إدارة الذات للوقت: مقترح عملي في الإدارة الإسلامية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 790 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 133 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 33 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 96 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 17-11-2019, 08:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي إدارة الذات للوقت: مقترح عملي في الإدارة الإسلامية

إدارة الذات للوقت: مقترح عملي في الإدارة الإسلامية


الفريق عبدالعزيز بن محمد هنيدي





الفصل الأول: مفهوم إدارة الذات للوقت

هذا الفصل هو لُبُّ موضوع كتابي هذا، وما سبق كان عبارةً عن مدخل لهذا الموضوع، وأعتبر أنَّ مقومات نَجاح الشخص في عبادته لله - تعالى - والقيام بكل ما عليه من مَسؤوليات وواجبات من أمور دنيوية، وأيضًا استعداده لحياة الآخرة؛ لذا عليه أن يُحْسِنَ إدارةَ ذاته، ويُوازن بين الأقسام الخمسة لنشاطاته في الليل والنَّهار، كما سنُوضِّحه لاحقًا، وإدارة الذات للوقت قد أطلق عليها بعضُ الكتَّاب اسمَ: الإدارة الذاتية، وجاء في تعريفها على أنَّها "فلسفة معينة، ومَنهج مُتطور لدى الإداري، يُمكن من خلاله تطويرُ الإمكانِيَّات والقُدرات والمهارات الذاتية للفرد، في سبيل تحقيق أكبر الإنجازات وأفضل النتائج بشكل عام"[1].

أمَّا إدارةُ الذات للوقت، فأرى أنَّها هي قُدرةُ الإنسانِ المسلم على تَخطيطٍ وتنظيمٍ وتوزيعٍ كاملٍ للوقت، والقيام بالمسؤولِيَّات والواجبات، وتَحقيق الأهداف المرسومة بطريقة متوازنة، تُلبِّي مُتطلبات الأمور الدينية والدُّنيوية؛ بهدف تَحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، وإرضاءِ الضمير؛ ابتغاءً لمرضاة الله - عزَّ وجل.

إنَّ الإداريَّ المسلم، وبِخَاصَّة من تُناط به المسؤوليات الكبيرة، ويُعَدُّ وقتُه ثَمينًا، وقراراته ذات أثر كبير على الآخرين - لهو في أمسِّ الحاجة إلى تنظيم وقته، وإلى منهجٍ لتطوير إمكانياته ومهاراته الذاتية؛ من أجل تَحقيق أكبر الإنجازات، وأفضل النتائج، سواء على المستوى الفردي، أم على مستوى المؤسسة العسكرية، أم المدنية بشكل عام.

وتعتمد الإدارةُ الذاتية على مدى واقعية الشَّخص، وانطباعاته وقناعته الذَّاتية، إضافةً إلى توفُّر بيئة تطويرية مناسبة تشتمل على مقوماتٍ عَديدة، من أهَمِّها المحافظة على التكوين الجسمي السليم، وتوفُّر بعض الصفات الشخصية المميزة، واكتساب بعضِ المهارات، كمهارة اتِّخاذ القرارات وحل المشكلات، وغيرها من المهارات الاجتماعية والإشرافية اللاَّزمة في مَجال الاتِّصالات والعلاقات والمناقشات والحوار، مع التأقلُم البيئي والعاطفي مع المتغيِّرات المختلفة التي يُواجهها الإداري أو الشخص العادي.

الفصل الثاني: عوائق إدارة الذات للوقت
قبل الدخول في تفاصيل إدارة الذَّات، هناك عوامل اجتماعية وبيئِيَّة ينبغي البَدْء بِهَا؛ لأنَّها تؤثِّر في إدارة الذات، مثل: العادات، والتقاليد، والمناسبات، والأعراف، والأنماط الاجتماعية المختلفة، التي على الإداري أن يدرك مدى تأثيرِها الكبير والمباشر على إدارته لوقته، ومن هذه العوامل[2]:
1- كثرةُ المناسبات الاجتماعية، وتَشمل مُناسباتِ الأفراح والولائم، واللقاءات والدوريات الاجتماعية، والزِّيارات العائلِيَّة طويلة الأَمَد خلالَ عُطلة الأسبوع؛ حيثُ يَقضيها الناس في لعبة الورق والثرثرة ساعاتٍ طويلة، وكلها - إذا لم يتم تنظيمها بطريقةٍ سَليمة وصحيحة - تؤثِّر على وقتِ الإنسان، وتُعطِّل إنجازَ الكثيرِ من المهام؛ مِمَّا يدفع الإنسانَ إلى تأجيلها وتأخيرها.

2- الزيارات المفاجئة وغير المخططة، والمقصود زيارةُ الأقارب والأصدقاء دون سابق موعد أو مكالمة هاتفية للتعرُّف على مدى استعداد الشخص لاستقبال الزُّوَّار أم لا.

3- العواطف والمجاملات الاجتماعية، ويقصد بها صُعوبة الاعتذار عن الدَّعوات لزيارةِ الأصدقاء والأقارب في منازلهم أو مناسباتهم؛ بسبب ارتباط الشخص بأعمالٍ ومهامَّ كان بالإمكان إنجازها؛ لأن الاعتذار أو قول كلمة (لا)، قد تفسَّر بنوع من عدم التقدير والاهتمام بالآخرين.

4- التسويف والتأجيل للمهام، وهو من العوامل التي تُعطِّل الوقتَ، وتؤخِّر الإنجاز، والتأجيل قد يكون عادةً ناتِجًا عن عدم المبالاة والاهتمام بالوقت.

5- عدم تحديد الأهداف: كثيرٌ من الناس لا يهتمون بتحديد أهدافٍ لمهامهم وأعمالهم، والسَّعْيِ إلى تَحقيقها بطريقة مُنظَّمة وصحيحة خارجَ العمل الوظيفي، وبشكل خاص خلالَ عُطلةِ نِهَاية الأسبوع؛ حيث تضيعُ الساعات دونَ إنجاز، إضافةً إلى ذلك أرى أنَّ من أهم عوائق وعدم توازُن الوقت الذي يَحتاج إلى كتاب خاص بذلك هو (السهر)؛ حيث إنَّ التأخر عن النوم في الوقت المناسب ينتج عنه التأخُّر عن أداء صلاة الفجر في مَوعدها، أو أدائها بإرهاق، بجانِبِ عدم أخْذِ الوقت الكافي للنوم والراحة لمقابلة اليوم التالي بالنشاط والحيوية، وقد حَثَّ الإسلام كثيرًا على عدم السهر، واعتبره نبيُّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - أشبه بالحمى، فعلى القائد والمسؤول خاصَّة، والمسلمين عامة مُحاربة السهر بكل ما يُمكن من وسائل، أمَّا المضطرون للسَّهر للمُناوبات والورديات، وبحكم طبيعة عملهم، فلهم عُذرهم، ويعوضون حاجتهم للنوم في وقت آخر، وكذا الذين يتهجدون في الليل، أو يؤدون صلاةَ القيام في العشر الأواخر من رمضان المبارك.

الفصل الثالث: التقسيم الخماسي لإدارة الذات للوقت
يهدف كلُّ شخصٍ خلالَ فترة حياته إلى تَحقيق توازُن زمني لساعات اليوم الأربع والعشرين، تُمكنُه من إدارة وقته بطريقة فَعَّالة تُحقِّق التناغُمَ الحيوي لديه؛ لتكونَ نتيجة تلك الفعالية والكفاءة في مَجال العمل والحياة العامَّة والخاصة، وقد فكرت في الطريقة المثلى لتوزيع ساعات اليوم، فخرجت بمتوسط لساعات الليل والنهار، والتي يمكن للإنسان توزيعها على الأربع والعشرين (24) ساعة؛ انظر الشكل رقم (2)، وبشكل خاص الشكل رقم (3)، الذي يُبين فيه التوزيع الخماسي للوقت في الحياة؛ بحيث تَمَّ تقسيم إدارةُ الذات إلى خمسةِ أقسام تُمثل أوقاتَ الحياة، وهذه التقسيمات يُمكن توضيحها كما يلي:
القسم الأول: الوقت الخاص بأمور الدين.
القسم الثاني: الوقت الخاص بالأهل.
القسم الثالث: وقت العمل (العمل الرسمي).
القسم الرابع: الوقت الخاص بالأرحام والأصدقاء.
القسم الخامس: الوقت الخاص بالذات (إدارة الأمور الشخصية).



مع العلم أن الشكل رقم (3) يوضح بدقة كيف يمكن توزيع الـ(24) ساعة على الأقسام الخمسة المذكورة في الشكل رقم (2)، وما يتفرع منها، وعندما يضطر الإنسان مؤقتًا لعدم المحافظة على ذلك التوزيع الدقيق، فيمكن أن يعوض عن ذلك في العطل الأسبوعية والأعياد والإجازات؛ للحفاظ على التوازن المنشود.



القسم الأول: الوقت الخاص بأمور الدين:
ركَّز الدين الإسلامي الحنيف على أهميةِ الوقت؛ حيث يتمثَّل ذلك في مواعيد الصَّلاة والعبادات الأخرى، وأهمية الالتزام بها، في حين اهتمَّ الغربُ بالوقت كقيمةٍ إنسانية في الحياة، وقارنوا أهميةَ الوقت بأهمية المال، وهو قد يفوق المالَ في الأهمية لدى البعض[3].

وهذا القسم هو أولُ وأهمُّ أقسام الوقت بما له من تأثير مُباشر على الأقسام الباقية، وهو الوقت الذي يُخصصه الفرد للاهتمام بأمورِ دينه وعَقيدته، وفي مُقدمتها أركان الإسلام الخمسة، وخاصَّة الصلاة والمحافظة على أدائها في أوقاتِها مع الجماعة، وكلنا يعلم عظمةَ الصلاة وأهميتها في تنظيم الوقت، ومُحاربة السهر، ومُحاولة النوم المبكر؛ للاستيقاظ لصلاة الفجر، وما في الصلاة من نظام وتعارُف ونظافة وانضباط وغير ذلك، مع الحرص على بقِيَّة الأركان الأخرى من زكاة وصيامٍ وحج؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وقال - تعالى -: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].

وأن يتمَّ ذلك باعتدال وتوسُّط دون مبالغة أو غُلُو أو تساهل (لا إفراط أو تفريط)؛ قال - تعالى -: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]؛ لأَنَّ الإيمان والتسليم بقضاءِ الله وقدره، وخشية الله - تعالى - والإكثار من الذِّكر والعمل الصالح، والبُعد عن المحرمات - تَجعل حياةَ الإنسان هادئة وطيبة وفعَّالة، ينعم فيها بالسكينة والطمأنينة، وينتفع بوقته ويُتقن عمله؛ قال - تعالى -: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقال - تعالى -: ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ [طه : 1 - 2]؛ ولذلك فإنَّ المسلمَ المستقيم العميق الإيمان، المتمسك بالقيم الإسلامية، المتَّبع لشرعِ الله، ولسُنة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو أكثرُ الناس تَحمُّلاً للمسؤولية، يتوخَّى العدلَ، ويُحِقُّ الحقَّ، ويُبطل الباطل، وهو أمين لا يَخون، يؤدي عملَه بإخلاص وتَجرد، ويوفي بالتزاماتِه بمنتهى الدقَّة والصدق؛ لذا تعتز به المؤسسة التي يعمل بها، ويسعد به زملاؤه ورؤساؤه؛ قال الله - عزَّ وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].

وخُلاصة هذا القسم أنَّ الإسلامَ دينٌ يَعرِف قيمةَ الوقت، ويقدر خُطورةَ الزَّمَن، ويُؤكِّد الحكمةَ القائلة: "الوَقْتُ كالسيف، إن لم تقطعه قطعك"، ويَجعل من دلائل الإيمان وأمارات التُّقى أنْ يعي المسلم هذه الحقيقةَ، ويَسير على هُداها، ويَعُدُّ اللاَّهين عن غدهم، والغارقين في حاضرهم ببريق الدار العاجلة - قومًا خاسرين؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7 - 8]، وقد وزع الإسلام عباداتِه الكبرى على أجزاء اليوم وفصول العام.

فالصلواتُ الخمس تكتنفُ اليومَ كُلَّه، وأوقاتُها تضطرد مع سيره، والمقرر في الشريعة أنَّ جبريل - عليه السَّلام - نزل من عند الله - تعالى - ليرسمَ أوائل الأوقات وأواخرها؛ ليَكُونَ من ذلك نظامٌ مُحكم دقيقٌ يرتب الحياةَ الإسلامية، ويُقسمها بالدَّقائق من مَطلع الفجر إلى مغيب الشفق[4]، ومن كلماتِ الحسن البصري في ذلك: "ما مِن يومٍ يَنشق فجرُه إلاَّ نادى منادٍ من قبل الحق: يا ابنَ آدم، أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزَوَّد مني بعمل صالح، فإنِّي لا أعود إلى يوم القيامة".

وهذه الحكم تنبع من روحِ الإسلام، ومن تفقه تعاليمه العظيمة في الإفادة من الحياة الأولى للحياة الكبرى، وإنه لَمِن فضل الله ودلائل توفيقه أنْ يلهمَ الرجل استغلالَ كلِّ ساعة من عمره في العمل، والاستجمام من جُهْدٍ استعدادًا لجهد آخر[5]، وفي ذلك قال وهب بن منبه في حكمة آل داود: "حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يُناجي فيها ربه، وساعة يُحاسِب فيها نفسَه، وساعة يُفضي فيها إلى إخوانه الذين يُخبرونه عن عيوبه، ويصدقونه عن نفسه، وساعة يَخلو بين نفسه وبين لذَّاتِها فيما يحل ولا يحرم"، وهي حِكْمة ينبغي علينا أخذها بعين الاعتبار في تنظيمِ وَقْتنا وإنجاز مهامنا.

القسم الثاني: الوقت الخاص بالأسرة والبيت:
وهو لا يقل أهميةً عن الأقسام الأخرى، بل هو الأهمُّ بعد القسم الأول؛ لأَنَّ الأهلَ أو الأسرة هي القاعدة الأساسية الكبرى التي ينطلق منها الإنسانُ، بل هي اللبنة التي تبنى بها الشعوب والأمم، وقد أحاط الإسلامُ الأسرةَ برعاية ملحوظة؛ لأَنَّها تنبع من مَعين الفطرة، وأصْل الخلقة، وقاعدة التكوين الأولى للأحياء جميعًا وللمخلوقات كافَّة، وهي نظام ربانيٌّ للإنسان وتكوينه ودَوره في هذه الحياة، فالأسرة يتم فيها إعدادُ الإنسان وبناء شخصيته وتربيته للمستقبل، يتلقَّى فيها مشاعرَ الحب والرحمة والتكافُل، ويُعَدُّ ليكونَ صالحًا للمجتمع، ولا يُمكن أن يشق الإنسان طريقه في الدراسة ما لَم يَسبق ذلك تربيةٌ صالحة، ومكانُها ومُحيطها المناسب (البيت).

ودَور الأب في الأسرة مهم جدًّا، وشديد الحساسِيَّة، فالأب يَجب أن يكرس وقتًا كافيًا لأبنائه، يسأل عن مستوياتِهم الدراسية، ويحضر مجلس الآباء، ويَرعى شؤونَ الأسرة، ويؤمِّن لهم احتياجاتِهم المادية، ويُخصِّص لهم مُرتبات شهرية حسب مستواهم الدِّراسي؛ حتى يربي فيهم حسنَ التدبير، وعدم الحاجة للغير، مع مُحاسبتهم بدِقَّة على مصروفاتِهم؛ حَتَّى لا يتعلموا الإسراف، كما عليه أنْ يكلفهم ببعض الأعمال الإدارية البسيطة في المنزل حسب أعمارهم، فمثلاً يكلف الابن بالاهتمام بالسلامة في المنزل، كالاهتمام بطفاية الحريق، وصندوق الإسعافات الأولية، ويكلف الابنةَ بترتيب وتنسيق أثاث المنزل ومُتابعة تسلُّم راتب الخادمة (إذا وجدت) وهكذا، ويُحيطهم بالرعاية والحب، ويَغرِس فيهم القيمَ الإسلامية، ويَهتم بتعليمهم، ويُراقب سُلُوكَهم، ويتعرَّف على أصدقائهم، ويقدِّم لهم النُّصحَ والتوجيه دون قَسوة أو لين مفرط، ويطلب من أبنائه الابتعادَ عن أصدقاء السوء، فيشبوا بذلك أصِحَّاء أسوياء دون عُقَد أو اعوجاج، مؤمنين أتقياء، مُتبعين في ذلك تعاليمَ الإسلام وهدي النبوة، ولعلَّ أهمَّ واجب يقوم به الأبُ لأبنائه هو حَثُّهم على الصلاة مع الجماعة في أوقاتِها، وخاصة عندما يؤمرون بذلك، وأن يكون هو وزوجته قدوةً حسنة للأولاد والبنات.

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((... ومروا أولادَكم بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فذلك وقاية لهم ولكم من النار))[6].

وقال الإمام الغزالي: "والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإِنْ عُوِّدَ الخيرَ وعلِّمه، نشأ عليه، وسَعِدَ في الدُّنيا والآخرة..."[7].

أمَّا دور الأم، فلا يقلُّ أهميةً عن دور الأب، وخاصَّة أنَّها تتعايش مع أبنائها، وتحس بهم منذ أن يكونوا أجنَّة في أحشائها، ثُم ما تَحمله عند الولادة من آلام، ثم الحضانة والرعاية المستمرة دونَ ملل أو تعب، كما أنَّ اهتمامَ الأب بمسؤولِيَّاتِه يدفع الأمَّ لمعاونةِ زوجها في كل واجباته التربوية، بل من دونها تكون الفعالية قليلةً، كما عليها القيامُ برعاية البيت، وتدبير شؤون المنزل، وتربية الأولاد، وحضور مَجلس الأمهات والمعارض بمدارس البنات، وتَهيئة الجو المناسب لزوجها؛ ليستريحَ فيه، ويَجد ما يذهب بعنائه ويُجدِّد نشاطَه، فينعم بالحب والسكينة وراحة البال.

كما يَنبغي الاهتمامُ بالزوجة، والجلوس معها، والسكون إليها، ومُلاحظتها، ومناقشة شؤون الأسرة؛ ولذلك يَجب أنْ يُخصص لها جزءٌ من الوقت؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ شيء ليس فيه ذكر الله لهو ولعب، إلاَّ أربعًا)) ذكر منها: ((ملاعبة الرجل امرأته...))[8].

وعلى الزوج أيضًا أن يخصص لزوجته مُرتبًا شهريًّا مناسبًا إن أمكن؛ حتى يُجنبَها الحاجة لسؤاله، فتستطيع بذلك مساعدة أهلها، وخاصة والدتها وأقاربها وأبناءها، فيصون كرامتها، ويُحافظ على كبريائها، وينمي علاقاتهما.

كما يَجب أن يكونَ هناك اتِّفاق وتنسيق وتبادُل للأدوار بين الزوج والزوجة في تربية الأبناء؛ بحيث يكون الزوج حازمًا أحيانًا ولينًا أحيانًا، وهكذا الزوجة؛ حتى يَجد الأولاد الكنف والملجأ بعد الله - تعالى - وإذا كان الأب والأم شديدين، فإنَّ الأبناءَ سيضطرون للبحث عن جهة أخرى للتوجيه والمساعدة، وقد تكون تلك الجهة مصدرَ التَّعَاسة والرأي الخطأ، فتتزعزع أركانُ الأسرة، ومن هذا المنطلق يَجب تبادُل الأدوار بين الزوجين، فمثلاً عندما يكون الزوجُ قاسيًا مع أبنائه، يَجب أن تكونَ الزوجة لينة وحنونًا معهم، وكذلك العكس، وبذلك تتم المحافظةُ والمراقبة المستمرة على التربية الصحيحة للأبناء، ومع ذلك يَجب أن تتسم شخصيةُ الأب بالجد والحزم، وخاصَّة مع الأولاد، أو في الظروف التي تَحتاج لذلك، مُراعيًا في ذلك عِظم المسؤولية الملقاة على راعي البيت أمامَ الله يومَ الحساب؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله - تعالى - سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته))[9].

كما يَجب ألاَّ ننسى أهميةَ الاهتمام الشديد بالوالدين ورِعايتهما، والإحسان إليهما، ونتذكر دائمًا ما ورد بِحَقِّهما في القرآن الكريم والسنة النبوية، كما يَنبغي ألاَّ يتعارض الاهتمام بالوالدة مع الاهتمام بالزوجة، فالحكيمُ مَن يُعطي كل ذي حق حقه، وبعض الرجال لا يُحسِن توازن اهتمامه بوالدته، وفي الوقت نفسه زوجته، دونَ تقصير في حق أي منهما، كما على الزوجة أن تساعِدَ زوجها على الاهتمام بوالدته، وكذا على الأم مُساعدة ابنها على الاهتمام بزوجته.

ومن هذا المنطلق يَجب أن نعطي الأسرةَ حَقَّها من الوقت والعناية والرعاية؛ لكي نجعل منها أسرةً متماسكة متحابة، فتشعر بالاستقرار والهناء، وننجح في أعمالنا، ونُقدِّم للمجتمع مواطنين صالحين، وحتى نقي أنفسَنا وأهلينا نارَ جهنم والعياذ بالله؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، وقبل أن ننتهي من هذا القسم المهم جدًّا يجب أنْ أشيرَ إلى أهمية (البيت)، الذي يَحتضن الأهلَ، ومنه ينطلقون للصلاةِ والعمل، وفيه يَستقبلون ضيوفَهم، وفيه تقامُ الأفراحُ، وفيه يَسكنون، وينامون، ويسعدون، ويُحسِنون إلى جيرانهم ومعارفهم بنفس الاهتمام به، وأن تَحوطه السعادة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 126.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 124.41 كيلو بايت... تم توفير 1.98 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]