أهمية التوحيد وأنواعه وخطورة الشرك وأقسامه - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 183 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28422 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60027 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 812 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-09-2019, 05:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي أهمية التوحيد وأنواعه وخطورة الشرك وأقسامه

أهمية التوحيد وأنواعه وخطورة الشرك وأقسامه

عدنان محمد العرعور




الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله غيره، وأن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في بيان أعظم أمر من أمور الدين، ألا وهو الإيمان والتوحيد، وفيها بيان أخطر شيء في الدين؛ ألا وهو الكفر والشرك، وقد جاهدت نفسي أن تكون سهلة التناول، مفهومة العبارة لدى معظم المسلمين، سائلاً الله - عز وجل - أن ينفعني والمسلمين بها، إنه ولي ذلك وأهله.
أهمية التوحيد، وخطورة الشرك:
من المعلوم في الأديان كلها؛ أن الله ما خلق الخلق إلا ليؤمنوا به، ويوحدوه، ويعبدوه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
فإذا هم آمنوا به حق الإيمان، وحققوا توحيده حق التوحيد، نجوا من الخلود في النار وكان جزاؤهم الجنة خالدين فيها أبداً،
قال - تعالى -: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا).
وقال - تعالى -: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون).
ومن المعلوم بإجماع الأمة كلها؛ أن أعظم شيء يغضب الله، وينقض الإيمان، ويبطل التوحيد، ويفسد العمل، ويُحرّم على صاحبه الجنة، ويخلده في النار، هو الشرك بالله - تعالى -، قال - تعالى -: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة). وقال - تعالى -: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك).
وإذا كان هذا الخطاب للنبي والأنبياء من قبله عليهم الصلاة والسلام جميعاً فهو من باب أولى لنا.
ولهذا كان على العاقل؛ أن يسارع إلى الإيمان الصحيح الشامل، والالتزام بمقتضياته، وفهم التوحيد، ومعرفة أنواعه، والتمسك به قبل كل شيء، حتى ينال الجائزة الكبرى.
كما أن عليه؛ أن يتعلم معنى الشرك وأنواعه، حتى يجتنبه، ولا يقع فيه، كيلا يخسر آخرته.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا تشرك بالله وإن قطعت وحرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمداً، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح لكل شر))([1]).
ومن المعلوم أن علماء الأمة كلها متفقون علة هذا.، ولكن ما هو الإيمان والتوحيد الذي به النجاة، ؟! وما هو الكفر والشرك الذي به الهلاك، ؟! هل يجتمع الإيمان والكفر؟!
أشكل عليّ حين بدأت طلب العلم تكفير الله - عز وجل - لقريش وغيرها، رغم صراحة الآيات الكثيرة؛ التي تؤكد أنهم كانوا يؤمنون بالله، وبكثير من أفعاله - سبحانه - كالخلق والرزق، وأن بيده ملكوت كل شيء، وما شابه ذلك.
فهم يقرون؛ أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض، قال - تعالى -: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله).
وهم يقرون بكثير من أفعال الله في الكون:
قال - تعالى -: (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون).
وقال - تعالى -: (قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون).
بل؛ ويقرون أن الله هو الذي خلقهم، قال - تعالى -: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون) فكيف يقر القرآن؛ بأنهم كانوا يؤمنون به وبأفعاله ثم يكفرهم، ثم يأمر نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بجهادهم،
لقد حاولت جاهداً مع العلماء -وقتئذ- أن يحلوا لي هذا الإشكال، فلم أحصل منهم -وقتئذ- على جواب يشفي غليلي، ويروي ظمئي، وأذكر أني سألت أحد مدرسي قائلاً: كيف يكفر الله إبليس وإبليس مؤمن بوجود الله؟! ولم أعد أستحضر جوابه الآن، لكن لم يكن جواباً يكفي لإزالة الإشكال.
ثم تبين لي بعد طلب العلم؛ أن سبب هذا الإشكال؛ هو سوء فهم كثير منا لمعنى الإيمان والكفر، ولمعنى التوحيد والشرك، وأن بعضنا يفهم؛ أن الإيمان المطلوب: هو مجرد الإيمان بوجود الله - تعالى - فحسب، وأن الكفر؛ هو إنكار وجود الله فحسب، وأن التوحيد؛ أن نعتقد أن الله واحد، وأن الشرك؛ أن نعتقد أن مع الله رباً أو إلهاً آخر فحسب، وهذا ما يعتقده كثير من المسلمين للأسف.
ومما لا شك فيه؛ أن هذا الفهم فهم قاصر وضعيف، دفع كثيراً من المسلمين إلى السقوط في الكفر، وفعل الشرك، وهم لا يعلمون.
فما هو مفهوم الإيمان الصحيح؟! وما هو الكفر؟! وما هو التوحيد الذي به النجاة إذن؟! وما هو الشرك الذي به الهلاك؟!
حقيقة الإيمان والكفر:
إن المتتبع لعقيدة الإسلام الصافية من مصدريها الأساسيين القرآن الكريم والسنة النبوية، وما عليه علماء الأمة من الصحابة الأطهار، وأئمتها الكرام كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد وغيرهم - رضي الله عنهم -، وما كتبوه في مسائل الاعتقاد في المذاهب كلها، وفي مقدمتهم الإمام الطحاوي الحنفي الذي كتب عقيدته المشهورة بالعقيدة الطحاوية، وهي عقيدة لكل مسلم.
المتتبع لهذا يجد أن مسألة الإيمان والتوحيد أعمق مما يفهمه كثير من المسلمين وأدق، وأن مسألة الكفر والشرك أوسع مما يعلمه كثير من المسلمين وأعمق.
فالإيمان الواجب يعني: الإيمان بالله، وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، والإيمان بكل ما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي كتبه، والتسليم بذلك، والإذعان له، والعمل به، والتصديق بكل ما أخبر به الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فهذا هو الإيمان الذي أوجبه الله على خلقه وسيحاسبهم عليه.
قال - تعالى -: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).
وقال - تعالى -: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم).
فالإيمان -إذن- أشمل من أن نؤمن بوجود الله فحسب، بل لابد من الإيمان بلوازمه، مما أخبر الله به، ومما أوجبه الله على خلقه؛ من عقائد كالبعث والحساب والجنة والنار وما أوجبه من أحكام، كالصلاة، والصيام، والحج، والبر، وصلة الرحم، وحجاب المرأة، وستر العورات، وما منعه من المحرمات كالزنى والخمر والقمار، وغير ذلك من المأمورات والمحرمات.
وكذلك الكفر؛ ليس محصوراً في إنكار وجود الخالق فحسب؛ بل من الكفر: إنكار وجود الخالق، أو تكذيبه، أو أحد رسله في أمر، أو جحود أو إنكار أو رد بعض ما أنزل، في كتبه، أو على لسان رسله، أو الاستهزاء به، أو الاستكبار عنه.
وعلى هذا؛ فمن يكذِّب بشيء مما أخبر الله به أو رسله - عليه الصلاة والسلام -، أو ينكر شيئاً من الأحكام الثابتة؛ كالصلاة، أو الزكاة، أو أحد المأمورات التي أمر الله بها -بعد معرفته بذلك- فلا يعد مؤمناً، وكذلك من لم يؤمن بتحريم بعض المحرمات كالربا أو الغش -بعد بلوغه التحريم- فليس بمؤمن، ولو كان يؤمن بوجود الله، بل ولو كان يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لأن عدم تصديق بعض الأخبار، وعدم الإيمان ببعض الأحكام، يقتضي عدم الإتيان بالشهادة على وجهها الصحيح، وأن عمله هذا قد نقض قوله.
قال - تعالى - عن قوم استهزؤوا ببعض ما أنزل: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
فقد كفَّر الله هؤلاء القوم لأنهم استهزؤوا ببعض الأمر، رغم أنهم يؤمنون بالله - عز وجل - ورسوله، أو يظهرون ذلك.
وقال - تعالى -: (ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم).
ففي هذه الآية دلالة على أنهم كفروا رغم قولهم " لا إله إلا الله، " لأنهم أتوا بما ينقضها، كمن يتوضأ ثم يأتي بناقض، فلا يقال: إنه متوضئ، رغم أنه توضأ قبل نقضه وضوءه
وقد كفَّر الله كذلك الذين يؤمنون ببعض الرسل وينكرون بعضا.
قال - تعالى -: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا).
فمن أنكر نبوة موسى، أو عيسى، أو محمد عليهم الصلاة والسلام فقد كفر.
وبهذا نعلم؛ أن الكفر ليس محصوراً في إنكار الخالق فحسب، بل يمكن أن يكفر الإنسان، ولو كان مؤمنا بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وبهذا يعلم -كذلك- لماذا كفَّر الله إبليس رغم إيمانه به؟ وذلك؛ أن إبليس رد على الله أمره بالسجود لآدم، وأبى ذلك واستكبر عنه، فلذلك كفَّره الله - تعالى -.
قال - تعالى -: (إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين).
توحيد الله:
وبهذا نخلص إلى أن الإيمان المقبول هو كما أمر الله، وبما أمر الله، وأن لا يتبع المرء هواه، وأن لا يحكم عقله، وفي هذه القضايا المهمة والخطيرة حتى لا يخسر دنياه وآخرته، ويومئذ لا ينفع الظالمين معذرتهم ولا حسرتهم، وأن أول ما أمر الله به توحيده بأفعاله - سبحانه -، ويعني: الاعتقاد الجازم بتفرد الله وحده بأفعال لا يشاركه فيها أحد، كالخلق والإماتة والبعث وإنزال الماء والرزق وما شابه ذلك، وأن كل ما يجري في هذا الكون من حركة فمن أفعال الله وأذنه وأمره.
قال - تعالى -: (الله الذي رفع السموات بغير عند ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون * وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
وقال - تعالى -: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير * الذي خلق الموت والحياة) الآية.
وقال - تعالى -: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل).
فهذه الآية وما شابهها من الآيات الكثيرة، تشير إلى تفرد الله - عز وجل - بأفعاله في الكون، وهذا ما سماه بعض العلماء: ((توحيد الربوبية)).
وهو مأخوذ من كلمة (الرب) التي تعني: المالك، المربي، الخالق، المدبر.
وعرفه العلماء بأنه: إفراد الله بأفعاله، أي: الاعتقاد الجازم بأن الله هو المتفرد بهذه الأفعال، ولا يشاركه فيها أحد أبداً.
والشرك في هذا النوع أو الكفر فيه: هو الاعتقاد بأن أحداً يشارك الله في هذه الأفعال، وأنه قادر على فعل من أفعال الله، كأن يعتقد أن أحداً يخلق، أو يمطر السماء، أو يرزق، أو ما شابه ذلك، أو أن مخلوقاً ما يتصف بصفة من صفات الله، كأن يعتقد أنه يسمع كما يسمع الله، أو يرى كما يرى الله - عز وجل -، أو يعلم الغيب،
نوع آخر من التوحيد:
كما أن القارئ للقرآن الكريم بتدبر يجد؛ أن ثمة آيات كثيرة جداً توجب على العبد أن يصرف عبادته إلى الله وحده، وتحرم عليه صرف أي جزء من العبادة لغير الله - سبحانه -، كما في قوله - تعالى -: (إياك نعبد وإياك نستعين).
وقوله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم...). وقوله - تعالى -: (لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون). وقوله - تعالى -: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت). وقال - تعالى -: (ولا تتخذوا إلهين اثنين...).
فهذه الآيات وما شابهها توجب صرف العبادة كلها لله وحده.
والمتدبر يلحظ؛ أن هذا النوع من التوحيد غير النوع الأول الذي يوجب الإيمان بأفعال الله - عز وجل - وتفرُّدَه بها، أما هذا التوحيد؛ فهو يخص أفعال العبد التعبدية، ويوجب عليه توجيهها إلى الله وحده، ويحرم عليه صرفها لغيره.
لذلك؛ سماه بعض العلماء "توحيد الألوهية"، أو "توحيد العبودية أو العبادة" وهو مأخوذ من كلمة "الإله" وتعني: المعبود، المسئول، المُتوكَّل عليه، المستعان والمستغاث به، المطاع، إلى غير ذلك من المعاني التي تشملها لفظة "الألوهية".
ويكون الشرك في هذا النوع؛ بصرف جزء من العبادة أو كلها لغير الله - تعالى -، كمن يسجد لغير الله، أو يسأل غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو فيما هو من شأن الله وحده، كمن يقول: يا فلان اشفني، ويا فلان ارزقني، ويا فلان نجح ولدي، أو زوجه وما شابه هذه الطلبات التي لا تطلب إلا من الله - تعالى -، ولا يتضح معنى هذا التوحيد حتى نفهم معنى العبادة.
فما معنى العبادة:
العبادة أيها الإخوة: لا تقتصر -كما يفهم بعض الناس- على الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، بل العبادة أوسع معنى من هذا وأشمل.
فالعبادة تعني: كل عمل يقصد به التعبد، والتعبد هو: الذل، والخضوع، والطاعة لله - تعالى -.
فطاعة الشيطان عبادة له، والسجود لشيء عبادة له، ومحبة الشيء محبة تعبدية عبادة له، والذبح عبادة، والنذر عبادة، والاستغاثة عبادة، والدعاء كله عبادة، وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الدعاء هو العبادة))([2]).
وذلك مصداقاً لقوله - تعالى -: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).
فدلت الآية والحديث دلالة واضحة على أن الدعاء عبادة، وأن صرفه لغير الله شرك بيّن.
ومما يدل على معنى العبادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمّى من يجري وراء الدرهم والدينار منشغلاً بهما عن عبادة الله عبداً لهما، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس))([3])، وليس أحد يسجد لدرهم أو دينار، ولكن التعلق بهما، وحبهما إلى درجةٍ عالية وصفها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنها عبادة.
وبناء عليه؛ فليس من المنكر تسمية من يسألون أهل القبور بعبدة القبور، لأنهم يتعلقون بها، ويستغيثون بأهلها، ويدعونهم من دون الله - سبحانه -، وهم أموات لا يسمعون، ولا يستجيبون.
قال - تعالى -: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين)، فدلت الآية دلالة صريحة على أن دعاء غيره عبادة له: (وكانوا بعبادتهم كافرين).
فإذا عرفنا معنى العبادة وشمولها؛ أدركنا معنى التوحيد الصحيح، ومعنى الشرك القبيح.
وأن توجيهها إلى الله توحيد، وأن صرفها لغير الله شرك.
قال - تعالى - عمن يدعو غيره: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير)، فقد بين الله في هذه الآية وفي غيرها أن دعاء غيره شرك: (ويوم القيامة يكفرون بشرككم).
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-09-2019, 05:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أهمية التوحيد وأنواعه وخطورة الشرك وأقسامه

أهمية التوحيد وأنواعه وخطورة الشرك وأقسامه

عدنان محمد العرعور




وجوب الإيمان والعمل بالتوحيدين:
فبهذا يزول الإشكال الأول: لماذا يكفِّر الله - عز وجل - العبد رغم أنه يؤمن به، ويؤمن بتوحيد الربوبية، وذلك لأن الله يوجب على العباد التوحيدين، الأول: وهو توحيد الله بأفعاله، والإيمان بتفرده بها في خلقه، وهو ما سمي "بتوحيد الربوبية"، وهذا الذي يؤمن به معظم كفار قريش واليهود والنصارى كانوا يؤمنون به: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون).
التوحيد الثاني: -الذي يوجبه الله على العباد-: هو صرف العبادة له وحده، فلا يدعا أحد سواه، لا العزير ولا عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام -، ولا أي ولي من الأولياء، وهو ما سمي "بتوحيد الألوهية".
فمن آمن بالأول ولم يعمل بالثاني -بعد البلاغ وقيام الحجة عليه- كان مشركاً كافراً، لأنه آمن ببعض التوحيد وكفر ببعض، وهذا الذي يوضحه قوله - تعالى -: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)أي: يؤمنون بالله وبأفعاله: ولكنهم يدعون غيره، ويصرفون العبادة لغيره.
فيقعون في الشرك الذي هو صرف العبادة أو جزء منها لغير الله، فعلى هذا؛ قد يكون العبد مؤمناً بالربوبية: (وما يؤمن أكثرهم بالله) ومشركاً في الألوهية: (إلا وهم مشركون).
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: "يقول - تعالى - ذكره: وما يقر أكثر هؤلاء الذين وصف - عز وجل - صفتهم بقوله: (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء: (إلا وهم به مشركون) في عبادتهم الأوثان والأصنام، واتخاذهم من دونه أرباباً، وزعمهم أن له ولداً، - تعالى الله عما يقولون-، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"([4]) فتأمل.
وروي عن ابن عباس أنه قال: "من إيمانهم؛ إذا قيل لهم: من خلق السماء، ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله. وهم مشركون"([5]).
وعن عكرمة أنه قال: "تسألهم من خلقهم ومن خلق السموات والأرض؟ فيقولون: الله. فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره"([6]).
قال ابن كثير عند تفسيره لقوله - تعالى -: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) الآيات. "يقول - تعالى -مقرراً؛ أنه لا إله إلا هو، لأن المشركين الذين يعبدون معه غيره معترفون أنه المستقل بخلق السموات والأرض والشمس والقمر وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق الرازق لعباده، ومقدر آجالهم واختلافها واختلاف أرزاقهم، فتفاوت بينهم، فمنهم الغني والفقير، وهو العليم بما يصلح كلاً منهم، ومن يستحق الغنى ممن يستحق الفقر، فذكر أنه المستقل بخلق الأشياء المتفرد بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره؟ ولِمَ يتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه، فليكن الواحد في عبادته، وكثيراً ما يقرر - تعالى -مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية، وقد كان المشركون يعترفون بذلك، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: ((لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك))"([7]).
وتدبر الفرق بين هذين التوحيديين ضروري جداً لفهم كتاب الله، ولمعرفة أسباب تكفير الله من آمن بوجوده، وإلا كان كتاب الله متناقضاً، وأحكامه متعارضة!.
توحيد الألوهية هو معنى لا إله إلا الله:
والحقيقة؛ أن توحيد الألوهية: هو معنى لا إله إلا الله، فإن معنى: "الإله" في اللغة غير معنى "الرب"، ولذلك لم يقل الرسول قولوا: "لا رب إلا الله"، لأن هذا مُسلَّم به عند كفار قريش، واليهود والنصارى، ولا نزاع فيه بينهم وبين المسلمين، و إنما غيرُ المسلَّم به عندهم، والنزاع فيه شديد هو توحيد الآلهة، لذلك قالوا: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب) ولم يقولوا: "أجعل الأرباب رباً واحداً"، وليس في القرآن آية واحدة تناقش الكفار في أن ربهم رب واحد([8])، بل البيان كله في "إلهكم إله واحد" أي: يجب أن يكون معبودكم واحد.
وعلى هذا؛ كان معنى "لا إله إلا الله" لا معبود يستحق العبادة إلا الله، فلا يجوز تأليه غيره، ومن المفيد أن نعلم؛ أن صرف جزء من العبادة لغير الله هو تأليه للمصروف له، ومن ألّه غير الله فقد أشرك، رغم إيمانه بالله وبأفعاله.
وبهذا يعلم؛ خطأ من يفسر كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" بمعنى: "لا رازق إلا الله، ولا محيي إلا الله، ولا مميت إلا الله".
بل تفسيرها الصحيح: لا معبود بحق إلا الله، ولا مطاع، ولا مشرع، ولا مدعو بحق إلا الله - عز وجل -، ولا حاكم في الحلال والحرام بحق إلا الله.
نوع ثالث من التوحيد:
عند التمعن في كتاب الله - تعالى - يجد البصير؛ أن ثمة أمراً آخر في قضية الإيمان والتوحيد يبينه الله - عز وجل -، وهو الإيمان بأسماء الله وبصفاته - عز وجل - التي وصف بها نفسه.
قال - تعالى -: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن).
وقال - تعالى -: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر). وقال - سبحانه -: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
وما من مقطع في القرآن الكريم إلا ونجد فيه صفة أو صفات لله - عز وجل - يصف بها نفسه.
وهذا النوع من أنواع التوحيد سماه بعض العلماء "توحيد الأسماء والصفات".
ويعني: الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - مع التنـزيه عن المشابهة والتمثيل.
والقاعدة في توحيد الصفات: "الإثبات مع التنزيه" أي: إثبات صفات الله من غير نفيها، ولا تعطيل ولا تحريف لمعناها، كمن يقول: ليس لله وجه، وإنما معنى وجهه رحمته، وتنزيه الله عن الشبيه والمثيل في ذاته وصفاته، أي: لا يقال: هو ككذا، ووجهه ككذا، أو يمثل صفة من صفاته فيقول: يده مثل كذا وهكذا، قال - تعالى -: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
فأثبت الله الصفات ونفى التشابه وهكذا يعتقد أهل السنة: يثبتون الصفات وينفون المثلية.
والكفر والشرك بهذا النوع من التوحيد؛ يكون بأمور:
الأول: إنكار صفة من صفات الله - عز وجل -. كمن ينكر صفة الحكمة، أو السمع، أو الكلام، أو الوجه.
وقد كفَّر الله - عز وجل - من نفى عنه ما وصف به نفسه، فقال - سبحانه -: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا).
الثاني: تشبيهه بأحد من خلقه. كمن يقول: وجه الله ككذا، ويده ككذا، يشبهها بأحد من خلقه.
الثالث: وصف الله - عز وجل - بما لا يليق، وبما لا يثبت في الكتاب والسنة، كأن يقول: "يد الله مغلولة"، "الله فقير"، "الله ليس عادلا" "ليس حكيماً" لماذا يعطي هذا، ولا يعطي هذا، لماذا أفقرني؟! لماذا أصابني؟! وما شابه ذلك.
وقد كفر الله ولعن من وصفه بما لا يليق به، قال - سبحانه -: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا).
وكفر الله النصارى لقولهم: إن له ولداً، وحقيقة قولهم؛ هو وصف الله بما لا يليق.
وهذه الحالات هي من الإلحاد في أسماء الله وصفاته قال - تعالى -: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون).
قال القرطبي -في تفسيره عند هذه الآية-: "والإلحاد يكون بثلاثة أوجه:
أحدها: بالتغيير، كما فعله المشركون، وذلك أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسمَّوا بها أوثانهم؛ فاشتقوا اللَّات من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني: بالزيادة فيها.
الثالث: بالنقصان منها؛ كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الله - تعالى -بغير أسمائه، ويذكرونه بغير ما يذكر من أفعاله؛ إلى غير ذلك مما لا يليق به. قال ابن العربي: "فحَذَارِ منها، ولا يدعُوَّن أحدكم إلا بما في كتاب الله والكتب الخمسة؛ وهي البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي..
المسألة الثانية: معنى الزيادة في الأسماء: التشبيه، والنقصان: التعطيل. فإن المشبهة وصفوه بما لم يأذن فيه، والمعطلة سلبوه ما اتصف به؛ ولذلك قال أهل الحق: إن ديننا طريق بين طريقين، لا بتشبيه ولا بتعطيل. وسئل الشيخ أبو الحسن البوشَنْجِيّ عن التوحيد فقال: إثبات ذات غير مشبَّهة بالذوات، ولا معطلة عن الصفات" [تفسير القرطبي 7/328]
مجمل أنواع التوحيد:
وبهذا النوع من التوحيد الذي هو "توحيد الأسماء والصفات" يصبح لدينا ثلاثة أنواع للتوحيد:
توحيد الربوبية: ويعني إفراد الله بأفعاله: أي: هو المتفرد بالملك بهذا الكون والحكم والخلق والفعل فيه.
توحيد الألوهية: ويعني: إفراد الله بالعبادة، أو توجيه وصرف العبد أفعاله التعبدية لله وحده.
توحيد الأسماء والصفات: ويعني: الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - مع التنزيه.
أنواع التوحيد موجودة في الكتاب والسنة معنى؛ اصطلاحاً
وعند إمعان النظر في ما تقدم يتبين؛ أن أنواع التوحيد ومعانيها هذه مأخوذة من الكتاب والسنة، وليس فيها شيء محدث، وأن تقسيمها بهذا الشكل هو تقسيم اصطلاحي لتقريب المعنى، وبيان المقصود، ولتسهيله على المتعلمين.
ومن المعلوم؛ أنه لا مشاحة في الاصطلاح إذا كان المعنى صحيحا.
وقد تعارف العلماء على جواز الاصطلاح، واصطلحوا اصطلاحات كثيرة لم تكن معروفة من قبلهم، فقد اصطلح لفظ العقيدة، ويقصد بها: الاعتقاد دون العمل([9]). واصطلحوا في العبادات (الشرط) و(الركن)، ورتبوا شروط الصلاة، وعدد أركانها، وكذلك فعلوا في المعاملات كالبيوع وغيرها.
فإذا كان الاعتراض على الاصطلاح والترتيب فلازم ذلك الاعتراض على الأمة كلها فيما اصطلحت عليه! ولا يعترض على هذا من عنده أثارة من علم وعقل.
وإن كان الاعتراض على المعنى، قيل لهم: لقد كان كفار قريش مؤمنين بالله وعلمه وإرادته وقدرته على الخلق، كما ذكر الله عنهم، فلماذا -إذن- كفرهم الله - عز وجل -؟!
فلا مناص أن يقال: لأنهم لم يوحدوا الله حق توحيده، وأنهم صرفوا عبادتهم لغير الله، وهذا الذي اصطلح عليه؛ أنه "توحيد الألوهية"، وأنهم وقعوا في مخالفته.
ومن أوضح الدلائل على هذا، قوله - تعالى -: (قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس)، فلو كان معنى "الإله" هو "الرب" لما كررها الله - عز وجل -، وبهذا التكرار يتبين؛ أن معنى "الإله" غير معنى "الرب" وإلا لما أعاد ذكره - سبحانه -.
فالابتداء كان بالربوبية: (رب الناس) أي: أن الله خالق الناس ورازقهم و.. ثم قال: (ملك الناس) أي: مالك شأنهم كله، وما يزالون في ملكه، لم ينفكوا عنه بعد خلقهم، وله حق التصرف بهم، فعليهم -إذن- أن يعبدوه، وأن يجعلوه إلههم، ولذلك قال -بعد أن أثبت أنه ربهم ومالكهم- أنه إلههم: (إله الناس) أي: الذي يجب عليهم أن يؤلهوه، وذلك بصرف عبادتهم إليه لا إلى سواه.
إن في هذا لبلاغاً لقوم يتفكرون.
ووالله إن هذه الآيات في سورة الناس لكافية للدلالة على وجود توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، لمن أراد أن يتدبر، فكيف بمئات الآيات في القرآن الكريم التي تفرق بين توحيد الربوبية والألوهية.
توحيد الألوهية كان لب دعوة الأنبياء:
والحقيقة؛ أن "توحيد الألوهية": هو التوحيد المقصود بدعوة الأنبياء الذين كانوا يدعون أقوامهم لعبادة الله وحده: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، ذلك لأن معظم الناس يقرون بوجود الله - سبحانه - وبأفعاله، ولكنهم يتخذون معه أنداداً (شركاء)، ويتبعون الطواغيت.
فتارة يتخذون نداً في الطاعة، قال - تعالى -: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا)، وقال - تعالى -: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله).
فعن عدي بن حاتم قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: ((يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك))، فطرحته، فانتهيت إليه، وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) حتى فرغ منها، فقلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال: ((أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟! ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟!)) قلت: بلى، قال: ((فتلك عبادتهم)) ([10]).
وتارة يجعلون لله نداً في المحبة: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله) الآية.
وتارة يجعلون نداً في التوجه والطلب:
قال - سبحانه -: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون). وقال: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) الآية.
وقال: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعائنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون).
أقوال أهل العلم في تقسيم التوحيد:
هذا؛ وقد مضى أهل العلم على ذكر هذه الأنواع قديماً وحديثاً، تنصيصاً وتضميناً:
قال الإمام أبو حنيفة - رحمه الله -: "والله يدعى من أعلى لا من أسفل، لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء"([11]).
قال الطحاوي في كتابه المشهور بالعقيدة الطحاوية: "نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره".
ففي كلامه هذا عند التأمل نجد الأنواع الثلاثة للتوحيد:
فقوله: "إن الله واحد لا شريك له" يتضمن توحيد الربوبية والألوهية.
وقوله: "ولا شيء مثله" هذا من توحيد الأسماء والصفات.
وقوله: "ولا شيء يعجزه" هذا من توحيد الربوبية
وقوله: "ولا إله غيره" هذا توحيد الألوهية.
وقال ابن بطة الحنبلي: "وذلك أن أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يعتقد العبد ربّانيته، ليكون بذلك مبايناً لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعاً.
الثاني: أن يعتقد وحدانيته، ليكون مبايناً بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع، وأشركوا معه العبادة غيره.
والثالث: أن يعتقده موصوفاً بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفاً بها، من العلم والقدرة والحكمة، وسائر ما وصف به نفسه في كتابه، إذ قد علمنا أن كثيراً ممن يقر به ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته، فيكون إلحاده في صفاته قادحاً في توحيده.
ولأنا نجد الله - تعالى - قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة في هذه الثلاث والإيمان بها، فأما دعاؤه إياهم إلى الإقرار بربانيته ووحدانيته، فلسنا نذكر هذا هاهنا لطوله وسعة الكلام فيه"([12]).
قال ملا علي القاري الحنفي شارح الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة: "فابتداء كلامه - سبحانه وتعالى - في الفاتحة بالحمد لله رب العالمين يشير إلى تقرير توحيد الربوبية، المترتب عليه توحيد الألوهية، المقتضي من الخلق تحقيق العبودية، وهو ما يجب على العبد أولاً من معرفة الله - سبحانه وتعالى -، والحاصل: أنه يلزم من توحيد العبودية توحيد الربوبية دون العكس في القضية، لقوله - تعالى -: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) وقوله - سبحانه - حكاية عنهم: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى).
بل غالب سور القرآن وآياته متضمنة لنوعي التوحيد، بل القرآن من أوله إلى آخره في بيانهما وتحقيق شأنهما، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوته إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته، فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته"([13]).
وقال الشهرستاني: "وأما التوحيد؛ فقد قال أهل السنة وجميع الصفاتية: إن الله - تعالى - واحد في ذاته لا قسيم له [توحيد ربوبية]، وواحد في صفاته الأزلية لا نظير له [توحيد الصفات]، وواحد في أفعاله لا شريك له [توحيد العبودية "الألوهية"]"([14]).
وقال المقريزي: "ولا ريب أن توحيد الربوبية لم ينكره المشركون، بل أقروا بأنه - سبحانه - وحده خالقهم وخالق السموات والأرض، والقائم بمصالح العالم كله، وإنما أنكروا توحيد الإلهية والمحبة"([15]).
فأقبل يا عبد الله على تعلم دينك، وجدد بالله وأفعاله إيمانك، وحقق الإيمان بكل ما أنزل الرحمن، ووحِّد الله حق التوحيد لتنال الجنان، ولتنجو من النيران، وتفهم معنى العبادة وأنواعها وشمولها، ولا تصرف شيئاً منها لغير الله فتقع في الشرك فتكون من الهالكين.
قال - تعالى -: (وأن المساجد لله فلا تدع مع الله أحداً). وقال - تعالى -: (وأن أقم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونن من المشركين * ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين). وقال - تعالى -: (ولا تدع مع الله إلهاً آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون).
والله أسأل التوفيق والسداد والقبول إنه خير مسئول.
_____________
([1]) أخرجه ابن ماجه (4034) من حديث أبي الدرداء، وقال البوصيري: "هذا بإسناد حسن، شَهر مختلف فيه"، وقال الحافظ في تلخيص الحبير (2/148): "وفي إسناده ضعف"، وهو في صحيح الجامع برقم (7339).
([2]) أخرجه أحمد (4/2467)، وأبو داود (1479)، وابن ماجه (3828)، والترمذي (2969، 3247) وقال: "حسن صحيح".
([3]) أخرجه البخاري (2887).
([4]) تفسير ابن جرير الطبري (13/77).
([5]) تفسير ابن كثير (2/495)، وحسّن إسناده ابن حجر في الفتح (13/495).
([6]) تفسير الطبري (13/77).
([7]) تفسير ابن كثير (3/422).
([8]) ولا يخفى أن ثمة قوماً ينكرون وجود الله، فحاورهم القرآن وأثبت لهم بالأدلة وجود الله - عز وجل - وأنه الخالق المدبر الرازق.، وهذا جانب وهو الجانب الذي نتحدث عنه، وهو مع الذين يؤمنون بالله، ولكنهم يصرفون عبادتهم لغيره.
([9]) تعريفات الجرجاني ص152.
([10]) أخرجه الطبراني (17/92)، والبيهقي في السنن (10137)، وفي المدخل (261).
([11]) الفقه الأبسط ص51.
([12]) الإبانة في الرد على الجهمية (2/172) من الكتاب الثالث.
([13]) انظر شرح الفقه الأكبر (ص9، 10).
([14]) الملل والنحل (1/42).
([15]) تجديد التوحيد المفيد (ص8)
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 92.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 90.58 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]