|
|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد
(21) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي ثانياً: أسباب هجر تدبر القرآن. قل مَنْ يقرأ القرآن، وقل مِنْ هؤلاء القارئين مَنْ يتدبر القرآن، ويقف مع وعده ووعيده؛ حتى تتحقق له الدعوة إلى الطاعة، والزجر عن المعصية، فإذ بالقرآن - الذي لو أنزله الله على الجبال الرواسي الشامخات لتصدعت من خشية الله - إذا به يقرأ، وآيات الوعد والوعيد تسمع، ولكن قلوب قاسية، وأبدان جامدة، وأعين متحجرة، فلا قلب يخشع، ولا بدن يخضع، ولا عين تدمع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (مَنْ لم يقرأ القرآن فقد هجره، ومَنْ قرأ القرآن ولم يتدبره فقد هجره، ومَنْ تدبر القرآن ولم يعمل به فقد هجره) (1). وترجع (ظاهرة) هجر تدبر القرآن إلى أسباب كثيرة منها: 1 - الذنوب والمعاصي. 2 - ترك الدعاء 3 - الجهل باللغة العربية. 4 - التخلي عن موانع الفهم. 5 - هجر كتب التفسير. وإليك بيان هذه الأسباب بشيء من التفصيل: أولاً: الذنوب والمعاصي من عقوبات الذنوب والمعاصي أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضاً معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه، فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (14) سورة المطففين. قال العلماء: هو الذنب بعد الذنب حتى يطبع على قلب صاحبها فيكون من الغافلين، ويحرم من العلم؛ ولذلك قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد. فينبغي لمن أراد أن يتدبر القرآن أن يبتعد عن الذنوب والمعاصي (وبخاصة التي تتعلق بأدوات ووسائل التدبر: القلب والسمع واللسان والبصر. فاستخدام هذه الأدوات في الحرام يعرضها لعدم الانتفاع بها في الحق قال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} (25) سورة الأنعام. وقال تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} (5) سورة فصلت. فذكر الله غطاء القلب وهو الأكنة، وغطاء الأذن وهو الوقر، وغطاء العين وهو الحجاب، فالحجاب يمنع من رؤية الحق، والأكنة تمنعه من فهمه، والوقر يمنعه من سماعه) (1). لما جلس الإمام الشافعي - رحمه الله - بين يدي الإمام مالك - رحمه الله -، وقرأ عليه، أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه؛ فقال له: (إن الله - تعالى - قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية). ومما ورد عن الشافعي - رحمه الله - قوله: شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ... ونور الله لا يؤتاه عاص ومما سبق يتضح أن الذنوب والمعاصي من أعظم الأسباب التي تحول بين العبد وتدبر القرآن الكريم (1). ثانياً: ترك الدعاء إن الدعاء سلاح المؤمن في جميع أموره، ولذلك فإن سير الأنبياء والصالحين مليئة بالأدعية الصالحة المستجابة، وكان السلف الصالح إذا استعصى عليهم فهم آية من كتاب الله وتدبرها، لجأوا إلى الله بالتضرع والدعاء مع تخير الأوقات المناسبة للإجابة، وسنذكر بعضاً من سيرهم في ذلك: يذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في سياق هجرة عمر بن الخطاب مع عياش بن ربيعة وهشام بن العاص - رضي الله عنهم - (ولقد حبس الكفار هشاماً عن الهجرة، واستطاع أبوجهل أن يرد عياشاً إلى مكة بعد حيلة ماكرة وخطة غادرة ... وقد كان شائعاً بين المسلمين أن الله لا يقبل ممن افتتن توبة، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وأنزل الله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (53 - 55) سورة الزمر. قال عمر: وكتبتها وبعثت بها إلى هشام بن العاص. قال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها وأصوب، ولا أفهمها؛ حتى قلت: اللهم فهمنيها؛ فألقى الله في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة) (1). وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول في دعائه دائماً: (اللهم يا معلم آدم وإبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني) فيجد الفتح في ذلك (2). فالزم - أخي الحبيب - الدعاء دائماً، وسل الله من فضله أن يرزقك فهم كتابه، وتدبر معانيه، وقل: (اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي) (3). ثالثاً: الجهل باللغة العربية إن الله - تعالى - أنزل القرآن الكريم بلغة العرب قال تعالى: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (103) سورة النحل، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (192 - 195) سورة الشعراء. قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات،وأبينها، وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات) (1). _________ (1) كتاب ففروا إلى الله للشيخ أبي ذر القلموني ص (187) طبعة دار المنار. (1) شفاء العليل ص (93)، والتفسير القيم ص (347). (1) انظر لمزيد من الفائدة كتاب الداء والدواء للإمام ابن القيم - رحمه الله. (1) البداية والنهاية للحافظ ابن كثير (3/ 136 - 137) بتصرف، طبعة دار الكتب العلمية. (2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (4/ 38). (3) (حديث صحيح) أخرجه أحمد وابن حبان من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً، انظر السلسلة الصحيحة (199). (1) تفسير ابن كثير (2/ 467) طبعة دار الفكر.
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد
(22) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي ثانياً: أسباب هجر تدبر القرآن. رابعاً: عدم التخلي عن موانع الفهم (وموانع الفهم كثيرة منها: 1 - أن يكون الهم منصرفاً إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وعدم التفكر في معاني كلام الله - عز وجل -، بحيث يحرص كل الحرص على ترديد الحرف وتكراره وذلك لأن الشيطان يخيل إليه أنه لم يخرج الحرف من مخرجه، ولم يعطه حقه في النطق. 2 - أن يكون المسلم مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه، وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة، فهذا إن سمع تفسيراً للآية غير ما سمع، إذا به يرده من غير تردد: مثل مَنْ عرف أن تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طه. أن معنى: {اسْتَوَى} استولى. واستقر ذلك في نفسه حتى صار عقيدة راسخة له، فإذا به لو عرف بعد ذلك أن معنى: {اسْتَوَى} ليس استولى وأنه خلاف الحق والصواب الذي عليه جمهور السلف الصالح، وأن معناها الحقيقي: استقر وعلا وارتفع، فإذ به يرد هذا المعنى الحق، ولا يقبله، وأحياناً يعادي ويبغض من يدعو إليه. 3 - أن يكون المسلم مُصِّراً على ذنب، أو متصفاً بكبر، أو مبتلى - في الجملة - بهوى في الدنيا، فإن ذلك يسبب ظلمة القلب وصدئه، وقد شرط الله الإنابة في الفهم والتذكير، فقال تعالى: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} (8) سورة ق. وقال عز وجل: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} (13) سورة غافر. وقال تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (19) سورة الرعد. فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم الآخرة فليس من ذوي الألباب؛ ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب) (1). خامساً: هجر كتب التفسير قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله -: (إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله - تفسيره - كيف يلتذ بقراءته) (2). كيف يتدبر القرآن من هجر كتب تفسير القرآن ولم يطالعها ويدارسها، ولم يعرف أسباب النزول ... وغيرها من علوم القرآن، وغالباً لا يسلم صاحب هذا المنهج من الخطأ في فهم الآيات، والاستدلال بها، والخطأ في العمل والتطبيق. عن أسلم أبي عمران التجيبي قال: (كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فُضَالة بن عُبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم، حتى دخل عليهم فصاح الناس، وقالوا: سبحان الله! يلقي بيديه إلى التهلكة! فقام أبوأيوب الأنصاري فقال: (يا أيها الناس إنكم لتأولون هذه الآية هذا التأويل؛ وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام، وكثر ناصروه، فقال بعضنالبعض سراً دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله - تبارك وتعالى - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - يرد علينا ما قلنا: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (195) سورة البقرة. فكانت التهلكة الإقامة على الأموال، وإصلاحها، وتَرْكنا الغزو، فما زال أبوأيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دُفِنَ بأرض الروم) (1). كيف نتدبر القرآن الكريم؟ يتم ذلك من خلال طريقين: العلمي، والعملي. أولاً: الطريق العلمي: وذلك من خلال أن يعرف المسلم قيمة تدبر القرآن الكريم، وعِظَم مكانته، وكثرة فوائده، وأن تدبر القرآن سبيل إلى العلم النافع، والعمل الصالح، وطريق إلى حياة القلوب. قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآن (2) قال إبراهيم الخواص: (دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، خلاء البطن، قيام الليل، التضرع عند السحر، مجالسة الصالحين) (3). إن المحروم مَنْ حُرِمَ تدبر القرآن، وأُغْلِقَ عليه فهم آياته، ومعرفة معانيه،قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد. قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فقه فيه، ولا خير في قراءة لا تدبر معها). تفكر عمرو بن مرة في مَثَل من أمثال القرآن فلم يتبين له معناه، فجعل يبكي، فسئل ما يبكيك؟ فقال: (إن الله - عز وجل - يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (43) سورة العنكبوت. وأنا لم أعقل المثل فلست بعالم فأبكي على ضياع العلم مني) (1). (1) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي (1/ 235 - 236) بتصرف، طبعة دار الريان. (2) مقدمة تفسير الطبري لمحمود شاكر (1/ 10). (1) (حديث صحيح) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2373)، والسلسلة الصحيحة للألباني (13). (2) القصيدة النونية لابن القيم: فصل في التفريق بين الخلق والأمر ص (41). (3) التبيان للإمام النووي ص (61) طبعة مكتبة ابن عباس. (1) تفسير ابن كثير الآية 43 من سورة العنكبوت.
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد
(23) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي كيف نتدبر القرآن الكريم؟ ثانياً: الطريق العملي: وذلك باتباع الخطوات الآتية: 1 - الالتزام بآداب التلاوة وبخاصة الإخلاص والطهارة والسواك والاستعاذة واختيار المكان المناسب ... وقد سبق ذكرها بشيء من التفصيل في هجر التلاوة. 2 - تفريغ القلب من الشواغل، والتخلي عن موانع الفهم وبخاصة الذنوب والمعاصي، والغفلة والكبر .. ، والعمل على صلاح القلوب وطهارتها عن طريق الذكر والتسبيح والاستغفار، والإنابة والتوبة، والتخلص من فضول الطعام والمنام والنظر والمخالطة. قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (فإذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته، وألقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه سبحانه لك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن تمام التأثير، لما كان موقوفاً على مُؤَثِّرٍ مُقْتَضٍ، ومَحْلٍ قَابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه: تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه، وأدله على المراد. فقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق. وهذا هو المؤثر. وقوله: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فهذا هو المحل القابل، والمراد به: القلب الحي الذي يعقل عن الله، كما قال - تعالى -: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} (69 - 70) سورة يس. أي: حَيّ القلب. وقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} أي: وَجَّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يُقَال، وهذا هو شرط التأثير بالكلام. وقوله: {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي: شاهد القلب حاضر غير غائب. قال ابن قتيبة: استمع لكتاب الله وأنت شاهد القلب والفهم، ليس بغافل ولا ساه. وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير وهو: سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له، والنظر فيه وتأمله. فإذا حصل المؤثر: وهو القرآن. والمحل القابل: وهو القلب الحي. ووجد الشرط: وهو الإصغاء. وانتفى المانع: وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب، وانصرافه إلى شيء آخر , حصل الأثر: وهو الانتفاع بالقرآن والتذكر) (1). 3 - ترتيل القرآن، قال تعالى: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (4) سورة المزمل. إن ترتيل القرآن يساعد على تدبر الآيات، وفهم معانيها. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إليَّ من أن أقرأ القرآن كله). وعن مجاهد أنه سُئلَ عن رجلَين: قرأ أحدهما البقرة وآل عمران، والآخر قرأ البقرة وحدها، وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما سواء، قال: الذي قرأ البقرة وحدها أفضل) (1). وأكثر العلماء يستحبون الترتيل في القراءة ليتدبره القارئ ويفهم معانيه. عن حفصة - رضي الله عنها -: (كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول منها) (2). 4 - ترديد الآية حتى يتحصل على التدبر عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية من القرآن ليلة (3). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية يرددها حتى أصبح، الآية {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة (4). وقام قتادة بن النعمان - رضي الله عنه - الليل لا يقرأ إلا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها لا يزيد عليها. (5) وعن تميم الداري - رضي الله عنه - أنه كرر هذه الآية حتى أصبح {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (21) سورة الجاثية. (1) 5 - التفاعل مع الآيات، وإظهار الحزن والتأثر، أثناء القراءة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله " (2). ولقد ورد في سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف (3) " اقرءوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا " فإن لم يتأثر الإنسان بالقراءة، وتبكي عينه، وتقشعر جوارحه، فعليه أن يتظاهر بالحزن والبكاء على الحرمان من ذلك، فإنه من أعظم المصائب. عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: (صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فافتتح (البقرة) فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح (النساء) فقرأها، ثم افتتح (آل عمران) فقرأها، يقرأ مسترسلاً، وإذا مَرَّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مَرَّ بآية سؤال سأل، وإذا مَرَّ بتعوذ تعوذ) (4). قال الإمام النووي - رحمه الله -: (يستحب هذا السؤال والاستعانة، والتسبيح لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو خارج منها ...) (5). _________ (1) الفوائد للإمام ابن القيم ص (3 - 5) طبعة دار الكتب العلمية. (1) التبيان للإمام النووي ص (64 - 65) طبعة مكتبة ابن عباس. (2) رواه مسلم والترمذي. (3) (حديث صحيح) رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (370). (4) (حديث صحيح) رواه أحمد (4/ 149) وذكره الألباني في صفة الصلاة. (5) رواه البخاري (الفتح 9/ 59). (1) (إسناده صحيح) رواه ابن أبي شيبة، هامش التبيان ص (62). (2) أخرجه ابن ماجه والدارمي. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2202)، وضعفه البوصيري والعراقي، والحويني انظرتفسير ابن كثير (1/ 270). تحقيق الحويني. (3) راجع ضعيف ابن ماجه (281)، وضعيف الجامع (2025). (4) رواه مسلم وأبوداود والترمذي. (5) التبيان للإمام النووي ص (66).
__________________
|
#24
|
||||
|
||||
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد
(24) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي المقامات العليا في التدبر وفيه ثلاثة مباحث: أولاً: التدبر في القرآن الكريم. ثانيًا: تدبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ثالثًا: تدبر القرآن في سير السلف الصالح. أولاً: التدبر في القرآن الكريم لقد أمر الله - سبحانه وتعالى - بتدبر القرآن الكريم في آيات كثيرة نستعرضها بشيء من التفسير والتوضيح. الحث على التدبر قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء. قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله -: (أفلا يتدبرون يا محمد كتاب الله، فيعلموا حجة الله عليهم في طاعتك، واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم من التنزيل من عند ربهم لاتساق معانيه، وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضاً للتصديق، وشهادة بعضه لبعضه بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله، لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض) (1). قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: (قوله تعالى: {لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه التناقض، قاله ابن عباس، وابن زيد، والجمهور. الثاني: الكذب، قاله مقاتل، والزجاج. الثالث: أنه اختلاف تفاوت من جهة بليغ من الكلام، ومرذول، إذ لابد للكلام إذا طال من مرذول، وليس في القرآن إلا بليغ، ذكره الماوردي في جماعة) (1). القلب وتدبر القرآن قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد. قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: {أَمْ} بمعنى: بل، وذكر الأقفال استعارة، والمراد أن القلب يكون كالبيت المقفل لا يصل إليه الهدى، قال مجاهد: الران أيسر إلى الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشد ذلك كله) (2). عن هشام بن عروة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: (تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد. فقال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها حتى يكون الله تعالى يفتحها أو يفرجها. فما زال الشاب في نفس عمر - رضي الله عنه - حتى ولي فاستعان به) (3). وتنكير القلوب: يتضمن إرادة قلوب هؤلاء وقلوب مَنْ هم بهذه الصفة، ولو قال: أم على القلوب أقفالها، لم تدخل قلوب غيرهم في الجملة. تهويل حال القلوب وتفظيع شأنها بإبهام أمرها في القساوة والجهالة، كأنه قيل: على قلوب منكرة لا يعرف حالها، ولا يقدر قدرها في القساوة. أو: لأن المراد بها قلوب بعض منهم، وهم المنافقون، فلم يحتج إلى تعريف القلوب، لأنه معلوم أنها قلوب من ذكر) (4). بركة القرآن الكريم قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص. قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (ولما كان القرآن يرشد إلى المقاصد الصحيحة، والمآخذ العقلية الصريحة؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص. أي: ذو العقول وهي الألباب جمع (لُب) وهو العقل، قال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله ما يُرَى له القرآن في خُلُقٍ ولا عَمَلٍ. رواه ابن أبي حاتم) (1) عظمة القرآن الكريم قال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الحشر قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (يقول تعالى معظماً لأمر القرآن، ومبيناً علو قدره، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب، وتتصدع عند سماعه؛ لما فيه من الوعد الحق، والوعيد الأكيد: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}. أي: فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه؛ لخشع وتصدع من خشية الله - عز وجل -، فكيف يليق بكم أيها البشر أن لا تلين قلوبكم؟! وتخشع وتتصدع من خشية الله؟! وقد فهمتم عن الله أمره، وتدبرتم كتابه؛ ولهذا قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وقد قال تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (74) سورة البقرة) (1). _________ (1) تفسير الطبري (8/ 567). (1) تفسير زاد المسير لابن الجوزي (2/ 145) طبعة المكتب الإسلامي. (2) زاد المسير لابن الجوزي (7/ 408). (3) ذكره ابن كثير في تفسيره (4/ 180) طبعة المكتبة القيمة. (4) كيف نتدبر القرآن لفواز زمرلي ص (29 - 30) طبعة دار البشائر. (1) تفسير ابن كثير (4/ 33). (1) تفسير ابن كثير (4/ 342 - 343) بتصرف.
__________________
|
#25
|
||||
|
||||
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد
(25) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي أولاً: التدبر في القرآن الكريم تدبر القرآن من صفات المؤمنين: قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (23) سورة الزمر. قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (وقوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي: هذه صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبار، المهيمن العزيز الغفار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله} لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه، فهم مخالفون لغيرهم من الفجار من وجوه: أحدها: أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات، وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات. الثاني: أنهم إذا تُلِيَتْ عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (2 - 4) سورة الأنفال، وقال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (73) سورة الفرقان. أي: لم يكونوا عند سماعها متشاغلين، لاهين عنها، بل مصغين إليها، فاهمين بصيرين بمعانيها؛ فلهذا إنما يعملون بها، ويسجدون عندها عن بصيرة، لا عن جهل ومتابعة لغيرهم. الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها، كما كان الصحابة - رضي الله عنهم - عند سماعهم كلام الله - تعالى - من تلاوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تقشعر جلودهم، ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله، ولم يكونوا يتصارخون، ولا يتكلفون بما ليس فيهم، بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية مالا يلحقهم أحد في ذلك؛ ولهذا فازوا بالمدح من الرب الأعلى في الدنيا والآخرة 0 قال عبد الرزاق: حدثنا معمر قال: تلا قتادة - رحمه الله -: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} قال: هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله - عز وجل - بأن تقشعر جلودهم، وتبكي أعينهم، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع، وهذا من الشيطان. قال السدي: ({ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ} أي: إلى وعد الله، وقوله: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء} أي: هذه صفة من هداه الله، ومن كان على خلاف ذلك فهو ممن أضله الله: {وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}) (1). عتاب من الله للمؤمنين قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (16 - 17) سورة الحديد. قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (يقول تعالى أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله أي: تلين عند الذكر والموعظة، وسماع القرآن، فتفهمه وتنقاد له، وتسمع له، وتطيعه. قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين) (1). وقوله تعالى: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ} نهى الله - تعالى - المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى، لما تطاول الأمل؛ بدلوا كتاب الله، واشتروا به ثمناً قليلاً، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة، والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله؛ فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد، {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أي: في الأعمال، فقلوبهم فاسدة، وأعمالهم باطلة. وقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فيه إشارة إلى أن الله - تعالى - يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد ضلتها، ويفرج الكروب بعد شدتها، فكما يحيي الأرض الميتة، المجدبة، الهامدة، بالغيث الهتان، الوابل، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل، ويلج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال، والمضل لمن أراد بعد الكمال، الذي هو لما يشاء فعال، وهو الحكيم العدل في جميع الفعال، اللطيف الخبير الكبير المتعال) (1). ثانياً: تدبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للقرآن الكريم لقد بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدرجة العليا، والمقام الأسمى، في تدبر القرآن الكريم، وهذه بعض حالاته مع القرآن من صحيح السنة النبوية: عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اقرأ عليَّ القرآن " فقلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أُنْزِل؟ قال: " إني أحب أن أسمعه من غيري". فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا}، قال: " حسبك الآن ". فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان) (2). _________ (1) تفسير ابن كثير (4/ 50 - 51). (1) رواه مسلم (8/ 465) طبعة المكتبة القيمة. (1) تفسير ابن كثير (4/ 310 - 311) بتصرف. (2) رواه البخاري حديث رقم (4582)، انظر فتح الباري (8/ 99) طبعة الريان.
__________________
|
#26
|
||||
|
||||
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد
(26) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي أولاً: التدبر في القرآن الكريم تدبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للقرآن الكريم عن عطاء قال: (دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة - رضي الله عنها - فقال ابن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فبكت، وقالت: قام ليلة من الليالي، فقال: " يا عائشة! ذريني أتعبد لربي "، قالت: قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك، قالت: فقام، فتطهر، ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجْره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: " أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر ما فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} (190) سورة آل عمران (1). عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " شيبتني هود وأخواتها " (2). عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال أبو بكر - رضي الله عنه -: يارسول الله!، قد شبت، قال: " شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت " (3). قال العلماء: (لعل ذلك لما فيهن من التخويف الفظيع، والوعيد الشديد؛ لاشتمالهن مع قصرهن على حكاية أهوال الآخرة، وفظائعها، وأحوال الهالكين والمعذبين، مع ما في بعضهن من الأمر بالاستقامة) (4). ثالثاً: تدبر القرآن في سير السلف الصالح ينبغي لمن أراد تدبر القرآن الكريم، وفهم معانيه، ومعرفة وأحكامه، أن ينظر في سير السلف الصالح، وأن يعرف أحوالهم مع القرآن الكريم؛ حتى يكون دافعاً قوياً له أن يتشبه بهم، فإن التشبه بالصالحين فلاح. وكما قال ابن الجوزي - رحمه الله -: (إن صدقت في طلابهم فانهض وبادر، ولا تستصعب طريقهم فالمعين قادر، تعرض لمن أعطاهم، وسل، فمولاك مولاهم، رُبَّ كنز وقع به فقير، ورُبَّ فضل اختص به صغير، علم الخضر ما خفي على موسى، وكُشِفَ لسليمان ما خفي على داود) (1). وسنذكر بعضاً من قصص سلفنا الصالح مع القرآن الكريم: 1 - أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: عن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: (... وكان أبو بكر رجلاً بكاءً لا يملك دمعه إذا قرأ القرآن) (2). 2 - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: عن عبد الله بن شداد بن الهاد يقول: سمعت عمر يقرأ في صلاة الصبح سورة يوسف، فسمعت نشيجه (3)، وإني لفي آخر الصفوف، وهو يقرأ {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (86) سورة يوسف (4). 3 - عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -: عن نافع قال: (كان ابن عمر - رضي الله عنه - إذا قرأ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (16) سورة الحديد. بكى حتى يغلبه البكاء. عن نافع مولى ابن عمر يقول: (ما قرأ ابن عمر هاتين الآيتين قط من آخر سورة البقرة إلا بكى {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (284) سورة البقرة ثم يقول: إن هذا الإحصاء شديد) (1). 4 - عباد بن بشر - رضي الله عنه -: نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بشِعْب في غزوة ذات الرقاع فقال: " مَنْ يحرسنا الليلة؟ " فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فباتا بفم الشِعب فاقتسما الليل للحراسة، فنام المهاجري، وقام الأنصاري يصلي، فجاء رجل من العدو، فرأى الأنصاري، فرماه بسهم، فأصابه، فنزعه، واستمر في صلاته، ثم رماه بثانٍ، فصنع كذلك، ثم رماه بثالث، فانتزعه، وركع وسجد وقضى صلاته، ثم أيقظ رفيقه. فلما رأى ما به من الدماء قال له: لِمَ لا أنبهتني أول ما رمى؟ قال: كنت في سورة فأحببت أن لا أقطعها. وأخرجه البيهقي في (الدلائل) من وجه آخر، وسمى الأنصاري المذكور: عباد بن بشر، والمهاجري: عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - والسورة: سورة الكهف. (2) _________ (1) (حديث إسناده جيد) رواه ابن حبان، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (68). (2) (حديث إسناده جيد) انظر السلسلة الصحيحة للألباني (2/ 642). (3) (حديث صحيح) رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2627)، والسلسلة الصحيحة (955). (4) جامع الأصول لابن الأثير (2/ 193) طبعة دار الفكر. (1) المدهش للإمام ابن الجوزي ص (428) بتصرف، طبعة دار الكتب العلمية. (2) رواه البخاري (3905). (3) (النشيج): تردد البكاء في الصدر من غير انتحاب. انظر المعجم الوجيز ص (615). (4) مناقب عمر بن الخطاب للإمام ابن الجوزي ص (159) تحقيق حلمي بن إسماعيل الرشيدي، نشر دار العقيد للتراث بالإسكندرية. (1) حلية الأولياء للإمام أبي نعيم (1/ 305)، طبعة دار أم القرى للطباعة والنشر بالقاهرة. (2) انظر فتح الباري (1/ 337) طبعة دار الريان، دلائل النبوة للبيهقي (3/ 378) طبعة دار الريان.
__________________
|
#27
|
||||
|
||||
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد
(27) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي أولاً: التدبر في القرآن الكريم قصص سلفنا الصالح مع القرآن الكريم: 5 - الحسن البصري - رحمه الله -: قرأ الحسن هذه الآية {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (90) سورة النحل. فقال: (إن الله جمع لكم الخير كله، والشر كله، في آية واحدة؛ فوالله ما ترك العدل والإحسان شيئاً من طاعة الله - عز وجل - إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً) (1). 6 - الربيع بن خثيم - رحمه الله -: عن عبد الرحمن بن عجلان قال: (بِتُّ عند الربيع بن خثيم ذات ليلة، فقام يصلي، فمرَّ بهذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (21) سورة الجاثية. فمكث ليلته حتى أصبح ما جاوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد) (2). 7 - مطرف بن عبد الله - رحمه الله -: قال مطرف بن عبد الله: (إني لأستلقي من الليل على فراشي، فأتدبر القرآن، وأعرض عملي على عمل أهل الجنة، فإذا أعمالهم شديدة. {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (17) سورة الذاريات. {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (64) سورة النمل، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر، فلا أراني فيهم. فأعرض نفسي على هذه الآية {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (42) سورة المدثر. فأرى القوم مكذبين. وأمُرُّ بهذه الآية {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (102) سورة التوبة، فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم) (1). من قصص تدبر القرآن الكريم: تدبر أعرابي: ذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ من سورة المائدة حتى وصل إلى قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فقال الأعرابي: ما هذا بكلام الله! فقال القارئ: أتكذب بكلام الله؟!. قال الأعرابي: لا. فرجع القارئ إلى حفظه، واسترجع، وقرأ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (38) سورة المائدة فقال الأعرابي: عَزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم ما قطع) (2). تدبر جارية: ذكر الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: (حكى الأصمعي (3) قالسمعت جارية أعرابية تنشد وتقول: أستغفر الله لذنبي كله ... قَبَّلتُ إنساناً بغير حِلِّه مثل الغزال ناعماً في دَلِّه ... فانتصف الليل ولم أصلِّه فقلت: قاتلك الله! ما أفصحك!. فقالت: أو يُعَدُّ هذا فصاحة مع قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (7) سورة القصص، فجمع في آية واحدة بين أمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين) (1). قلنا: الأمران هما: {أَرْضِعِيهِ}، {فَأَلْقِيهِ}. والنهيان هما: {وَلَا تَخَافِي}، {وَلَا تَحْزَنِي}. والخبران هما: {وَأَوْحَيْنَا}، {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ}. والبشارتان هما: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}، {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}. _________ (1) حلية الأولياء لأبي نعيم (2/ 158). (2) حلية الأولياء (2/ 112)، قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - للربيع بن خثيم: (يا أبا يزيد! لو رآك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين) المرجع السابق (2/ 106). (1) حلية الأولياء (2/ 198). (2) جلاء الأفهام للإمام ابن القيم ص (88) طبعة مكتبة المتنبي بالقاهرة. (3) (الأصمعي): هو عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع، أبو سعيد الأصمعي البصري، أحد الأعلام، قال عنه الشافعي: ما عَبَّر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي. وولد عام (122 هـ)، وتوفي عام (215 هـ)، وقيل غير ذلك، راجع سير أعلام النبلاء للذهبي (10/ 175). (1) تفسير القرطبي (7/ 251 - 252) طبعة مناهل العرفان.
__________________
|
#28
|
||||
|
||||
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد
(28) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي العمل بالقرآن بين الترغيب والترهيب وفيه أربعة : أولاً: اقتضاء العلم للعمل اعلم - رحمك الله - أن طلب العلم مما تتنوع فيه الأغراض، وتختلف فيه المقاصد والنيات، كما أنه وسيلة من الوسائل التي يتوصل بها الإنسان إلى الأهداف والغايات، فمن الناس مَنْ يطلب العلم لغرض دنيوي، وذلك بأن يكون له به جاه وهيبة، وشرف ومكانة، ومنزلة وكرامة، ومنهم من يبتغي به الرياسة والقيادة، والهيمنة والزعامة، ومنهم مَنْ يتوصل به إلى أغراض دنيئة، ومقاصد خسيسة، كحب السيطرة والاستبداد، والجدل والمباهاة والمماراة. وأسعد الناس بالعلم، وأحسنهم حظاً وأزكاهم، وأشرفهم منزلة عند الله من يطلبه لمرضاة الله، والعمل به، والاهتداء بنوره، والامتثال لأمره. عن إياس بن عامر قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي، ثم قال: (إنك إن بقيت، سيقرأ القرآن ثلاثة أصناف: فصنف لله، وصنف للجدال، وصنف للدنيا، ومَنْ طلب به أدرك) (1) فالمقصود الأعظم من العلم ليس أن يتزين به الإنسان، ولا أن يتشرف بتحصيله وجمعه، ودراسته وروايته، وتحقيقه ونشره من غير أن يكون له رغبة في العمل به، والالتزام بمقتضاه. ثانياً: وجوب العمل بالقرآن الكريم إن الهدف الأسمى، والغاية العظمى، من إنزال القرآن الكريم هو العمل به، واتباع أوامره، ولذا فقد ورد الأمر في كتاب الله بوجوب العمل به في مواضع عدة من كتاب الله - جل وعلا - منها. الدليل الأول: قال تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (106) سورة الأنعام قال ابن كثير - رحمه الله -: (يقول تعالى آمراً رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولمن اتبع طريقته: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أي: اقتد به، واقتف أثره، واعمل به، فإن ما أوحي إليك من هو الحق الذي لا مرية فيه، لأنه لا إله إلا هو) (1). قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: (قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} يعني القرآن، أي: لا تشغل قلبك وخاطرك بهم، بل اشتغل بعبادة الله) (2). الدليل الثاني: قال تعالى في سورة الأعراف: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} (3) سورة الأعراف. قال القرطبي - رحمه الله -: (قوله تعالى: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} يعني الكتاب والسنة. قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}(1) الخلاصة: مما سبق من الآيات وغيرها كثير، يدل دلالة واضحة على وجوب اتباع القرآن والعمل به، وهي إما آيات صريحة جاءت بفعل الأمر (اتبعوا) وهو دال على الوجوب بلفظه، وإما بأمر الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، باتباع ما أوحي إليه وهو القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكما هو معلوم أن الأمر للنبي أمر لأمته مالم يأت تخصيص له - صلى الله عليه وسلم -. فتأمل - أخي الحبيب - أين نحن من العمل بالقرآن في حياتنا وواقعنا؟ فهل من توبة صادقة وعودة محققة إلى مصدر العز والشرف؟ حتى نفوز بالسعادة في الدارين، قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (123) سورة طه. ثالثاً: الترغيب في العمل بالقرآن الكريم لقد ورد في فضل العاملين بالقرآن الكريم، المتبعين له، المتمسكين بهديه، كثير من الفضائل بعضها في الدنيا، وبعضها في الآخرة ومن ذلك: 1 - العمل بالقرآن الكريم سبب للهداية في الدنيا والآخرة: قال تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه - رحمهم الله - {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا ...} (17) سورة الزمر نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي ذر، وسلمان الفارسي - رضي الله عنهم - والصحيح أنها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان، وأناب إلى عبادة الرحمن فهؤلاء لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ثم قال عز وجل: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ...} أي: يفهمونه ويعملون بما فيه {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} أي: المتصفون بهذه الصفة هم الذين هداهم الله في الدنيا والاخرة. (1) قال ابن عباس: ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. وقال: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة، ووقاه الله يوم القيامة سوء الحساب. _________ (1) رواه الدارمي (2/ 526). وهو ضعيف فيه إياس بن عامر ليس بالمعروف. راجع أخلاق حملة القرآن للآجري ص (41) تحقيق فواز أحمد زمرلي، طبعة دار الكتاب العربي. (1) تفسير القرطبي (7/ 145). (1) تفسير ابن كثير (4/ 53).
__________________
|
#29
|
||||
|
||||
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد
(29) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي العمل بالقرآن بين الترغيب والترهيب ثالثاً: الترغيب في العمل بالقرآن الكريم 2 - العمل بالقرآن سبب للفلاح في الدنيا والآخرة: قال تعالى: {... فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف. قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: وقوله: {وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ} أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغاً إلى الناس {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي في الدنيا والآخرة. روى الدارمي بسنده عن أبي موسى - رضي الله عنه -: (إن هذا القرآن كائن عليكم وزرا، اتبعوا هذا القرآن، ولا يتبعنكم القرآن، فإن من تبع القرآن يهبط به في رياض الجنة) (1). 3 - العمل بالقرآن سبب للرحمة في الدنيا والآخرة: قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (155) سورة الأنعام. قال الإمام الطبري - رحمه الله -: (يعني جل ثناؤه بقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى نبينا محمد - {فَاتَّبِعُوهُ} يقول: فاجعلوه إماماً تتبعونه وتعملون بما فيه أيها الناس قال تعالى: {وَاتَّقُواْ} يقول: واحذروا الله في أنفسكم أن تضيعوا العمل بما فيه وتتعدوا حدوده وتستحلوا محارمه ... وقوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} يقول: لترحموا فتنجوا من عذاب الله وأليم عقابه). (2) قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (يرغب سبحانه عباده في كتابه ويأمرهم بتدبره، والعمل به، والدعوة إليه، ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والآخرة لأنه حبل الله المتين). (1) قلنا: لا يخفى أن (لعل) محققة الوقوع لأنها من الله، فالرحمة في الدنيا والآخرة لمن اتبع القرآن وعمل به. 4 - العمل بالقرآن سبب للشفاعة في الآخرة: عن النواس بن سمعان الكلبي قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران " وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: " كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق. أو كأنهما حزقان (2) من طير صواف تحاجان عن صاحبهما " (3). فهذا الحديث يبين أن العاملين بالقرآن في الدنيا يشفع لهم القرآن يوم القيامة. 5 - العمل بالقرآن سبب لتكفير الذنوب وإصلاح البال: قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} (2) سورة محمد. قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} لم يخالفوه في شيء، قال سفيان الثوري: {وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ} يريد أن إيمانهم هو الحق من ربهم، وقيل: أي أن القرآن هو الحق من ربهم، نسخ به ما قبله. {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي: ما مضى من سيئاتهم قبل الإيمان. {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي: شأنهم، عن مجاهد وغيره. وقال قتادة: حالهم. وابن عباس: أمورهم. والثلاثة متقاربة وهي متأولة على إصلاح ما تعلق بدنياهم. وحكى النقاش أن المعنى أصلح نياتهم ... وهو على هذا التأويل محمول على صلاح دينهم). (1) قال الإمام الشنقيطي - رحمه الله -: (أي غفر لهم ذنوبهم، وتجاوز لهم عن أعمالهم السيئة {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي: أصلح لهم شأنهم وحالهم إصلاحاً لا فساد معه) (2) قال الإمام الطبري - رحمه الله -: {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ}: وأصلح شأنهم وحالهم في الدنيا عند أوليائه، وفي الآخرة أن أورثهم نعيم الأبد والخلود الدائم في جنانه. (3) هذه هي الثمرات الزكية والفضائل المرضية، وحسن الجزاء في الدنيا والآخرة للعاملين بالقرآن الكريم، المتمسكين بأوامره، فهل من مشمر عن ساعد الجد لنيل تلك الدرجات، والفوز برضا رب البريات. _________ (1) سنن الدارمي ج2 ص 526 ح3328. (2) تفسير الطبري (8/ 92) طبعة دار الفكر. (1) تفسير ابن كثير (2/ 280). (2) حزقان: جماعتان، الحزق والحزيقة الجماعة من كل شيء. ابن الأثير في النهاية (1/ 364) دار الكتب العلمية. (3) رواه مسلم كتاب الصلاة باب فضل سورة البقرة ح 1843 (1338)، الترمذي في فضائل القرآن (2883) باب ما جاء في سورة آل عمران ج8 ص 161، مسند أحمد (16979). (1) تفسير القرطبي (16/ 191). (2) أضواء البيان (7/ 245). (3) تفسير الطبري (26/ 39) طبعة دار الفكر.
__________________
|
#30
|
||||
|
||||
رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد
(30) هجر القرآن* أبو أنس محمد بن فتحي
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |