أمنيات الموتى - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأمُّ الرحيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-07-2019, 03:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي أمنيات الموتى

أمنيات الموتى (1-2)


محمد بن إبراهيم النعيم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد،
فإن لكل إنسان في هذه الحياة أمان كثيرة ومتعددة، وتتفاوت هذه الأماني وتتباين وفقا لاعتبارات عديدة، منها: البيئة التي يعيش فيها الفرد، والفكر الذي تربى عليه، والأقران الذين يحيطون به.
فلو سألت إنسانا ما أمنيتك في هذه الحياة ؟ فإن كان من وسط فقير، وعاين الفقر وأحس بألمه واكتوى به، تمنى أن يعيش غنيا، وأن يملك العقارات والسيارات؛ ليعيش منعما كما يتنعم غالب الناس.
ولو قابلت مريضا طرحه المرض على الفراش، فشل حركته، وقيد حريته، ومنعه حتى من لذة الطعام والمنام، وسألته عن أمنيته؟ لرأيته يتمنى أن يعافى من مرضه، ولو أن يفتدي بماله كله.
ولو سألت بعض الأغنياء عن أمنياتهم، لرأيتهم يتمنون مزيدا من الغنى، ليكونوا أغنى من فلان وعلان، وهكذا فالمقل لا يقنع، والمكثر لا يشبع، وأماني الدنيا لا تنتهي.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال فيما رواه عنه أنس رضي الله عنه : ( «لو أن لابن آدم واديا من ذهب، أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» ) ([2])، أي لا يزال ابن آدم حريصاً على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره.
ومع هذه الأماني المتباينة لهؤلاء الناس، فإن الجميع تراهم يسعون ويكدحون طوال حياتهم، لتحويل أحلامهم وأمنياتهم إلى واقع، وقد يوفقهم الله تعالى إلى تحقيقها متى بذلوا أسباب ذلك.
ولكن هناك فئة من الناس لا يمكنهم تحقيق أمنياتهم، ولا يُنظر في طلباتهم، فمن هم يا ترى؟ ولماذا لا تُحقق أمنياتهم؟ وهل يمكننا مساعدتهم أو تخفيف لوعاتهم؟
أما عن هذه الفئة التي لا يمكنهم تحقيق أمنياتهم، فهم ممن أصبحوا رهائن ذنوب لا يطلقون، وغرباء سفر لا ينتظرون، إنهم الأموات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فماذا يتمنى الأموات يا ترى؟ ومن يا ترى يستطيع أن يُحدِّثنا عن أمنياتهم، وقد انقطع عنا خبرهم، واندرس ذكرهم؟
فلنتحدث قليلا عن هذه الفئة المنسية، لنعرف أمنيات أناس أصبح بصرهم حديدا، فعاينوا الجنة والنار، ورأوا ملائكة الله عز وجل، وأصبح الغيب لديهم شهادة، وعرفوا حقيقة الدنيا والآخرة، وأيقنوا وهم في برزخهم؛ أنهم سيبعثون ليوم عظيم، فهل يتمنون العودة إلى هذه الدنيا ليتمتعوا بالحياة ويحسوا بلذتها وطعمها؟ أو ليملكوا مزيدا من العقارات ويجوبوا الأرض سياحة ولهوا ؟
إن أمنية الكثير من الناس في هذه الحياة لا تزيد على وظيفةٍ مرموقة، وزوجة جميلة، ومركبٍ هنيءٍ، وبيتٍ واسعٍ، وأملاكٍ وعقاراتٍ، وتمشياتٍ وسهراتٍ، وحضور ولائم وحفلات.
أما الأموات، فماذا يريدون من دنيا رحلوا عنها، وانخدعوا بها، وعرفوا حقيقتها، وخلَّفوها وراء ظهورهم بلا رجعة؟
فلنقرأ ما ذكره لنا كتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن أمنيات الموتى الصالحين منهم والطالحين.
[أولا]: أمنيات الصالحين

1-إن المؤمن إذا مات وحمل على الأعناق، نادى أن يقدموه ويسرعوا به إلى القبر ليلقى النعيم المقيم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( «إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق» ) ([3])

2-وإذا أدخل قبره وبشر بالجنة، ورأى منزلته فيها، فإنه لا يتمنى أن يعود إلى الدنيا، بل يتمنى أن تقوم الساعة، ليدخل في ذلك النعيم المقيم الذي ينتظره، لقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العبد المؤمن إذا أجاب عن أسئلة الملكين وهو في قبره، (.... «نادى مناد من السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي» ....) ([4]).

هذه أمنية الرجل الصالح وهو في قبره؛ أن تقوم الساعة، وأما الكافر أو المنافق فعلى الرغم من شدة العذاب الذي يلاقيه في قبره، فإنه يدعو: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة، لأنه يعلم أن ما بعد القبر هو أشد وأفظع.

3-كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن إذا بشر في قبره بالجنة، يتمنى أن يعود إلى أهله ليبشرهم بنجاته من النار وفوزه بالجنة، إذ روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( «إذا رأى المؤمن ما فسح له في قبره، فيقول: دعوني أبشر أهلي» ) - وفي رواية -( «فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن» ) ([5]). ‌

ولقد قص الله عز وجل علينا قصة صاحب (يـس) الذي كان حريصا على هداية قومه، إلا أنهم قتلوه وهو يدعوهم إلى الإيمان بالله ورسله، فلما عاين كرامة الله عز وجل له وفوزه بالجنة، تمنى أن يعلم قومه بذلك كي يؤمنوا ، فقال تعالى في شأنه {قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} [ [يس: 26-27]، أي تمنى أن قومه الذين حاربوا دين الله عز وجل، ورفضوا الاستجابة لأوامر الله تعالى؛ أن يعلموا ماذا أعطاه الله تعالى من نعيم وثواب جزيل.

4-وأما الشهيد، فبالرغم من عظم منزلته الرفيعة التي يراها أُعدت له في أعلى درجات الجنة، فإنه يتمنى أن يعود إلى الدنيا، ولكن ليستمر في جهاد أعداء الله عز وجل، فيقاتل ويُقتل ولو عشر مرات، لما يرى من ثواب الجهاد وكرامة المجاهدين عند الله عز وجل، اسمع ما نقله لنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن أمنية كل من مات شهيدا في سبيل الله عز وجل.

روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء، إلا الشهيد؛ يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة» ) ([6]).

‌وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم : ( «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء، غير الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة» ). ‌

وروى جابر رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «(يا جابر ما لي أراك منكسرا)؟ قلت: يا رسول الله استشهد أبي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وترك عيالا وَدَيْنًا، قال: (أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك)؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: (ما كَلَّمَ الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فقال: يا عبدي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون) قال: وأنزلت هذه الآية ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا » [ ([7]).
[ثانيا]: أمنيات الطالحين

إن المقصر في جنب الله تعالى تمر عليه ساعات أيامه وهو في لهو وغفلة، يُسوِّف التوبة ويأمل في مزيد من العمر، وما علم أن الموت يأتي بغتة، وإذا جاء لا يدع صاحبه يستدرك ما فاته، فيبقى في قبره مرتهنا بعمله، متحسرا على ما فاته، ومتمنيا على الله أمانيَّ لا تغنيه شيئا، فماذا عسى أن يتمنى المُقصِّر إذا أصبح في عداد الموتى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؟
[1] الصلاة ولو ركعتين
يتمنى الميت المقصر لو تعاد له الحياة، ليصلي ولو ركعتين اثنتين فقط، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرٍ فقال: (من صاحب هذا القبر؟) فقالوا: فلان، فقال: (ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم) ([8])، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم : (ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون، يزيدها هذا في عمله، أحب إليه من بقية دنياكم» ) ([9]).
فغاية أمنية الميت المقصر؛ أن يُمدَّ له في أجله، ليركع ركعتين يزيد فيها من حسناته، وليتدارك ما فات من أيام عمره في غير طاعة، ألم تسمع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لنا معشر الأحياء: ( «الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليكثر» ) ([10])؟
لقد عاين ذلك الميت وهو في قبره ثواب الصلاة، ورأى بأم عينه فائدة الصلاة، فتأسف أشد الأسف على أيام أمضاها في غير طاعة، على ساعات مضت في لهو وغفلة، لم يجنِ منها الآن سوى الحسرة والندامة، وها نحن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل لنا أمنية ذلك الميت وهو في قبره، يتمنى أن يصلي، يتمنى أن يعود إلى الدنيا لدقائق معدودة، ليركع ركعتين فقط لا غير، لا يريد من الدنيا إلا ركعتين، يا سبحان الله، لأنهما الآن أصبحتا عنده تعدل الدنيا بما فيها، وماذا عسى أن تساوي الدنيا عنده، وقد خلفها وراء ظهره وارتهن بعمله ؟
اغتنم في الفراغ فضل ركوع
فعسى أن يكونَ موتك بغتة
كم صحيح رأيتَ من غير سُقم
ذهبتْ نفسه الصحيحة فلتة
فغاية أمنية الموتى في قبورهم حياة ساعة، بل دقيقة، يستدركون فيها ما فاتهم من توبة وعمل صالح، أما نحن أهل الدنيا فمفرطون في أوقاتنا؛ بل في حياتنا، نبحث عما يقتل أوقاتنا، لتذهب أعمارنا سدى في غير طاعة، ومنا من يقطعها بالمعاصي، ولا ندري ماذا تخبئ لنا قبورنا من نعيم أو مآس، نسمع المنادي ينادي إلى الصلاة، ولكن لا حياة لمن تنادي0
([1]) جزء من كتابي: كيف تسابق إلى الخيرات؟
([2]) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (19/247)، والبخاري واللفظ له (6439)، ومسلم (1048)، والترمذي (2337)، والدارمي (2778).
([3]) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (8/2)، والبخاري (1380)، والنسائي (1908).
([4]) رواه الإمام أحمد واللفظ له عن البراء بن عازب t –الفتح الرباني- (7/74)، وأبو داود (4753)، والحاكم (1/380)، وابن خزيمة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1676).
([5]) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (8/127)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (557).
([6]) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (14/27)، والبخاري واللفظ له (2817)، ومسلم (1877)، والترمذي (1661)، والنسائي (3160)، وابن حبان (4661).
([7]) رواه الترمذي (3010)، وابن ماجه (190)، وابن حبان (7022)، وحسنه الألباني في صحيح ابن حبان (1926).

([8]) رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (391).
([9]) رواه ابن المبارك، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3518).
([10]) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3870).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-07-2019, 03:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أمنيات الموتى

أمنيات الموتى (2-2)


محمد بن إبراهيم النعيم


[2] الصدقة

يتمنى الموتى الرجوع إلى الدنيا ولو لدقائق معدودة، ليقدموا صدقة لله عز وجل، ولقد نقل الله تعالى لنا أمنيتهم هذه في قوله تعالى {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلهما والله خبير بما تعملون} [المنافقون: 10-11].
لقد اقتنعوا - ولكن بعد فوات الأوان - أن الصدقة من أحب الأعمال إلى الله عز وجل، وأنها تطفئ غضب الرب جل وعلا، وأن العبد سيُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، فتمنوا الرجعة ليقدموا صدقتهم بعد أن منعوها الفقير، وصرفوها على شهواتهم وسياحتهم، {فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق} .
تمنى الرجعة؛ لأنه عرف أن الصدقة تباهي سائر الأعمال وتفضلهم، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ذُكر لي أن الأعمال تباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكم ([1]).
تمنى الرجوع إلى الدنيا فقط ليتصدق، لعله علم عِظَم ثوابها، أو عظم عقاب المفرط فيها، إنها أمنية مليئة بالحسرة والأسف، ولكنها جاءت متأخرة.
[3] العمل الصالح

أما الأمنية الثالثة التي يتمناها هؤلاء الموتى؛ فهي العودة إلى الدنيا ولو للحظات معدودة، ليكونوا صالحين، ليعملوا أي عمل صالح، ليصلحوا ما أفسدوا، ويطيعوا الله عز وجل في كل ما عصوا، ليذكروا الله تعالى ولو مرة، يتمنون النطق ولو بتسبيحة واحدة، ولو بتهليلة واحدة، فلا يؤذن لهم، ولا تُحقق أمنياتهم، إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الله عز وجل في شأنهم {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون: 99-100].
هذا هو حال المقصر مع الله تعالى إذا وافته المنية، يقول {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} ، ويقول {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .
إن الميت العاصي إذا هجمت عليه منيته، وأحاطت به خطيئته، وانكشف له الغطاء، صاح: وامنيتاه، واسوء منقلباه، رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت، هذه هي أمنيته الوحيدة.
فالموتى قد انتهت فرصتهم في الحياة، وعاينوا الآخرة، وعرفوا ما لهم وما عليهم، أدركوا أنهم كانوا يضيعون أوقاتهم فيما لم يكن ينفعهم في آخرتهم، أدركوا أن الوقت الذي ضاع من بين أيديهم كان لا يقدر بثمن، وأنهم كانوا في نعمة؛ ولكنهم لم يستغلوها، وأصبحوا يتمنون عمل حسنة واحدة لعلها تثقل ميزانهم وتخفف لوعتهم وترضي ربهم، فلا يستطيعون، أي حسرة هذه، وأي ندامة يعيشونها؟
إن أكثر ما يكون الإنسان غفلة عن نعم الله تعالى عليه؛ حينما يكون مغمورا بتلك النعم، ولا يعرف فضلها إلا بعد زوالها، فنحن معشر الأحياء في أكبر نعمة؛ طالما أن أرواحنا في أجسادنا لنستكثر من ذكر الله عز وجل وطاعته.
ألا تعلم أيها القارئ بأن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أمرنا عند الاستيقاظ من النوم، أن نحمد الله تعالى؛ لأنه أحيانا بعد أن أماتنا وأذن لنا بذكره؟ لأن النوم تَوَقف عن الحياة وعن ذكر الله عز وجل.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( «إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رَدَّ عليَّ روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره» )([2]).
*فنحن نملك الآن نعمة الحياة، لنزيد من حسناتنا، ونكفر عن سيئاتنا، فإذا متنا ندمنا على كل دقيقة ضاعت ليست فيها ذكر لله تعالى، وليست في طاعة الله تعالى، فلنغتنم ساعات العمر ودقائقه قبل أن نندم، فنتمنى ما يتمناه بعض الموتى الآن.
قال إبراهيم بن يزيد العبدي رحمه الله تعالى: أتاني رياح القيسي فقال: يا أبا إسحاق انطلق بنا إلى أهل الآخرة نُحدثُ بقربهم عهدا، فانطلقت معه فأتى المقابر، فجلسنا إلى بعض تلك القبور، فقال: يا أبا إسحاق ما ترى هذا متمنيا لو مُنِّ ؟ (أي لو قيل له تمنى) قلت: أن يُردَّ - والله - إلى الدنيا، فيستمتعْ من طاعة الله وُيصلح، قال: ها نحن في الدنيا، فلنطع الله ولنصلح، ثم نهض فجدَّ واجتهد، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات رحمه الله تعالى ([3]).
فإذا زرت المقبرة، قف أمام قبر مفتوح، وتأمل هذا اللحد الضيق، وتخيل أنك بداخله، وقد أغلق عليك الباب، وانهال عليك التراب، وفارقك الأهل والأولاد، وقد أحاطك القبر بظلمته ووحشته، فلا ترى إلا عملك، فماذا تتمنى يا ترى في هذه اللحظة الحرجة؟
ألا تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحا؟ لتركع ركعة؟ لتسبح تسبيحة؟ لتذكر الله تعالى ولو مرة؟ ها أنت ذا على ظهر الأرض حيا معافى، فاعمل صالحا قبل أن تعضَّ على أصابع الندم، وتصبح في عداد الموتى، تتمنى ولا مجيب لك.
فإذا وسدت في قبرك فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حسناتك زائد، إلا إذا قدمت عملا صالحا يجري ثوابه بعد مماتك، فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة.
قال إبراهيم التيمي رحمه الله تعالى: مثَّلتُ نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُردَّ إلى الدنيا فأعمل صالحا، قال: فقلت: أنتِ في الأمنية فاعملي ([4]).
فيا عبد الله نحن في دار العمل، والآخرة دار الجزاء، فمن لم يعمل هنا ندم هناك، وكل يوم تعيشه هو غنيمة، فإياك والتهاون فيه، فإن غاية أمنية الموتى في قبورهم؛ حياة ساعة، يستدركون فيها ما فاتهم من عمل صالح، ولا سبيل لهم إلى ذلك البتة، لانتهاء فرصتهم في الحياة .
فيا أُخيَ: إذا زرت المقبرة، أو شيعت جنازة، لا تكن عندها من الغافلين، ولا تكثر الحديث مع أحد، وإنما تذكر أمنيات هؤلاء الأموات الذين من حولك، المرتهنين بأعمالهم، واغتنم فرصتك في الحياة، لتذكر الله عز وجل كثيرا، لئلا تكون غدا مع الموتى، فتصبح تتمنى كما بعضهم يتمنى.
إذا هممت بمعصية تذكر أماني الموتى، تذكر أنهم يتمنون لو عاشوا ليطيعوا الله تعالى، فكيف أنت تعصي الله عز وجل؟
إذا رأيت نفسك فارغا فتذكر أمنية الموتى ....
إذا فترت عن طاعة الله تعالى فاذكر أمنية الموتى ....
حفر الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى قبرا داخل بيته، فكان إذا مالت نفسه للدنيا وقسا قلبه نزل في قبره، وإذا ما رأى ظلمة القبر ووحشته صاح :رب ارجعون، فيسمعه أهله فيفتحون له، وفي ليلة نزل قبره وتغطى بغطائه، فلما استوحش داخله نادى رب ارجعون فلم يسمع له أحد، وبعد زمن طويل سمعته زوجته، فأسرعت إليه وأخرجته، فقال عند خروجه: اعمل يا ربيع قبل أن تقول رب ارجعون فلا يجيبك أحد ([5]).
إن العبد ليفرح حينما تأتيه الحسنات تلو الحسنات، وهو في قبره، من قريب أو صديق، أو من ثواب علم خَلَّفه، أو صدقة أقامها، ولقد بشر المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن هناك صنفا من الناس تجري عليهم أجورهم بعد موتهم، حيث روى أبو أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( «أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطا في سبيل الله، ومن علم علما أُجريَ له عمله ما عُمِلَ به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وُجِدَتْ، ورجل ترك ولدا صالحا فهو يدعو له» ) ([6])، فهؤلاء ماتوا ولكن لم تمت حسناتهم من بعدهم فهنيئا لهم على ما قدموا.
أما من مات ولم تمت ذنوبه معه، فهو يتمنى العودة إلى الدنيا، ليتخلص من هذه الذنوب، يريد أن يتخلص مما اقترفته يداه، كمثل بعض الممثلين والمغنين، الذين سجلوا أعمالهم الفنية في الوسائل الإعلامية، ولم يتوبوا منها، وهي لا تزال تعرض للناس لتصدهم عن سبيل الله تعالى، فهم يتمنون العودة إلى الدنيا، ليتخلصوا مما فعلوا، ليوقفوا هدير هذه السيئات التي تأتي إليهم تباعا، يريدون أن يعملوا صالحا فيما تركوا، وماذا تركوا من بعدهم؟ أليست أعمالا تفسد أخلاق الناس؟ وتصد عن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟
فهم الآن يجنون وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم (.... « وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» ) ([7])؟
فالسعيد من إذا مات ماتت ذنوبه معه، ومسكين ثم مسكين مَنْ إذا مات لم تمت ذنوبه معه، لأنه سيتمنى العودة إلى الدنيا ليتخلص مما اقترفت يداه، ولكن هيهات هيهات، قال تعالى] حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ( إنه مشهد إعلان التوبة، ولكن بعد فوات الأوان، أبعد مواجهة الموت، تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتصلح ما تركت وما خلفت؟ ولهذا جاء الرد على هذا الرجاء المتأخر ] كلا إنها كلمة هو قائلها[، لأنه رجاء قيل في لحظة الضيق، ليس له من القلب من رصيد.
فيا عبد الله اجعل عبارة (أمنيات الموتى) على لسانك، ودائما في مخيلتك، فإنها خير معين لك على فعل الخير، والاستكثار منه، والتسابق إليه، وعلى الترحم على أموات المسلمين.
فاتق الله تعالى يا عبد الله، واصرف ما بقي من عمرك في طاعة الله عز وجل، واعلم أن كل ميت قَصَّرَ في جنب الله تعالى، قد عضَّ على أصابع الندم، وأصبح يتمنى لو تعود له الحياة ليطيع الله عز وجل، ليرد حق إنسان، إن تسبيحة واحدة عندهم خير من الدنيا وما فيها، لقد أدركوا يقينا أنه لا ينفعهم إلا طاعة الله عز وجل.
إن الذي يضيع وقته أمام وسائل اللهو، لو يعلم ماذا يتمنى الموتى لما ضيع دقيقة واحدة، لو علمت ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك، ولرغبت في الزيادة من عملك، فاحذر زلل قدمك، وخف طول ندمك، واغتنم وجودك قبل عدمك.
إنها قد تكون لحظات، فما ترى نفسك إلا في عداد الأموات، فانهل رحمك الله تعالى من الحسنات قبل الممات، وبادر إلى التوبة ما دمت في مرحلة الإمهال، قبل حلول ساعة لا تستطيع فيها التوبة إلى ربك، قبل أن يأتيك الموت بغتة فيحال بينك وبين العمل فتقول متحسرا {يا ليتني قدمت لحياتي} .
اعلم أن الدقيقة التي تمر من حياتك؛ يتمنى مثلها ملايين الموتى؛ ليستثمروها في طاعة الله عز وجل، ليحدثوا لله فيها توبة، ليذكروا الله تعالى فيها ولو مرة، ولكن لا تحقق أمانيهم، فلا تصرف دقائق عمرك في غير طاعة، لئلا تتحسر في يوم لا ينفع فيه الندم.
قال تعالى {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر: 56-61].
أما كيف نخفف من لوعات الموتى؟ فبالدعاء والاستغفار لهم، والصدقة عنهم، فتلك أفضل هدية يتمنون وصولها منا، فهل من مبادرة إلى ذلك؟
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( «إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أنىَّ لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك» ) ([8]).
فأخلص الدعاء لهؤلاء الأموات وبالأخص الوالدين، فلعل الله تعالى أن يقيض لك من يخلص لك الدعاء بعد مماتك.
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يوفقنا للاستعداد ليوم الرحيل، ولا يجعلنا في قبورنا من النادمين.
([1]) رواه ابن خزيمة (2433)، والحاكم (1/416)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (878).

([2]) رواه الترمذي (3401 )، وابن السني (9) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (329).

([3]) إيقاظ أولي الهمم العالية إلى اغتنام الأيام الخالية لعبد العزيز السلمان (صفحة 357).

([4]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم (4/211).

([5]) إحياء علوم الدين للغزالي (2/211).

([6]) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (9/204)، والطبراني، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره (114).


([7]) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (19/71)، ومسلم (1017)، والترمذي (2675)، والنسائي (2554)، وابن ماجه واللفظ له عن جرير t (203)، والدارمي (514).

([8]) رواه الإمام أحمد (بلفظ إن الله ليرفع الدرجة)–الفتح الرباني- (9/205)، والبيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1617)





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 78.06 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]