ولا تفسدوا في الأرض - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجامع في أحكام صفة الصلاة للدبيان 3 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          دور المسجد في بناء المجتمع الإنساني المتماسك السليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ملامح الشخصية الحضارية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          المثنى بن حارثة الشيباني فارس الفرسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أدب الحديث على الهاتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          المدرسة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أثر صحبة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 94 - عددالزوار : 74465 )           »          علمني هؤلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الحب المفقود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-10-2019, 05:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي ولا تفسدوا في الأرض

ولا تفسدوا في الأرض




أحمد محمد مخترش







الخطبة الأولى


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.





أما بعد:-


فَأُوصيكم - أَيُّها النَّاسُ - ونَفسي بِتَقوى اللهِ - جَلَّ وعَلا - ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، {﴿ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا ﴾ [الطلاق: 4]، ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنهُ سَيِّئاتِهِ ويُعظِمْ لَهُ أَجرًا ﴾.



أَيُّها المُسلِمونَ:



لقد خَلَقَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ - بِرَحمَتِهِ الأَرضَ وأَصلَحَها، مَدَّها ومَهدَها وفَرَشَها، ودَحاها وطَحاها وبَسَطَها، وخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فيها وسَخَّرَهُ لِلإِنسانِ؛ ليَنتفعَ به ويَتمتَّعَ، ثم يَتَفَرَّغَ لما خُلِقَ لَهُ مِن عَبادَةِ رَبِّهِ وذِكْرِهِ وشُكْرِهِ، مُمتثِلاً أَمرَهُ، مُجتنِبًا نَهيَهُ؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ أَلم تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم ما في السَّماواتِ وما في الأَرضِ وأَسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]، وقالَ - جَلَّ وعَلا -: ﴿ هوَ الَّذي خَلَقَ لَكُم ما في الأَرضِ جَميعًا ثُمَّ استَوى إِلى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبعَ سَماواتٍ وهوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ ﴾ [البقرة: 29]، وقالَ -تعالى-: ﴿ والأَرضَ مَدَدْنَاهَا وأَلقَيْنَا فيها رَواسيَ وأَنبَتنا فيها مِن كُلِّ شَيءٍ مَوزونٍ ﴾ [الحجر: 19]، وقال - سُبحانَهُ -: ﴿ وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأَرضَ لَيَقولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزيزُ العَليمُ * الَّذي جَعَلَ لَكُم الأَرضَ مَهدًا وجَعَلَ لَكُم فيها سُبُلاً لَعَلَّكُم تَهتَدونَ * والَّذي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا به بَلدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخرَجونَ * والَّذي خَلَقَ الأَزواجَ كُلَّها وجَعَلَ لَكُم مِنَ الفُلكِ والأَنعامِ ما تَركَبونَ * لِتَستَووا عَلى ظُهورِهِ ثُمَّ تَذكُروا نِعمَةَ رَبِّكُم إِذا استَوَيتُم عَلَيهِ وتَقولوا سُبحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنَا هَذا وما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنقَلِبونَ ﴾ [الزخرف: 9 – 14]، وقالَ -تعالى-: ﴿ واللهُ أَنبَتَكُم مِنَ الأَرضِ نَباتًا * ثُمَّ يُعيدُكُم فيها ويُخرِجُكُم إِخْرَاجًا * واللهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِساطًا * لِتَسلُكوا مِنها سُبُلاً فِجاجًا ﴾ [نوح: 17 -20]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ والأَرضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعمَ الماهِدونَ ﴾ [الذاريات: 48]، وقالَ - جَلَّ وعَلا - ﴿ والأَرضَ وضَعَها لِلأَنامِ ﴾ [الرحمن: 10] وقالَ -تعالى-: ﴿ والأَرضَ بَعدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخرَجَ مِنها ماءَها ومَرعاها * والجِبالَ أَرساها * مَتاعًا لَكُمْ ولأَنعامِكُم ﴾.





لقد أَرادَ اللهُ -تعالى- ِبَرحمَتِه لِهَذه الأَرضِ أَنْ تَكونَ صالِحَةً لِهَذا الإِنسانِ، ولِما تَحتَ يَدِهِ مِن حَيوانٍ، وسَخَّرَها لَهُ ليَحرُثَها ويَستَثمِرَها، ويَزرَعَ فيها ويَغرِسَ، فَيَأكُلَ مِنها ويَطعَمَ ويُطعِمَ أَنعامَهُ؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ فَلْيَنظُرِ الإِنسانُ إِلى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنا الماءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وعِنَبًا وقَضْبًا * وزَيتونًا ونَخلا * وحَدائِقَ غُلبًا * وفاكِهَةً وأَبًّا * مَتاعًا لَكُم ولأَنعامِكُمْ ﴾.





وما زالَ النَّاسُ مُنذُ وُجِدوا عَلى ظَهرِ الأَرضِ يَمشُونَ في مَناكِبِها ويَسعَونَ، ويَأكُلونَ مِن رَزقِ اللهِ، ويَبتَغونَ مِن فَضلِه، النِّعَمُ عَلَيهِم مُتواليَةٌ، والخَيراتُ فيهِم واسِعةٌ، أَرضُهُم مُطيعَةٌ لِرَبِّها، قائِمَةٌ بِأَمرِهِ، غَيرَ جاحِدَةٍ لِمَا أَودَعَها، ولا شاحَّةٍ بِما أَمَرَها بِإِخراجِه؛ لَكِنَّهُم هُمُ الَّذينَ يُفسِدونَ فيها ويُفسِدونَها، ويَحرِمونَ أَنفُسَهُم مِنَ الخَيراتِ المُودَعَةِ فيها، وذَلِكَ حينَ يَحيدونَ في بَعضِ الفَتراتِ عَنِ الطَّريقِ، ويَميلونَ عَنِ الجادَّةِ، ويَكتَسِبونَ الذُّنوبَ، ويَقترِفونَ المَعاصي، ويَجتَرحونَ السَّيِّئاتِ، ومِن ثَمَّ تَنزِلُ عَلَيهِمُ العُقوباتُ، وتَحُلُّ بِهِمُ المَثُلاتُ، وتُصيبُهُمُ القَوارِعُ بما صَنَعوا، أَو تَحُلُّ قَريبًا مِن دارِهِم، ويَظهَرُ الفَسادُ في بَرِّهِم وبَحرِهِم، ويَتَغَيَّرُ جَوُّهُم، وتَختَلُّ طَبيعَتُهُم؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ ظَهَرَ الفَسادُ في البَرِّ والبَحرِ بِما كَسَبَت أَيدي النَّاسِ ليُذيقَهُم بَعضَ الَّذي عَمِلوا لَعَلَّهُم يَرجِعونَ ﴾ [الروم: 41]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَلاَ تُفسِدوا في الأَرضِ بَعدَ إِصلاَحِها وادعوهُ خَوفًا وطَمَعًا إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَريبٌ مِنَ المُحسِنينَ ﴾. وهَكَذا لا تُرفَعُ الرَّحمَةُ، ولا تُنزَعُ البَرَكَةُ، ولا يَقِلُّ الخَيرُ، ولا يَكثُرُ الشَّرُّ، ولا يَذهَبُ الأَمنُ، ولا يَحُلُّ العَذابُ - إِلاَّ بِالفَسادِ في الأَرضِ، واتِّباعِ الأَهواءِ، والتَّنكُّرِ لِلحَقِّ، وكُلُّ فَسادٍ مَعنَويٍّ فَلا بُدَّ أَن يَتبَعَهُ فَسادٌ حِسيٌّ ولا بُدَّ، واللهُ -تعالى- لِلظَّالمينَ بِالمِرصادِ؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ * إِرَمَ ذاتِ العِمادِ * الَّتي لَمْ يُخلَقْ مِثلُها في البِلادِ * وثَمودَ الَّذينَ جَابُوا الصَّخرَ بِالوَادِ * وفِرعَونَ ذِي الأَوتادِ * الَّذينَ طَغَوْا في البِلادِ * فَأَكثَروا فيها الفَسادَ * فَصَبَّ عَلَيهِم رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرصادِ ﴾ [الفجر: 7 -14]، وقالَ - جَلَّ وعَلا -: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهواءَهُم لَفَسَدَتِ السَّماواتُ والأَرضُ ومَنْ فيهِنَّ بَل أَتَيناهُم بِذِكرِهِم فَهُم عَن ذِكرِهِم مُعرِضونَ ﴾. قالَ الإِمامُ ابنُ القَيِّمِ - رحمه الله -: "ومَن لَهُ مَعرِفَةٌ بِأَحوالِ العالَمِ ومَبدَئِهِ، يَعرِفُ أَنَّ جَميعَ الفَسادِ في جَوِّهِ ونَباتِهِ وحَيَوانِهِ وأَحوالِ أَهلِهِ حادِثٌ بَعدَ خَلقِهِ بِأَسبابٍ اقتَضَت حُدوثَهُ، ولم تَزلْ أَعمالُ بَني آدمَ ومُخالَفَتُهُم لِلرُّسُلِ تُحدِثُ لهم مِنَ الفَسادِ العامِّ والخاصِّ ما يَجلِبُ عَلَيهِم مِنَ الآلامِ والأَمراضِ، والأَسقامِ والطَّواعينِ، والقُحوطِ والجُدوبِ، وسَلبِ بَركاتِ الأَرضِ وثِمارِها ونَباتِها، وسَلْبِ مَنافِعِها أو نُقصانِها - أُمورًا مُتَتابِعَةً يَتلو بَعضُها بَعضًا... " إِلى أَن قالَ: وأَنتَ تَرى كَيفَ تَحدُثُ الآفاتُ والعِلَلُ كُلَّ وقتٍ في الثِّمارِ والزَّرعِ والحَيَوانِ، وكَيفَ يَحدُثُ مِن تِلكَ الآفاتِ آفاتٌ أُخَرُ مُتَلازِمَةٌ، بَعضُها آخِذٌ بِرِقابِ بَعضٍ، وكُلَّما أَحدَثَ النَّاسُ ظُلمًا وفُجورًا، أَحدَثَ لهم رَبُّهُم - تَبارَكَ وتَعالى - مِنَ الآفاتِ والعِلَلِ في أَغذيَتِهِم وفَواكِهِهِم، وأَهوَيَتِهِم ومَياهِهِم، وأَبدانِهِم وخَلقِهِم، وصُوَرِهِم وأَشكالِهِم وأَخلاقِهِم، مِنَ النَّقصِ والآفاتِ ما هوَ مُوجبُ أَعمالِهِم وظُلمِهِم وفُجورِهِم... ". إِلى أَن قالَ - رحمه الله -: "وقَد جَعَلَ اللهُ - سُبحانَهُ - أَعمالَ البَرِّ والفاجِرِ مُقتَضياتٍ لآثارِها في هَذا العالَمِ اقتِضاءً لا بُدَّ مِنهُ، فَجَعَلَ مَنعَ الإِحسانِ والزَّكاةِ والصَّدَقَةِ سَبَبًا لِمَنعِ الغَيثِ مِنَ السَّماءِ والقَحطِ والجَدبِ، وجَعَلَ ظُلمَ المَساكينِ، والبَخسَ في المَكاييلِ والمَوازينِ، وتَعَدِّيَ القَويِّ عَلى الضَّعيفِ - سَبَبًا لِجَورِ المُلوكِ والوُلاةِ الَّذينَ لا يَرحَمونُ إِنِ استُرحِموا، ولا يَعطِفونَ إِنِ استُعطِفوا، وهُم في الحَقيقَةِ أَعمالُ الرَّعايا ظَهَرَت في صُوَرِ وُلاتِهِم، فَإِنَّ اللهَ - سُبحانَهُ - بِحِكمَتِه وعَدله يُظهِرُ لِلنَّاسِ أَعمالَهُم في قَوالِبَ وصُوَرٍ تُناسِبُها، فتارةً بِقَحْطٍ وجَدْبٍ، وتارَةً بِعَدوٍّ، وتارَةً بِوُلاةٍ جائِرينَ، وتارَةً بِأَمراضٍ عامَّةٍ، وتارَةً بِهُمومٍ وآلامٍ وغُمومٍ تحضرها نُفوسُهُم، لا يَنفكُّون عَنها، وتارَةً بِمَنعِ بَركاتِ السَّماءِ والأَرضِ عَنهُم، وتارَةً بِتَسليطِ الشَّياطينِ عَلَيهِم تَؤُزُّهُم إِلى أَسبابِ العَذابِ أَزًّا؛ لِتَحُقَّ عَلَيهِمُ الكَلِمَةُ، وليَصيرَ كُلٌّ مِنهُم إِلى ما خُلِقَ له، والعاقِلُ يُسَيِّرُ بَصيرَتَهُ بَينَ أَقطارِ العالَمِ فَيُشاهِدُهُ، ويَنظُرُ مَواقعَ عَدلِ اللهِ وحِكمَتِه، وحينئذٍ يَتبَيَّنُ لَهُ أَنَّ الرُّسُلَ وأَتباعَهُم خاصَّةً عَلى سَبيلِ النَّجاةِ، وسائِرَ الخَلقِ عَلى سَبيلِ الهَلاكِ سائِرونَ، وإِلى دارِ البَوارِ صائِرونَ، واللهُ بالِغُ أَمرِه، لا مُعَقِّبَ لِحُكمِه، ولا رادَّ لأَمرِهِ". اِنتهى كلامُه.





أَيُّها المُسلِمونَ:


إِنَّ ما يَتَوالى في الأَرضِ مِن تَغَيُّراتٍ مناخيَّةٍ وأَحداثٍ غَيرِ طَبيعيَّةٍ، إِنَّهُ لأَمرٌ مُخيفٌ ومُفزِعٌ حَقًّا، تَشُحُّ السَّماءُ، ويَغورُ الماءُ، وتُبدل الأَرض بِالمَطَرِ رِياحًا شَديدَةً عاتيَةً، تُثيرُ الغُبارَ، وتَسفي الأتْربةَ، وتَتَوالى عَلى النَّاسِ أَيَّامًا، وتَعُمُّ أَرجاءَهُم، فَتُهلِكُ مَحاصيلَهُم، وتُفسِدُ ثِمارَهُم، وتُؤذيهِم في بُيوتِهِم ومَساكِنِهِم وطُرُقاتِهِم، وتُوقِفُ أَعمالَهُم، وتَشلُّ حَرَكاتِهِم؛ بَل وتُسَبِّبُ لهم كَثيرًا مِنَ الأَمراضِ والعِلَلِ والآفاتِ، فَتَتنكَّدُ حَياتُهُم، وتَتكدَّرُ مَعيشَتُهم، وتَقلَقُ نُفوسُهُم، وتَضيقُ صُدورُهم.



ولقد كُنَّا في هذه البِلادِ إِلى عَهدٍ قَريبٍ لا نَعهَدُ مِثلَ هذه الرِّياحِ بِمِثلِ هَذا القَدرِ والعُمومِ؛ بَل لقد كانَت تَأتي أَحيانًا أَو في بَعضِ الجِهاتِ، فَيَعقُبُها المطرُ فَيُعفي أثرَها، ويَمنَعُ ضَررَها، أَمَّا في مُتأخَّرِ السَّنَواتِ وأَعقابِها، فَقَد كَثُرَ هُبوبُها لأَوقاتٍ طَويلَةٍ، وأَيَّامٍ مُتَواليَةٍ، وعَلى جِهاتٍ مُختلفةٍ، أفلا يُعَدُّ هَذا نَذيرًا لَنا وداعيًا إِلى التَّوبَةِ إِلى اللهِ مِمَّا نَحنُ فيهِ مِن زَلَلٍ وتَقصيرٍ؟!






إِنَّهُ ورَبِّ الكعبةِ لَكَذلك، لكن مِمَّا بُلينا به - إِلى جانِبِ إِتيانِ المُنكَرِ واستِسهالِ فِعلِه - أَنْ تَبَلَّدَ إِحساسُنا بِشَنيعِ أثَرِِهِ، وقَصَّرْنا في دَفعِهِ وإِنكارِهِ؛ بَلِ انبَرَى أُناسٌ مِمَّن ضَعُفَت بِاللهِ صِلَتُهم، وقَلَّ به عِلمُهم، أُناسٌ مُتَعالِمونَ مُتَفَيهِقونَ مُتَشَدِّقونَ، يَعلَمونَ ظاهِرًا مِنَ الحَياةِ الدُّنيا وهُم عَنِ الآخِرَةِ هُم غافِلونَ، خَرَجوا في وسائِلِ الإِعلامِ؛ ليُقَلِّلوا مِن شَأنِ هذه الأَحداثِ والظَّواهِرِ، ويَنسُبوا حُدوثَها إِلى أُمورٍ طَبيعيَّةٍ - كَما يَزعُمون - مِن مُرتفَعاتٍ جَويَّةٍ ومُنخفَضاتٍ، وظُهورِ نُجومٍ أَو غيابِ أُخرى، أَوِ انتِقالٍ مِن فَصلٍ لآخَرَ.





ورَضيَ اللهُ عَن عُمرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقَد زُلزِلَتِ المَدينةُ في عَهدِه، فقال: أَيُّها النَّاسُ، ما أسرَعَ ما أَحدَثتُم، لَئِن عادَت لا أُساكِنُكُم فيها، لقد عَلِمَ - رضي الله عنه - أَنَّ ما حَدَثَ إِنَّما كانَ بِإِحداثِ ما لا يُرضي اللهَ، وبسببِ الذُّنوبِ وتَغَيُّرِ ما في القُلوبِ، هَكذا فَهِمَ، وهَكذا كانَ مَن بَعدَهُ مِنَ السَّلفِ يَفهَمونَ، لكن فينا - ولِضَعفِ إيمانِنا - مَن هوَ كالبَهيمَةِ، لا يُؤمِنُ إِلاَّ بِالمادِّيَّاتِ والمَحسوساتِ، وأمَّا ما غابَ عَن عَينَيهِ وتَوارى عَن ناظِرَيهِ، فَلا يُقِرُّ به ولا يَعترِفُ بتأثيره، وهَذا مِن أَبلَغِ الشَّقاءِ.





أَلاَ فاتَّقوا الله - أَيُّها المُسلِمونَ - وتوبوا إِلَيهِ، وعودوا إِلى حِماهُ، فَإِنَّهُ ما نَزل بَلاءٌ إِلاَّ بِذَنبٍ، ولا رُفِعَ إِلاَّ بِتَوبَةٍ؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿وَما أَصابَكُم مِن مُصيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيديكُم ويَعْفُو عَنْ كَثيرٍ﴾ [الشورى: 30]، وقالَ -تعالى-: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَها عَلى قَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم ﴾ [الأنفال: 53]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا قَريَةً كانَتْ آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيها رِزْقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذاقَها اللهُ لِباسَ الجُوعِ والخَوفِ بِما كانوا يَصْنَعونَ * ولَقَد جاءَهُم رَسولٌ مِنهُم فَكَذَّبوهُ فَأَخَذَهُمُ العَذابُ وهُم ظالِمونَ * فَكُلوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالا طَيِّبًا واشْكُروا نِعمَةَ اللهِ إِن كُنتُم إيَّاهُ تَعبُدونَ ﴾ [النحل: 112 -114].





أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب؛ فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية


الحمد لله ربِّ العالمين، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا.





أَمَّا بَعدُ:


فاتَّقوا اللهَ -تعالى- وأَطيعوهُ، وتوبوا إِلَيهِ ولا تَعصوهُ.





أَيُّها المُسلِمون:


إِنَّهُ لا سَبيلَ إِلى الصَّلاحِ الحِسِّيِّ وسَلامَةِ الأَوضاعِ وحُسنِ الأَحوالِ، إِلاَّ بِالصَّلاحِ المَعنَويِّ وسَلامَةِ القُلوبِ وحُسنِ الأَعمالِ؛ قالَ - تَعالى -: ﴿ وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا واتَّقوا لَفَتَحْنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأَرضِ ولَكِنْ كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وقالَ -تعالى-: ﴿ وَأَنْ لَوِ استَقَامُوا عَلى الطَّريقَةِ لأسقَيناهُم ماءً غدقًا ﴾ [الجن: 16]، وقالَ نوحٌ - عَلَيهِ السَّلامُ - لِقَومِهِ: ﴿ فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كانَ غَفَّارًا * يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدرارًا * ويُمدِدْكُم بِأَموالٍ وبَنينَ ويَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ ويَجعَلْ لَكُم أَنهارًا ﴾ [نوح: 10].





عباد الله:


لقد ظهر الفساد في البر والبحر قَنَواتُ ماجِنَةُ، وفَضائيَّاتُ فاسِدَةُ، جَرائِدُ مُنحَرِفَةُ، والَّتي تَنشُرُ الكُفرَ والعُهرَ، ويُستَهزَأُ فيها بِاللهِ ورَسولِه والمُؤمِنينَ، وتُحارَبُ فيها بَعضُ الشَّعائِرِ والشَّرائِعِ؛ كالأَمرِ بِالمَعروفِ والنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، والحِجابِ والحَياءِ والتَّسَتُّرِ. تَركُ الصَّلَواتِ واتِّباعُ الشَّهَواتِ، أَكلُ الحَرامِ والتَّهاوُنُ في المُشتَبهاتِ، أَخذُ الرِّبا في أَكثَرِ المُساهَماتِ والمُعامَلاتِ، الغَفلَةُ عَن سُنَنِ اللهِ، الأَمنُ مِن مَكرِ اللهِ، الخُصوماتُ الفاجِرَةُ، والأَيمانُ الكاذِبَةُ، وأَكلُ أَموالِ النَّاسِ بِالباطِلِ، وبَخسُ الحُقوقِ، والوُلوغُ في الزُّورِ والرِّشوَةِ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَمِمَّا يُحِلُّ بِالنَّاسِ العُقوباتِ، ويُحِقُّ عَلَيهِمُ العَذابَ، ويَجلِبُ السَّخَطَ، أَفَلا تَوبَةٌ إِلى اللهِ واستِغفارٌ ورَجوعٌ؟! أَفَلا تَجديدٌ لِلإيمانِ وصَقلٌ لِلنُّفوسِ وتَطهيرٌ لِلقُلوبِ؟! أَفَلا أَمرٌ بِالمَعروفِ ونَهيٌ عَنِ المُنكَرِ وسَعيٌ في الإِصلاحِ؟! أَفَلا نَصيحَةٌ للهِ ولِرَسولِه ولِلأَئِمَّةِ المُسلِمينَ وعامَّتِهِم؟!



قالَ -تعالى-: ﴿ والَّذينَ عَمِلوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابوا مِن بَعدِها وآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِها لَغَفورٌ رَحيمٌ ﴾ [الأعراف: 153]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ فَلَولاَ كانَ مِنَ القُرونِ مِن قَبلِكُم أُولُو بَقيَّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسادِ في الأَرضِ إِلاَّ قَليلاً مِمَّن أَنجَينا مِنهُم واتَّبَعَ الَّذينَ ظَلَموا ما أُترِفوا فيهِ وكانوا مُجرِمينَ ﴾ [هود: 116]، وقال - جَلَّ وعلا -: ﴿ وَما كانَ اللهُ ليُعَذِّبَهُم وأَنتَ فيهِم وما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُم وهُم يَستَغفِرونَ ﴾ [الأنفال: 33]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَما كانَ رَبُّكَ ليُهلِكَ القُرى بِظُلمٍ وأَهلُها مُصلِحونَ ﴾ [هود: 117].






ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وصحبه , وارض اللهم عن البررت الأتقياء, أبي بكر وعمر وعثمان وعلي, وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.





اللهم أعز الإسلام والمسلمين, واحم حوزة الدين, واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم, اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والأكرام.





اللهم وفقنا للتوبة والإنابة وأفتح لأدعيتنا الإجابة, اللهم أقبل توبة التائبين وأغفر ذنب المذنبين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم نسألك التوبة ودوامها ونعوذ بك من المعصية وأسبابها يا رب العالمين.





عباد الله:



إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينها عن الفحشاء والمنكر والبغي يعضكم لعلكم تذكرون ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.62 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]