محمود سامي البارودي والشعر - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854662 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389572 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-11-2020, 05:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي محمود سامي البارودي والشعر

محمود سامي البارودي والشعر (1)









د. إيمان بقاعي










يقول محمود سامي البارودي في مقدمة ديوانه:

"إن الشّعر لمعة خيالية يتألق وميضها في سماوة الفكر، فتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب، فيفيض بلألائها نورًا يتصل خيطه بأسلة اللّسان فينفث بألوان من الحكمة ينبلج بها الحالك ويهتدي بدليلها السَّالط".



ويتابع:

"وخير الكلام ما ائتلفت ألفاظه وائتلقَت معانيه وكان قريبَ المأخذِ، بعيدَ المرمى، سليمًا مِن وصمةِ التَّكلّفِ، بريئًا من عَشوةِ التَّعسّف، غنيًّا عن مراجعة الفكرة، فهذه صفة الشّعر الجيّد، فمَن أتاه اللهُ منه حظًّا وكان كريمَ الشَّمائل طاهر النّفس، فقد ملكَ أعنَّةَ القلوبِ ونالَ مودّة النّفوسِ وصار بينَ قومه كالغرّةِ في الجوادِ الأدهمِ والبدر في الظّلامِ الأيهمِ.



ولو لم يكن مِن حسناتِ الشّعر الحكيم إلا تهذيب النّفوس وتدريب الأفهام وتنبيه الخواطر إلى مكارم الأخلاق، لكانَ بلغَ الغايةَ التي ليس وراءها لذي رغبةٍ مسرح، وارتبأ الصّهوةَ التي ليس دونها لذي همَّةٍ مطمح.



ومِن عجائبهِ تنافُس النّاس فيه، وتغايُر الطّباعِ عليهِ، وصَغوُ الأسماعِ إليه، كأنما هو مخلوقٌ مِن كلِّ نفسٍ، أو مطبوعٌ في كلّ قلبٍ؛ فإنكَ ترى الأممَ على اختلافِ ألسنتهم وتبايُنِ أخلاقهم وتعدُّد مشاربهم لَهِجينَ به، عاكفين عليه، لا يخلو منه جيلٌ دونَ جيلٍ، ولا يختصّ به قبيلٌ دونَ قبيلٍ؛ ولا غروَ فإنه مَعرِضُ الصّفاتِ ومتجَر الكمالات. ولقد سمعَ عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) قول زهير بن أبي سلمى:



فإنَّ الحقَّ مَقطعُهُ ثلاثٌ

يمينٌ أو نِفارٌ أو جَلاءُ








فجعلَ يعجبُ مِن معرفته بمقاطع الحكمة وتفصيلِها.



وللشّعر رتبةٌ لا يجهلها إلا مَن جفا طبعُهُ ونبا عن قبول الحكمةِ سَمعُهُ، فهو حليةٌ يزدانُ بجمالها العاطلُ وعُوذةٌ لا يتطرقُ إليها الباطلُ[1]:



له أوابد[2] لا تنفكُّ سائرةً

في الأرضِ ما بين إدلاجٍ وتهجيرِ




تجري مع الشَّمسِ في تيَّار ِكهربةٍ[3]

على إطارٍ من الأضواءِ مسعورِ




تطاردُ البرقَ إنْ مرَّتْ وتتركُهُ

في جوشن[4] مِن حَبيكِ المزنِ مزرورِ[5]








يرتبط الشّعر، إذن، بالنّور والضَّوء والوميض، أي: بالإنارة الّتي مهمتها تبيين الصَّحيح مِن الخطأ.



وإذ يرى البارودي أن الشّعر الجيد هو ما سلم مِن وصمة التّكلف، أعلنَ أنه يجد في نظم الشّعر لذة لا صعوبة، فيشبهه بحصان مطيع غير متعب:



ألقى الكلامُ إليَّ ثنيَ عنانِهِ

وتفاخرَتْ بكلاميَ الأشعارُ[6]








ويؤكد على الفكرة:



إذا صلْتُ صالَ الموتُ مِن وكراتِهِ

وإن قلْتُ أرّخى مِن أعنَّته الشّعرُ[7]








فشعره واضح، سليم، مفهوم و"غني عن مراجعة الفكرة":



متَشابِهُ الطَّرَفينِ ينبئُ صدرُهُ

عمَّا تلاحقَ فهو بادي المَعْلَمِ




أحكمتُ منطقَهُ بلهجةِ مُفلِقٍ

يقِظِ البديهةِ في القريضِ مُحكَّمِ




يبتزُّ أُهبَةَ كلِّ فارسِ بُهْمَةٍ

ويزُمُّ شِقشِقَةَ الفَتيقِ المُقْرَمِ




ذللْتُ منه غواربًا لا تُمْتَطى

وخَطَمْتُ منه موارنًا لم تُخْطَمِ




شعرٌ جمعتُ به ضروبَ محاسنٍ

لم تجتمعْ قبلي لحيٍّ مُلهَمِ[8]








على أن هذه السَّلاسة فصيحة، بليغة، تحمل في طياتها العذوبة والجرس الّذي يسهل على السَّامع الحفظ ويطربه بموسيقاها الأشبه بنغم الحداء، ما يعني أن قصائده تلك كما "زمن الورد":



ولي كلُّ مَلْساءِ المتونِ غريبةٍ[9]

إذا أُنْشِدَتْ أَفْضَتْ لذكرِ بني سعدِ[10]




يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-11-2020, 05:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي والشعر

أخفُّ على الأَسماعِ مِنْ نَغَمِ الحُدا




وألطفُ عندَ النَّفْسِ مِن زمنِ الوردِ[11]






والبارودي يجد للشّعر مهمة كبرى أو غاية كبرى يجب أن يراعيها، ألا وهي: تهذيب النّفوس وتدريب الأفهام، وتنبيه الخواطر إلى مكارم الأخلاق:



والشّعرُ ديوانُ أخلاقٍ يلوحُ به

ما خطَّه الفكرُ مِن بحثٍ وتنقيرِ




كم شادَ مجدًا وكم أودى بمنقبةٍ

رفعًا وخفضًا بمرجوٍّ ومحذورِ[12]








ويرى أن الشّعر موهبة لا تُعطى لأيِّ كان، بل تُعطى لكلِّ حسّاسٍ حكيمٍ ذكيٍّ عريقٍ ومتمتّعٍ بالأخلاقِ الكريمةِ، فمِن مهامِّ الشّعر بث الأخلاق:



وإنِّي لَقوَّالٌ إذا التبسَ الهدى

وجارَتْ حلومُ القومِ عن سننِ القصدِ[13]








وكيف لا يكون الشّعر كذلك وهو نابع مِن العقل والفكر والتَّجربة:



وما هو إلا جوهرُ الفضلِ والنُّهى

يسردُ في سلكِ المقال وينظمُ[14]











فالشّعر مهمته إضاءة العقل، وتنوير الفهم:



وبراحَتي قلمٌ إذا حرّكتُهُ

روِيَتْ به الأفهامُ وهي حِرارُ




ترتدُّ عنه قنابلٌ وجحافلٌ

وتَكِلُّ عنه أسِنَّةٌ وشِفارُ




غَرِدٌ إذا ما جالَ فوقَ صحيفةٍ

سجَدَتْ لحُسنِ صريرهِ الأوتارُ




وإذا امتطى ظهرَ البَنانِ لغايةٍ

خضعَتْ إليهِ قوارحٌ ومِهارُ[15]








الشّعر بالسليقة:

لم يكن محمود سامي البارودي شاعرًا فقط، بل كان أميرًا شأنه في ذلك شأن العديد مِن الأمراء الشّعراء[16] الّذين قرأهم وأحبهم وكتب على غرارهم الشّعر.



وكان الشّعر عنده موهبة، فهو "لم يتعلم النّحو والصَّرف والعَروض والقوافي"[17]، بل كان يقول الشّعر بالسَّليقة بعد أن تعهد نفسه الإبحار في "دواوين الشّعراء الأمويين والعباسيين"[18].



وعلاقته بالشّعر علاقة "إباء" وغرام، لا علاقة كسب وغنم. وفي هذا يقول: قلت الشّعر "لا تذرعًا إلى وجه أنتويه ولا تطلُّعًا إلى غُنم أحتويه، وإنما هي أغراض حركتني وإباء جمح بي وغرام سال على قلبي، فلم أتمالك أن أهبت فحركت به جرسي أو هتفت فسريت به عن نفسي"[19]. من هنا، يؤكد على أن الشّعر إنما هو جيشان الطّبع، وليس تكلفًا:



إذا جاشَ طبعي فاضَ بالدرِّ منطقي

ولا عجبَ فالدرُّ ينشأ في البحرِ[20]








ويعود فيؤكد على أن الشّعر ينشأ بالطّبع أصيلاً لا متكلفًا ولا مقلدًا:



نشأتْ بطبعي للقريضِ بدائعٌ

ليسَتْ بنِحلةِ[21] شاعرٍ متقدِّمِ[22]








والشّعر ينشأ مع المرء منذ صغره ويبقى معه حتى شيخوخته:



علقْتُ به طفلاً وشبْتُ ولم يزل

شديدًا بأهدابِ الكلامِ تعلقي[23]










يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-11-2020, 05:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي والشعر


على أن البارودي المؤمن بالوراثة وخباياها وخفاياها، يؤمِن بأنه ورث - إلى الصّفات الجيدة مِن جدوده وآبائه - قد ورث حب الشّعر وجينة الشّعر، فهو أصيل في الشّعر من أيام آبائه وأخواله:



ولا تغرنَّكَ في الدّنيا مُشاكلةٌ

بين الأنامِ فليس النَّبعُ كالضَّالِ[24]



فهو عريق شعريًّا:
أنا في الشّعر عريقٌ
لم أرثْهُ عن كلالَهْ

كانَ "إبراهيمُ"[25] خالي
فيه مشهورُ المقالَهْ

وسمَا جدي "علي"[26]
يطلب النّجم مناله

فهو لي إرث كريم
سوف يبقى في السّلاله[27]



على أن البارودي - مع اعترافه بفضل الوراثة - لم يركن إلى كسل الاطمئنان، بل عمل جادًّا على تطوير شعره ودراسته شعر الآخرين ليصل إلى ما وصل إليه، فكان الشّعر عنده وراثة تُعُهِّدت بالرعاية للوصول إلى الأفضل:
أنا ابنُ قولي وحسبي في الفَخَارِ به
وإن غدوْتُ كريمَ العمِّ والخالِ[28]



على أنه يصل ما بين عراقة النّسب وقول الشّعر، فهو يرى أن الشّعر لا يعطى لرعاع النّاس، وإن أعطي، لم يكن في مستوى الشّعر المنبعث مِن شاعر عريق النّسب.

فالشّعر يحتاج إلى العراقة والشّيم الكريمة والحرية الّتي ينطلق مِن خلالها منشدًا القصائد المتوهجة الغنية بالقيم:
لو لم أكن ذا شيمةٍ حرَّةٍ
لم أقرضِ الشِّعر ولم أعشقِ[29]

فالشّعر كما الحبُّ لا يليق
بالعبيد ولا بالأذلاء[30]


ونجد عند البارودي تلازم السَّيف والقلم في صورة شبه دائمة، فكأن شاعرنا يرفض أن يكون فارسًا فقط أو شاعرًا فقط، بل هو شاعر عندما يكون فارسًا وفارس عندما يكون شاعرًا:
فإن صُلْتُ فدَّائي الكميُّ بنفسِهِ
وإن قلتُ لبَّاني الوليدُ مِن المهدِ[31]



ويؤكد هذا التلازم بين فروسيته وشاعريته في كل مناسبة:
إذا صُلْتُ كفَّ الدَّهرُ مِن غلوائِهِ
وإن قلتُ غصَّتْ بالقلوبِ صدورُ[32]



فهو - كما أحيا الشّعر بمنطقه - صرع أعداءه بسيفه الحاد:
أحييتُ أنفاسَ القريضِ بمنطق
وصرعْتُ فرسانَ العجاج بلهذمي[33]



ويقوي الشّاعر الصلة بين الشّعر والفروسية إذ يجد الإقدام والتّقدم مشيرًا إلى الفصاحة والبلاغة والبيان:
لساني كنصلي في المقالِ وصارمي
كغرْبِ لساني حين لم يبقَ مُقْدِمُ[34]
يتبع






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-11-2020, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي والشعر

ونراه يزهو - وحُقَّ له - بالاثنين معًا:
أنا مصدر الكلم النَّوادي
بين الحواضرِ والبوادي

أنا فارسٌ أنا شاعرٌ
في كلِّ ملحمةٍ ونادي

فإذا ركبْتُ فإنني
زيدُ الفوارسِ[35] في الجلادِ

وإذا نطقت فإنني
قس بن ساعدة[36] الإيادي



ومن الفخر بتلازم السَّيف والقلم، والفروسية والشّاعرية، إلى سمة يفخر بها شاعرنا أيضًا وهي قدرة شعره على أن يكون فعالاً في كل المجالات مِن خلال قدرته على إيصال الفكرة وإثارة مكمن الهدف في كل مجال. فهو لا يفتأ يذكرنا بأن شعره إن رق بلغ الغاية وإن قسا بلغ الغاية، فكان المرجو في الحالة الأولى وكان المُهاب في الحالة الثّانية.

فهو:
غردٌ إذا ما جالَ فوقَ صحيفةٍ
سجَدَتْ لِحُسنِ صريرِهِ الأوتارُ[37]



وهو رقيق بحيث ينسي الحزين حزنه ويضيء الدَّرب لكل أديبٍ لَسِنٍ فصيحٍ:
ينسى[38] لها الفاقدُ المحزونُ لوعتَهُ
ويهتدي بسناها كلُّ قوَّالِ[39]



وهو عذب كالماء للعطشى:
وفجَّرتُ ينبوعَ البيانِ بمنطقٍ
عذبٍ رويت به غليلَ الحُوَّمِ[40]



وهو أشبه بأغنية عذبة تنشد لكسر الوقت وكسر الجمود وكسر رتابة الصَّحراء الجافة.
يغنِّي به شادٍ ويحْدو ركابَهُ
به كلُّ حادٍ بين بيداءَ سَمْلَقِ[41]



وهذا النشيد لا يقتصر على إبل وصحراء، بل إنه نشيد يعلو ويطرب في كل مكان وزمان:
إذا ما تلاه منشدٌ في مَقامةٍ
كفى القومَ ترجيعَ الغِناءِ نشيدُهُ[42]



ومن التغريد والرقة والعذوبة والغناء، إلى مهمة الشّاعر الأخرى؛ فالشّعر قادر على تحقيق الغايات وعلى بث الأفكار. كما أنه قادر على إخضاع الأمور إلى منطقه وإثارة الرّغبة في تحقيق هذه الأفكار. والشّعر - وإن كان عذبًا أحيانًا وغناء أحيانًا ومسلِّي حزن أحيانًا، قائد وثائر وعنيف حينَ يدعو الأمرُ، وهذا ما يقوله عن قلمه:
وإذا امتطى ظهرَ البيانِ لغايةٍ
خضعَتْ إليه قوارحٌ ومِهارُ[43]



وهذا الجمع في الشّعر بين المتناقضين: العذوبة والحدة، الحلاوة والمرارة، إثارة الطّمأنينة وإثارة الثّورة، هو مِن صفات الشّعر الجيد القادر على إثبات وجوده في حالات الإنسان كلها:
هو العسَلُ الماذيُّ طَوْرًا وتارةً
يثورُ الشَّجا منه مكانَ المُخَنَّقِ

فَطَوْرًا تَراهُ زهرةً بينَ مجلسٍ
وطَوْرًا تراهُ لهذَمًا[44] بين فيلقِ[45]

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-11-2020, 05:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي والشعر

يهيمُ به ربُّ الحُسامِ حماسةً
وتلهو به ذاتُ الوشاحِ المنمَّقِ[46]


وهو:
إذا اشتدَّ أورى زندَةَ الحربِ لفظُهُ
وإن رقَّ أزرى بالعُقودِ فريدُهُ[47]



وهذا يعني أن البارودي يفخر بشعره الّذي طرق فيه كل الأبواب من غزل ورثاء وهجاء وفخر، فانفتحت مغاليقها له ورحبت به وأدخلته صدر بيتها فصار لا ضيفًا مكرمًا فحسب، بل صاحب البيت وربه:
بلغْتُ بِشِعري ما أردْتُ فلم أدَعْ
بدائعَ في أكمامِها لم تُفَتَّقِ

فهذا نَمِيرُ الشّعرِ فاقصِدْ حياضَهُ
لِتَرْوى وهذا مُرْتَقَى الفضلِ فارتقِ[48]




[1] مقدمة الدّيوان.




[2] أوابده: قوافيه الشرد، والمراد القصائد الذائعة السائرة في البلاد.



[3] وهو يستعمل (الكهربة) في كثير من صوره وتعابيره وشعره.



[4] الجوشن: الدرع* حبيك المزن: السحاب المتراكم الشبيه بالثوب المحبوك.

[5] الديوان، ص274.

[6] الديوان، ص236.




[7] الديوان، ص273.



[8] الغوارب: ج غارب وهو من البعير ما بين سنامه وعنقه، وخطمت البعيد: جعلت الحطام؛ أي: الزمام على خطمه؛ أي: أنفه وفمه والموارن: ج: مارن وهو الجزء اللين من الأنف[الديوان، ص588].



[9] ملساء المتون: القصيدة السلسلة العذبة السهلة السائغة.



[10] بنو سعد: بطن من هوازن ومنهم حليمة بنت أبي ذؤيب مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا من أفصح العرب.



[11] الديوان، ص167.



[12] الديوان، ص275.



[13] الديوان، ص167.



[14] الديوان، ص607.



[15] الديوان، ص236، والحرار: العطاش.



[16] ابن المعتز - الشريف الرضي - أبو فراس - امرئ القيس.



[17] تقديم الديوان، ص9.



[18] تقديم الديوان، ص10.



[19] مقدمة الديوان، ص30.



[20] الديوان، ص203.



[21] النحلة: اسم من انتحل فلان شعر غيره إذا ادعاه ونسبه إلى نفسه.



[22] الديوان، ص587.



[23] الديوان، ص281.



[24] الديوان، ص454.



[25] إبراهيم بن علي آغا البارودي، كان أديبًا شاعرًا مولعًا بقراءة دواوين النابهين من شعراء العرب والترك، راوية لأشعارهم، وكانت داره منتدى لأنداده من الشّعراء والأدباء في زمانه. وحينما وافته المنية وهو في الخامسة والعشرين مِن عمره، أمرت أخته فاطمة - والدة الشّاعر - بكتابة شعره في ألواح زيّنت بها غرف الطّابق العلوي من بيتها، وأقبل محمود سامي في صباه على هذه الألواح فقرأها ورواها وانتفع بمكتبة خاله، فكان ذلك فاتحة نبوغه في الشعر، وكانت هذه المادة الشّعرية هي نقطة البداية لمسيرته الشعرية.



[26] علي آغا البارودي، جده لأمه وكان من فرسان المماليك الشّراكسة وأبطالهم الّذين كافحوا جيش الاحتلال الفرنسي في صعيد مصر. وقد قتل في مذبحة القلعة على يد محمد علي باشا الكبير.



[27] الديوان، ص485.



[28] الديوان، ص454.



[29] الديوان، ص368.



[30] وهذا يذكرنا بقوله في الحب إنه يصيب الكرام لا اللئام:


هو الحب يعتام الكرام ولن ترى

لئيمًا ينال السبق في الفضل أو يهوى




سبوق إذا جارى لحوق إذا هوى

غلوب إذا بادى قتول إذا أهوى





[الديوان، ص71].



[31] الديوان، ص167.



[32] الديوان، ص208.



[33] اللهذم: السيف الحاد. الديوان، ص585.



[34] الديوان، ص607.



[35] زيد الفوارس هو ابن حصين بن ضرار الضبي شاعر جاهلي شجاع شديد البأس.



[36] قس بن مساعددة الأيادي: من خطباء العرب في الجاهلية وهو أوسعهم شهرة.



[37] الديوان، ص236.



[38] يقصد آيات شعره.



[39] الديوان، ص454.




[40] الديوان، ص586.



[41] البيداء المسلق: القفر الأجرد. الديوان، ص381.

[42] الديوان، ص150.

[43] الديوان، ص236، والقوارح: الخيل إذا تمّت أسنانها أو طلعت أنيابها، واحدها: قارحٌ. والمهار: ج: مهر، وهو ولد الفرس.

[44] اللهذم: الحاد القاطع من الأسنة.

[45] الديوان، ص381.

[46] الديوان، ص382، والمنمَّق: اسم مفعول من التنميق وهو النقش والتزيين والتّحسين.

[47] الديوان، ص150.

[48] الديوان، ص382.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-11-2020, 05:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي والشعر

محمود سامي البارودي والشعر (2)
د. إيمان بقاعي








ومن السَّيف إلى الخيل، والخيل إرث يعتز به ابتداء مِن الموطن الأصلي في القفقاس وظل موضع اعتزاز وفخر في الوطن البديلِ. وكما يعتز البارودي بالنَّسب الأصيل لنفسه ولقومه، فللخيل أنساب أصيلة أيضًا تليق بالرّجل الأصيل؛ فالخيل الأصيلة تتقن فن الحرب وتتقن - كما المحارب الأصيل - الارتواء من نبع النصر:



وخيلٌ يعُمُّ الخافقين[1] صهيلُها




نزائعُ[2] معقودٌ بأعرافِها النَّصْرُ




معوَّدةٌ قطعَ الفيافي كأنَّها




خُداريةٌ فتخاءُ ليسَ لها وَكْرُ[3]







وهذا الخيل "المعقود بأعرافها النصر" لا تليق برجل عادي، بل تحتاج إلى مقاتل غير هياب. هنا، يصف البارودي مقاتلي قومه بأنهم شجعان في ساحة الوغى: شبابهم وشيبهم. ففي المعركة لا يميز بين قوة الشَّاب والأقل شبابًا، بل يملأ الحماس المقاتلين في كل عمر، تمامًا كما يتصف الشَّاب بالحكمة كالشَّيخ في أوقات السّلم.



وحين يصف شاعرنا أبناء قومه بالشَّجاعة الّتي لا تضعفها الأيام وبالحكمة الّتي لا تنقص منها قلة التجارب، فهو يصف قومًا بالكمال:



فأشْيَبُنا في ملتقى الخيلِ أمردٌ

وأَمْرَدُنا في كلِّ مُعضلة ٍكهلُ[4]








إن الشَّجاعة تورث الإقدام والعزة والاندفاع، وتورث كذلك المصداقية في القول والفعل:



رجالٌ أولو بأسٍ شديدٍ ونجدةٍ

فقَوْلُهمْ قَوْلٌ وفعلُهم فعلُ[5]








وهم مقاتلون أشداء "حازوا المجد فرسانًا تحت ألوية النّصر الحمراء، يرمون بالصليبيين إلى البحر، ويحمون بشجاعتهم الشّرق العربي مِن زحف التّتار والمغول المدمر ويهزمونهم في "عين جالوت" ويركزون أعلام مصر على ربوع الشَّام وجزر البحر المتوسط"[6]:



مساعيرُ حربٍ[7] لا يخافونَ ذِلَّةً

ألا إنَّ تَهْيابَ الحروبِ هو الذّلُ[8]








وكيف لمن لا يخاف الحرب ألا يكون إلا متوهجًا، مشرقًا، مقدامًا، يحمل معه ضوء الشَّجاعة منيرًا به دروبًا كانت ستغرق في الظلام لولا حمله النور:



مِن كلِّ أزهر كالدّينارِ غرتُهُ

يجلو الكريهةَ منه كوكب ضرم[9]








إننا نجد تلازم الشَّجاعة والشّرف وتلازم الخوف والذلة. والشَّجاعة تدفع قوم الشّاعر للاقتصاص من أعدائهم إذ لا ينامون بذلٍّ على ثأر لهم:



إذا نامَتِ الأضغانُ عن وَتَراتِها[10]

فقومي قومٌ لا ينامُ لهم ذَحْلُ[11]










على أنهم وقت السلم يتميزون بالقدرة على العيش الهنيء وعلى التّمتع بالرفاهية والغنى والترف.



وإذا أسقطنا صفات الشّاعر على صفات قومه، وجدنا أنه مثلهم: قادر على عيش الحرب بتفاعل كامل والسّلم بتفاعل كامل؛ وهذا ما شرحه العقاد أثناء كلامه عنه بقوله:

"وكان على العهد في رجال الحرب مستخفًّا بالحياة في ميدان القتال، محبًّا للحياة أيام السّلم، مفرطًا في حبها والمتعة بها، كأنما يعوض أيام المخاطرة والمغامرة بأيام الرغد والنعمة، أو كأنما يتناول من مائدة منزوعة، فيأخذ منها كل ما طاب إذ هي حاضرة بين يديه، وهو على أهبة الزّهد فيها والحرمان منها"[12].



ويخلص العقاد إلى أن هذا التفاعل الكامل، إنما يدل على إيجابية في الشَّخصية، "وتلك حال خليقة بأصحاب الطّبيعة الحيوية الّتي تنقاد لدفعة الجسم وسورة اللّحم والدم في ثورة الغضب والنخوة وفي ثورة الطرب والمتعة"[13]، ومن هنا كان وصف الشّاعر لقومه وصفًا لنفسه:



لهم عُمُدٌ مرفوعةٌ ومعاقلٌ

وألويةٌ حمرٌ وأفنيةٌ خضرُ[14]










وإذ تدل الأفنية الخضر على الكرم والغنى والرّفاهة، تدل النّار المشتعلة على كرم الضّيافة والسّخاء، فهي تضيء ليل الجوع وليل الضّياع وليل الوحشة وتفتح بابًا للكرم واسعًا:



ونارٌ لها في كلِّ شرقٍ ومغربٍ

لِمُدَّرعِ الظَّلماء السّنةٌ حمرُ[15]










وكما الشَّجاعة مفتاح إلى العز والسّؤدد والحرية، كذلك الكرم مفتاح إلى عالم واسع من الأخلاق والشيم الّتي تدل على العراقة والاكتفاء وعزة النَّفس. ومن هنا، يكون الكرم فعلاً لا قولاً، ويكون مرتبطًا بالآنيَّة لا بالمماطلة كما يكون أصالة لا ادِّعاء. إنَّ شاعرنا يبرع في التَّحليل النَّفسي للكرم، فالكرم فياض، معطاء، مقدام، ذو كلمة حازمة واضحة لا تأويل فيها ولا خبايا ولا زمن يتباطأ أو يتثاءب أو يوشك على مرض مفاجئ أو انقطاع مميت.



الكرم فعل لا يقدر عليه إلا العريق الأجداد الكريم النسب والخلق. الكرم فعل سريع شجاع تنبئ عنه حاجة ملحَّة استجيبت:



يفيضونَ بالمعروفِ فيْضًا فليسَ في

عطائِهِم وعدٌ ولا بَعْدَهُ مَطْلُ[16]




فَزُرْهُم تجدْ معروفَهُم داني الجنى

عليكَ وبابَ الخيرِ ليسَ له قفلُ[17]








إن قومًا جمعوا الفروسية إلى الكرم وصدق التّعامل، يستحقون مِن شاعرنا أن يتوقف عندهم طويلاً ليلقي الضَّوء على صفحاتهم المجيدة الّتي عادت بالخير - لا عليهم فحسب - بل على المشرق العربي الّذي كاد لولاهم أن ينسحق فأنقذوه.



على أن شاعرنا يتوجع بالدرجة ذاتها الّتي يفخر فيها بأجداده. فهم، رغم إقامتهم في داخله ورغم استعادته لهم بالفعل - الاستمرار وبالقول - البعث، ورغم إحيائه لهم في ذاكرة الأيام وإنعاشها بالمآثر، قد رحلوا.



إنه يشعر بالغصة! ونحن لا نشعر عادة بالغصة لفقدان أمر غير ذي قيمة، بل العكس هو الصّحيح؛ لذا فهو يحاول الوقوف موقفَ حياد مِن الزَّمن الّذي يجتاح الأمم دونما تفريق بين قوم وقوم:



عمروا الأرضَ مدةً ثم زالوا

مثلما زالَتِ القرونُ اجتياحا[18]



يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-11-2020, 05:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي والشعر







بيد أنه لا يلبث أن يتخلى عن الحياد في موقفه من الزّمان، فيرى في اجتياحه لهم بالذَّاتِ عبثًا ولهوًا وملولاً وغدرًا وإزالة استقرار أو تفجير شمل:



أقاموا زمانًا ثم بدَّدَ شملَهُم

مَلولٌ مِن الأيامِ شيمتُهُ الغدرُ[19]










ويعود مِن جديد لمحاوِلاً استيعاب لعبة الزّمان العابثة المؤمنةِ دائمًا وأبدًا بالتّغيير:



لعمركَ ما حَيٌّ وإنْ طالَ سيرُهُ

يُعَدُّ طليقًا والمَنونُ له أسْرُ




وما هذه الأيام إلا منازلٌ

يَحُلُّ بها سَفْرٌ ويتركها سَفْرُ[20]










وإذ يصل إلى بعض مِن رضا لا يخلو مِن وجع، يحاول شاعرنا أن يتقبل الواقع أكثر، فيجمّله ويضفي عليه مِن أفكاره الإيجابية ما يجعله أكثر قبولاً.



إنه يلاحق آثار الزَّمن، ويجد لنظرية النّسب العريق في الآثار موضعًا يدخل منه مِن الباب الواسع؛ فهذه الآثار - رغم عدم موازاتها للواقع الّذي كان يجب أن يسود - آثار طيبة عابقة بالعطر والمجد:



فلم يبقَ منهم غيرُ آثارِ نعمةٍ

تَضُوعُ بريَّاها[21] الأحاديثُ والذِّكْرُ[22]








النّعمة تكمن في الحرية الّتي علمها قومه للأمم وتكمن في الأثر المتروك على العلا:



ماتوا كرامًا وأبقوا للعُلا أثرًا

نالَتْ به شرفَ الحريَّةِ الأمَمُ[23]










والعُلا أثر لا يستهان به ولا يمحى:



إنَّ العلا أثرٌ تحيا بذُكرَتِه

أسماءُ قومٍ طوى أحسابَها القِدَمُ[24]










وإن كان لا بد مِن الإقناع أو الاقتناع بأن الآثار لا تصمت، بل تتحدث بطلاقة حين يكون الماضي يستحق أن يُتَحَدث عنه، فليس أمام شاعرنا إلا موقفان:

الأول: دعاء بالسّقيا لمن رحل على عادة العرب القدامى:



فسَقاهم مُنَزِّلُ الغَيثِ سَحْلاً

يجعل النَّبتَ لِلْعراءِ وِشاحا[25]










والثّاني: إبقاء على طيب الذّكر من خلال استمرار الأبناء بما قام به الآباء، والمرء قادر - إن شاء - على متابعة رحلة المجد.



هنا يتصالح الشّاعر مع الزمن إذ يثبت له أن الاستمرارية فعل ممكن عندما يكون الوارث على قدر مسؤولية الإرث العظيم:



لنا الفضلُ فيما قد مضى وهو قائِمٌ

لدينا وفيما بعدَ ذاكَ لنا الفضلُ[26]










مِن الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، والمجد إرث يعتز به ويحافظ عليه. وإن زال، فلا بدَّ وأن يكون زواله مؤقتًا مِن أجل إعادته إلى صانعيه. كان المجد مدرسة أيضًا لشاعرنا.





[1] الخافقان: المشرق والمغرب أو أفقاهما.




[2] النزائع: الغرائب أو النجائب التي تنزع إلى أصل كريم* الأعراف: جمع عرف، وهو الشعر النابت في رقبة الفرس.



[3] الديوان، ص217، والخدارية: العقاب، وهو طائر من عتاق الطير ويضرب بها المثل في القوة وسرعة الطيران* فتخاء: من صفات العقاب، أي لين الجناح لأنها إذا انحطّت كسرت جناحيها وغمزتهما.



[4] الديوان، ص428.



[5] الديوان، ص425.



[6] علي محمد الحديدي، ع.س، ص36.



[7] مساعير: جمع مسعار (بوزن مفتاح): اسم آلة من سعرت النار؛ أي: أوقدتها وألهبتها، وقومه مساعير حرب: أي يقدمون على الحرب فيؤججون نارها.



[8] الديوان، ص425.



[9] علي محمود الحديدي، ع.س، 37.



[10] الوترات: ج وترة: اسم مرة من وترت الرّجل، أدركته أو قتلت حميمه فأفردته منه.



[11] الديوان، ص425.



[12] عباس محمود العقاد: شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1950)، ص133 - 134.



[13] م.ن، ص.ن.



[14] الديوان، ص217.



[15] الديوان، ص217.



[16] الديوان، ص426.



[17] نفسه، ص427.



[18] الديوان، ص117.



[19] الديوان، ص218.



[20] الديوان، ص218.



[21] وللشاعر بيت يتحدث عن ريا الآثار يقول فيه:


وقد تنطق الآثار وهي صوامت

ويثني برياه على الوابل الزهر




[الديوان، ص218].



[22] الديوان، ص218.



[23] نفسه، ص602.



[24] نفسه، ص603.



[25] الديوان، ص117، السّحل: الدلو العظيمة إن كانت مملوءة. الوشاح: أي فرعان من لؤلؤ وجوهر منظومان يخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر، أو أديم عريضٌ يرصّع بالجواهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحها، والمراد غيث غزير يجعل النبات زينة للفضاء.



[26] الديوان، ص429.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 156.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 151.79 كيلو بايت... تم توفير 4.66 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]