا يحمله الطمع في علاج لا يفيد شيئاً.
7ـ أن يكون له خبرة باعتدال القلوب والأرواح وأدويتها وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان فإن انفعال البدن وطييعته وتأثير ذلك في النفس والقلب أمر مشهور.
8ـ التلطف بالمريض والرفق به.
9ـ أن يستعمل علاجات منها التخييل إن لحذاق الأطباء في التخييل أموراً لا يصل إليها الدواء.
10ـ على الطبيب أن يجعل علاجه وتدبيره دائراً على ستة أركان: حفظ الصحة الموجودة، ورد الصحة المفقودة، وإزالة العلة أو تقليلها، واحتمال أدنى المصلحتين لإزالة أعظمهما، وتقريب أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما. فعلى هذه الأصول الستة مدار العلاج وكل طبيب لا تكون هذه أمنيته فليس بطبيب. ويقصد بالتخييل الإيحاء وهذا نما يذكرنا بأهمية التعامل مع المريض وطمأنته وهو أمر ضروري لدعم أجهزة الوقاية والمناعة في البدن.
ويلخص التاج السبكي رحمه الله آداب الطبيب فيقول: من حقه بذل النصح والرفق بالمريض، وإذا رأى علامات الموت لم يكره أن ينبه على الوصية بلطف من القول، وله النظر إلى العورة عند الحاجة، وبقدر الحاجة. وأكثر ما يؤتى الطبيب من عدم فهمه حقيقة المرض واستعجاله في ذكر ما يصفه، وعدم فهمه مزاج المريض، وجلوسه لطب الناس دون استكمال الأهلية، ويجب أن يعتقد أن طبعه لا يرد قضاء ولا قدراً. وأنه يفعل امتثالاً لأمر الشرع وأن الله تعالى أنزل الداء والدواء .
وقد أكد أبو بكر الرازي في حديثه عن أخلاق الطبيب هذه النقطة فقال: وليتكل الطبيب في علاجه على الله تعالى ويتوقع البرء منه، ولا يحتسب قوته وعمله، ويعتمد في كل أموره عليه.
فإن عمل بضد ذلك ونظر إلى نفسه وقوته في الصناعة وحذقه حرمه الله من البرء
واتقان الطبيب صنعته يدخل ضمن عموم الدعوة النبوية الكريمة: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)[1] ومما نفهمه من قول النبي e: (إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله )[2] ففي الحديث تشجيع للبحث لاكتشاف الأدوية الفعالة وحث للطبيب على زيادة معارفه الطبية واتقان فنه. ولأن الإصابة منها تؤدي إلى الشفاء كما نفهم ذلك من قول النبي e: (فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله )[3] .
وقد علمنا رسول الله eأنه ينبغي الاستعانة في كل علم وصناعة بأحدق من فيها، فالأحدق إلى الإصابة أقرب. فقد ذكر الإمام مالك في موطئه عن زيد بن أسلم أن رجلاً من أصحاب النبي eجرح فحقن الدم. فدعا له رجلين من أنمار فقال رسول الله e: أيكما أطب؟ فقال أحدهما أو الطب خير يا رسول الله؟ فقال: (إن الذي أنزل الداء هو الذي أنزل الدواء )[4] روى الحديث أيضاً عبد الملك بن حبيب [5] عن أصحاب مالك الذين لقيهم في المدينة وزاد أحدهما قال: (أنا أطب الرجلين. فأمره رسول الله eبمداوته فبط بطنه واستخرج منه النصل ثم خاطه).
والنجدة لتفريج كربة المريض وتلبية الواجب لإسعافه ليلاً ونهاراً من واجبات الطبيب المسلم لقول النبي e: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة )رواه مسلم.
وعلى الطبيب أن يبدأ المعاينة والعمل الجراحي أو الوصفة بقوله: (باسم الله أو باسم الله الرحمن الرحيم) لقول النبي e:(كل عمل ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع)[6].
ومن واجب الطبيب بذل النصح للمريض. وأن يقصد بعمله نفع الخلق والإحسان إليهم.
ومن النصيحة للمريض أن يجتهد في وصف الدواء الأنسب وأن يحفظ ماله، فلا يصف له دواء غير نافع في مرضه، أو يطلب له تحليلاً أو فحوصات لمجرد أن ينتفع هو أو ينفع مختبراً فيتعاون معه ليقبض عمولة مثلاً. فكل هذه الأمور هي خيانة للمريض ونقض للأمانة التي في عنق الطبيب من النصح له. يقول النبي e: (إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا )[7]ومن هذا حفظ عرض مريضه فلا يكشف من عورته إلا ما تستدعيه الحاجة والمعانية الطبية.
ومن النصيحة للمريض أن لا يقدم على معالجته في كل حال يتغير منها خلقه، فلا يعالج وهو منزعج، ولا هو على عجلة من أمره ولا وهو غضبان. وقد قاسوا ذلك من أمر الطبيب على ما صح عنه e(عن نهيه للقاضي أن يقضي وهو غضبان)[8] .فهذه حالات تخرج المرء عن أن يحكم بسداد النظر. ويستثنى من ذلك من لو كانت حالته تستدعي السرعة في العلاج.
ومن النصيحة للمريض أن يمضي معه، أو مع أهله، وقتاً كافياً، ليس فقط ما تستدعيه المعاينة الطبية، بل ليستوعب الوضع الاجتماعي والروحي للمريض، والذي هو جسد وعقل ونفس.
فعلى الطبيب أن يلمسه برفق وأن يصوغ كلماته بأسلوب إنساني تغلفه الرحمة وأن يحسن الإصغاء إليه وأن يسكن من روعه ويبعث في نفسه السكينة والطمأنينة، اللذان يشدان من عزيمة المريض ويرفعا روحه المعنوية ويقويا وسائل المناعة في جسمه مما يجعلهما عاملاً في الشفاء.
وعلى الطبيب أن لا يتوانى عن إرسال مريضه إلى مختص، أو عمل لجنة استشارية له إذا كانت حالته تستدعي ذلك قياماً منه بالأمانة والنصيحة المطلوبين منه شرعاً. وعليه أن يبتعد عن غيبة الناس وخاصة زملاءه من الأطباء أو تجريفهم.
ويجب على الطبيب أن يكتم سر مريضه لقول النبي e: (المستشار مؤتمن)[9] إلا أن يخل هذا الكتمان بمصلحة المريض بالذات أو بمصلحة الجماعة. يقول أبو بكر الرازي: واعلم يا بني أنه ينبغي للطبيب أن يكون رفيقاً بالناس حافظاً لغيبهم، كتوماً لأسرارهم، فإنه ربما يكون ببعض الناس من المرض ما يكتمه عن أخص الناس به، وإنما يكتمونه خصوصياتهم ويفشون إلى الطبيب ضرورة، وإذا عالج من نسائه أو جواريه أحداً فيجب أن يحفظ طرفه ولا يجاوز موضع العلة .
وعلى الطبيب أن يعلم الحرام والحلال فيما يختص بمهنته فلا يصف دواء محرماً إلا إذا انحصر الشفاء فيه لقول النبي e:(ولا تداووا بحرام )ولقوله سبحانه (وقد بين لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)[10] ومن ذلك أن يمتنع عن الإجهاض المحرم أو أن ينهي حياة مريضه الميؤوس من شفائه بأي وسيلة كانت لقوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً بل عليه أن يعمد إلى تخفيف آلامه وتهدئة نفسه حتى تأتي أجله. وعلمه بالحلال والحرام، واتقانه لفنه يجعله يخشى الله في فتاويه لمرضاه كأن لا يفتي لمريض بالأفطار في رمضان وهو يعلم أن مريضه لا يتأثر بالصيام وقد يستفيد منه.
ومن أدب الطبيب الدعاء لمريضه وفي هذا موساة له بالكلمة الطيبة كقوله معافى أو عافاك الله أو بدعاء مأثور. فقد ورد عن أنس رضي الله عنه أن النبي eدخل على أعرابي يعوده وهو محموم، فقال e: (كفارة وطهور)[11] ففي الدعاء للمريض تذكير له بخالق الداء والدواء حتى نبقى نفسه هادئة مطمئنة بالالتجاء إلى الله والتوكل عليه.
ويختلف الأطباء في تعاملهم مع مريض ميؤوس من شفائه كمصاب بسرطان مثلاً، فهناك من يفتح له الأمل ويرجيه الشفاء وقد يكذب عليه، وهناك من يواجه مريضه بالحقيقة سافرة، وهناك من يداري ويواري، فما هو رأي الشرع الإسلامي؟
الدكتور النسيمي يرى أن على الطبيب أن يكون لبقاً في تعريف المريض بمرضه ومحاولة تطمينه ورفه معنوياته، وككتم الإنذار بالخطر عنه، وإعلامه إلى ذويه المقربين، معتمداً على ما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي eقوله: (إذا دخلتم على مريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئاً وهو يطيب نفس المريض)[12].
أما الدكتور زهير السباعي فيقول: الإسلام هنا لا يضع حدوداً ضيقة ولا يقف مواقف صلبة، إنما يطالب الطبيب بالحكمة وأن يلبس لكل حال لبوسها: فهناك المريض الذي تنهار مقاومته لو عرف حقيقة مرضه، وهناك المؤمن القوي الذي يستطيع أن يجابه مرضاه بنفس راضية، وهناك من يحتاج إلى أن يعرف أبعاد مشكلته حتى يلتزم بالحمية والعلاج.
إلا أن القاعدة الأساسية التي يرسمها الإسلام هي الصدق. ولكن أي صدق نتحدث عنه؟ وهل يعرف الطبيب متى ينتهي أجل مريضه؟... إنما الصدق في شرح المشكلة المرضية وليس في تقدير الأجل. فهناك صدق فج جاف لا يبالي بمشاعر المريض، وهناك صدق لحمته الحكمة والرحمة. ولعل من الحكمة أن يعتمد الطبيب في مصارحته لمريضه على العموميات لا أن يخوض في التفاصيل، وإذا كانت هناك مضاعفات حقيقة فعليه أن يشرحها لذوي المريض حتى لا يتهم يوماً بالإهمال .
أما قيس بن محمد آل الشيخ مبارك فيرى أن المريض إذا كان قاصراً أو صغيراً فيجب عدم إخباره، لأن القاصر لا يملك أمر نفسه وعلى الطبيب أن يخبر وليه الذي أذن له في علاجه، كما أن الصغير مظنة للسخط أنما البالغ العاقل فلا شك في أن الواجب الشرعي يقتضي إخباره بكل ما يتعلق بصحته من معلومات، ومصدر الوجوب العقد الذي جرى بينهما., ثم يقول: وأما ما يخشاه الطبيب من أن تزداد حالة مريضه سوءاً إذا علم بحقيقة الأمر فلا يكون مانعاً له أن يخبر المريض لسببين: الأول أن الطبيب قد ألزم نفسه في عقد الإجارة بذلك فلا يجوز له نقض العهد. والثاني أن عقيدة القضاء والقدر تعصم المسلم من الوقع في الاضطراب والانزعاج، والمسلم مأمور بالصبر والتسليم لأمر الله .
إلا أن قيس بن محمد يعود في نهاية بحثه فيقول: إلا أنه يمكن للطبيب وقد لاحظ عدم إمكانية إخبار مريضه، فيجوز أن يخبر بذلك أهله وأقاربه ليتولوا هم إخباره، إلا أن عليه أن يختار التعابير المناسبة. وكما يقول الإمام السبكي وإذا رأى علامات الموت لم يكره أن ينبه على الوصية بلطف من القول .
ومن أدب الطبيب أن يكون حسن المظهر. إذ يجب أن يكون لباسه جميلاً ونظيفاً ومتناسقاً مع الوظيفة التي أناطها الله به. ومن هذا أيضاً أن يحافظ على صحته، فإنه إذا عدم الصحة كان محلاً لعدم الثقة والنفرة من المرضى.
تطبيب الجنس للجنس الآخر
عن الربيع بنت معوذ قالت: (كنا مع النبي eنسقي ونداوي الجرحى ونرد القتلى إلى المدينة )[13]. قال ابن حجر: وفي الحديث دليل على جواز معالجة الأجنبية الرجل عند الضرورة وقال في باب هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل: أما حكم المسألة فتجوز مداواة الأجانب عند الضرورة وتقدر بقدرها قيما يتعلق بالنظر والجس باليد وغير ذلك... والحديث يدل على مداواة النساء للرجال، فيؤخذ حكم مداواة الرجل المرأة منه بالقياس .
ولقد (كان رسول الله eفي كل غزوة يسهم بين نسائه فأيها خرج السهم عليها خرجت معه. وكانت الصحابية المتطوعة للتمريض، يخبرها رسول الله eبين أن تكون في رفقة نساء قومها أو أن تكون في رفقة أم المؤمنين التي كانت قرعتها في الخروج معه عليه السلام ولقد اشتهرت رفيدة الأنصارية)[14]بمداواة الجرحى في العهد النبوي، ولقد جعل لها رسول الله eخيمة ضمن مسجده الشريف، كانت كمستشفى ميداني لمعالجة الجرحى في غزوة الخندق.
ويوضح الدكتور النسيمي هذه النقطة بقوله: الأصل عدم جواز معاينة ومداواة الرجل المرأة غير المحرم أو العكس لوجود النظر والجس فيهما. ويستثنى من ذلك حالات الضرورة كعدم توفر طبيبة تثق المريضة في مهارتها، أو لعدم توفر طبيبة في ذلك الاختصاص، أو لحاجة المسلمين إلى الرجال من أجل الجهاد.
أدب عيادة المريض
وهي من الآداب الإسلامية التي يخاطب بها عموم المسلمين، ويخص بها الطبيب لاتصال المباشر بالمرضى. والطبيب علاوة على كونه يؤدي مهمته، فغن التزامه بهذه الآداب هي من تمام حق المسلم على أخيه وبذلك يكون أداؤه لمهتمه أكمل وأتم.
وعيادة المريض هدي نبوي كريم وأدب ديني للأمر بها والأجر والفضل عليها:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله eبعيادة المريض)[15]وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله eقال: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض وإتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس)[16]
وعن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله eقال: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده )[17].
وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي eقال: (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع. قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة قال: جناها)[18].
وقد سن للزائر أن يدعو للمريض بالشفاء. وفي الدعاء له قول خير وتطييب لنفسه وتنبيه له للالتجاء إلى الله تعالى مزيل البأس ومالك الشفاء فيكتسب المريض مزيداً من الطمأنينة عن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله eإذا أتى المريض يدعو له قال:(أذهب البأس رب الناس، أشف أنمت الشافي لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقماً )[19].وعن ابن عباس أن النبي eدخل على أعرابي يعوده قال:(لا بأس طهور إن شاء الله)[20] .
وقت لفت نبي الرحمة eالانتباه إلى ناحية هامة عند زيارة المريض، سواء كان الزائر طبيباً أم قريباً أم صديقاً وهي ألا يتكلموا في حضرة المريض بما يثير مخاوفه أو يأسه بل عليهم أن يفعلوا ما يطيب نفسه عليه السرور والبهجة عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي eقال:(إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)[21].
كما اهتم ديننا الحنيف بإدخال الطمأنينة على المريض وزيادة أمله في الشفاء فلقد علق ابن القيم على قول النبي e لكل داء دواء فقال: في هذا الحديث تقوية لنفس المريض والطبيب وحث على طلب الدواء. فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيد تعلق قلبه بروح الرجاء وبرد من حرارة اليأس .
ومن هنا نفهم كيف حول الإسلام عيادة المريض من زيارة عابرة ليجعل منها علاجاً روحياً يرفع من معنويات المريض ويقوي أمله في الشفاء، فضلاً عن تحقيق الرعاية والمؤانسة له، وشد أزر أهله وذويه.
مراجع البحث
1ـ أبو بكر محمد بن زكريا الرازي: أخلاق الطبيب تحقيق عبد اللطيف محمد العبد ـ القاهرة: 1977.
2ـ ابن قيم الجوزية: الطب النبوي .
3ـ عبد الملك بن جبيب الأندلسي: الطب النبوي تحقيق محمد على البار، دمشق: 1993.
4ـ ابن حجر السقلاني: فتح والباري في شرح صحيح البخاري.
5ـ الدكتور أحمد شوكت الشطي: الوجيز في الإسلام والطب ـ دمشق: 1960.
6ـ الدكتور محمود ناظم النسيمي: الطب النبوي و العلم الحديث ج3، بيروت: 1992.
7ـ د. زهير أحمد السباعي ود. محمد علي البار: الطبيب أدبه وفقهه دمشق: 1993.
8ـ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك: التداوي والمسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية دمشق 1991.
9ـ د. عبد الستار أبو غدة: فقه الطبيب وأدبه عن أعمال المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي ـ الكويت: 1981.
[1] رواه البيهقي.[2] رواه ابن ماجه وأحمد والطبراني ورجاله ثقات مجمع الزوائد .[3] رواه مسلم. [4] الحديث مرسل، لكن مرسله زيد بن أسلم من كبار التابعين، ومرسلاته صحيحة عند المحدثين. [5] في كتابه الطب النبوي . [6] رواه السيوطي عن أبي هريرة واسانده حسن.[7] رواه البخاري.[8] رواه البخاري ومسلم.[9] رواه الترمذي.[10] وقد فصلنا ذلك في بحثنا عنة التداوي بالمحرمات.[11] رواه البخاري.[12] رواه الترمذي وابن ماجه وفي سنده إبراهيم التميمي وهو منكر الحديث الأرناؤوط .[13] رواه البخاري [14] عن أسد الغابة والأجر في معرفة الصحابة. [15] رواه البخاري ومسلم.[16] رواه البخاري ومسلم. [17] رواه مسلم.

[18] رواه البخاري. [19] رواه مسلم. [20] رواه مسلم. [21] رواه مسلم.


  #315  
قديم 10-04-2008, 09:21 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

لا تداووا بحرام

بقلم الدكتور محمد نزار الدقر
عن أم الدرداء رضي الله عنها أن النبي قال: (إن الله خلق الداء والدواء فتداووا ولا تداووا بحرام) رواه أبو داود والطبراني ورجاله ثقات (مجمع الزوائد)
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي قال: (إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام) رواه أبو داود.
عن أم سلمة رضي الله عنهما أن النبيقال: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) رواه أبو داود والطبراني ورجاله الصحيح (مجمع الزوائد).
وعن وائل بن حجر رضي الله عنه أن طارق بن سويد (سأل النبي عن الخمر، فنهاه ـ أو كره أن يصنعها ـ فقال: إنما أصنعها للدواء. فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء)رواه مسلم.
وفي رواية: قال رجل للنبي : عندنا أنبذة أنتداوى بها؟ قال: أهي مسكرة؟ قال: نعم، قال: أهي مسكرة؟ قال: نعم: إنها داء وليست بدواء) رواه مسلم والبيهقي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله عن كل دواء خبيث كالسم ونحوه)وفي رواية (نهى رسول اللهعن الدواء الخبيث)رواه أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح.
قال الرازي: (ومن معاني جعل، حكم، أي شرع كما في قوله تعالى: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وسيلة ولا حام)، فمعنى لم يجعل شفاء أمتي، أي لم يشرع اسشفاء أمته فيما حرم الله).
قال ابن الأثير: إنما سمى الخمر داء في شربها من الإثم. وقد يستعمل لفظ الداء في الآفات والعيوب ومساوئ الأخلاق، ألا تراه سمى البخل داء؟
قال ابن الأثير: (والدواء الخبيث يكون من جهتين: إحداهما النجاسة وهو الحرام كالخمر ونحوها، ولحوم الحيوان المحرمة وأرواثها وأبوالها، وكلها نجسة وتناولها إلا ما خصصته السنة من أبوال الإبل، والجهة الأخرى من جهة الطعم والمذاق. ولا ينكر أن يكون مكره ذلك لما فيه من المشقة على الطباع وكراهية النفوس لها).
قال ابن القيم: (وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه، وتحريمه حمية له وصيانة عن تناوله فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإن إن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه.. وأيضاً، فإن في إباحة التداوي به، ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه ذريعة إلى تداوله للشهوة واللذة ولا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها مزيل لأسقامها والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن ...).
والحقيقة التي لا يشك فيها منصف أن الله سبحانه وتعالى لم يحرم شيئاً على هذه الأمة إلا وقد أثبت الطب ضرره البالغ على الجسم يفوق ماله من فائدة، إن وجدت له مثل هذه الفوائد. وإذا كان المحرك خاصية دوائية معينة قد تفيد في إصلاح بعض العلل، إلا أنه يملك إلى جانب ذلك آثار ضارة تهدد كيان وصحة هذا البدن تفوق المنفعة المرتقبة من تناوله.
فالدواء المحمود هو الذي يفيد في العلة وتكون أعراضه الجانبية قليلة أو معدومة. أما الدواء الذي تكون أثاره الجانبية شديدة، أو أن طول استعماله يؤدي إلى أذى بليغ فهو الدواء الخبيث ومنه الخمر الذي أبطل الطب الحديث تداوله في التداوي في منتصف هذا القرن وألغي نهائياً من مفردات الطب.
وتفيد الأحاديث التي أوردناها تحريم التداوي بالمحرمات في شرعنا الحنيف. وإن نهى الرسول القاطع بذلك أدى إلى اتفاق، بل وإجماع الأمة المجتهدين على ذلك. إلا أن هناك حالات قد لا يجد الطبيب أمامه إلا (دواء محرماً) يمكن أن ينقذ مريضه من محنته المرضية فما هو حكم الشرع في ذلك؟
قال تعالى: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه).
وقال تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير .. إلى قوله: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم).
وقال تعالى: (إنما حرم عليكم المتية والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم)
تدل هذه الآيات الكريمة على أن المشرع الحكيم قد استثنى حالات الضرورة من التحريم وأطلقها من غير قيد ولا شرط ولا صفة، فاقتضى وجود الإباحة الضرورة سواء كان ذلك للتغذي في حالة المخمصة أو للتداوي في حالة المرض. ويعرف علماؤنا الضرورة بأنها الحالة المحدقة بالإنسان في ظروف سيئة تحمله على ارتكاب المحرم من أجل المحافظة على نفسه من الهلاك أو لدفع أذى لا يتحمله، إما يقيناً أو ظناً. وعلى هذا فإن المريض إذا خاف على نفسه، أو الطبيب المسلم على مريضه، من الهلاك أو تلف عضو، أو بلغ به من الألم حداً لا يحتمل، ولم يجد دواء مباحاً ينقذه من علته، جاز له أن يستعمل، أو أن يصف الدواء المحرم إذا غلب على ظن الطبيب الحاذق فائدته.
ولقد اتفق أئمة المذهب الحنفي والشافعي على إباحة التداوي بالمحرمات عند الضرورة، عدا المسكرات، وتلكم الأدلة:
1ـ لقد أجاز الله سبحانه وتعالى للمحرم بالحج أن يحلق رأسه إذا اضطر إلى ذلك لأذى في رأسه مع أن الحلق من محرمات الأحرام. قال تعالى: (فمن كان به أذى من رأسه ففدية ...) (البقرة: الآية)
2ـ رخص النبي لصحابيين جليلين في لبس الحرير وهو محرم على الرجال لحكة كانت بهما. عن أنس بن مالك (رخص رسول الله لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبس الحرير لحكة كانت بهما)رواه البخاري ومسلم.
3ـ رخص النبي في استعمال الذهب في التداوي حالة لضرورة كستر عيب أو إزالة تشوه. عن عرفجة بن أسعد (أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية فاتخذت أنفاً من ورق فأنتن علي فأمرني رسول الله أن اتخذ أنفاً من ذهب)رواه الترمذي وحسنه.
4ـ رخص النبي لرهط عرينة التداوي بأبوال الإبل (راجع البحث في مكان آخر من الكتاب).
ولقد ذهب المالكية والحنابلة إلى منع التداوي بالمحرمات لعموم الحديث (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) وبقطع النظر عن خصوص السبب، لورود الحديث في معرض حادثة السؤال عن التداوي بالمسكر، كما علله الحنفية والشافعية.
ولقد اتفق الجمهور على تحريم التداوي بالمسكرات سواء كان ذلك بضرورة أن لا ، غير أن الحنفية استثنوا حالة الضرورة وتعين الشفاء بالمسكر وحده، وذلك استناداً إلى عموم الآية (فمن اضطر غير باغ ولا عاد).
ولقد أشار النووي إلى أن المعتمد عند الشافعية تحريم التداوي بالخمر (أي تجرعه وشربه للتداوي) أما تطبيقه على الجلد كعلاج خارجي عند الضرورة فقد أجازه النووي في فتاويه المسماة بالمسائل المنثورة.
وقيد بعض الشافعية حرمة التداوي بالخمر إذا كانت صرفة وغير ممزوجة بشيء آخر تستهلك فيه. فإذا استهلكت فيه جاز التداوي بشرط إخبار طبيب مسلم عدل وبشرط أن يكون المستعمل قليلاً لا يسكر[1] أو بحيث لم يبق فيه طعم ولا لون ولا ريح[2] .
وكلمة (استهلاك المسكر في الدواء) تعني تغير تركيبه بتفاعله مع الأدوية الأخرى المشاركة في تكوين الدواء. أو باستهلاك الـتأثير المسكر بغلبة تأثير المواد الأخرى بحيث لا يمكن السكر بذلك الدواء. وعلى هذا يشترط لشرب الأدوية المهيأة بالغول أو الخمر ثلاثة شروط:
1ـ أن يضطر المريض إلى ذلك الدواء لفقدان دواء مباح آخر يعادل بفائدته الدواء المحضر بالغول (AL cohol).
2ـ أن لا تؤدي الجرعة الدوائية لعوارض السكر الأولي.
3ـ أن يكون السكر بالمقدار الكبير غير ممكن أيضاً لأن زيادة مقدار الجرعة الدوائية إلى ذلك الحد تؤدي إلى حصول الضرر بالعقارات الأخرى المشاركة قبل حصول السكر به، أي أن تأثير الأدوية المشاركة يغلب تأثير الخمر أو الغول فأصبحت الخمر بذلك مستهلكة في ذلك الدواء.
وعلى هذا لا يجوز مطلقاً عند الشافعية التداوي بالخمر صرفاً أو بما يسمى بالخمور الدوائية.
أما الأدوية التي يدخل الغول في تركيبها لإصلاح الدواء أو منعه من الفساد أو لتسهيل إذابته أو من أجل استخلاص الخلاصة الدوائية من النبات فجائز ضمن الشروط السابقة، وأن يتحقق من ذلك طبيب مسلم عدل.
ومن أمثلة الضرورة على التداوي بالمحرمات، استعمال المخدرات في العمليات الجراحية أو لتسكين الآلام غير المحتملة، واستعمال الذهب في طبابة الأسنان وغيرها للعلاج دون التجميل، واستعمال بعض الهرمونات المستخلصة من أعضاء الخنزير إذا لم يكن لها نظير مستخلص من أعضاء البقر أو غيره من الحيوانات المباحة، وإسعاف النازفين بنقل الدم والاستفادة من أعضاء الموتى في عمليات الزرع إلى غير ذلك.
التدرج في ترك المسكرات لدى توبة المدمن:
يعرف الدكتور فيصل الصباغ، المدمن على الخمر بأنه الشخص الذي لا يمكنه الاستغناء عن تناوله والذي يستحيل عليه القيام بعمل اليوم والغد دون أن يشرب. بينما الشارب المعتدل فهو الذي يمكنه أن يحدد ما يستهلكه من الشراب، والذي لا يشرب بصورة منتظمة والذي لا يعتمد على المشروب للهرب من واقع مؤلم أو لتغطية قلق مزعج.
والمقرر بدون خلاف شرعاً، أو توبة غير المدمن تكون بترك المسكرات فوراً وبشكل كامل أما المدمن عليها، والذي سلبت إرادته تحت وطأة الاعتياد عليها، فإن الدكتور النسيمي يرى أن توبته مع التدرج بترك المسكر مقبولة شرعاً، إذا نوى الترك وعزم عليه وأخذ يتدرج بتنقيص المقدار الذي يتناوله، وبإطالة الفترة بين تعاطي مشروبين لأن الترك القطعي دون تدرج، ودون إشراف طبي إلى هذيان ارتعاشي عند المدمن وإلى حالة تشبه الجنون. ويستدل على ذلك بأن الإسلام كان قد تدرج في التحريم على الأمة فحرم على المسلم أن يقرب الصلاة سكراناً فأخذ الناس يقللون من شرب الخمور حتى لا تفوتهم صلاة مكتوبة، وهكذا إلى أن تخلص المسرفون من إدمانهم وأصبح بالإمكان تحريم الخمر مطلقاً.
مراجع البحث
1ـ ابن الأثير الجزري وكتابه: (جامع الأصول في أحاديث الرسول)
2ـ الهيثمي وكتابه: (مجمع الزوائد).
3ـ عبد الرحمن الجزيري في كتابه: (الفقه على المذاهب الأربعة).
4ـ الإمام الرازي في كتابه: (تفسير الإمام الرازي)
5ـ وهبة الزحيلي في كتابه: (نظرية الضرورة الشرعية).
6ـ ابن قيم الجوزية في كتابه: (الطب النبوي).
7ـ د. محمود ناظم النسيمي في كتابه: (الطب النبوي والعلم الحديث).
8ـ د. فيصل الصباغ عن كتابه: محاضرات في أمراض التغذية والتسممات.
[1] كما في مغني المحتاج في شرح المنهاج للشربيني الخطيب. [2] كما في إعانة الطالبين


  #316  
قديم 18-04-2008, 05:44 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

الصيــــام بــين الفقــه والطــب

بقلم الدكتور محمد السقا عيد
من المعلوم لدى المسلمين ، أن الصحة نعمة من نعم الله تبارك وتعالى، أسبغها على عباده ، ومنّ بها على الناس ، أمرهم بصيانتها ، وحرم عليهم ما يتلفها ويضعفها ، من مأكولات أو مشروبات الخ .
وقد بين الإسلام ، أن الإنسان في هذه الحياة ما بين صحة سقم ، وعافية وابتلاء ، هذه سنة الحياة ، فما من مخلوق إلا ويعتريه الصحة والمرض ، والإنسان ذلك الكائن الحي يتعرض لما يتعرض له غيره من المخلوقات من صحة ومرض ، إلا أنه في مرضه تكون له حالات معينة، تأخذ أحكاماً شرعية لأنه يمتاز عن غيره من الكائنات الحية بالتكليف وبالعبادة ، التي تتطلب أفعالاً مخصوصة لابد من مراعاتها ، حتى تكون عبادته صحيحة وعمله متقبلاً .
فكثير من الأحكام الفقهية تحتاج في تقديرها إلى طبيب ثقة ، يقدر فيها المرض الذي يعيق الإنسان عن أداء العبادة تبعاً لحالة المريض أو يؤجلها إلى حين الشفاء .
لهذا كان لزاماً على المريض أن يسترشد بأمر الطبيب الثقة ، في كيفية عبادته لحالته المرضية الملازمة له أو العارضة .
يقول الحق تبارك وتعالى ، في محكم التنزيل في الآية 185 من سورة البقرة ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) . سورة البقرة .
قد يحدث أن يأتي المريض إلى الطبيب في حالة لا يتحمل معها أداء العبادات ، ويقوم جهلاً منه مع سلامة نية وحسن طوية ، بأداء تلك العبادات فينتكس المريض وتعظم العلة ، ويتحكم الداء ، ويقف الطبيب موقف العاجز عن إرشاده أو توجيهه إسلامياً ، وبيان حكم الإسلام في حالته هذه ، أو تكون الأمور على عكس ذلك ، فمثلاً قد تسمح حالة المريض بالقيام بالعبادات كلها أو بعضها ، فيمنعه الطبيب من مزاولتها ، ويتسبب في تعطيل الشعائر الدينية والواجبات الإسلامية ، والواجب على الطبيب الذي يقف موقف الإرشاد والتوجيه دائماً أن يكون على علم بهذه الأمور ، خاصة وأن كثيراً من تلك الأحكام لها علاقة بالنظافة والوقاية من الأمراض .
الصوم وما يتعلق به من أحكام فقهية :
صوم رمضان فريضة ، ومن المعلوم " إن الله يجب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه " وعلى الطبيب المسلم أن يتقى الله تعالى في كافة أموره ، خاصة ما يختص بالأحكام الشرعية ، التي تتعلق بسؤال المريض للطبيب المسلم عن الأمور التعبدية ، والتي أرجع الشرع فيها الرأي للطبيب المسلم الثقة العدل ، والطبيب المسلم الثقة هو المتميز بأنه :
حاذق في مهنته ، عالم بما يتعلق بعمله من أحكام ، مقيم للفرائض ، مجتنب للكبائر ، غير مُصّر على الصغائر .
الآراء الفقهية ومسألة فطر المريض :
إباحة الفطر لأصحاب الأعذار : يرخص الفطر للشيخ الكبير ، والمرأة العجوز ، اللذان لا يقدران على الصوم ويزدادان ضعفاً مع الأيام ، وكذلك المريض يلازمه مرض لا يبرأ منه إلى آخر حياته ، ولا يستطيع مع مرضه هذا أن يصوم ؟ فهؤلاء جميعاً يرخص لهم الفطر وليس عليهم قضاء ويطمعون عن كل يوم مسكيناً غداء وعشاء ، ويقدر ينصف صاع أو صاع من غالب قوت أهل البلد ، على خلاف في ذلك ، كما أجاز الحنفية إخراج القيمة نقداً .
من يرخص لهم بالفطرة وعليهم القضاء :
يرخص الفطر للمريض مرضاً شديداً يزيده الصوم ، أو يخشى تأخر برئه ، ويعرف ذلك إما بالتجربة أو بإخبار الطبيب الثقة .
وكذلك من غلبه الجوع والعطش وخاف على نفسه الهلاك ، لزمه الفطر وإن كان صحيحاً على نفسه الهلاك ، لزمه الفطر وإن كان صحيحاً مقيماً وعليه القضاء ، قال تعالى : )ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً (.
وعلى هذا ، فالمريض الذى يخبره الطبيب المسلم الخبير ، أن مرضه يمنعه من الصوم وجب عليه أن يفطر .
من يجب عليهم الفطر والقضاء :
اتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض والنفساء ويحرم علهم الصوم ، وإذا صامتا لا يصح صومهما ، ويكون باطلاً وعليهما القضاء لقول لعائشة رضي الله عنها ، فيما رواه البخاري ومسلم : ( كنا نحيض على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) ، بل إنهما تأثمان إذا صامتا حال الحيض والنفاس .
لاستعمال الدواء في الصوم ثلاث حالات :
§الأولى: عن طريق الفم . فإذا استعمل المريض الدواء عن طريق الفم، ودخل الدواء جوفه فإنه يفسد صومه سواء كان الدواء سائلاً أو جامداً ، مغذياً أو غير مغذ .
§الثانية: عن طريق الدبر (فتحه الشرج) : كل ما دخل إلى الجسم –سواء كان سائلاً أو لبوساً أو حقناً –فإنه يفسد الصوم .
§الثالثة: عن طريق الحقن بالوريد أو العضل ، فإذا أخذ المريض الدواء عن طريق الوريد أو العضل ، قال فريق من العلماء : فسد صومه لأن الدواء دخل الجسم واختلط بالدم ، وهو أبلغ في الفطر وأقوى ، ولأن ما في المعدة سيصل إلى الدم وهذا قد وصل ، واستشهدوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الفطر مما دخل ) والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأثمد عند النوم ليتقه الصائم .
وقال فريق آخر ، لا يفسد صومه ، وهو رأى ابن تيمية أيضاً .
والأولى أن نأخذ بالرأي الأول ، خروجاً على الخلاف إذا لم يكن هناك حرج ومشقة أما إذا كان هناك حرج ومشقة في ذلك فلا بأس في الأخذ بالرأي الثاني .
استعمال المناظير في الصيام :
إذ أريد إجراء منظار للمريض عن طريق الفم إلى المعدة ، فإذا أستطاع تأجيل المنظار إلى ما بعد الصوم فعل ، إن كان ذلك لا يضره ، كأن يريد الإنسان أن يعمل فحوصات مثلاً للاطمئنان على صحته ، أما إذا كان التأخير لنهاية يوم الصوم يضره ، وكان هناك داع لذلك ، فعل ذلك ، وقضى يوماً بدلاً من ذلك الذي فعل فيه المنظار ، لأنه بدخول المنظار إلى المعدة في نهار رمضان يفطر الصائم ، وعند الحنفية إذا كان المنظار جافاً وبقى طرفه المدلى إلى الخارج فإن الصوم لا يفسد .
المنظار عن طريق الدبر :
دخول المنظار عن طريق الدبر لا يفطر الصائم ، في رأى المالكية لأنهم يشترطون أن يكون الداخل من الدبر مائعاً ، وهو رأي القاضي من الشافعية ورأى ابن تيمية .
وقال الشافعية والحنفية والحنابلة يفطر الصائم ، وعلى هذا : إما أن يأخذ المريض بالرأي الأول ، وإما يؤخر المنظار إذا كان ذلك لا يضره وإن كان يضره التأخير يكون له عذر المريض ويقضي عند الشفاء ، إن شاء الله تعالى .
المنظار عن طريق المثانة :
في المنظار عن طريق المثانة رأيان ، أصحهما أنه لا يفطر الصائم فإما أن يأخذ به المريض ، وإما أن يؤخر المنظار إن كان ذلك لا يضره.
الخروج من الجسم :
قد يخرج الأطباء شيئاً من جسم الإنسان ، مثل القسطرة من المثانة –خروج البول –أو خروج سائل من النخاع ، أو عينات من أجزاء الجسم ، أو أخذ دم من المريض لتحليله ، أو لإسعاف مريض أو إخراج صديد أو بذل دمل، أو ما إلى ذلك ، كل ذلك لا يفطر الصائم ، وعليه أن يكمل صومه طبيعياً ، أما إذا أدى ذلك إلى ضعف المريض أو إرهاقه ، فإنه يفطر للمرض وليس بسبب الأخذ ، وعليه أن يقضى يوماً أخر بدلاً من ذلك عند الشفاء والاستطاعة .
أمراض القلب العضوية وحكم الصيام فيها :
§هبوط القلب : (H.F.)
(أ) متكافئ Compensated
في هذه الحالة يستطيع المريض أن يصوم وفي ذلك فائدة للحالة في العلاج ، خاصة أولئك المرضى الذين يعانون من السمنة كسبب مساعد في أمراض القلب .
(ب) غير متكافئ Decompansated
يباح الفطر في هذه الحالة ، خاصة وأن المريض يحتاج إلى تناول العقاقير على فترات قصيرة إلى أن يتم شفاء حالة المريض فيقضى المريض ما عليه بإذن الله تعالى :
§أمراض الشريان التاجي والذبحة الصدرية Ischemic heart diseases
يعتمد الحكم في هذه الحالات على حالة المريض ، من حيث استقرار حالته ومعدل تكرار آلام الصدر ، فمثلاً إذا كانت حالة المريض مستقرة تحت نظام العلاج ولا يشعر بنوبات الذبحة المتكررة ، ففي هذه الحالة يعتبر الصيام جزءاً من العلاج ، حيث يقلل من امتلاء المعدة بالطعام ، فتحسن الدورة الدموية المعدية للقلب كما يساعد في إنقاص وزن المريض، وهذا عامل مساعد في تحسن حالة القلب ، أما إذا كانت حالة المريض غير مستقرة (Unstable) وتتكرر فيها نوبات الألم ، مما يستدعى تناول العقاقير تحت اللسان على فترات متقاربة فيرخص الفطر إلى أن تستقر حالة المريض ، ثم يقضى ما فاته بإذن الله تعالى .
§روماتيزم القلب النشط : Pheumatic Carditits
تتميز هذه الحالة بارتفاع في درجة الحرارة وعدم استقرار حالة القلب، مما يتطلب معها نظاماً خاصاً في العلاج المتكرر على فترات منتظمة . متقاربة ، ونظاماً خاصاً للتغذية والراحة ، لذا يرخص للمريض بالفطر حتى يشفي بإذن الله تعالى ، وتستقر حالته ، ويقرر الطبيب المسلم بعد ذلك مدى قدرته على قضاء ما فاته من صيام .
§أمراض صمامات القلب :Valvular heart diseases
سواء أكانت متكافئة أو غير متكافئة ، لا يستطيع المريض معها الصيام ويرخص له بالفطر إلى أن يشفي وتستقر حالته ، ثم يقضى ما عليه .
§ارتفاع ضغط الدم S.Hypertension
يعتبر الصيام جزءاً من العلاج في حالات ارتفاع الضغط الطفيفة والمتوسطة الشدة ، التي يمكن السيطرة عليها بالعلاج الطبي ، أما في الحالات الشديدة Severe or malignantالتي تحتاج لتكرار العلاج عن طريق الفم في فترات متقاربة ، فننصح بالفطر ، على أن يعاود المريض الصيام عند ثبات الحالة وانضباط الضغط .
أمراض الجهاز التنفسي :
§الدرن الرئوي : Pulmonary tuberculosis
وينقسم حسب تطور الحالة إلى :
(أ) نشط (Active) وفي هذه الحالة تعتبر التغذية جزءاً مهما من العلاج لذا يرخص للمريض بالفطر إلى تستقر حالته ويعود إلى طبيعته ويكمن مرضه فيقضى ما عليه .
(ب) غير نشط ومستقر Controlledويمكن لهؤلاء المرضى الصيام لاستقرار حالتهم ، لأنه قد لوحظ أن مضادات الدرن من العقاقير التي يمكن بل يستحسن أن تعطى جرعة واحدة وكذلك باقي أمراض الجهاز التنفسي كالأزمات الشعبية والربو وتمدد الرئتين ويرها ويكون الحكم فيها حسب الحالة التي يقدرها الطبيب المسلم .
حصوات الكلى والتهاباتها :
تعتبر السوائل بكثرة عن طريق الفم ، خطوط العلاج الرئيسية
لذا يرخص بالفطر لهؤلاء المرضى حتى تستقر حالتهم ويتم الشفاء بإذن الله تعالى وعليهم بعد ذلك القضاء .
أمراض النساء والتوليد :
الحيض والنفاس:اتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض والنفساء ويحرم عليهما الصيام ، وإذا صامتا لا يصح صومهما ، ويكون باطلاً وتأثمان ، وعليهما القضاء لحديث السيدة عائشة رضى الله عنها –فيما رواه البخاري كما وضحنا سابقاً .
الاستحاضةMetrorrhagia:وتطلق على الدم الخارج من الفرج دون الرحم ، في غير أيام الحيض والنفاس وعلامته ألا يكون منتناً ، ويجب على المرأة الصيام ولا تقضى منه في هذه الحالة ، أما إذا كان النزيف بصحة المرأة فتقدر الطبيبة المسلمة لها الفطر وعليها القضاء بعد الشفاء .
الحامل والمرضع :
إن الإسلام حريص على المسلمة بحيث لا تضار صحياً ، ويضار جنينها ، ولذلك فإن الحمل في المرحلة الأولى ، إذا لم يصاحبه مضاعفات كالقيء والغثيان ولم تكن هناك أعراض مرضية أخرى ، فعلى الحامل الصوم في هذه المرحلة دون الخوف على جنينها أو نفسها ، أما إذا كانت أعراض الوحم شديدة وصاحبها القيء والغثيان ورأت الطبيبة المسلمة حاجة إلى الفطر فإنه يرخص لها بالفطر ، حتى تزول هذه الأعراض ثم تقضى ما أفطرته .
أما مرحلة الحمل الثانية : Second Trimester
فعليها أن تصوم دون خوف ، مادامت خالية من أية أمراض تتعارض مع الصوم .
وفي المرحلة الثانية :
فإن معظم السيدات يقطعن الصيام ، إلا إذا حدث لهن : ضعف شديد ، ضيق بالتنفس ، عدم القدرة على القيام بالمجهود المعتاد ، أو حدوث أية أمراض أخرى في هذه الفترة …إذا حدث ، فيجوز الفطر وعليهن القضاء.
وفي الأحوال كلها ، على المريضة ألا تقرر بنفسها ، وإنما تستعين بطبيبة مسلمة ماهرة وبالنسبة للمرضع ، فإنها تستطيع أن تتخذ القرار وحدها ، فإذا كان لبنها يشبع طفلها أو يستفيد من إضافة اللبن الصناعي ، فإنها تستطيع الصيام ، أما إذا كان لبنها لا يكفي وتريد إرضاعه طبيعياً فهذا حقها ولها أن تفطر ثم تقضى بعد ذلك .
مرضي السكر والصوم :
لاشك أن الصوم إذا روعيت آدابه وفهمت مراميه الصحية ، فإنه يحمى من السمنة أو البدانة ، وبالتالي يعتبر عملاً وقائياً ضد مرض السكر عند بعض الناس ، ويمكننا تقسيم مرضى السكر إلى :
أولاً: المرضى البدينون (Obese):لاشك أن الصوم يفيد هؤلاء كجزء من العلاج مع بعض ، الأقراص لعلاج السكر بعد الإفطار والسحور، مع تقليل الجرعة مع الصيام .
ثانياً: بعض المرضى الذين يأخذونإبرة الأنسولين كعلاج مرة واحدة في اليوم ، يمكنهم الصوم على أن يأخذوا إبرة الأنسولين قبل الإفطار مباشرة ، وأن يكونوا تحت إشراف طبي دقيق ويلاحظ أيضاً تقليل جرعة الأنسولين مع الصيام .
ثالثاً: مرض السكر النحاف وصغار السن :Juvenile Onset : على هؤلاء أن يفطروا ، لأن حالتهم الصحية لا تسمح لهم بالصيام .
رابعاً: المرضى الذين يأخذون جرعات الأنسولينأكثر من مرة في اليوم، بسبب ارتفاع السكر بدرجة شديدة، فهؤلاء لا يستطيعون الصوم .
خامساً: مرضى السكر الضعاف، والذين لديهم مضاعفات في الأعصاب أو الكلى ، أو الالتهابات ، أو الذين لهم جراحات أو مرضى السكر الحوامل …كلهم لابد لهم من الإفطار .
الصيام ومرضى الروماتيزم :
ولكي يسهل على القارئ استيعاب هذا المرض ، نقسم نفسهم مرضى الروماتيزم إلى ثلاثة فئات :

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
  #317  
قديم 18-04-2008, 05:46 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ... الصيــــام بــين الفقــه والطــب
أولاً : الأمراض الروماتيزمية الإلتهابية :
مثل الروماتويد ، وروماتيزم العمود الفقري التيبسي ومرضى القناع الأحمر Systemic Lupus erythematosus.
والحمى الروماتيزمية وأمثالها …هذه الأمراض تحتاج في حالتها الحادة إلى علاج دوائي بالفم عادة ، في فترات منتظمة كل 4 أو 6 ساعات لمدة قد تطول ، كذلك يحسن تناول الأقراص بعد الأكل حتى لا تؤثر على معدة المريض ، هناك لا مناص من أن يفطر المريض ، حتى ينتظم العلاج، ويحدث الشفاء ، ويقضى المريض الأيام التي أفطرها بعد الشفاء.
أما مرضى روماتيزم المفصل الواحد الذين يحتاجون فقط إلى حقن موضعية بالمفصل المصاب ، فيمكنهم الصيام ولا يفسد العلاج صيامهم .
كذلك المرضى الذين يحتاجون للعلاج الطبيعي فقط ، فيمكنهم أخذ جلسات الأشعة القصيرة وفوق الصوتية ، وعمل حمامات الشمع والتمارين العلاجية أثناء الصيام ، كما أن المرضى الذين يحتاجون للعلاج الإشعاعي بالأشعة العميقة ، يمكنهم عمل ذلك سواء أثناء الصيام أو بعد الإفطار ، حيث أن ذلك لا يتعارض مع صيامهم .
ثانياً : مرضى الروماتيزم الميتا بوليزمى :
وهو الروماتيزم الذي ينشأ نتيجة أخطاء الميتابوليزم وأمراض الغدد الصماء ، وأهم هذه الأنواع من الروماتيزم ، مرض النقرس Gout، ومرض الروماتيزم المصاحب لمرض السكر ، فمريض النقرس عادة ، يكون من الذكور ، ونسبة إصابة الذكور إلى الإناث 1:9 وغالباً ما يبدأ المرض وبالتورم والاحمرار ، الذي يصيب إبهام إحدى القدمين غالباً ولا تزيد النوبة على عدة أيام ثم تختفي لمدة طويلة ، قد تمتد إلى عدة سنوات، قبل أن يعانى المريض من نوبة أخرى ، والصيام في هذه الحالة يتوقف على عدة عوامل :
فمثلاً أثناء النوبات الحادة ، لا يطيق المريض الصيام لاحتياجه الُملّح إلى أدوية بسرعة ، وعلى فترات متقاربة ، قد تكون كل ساعة أو ساعتين، حتى تنتهي النوبة الحادة بسرعة ويزول الألم ، أما المرضى في غير النوبات الحادة ، فإذا كانت حالتهم بسيطة ومبكرة ، وكانت وظيفة الكليتين جيدة ، ولم يسبق لهم أن أصيبوا بنوبات مغص كلوي ، فيمكنهم الصيام .
وبالنسبة لنسبة حمض البوليك ، إذا كانت شديدة الارتفاع ، وكانت وظيفة الكليتين غير متكافئة ، فيجب عليهم الإفطار ، لأنهم محتاجون إلى شرب السوائل بصفة منتظمة وبكميات كبيرة ، من 2 –3 لتر يومياً .
والامتناع عن السوائل هنا ، قد يعرض الكلية للخطر ، لهذا فالإفطار مباح حسب نصيحة الطبيب المعالج .
أما الروماتيزم الذي يصاحب مريض السكر والذي من أهم أعراضه ، آلام الكتف وإصبع الزناد وتنميل الأصابع ، ,ألم أسفل الظهر ، وروماتيزم القدم ، فإن الصيام مفيد لهم .
ثالثاً : الروماتيزم التعظمي (الروماتيزم المفصلي العظمي)
كالذي يصيب أسفل الظهر ، ومفصل الفخذ ، أو مفصل الركبة ، أو بسبب مهماز القدم ، فإن الصيام واجب ومفيد ، حيث أن إنقاص الوزن وتقليل الحركة ، من العوامل الرئيسية للشفاء .
ولا يفوتنا في هذا المجال ، أن نذكر أن الصفاء الروحي ، واتجاه الصائم بقلبه ووجدانه إلى بارئه ، له أثر السحر في شفاء الكثير من الأمراض الروماتيزمية ، لأن الأيمان العميق الصادق بالله ، وملائكته وكتبه ورسله ، وكذلك الروحانية التي تسود شهر رمضان ، كل هذا يبعث الأمل في نفس المريض والثقة بالشفاء ، مما يرفع من معنوياته ، ويقوى جهاز المناعة –أي جهاز التغلب على العديد من الأمراض التي تستحكم ، نتيجة إخلال المناعة بالجسم –مثل الروماتويد ، ومرض القناع الأحمر وغيره .
الصيام والسمنة :
يؤدى الإفراط في تناول الطعام والشراب إلى زيادة الوزن وما ينتج عن ذلك معروف من مضاعفات مرضية ، مثل ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين ، والتهابات الحويصلة المرارية …الخ وينصح الأطباء كل من يرغب في إنقاص وزنه ، أن يتبع نظاماً معيناً ، خلاصته : الإقلال من النشويات والسكريات ، والأملاح والدهون ، مع الإكثار من الخضروات والبروتينيات ، وممارسة أبسط أنواع الرياضة ، ألا وهى المشي .
وعلى ذلك ، يكون الصيام من أهم العوامل التي تساعد على إنقاص الوزن ، بشرط عدم الإسراف في وجبتي الإفطار والسحور ، وما بينهما.
فلسفة الصوم الصحية : ([2])
تقوم فلسفة الصوم الصحية على إرهاق المعدة بالطعام الكثير أو الزائد على حاجتها والذي يسيء إلى الجسم عامة ويجلب عليه ألواناً من المرض. ولذلك يقول القرآن الكريم :
" كلوا واشربوا ولا تسرفوا " ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت )
وجاءت طائفة من الأحاديث النبوية الدالة على أن تقليل الطعام أو الاقتصاد فيه على ما يحتاج الجسم هو طريق السلامة والغنيمة . ومن هذه الأحاديث :
#( صوموا تصحوا )
#( ما ملأ ابن آدم وعاءاً شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقيم صلبه فإن كان لا محالة فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )
ومن الملاحظ أن المعدة هي العضو الوحيد الذي يعمل داخل الجسم طوال العام بلا تحذر أو نظام فهي تحتاج إلى راحة في بعض الأيام . وإذا لم يعطها صاحبها هذه الراحة اختياراً أخذتها المعدة بنفسها على الرغم منها اضطرارياً وجلبت على صاحبها متاعب وأضراراً لأنها ستستريح عن طريق المرض فتتعب صاحبها وتكلفه الكثير من جهده وماله في علاجها وإعادتها إلى حالتها الطبيعية ولذلك أعطاها الدين هذا الشهر من كل عام (وهو شهر رمضان ) ليصوم فيه فتهدأ وتستريح .
والأطباء فوق هذا ينصحون بالصوم لعلاج الكثير من الأمراض كأمراض السمنة والكبد وتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم والسكر وغير ذلك . والظاهرة السائد في أغلب حالات المرض أن الطبيب ينصح المريض بالتخفيف من الطعام أو الامتناع عن أنواع منه وذلك للتخفيف عن المعدة والجسم ، وهذا هو ما يحققه الصوم إذا اعتدل واستقام وبذلك يكون في الصوم علاج وشفاء .
وإذا كانت المعدة هي بيت الطعام . ذلك البيت الكريم الذي لا يرفض أي زائر ليلاً أو نهاراً فإنها بهذا الكرم الزائد تضر بكل ما يحيط بها سواء كان هذا الضرر بقد أو بدون قصد . وفي شهر رمضان تستعد المعدة لاستقبال أصناف كثيرة من الطعام فيصوم الإنسان فترة لا تقل عن أربع عشرة ساعة فيؤدى هذا إلى الارتخاء في عضلات المعدة ، وبعد مدفع الإفطار وفي جو أقل من نصف ساعة تمتلئ المعدة فجأة بكل ألوان الطعام فتصاب الأمعاء بالتلبك لأن المواد الدسمة عسرة الهضم وفي الوقت نفسه لا يُسمح بمرور الطعام من المعدة إلى الإثني عشر إلا بعد فترة طويلة مما يؤدى إلى انتفاخ البطن وكثرة الغازات .
إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة :
هناك عدة تساؤلات تطرح نفسها وهى : هل الصيام يقلل من تحمل الإنسان ؟ هل الصيام يؤثر على المخ الإنسان وعلى وظائفه ؟ ثم ما هي وظائف المخ ؟
وللإجابة على هذه الأسئلة الكثيرة التي تتردد على الأذهان :
نقول أن الله سبحانه وتعالى وهب الإنسان ذلك المخ القريب من الجسم، المخ هو ذلك الجزء الهلامي الذي يحاط بقلعه محكمة من غطاء الجمجمة لحمايته .... ويزن حوالي 1 كجم ويتكون من 14 بليون خلية كل منها لها وظائف محددة ويعمل في تناسق وانتظام غريب . "وتحتاج خلايا المخ للماء والهواء والسكر لتعمل بكفاءة …. فالمخ عنيد متشبث بنوعية الغذاء ولا يقبل لها بديلاً لهذا فإن المخ يتأثر بغياب الماء والسكر في فترة الصيام.
نعم المخ في حاجة إلى الماء والسكر ولكن إذا زادت كمية الغذاء للمخ يصاب بتخمة شديدة ويبطل عمله وتتكاسل وظائفه ومن هنا كانت أهمية تنظيم الطعام في رمضان .
نضيف إلى ذلك عاملا مهماً وهو القدرة التي وهبها الله تعالى للمخ على تحمل الجوع والتكامل والتأقلم على ذلك ففي الأيام الأولى من الصيام قد يشعر المريض بقليل من الدوخة أو الدوار خاصة عندما يأتي موعد الوجبات كالإفطار والغذاء ... لكن سرعان ما زول هذه الأعراض ويتأقلم الجسم على الوضع الجديد وتسير الأمور في مجرياتها الطبيعية .
فلنصلح ما أفسدناه طوال العام :
وذلك بمزيد من العمل والنشاط لاعتدال قوامنا وظهوره بالصورة اللائقة وكذا بعدم المبالغة في تقدير حاجتنا من الطعام خاصة وأن أغلب الصائمين على عكس ذلك . فإنه من العجيب المؤسف حقاً أن الناس –إلا أقلهم –قد انحرفوا بفلسفة الصوم حتى أفسدوها أو قلبوها رأساً على عقب فجعلوا شهر رمضان شهر إسراف في ألوان الطعام والشراب وأصناف الحلوى فيستعدون له قبل مجيئه بأسابيع ويطالبون المسئولين بأن يوفروا لهم ما لذا وطاب ولو بشق الأنفس على حساب مصالح أخرى لها أهميتها. وهذا ليس من الإسلام .
الصيام والأمراض الباطنية :
يفيد الصوم في علاج الاضطرابات المزمنة للأمعاء والمصحوبة بتخمر المواد النشوية والبروتينية ، وذلك نظراً لاستراحة الجهاز الهضمي أثناء ساعات النهار ، من إفراز العصارات الهاضمة ، وكذلك تقل حركة الأمعاء الكثيرة ، وهذا بدوره يعطى للأمعاء فرصة للتخلص من الفضلات المتراكمة بها ، وعلى هذا ، فإن الصيام يعتبر من أفضل الوسائل لتطهير الأمعاء .
كذلك فالصيام يفيد لزيادة الوزن الناشئة من كثرة الغذاء على نحو ما ذكرنا سابقاً ، وللصيام أيضاً دور في علاج بعض حالات الضغط الدموي.
والصيام أيضاً فعال لعسر الهضم ، الذي يحدث لدى بعض المرضى نتيجة لإدخال كميات طعام كبيرة من المواد الدسمة أكثر مما يحتاجه الجسم، لذلك فالصيام ينظم الوجبات ويعالج هذا المرض ، بشرط عدم الإسراف في تناول تلك الأطعمة على مائدة الإفطار . لأنك بهذا عزيزي القارئ - ستُفقد الصيام بعض حكمته التي فرضه الله تعالى من أجلها ، أما في البول السكري ، فلما كان قبل ظهوره غير مصحوب غالباً بزيادة في الوزن فالصوم يكون في هذه الحالة علاجاً مفيداً أو نافعاً .
قرحة المعدة والإثني عشر :
كثر الكلام في هذا الموضوع في الآونة الأخيرة .لهذا لا أحب أن أجرك إلى متاهات طبية تحتاج إلى المتخصصين ولكن سأثبت فقط ما قاله طبيب مسلم وعالم فاضل في هذا الشأن ، وهذا الطبيب هو المرحوم الأستاذ الدكتور/ خليل لطفي أستاذ ورئيس قسم الأمراض الباطنية بجامعة الإسكندرية - رحمه الله - وجزاه عن مرضاه وطلبته خير الجزاء يقول رحمه الله :
" إن هناك احتمالين : شخص مصاب بقرحة الجهاز الهضمي ، وعلى الأخص الإثني عشر فهو في هذه الحالة على مرض وهو يعفي من الصيام لأن علاج هذه القرحة ، يحتاج إلى أكلات كثيرة صغيرة ومتعددة، ويقضى بعد الشفاء .
وأما الفريق الثاني: فهو يخشى الإصابة بالقرحة ، وهم هؤلاء الذين عندهم حموضة أكثر من الطبيعي ، وقد لوحظ بالتجربة العملية في بحث علمي بالقسم (قسم الباطنة - جامعة الإسكندرية) نشر باللغة الإيطالية في 26 مايو 1961 - أن الحموضة تزداد في المعدة الخالية تدريجياً ، ولكن هناك بالطبع ظروف صناعية تتحكم أثناء فحص هذه الحالات وتغير النتيجة مثل : لخوف من ابتلاء الأنبوبة ، ولكن الحموضة فقط ليست هي العامل الوحيد في هذه الحالات ، بل هناك عوامل أخرى من أهمها العامل النفسي .
ولذلك فعلى الرغم من ازدياد الحموضة في هذه الحالات ، فلم نلاحظ معها حدوث القرحة في شهر رمضان ، ومما لا شك فيه أن الصائم الذي يصوم إيماناً واحتساباً ، عنده من هدوء النفس والطمأنينة ، ما يساعده على رفع شر هذه الحموضة المتزايدة .
أما الحالات التي يلاحظ اصابتها بأعراض عسر هضم ، أثناء الأيام الأولى من شهر رمضان فهي جميعاً نتيجة لتغيير نظام الأكل وإدخال كمية كبيرة ودسمة أكثر من المعتاد عند الإفطار .
ولم يلاحظ زيادة في حدوث القرحة أثناء شهر رمضان ، ولست الآن في موقف اذكر فيه فوائد الصيام للصحة ، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( صوموا تصحوا ) صحيح تماماً ولم يقصد بمنع الأكل فقط ، بل بجميع ما نبغيه من تخليص النفس من الشوائب ونقاء الضمير والقلب وهدوء النفس ، والإيمان المطلق بالله وقانا الله شر الأمراض ما ظهر منها وما بطن .
الصيام والأمراض الجلدية :
يقول الأستاذ الدكتور/ محمد الظواهري - أستاذ الأمراض الجلدية - إن كرم رمضان يشمل مرضى الأمراض الجلدية ، إذ يتحسن بعض هذه الأمراض بالصوم ، ويتأتى هذا من أن هناك علاقة متينة بين الغذاء وإصابة الإنسان بالأمراض الجلدية ، إذ أن الامتناع عن الطعام والشراب مدة ما ، تقلل من الماء في الجسم والدم وهذا بدوره يدعو إلى قلته في الجلد ، وحينئذ تزداد مقاومة الجلد للأمراض المعدية والمكيروبية ، ومقاومة الجلد في علاج الأمراض المعدية ، هي العامل الأول الذي يعتمد عليه في سرعة الشفاء وتقلل الماء في الجلد أيضاً ، من حدة الأمراض الجلدية الالتهابية والحادة والمنتشرة بمساحات كبيرة في الجسم .
كما أن قلة الطعام ، تؤدى إلى نقص الكمية التي تصل إلى الأمعاء ، هذا بدوره يريحها من تكاثر الميكروبات الكامنة بها ، وما أكثرها ، عندئذ يقل نشاط تلك الميكروبات المعدية ويقل إفرازها للسموم وبالتالي يقل امتصاص تلك السموم من الأمعاء ، وهذه السموم تسبب العديد من الأمراض الجلدية ، والأمعاء ما هي إلا بؤرة خطرة من البؤر العفنة التي تشع سمومها عند كثير من الناس ، وتؤذى الجسم والجلد وتسبب لهما أمراضاً لا حصر لها .. شهر رمضان هو هدنة للراحة من تلك السموم وأضرارها :
ويعالج الصيام أيضاً ، أمراض البشرة الدهنية وأمراض زيادة الحساسية ، وقد جاء في كتاب " الصوم والنفس" للدكتور فائق الجوهرى ، ما نصه :
" إن الصوم من وجهة النظر الصحيحة وسيلة لتطهير الجسم مما يحتمل أن يكون به من زيادات في السموم الضارة ، أو غذاء لا لزوم له، ونحن نجده في الموسوعات الطبية ، تحت باب العلاج بالغذاء " .
وبعد فهذا جانب مضيء من الجوانب المضيئة لفوائد الصيام ، وعلاجه للأمراض النفسية والعضوية ... وهناك جوانب أخرى لا يتسع المقام لذكرها .
هذا علاوة على ما للصوم من أثر على الناحية الخلقية ، وكذلك الناحية الاقتصادية ، وما فيه من رياضة روحية تقرب بين العبد وربه ... الخ .
فهل رأيت عزيزي القارئ كلمة الصوم التي شرعها الله في القرآن الكريم ، وما حوته من أسرار طبية ونفسية ، غير ما نعرف من فضائل الحث على الصدق والإحسان إلى الفقير والمحتاج ، أليس هذا لصالح العبد، وصالحه وحده ؟
ولا يسعنا بعد هذه العجالة إلا أن نفق خاشعين أمام قول الحق جل شأنه " وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون " البقرة 184 .

([1]) أنظر مقالنا بمجلة " منار الإسلام " الظبيانية العدد التاسع السنة العشرون رمضان 1415هـ فبراير 1995 .

([2]) أنظر مجلة " منار الإسلام " الظبيانية العدد التاسع السنة الحادية عشره إصدار رمضان 1406هـ مايو 1986م


  #318  
قديم 18-04-2008, 05:48 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

القرآن وعلاج الإضطرابات النفسية

بقلم الدكتورزيد غزّاوي
دكتوراه في الهندسة الطبية ـ وأستاذ في الجامعة الأردنية الهاشمية
مقدمة:
الاضطرابات النفسية و تدهور الصحة النفسية يحدث مع كل الناس بدرجات متفاوتة و هذا الأمر ليس مقتصرا على فئة عمريه معينة و لكن يحدث مع كل الفئات العمريه من الصغير إلى الكبير. هذه الاضطرابات النفسية تدفع الإنسان إلى الكآبة ,الاستفزاز, القلق, الألم النفسي, وانخفاض الإنتاجية في جميع أعمال الفرد.
من رحمة الله عز و جل بالناس أنه انزل القرآن الكريم الذي يحتوي على أفضل علم و منهاج في تدريس الصحة النفسية و أسباب الاضطرابات النفسية و يحتوي أيضا على العلاج الشافي الكامل لها لقوله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم في سورة الإسراء آيه (82) ((وننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لا يزيد الظالمين إلا خسارا)) صدق الله العظيم. هذا البحث يستعرض أعراض الاضطرابات النفسية, أسبابها, و علاجها من القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة.
معرفة مصدر الأمراض النفسية من القرآن الكريم و السنة لنبوية الشريفة:
النظرة المعاصرة للأمراض النفسية هي أن الإنسان يسمع أصوات في نفسه و أفكار تتضمنها هذه الأصوات تبعث له على القلق, الاستفزاز, و الاضطراب و يُعتقد أن سبب هذه الأصوات هو خلل مفاجئ يحدث في الدماغ مما يؤدي إلى أن الدوائر العصبية في الدماغ تُسمع الإنسان هذه الأصوات.
هذا التشخيص خاطئ لأكثر من سبب منها انه يناقض رحمة الله عز و جل في تصميم جسم الإنسان على الرحمة فلا يُعقل إن يقوم الدماغ بصورة مفاجئة بإصدار أصوات تبعث على القلق و الاستفزاز للإنسان. و أيضا العجز عن التوصل لعلاج لهذه الأصوات باستخدام هذا التشخيص دليل آخر على عدم صحة هذا التحليل.
الله عز و جل أعطى في القرآن الكريم التشخيص الصحيح حيث أنه سبحانه و تعالى وصف تأثير الشيطان على الإنسان في سورة الإسراء آية (64) ((واستفزز من استطعت منهم بصوتك)) صدق الله العظيم. المعنى الأول لكلمة (استفزز) هو الخداع و الثاني هو الاستفزاز الجسدي. فالشيطان يقوم بخداع و استفزاز الإنسان بصوته.
ولكن السؤال الآن ما هو صوت الشيطان؟
الجواب مستوحى من القرآن الكريم و السنة النبوية. المثال التالي يوضح ما هو صوت الشيطان أن شاء الله: عندما يفكر الإنسان بأمر معين فأنة يسمع في عقلة صوت مطابق للصوت الذي يتكلم به و هذا طبيعي و هو صوت نفس الإنسان. و من المعروف في الشريعة الإسلامية أن لكل إنسان قرين شيطان يوسوس له. ولكن كيف يوسوس هذا القرين للإنسان؟ يقوم هذا الشيطان بمطابقة صوته مع صوت نفس الإنسان من حيث السرعة, النبرة, و حتى اللغات التي يعرفها الإنسان و يتكلم بها هذا القرين و يوسوس للإنسان بها. فيسمع الإنسان صوت في عقلة مطابق لصوت نفسه و يعتقد الإنسان أن نفسه تحدثه بهذه الأمور والأفكار.
و لكن الأفكار التي يحتويها هذا الصوت هي أفكار سوء (أن يؤذي الإنسان نفسه أو غيره), فحشاء (أفكار الزنا و ما شابه), و القول على الله بما لا يعلم الإنسان. ويخدع الشيطان الإنسان بجعله يعتقد أن هذه الأفكار هي من نفس الإنسان و أنها حقيقة.
فتأثير الشيطان على الإنسان هو سبب ما يعتقد الناس بأنه مرض نفسي. و نلتمس صدق الله عز و جل في القرآن الكريم بوصفه أن الشيطان يخدع و يستفّز الإنسان بصوته. والأفكار التي يوسوس بها الشيطان للإنسان مذكورة في القرآن الكريم في سورة البقرة آية (169) ((إنما يأمركم بالسوء و الفحشاء و أن تقولوا على الله مالا تعلمون)) صدق الله العظيم.
الإثبات العلمي لتأثير الشيطان على الإنسان يمكن رؤيته إذا ما قارنا نتائج دراسة علمية حول الأفكار التي يسمعها المرضى النفسيّن التي قام بها أحد أشهر الأطباء النفسيّن في بريطانيا (Dr. Andrew Lewis)ة(1)وكانت الأفكار التي يسمعها المرضى النفسيّن هي
1. Harm(السوء)
2. Lust(الفحشاء)
3. Blasphemy(القول على الله بما لا يليق لجلاله )
ونتائج هذه الدراسة مطابقة تماما للأفكار التي يوسوس فيها الشيطان للإنسان كما وردت في القرآن الكريم من سوء, فحشاء, و القول على الله بما لا يعلم الإنسان.
فالقاعدة هي أنه إذا جاءت فكره أو صوت يقول للإنسان وساوس ضد هدى الله عز و جل و بالأفكار التي ذُكرت مسبقا يكون مصدر الوساوس هو الشيطان و ليس الإنسان. أما إذا جاءت للإنسان أفكار مع هدى الله عز و جل مثل مساعدة الغير تكون رحمه من الله عز و جل لهذا الإنسان.
استجابة الناس لوساوس و أفكار الشيطان:
الله عز و جل لن يحاسب الإنسان على الأفكار التي تحتويها وساوس الشيطان و لكن الله سبحانه و تعالى يحاسب الناس على كيفية تعاملهم و استجابتهم لها. الناس حسب تعاملهم و استجابتهم لوساوس وأفكار الشيطان يمكن أن يقسّموا إلى قسمين:
- القسم الأول:الناس الذين يعتقدون أن هذه الأفكار هي من أنفسهم و أنهم أذكياء جدا و أن عندهم القدرة على تحليل الأمور بطرق ضد هدى الله عز وجل لا يستطيع غيرهم أن يتوصلوا إليها. فهذه المجموعة من الناس يتفقوا مع أفكار ووساوس الشيطان و ينفذوها.
- القسم الثاني:من الناس يعرفون أن هذه الأفكار و الوساوس خاطئة و لا ينفذوها ولكن لأن هؤلاء الناس لا يعرفون مصدر هذه الوساوس والأفكار فأنها تسبب لهم الاستفزاز والضيق والهم و تجعل قدرتهم على الإنتاج قليلة جدا. هؤلاء الناس يقال لهم أن عندهم مرض نفسي.
يذكر الحق سبحانه و تعالى القسمين أو الفريقين من الناس الذي سبق ذكرهم في القرآن الكريم في سورة الأعراف آية (30) (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ)) صدق الله العظيم.
مراحل تأثير الشيطان على الإنسان من الصغر إلى الكبر:
المرحلة العُمرية من عمر 7 إلى 12 سنة:
يبدأ تأثير الشيطان على الإنسان بصورة واضحة في سن السابعة. في هذا العمر يصبح عند الطفل فهم و إدراك جزئي و يحاول التفكير و تحليل الأمور و هنا يأتي الشيطان بنفس الآلية التي ذكرناها من صوت مطابق لصوت نفس الطفل ويوسوس له بأمور سيلي ذكرها و تحليلها إن شاء الله تعالى.
يوسوس الشيطان للطفل في هذه الفئة العٌمرية بالأفكار التي ذكرها الله عز و جل في كتابة العزيز وهي:
1. السوء: حيث يسمع الطفل في عقله أفكار وصوت يقول له أن يؤذي الأطفال الآخرين و أن يؤذي نفسه.
2. الفحشاء: أفكار الفحشاء التي يوسوس بها الشيطان للطفل في هذا العمر هي كلمات بذيئة يسمعها الطفل في عقلة و يأمر الشيطان الطفل أن يقولها لأصدقائه و لعائلته.
3. القول على الله بما لا يعلم الإنسان:في هذا القبيل يوسوس الشيطان للطفل بأسئلة محرم على الإنسان أن يخوض فيها ويحاول أن يجعله يستهزأ بأمور دينية لا علم له فيها.
الأطفال حسب استجابتهم لهذه الوساوس ينقسموا إلى قسمين:
- القسم الأول: أطفال ينفذون أفكار الشيطان من إيذاء أصدقائه و الكلام البذيء و غيرها.
- القسم الثاني:أطفال لا ينفذون أفكار الشيطان و يعرفون أنها خطأ و لكنهم لا يعرفون مصدر هذه الأفكار و الوساوس مما يسبب لهم القلق, الاضطراب, و الاستفزاز.
يقوم الشيطان مع القسم الثاني من الأطفال الذين لا ينفذوا وساوسه و أفكاره بوسوسة أمور وأفكار إضافية مثل أفكار ذهنية عن كون هذا الطفل وسخ و أقل من الأطفال الآخرين و تخويفه من أمور كثيرة. وهنالك فكرة يوسوس فيها الشيطان للأطفال الذين لا ينفذون وساوسه و هي أن يقول الشيطان لهذا الطفل أنه إذا لمست هذا القلم, أو الضوء, أو أي شيء مادي فانك سوف تحصل على درجة كاملة في الامتحان أو ستكون سعيد في يومك. هذه الفكرة من لمس الأشياء المادية و أنها سوف تجلب للطفل السعادة هي نفس طريقة الخداع التي يستعملها الشيطان مع الناس في عبادة الأصنام من حيث أنه يوسوس للإنسان أن هذا الشيء المادي سوف يجلب لك السعادة و ليس الله عز و جل. فيحاول الشيطان أن يغرس في هذا الطفل و يربي فيه أكبر الكبائر عند الله عز و جل و هي الشرك بالله.
ومن الممكن أن يتساءل الإنسان لماذا يوسوس الشيطان للطفل بهذه الوساوس و في هذا العمر المبكر؟ الجواب موجود في القرآن الكريم حيث يصف الله سبحانه و تعالى علاقة الشيطان بالإنسان بأن الشيطان عدو مضل مبين للإنسان. إذا تدبرنا قول الله عز و جل نجد أن الشيطان يوسوس للإنسان بهذه الوساوس ليؤذيه و يسبب له القلق و الاضطراب وهذا عمل عدو و ليس صديق. وأيضا يريد أن يضل الإنسان عن سبيل الله عز و جل بوسوسة أمور كلها ضد هدى الله عز و جل.
مراحل تأثير الشيطان على الإنسان من الصغر إلى الكبر: المرحلة العمرية من عمر 12إلى 18سنة
في المرحلة العمرية من 12 إلى 18 سنة يوسوس الشيطان للإنسان بالأفكار التالية:
1. السوء: أفكار مثل الفئة العمرية السابقة من إيذاء الآخرين و إيذاء النفس. ولكن في هذه الفئة العمرية هناك زيادة في القوة الجسدية فيستغل الشيطان ذلك بوسوسة طرق جديدة لاستخدام هذه القوة لإيذاء الآخرين.
2. الفحشاء: في الفئة العمرية السابقة تحدثنا أن أفكار الفحشاء التي يوسوس بها الشيطان للإنسان تكون عبارة عن كلمات بذيئة. هذه الوساوس تستمر في هذه الفئة العمرية ولكن مع أفكار فحشاء إضافية. حيث أن في هذه الفئة العمرية يكون البلوغ الجنسي فيقوم الشيطان باستغلال هذا الأمر ووسوسة أفكار الزنا مع وضع تخيلات ذهنية عن القيام بهذا الفعل.
القول على الله بما لا يعلم الإنسان:في هذه الفئة العمرية يكون هناك المزيد من النضوج العقلي و قدرة أكبر على التدبر و تحليل الأمور فيقوم الشيطان بوسوسة أفكار عن الله عز و جل و عن رسوله ووسوسة تحليل لهذه الأفكار يسمعه الإنسان في عقلة بصوت مطابق لصوت النفس بحيث تكون هذه الأفكار و تحليلها ضد هدى الله عز و جل و يحاول الشيطان أن يقنع الإنسان بصحتها.
مراحل تأثير الشيطان على الإنسان من الصغر إلى الكبر: المرحلة العمرية من عمر 18 فما فوق
في المرحلة العمرية من 18 سنة فما فوق يقوم الشيطان بالوسوسة للإنسان بالأفكار التالية:
1. السوء:تستمر في هذه الفئة العمرية وسوسة الشيطان بأفكار السوء من إيذاء النفس و إيذاء الآخرين. وإذا تزوج الإنسان و انجب أطفال فان الشيطان يقوم بالوسوسة للأب و للأم بأفكار عن إيذاء أطفالهم و إعطائهم طرق لفعل ذلك.
2. الفحشاء: تستمر أيضا أفكار الفحشاء و الزنا وإذا تزوج الإنسان فان الشيطان يوسوس له بأفكار حول قيام الزوج أو الزوجة بالخيانة و إعطائهم حجج كاذبة تبرر لهم القيام بذلك.
3. القول على الله عز و جل بما لا يعلم الإنسان:في هذه الفئة العمرية يصبح عند الإنسان قدرة كبيرة على تحليل الأمور فيأتي الشيطان للإنسان بوساوس هدفها تشويه العقيدة الإسلامية و طهارة الرسالة. وفي هذا الإطار يوسوس الشيطان للإنسان بأفكار مثل أن هذا الإنسان يجب أن يكون له رأي مستقل في المسائل الدينية و يعطي الشيطان الإنسان هذه الآراء المستقلة عن الله عز و جل و رسوله و كل هذه الآراء التي يوسوس بها الشيطان هي ضد هدى الله سبحانه و تعالى ويحاول الشيطان أن يوهم الإنسان بصدقها عن طريق إعادتها مرارا و تكرارا بصوت مطابق لصوت نفس الإنسان يسمعه الإنسان في عقلة.
ويحاول الشيطان أيضا في كل الفئات العمرية أن يربي الحسد, عدم الثقة بالنفس, عدم شكر الله عز و جل على نعمه عن طريق نفس الآلية الصوت المطابق لصوت النفس الذي يسمعه الإنسان في عقلة و يقول له هذا الصوت على سبيل المثال أنظر إلى جارك عنده كل شيء و أنت لاشيء فيربي الحسد و عدم شكر الله عز و جل على نعمه بهذه الوساوس.
خطوات العلاج من الاضطرابات النفسية لجميع الفئات العمرية مأخوذة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:
يمكن تلخيص خطوات العلاج من الاضطرابات النفسية في ثلاث خطوات رئيسية وهي:
الخطوة الأولى:
إيمان كامل بالله سبحانه و تعالى و التقرّب لله عز و جل عن طريق الواجبات و النوافل من صلاه, صوم, قراءة القرآن الكريم, و غيرها. الطلب من الله سبحانه و تعالى المساعدة للتغلب على هذا الأمر لأن الإنسان بطاقته و نفسه لا يستطيع أن يواجه هذا الأمر و لكن بمساعدة الله عز و جل يستطيع أن شاء تعالى.
الخطوة الثانية:
معرفة أن مصدر هذه الوساوس و الأفكار و الصور الذهنية هو ليس نفس الإنسان و لكن الشيطان الرجيم و أن الله عز و جل لن يحاسب الإنسان على هذه الوساوس و لكن سوف يٌحاسب الإنسان على كيفية التصرف بها (رفضها أو العمل بها). يجب عدم تنفيذ وساوس الشيطان كما يعظنا الله سبحانه و تعالى في سورة البقرة آية (168) ((ولا تتبعوا خطوات الشيطان)) صدق الله العظيم. نلاحظ جمال و دقة التعبير في القرآن الكريم عن وساوس الشيطان أنها مثل طريق يمشي فيه الشيطان و هذا الطريق ملئ بالشهوات الخاطئة, الكذب, الحسد, أكل الربى, الخداع, و غيرها من الأمور التي هي بعكس هدى الله عز و جل تماما. فالله عز و جل يعظ الناس بأن لا يتبعوا خطوات الشيطان في هذا الطريق ولا يسيروا معه لأنه في هذا الطريق هناك غضب الله عز وجل, الحسرة, الألم, الندم, و الهلاك.
فعندما يأتي الإنسان وسواس من الشيطان عليه أن يستعيذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم و لا ينفذ الأفكار التي تتضمنها هذه الوساوس و يستمر في حياته بما يرضي الله سبحانه و تعالى و لا يتبع خطوات الشيطان. ويجب عليه أن يفصل صوت نفسه عن صوت وساوس الشيطان بمعرفة أنه إذا جاءت للإنسان فكرة فيها سوء أو فحشاء أو القول على الله عز و جل بما لا يعلم الإنسان فإنها من الشيطان أما إذا جاءت فكرة عن التقرب لله عز وجل و فعل الخير فإنها رحمة من الله عز و جل لهذا الإنسان.
الخطوة الثالثة:
عدم اليأس عند مواجهة وساوس الشيطان وخاصة عندما يكرر الشيطان هذه الوساوس كصوت يسمعه الإنسان في عقلة مرارا و تكرارا. وأن يستمر الإنسان في حياته و أن يكون بنّاء و يعمل الأعمال التي تقربه إلى الله عز و جل.لأنه عندما ينعزل الإنسان ولا يعمل فان وساوس الشيطان تزداد علية مما يجعله خاملا حيرانا.
يجب على كل المسلمين أن ينشروا كلام الله عز و جل وان يشرحوا لأصدقائهم و عائلتهم هذا العلم من القرآن الكريم. يجب على الآباء و الأمهات أن يعلّموا أطفالهم ويشرحوا لهم هذا العلم لقوله تعالى في سورة الزٌمر آية (9) ((قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب)) صدق الله العظيم. فعلم الإنسان بوساوس و خداع الشيطان يجعله أقوى على مجابهة هذا الأمر و في حالة نفسية ممتازة و قرب إلى الله عز وجل أن شاء تعالى.
آثار رحمة الله سبحانه و تعالى:
يقول الله عز و جل في القرآن الكريم في سورة الإسراء آيه (82) ((وننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لا يزيد الظالمين إلا خسارا)) صدق الله العظيم. نلتمس من هذه الدراسة اثر من رحمة الله عز و جل و هو تنزيل القرآن الكريم الذي يحتوي على الشفاء التام من الاضطرابات النفسية و علم تام و كامل في الطب النفسي من عند الخالق سبحانه و تعالى.
الهوامش:

(1) منقول عن كتاب Tormenting thoughts and secret ritualsتأليف IAN OSBORN, M.D.
ISBN: 0-440-50847-9و سنة الاصدار هي 1998
النص الحرفي باللغة الإنكليزية:
Commenting on the extreme variety of obsessions, Lewis concluded in 1935 that most could be grouped under four general categories: filth, harm, lust, and blasphemy."

  #319  
قديم 18-04-2008, 05:53 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

الرياضات المسنونة وأثراها في صحة الفرد والمجتمع

بقلم الدكتور محمد نزار الدقر
الرياضة في الإسلام تهدف إلى القوة
إن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والقيام بمهمة الخلافة في الأرض تحتاج إلى جهد وطاقات جسدية، حتى يتم أداؤها على الوجه الأكمل(1) .
لذا حضت التربية النبوية الكريمة على بناء الفرد المسلم على أساس من القوة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز " رواه مسلم .
ومن أجل بناء الأمة القوية، امتدح الله جل جلاه، الملك صاحب الجسد القوي، القادر على تحمل الشدائد، وجعل موهبته من العلم والقوة سبباً لترشيحه للملك قال تعالى: (َ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).
كما وصف الله سبحانه وتعالى كرام أنبيائه بقوله عنهم : ( أولو العزم من الرسل) . ولما رأت ابنة شعيب مظاهر القوة عند سيدنا موسى عليه السلام قالت لأبيها، كما جاء في سياق القصة في القرآن الكريم : (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين) .
وهكذا نرى كيف ربط الإسلام (3) قوة الإيمان بالاهتمام بقوة الأبدان، والغاية من القوة (4) أن تكون الأمة المحمدية مرهوبة الجانب، منيعة محمية عزيزة كريمة. وهذا أمرٌ من الله سبحانه وتعالى لقادة الأمة الإسلامية في قوله تعالى : (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ).
والرياضة في الإسلام موجهة نحو غاية، تهدف إلى القوة، وهي في نظر الشارع وسيلة لتحقيق الصحة والقوة البدنية لأفراد الأمة، وهي مرغوبة بحق عندما تؤدي إلى هذه النتائج على أن تستر فيها العورات وتحترم فيها أوقات الصلاة.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا إلى ممارسة رياضة معينة كالرمي والسباحة وركوب الخيل، تهدف جميعاً إلى تحقيق الهدف الذي أشرنا إليه.
وقد تبنى الإسلام حتى في صلب عباداته(2) ما يشجع على تحقيق أفضل مزاولة للتربية البدنية :
فنحن إذا تمعنا في حركات الصلاة (2) نجد أنها تضمنت تحريك عضلات الجسم ومفاصله، وهي حركات تعتبر من أنسب الرياضات للصغار والكبار، للنساء والرجال، لدرجة أنه لا يستطيع أي خبير من خبراء التدريب الرياضي أن يضع لنا تمريناً واحداً يناسب جميع الأفراد والأجناس والأعمار ويحرك كل أعضاء الجسم في فترة قصيرة، كما تفعل الصلاة (5) وأكدت الدراسات الطبية(4) أن حركات الصلاة من أنفع ما يفيد الذين أجريت لهم عمليات انضغاط الفقرات (الديسك)وتجعلهم يعودون سريعاً إلى أعمالهم .
ونرى في أعمال الحج أيضاً (6) رياضية بدنية عظيمة خلاف ما تحمله من رياضة روحية فأعمال الحج تتوافق مع ما يحتويه نظام الكشافة بحذافيره، ففي رحلة الحج مشي وهرولة وطواف وسعي، وسكنى خيام وتحلل من اللباس الضاغط إلى لباس الإحرام، مما يجعل الحج رحلة رياضية بحق، فهي وإن كانت في أسِّ تشريعها رحلة تسمو بالحاج إلى الأفق الأعلى، فهي في برنامجها رحلة تدريب بدنية تقوي الجسم وتعزز الصحة.
ونحن نجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي تربيته لأصحابه،بل في صميم التشريع الإسلامي سبق واضح على التربية البدنية الحديثة (3)، والتي أصبحت تمارس اليوم في جميع الدول الراقية كجزء من حياة البشر، كما دخلت فروع الطب، وغدت تمارس وقاية وعلاجاً تحت اسم " الطب الرياضي " .
والطب الرياضي (2) أحد التخصصات الحديثة جداً وهو يبحث في الخصائص الغريزية لكل لاعب، وأثر التدريبات البدنية على أجهزته المختلفة للتقدم في فن التدريب واختيار أفضل أنواع الرياضات التي تناسب إمكانيات الفرد الجسمية، وفي أساليب الطب الطبيعي لعلاج الأمراض.
ورغم أن الطب الرياضي لم يكن معروفاً قبل الإسلام، فإن اختصاصي العلاج الطبيعي، مختار سالم (2)، يعتبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع اللبنة الأولى لبناء " النسلان " وهو الجري الخفيف، فتحسنت صحتهم وكفاءتهم الحركية واستطاعوا المشي لمسافات طويلة دون تعب.
ويرى مختار سالم (2) أن الطبيب المسلم علي بن العباس الذي ظهر مؤلفه " الصناعة الطبية " في أواخر القرن الرابع الهجري، هو أول مؤلف في الطب الرياضي، فقد أوضح في كتابه أن للرياضة البدنية أهمية كبرى في حفظ الصحة، وأن أعظمها منفعة قبل الطعام لأنها تقوي أعضاء الجسم وتحلل الفضول التي تبقى في الأعضاء .
وكما كانت الرياضة أقوى، كان الهضم أجود وأسرع. كما يوصي بعد ممارسة الرياضة بعد الطعام مباشرة، أي عندما يكون الطعام في المعدة لئلا ينحدر إلى الأمعاء قبل أن يهضم " .
كما أكد علماء الطب الرياضي اليوم أهمية عنصر القوة التي دعا إليها نبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والتي يعتبرونها من أهم العناصر الأساسية في اللياقة البدنية الشاملة والتخصصية من أجل إحراز المزيد من التقدم ومن الانتصارات الرياضية المختلفة. وسنفصل في بحثنا هذا، كل ما ورد في الهدي النبوي من رياضات مسنونة مع أهميتها الصحية وفوائدها للبدن .
رياضة المشي

وصف الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كان قوي الاحتمال والجلد، يسير مندفعاً إلى الأمام، سريع الخطو في مشيته (2) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " ما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنما تطوى له الأرض، وكنا إذا مشينا نجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث .. وفي رواية وإنا لنجهد أنفسنا ولا يبدو عليه الجهد [1].. " ومن حديث طويل يصف فيه النبي صلى الله عليه وسلم يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " كان إذا تمشى تقلع كأنما يمشي في صبب "[2] والتقلع : الارتفاع عن الأرض.
ويروى عن عائشة رضي الله عنها أنها رأت جماعة من الناس يسيرون الهوينى في تراخ وفتور فحسبت أن بهم مرضاً، فسالت عنهم فقيل لها : يا أم المؤمنين، ما بهم من مرض ولكنهم نساك زهاد، فقالت : " والله ما أنتم بأكثر نسكاً ولا زهداً من عمر وكان إذا مشى أسرع وإذا تكلم أسمع وإذا ضرب أوجع " .
لقد كان المشي وسيلة التنقل المعهودة لنبي البشر (3) ولكن لما كثرت وسائط النقل وأصبح الناس لا يمارسون " المشي" إلا لحاجاتهم الضرورية، كثرت الأمراض الناشئة عن قلة الحركة، وأصبحت رياضة المشي اليوم من أهم وأنفع الرياضات للوقاية والعلاج.
ويصف د. أحمد شوكت الشطي (7) رياضة المشي بأنها انتقال الجسم بخطوات متتابعة مع بقاء أحد القدمين ملتصقة بالأرض. وتنفع الأشخاص الذين تضطرهم أعمالهم إلى أعمال الفكر جالسين، دون أعمال الجسم والحركة. ورياضة المشي تعيد إليهم قواهم وشهيتهم للطعام. والمشي يحرك ثلثي عضلات البطن بلطف واعتدال ويزيد تثبيت مولد الحموضة فيها. فبالصعود تتحرك عضلات البطن، وتنشط بالنزول العضلات الموسعة للصدر ويحسن أن تتحرك الأذرع أثناء السير بحركة تعاكس حركة الأرجل وإن تعاكس الاتجاه بين الأطراف يعدل تبدل مراكز ثقل الجسم .
وينقص بالمشي وزن الجسم بسبب تنشط المفرزات والمفرغات وتبخر الماء من سطوح الرئتين. وعلى الماشي في فترة استراحته أن يتحاشى الأماكن الرطبة والمعرضة لجريان الهواء وأن يقوم ببعض الحركات قبل أن يجلس. ويزيد السير في الجبال والمنحدرات نشاط الجاهزين الدوراني والتنفسي أكثر مما يزيده المشي في السهول، كما أن الترويض بالمشي في الهواء المطلق يجعل الوجه مشرقاً ويعدل القامة ويحسن المظهر .
ويرى خبير العلاج الطبي مختار سالم أن رياضة المشي تهيء الإنسان لتدرج عنف الجهد الذي يبذله في الرياضات لكبار السن والتي تزيد القدرة على استهلاك الأوكسجين، والذي يقل مع تقد السن، ويزيد المشي من درجة الكفاءة البدنية ويقلل نسبة كولسترول الدم، والإصابة بأمراض الدم والكلية.
وتزداد مع سرعة المشي ضربات القلب فتقويها، وتنظم نشاط الدوران الدموية وترفع نسبة الخضاب وعدد الكريات الحمراء في الدم. وفي إحصائية في بريطانيا(2) أكدت أن عدد المصابين بأمراض القلب بين موزعي البريد الذين يمشون كثيراً بحكم مهنتهم، هي أقل بكثير من عدد المصابين بين موظفي البريد الجالسين خلف مكاتبهم. لذا فإن رياضة المشي تعتبر بمثابة برنامج تأهيل لمرضى القلب الذين يشعرون بالتعب لأدنى جهد، وأكدت أبحاث الطب الرياضي أن المشي " عنصر أساسي" في برنامج العلاج الطبي والتأهيل لمرضى القلب.

رياضة الجري[ الركض أو العدو ]
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه [ أي إلى مكة ] فقال المشركون : يقدم عليكم وقد وهنتهم حمىّ يثرب. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم " والرمل هو الهرولة مع تقارب الخطى، وكان هذا في عمرة القضاء حيث أخلى المشركون مكة وخرجوا إلى الجبال يراقبون المسلمين، ظانين أن حمىّ يثرب وهنتهم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ليعلم المشركون أن المسلمين في أوج قوتهم ولياقتهم البدنية. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للمسلمين " رحم الله امراءاً يريهم اليوم من نفسه قوه " ومن ثم أصبح الرمل في الطواف سنة للرجال ثانية.
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسابقون على الأقدام ويتبارون في ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يقرهم (3) كما سابق النبي صلى الله عليه زوجته عائشة كما تروي لنا رضي الله عنها : " أنها كانت على سفر فقال لأصحابه تقدموا، ثم قال تعالى أسابقك فسابقته على رجلي، فلما كان بعد خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه تقدموا، ثم قال تعالي أسابقك، ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم، فقلت يا رسول الله كيف أسابقك وأنا على هذه الحال، فقال لنفعلن، فسابقته فسبقني، فقال : هذه بتلك السبقة "[3] وفي رواية أخرى قالت : سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته فلبث حتى أرهقني اللحم فسابقني فسبقني فقال : هذه بتلك "[4] .
يتبـــــــــــــع
  #320  
قديم 18-04-2008, 05:56 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... الرياضات المسنونة وأثراها في صحة الفرد والمجتمع
وعن عبد الله بن الحارث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله وكثيراً ما يقول : من سبق فله كذا. فيستبقون على ظهره وصدره فيقلبهم ويلزمهم " .
والجري هو الرياضة الطبيعية بعد المشي. والفرق بين المشي السريع والجري، أن خطوة الجري فيها لحظة طيران يكون فيها القدمان في الهواء.
وقد أثبتت الدراسات الطبية (2) أن رياضة الجري تزيد نسبة الكريات الحمراء والبيضاء والخضاب وخاصة بعد الجري لمسافات طويلة. وإن المواظبة على الجري تؤدي إلى خفض نسبة الدهون والكولسترول في الدم وإلى تقوية عضلة القلب وانتظام ضرباته، وإلى تحسن القدرة التنفسية وزيادة التهوية الرؤية. كما تفيد في إزالة حالات القلق والتوتر النفسي وتجعل النوم طبيعياً وعميقاً، مما يعطي البدن الراحة الكبرى.
وخلاصة القول (2) فإن المشي والجري الهادئ المتزن لمسافات ولفترات مناسبة كل يوم أو كل يومين يحسن القدرة التنفسية ويقوي عضلة القلب للكهول والجري للشباب من دونهم (7) وعلى كل فليس الإسراف في العدو محموداً .
الرماية
تؤكد السيرة النبوية (2) اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الرياضة وكان يختار لقيادة سرايا المجاهدين أمهر الرماة، وقد أكدت اللجنة الأولمبية الدولية بعد قرون أهمية الرياضة فأدخلتها ضمن برنامج مسابقاتها لأول مرة في الدول الأولمبية الخامسة عام 1904.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علموا أبناءكم السباحة والرماية

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : " مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون (أي يتسابقون في الرمي)، فقال : ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً وأنا مع بني فلان، قال : فأمسك أحد الطرفين بأيديهم. فقال صلى الله عليه وسلم: ما لكم لا ترمون، قالوا كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارموا وأنا معكم كلكم " رواه البخاري .
وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة : صانعه يحتسب في عمله الخير، والرامي ومنبله، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا، كل لهو باطل، وليس من اللهو إلا ثلاث : تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله " وفي رواية " وكل ما يلهو به المسلم باطل إلا رميه بقوسه ونبله " وفي رواية ما يلهو به المسلم باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق [5] .
وعن عقبة بن عامر أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ثم قال : (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ) رواه مسلم .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بالرمي فإنه خير لعبكم " .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من علم الرمي ثم تركه فليس منا " وفي رواية " فقد عصى " رواه مسلم وفي رواية " من ترك الرمي بعد ما علمه رغبة منه فإنها نعمة كفرها أو جحدها "[6].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " علموا أبناءكم السباحة والرماية "[7] .
إن كثرة ما ورد من أحاديث نبوية حول الرمي تدل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الرياضة وضرورة إتقانها (3) .
ومن عظيم أهميتها في نظر الشارع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هجرها بعد تعلمها وعنف من فعل ذلك. ولعل الصيد والقنص من أهم أشكال ممارستها في حياة الشباب(7) .
ولقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجرون المسابقات فيما بينهم في لعبة الرمي، ولقد اشتهر منهم كثيرون كان في طليعتهم حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وعدي بن حاتم وغيرهم .
ومن أهمية الرمي في التربية الإسلامية أن جعل تعلمه عبادة يثاب عليها صاحبها ويدخل بها الجنة (3)، وحتى صانع السهم له حظه الكبير من الثواب.
ويعتبر علم الصحة أن الرماية رياضة نافعة (7) تنبه أعضاء البدن وتوطد الاعتماد على النفس، وأنها تقوي الإرادة وتورث الشجاعة، وهي تتطلب توافقاً دقيقاً بين عمل المجموعات العضلية والجهاز العصبي المركزي في عملية التوفيق بين زمن هذه الحركات، وهذا يحصل بالمران وكثرة التدريب مما يفهمنا سبب حرص النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته أصحابه للتدريب المستمر على رياضة الرمي .
وإذا كان الشرع الحنيف قد رغب في ممارسة الرمي، فإنه في الوقت ذاته قد منع ممارسته على حيوانات حية تتخذ هدفاً للتدريب لقوله النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً " رواه مسلم . ولا يخفى ما في هذا الهدي النبوي العظيم من رفق بالحيوان قبل أن ينادي به أدعياءه في الغرب بأكثر من عشرة قرون.
ألا ما أعظم هذا الدين وأروعه في تنظيم حياة الإنسان، ونهيه له أن يبددها فيما لا طائل وراءه فالوقت ثمين لأنه هو الحياة. وحتى فيما يخصصه المسلم من وقته في لهو مباح أو تسلية مشروعة، فيجب أن تكون فيما ينعكس عليه خيراً سواء في قوته، أو من أجل قوة الأمة وكرامتها ومنعتها و إن حديث : " لا لهو إلا في ثلاث : تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه " ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن من الحق، تعبير رائع لوصفه اللهو الذي ينعكس أيجابياً في حياة المسلم فيما يجلب له القوة ويحقق العفة للرجل والمرأة على حد سواء (4) .
اللعب بالحراب وفن المبارزة
اشتهر العرب منذ جاهليتهم (2) بفن المبارزة واللعب بالسيوف، وقد اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن استقر في المدينة بتدريب أبناء المسلمين على إجادة استخدام السيوف للدفاع عن دين الحق، واللعب بالرماح من اللهو المباح (3) حيث سمح النبي صلى الله عليه وسلم للأحباش أن يلعبوا بحرابهم في مسجده صلى الله عليه وسلم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " بينما الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم بحرابهم دخل عمر فأهوى بالحصى فحصبهم بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعهم يا عمر " رواه البخاري وقد صح في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمح للسيدة عائشة رضي الله عنهما أن تنظر إلى لعبهم وهي مختبئة خلفه صلى الله عليه وسلم .
ويرى مختار سالم (2) أن رياضة المبارزة تحتاج إلى مزيد من الشجاعة والثقة بالنفس والمهارة والدقة في الأداء، والذكاء مع القدرة على التفكير وسرعة البديهة طوال فترة المبارزة، ومن تأثيراتها الغريزية أنها تؤدي إلى زيادة تنمية درجة التوافق وسرعة الاستجابة الحركية، وإلى تقوية عضلات الساقين والساعدين وتدريب عضلات الجذع وتقويها للاحتفاظ بأوضاع الجسم القويمة .
ركوب الخيل
يرتبط معنى الفروسية (2) في كل لغات العالم بالشجاعة والشهامة والثقة بالنفس، وتعرف الفروسية بأنها القدرة على ركوب وترويض الجواد والتحكم في حركاته والقدرة على التجانس معه في وحدة متناسقة من الحركات.
وقد شجع الإسلام هذه الرياضة وثمنها غالياً ورفع من شأنها (3) لارتباطها بالجهاد في سبيل الله وفي إعداد القوة والمنعة للدفاع عن الأمة والوطن. قال تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)

ولعظيم شأن الخيل في شريعتنا الغراء فقد أقسم الله سبحانه وتعالى بها في كتابه العزيز فقال : (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا {1} فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا {2} فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا {3} فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا {4} فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا {5} إِنَّ الْإِنسَانَلِرَبِّهِ لَكَنُود).
وعن جابر بن عبد الله بن عمير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعليم الرجل السباحة "[8] والمشي بين الغرضين أي الهدفين، هدف السهم المرمي.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضمر الخيل يسابق بها "[9] .
وعنه أيضاً قال : " سابق النبي صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي ضمرت فأرسلها من الحيفاء وكان أمدها ثنية الوداع، فقلت لموسى: وكم بين ذلك؟ قال : ستة أميال أو سبعة، وسابق بين الخيل التي لم تضمر فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها مسجد بني زريق، فقلت فكم بين ذلك؟ قال : ميل أو نحوه . وكان ابن عمر ممن سابق فيها " رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمر وعروة بن الجعد رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة " رواه البخاري والنسائي.
إن ركوب الخيل وسباقاتها من الرياضات الهامة جداً في بناء الأمة وقوة أفرادها، ونظراً لحصولها في الهواء الطلق وحصول البدن على كمية وافرة من الأوكسجين فهي تنشط التنفس والدورة الدموية وتؤدي إلى زيادة وافرة من الأوكسجين فهي تنشط التنفس والدورة الدموية وتؤدي إلى زيادة معتدلة في ضربات القلب، كما تعمل هذه الرياضة على زيادة الانتباه وتحسن القدرة على ضبط حركات البدن والحفاظ على توازنه (3)، وهي تنشط الجهاز العصبي (2) وقد أظهرت دراسة ألمانية فوائد الفروسية في علاج أمراض الظهر والمفاصل وعيوب القوام .
وقد كان أبقراط (2) أول من عالج العديد من الأمراض المزمنة بمزاولة ركوب الخيل والتي تنشط معظم أجهزة البدن الداخلية بانتقال حركة الجواد إلى راكبه، وبشكل خاص فإن حركات الاهتزاز الدائمة تضغط الكبد بين الأحشاء وعضلات البطن ضغطاً ليناً متتابعاً كمساج لطيف يؤدي إلى تنشيط الإفراز الصفراوي ووظائف الكبد ويحسن الدورة الدموية في هذا الجزء من البدن .

يتبـــــــــــــــع
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 14 ( الأعضاء 0 والزوار 14)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 266.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 260.96 كيلو بايت... تم توفير 5.82 كيلو بايت...بمعدل (2.18%)]