السحر الخفي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 25 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          البلاء في حقك: نعمةٌ أو نقمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-07-2020, 04:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي السحر الخفي

السحر الخفي
أحمد الجوهري عبد الجواد


الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

اللهم صل على نبينا وحبيبنا محمد!
قدْ كانَ هذا الكونُ قبلَ وُصولِهِ***شُؤْمًا لظالِمِهِ وللمظلومِ
لمَّا أَطَلَّ محمدٌ زَكَتِ الرُّبا***واخضرَّ في البُسْتانِ كلُّ هشيمِ
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد فيا أيها الإخوة.. تحدثنا في اللقاءين الماضيين عن السحر خطره وحكمه وكيف السبيل إلى الوقاية منه حتى لا يصيبنا، وإذا أصابنا السحر كيف نعالج أنفسنا منه؟
ولا زال حديثنا موصولاً عن بعض ما يتعلق بالسحر، وفي البداية أستهل الحديث - أيها الإخوة - بما أخرجه الترمذي بسند صحيح عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: أخرج لنا عبد الله بن عمرو قرطاسًا وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا يقول: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شيء وإله كل شيء أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدًا عبدك ورسولك والملائكة يشهدون، أعوذ بك من الشيطان وشركه وأعوذ بك أن أقترف على نفسي إثمًا أو أجره على مسلم، قال أبو عبد الرحمن: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمه عبد الله بن عمرو أن يقول ذلك حين يريد أن ينام [1]
لاحظْ حبيبي في الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر ابن عمرو أن يقول في أول ما علمه: ((أعوذ بك من الشيطان وشركه)).
بل وأخرج أبو داود والترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: قل: ((اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه"، قال: قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك))[2]
والسؤال: ما هو "شركه"؟ ما هو شرك الشيطان المذكور في الحديث؟
قال في عون المعبود: (وَشِرْكه): بِكَسْرِ الشِّين وَسُكُون الرَّاء أَيْ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ الْإِشْرَاك بِاَللَّهِ، قال: وَيُرْوَى بِفَتْحَتَيْنِ (وشَرَكه) أَيْ: مَصَائِدِهِ وَحَبَائِله الَّتِي يَفْتَتِن بِهَا النَّاس. [3]
فاستعيذوا بالله - أيها الإخوة - من شر الشيطان وشِرْكه وشَرَكه واحذروا كفره ومصائده على السواء، ومن هذه الشراك التي ينصبها الشيطان لإضلال الإنسان: السحر الخفي وهي أفعال أطلق الشرع الحكيم عليها اسم السحر لاشتباهها وشبهها بالسحر في بعض الأحيان لشدة خفائها أو عدم معرفة كثير من الناس بها، وهي: العيافة والطرق والطيرة والنميمة والبيان فما معنى هذه المسميات تعالوا بنا نذكرها ذكراً سريعاً على سبيل الاختصار حتى تتم الفائدة فنكون قد وقفنا على السحر كله جليه وخفيه فانتبهوا يرحمكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم.
روى أبو داود وحسنه النووي في رياض الصالحين عن قبيصة أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت))[4] وقد عرفنا في الخطب السابقة معنى الجبت وأنه السحر فهذه الثلاثة (العيافة والطرق والطيرة) يبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها من السحر.
وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هي النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ)) [5] والعضه - أيها الإخوة - هو السحر، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل: ما هو السحر؟ أتدرون ما هو؟ ثم قال: ((السحر، هو النميمة، القالة بين الناس)) فعد النبي -صلى الله عليه وسلم- النميمة من السحر.
وفي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن من البيان سحراً))[6] والبيان هو البلاغة والفصاحة، ولكن جعله النبي من السحر، لماذا؟ هذا ما سوف نتعرف إليه بعد قليل.
فهذه خمسة أمور بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها من السحر ((العيافة والطرق والطيرة والنميمة والبيان)).
فما هي حقيقة القول في هذه الأشياء فانتبهوا يرحمكم ربكم، قولوا: آمين.
أيها الإخوة العيافة هي زجر الطير، ومعناه: أن الجاهلي من هؤلاء كان إذا خرج من بيته أخذ طيراً أو خرج على طير فنفره وأضاقه حتى يطير ثم ينظر أين يذهب حين يطير ثم يحدد على أساس من ذلك إن كان يخرج إلى عمله الذي كان قد عزم على الخروج إليه، وهذا هو الذي تفاءل من خروج الطير وانزجاره إلى ما يحب، أو هو لا يخرج إلى شيء من ذلك ويظل رهين وحبيس البيت، وهذا هو الذي تطير وتشاءم من خروج الطير إلى ما لا يحب.
وقد سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا العمل وعده من الجبت أي من السحر ويدخل في هذه العيافة التشاؤم بسماع أصوات الطير وأسمائها كذلك، هذه - أحبتي - هي العيافة قد عرفناها فما هو الطرق؟
الطرق هو الخط يخط في الأرض سواء في الرمل أو غيره وهو نوع من الأنواع التي يستطلع بها الأفاكون - زعموا - المستقبل ويتعرفون به على أنباء الغيب ولا زال هذا النوع موجودًا متمثلًا فيمن يشتغلون بهذا العمل ويسمونه "ضرب الرمل".
فهذا النوع من أنواع السحر التي حرمها الله ورسوله وهي أمور جاهلية يدعون بها استطلاع الأمور الغائبة وما جعل الله - عز وجل - هذه الطريقة أبداً ولا غيرها سبيلاً إلى معرفة الغيب، إنما لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله، فهم لا يعلمون الغيب بهذه الأشياء ولكنها طرق يعمون على الناس الحقيقية بها ويموهون على الناس ما يخفونه من أن الشياطين هي التي تأتي لهم بما يريدون، وذلك كما أوضحت في اللقاء السابق والذي قبله يكون إذا تقربوا إلى الشياطين بالعبادة وكفروا بالله - عز وجل -، لأن الشياطين تريد إضلال بني آدم مهما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وقد أفلحوا في ذلك إلى حد كبير ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم فهذا هو الطرق.
إذا عرفنا - أيها الإخوة - العيافة وهي الطيرة، وعرفنا الطرق وهو الخط في الأرض لمعرفة الغيب واستطلاع المستقبل، ومنه ضرب الرمل والودع.
فالثالث من الأمور الخمسة هو:
العَضْهُ: وهو السحر وعن عِكْرِمَة في قوله تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآن عِضِينَ قَالَ: الْعَضْه السِّحْر بِلِسَانِ قُرَيْش، تَقُول لِلسَّاحِرَةِ الْعَاضِهَة، أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم. وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَطَاء أنه قال: عَضُّوا الْقُرْآن أَعْضَاء، فَقَالَ بَعْضهمْ: سَاحِر، وَقَالَ آخَر: مَجْنُون وَقَالَ آخَر: كَاهِن، فَذَلِكَ الْعِضِينَ.
وقد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- العضه بالنميمة على الرغم من أن العضه هو السحر، ليبهنا لخطر النميمة ومدى قبحها في الشرع، كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حصر السحر في النميمة وهذا تحذير عظيم منها يجعل المرء لا يستهين بخطر النميمة على الإطلاق، والسؤال لماذا صارت النميمة بهذه الخطورة؟
وربما لا يعرف بعضنا ما هي النميمة وما هو خطرها فلنلق الضوء على بعض ذلك على وجه السرعة، النميمة - أيها الإخوة - معناها: نقل الحديث بين الناس على وجه الوشاية والإفساد، تجد الرجل يذهب إلى الرجل فيقول له: ألم تسمع فلاناً؟ ألم يبلغك ما يقول فيك فلان؟ ألم يأتك الخبر أن فلانًا يسبك ويشتمك ويتنقصك ويقول فيك كذا وكذا؟ فيكون نتيجة هذا أن يغضب هذا الشخص على فلان هذا ثم يذهب النمام لا يكتفي بل يذهب إلى ثان وثالث ورابع وكثير، فيكون بسبب ذلك الشحناء والبغضاء بين عباد الله - عز وجل -، ربما بين الولد وأبيه، بل ربما تقوم الحروب الطاحنة بين الناس بسبب النميمة فهي شر مستطير وخطر عظيم استهان الناس به ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
ومن أعجب ما قرأت في ذلك أن رجلاً ذهب إلى السوق ليشتري عبداً يخدمه فما كان من البائع الأمين إلا أن قال له: هو ممتاز إلا أن فيه عيباً واحداً قال: ما هو؟ قال: إنه نمام فاستهان صاحبنا بهذا العيب وقال: هو عيب صغير، واشتراه فمكث العبد عنده أيامًا ثم إنه قال لزوجة سيده: إن سيدي يريد أن يتزوج عليك أو يتسرى وقد قال إنه لا يحبك فإن أردت أن يعطف عليك ويترك ما عزم عليه فإذا نام فخذي الموسى واحلقي شعرات من تحت لحيته واتركي الشعرات معك فقالت في نفسها: نعم واشتعل قلب المرأة وعزمت على ذلك إذا نام زوجها ثم جاء هذا الخبيث إلى زوجها وقال: سيدي إن سيدتي زوجتك قد اتخذت لها صديقا ومحبا غيرك ومالت إليه وتريد أن تخلص منك وقد عزمت على ذبحك الليلة وإن لم تصدقني فتناوم لها الليلة وانظر كيف تجيء إليك وفي يدها شيء تريد أن تذبحك به وصدقه سيده فلما كان الليل جاءت المرأة بالموسى لتحلق الشعرات من تحت لحيته والرجل يتناوم لها فلما رآها أيقن بما قال الغلام الخبيث وقال في نفسه: والله صدق الغلام بما قال فلما وضعت المرأة الموسى وأهوت إلى حلقه قام وأخذ الموسى منها وذبحها به فجاء أهلها فرأوها مقتولة فقتلوه وجاء أهله أيضًا، فوقع القتال بين الفريقين بشؤم ذلك العبد المشئوم، فانظروا إلام وصل ضرر النميمة فلا غرو أن سمى الله النمام فاسقًا كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6][7]
نعم - أيها الإخوة -!
فلا زال نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم من أعظم أسباب قطع الروابط وإيقاد نيران الحقد والعداوة بين الناس ولذلك كانت النميمة من كبائر الذنوب وقد نهى الله -تبارك وتعالى- عباده عن السير أو الطاعة أو الاستماع لأصحاب هذه المقولات السيئة والأفعال القبيحة وذم أصحابها أبشع وأشنع الذم فقال سبحانه: "ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم".
وروى مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يدخل الجنة قتات)) [8] أي: نمام وبين النبي أن النميمة من أسباب عذاب القبر ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: ((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ)) [9] فدل على أن النميمة تسبب عذاب القبر.
ويبقى السؤال - أيها الإخوة - بعد أن تعرفنا على حقيقة النميمة وخطرها وحكمها لماذا صارت النميمة بهذه الخطورة؟ والجواب: لأن النميمة تعمل على السحر فتفرق بين الناس كما يفعل السحر بل ربما كانت أشد كما قال بعضهم: "يفسد النمام في ساعة ما يفسده الساحر في سنة".
فالنميمة أشد تأثيراً من السحر، لأنها تفرق بين المسلمين والسحر إنما يفرق ويؤثر فيمن وقع عليه فقط، كما أنه ليس كل أحد يتيسر له السحر إن أراده لكن كل واحد تتيسر له النميمة إن أرادها فلا ريب أن يجعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- من السحر أو يحصر السحر في معناها كما في هذا الحديث الذي معنا.
العيافة، والطرق، والطيرة والنميمة والنميمة والبيان وقد انتهينا من الأربعة الأولى.
إذاً - أيها الإخوة - لم يبق معنا من هذه الأشياء الخمسة التي أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها اسم السحر إلا الأخير منها ألا وهو "البيان" وذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من البيان لسحراً)) وقد عرفنا أن البيان هو الفصاحة والبلاغة وإنما أطلق على الفصاحة والبلاغة سحر لأن الناس يسمعون بإصغاء وانتباه شديدين يجتذبهم ويستحوذ على ألبابهم وقلوبهم البيان الرائع البليغ والكلام الجميل يخرج من فصيح بخلاف غيره ممن لا يكون كذلك وهذا المتكلم المبين الفصيح قد يكون كلامه في الشر كما قد يكون في الخير ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة "إن من البيان لسحراً"، وتركها هكذا لتحمل المعنيين: معنى المدح والذم فهي تحتمل هذا وهذا فإذا أراد المتكلم بكلامه الخير فله منها معنى المدح وإذا أراد بكلامه نصرة الشر فهي في حقه للذم ولا شك أن الكلام الجميل الفصيح البليغ يستعمل لنصرة الخير والحق كما يستعمل لنصرة الهوى والشر والباطل ولكل امرئ ما كسب أو اكتسب.
فإن استعمل المرء الذي آتاه الله تعالى هذه القوة البيانية إن هو استعملها في الخير والدفاع عن الحق والردّ على الباطل، فهو مأجور، وهذا هو الممدوح، أما إن استعملها بضدّ ذلك، فاستعملها في نُصرة الباطل، وهدم الحق فهو آثم ومأزور، وهذا هو المذموم.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يذم البيان مطلقاً، وإنما ذم البيان الذي يقلب الحق باطلاً والباطل حقًّا، فإن البليغ الفصيح يستطيع بأسلوبه أن يزيّن للناس الباطل، وان يزوّره بكلامه حتى يظنّوه صحيحاً، ويستطيع أن يؤثِّر على الحق حتى يخيّل إلى النّاس أنه باطل.
فالواجب على المسلم إذا أعطاه الله مقدرة في الكلام والمحاورة أن يستعمل هذا في طاعة الله - سبحانه وتعالى -، وفي الدعوة إلى الخير، وترغيب النّاس في الخير، وتنفيرهم من الشرّ.
أما أن يستعمله بضدّ ذلك بأن يستعمله بالكلام في أعراض العلماء الربانيين وتبديعهم، وتجهيلهم؛ فهذا من السحر.
أو يستعمله في تزيين الشرك، وعبادة القبور، وتزيين البدع والخرافات والمحدثات؛ فهذا من السحر، لأن السحر يقلب الحق باطلاً والباطل حقًّا، كذلك البليغ الذي يستعمل فصاحته في الدعوة إلى الشر.
وما ضلّ كثير من النّاس إلاَّ بسبب الدعاة البُلغاء المنحرفين إما في الإذاعات، وإما في الصحف، وإما فوق المنابر، وإما في مدرّجات الجامعات، إذا تكلموا استمالوا الحاضرين، وملأوا أدمغتهم بكلام مزوّر، حتى يخرجوا وهم يُبغضون الحق ويحبون الباطل- والعياذ بالله-، فهذا خطر عظيم.[10]
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- خطر هذه الطائفة التي تتحدث بلسان جميل جذاب تجمل به الشر والباطل وتزينه للناس فذمهم وقبحهم، حتى سماهم دعاة على أبواب جهنم وجعلهم شياطين في جثمان إنس كما في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث حذيفة قال كان الناس يسألون رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)) فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: ((نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ)) قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: ((قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ)) فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: ((نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا)) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: ((نَعَمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا)) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: ((تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ)) فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: ((فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ)).
وفيه أيضاً: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)) قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)) قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: ((يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاي وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ)) قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: ((تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ)) [11]
ويدخل في هذا الذي أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه اسم السحر تعلم التنجيم كما في الحديث الذي أخرجه أبو داود بسند صحيح من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)) [12]
إلا أنه ليس بسحر خفي بل هو جلي ظاهر الجلاء لكل من أراد أن يراه وهو خدعة كبيرة يخدع بها كثير من إخواننا الطيبين بسبب الوسائل التي يستعملها أصحاب هذه الصنعة ويسخرونها لأجل نشره من هذه الوسائل: القنوات والمجلات والجرائد التي فتحت أبوابها لهؤلاء على مصاريعها ولنا وقفة مع هؤلاء وأعمالهم قريبًا في خطبة خاصة لكن نشير إلى طرف من خطرهم في هذا المقام، وللحديث صلة بعد الاستراحة وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة! من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر.
والتنجيم - أيها الإخوة - معناه اعتقاد أن النجوم تؤثر في الكون بحيث تنسب الحوادث الأرضية إلى الأحوال الفلكية دون رب البرية، وهذا اعتقاد جاهلي شركي كان في العرب فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، ولا تزال آثار هذه الخصلة الجاهلية في عصرنا الحاضر فيما يظهر عند المنجِّمين والذين يذهبون إليهم، وبما يُكتب في بعض الصّحف والمجلاّت من أحوال البُرُوج وغيرها، لأن نسبة هذه الأمور إليها في طلوعها أو غروبها، أو إلى الأفلاك في تحرُّكها؛ شرك بالله - عز وجل -، لأن الذي يدبِّر النجوم، ويدبِّر الأفلاك، ويدبِّر الكون كله هو الله - سبحانه وتعالى -، فيجب أن نؤمن بذلك.
أما النجوم، وأما الأفلاك، وأما جميع المخلوقات فليس لها تدبير، وليس لها إحداث شيء، من جَلْبِ نفع، أو دفع ضر إلاَّ بإذن الله - سبحانه وتعالى -، فالأمر يرجع كلّه إلى الله. ويجب على المسلم أن يعتمد على الله، وأن يتوكّل على الله، ولا يتأثّر بما يقوله المنجِّمون والفلكيُّون.
أما تعلّم حساب منازل القمر من أجل معرفة مواقيت العبادات، ومواقيت الزراعة والبذور؛ فلا بأس به، وهذا ما يسمِّيه العلماء بعلم التَّسْيِير.
وأما الاعتقاد بالنجوم بأنها تؤثِّر فهو علم التَّأْثير، وهو المحرّم. [13]
ولا أريد أن أطيل النفس في هذه النقطة فإن لنا معها وقفة خاصة في لقاء خاص كما قلت.
وأخيراً - أيها الإخوة -!
فإن علاج هذه الأمور كلها في التوكل على الله فإنه من توكل على الله - عز وجل - كفاه، أعلم أنني تحدثت عن التوكل والثقة وتحقيق التوحيد في اللقاء السابق حديثاً مطولاً بعض الشيء كسبب أول للوقاية والعلاج من السحر وذلك يكفي لأنا لو ظللنا كل يوم نتحدث عن التوكل لا يكفي ولو سنون، ولكن إنما ينبغي أن نبدئ فيه ونعيد ونتحدث عنه ونزيد في كل لحظة ليبقى في القلوب والنفوس ماثلًا، فإن التوكل هو نهاية تحقيق التوحيد فلهذا ينبغي علينا تعلمه بل إتقانه، لنتعلم - أيها الإخوة - أن نعلق قلوبنا بالله ليكلنا الله إلى ما تعلقنا فإذا كان تعلقنا به سبحانه وحده كان هو حسبنا ووكيلنا وكافينا جل جلاله، فإن من تعلق شيئاً وكل إليه.
ومن جميل ما قرأت هنا ما قال العلامة ابن باز - رحمه الله - يقول: "من تعلق بالله وكل إلى الله وكفاه – جل وعلا – ما أهمه، لقوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر:36] (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3] ومن تعلق بالسحر والشياطين وكله الله إليهم، ومن توكل على غير الله فقد خاب وخسر وهلك."[14]
واعلم أن سعادة العبد وصلاح قلبه وروحه لا يكون إلا إذا تعلق بالله وحده، أما من تعلق بمخلوق فإنه يوكل إليه.
والعبيد فقراء إلى الله، والله - جل وعلا - هو ولي النعمة وولي الفضل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15] ورحم الله الجنيد حين قال: "إذا صح الافتقار إلى الله - عز وجل - فقد صح الاستغناء بالله - تعالى -، وإذا صح الاستغناء بالله - تعالى - كمل الغنى به".
وهكذا؛ فما تعلق بباب الغنى فقير فخاب، ولا قصد حماه عبد فغُلِّقت دونه الأبواب. ولله در القائل:
كن مع الله تر الله معك***واترك الكل وحاذر طمعك
لا تعلق بسواه أملًا***إنما يسقيك من قد ذرأك
فإذا أعطاك من يمنعه؟***ثم من يعطي إذا ما منعك؟[15]
وهكذا؛ فمن تعلق بمخلوق كائنا ما كان فقد وكل إليه، ومن وكل إلى المخلوق ضره ذلك أعظم الضرر، كما قال – تعالى -: (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) [الحج:13].
ولنعلم - أيها الإخوة - أن هذه الأشياء أعني التعلقات على غير الله من سحر وعرافة وكهانة والتعلق بالشجر والحجر ليس لها حقيقة أو واقع وإنما هي موجودة في صدورنا فقط، فإذا طرحناها بالتوكل على الله خاب مراد أصحابها منا وبطل سعيهم لكيدنا وأنجانا الله من شرورهم ومكائدهم كما في الحديث العذب الماتع الجميل الذي أخرجه مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّى سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي قَالَ: ((إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شيء مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ)) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إني حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالإِسْلاَمِ وَإِنَّ مِنَّا رِجَالاً يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: ((فَلاَ تَأْتِهِمْ)) قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ.
قَالَ: ((ذَاكَ شيء يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ فَلاَ يَصُدَّنَّهُمْ)) قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ: "فَلاَ يَصُدَّنَّكُمْ" قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قَالَ: ((كَانَ نبي مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ)) قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِى آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: ((ائْتِنِي بِهَا)) فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: ((أَيْنَ اللَّهُ)) قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: ((مَنْ أَنَا؟)) قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)) [16]
قال النووي - رحمه الله -: قوله: "ومنا رجال يخطون قال: كان نبي من الأنبياء عليهم السلام يخط فمن وافق خطه فذاك": اختلف العلماء في معناه، فالصحيح أن معناه: من وافقه خطه فهو مباح له، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح، والمقصود: أنه حرام، لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها، وإنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فمن وافق خطه فذاك)) ولم يقل: هو حرام، بغير تعليق على الموافقة، لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط، فحافظ النبي -صلى الله عليه وسلم- على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا.
فالمعنى أن ذاك النبي لا منع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته، ولكن لا علم لكم به. وقال الخطابي: هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذا كان علما لنبوة ذاك النبي، وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك.
وقال القاضي عياض: المختار أن معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول، لا أنه أباح ذلك لفاعله، قال: ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا، قال النووي: فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن. [17]
هذا - أيها الإخوة - وأسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، وأن يجعلنا ممن يسعون فيوفقهم لمرضاته، وأن يجنبنا الشرور كلها وأن يكون وكيلنا في جميع أمورنا، فيا رب لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك، آمين... الدعاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
[1] أخرجه الترمذي 3529، وصححه الألباني الكلم الطيب (22 / 9)، الصحيحة (2763).
[2] أخرجه أبو داود 5067، الترمذي (3632)، وصححه الألباني في صحيح الكلم الطيب (ص 20).
[3] عون المعبود - (11 / 119).
[4] أخرجه أحمد المسند (5/60) وسنن أبي داود برقم (3907) وسنن النسائي الكبرى برقم (11108)، لكن ضعفه الألباني في غاية المرام (301) //، المشكاة (4583) وانظر حديث رقم: 3900 في ضعيف الجامع.
[5] أخرجه مسلم 6802.
[6] أخرجه البخاري 5146، ومسلم 2046.
[7] القصة في كتاب الكبائر المنسوب للذهبي في باب الحديث عن كبيرة النميمة.
[8] أخرجه الجماعة: البخاري (218) ومسلم (292) وأبو داود (20) والترمذي (70) النسائي (1/28) وابن ماجة (347).
[9] أخرجه البخاري (218) ومسلم (292).
[10] إعانة المستفيد الشيخ الفوزان صـ1 /364.
[11] مسلم 1890 والذي بعده.
[12] أخرجه أبو داود (3905) وابن ماجه (2726)، وأحمد 2000، وصححه الألباني في "الصحيحة" 2 / 435.
[13] إعانة المستفيد - الفوزان 1 / 360.
[14] شرح كتاب التوحيد، ص135.
[15] عون العلي الحميد 2/ 429.
[16] أخرجه مسلم 1227.
[17] شرح النووي على مسلم - (2 / 298).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.69 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]